أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد حبيب المالكي - حول الفكر السياسي الشيعي













المزيد.....

حول الفكر السياسي الشيعي


حميد حبيب المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 4221 - 2013 / 9 / 20 - 10:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المقدمة:
في خضم اشتعال منطقتنا العربية والاسلامية بانواع الحروب والصراعات والتشرذم وحالة الذل والهوان التي نعيشها امسى من المهم جدا مراجعة الذات والتساؤل عن سبب كل هذا والخروج بالحلول الكفيلة باخراج منطقتنا من عنق الزجاجة التي حشرنا بها بتدبير اجنبي اولا وبتنفيذ زعامات دول اسلامية ثانيا وانسياق بسبب جهل وتخلف شعبي ثالثا.
ومن الجلي جدا ان ابرز حالة خلاف تدفع دفعا وتضخم وتهول ويعمل على اشعالها اكثر فاكثر هي الخلاف السني والشيعي وهذا اخطر ما في الامر,فخلاف كهذا سيمزق النسيج الاجتماعي لكثير من الدول العربية والاسلامية ممن فيها تنوع طائفي وان هذا الصراع الذي نراه مشتغلا ومؤهل لان يصل لحد الانفجار سيجر على الجميع وباله ولن يكون احد في منطقتنا بمأمن منه,وان الطريقة الوحيدة لحله هي بحوار عقلاني موضوعي يوجد يركز على المشتركات والحلول الوسطى وليس واجبا ان يوجد توافقا على كل شيء لكنه يدفع الفتنة التي ستأكل الاخضر واليابس ولن يكون فيها من رابح بل الجميع خاسرون.
وفي الوقت الذي نرى اوروبا باختلافاتها العميقة من اختلافات دينية وطائفية ومذهبية ولغوية وعرقية واثنية وثقافية وتاريخية وحروب طاحنة مرت بها على مدى قرون طوال لكن نراها برغم كل ذلك تخرج من كل ذلك وتتجه باتجاه التوحد وحل الخلافات وبناء اوروبا جديدة ترمي بكل تلك المخلفات خارجا,بنفس الوقت نجد انفسنا نحن المسلمون بصورة عامة والعرب بصورة خاصة نخلق ونهول اختلافات لو عدنا اليها لوجدناها صغيرة ولا اعتبار لها وان نقاط التلاقي والاتفاق اكبر بكثير مما نختلف فيه,فاغرقت منطقتنا بخلافات سنية شيعية واسلامية مسيحية و قبطية ودرزية وعربية كردية او امازيغية وشمال جنوب وبدو حضر او فلاحين والقائمة تطول.
اذن الانقسام بحقيقة الامر ليس سني شيعي وانما الانقسام هو اننا اصبحنا نحمل ثقافة الانقسام ونؤمن بها فنجد بشتى الوسائل سببا لننقسم ونتناحر بشانه.
وهذا اخطر ما في الامر وهو ان يتحول الانقسام لثقافة اذ نحتاج لثقافة مضادة تقوم على الاتفاق واحترام الراي الاخر وان كان يختلف معك,وهذا الاجراء بحاجة لتضافر الجهود الحكومية ومنظمات مجتمع مدني والمثقفين والعقلاء والكثير من
الاجهزة والادوات الاخرى التي تؤثر في المجتمع لنصل لثقافة الاتفاق والبحث عن المشتركات ونبذ الاختلافات واحترام الراي والراي الاخر.
ولو تتبعنا كيف وصلت اوروبا للاتفاق ونبذ كل الاختلافات جانبا لوجدناها مرت بحروب طاحنة على مدى قرون واخرها حربان كونيتان راح ضحيتهما اكثر من سبعين مليون فرد اوروبي لتفيق بعدها اوروبا وترفض كل ذلك القتل والدمار وتبحث عن المشتركات وما يجمع لا ما يفرق وهذا نفسه هو مبعث خوفنا,فهل سنمر بحروب طاحنة لسنين طوال كي ندرك بعدها اننا سلكنا الطريق الخطأ وان بلداننا وانساننا قد تحطم؟
ان الاختلاف الفقهي السني الشيعي ليس كبيرا كي يصل حد القطيعة وان يغالي واحد هنا والاخر هناك ليكفر الاخر ويرفضه,فالاختلاف السني الشيعي لا يزيد كثيرا عن الاختلاف ما بين مذهب واخر كالخلاف بين المالكي والحنفي كما ان الدين الاسلامي يتميز بالمدى الواسع من الحركية والمساحة التي يتحرك بها المفكر او الفقيه على انه لا يتجاوز ثوابت اسلامية معينة معروفة كوحدانية الله او المعاد وان لا يجتهد مقابل النص او ما اتفق على صحته من السنة النبوية الشريفة وان لا يسقط فرضا ولا يفرض ما يخالف روح الاسلام.
وان تفشي روح الاستعداء والتكفير وعدم احترام الراي الاخر هي مما يخالف روح الاسلام ومما يضعفه فيقول عز وجل "لكم دينكم ولي دين" هذا لمن خالف في الدين وانه كل على دينه فكيف نستعدي اخوتنا بديننا.
ومما يلاحظ الدور الخبيث الذي تلعبه وسائل الاعلام المملوكة للصهيونية العالمية وان كانت بعناوين عربية,ودور الاعلام هذا خطير جدا خصوصا مع غياب الوعي الثقافي والفهم الديني الصحيح,فاصبح السواد الاعظم من هذه الامة يمارسون اسلاما طقسيا بعيدا عن روح الاسلام,كما وجدت التنظيمات المتطرفة لها مجالا بين الشباب المسلم بسبب حالة الهوان التي تعيشها الامة فاغراها الخطاب الجهادي واستغلت التنظيمات المتطرفة العامل الاهم وهو الجهل وضعف الوعي الثقافي والفهم الديني الصحيح.
تعريف عام بالشيعة:
الشيعة هي ثاني اكبر طائفة بالاسلام ويكونون بحدود 15% من مجموع المسلمين وهم اقلية في العالم الاسلامي لكنهم يكونون اكثرية في بعض الدول الاسلامية كالعراق وايران واذربيجان والبحرين وبنسب كبيرة في دول اخرى تقارب ثلث المسلمين فيها كما في الكويت واليمن ولبنان وباكستان والهند وبنسبة تقارب العشرة بالمئة في دول اخرى كما في قطر والسعودية وعمان وسوريا وتركيا والامارات وافغانستان,اما بباقي الدول الاسلامية فان الشيعة اقلية ضئيلة نسبيا.
وان مصطلح الشيعة يطلق على الفئة من المسلمين التي ترى باحقية علي بالخلافة من بعد الرسول(ص) وان الرسول قد اشار لهكذا امر كما وياخذ الشيعة بمبدأ الامامة ويعتبرونه من الاصول الواجبة وان كان هناك خلاف داخل الشيعة حول من ينكر الامامة.
ويذهب البعض على ان نشأة التشيع قد بدأت في سقيفة بني ساعدة عندما بويع ابو بكر بالخلافة بغياب الهاشميين والذين كانوا يرون لعلي الاحقية بها مثل العباس بن عبد المطلب والزبير بن العوام ومن غير بني هاشم كابي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد الكندي وقيل حينها ان النبوة والخلافة لا تجتمع في بني هاشم وقيل غيرها مما لا نود الخوض فيه بقدر ما يهمنا توضيح البذور الاولى للتشيع وكيفية نشأته.
وازداد تمايز هذه الفئة بعد مقتل عثمان وخروج معاوية على علي وحينها ظهرت بوضوح تسمية التشيع خصوصا بمعركة صفين فسمي انصار وجيش علي بشيعة علي وانصار وجيش معاوية بشيعة معاوية لكن تسمية شيعة معاوية لم تدم واندثرت وبقيت تسمية شيعة علي لليوم وهي اسم علم عند اطلاقها يفهم ان المراد منها هي تلك الطائفة من المسلمين التي تتبع الامامة.
ويعتبر الشيعة حادثة مقتل الحسين بن علي في كربلاء على يد جيش يزيد بن معاوية نقطة تحول وانطلاق جوهري لهم,فهذه الحادثة صاغت كثيرا من فكرهم وتراثهم الديني والسياسي وحتى الاجتماعي والتي لا تزال تؤثر بالشيعة بشكل كبير من خلال توارثهم لاحياء مراسيم مقتل الحسين سنويا فانطبعت في ذهنية المسلم الشيعي.
ويندرج تحت مسمى الشيعة العريض فئات وفرق عدة تختلف كثيرا فيما بينها فكريا وعقائديا ولا يجمعهم سوى مسمى الشيعة,والفرقة الاكبر منهم هم الشيعة الجعفرية تليها الاسماعيلية فالزيدية والعلوية والشيخية وغيرها.
كما يدرج خطئا تحت مسمى الشيعة العلي الهية والكاكائية والدروز وغيرها من الفرق والتي ينكرها الشيعة انفسهم ويعتبرون بعضها حتى خارجة عن الاسلام.
وحديثنا اللاحق سيدور بمجمله على الفرقة الاكبر من الشيعة وصاحبة الارث الفكري الاكبر وهي الامامية او ما تعرف ايضا بالشيعة الجعفرية.
ويعتمد الشيعة القران الكريم ومن ثم السنة النبوية والتي ياخذوها بطرق خاصة بهم تعتمد على روايتها عن طريق الائمة من ذرية علي كمصادر التشريع والفقه اضافة الى فقه ائمتهم,كما ياخذ الاجتهاد بابا واسعا من الفكر الشيعي يكاد يكون احد عوامل تميزه عن اهل السنة والجماعة وذلك بعد اغلاق ابن تيمية للاجتهاد في المذاهب وحصره في مجالات ضيقة.
والعنصر الثاني المميز للشيعة هو المرجعية الدينية فلكل شيعي مرجع ديني بحسب فقههم وهنالك قوة معنوية بقلوب الطائفة لمرجعياتهم تلك كما ان لهم مدارسهم الدينية التي تدعى بالحوزات العلمية,وللمدن الشيعية المقدسة اهمية كبيرة فهي مراكز ثقل للطائفية واحد اهم مراكز صنع القرارات كالنجف وكربلاء والكاظمية وقم ومشهد.
فمثلا الفتوى بالجهاد ضد الانجليز عندما جاءوا لاحتلال العراق سنة 1914م قد انطلقت من المراجع الدينية في كربلاء والنجف وكذلك ثورة العشرين ضد الاحتلال الانجليزي بالعراق ونفس الامر بالنسبة للثورة ضد نظام الشاه في ايران واسقاطه فقد جاء من المدن الدينية الشيعية وحتى قائد تلك الثورة كان احد المراجع الشيعية البارزة هو روح الله الخميني.
لذلك تميز الشيعة بنوع من المركزية تتمثل بوضوح وبروز مرجعيات بمدن معينة تقود هذه الطائفية وتحظى بقدر كبير من الاحترام والاستماع لها داخل الطائفة,لا بل هي مركز الثقل الاكبر لدى الشيعة.
الاحداث السياسية التي اثرت بالفكر الشيعي:
كما اسلفت فان للاحداث التاريخية في بدايات الاسلام دورا كبيرا في صياغة الشكل العام للفكر السياسي الشيعي ناهيك عن مجمل الفكر الشيعي.
فبيعة السقيفة ومقتل عثمان ومعركة الجمل ومعركة صفين ومقتل الحسين وثورة زيد بن علي وتسلم الامام علي الرضا لولاية العهد زمن المامون العباسي كلها احداث بارزة اثرها مزدوج ديني سياسي فالفكر السياسي الشيعي كان يعتقد بارتباط هذين الجانبين تحت سلطة واحدة وهي سلطة الامام,ويقوم معظم فكرهم السياسي حول هذا المفهوم اي الامامة,وكان التفسير لهذا المفهوم جامدا خصوصا مع عدم تسلم الشيعة للسلطة وعدم ممارستهم لها ونحن نعلم ان علم السياسة هو علم الدولة او علم السلطة, فعلى مر التاريخ لم تقم الا دول شيعية قليلة بدءا بالفاطميين بمصر والدولة الحمدانية بسوريا والعراق والعلويين بالديلم والادارسة بالمغرب والبويهيين بالعراق واخرها والاكثر تاثيرا هي الدولة الصفوية التي كانت مفترق طرق,فالصفوين حينما اسسوا دولتهم في تبريز شمال غرب ايران لم يكونوا شيعة بل كانوا سنة على المذهب الشافعي,وتوجد رواية تروي كيفية تحول الشاه اسماعيل الى التشيع وان الامر بسبب طلاقه لزوجته,لكن المتتبع لتاريخ الدولة الصفوية يدرك ان تشيع اسماعيل شاه للتشيع وفرضه المذهب على الدولة الصفوية كان لاسباب سياسية,فايران حتى عهده كان سنية وليس بها الا القليل من الشيعة وكان الصفويون بحالة عداء وحرب مع العثمانيين,وكان موقف العثمانيين اقوى فالسلطان العثماني كان يطرح نفسه على انه هو الخليفة لذلك كان الكثير من الفارسيين ضمن اطار الدولة الصفوية موالين للسلطان العثماني اكثر من الشاه الصفوي.
وبرغم خسارة اسماعيل المعركة الفاصلة اما سليم الاول بجالديران سنة 1514م وسقوط عاصمته تبريز بيد العثمانيين لكن الدولة الصفوية تمكنت من الاستمرار وقويت وحقا تحول معظم الشعب الايراني نحو المذهب الشيعي وتمكن الصفويون من خلق هوية دولة قوامها المذهب الشيعي والعرق الفارسي.
وكان لسياسة شاهات الدولة الصفوية بفرض المذهب بالقوة وعمليات القتل المتبادلة للطائفة الاخرى بينهم وبين العثمانيين من خلق كره وعداء لم يسبق له مثيل فعلى الدوام كان الشيعة والسنة موجودين وكانت الامور بينهما ودية ولم
تشهد عداءا او حروبا او قتلا الا ما ندر لكن العداء الصفوي العثماني صنع عداءا مذهبيا وفجوة كبيرة قد نكون لا نزال نتاثر برواسبها.
اما الحدث الاخير الذي اثر كبيرا وتاثيره ممتد لوقتنا الحاضر فهو الثورة الاسلامية في ايران وما حملته من مفهوم جديد وهو ولاية الفقية اي الفقيه الذي يكون اعلى هرم الحكم وتكون له الولاية العامة في الامور الفقهية والشرعية وكذلك في الامور السياسية بما يراه صاحب هذا المفهوم من ان ولاية الفقيه تمثل امتداد لحكم الرسول والائمة من بعده.
وحملت تلك الثورة من المفاهيم التي استشعر المحيط خطورتها ورأوا فيها رغبة بالتوسع على حساب دولهم وحتى ابتلاعها كان منها سياسة تصدير الثورة الى كل الدول والبلدان الاسلامية وان هذه الثورة يجب ان لا تقف عند حدود دولة ما.
وفعلا وجدت هذه الافكار صداها القوي في العراق ولبنان ودول اخرى وتشكلت احزاب وتيارات سياسية تتبنى ولاية الفقيه وتصدير الثورة مما ادى لصدام مع السلطة وكان هذا الصدام دمويا بحق خصوصا في العراق.
اخيرا يجب ان لا تختلط المفاهيم,فبرغم اغلبية الشيعة في السلطة بالعراق بعد 2003م لكن الدولة في العراق مدنية ولا تقوم على اساس المفهوم الشيعي للسلطة او الافكار التي جاء بها هذا الفكر وكذلك الامر بالنسبة لاذربيجان التي وان كان الغالبية التي تحكم شيعية لكنها دولة مدنية علمانية.
وما يهمنا هو الدول التي قامت على اساس ما جاء به الفكر السياسي الشيعي لذلك فان النموذج الابرز والاهم الذي سيكون تحت مجهرنا هو نموذج ايران بعد الثورة الاسلامية هناك سنة 1979م كونه تبنى فكرة جديدة تتميز بالاصالة والحداثة بنفس الوقت وهي ولاية الفقيه.
فمن بعد الامامة تمثل ولاية الفقيه الفكرة الابرز والاكثر حضورا وتاثيرا لدى الشيعة ان كان تاثيرا داخليا بهم او تاثيرا خارجيا عليهم من الاخرين بسبب التخوف من ولاية الفقيه اي تاثيرية تاثرية.
نظريات الفكر السياسي الشيعي:
يمكننا تحديث ثلاثة نماذج معاصرة هي الاهم في هذا المجال وهي:
1..ولاية الفقيه:وجاء بها عالم الدين الايراني الخميني,وهي النموذج الابرز في الفكر السياسي الشيعي المعاصر والاكثر تاثيرا,فعلى اساسها قامت الثورة واسست الدولة على اساسها في ايران,وتعود جذور هذه النموذج لافكار عدد من المفكرين في القرن الماضي كالنائيني,لكن من طرحها بشكل متكامل كنموذج وطبقها على ارض الواقع كان روح الله الخميني من خلال نشره لكتيب الحكومة الاسلامية.
وتقوم على اساس ان الفقيه له ولاية عامة على المسلمين وان هذه الولاية هي امتداد ولاية الرسول ومن بعده الائمة ويكون ولي الفقيه اماما واجب الاتباع وتدخل النواحي الفقهية والسياسية ضمن حدود ولايته اي انه يمثل السلطة الدينية والدنيوية ويمثل ولي الفقيه بحسب هذا النموذج مركز ثقل كبير جدا وابرز شخص في الدولة وتتركز بيده سلطات واسعة جدا حيث يرى اتباع هذا النموذج ان المشرع هو الله وليس الشعب وان الامور التي ينص عليها الشرع الالهي يجب تطبيقها دون العودة للشعب وانها يجب ان تفرض عليهم فرضا دون ان يكون لهم الخيار ويكون ولي الفقيه راسا للسطة التنفيذية بصفة خاصة,كما يحدد هذا النموذج القضاء ويحصره بالفقهاء فيوجب ان يكون القاضي فقيها.
ولا يلغي هذا النموذج السلطة التشريعية لكنه يحدد مجالاتها فيما لم ياتي به او يبينه الشرع وان لا يخالف اي تشريع من السلطة التشريعية الشرع الديني فالعلوية في هذا النموذج هي لله وللدين وليست للشعب على افتراض ان الله عندما شرع فهو الاعلم بمصلحة الناس,كما لا تمثل الرفاهية غاية بل هي وسيلة والغاية هي تطبيق رسالة الاسلام كما يراها هذا النموذج وانه بتطبيق هذه الرسالة وشريعة الله تتحقق السعادة.
فهو هنا يميز كما باقي الاسلام بين مفهوم السعادة الحقيقية والسعادة الزائفية وان الرفاهية الشعبية والحريات بما يتنافى وتعاليم الاسلام هي كلها سعادة وقتية زائفة وان السعادة باقامة شرع وحدود الله على الارض.
2..ولاية الامة على نفسها:وجاء بها عالم الدين اللبناني محمد مهدي شمس الدين والتي يميز من خلالها بين دولة الله والدولة الدنيوية التي يبنيها الانسان وتعد هذه النظرية الاكثر اتفاقا مع الفكر الليبرالي الغربي فمن خلال نموذج يجيز شمس الدين ان تتولى المراة السلطة كما انه يعتبر مصدر الشرعية هي من خلال الشعب نفسه وان هذه السلطة هي سلطة زمنية واجاز شمس الدين التعاون وولاية الحاكم الجائر فكان الاكثر حركية ومرونة بين النماذج كلها كما انه ركز على اسلمة النموذج الاسلامي وليس مذهبته ويلاحظ ادخاله للاخلاق في السياسة وهو الامر الذي يميز الفكر الاسلامي كونه ربط بين السياسة والاخلاق وطرح شمس الدين اراء اخرى نستطيع ان نقول عنها متنورة في كتابه الاجتماع السياسي في الاسلام.
3..ولاية الفقيه على قاعدة الشورى:للعراقي محمد باقر الصدر,وهذا النموذج يقف وسطا بين النموذجين الاخرين فهو يعطي للشرع والفقهاء دور كما يعطي للشعب دورا بتشكيل نظامهم وان شرعية هذا النظام مزدوجة الهية وانسانية ويعطي الصدر المسوغات لوجود السلطة من ناحية كونها حاجة منطقية لتدبير الشوون العامة يصار اليها لادارتها.
لكن تبقى قوة ولاية الفقيه كونها هي النموذج الوحيد الذي خضع للاختبار كونه تم تطبيقه ووضع على المحك فانتقل من النظرية الى التطبيق اما النموذجين الاخرين فلم يتم تطبيقهما على مستوى دولة وان كانت هنالك احزاب تتبنى افكارهما لكن كونها لا تحكم وفق النموذج فالاحزاب حتى ولو تسلمت سدة الحكم بدولة مدنية فانها تبقى تحكم وفق القوانين والتشريعات المدنية لتلك الدولة اي انها لم تطبق النموذج الديني مما لا يجعلها ذات اهمية.
ولاية الفقيه:
بعدما قدمنا لولاية الفقيه في الصفحات السابقة فاننا هنا سناتي على هذا المفهوم بشيء من التفصيل:
اذ تحدد شروط لذلك الفقيه وهي العقل والتدبير والعلم بالقانون والعدالة مما يمكن ذلك الفقيه ان يكون حاكما على السلطان فلا يمكن ان يكون الحاكم من غير ذوي الاخلاق والتدين قال تعالى "انه لا ينال عهدي الظالمين".
وكما اسلفنا فان دعاة هذه النظرية يرون ان ولي الفقيه امتداد لحكم الرسول وان كان الرسول اكثر فضلا وكرامة من الفقيه لكن الصلاحيات للولي الفقيه لا تقل عما للرسول بما يحفظ قوة كبيرة له وبالتالي للدولة الاسلامية برغم ان ولي الفقيه هذا لم يعين من الله نصا كما هو الحال للرسول لكنه يدخل ضمن الحاكم العادل.
يقول الخميني انه يجب على الفقهاء ان يقيموا الحكومة الشرعية اما مجتمعين او منفردين من اجل تنفيذ حدود الله وحفظ الثغور والنظام العام واذا كان الامر ميسورا لاحدهم فهو واجب عليه والا فهو كفائي.
كما انه يدعو للتمييز بين حامل الفقه والفقيه وان يتم التاكد منه واعلميته وكونه المجتهد الجامع للشرائط.
ويحدد بعض صفات ذلك الحاكم الشرعي من خلال خطبة لعلي يقول فيها:"وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والاحكام وامامة المسلمين البخيل فتكون في اموالهم نهمته,ولا الجاهل فيظلهم بجهله,ولا الجافي فيقطعهم بجفائه,ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم,ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ولا المعطل للسنة فيهلك الامة".
كما يرى صاحبنا ان الانبياء لم يكونوا مجرد مبلغين بل كانوا عاملين وانه لو كانوا مبلغين فقط لما خافهم السلطان وحاربهم فالفقه وحده ليس مثار خوف على السلطان ولكن العمل بالشرع واقامة دولة العدل في الارض هي ما تهدد السلطان فيحارب كل من ينشد دولة الله في الارض.
لا تعترف هذه النظرية الا بالدولة الدينية ولا تجيز التعامل مع الحاكم الذي لا يسير بشرع الله لقوله تعالى:"يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به" وان القاضي يجب ان يكون فقيها لا بل الاعلم في الفقه والقضاء ويستدلون بايات واحاديث مثالها حديث جعفر الصادق:"اتقوا الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين".
كما ان للحاكم الشرعي القوة المطلقة واليد الممدودة في تنفيذ شرع الله دون العودة لاحد من الناس.
فيد الحاكم الفقيه في الاسلام مطلقة ولا يقيدها الا كتاب الله وسنة نبيه,ومتى ما خالفهما وجب الخروج عليه ولا يجوز السكوت عنه فالحكومة الاسلامية هي حكومة القانون الالهي المقدس.
وبهذا الخصوص يرى صاحب هذه النظرية الاية التي يحتج بها وتوضح كثيرا من اساسات نظرته كما يرى هي:"ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا*يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شي فردوه الى الله والى الرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر".
واود هنا ان اشير ان ليس كل الشيعة تاخذ بولاية الفقيه فهي ماخوذ بها في ايران وولي الفقيه هو علي خامنائي اما الشيعة خارج ايران فمعظمهم ياخذون بالمرجعية الدينية العادية لكن مع ذلك هنالك امتداد وان كان قليلا في اوساط الشيعة بلبنان والعراق والسعودية والبحرين واليمن لولاية الفقيه في ايران.
ان ولاية الفقيه جاءت لتكسر الجمود في نظرية السلطة لدى الشيعة فقد كان الشيعة مكبلين بنظرية الامامة وكانوا ينتظرون المهدي كي يغير الحال مما سبب نوعا من الخمول السياسي الذي اصابهم فجاءت ولاية الفقيه لتقلب الطاولة وتجعل هذا الفكر ساخنا جداوتبعث فيه الروح والحركة ايا كان موقفنا منها ايجابيا ام سلبيا.
وكما كانت النظرية الدينية السياسية الابرز للشيعة مثار جدل وبحث واختلاف حولها اي الامامة في السابق فيبدو ان ولاية الفقيه لا تقل جدلا عنها.
الخلاصة والنتائج:
ان الفكرة القوى والاكثر ديمومة في الفكرة السياسي الشيعي هي الامامة والتي بقوا محافظين عليها بانتظار ظهور المهدي المبشر بقدومه لكن ومع تاخر ظهور المهدي وحالة الخمول التي اصابت الفكر السياسي الشيعي لعدم ظهور التجديد فيه فقد احس المفكرين من اتباع هذا المذهب بذلك وان كان متاخرا فظهرت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين عدة افكار ومفاهيم تطورت لتصبح نظريات وطبقت على ارض الواقع,ورغم ان ابرز الكتب الشيعية اوردت مجالا كبيرا فيها لنواحي واحاديث سياسية تنقل عن الرسول(ص)او الائمة كما وردت في الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه للكليني والمفيد والطوسي والصدوق لكن نظرية السلطة لدى الشيعة بقيت مقتصرة على الامامة.
وفي مطلع القرن العشرين نشر احد علماء الشيعة هو النائيني كتابا اسمه الدسنور كان انطلاقة للكثير من اساسات الفكر الشيعي المعاصر وابرزها ولاية الفقيه التي صاغها وطبقها على ارض الواقع الخميني.
اما القطب الثاني في الفكر الشيعي المعاصر بصورة عامة وسياسيا بصورة خاصة فهو محمد باقر الصدر فاسس اول حزب شيعي هو حزب الدعوة الاسلامية والذي يعد الجناح المعتدل في الفكر السياسي الشيعي في حين تعتبر ولاية الفقيه ضمن الفكر الراديكالي الى حد ما.
ولم تكن الافكار السياسية مقتصرة على هذين بل هنالك مفكرون شيعة اخرون منهم من نظر كمحمد مهدي شمس الدين ومنهم من حاول تطبيق النظريات كمحمد باقر الحكيم ومنهم من انتقد الواقع وحاول الاصلاح كعلي شريعتي ومرتضى مطهري.



#حميد_حبيب_المالكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية في العالم العربي بين الأسلامية والليبرالية
- من يحاسب الرقيب؟
- مظاهرات المنطقة الغربية في العراق
- غياب الهوية الوطنية العراقية
- العراق جبهة المواجهة في الصراع الأقليمي
- روسيا والصين والهند نحو توازن قوى عالمي جديد
- هل اصبحت مفاتيح اللعبة بيد تركيا


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد حبيب المالكي - حول الفكر السياسي الشيعي