أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - حِصانها وحِصاني














المزيد.....

حِصانها وحِصاني


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4262 - 2013 / 11 / 1 - 09:05
المحور: الادب والفن
    


في الصباح الباكر جدا خطوت فوق أرض طينية صلبة . سيئة التضاريس ..ليس هناك مخلوق في المشهد المتجهم ..لمحت مأذنة مسجد تظهر عن بعد .. مضيت نحوها.. في مصلاة رأيت رجلا ينتهي من صلاته . سألته عن مراكب تسافر إلى الأقصر قال :
- ليس قبل يومين
- متأكد
- أنا صياد وبيتى النيل
بعد أن غادر القطار محطة سوهاج عدت إلى الجريدة المدججة بالأحداث اليومية الملتهبة .. بعد عدة دقائق توقف القطار .. لم أحفل بما يجري له فسوف يتحرك سريعا إذا انفتحت أمامه الإشارة ..صور النيران التي اندلعت في المركز التجاري الضخم بمدينة نصر مزعجة للغاية .. الخسائر لابد بعشرات الملايين .. ما الداعي لكل هذا؟ تنهدت ثم تابعت القراءة .
وأنا أقلب صفحة الجريدة لمحت أعدادا كبيرة من الأهالي تقطع طريق السيارات وبأيديها العصى الغليظة والسيوف والبنادق المحلية . نهضت وألقيت نظرات مصدومة . بعد أقل من ساعة كان يجب أن أكون في الأقصر .. الليلة سينعقد حفل زفافي على من أحببت سنوات ..ابن عمها لا يزال مصرا على الزواج بها ويواصل تهديده ووعيده للجميع ..فاجأني مشهد المتجمهرين وعلى الوجوه غضب شديد ..امتد بصري على استقامته فوجدت بقية الجماهير تحيط بالقطار وتمنعه من مواصلة رحلته .. سألت .. قيل لي : - أقسموا ألا يتحركوا حتى يُطلق سراح ثلاثة من أبنائهم اعتقلتهم الشرطة لأنهم أحرقوا كنيسة ماري جرجس .
ما هذا الحظ ؟..تأجل عقد القران لأسباب عديدة من قبل ثلاث مرات .. قررت ألا أنتظر وسوف أصل الأقصر اليوم ولو ماشيا .. بينى وبينها نحو مائة كيلومتر.
لم أستطع منع نفسي من خطف قبلة من الجميلة التي كان يجب أن تكافئنى بعد عذابي الذي لم تعلم به بعد .. دفعتنى عنها :
- ليس من حقك أن تلمسنى إلا بعد عقد القران مساء اليوم .. هيا أكمل
- سرت على أطراف الحقول حتى سمعت صوت خيول .. مضيت نحوها . بيت كبير من طابقين .. درت حوله حتى عثرت على حظيرة خيول أمام بابها خفير نائم . أيقظته بقلب أقنعته بالقسوة فلم أسمح لنفسي يوما بإيقاظ نائم...سألته عن صاحب المكان . طلب منى الانتظار حتى صعود الشمس قلت له بصوت آمر كأني سلطة :
- أيقظه الآن ..
نفض الرجل نعاسه وتخلص تدريجيا من كسله ومضي بطيئا إلى البوابة الخلفية.... خرج إلىّ رجل كبير السن في معطف منزلي خفيف له بريق أخضر وإن اجتمعت فيه كل الألوان .. دعاني للدخول بنبرة مهذبة فرفضت واعتذرت عن إزعاجي له .. سألنى عن طلبي :
قلت له :
- لابد أن أكون قبل الغروب في الأقصر . سوف يزوجون الفتاة التي أحبها وتحبنى لغريب ولا توجد مراكب وقد قطع الأهالي طريق السيارات والسكة الحديد
ضحكت وقالت :
- أنت الغريب وليس ابن عمي
- سأعود من حيث أتيت
- لا توجد قطارات ولا سيارات
- يوجد من حملنى إليك
- آه منك .. أنت لست سهلا كما تصورت .. أكمل كذبك
- وافق الرجل وسألته عن المسافة التي تفصلنا عن الأقصر فقال أكثر قليلا من مائة كيلومتر .. طلب من الحارس تجهيز الجواد البنى بكل ما يلزمه .. قال :
- دعه يرتاح كل عشرين كيلو على الأكثر .. خذ هذا الكيس به غداؤه من الفول والتبن .. على طول الطريق ستجد الماء والخضرة .. عامله بمنتهى الرقة . أرجوك .. رفض الرجل قبول النقود لكنى ألححت بشدة فقبل مذعنا ومؤكدا :
- كنت أريد أن أساهم في قصة الحب .
شكرته وأسرعت بامتطاء الحصان الذي لم يتحرك إلا بعد أن تحسسه الرجل الكريم وتلمّس كفليه بحنان ، ثم خبط برقة عليهما .. تحرك الحصان وئيدا ثم توقف وحوّل رأسه إلى الرجل كأنه يتأكد من موافقته على مصاحبة الغريب .. تطلعت إلى الجواد الذي أحسن الرجل تربيته فلمحت السؤال في عينيه .. لوّح له مودعا . لكزته بكعبىّ فتحرك ببطء . لكزته مجددا فتقدم بحماس نسبي ثم أسرع .. حدثته في بداية الرحلة عن الغرض منها والمهمة المطلوب منه إنجازها في أسرع وقت ممكن . وعدته أن أكون معه نعم الصديق .هز رأسه مقدرا لظروفي ثم انطلق بإخلاص يقفز فوق العقبات برشاقة ، خاصة بعد أن قلت له إن الفتاة التي تنتظرني لديها فرسة شهباء ليس أجمل منها في المدينة ، وأنا على ثقة تامة أنها ستروق لك ، وقد أعقد لك عليها الليلة معي .
السكك كلها كانت مدقات ترابية . بعضها على حواف الترع وفوق التلال ووسط الأحراش.. عبرنا ترعا جافة ليس فيها غير طين ، ومررنا من بعض الحقول مضطرين .. لم يكن أمامنا في مواضع كثيرة إلا مسافة ضيقة لا تزيد عن متر على النيل .. وسرنا مسافات في صحراء قاحلة وأحيانا وسط أطلالٍ لبيوت متهدمة وأحيانا بين أكواخ.وكدت أسقط وتدق عنقي عدة مرات ربما لقلة خبرتي بركوب الخيل .
استرحنا عدة مرات ليأكل البرسيم والحشائش وعند الظهر تناول غداءه من الكيس ، وكلما وقفنا مسحت له عرقه واغترفت له الماء من ثلاثة مساجد ليشرب ، ثم أغترف مجددا وأصب على وجهه ورقبته وظهره وساقيه وكفليه ، فيهز شعر رقبته وشعر ذيله الذهبي الطويل راضيا وشاكرا فنتابع ..بعد أن قطعنا شوطا كبيرا أحسست برغبتى في تذوق أي طعام ولم أكن قد تناولت شيئا..تذكرت أن معي قطعة من الشيكولاتة ..حشوت فمي بنصفها وألقمته الباقي فدوّره في حلقه بتلذذ وهز رأسه .. كم أسعدتنى صحبته وكم كان أمينا!! .. سامحينى إذ قلت له :
- أتمنى أن تكون زوجتى مثلك
- ماذا تقصد؟
- أن تكون مطيعة وصبورة ومخلصة
ضحكت وهي تقول في شبه تهديد:
- سوف تري
حمدت الله لأن ابن عمها الذي كان يريدها لنفسه وغير معترف بما بيننا من مشاعر قد حضر الحفل ، لكن قلبي سقط في قدمى وانتفض رعبا وأنا أري من هدد زواجنا عدة مرات يحمل بندقيته .. أسرع بصورة استعراضية يجهزها ومضي يطلق منها عشرات الطلقات ومع كل طلقة أتصور أنها موجهة إلى صدري .. بعد أن أفرغ حقده في طلقات الرصاص تقدم وهنأني ودنا منى وهمس :
- سأظل أنتظرها
وقبل أن أشعر بالغيظ وأزداد كرها لهذا الشاب الذي لا يقدر مشاعر الآخرين لمحت جوادي البنى ذا الغرة البيضاء يدنو من الفرسة الشهباء ويتبادلان الحب وقد استغرقتهما لحظات من السعادة تمنيت لنفسي مثلها.



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم تصنع نفسك .. لكنك تستطيع
- زحف النمل
- يمامة خضراء بكعب محني
- مئوية جارودي .. المناضل الفريد
- أجمل رجل قبيح في العالم
- هل الأديان خطيرة ؟2
- الساعة تدق السبعين
- هل الأديان خطيرة ؟1
- استرخاء
- لا تغيير بلا ثقافة
- المثقفون والسلطة
- حَدثني عن البنات
- الكتابة من الوضع راقدا
- نزهة في حدائق الألم
- خطأ السيسي الفادح
- مصر في قبضة الشياطين
- جمهورية -رابعة -
- لا تصالح
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب ( 2 )
- العلاقات الشائكة بين أمريكا والعرب (1)


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - حِصانها وحِصاني