أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رشيد غويلب - الفوارق ليست بين الشعوب.. الفوارق بين الطبقات/ أوروبا .. صعود اليمين المتطرف وشبح اليسار















المزيد.....


الفوارق ليست بين الشعوب.. الفوارق بين الطبقات/ أوروبا .. صعود اليمين المتطرف وشبح اليسار


رشيد غويلب

الحوار المتمدن-العدد: 4336 - 2014 / 1 / 16 - 17:22
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


شارك بينرد ريكسنغر رئيس حزب اليسار الالماني، في مؤتمر روزا لوكسمبورغ العالمي التاسع عشر، الذي أقيم يوم 11 كانون الثاني الحالي في العاصمة الالمانية برلين.
وهو مؤتمر تنظمه سنويا جريدة "اليونغة فيلت"، "العالم الشاب" اليسارية.
وقدم ريكسنغر، خلال مشاركته في طاولة حوارية عنوانها "كيف يتم الربط بين النضال ضد الفاشية والحرب وهدم المكتسبات الاجتماعية؟"، ورقة بحثية تناول فيها الكيفية التي نجحت بها حركات اليسار واحزابه، في تطوير مقاومة صعود احزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وكسر هيمنة الكتل الحاكمة.
ولآنية الحدث، واهمية ما ورد في ورقة رئيس حزب اليسار الألماني، نقدم للقراء الأعزاء عرضاً لما ورد في الورقة:
تعيش أوروبا ظاهرة صعود أحزاب اليمين المتطرف، فمن المتوقع ان يحصل حزب "الجبهة القومية" بقيادة مارينا لوبين على افضل نتائجه في انتخابات البرلمان الاوروبي، التي ستجري في ايار المقبل.
وقبل سنتين حصل حزب "الفنلنديين الحقيقيين" على 20 في المئة من اصوات الناخبين تقريبا، وحصل "حزب الشعب" الدانماركي على 12 في المئة، ويحتل حزب "الفجر الذهبي" حاليا المرتبة الثالثة في البرلمان اليوناني.
وفي المانيا تأسس حزب "البديل من اجل المانيا" اليميني الشعبوي، كانشقاق عن الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، وعلى الرغم من عدم نجاحه في دخول البرلمان الاتحادي في الانتخابات الاخيرة، الا انه حصل على 4,8 في المئة من الاصوات. ورغم انه يعاني من عدم الوضوح السياسي والتنظيمي، الا انه يمثل الى جانب "الحزب القومي الالماني" الممثل في البرلمانات المحلية، اهم تنظيمات اليمين المتطرف في المانيا.
لقد تحدث تيو سمر صاحب جريدة "دي تسايت" (الوقت) الليبرالية، في يوم 22 تشرين الاول الفائت عن "شبح"، يجوب أوروبا، ويعني به الصعود السريع لأحزاب اليمين القومي المتطرف.
لقد كتب ماركس وانجلس مرة ان الحاكمين: الحكومات، الكنيسة، والشرطة تتحالف في دعايتها ضد "الشيوعية"، وعندما شجبوا في حرب دفاعية حماسية جميع احزاب اليسار المعارضة، رأى مؤسسا الشيوعية في ذلك دليل على ان القوى المواجهة بإمكانها في الواقع ان تتجمع، وتستطيع اسقاط هياكل السلطة. وغالبا ما ينسى هذا، عندما تكيف الاستعارة على اشباح عصرنا.
فهل تمثل الاحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا خطرا؟
ومع استثناءات محدودة، تميز هذه الاحزاب نفسها عن احزاب النازية الجديدة. إنها تبتعد عن "أساطير تأسيس" (الاشتراكية القومية)، أو عبادة "زعماء" الفاشية السابقين- إلا عندما يتعلق الأمر باستفزاز مفتعل "لفرض هيمنة الصواب السياسي" في المناقشات العامة.
وتربط استراتيجيتها بـ"اليمين الجديد"، الذي يريد تأسيس جديد لحركات اليمين، مستفيدا بوعي من المفاهيم والمصطلحات (كما هو الحال مع التسمية، التي ينبغي ان تكون جوابا على "اليسار الجديد") وبداية لثقافة صراع يميني. إنهم يعتمدون على التعددية العرقية، أي على "التلوث" من التركيبة العرقية للسكان. وتتحول العنصرية في هذه الصياغة الى نوع من "دفاع الشعب عن نفسه"، وان مشكلة العنصرية اساسها وجود "الغرباء". وفي نفس الوقت تطالب احزاب اليمين المتطرف بـ" بحق تقرير المصير" في كردستان، اقليم الباسك، وفي المناطق التي تعيش صراعا? مماثلة. وحاليا توظف التعددية العرقية في "مقاومة العولمة"، ويجري بشكل غير مباشر العمل ضد المهاجرات والمهاجرين.

مفكرو اليمين الجدد

ان اليمين الجديد يعتمد على منظري "الثورة المحافظة" مثل قاضي القانون الدولي الالماني كارل شميت، والفيلسوف أوزوالد شبنغلر، ومنظري الليبرالية الجديدة كـفريدريش فون هايك، والاخير عادة ما يوصف بالليبرالي، ولكن حملته ضد التخطيط الاجتماعي و"الاشتراكية" - وعلى هذا النحو يرى اي نوع من السياسة الكنزية – تشتمل كذلك على لحظات مركزية في الديمقراطية. وهو يفضل دكتاتورية ليبرالية، وعلى هذا الاساس رأى في حكومة الوحدة الشعبية المنتخبة في شيلي في بداية السبعينيات بزعامة سلفادور اليندي دكتاتورية مستبدة. وفرض الليبرالية الجدي?ة بواسطة العنف في شيلى رأى فيها تحقيقا لـ"الحرية"، والسياسة اليمينية تسير بشكل جيد معها.
واليوم يسير حزب "البديل من اجل المانيا" على هذه السكة. ومثلا عندما يطرح عضو قيادة الحزب، والمحرر السابق لصفحة منوعات في جريدة "الفرانكفورترالغماينة تسايتنغ" المحافظة، قبل بضع سنوات افكارا تتعلق بسحب حق الانتخاب من الافراد "غير الفاعلين" و "المحتاجين للرعاية"، يصبح غير واضح في أي اتجاه – السوق المتطرفة، او الشعبوية - سيتطور الحزب. والاتجاهان لديهما مشكلة مع الديمقراطية، وكلاهما خطران.
كان الكثير من الاحزاب اليمينية الشعبوية في الثمانينيات روادا لليبرالية الجديدة في النضال ضد دولة الرفاه الاجتماعية الديمقراطية. وكانوا يريدون "تحرير الاقتصاد"، "الغاء التأميم" (الجبهة القومية – فرنسا)، " التطرف في رفع القيود على المنافسة" (الحزب الحر في النمسا)، "الفيدرالية الليبرالية" ( حزب رابطة الشمال – ايطاليا).
وفي التسعينيات تغيرت الاصطفافات: تخلت الاحزاب الاجتماعية الديمقراطية (الاشتراكية الدولية)، الى حد بعيد، عن الدفاع عن دولة الرفاه، واخضعوا سياستهم لمفاهيم الليبرالية الجديدة، كما هو الحال مع المستشار الألماني غيرهرد شرودر، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وقد ادى هذا الى هجوم كاسح على الضمانات الاجتماعية وظروف العمل، وهدد الحياة الاجتماعية لأوساط واسعة من الطبقة الوسطى، وفي حالة فقدان فرصة العمل كان الهبوط الاجتماعي سريعا، وانتشرت العمالة المؤقتة، ورفع سن التقاعد الى 67 سنة، واصبح قطاع الاجور المنخفضة هو ?لاوسع في البلدان الصناعية.
لقد استطاعوا صياغة "حكاية الليبرالية الجديدة"، التي استطاعت ان تكسب قسما جديدا من السكان. المعنى الاجتماعي لما حدث اصبح واضحا بشكل بطيء جدا. وفي البداية بدى ان المعنيين فقط هم "الآخرين"، اي العاطلين عن العمل، واصحاب الاعمال المؤقتة. وفي نفس الوقت لم تكن هناك بالكاد قوة سياسية تتناول نتائج الليبرالية الجديدة والعولمة. وهكذا حدث فراغ في التمثيل، ولم يعد هناك شبح من قريب او بعيد يتحدى السلطة، وكان لدى الحكام القليل من المخاوف.
وخلال هذه الفترة شهدت الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا طفرة، ولكن بمضامين جديدة. لقد وظفت هذه الاحزاب الفراغ الحاصل، لتطرح نفسها كممثلة لمصالح المتضررين اجتماعيا، وتربط بين شعبويتها ضد العولمة، ضد أوروبا، ضد "النخب"، والبيروقراطيين، والعنصرية، مصحوبة بقوة التعبئة ضد الفقراء في البلدان الأخرى، وفي أوروبا. وقدمت هذه الاحزاب نفسها باعتبارها "الاحزاب العمالية الحقيقية"، التي تدافع عن مصالح الشغيلة. والتقطت الأحزاب اليمينية المتطرفة المخاوف، التي نمت، نتيجة للاستقطاب الاجتماعي لتدفع بها خارج الصراع بعيدا عن?القضية الطبقية. وتبنت الدفاع الظاهري عن "الطبقة الوسطى"، و"الناس العاديين"، ضد أولئك الذين "يحصلون على دخولهم دون عمل منتج": مثل اللذين يتلقون المساعدات الاجتماعية، طالبي اللجوء، السياسيين، والمدراء التنفيذيين. وعندما تتجه هذه الاحزاب الى "الناس الشرفاء والكادحين"، فانها تتحدث عن "المركز"، الذي دفعت به السياسة الى حافة المجتمع. ولكنها تجد التأييد الواسع وسط شرائح المجتمع.
وخلال الأزمة، ومع تشديد سياسات التقشف والبؤس الاجتماعي الذي يصاحبها، تصاعدت إمكانيات الأحزاب اليمينية المتطرفة. ونمط نقدها للاتحاد الأوروبي سار في نفس الاتجاه: ممارسة التعبئة ضد الغجر والمحتاجين اجتماعيا من جهة، وضد نخب الاتحاد الأوروبي والبيروقراطيين من جهة اخرى. ان التمييز ضد اوساط المجتمع السفلى والعليا يمنحها هالة المقاومة والبديل السياسي.

الخوف والغموض

و مع تأرجح احزاب الاجتماعية الديمقراطية (الاشتراكية الدولية) في الليبرالية الجديدة، نشأ انطباع عام عن عبث السياسة، وفقدت مثل هذه السياسة شرعيتها. و هذا امر واقعي جدا، بالنظر لفقدان البدائل لسياسات الليبرالية الجديدة داخل أحزاب الطيف السياسي، وبسبب تضخم سلطة الرأسمال، التي تهدد بنقل مواقع الانتاج الى خارج الحدود، وعمليا الغاء الضرائب على الشركات، وفرض تقليص "الاجور الثانوية". ان القناعة بعدم فعالية السياسة توزعت على اساس طبقي محدد. واكثر المتضررين هم من يملكون الاقل، من اصحاب الرواتب المنخفضة، والواقعين تحت مطرقة هدم المكتسبات الاج?ماعية، والاجور الواطئة. وبالمقابل فان الأقل تضررا، اللذين يجدون مصالحهم في السياسة السائدة، الأغنياء، الأثرياء، ورجال الأعمال، الذين يجدون في الليبرالية الجديدة وضوحا في الدور الفاعل للسياسة، على الرغم من كل النقد الاجتماعي للدولة. ويذهبون جميعا للإدلاء بأصواتهم. وفي لغة البحث يطلق على هذه الحالة "التسريح غير المتماثل" "Asymmetric demobilization" . وبالمقابل تعطي احزاب اليمين الشعبوي الانطباع بـ "أنها قادرة على انجاز ما اهمله الآخرون"، وبذلك تشكل قطبا مضادا لنشر قناعة واسعة، بان السياسيين "يصرحون فقط ولا?يقدمون اي شيء". وعندما تغيب حقا الكيفية التي يستطيع المرء بواسطتها مكافحة "العولمة"، للدفاع عن مصالحه الاجتماعية، تقدم هذه الاحزاب بضاعتها: العنصرية، الجهوية، والامة.
وليس جديدا على اليمين المتطرف محاولة تفكيك الاستياء والمخاوف من جهة، والرغبة في عالم أكثر عدلا من الجهة الأخرى وفق مصالحهم. لقد حاولت الفاشية التاريخية سابقا سرقة العديد من الأشكال الثقافية لليسار - الاغاني، المطالب، التظاهرات، واعطائها شحنة معاكسة، كما هو الحال مع الفاشية الالمانية، التي ابتعدت بها عن مضمونها السياسي الطبقي، وعنصرتها، اي جعلتها عنصرية. و هذا لا يجعل الاستراتيجية أقل خطورة ويضع اليسار في مواجهة التحديات، الذي عليه أن لا ينجر الى المنافسة على المقولات البليغة. ويجب ان يكون في جوهر سياسته،?اي اليسار، اعلى مستويات الحكمة في تحديد اسباب الخوف والسخط الاجتماعي، وخوض الجدل والصراع من اجل بدائل تضامنية. ان هذه الاسباب تكمن في الاستقطاب الاجتماعي، وخصخصة الاحتياجات الأساسية للحياة، والتنشئة الاجتماعية على اساس التسابق والمنافسة، وحقيقة ان مجتمعنا منظم على اساس فرص الربح، لا اساس فرص الحياة. ان احزاب اليمين لا تملك هنا امكانية طرح البدائل: لم نشهد ان طرحت احزاب اليمين الشعبوي، التي كانت مشاركة في الحكم - في النمسا، هولندا، وايطاليا- ان طرحت بديلا واقعيا لسياسة الليبرالية الجديدة، من شأنه أن يحسن ?لظروف المعيشية للعاملين ، المتقاعدين، أو العاطلين عن العمل، على العكس من ذلك، فان التمييز ضد الفقراء زاد من تدهور الأمن الاجتماعي. هذه "الأشباح" تهدد الأحزاب القائمة، ولكنها لا تهدد النظام الاقتصادي.

لا تستنسخوا الخطب

وبالتالي على اليسار ان يتحدث بلغة واضحة ويسمي الخصوم والمسؤولين. ان عدم صياغة سياسة بديلة للسياسة المهيمنة في أوروبا تضعف اليسار. ويجب مواجهة الجماعات الخادعة وحدود اليمين الخاطئة، وفضح الخصومات والتنافرات الحقيقية والمسؤولين عنها. وعندما يكتب حزب "البديل من اجل المانيا": " اليونانيون يعانون، الالمان يدفعون، والبنوك تقبض"، فلا صحيح فيما ذكر- ما عدا على الارجح ان البنوك ما تزال تقبض. ف"الـ" المان لا يدفعون على الاطلاق، والكثير يعانون، ولكن ليس جميع اليونانيين. وبشكل خاص تدفع طبقات المجتمع "السفلى" للذين يزد?دون ثراء في الازمة من الطبقات "العليا". وخصخصة الخدمات العامة في المانيا - تجري الى حد كبير كما هو الحال هناك- في اليونان يواجه معظم الناس مخاطر تهدد وجودهم، يمكن تجنبها عن طريق إعادة دور القطاع العام. ولهذا فان اجوبة اليسار على اليمين الشعبوي لا يمكن أن تكون من خلال محاولة ترديد خطب مماثلة لسحب الناخبين من اليمين الى اليسار. وتشير جميع التجارب ان هذه الممارسة تعزز دور اليمين، وليس اليسار، لأنها تعطي شرعية شكلية لمواقفه. واكثر من هذا يجب نقل الصراع والجدل الى اماكنهما الحقيقية: بعيدا عن تحريك الناس ضد بعض?ا البعض، نحو إعادة التوزيع من الأعلى إلى الأسفل، والنضال من أجل أجور أفضل ومن اجل تعزيز القطاع العام. المؤسسات الاوروبية غير ديمقراطية، واجراءات التقشف المفروضة تضعف دور البرلمانات، وهيمنة الاقتصاد تقوض الديمقراطية، ولذا فعلى اليسار الدفاع عن الديمقراطية، والنضال من اجل تعزيزها، وتوسيع نطاقها. وإذا كان هذا لا يمكن تحقيقه في الرأسمالية، يجب على اليسار ان ينقل نظره الى البديل، ويكون مهيأ لتحولاته. ان هذه القضايا تشكل جوهر السياسة اليسارية. وعلى اليسار ان يرسم على الجدار "شبح" عالم جديد عادل.
وفي المانيا، وعلى عكس العديد من البلدان الاوروبية الاخرى، لم تحقق الاحزاب اليمينية الشعبوية، في بداية القرن الجديد، نجاحات تذكر. وبقيت احزاب النازية الجديدة مثل "اتحاد الشعب الالماني"، و"القومي الالماني" بحدود دورها على صعيد البلديات، ولم تنجح في خلع قميص سياستها المتخلفة ورائحتها الكريهة، ولم تبتعد عن الارهاب والعنف اليميني. لقد عملت احزاب اليمين التقليدي الحاكم في المانيا على الحد من دور اليمين المتطرف، بواسطة دمج واحتواء مواقف ومطالب هذه الاحزاب في برامجها، كما هو الحال مع الحملة الهستيرية، التي يقودها ?لحزب الاجتماعي المسيحي، احد اطراف التحالف الحاكم، ضد "مهاجري الفقر"، في اطار حملته لانتخابات البرلمان الأوروبي في ربيع العام الحالي. وبتأسيس حزب اليسار، نشأت قوة سياسية جديدة، تبنت طرح التكاليف الاجتماعية والاقتصادية لسياسات الليبرالية الجديدة، وتداعيات الأزمة، وتأثيرات حزم التقشف القسرية التي اقرت للتعامل معها، وقد نجح الحزب في ان يكون له دور وصوت مسموع في البرلمان، وفي الرأي العام، اكثر بكثير من مكوناته قبل التأسيس مثل حزب "الاشتراكية الديمقراطية" في شرق المانيا، و"المبادرة من اجل العمل والعدالة الاجتماع?ة" في الغرب. "صباح الخير ايها الشبح" كتب في عام 2005 راينه ريلنلغ وكرستوف شبير: "لقد استيقظ شبح مشروع حزب جديد وقوي على يسار الحزب الاجتماعي الديمقراطي وحزب الخضر وتصاعد ويجوب حولهما". و "تؤشر الحركة الاحتجاجية ضد هدم المكتسبات الاجتماعية، والشروخ في جدار هيمنة الليبرالية الجديدة، انها الرسائل السياسية المطلوبة". ورافقت عملية تأسيس حزب اليسار استجابة حماسية. ومن النادر في التجربة التاريخية أن تتجمع قوى اليسار، بدلا من ان تنشق على نفسها. ورمزية تأسيس حزب اليسار، تكمن في انه جمع كلا مصدريه في الشرق والغرب، و?ذلك ناشطين من النقابات، الحركة النسوية، انصار البيئة، ومثقفين يساريين، لقد حقق شيئا أكثر من عملية التجميع العددي لمكوناته. ولأول مرة وجدت فرصة لمشروع يساري مشترك.
لقد استطاع حزب اليسار ايقاف توظيف اليمين للاضطرابات الاجتماعية، التي نتجت عن تبني الاجتماعيين الديمقراطيين لسياسات الليبرالية الجديدة، وما ارتبط بها من هجوم بواسطة التشريع على المكتسبات الاجتماعية. واستطاع الحزب ان يقف بوجه هذه المحاولات، "المعاناة والغضب من الاقصاء المهين، والتقليل من شأن المهاجرات والمهاجرين والفقراء، والحط من كرامتهم. لقد استطاع الحزب ان يكون صوت الحركات الاحتجاجية والمقاومة، واستطاع التأثير بها بشكل منتظم، ولكن ليس بمفرده، وانما بالتعاون مع مراكز المنظمات الاخرى"، كما تقول "وثيقة تطوي? الحزب".

حطموا الهيمنة

ان المشكلة هي ان تأسيس الحزب وحده ليس كافيا، لإنهاء او حل ما سببه المهيمنون وسياسات الليبرالية الجديدة، على الرغم من ان امكانية وجدت للتعبير عن السخط من خلال التصويت لحزب يساري. ولكن في البلدان الاوروبية الاخرى توجد ايضا احزاب يسارية على يسار الاجتماعيين الديمقراطيين، ولكن هذا لم يمنع من صعود احزاب اليمين المتطرف فيها. وتشير التجربة في المانيا الى ان فرض نجاحات اجتماعية وسياسية، من خلال الاحتجاج الجماعي والمقاومة، ما تزال محدودة. ويعود ذلك لضعف الثقة بالحزب الاجتماعي الديمقراطي، واتحاد النقابات، الذي ما ت?ال معظم قيادته قريبة منه. ان قلة توظيف الطاقات العملية، وضعف الثقة، يؤدي الى الاعتقاد بان الكتلة المهيمنة غير قابلة للتغيير، وينشر مشاعر الاعياء على نطاق واسع.
ان من الضروري تفعيل تجارب التعامل الناجح والمؤثر باستمرار. وهذا ممكن فقط من خلال ممارسة الصراع الحقيقي. وعلى حزب اليسار ان يستوعب ان احد اهم مهامه المساهمة الجدية في ذلك. ولا يمكن لقادة الحزب تأجيل هذه المهام، واقناع الناس انهم سيعالجونها في مساهماتهم وكلماتهم في الجلسات البرلمانية. ان الامنية لا تتحقق بهذه الطريقة، ولا يتطابق ذلك مع فهم اليسار للسياسة. لا يمكن تغيير الهيمنة بالاعتماد اولا على النشاط البرلماني، هناك يمكن ان ينعكس التغيير في توازن القوى، ويمكن للعمل البرلماني ان يكون مصدرا مفيدا للوصول إلى?المعلومة، وسائل الإعلام العامة عبر الاستفسارات والتحقيقات والعمل في مجالات يمكن ان تكون ضرورية لاكتساب الهيمنة. ولكن بدون احداث تغيير في توازن القوى الاجتماعية، لا يمكن تحقيق نجاح حقيقي في البرلمان.
ان الضعف في حضور اليسار يعني بالنسبة للكتلة الحاكمة تأمين هيمنتها – حتى وان لم يكن ذلك بالتأييد - ، بل لان البدائل غير واردة. ان الكثير من الناس يؤيدون مطالب اليسار، ولكنهم يعتقدون انه غير قادر على فرضها. وهذا ما تؤكده ايضا ورقة تطوير الحزب: "على الحزب ان يطرح قيمه العملية ملموسة ويعيد اثباتها من جديد، وبشكل متكرر. وانه يقف الى جانب الشعب، وليس على منبر فوقهم. ولا يمكننا ان ندعي ترابط الاشياء فقط، وعلينا جعلها مادة للنقاش ومحتوى لعمليات التأهيل، التي تمكن الناس من خلق وعي جمعي بامكانية تغيير التجارب (...)?. ان على حزب اليسار ان يحرض على خوض الصراع، وان يكون حاضرا في النقابات، وفي الحركات الاجتماعية، ويؤكد وجوده في النضالات اليومية، وان يعمل على تنظيم نفسه، وتنظيم الآخرين. ان نجاح النضال ضد خصخصة المستشفيات في مناطقها، واعادة ملكية تجهيز المياه الى البلديات يغير النظرة للعالم. ان من عزز مواقعه عبر النجاحات يعرف سرعة امكانية فك القيود. وكذلك على الصعيد الاوروبي، يتوجب على اليسار تقوية المقاومة من الاسفل. إن بناء أوروبا تضامنية ممكن فقط من الاسفل، عبر تنسيق العمل المشترك للحركات الاجتماعية، المبادرات، وقوى ا?يسار. ان تطوير المقاومة في موقع الحدث مهم جدا، وفي المانيا يحتاج اليسار الى مزيد من الحركة. ويجب ان تكون الاممية، والتضامن العابر لحدود الدولة الوطنية، بالنسبة لأحزاب اليسار، النقابات، وجميع القوى التقدمية بديهيا و مفهوما، ويعكس عبر مشاريعه من خلال الممارسة العملية. ان بامكان احزاب اليسار ان تكون رافعة لحملة على الصعيد الاوروبي، يكون هدفها النضال ضد المواقف التي تصعد العداء بين الشعوب والامم، ومعارضتها بوضوح، والتأكيد، على ان الصراع قائم بين الاعلى والاسفل. ولعل فرصها افضل مما يعتقد، اكثر من نظرتنا مسحورين?الى صعود احزاب اليمين. ان حزب اليسار اليوناني، واليسار البرتغالي، والكثير من الاحتجاجات، ونشاطات الاضراب الاوروبي العام في عام 2012 كلها معطيات تقول، ربما سيجوب شبح اليسار أوروبا.



#رشيد_غويلب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع طلوع العام الجديد نعود اليها/ انتصارات و محطات هامة لقوى ...
- في قراءة لتجربة البلاد بعد نهاية الحكم العنصري/ جنوب افريقيا ...
- قراءة ميدانية مباشرة للوضع في البلاد/ اليونان: إحصائيات مخيف ...
- استبعاد اليسار ونتائج الانتخابات الالمانية/ كيف يقرأ شيوعيو ...
- ليس هناك وصفة جاهزة لبناء الاشتراكية/ موضوعات حول التجربة ال ...
- هل ستغير الأزمة السورية مسار الانتخابات الألمانية؟ فرص جديدة ...
- التحولات المزدوجة: فكرة اجتماعية جديدة لإستراتيجية يسارية
- نجيلا ديفز.. دراسات في الحرية
- المؤتمر الاول لحزب اليسار اليوناني ينهي اعماله
- بعد مناقشات واسعة ومعمقة/ المانيا: حزب اليسار يقر برنامجه ال ...
- حركة احتجاجية في سبيل دولة مدنية ديمقراطية / تركيا: تفجر الغ ...
- بعد سنوات من الركود يعود التهرب الضريبي إلى الواجهة / الاتحا ...
- المشهد السياسي لليسار الايطالي .. المشاكل والآفاق
- أصوات تطالب بالخروج من منطقة اليورو وأخرى تفضل البقاء عرض مو ...
- امريكا اللاتينية ومواقف اليسار
- -يجب ان نبدأ الثورة المدنية- / مؤتمر لقوى اليسار حول الصراع ...
- امريكا اللاتينية بعد شافيز
- في مقالة مهمة لزعيم كتلة اليسار اليوناني/ مقترحنا لحل الأزمة ...
- تحالف اليسار يحصد ثلثي مقاعد البرلمان - بعد فوز مرشحه برئاسة ...
- كلارا زتكن والأممية الشيوعية


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رشيد غويلب - الفوارق ليست بين الشعوب.. الفوارق بين الطبقات/ أوروبا .. صعود اليمين المتطرف وشبح اليسار