أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سعده - مسجد الرحمة















المزيد.....

مسجد الرحمة


أحمد سعده
(أيمï آïم)


الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 07:37
المحور: حقوق الانسان
    


كنت أعتقد أن سهرتي انتهت بعد أن أغلقت المحلات أبوابها، ووجدتها فرصة نادرة للتجول في شوارع وسط البلد بعد خلوها من المارة والبائعين وضجيج السيارات، ميدان طلعت حرب مختلف جدا بعد الساعة الواحدة ليلا، الشوارع تتنفس صعداء الهدوء بعد انتهاء كرنفالات البيع والشراء، عمارات وسط البلد تتميز بطابع فني معماري قديم، فعلا القاهرة ليلا تختلف كثيرا عن قاهرة النهار.
على الرصيف رجل نظافة في عقده الخامس ضعيف الجسد، قصير القامة يرتدي أفارول أخضر يقوم بعمله اليومي في تنظيف ما تسبب فيه الساهرون والبائعون والمثقفون، أوراق وبقايا طعام ومناديل وسجائر وأكياس وعلب مياه غازية، راتب عامل النظافة لا يتعدى الثلاثمائة جنيها، مبلغ لايكفي حتى شراء دواء لجسده النحيل.على الجهة الأخرى من الرصيف رجل طويل القامة، في عقده الخامس أيضا، يرتدي جاكيت صوف طويل مستورد منتظر أمام سيارته موديل مرسيدس إس 500 ، يتحدث في المحمول بصوت عالي وغاضب ويسب بكل أنواع السباب، لم أركز كثيرا معه، لكن فقط انتبهت لعلامات الرضا على وجه رجل النظافة رغم كل معاناته وشقائه وبؤسه وحرمانه، وعلامات الغضب على وجه رجل المرسيدس، رغم أن قطعة غيار واحدة من السيارة تكفي لإعاشة عامل النظافة عامان على الأقل.
الجو اشتدت برودته رغم اعتداله في الأيام الأخيرة، والرياح زادت سرعتها بشكل جعلني أقرر انهاء جولة المشي وأستقل طريقي للمنزل، لكن هالني ما رأيت أمام مسجد {الرحمة} بعد مترات من محل الماكولات السريعة (قزاز)، سيدة تلتحف بطانية تغطي كامل جسدها المرتعش بشدة من البرد، لا أعرف لماذا تسمى نسبة كبيرة من مساجدنا بالرحمة!!، توقفت بجوارها لا أعرف ماذا أفعل، الكل يمشي وكأن الأمر معتادا، رغم أن هناك إنسانا يوشك على الموت، والمسجد مغلق رغم الإضاءة العالية، وهنا تذكرت الفنان السوداني محمد بهنس الذي مات متجمدا من البرد على أرصفة شوارع القاهرة منذ حوالي شهر، الرسول يقول في حديث (لا قدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها ولا يتعتعه) يذكرنا الرسول بحقوق فقراء الشعب، حقوقهم في الرعاية والحماية من الظلم والتمييز والقهر، وسألت نفسي ماذا لو ماتت هذه السيدة قبل حلول الصباح؟!! هل سيدري البشر حجم قسوتهم؟؟ ما فائدة المسجد وغيره آلاف المساجد إذا لم تكن مأوى للضعفاء في أيام البرد، وحتى غير أيام البرد؟؟
سمعت أن تكلفة بناء مئذنة المسجد قد تصل لنصف مليون جنيه وحدها، رغم أن الفاطميين كانوا يستخدمونها بغرض رفع الآذان من أعلى قمتها في عصر لم يكن فيه الميكروفونات، الآن مع ثورة مكبرات الصوت ولا يزال الإصرار على انفاق ملايين الجنيهات في بناء مآذن المساجد وأجراس الكنائس، في قريتي الصغيرة حيث يوجد أبي وشقيقاتي توجد مدرستان إحداهما ابتدائية والأخرى إعدادية تتكدس فصولهما بأكثر من خمسين تلميذ للفصل الواحد، في مقابل أكثر من عشرين مسجدا لا يكمل فيها المصلين صفا واحدا، ومستشفى واحدة تفتقر لأدنى الامكانيات العلاجية، اطمئنوا لن يقبل الله عباداتكم طالما هناك من يموتون من البرد ومن الجوع ومن المرض، هل تعوضون غياب الصلة الروحانية بالله، بإيمان شكلي زائف؟.
السيدة يزيد ارتعاشها، وفي حضنها قطة صغيرة ترتعش هي الاخرى وترتبك من ارتعاش السيدة، لا ادري حقا ماذا أفعل، أحيانا أشعر بضعفي وقلة حيلتي، هل أمشي؟ هل أكتفي بدعواتي ودموعي؟ في كل الأحوال لم أجرؤ على الاقتراب منها، وقررت بكل قسوة أن اكون واحدا من عشرات البشر يسيرون في الشارع يتسابقون الخطى هربا من البرد والرياح، ركبت سيارتي وقررت العودة للمنزل، أفكر فيما سآخذ معي من عشاء، على شمالي قصر عابدين تحرسه جنود ودبابات، قصر ضخم جدا يمتلىء بالحكايات عن ملوك ورؤساء حكموا مصر، وهنا تذكرت أن هناك سيدة تموت من البرد وتذكرت الآية الكريمة { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} والماعون هو الاناء الذي نحمل فيه الطعام، فالله يتوعد القاسية قلوبهم ممن لا يشاركون من حولهم من محتاجين في الطعام ويصفهم بالرياء وعدم الرحمة، وقررت الرجوع إليها، اشتريت طعام وعصير ولبن، وما أن اقتربت منها اقترب مني رجل النظافة بابتسامة صافية ومعه زميل آخر، وألقوا السلام، لم يأتوا للطعام لكن للمساعدة.
وأيقظنا السيدة، هي بالطبع لم تكن نائمة، عجوز أنهكها الزمن، وجهها شاحب جدا، لا تتكلم، ربما مندهشة من الموقف، لا تريد طعام ولا تتكلم، القطة تشعر بالأمان بعد أن جلست السيدة، بجانب حائط المسجد علب كشري فارغة عرفت أن السيدة تستخدمها في إطعام القطة أحضرت واحدة وأفرغت فيها اللبن للقطة، ومن آخر مقهى لم يغلق أبوابه أحضرت أكواب شاي بلاستيك لهم، هنا شعرت أن جسد السيدة المرتعش بدأ يهدأ، رغم استمرار صمتها وقررت ألا أسألها عن شىء، والطعام تشارك فيه الرجلان، وسألتهما عن المسجد وعن البطاطين وعن راتبهما وعن إقامتهما وعن أشياء لا يمكنني حتى مجرد الإشارة إلى الإجاباتها المفزعة، كلام الرجلان كان فيه رضا ممزوج باليأس، أحدهما قال (ربنا يابني ياخدنا منها على خير) وهنا قبلت رأسهما، فقلت لهم أن القمر يطلع كل مساء من أجلكم، وأن الشمس تشرق صباحا كي ترى وجوهكم الراضية، وأن الله يصبر علينا وعلى أفعالنا وعلى قسوتنا ويرفض أن يطبق علينا الجبال لأن في الدنيا ناس راضية وصابرة زيكم، وذهب أحدهم وعاد بعد دقائق حاملا بطانية للسيدة وقالها خدي بالك منها علشان متتسرقش زي اللي فاتت، كنت سأندم جدا لو رجعت البيت دون أن أفعل ذلك، بالقوة الروحية الكامنة في أعماقنا يمكننا مواجهة البشر ومكافحة القوة الغاشمة ليس بالبغضاء والعنف لكن بل بالحب والهدوء كما قال الرسول في حديث حديث ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ ) أي أن فقط كن رفيقا وسهلا والرسول يعدك بأنك محرم على النار.
في طريقي للمنزل هذه المرة قابلت أكمنة شرطة تؤمن الطريق خوفا من عمليات إرهابية جديدة وتفجيرات، وسائق ميكروباص يتبادل السباب مع شاب في سيارة ملاكي لا أعرف لماذا فالطريق تقريبا فاضي، أمر يثير اشمئزازك يوميا، وآخر يسير بشكل عشوائي منسجما مع أوكا وأورتيجا وصوت سماعات سيارته العالي جدا رغم أن قليل جدا من الصوت يكفيه، تمنيت لو تحدثت معهم جميعا عن السيدة والرجلان اللي في وسط البلد.
الحمدلله حمدا كثيرا...



#أحمد_سعده (هاشتاغ)       أيمï_آïم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية .. الكنز المفقود
- رسالة إلى امرأة غائبة
- مِنَ العشيرةِ إلى الدولة... استغلالٌ لا ينتهي.
- حتى لا تصبحَ الثورةُ المصريةُ في ذمّة التاريخ
- الانقلاب العسكري
- مصر الدولة .. أم الثورة!! ؟
- النقابة العامة للبترول تعتمد اللجنة الإدارية لشركة ابسكو
- أسطورة الجيش والشعب أيد واحدة
- - حبيبتي -
- إلى أين يأخذنا الصراع.؟
- الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت


المزيد.....




- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سعده - مسجد الرحمة