أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدرالدين حسن علي - بين موظف تشيخوف وموظف السودان















المزيد.....

بين موظف تشيخوف وموظف السودان


بدرالدين حسن علي

الحوار المتمدن-العدد: 4197 - 2013 / 8 / 27 - 12:01
المحور: الادب والفن
    



في منتصف سبعينات القرن الماضي وكنت أستاذا لمادة نظريات التمثيل بمعهد الموسيقى والمسرح في السودان لطلاب الصف الأول ، وكنت إعتمد في تدريسي للمادة على كتاب قسطنطين استاسلافسكي " إعداد
الممثل " ، وهو من الكتب الهامة جدا في تاريخ المسرح العالمي ، والكتاب نفسه يعد مرجعا مهما لأي ممثل يريد إحتراف فن التمثيل ، ومفيد له أيضا في مجال التدريب على فنون التمثيل ، وبالطبع تاريخ المسرح العالمي ممتلئء بعدد كبير من المسرحيين العالميين الذين قدموا مساهمات رائعة لمعاونة الممثل أمثال كوردنج كريج ، أرفين بسكاتور ، برتولد بريخت وغيرهم .
وهناك أيضا المئات من الكتاب المسرحيين الرائعين الذين أثروا الحركة المسرحية العالمية وهو ما يقودنا للحديث عن أنطون تشيخوف .
أنطون تشيخوف (1860-1904 )
وُلد انطون بافلوفيتش تشيخوف في سنة 1860 في بلدة ( تاجانروج ) الفقيرة المُعدمة الواقعة على بحر الخرز جنوبى العاصمة الروسية موسكو ، لأسرة يعمل أفرادها في خدمة الطبقة الاقطاعية ؛ وقد نجح جده في تحرير أفراد أسرته من القنانة ؛ وتمكن والده بعد التوفير والإقتصاد لسنوات من شراء حانوت للبقالة ؛ وانهارت سريعا تجارة الأب القاسى المهووس دينيا ؛ لتدخل الأسرة فى نفق مظلم من الفقر والتعاسة ؛ إلاّ أن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي عاشها انطون في طفولته ؛ ولّدت لديه نوعا من التحدي قاده إلى النجاح مستعينا بما كان يسميه : العمل...العمل...العمل , طالما أن أحداً لن يمد لك يد العون والمساعدة .
وقد اكتسب موهبته في الكتابة من أمه ( ايفجينيا تشيخوف ) ؛ الحكاءة راوية القصص ؛ رغم كونها لم تحصل على قدر كاف من التعليم .
وفي سنة 1879 التحق تشيخوف بكلية الطب التابعة لجامعة موسكو وخلال تلك المرحلة بدأ بنشر عدد من القصص القصيرة في صحيفة ) سانت بطرس بيرج ) ليذيع صيته ككاتب معروف في سنة 1886 ، وبعد تخرجه عمل في مهنة الطب حتى سنة 1892.
كانت أعراض مرض السل قد ظهرت عليه وهو في سن الرابعة والعشرين ؛ وتمكن منه المرض اللعين ، لينتهى بموته وهو فى سن الأربعة والأربعين .

تشيخوف هو أحد الكتاب الذين تلمسوا الحزن الإنساني واستطاع أن يمسح عن وجه المهمشين والفقراء‏ ,‏ وسكان الأحياء الصغيرة في المدن المزدحمة آلامهم ,‏ واستطاع أن يرسم أمامهم حلماً بديعاً عن المستقبل‏ ,‏ وهو القائل عن نفسه أنه عاش أربعين عاما ليعتصر من عروقه دماء العبودية .
أنطون تشيخوف له مسرحيات شهيرة قدمت وتقدم على العديد من المسارح العالمية ، مثل النورس Seagull الخال فانيا Ancle Vanya الشقيقات الثلاث The Cherry Sisters بستان الكرز The Cherry Orchard ، وقد عاش تشيخوف زمن عمالقة في الأدب والمسرح أمثال ستاسلافسكي ، تولستوي ، مكسيم غوركي ودوستوفسكي وسواهم ، أما قصصه مثل : مضار التدخين ، مأساة الدب وموت موظف فقد قدمت سينمائيا ومسرحيا .
موت موظف قصة قصيرة جدا قرأتها مع مطلع الستينات من القرن الماضي وأعجبتني كثيرا ، ولذا طلبت من طلاب الصف الأول بمعهد الموسيقى والمسرح تحويلها إلى مسرحية وتمثيلها ، خاصة وكان من بين الطلاب العديد من المسرحيين الموهوبين أمثال : عبد العزيز العميري ، سلمى سلامه ، الفاتح مطيع وغيرهم ، ولكن دعونا أولا نقرأ معا القصة :



يقول أنطون تشيخوف :
ذات مساء رائع كان إيفان ديمتريفيتش تشرفياكوف ، الموظف الذي لا يقل روعة ، جالسا في الصف الثاني من مقاعد الصالة ، يتطلع في المنظار إلى " أجراس كورنيفيل" . وراح يتطلع وهو يشعر بنفسه في قمة المتعة . وفجأة ... وكثيرا ما تقابلنا "وفجأة" هذه في القصص .والكتاب على حق، فما أحفل الحياة بالمفاجآت ! فجأة تقلص وجهه ، وزاغ بصره ، واحتبست أنفاسه .. وحول عينيه عن المنظار وانحنى و ... أتش !!! عطس كما ترون . والعطس ليس محظورا على أحد في أي مكان . إذ يعطس الفلاحون ورجال الشرطة ، بل وحتى أحيانا المستشارون السريون . الجميع يعطس ، ولم يشعر تشرفياكوف بأي حرج ، ومسح أنفه بمنديله ، وكشخص مهذب نظر حوله ليرى ما إذا كان قد أزعج أحدا بعطسه . وعلى الفور أحس بالحرج . فقد رأى العجوز الجالس أمامه في الصف الأول يمسح صلعته ورقبته بقفازه بعناية ويدمدم بشيء ما . وعرف تشرفياكوف في شخص العجوز الجنرال بريزجالوف الذي يعمل في مصلحة السكك الحديدية . وقال تشرفياكوف لنفسه : " لقد دللته ، إنه ليس رئيسي بل غريب ، ومع ذلك فشيء محرج . ينبغي أن أعتذر ". وتنحنح تشرفياكوف ومال بجسده إلى الأمام وهمس في أذن الجنرال : - عفوا يا صاحب السعادة ، لقد بللتكم .. لم أقصد . - لا شيء ، لا شيء . - أستحلفكم بالله العفو . إنني .. لم أكن أريد ! - أوه ، اسكت من فضلك ! دعني أصغي ! وأحرج تشرفياكوف فابتسم ببلاهة وراح ينظر إلى المسرح ، كان ينظر ولكنه لم يعد يحس بالمتعة . لقد بدأ القلق يعذبه . وأثناء الاستراحة اقترب من يريزجالوف وتمشى قليلا بجواره ، وبعد أن تغلب على وجله دمدم : - لقد بللتكم يا صاحب السعادة .. اعذروني .. إنني لم أكن أقصد أن ... فقال الجنرال : - أوه كفاك ! أنا قد نسيت وأنت ما زلت تتحدث عن نفس الأمر !.. وحرك شفته السفلى بنفاد صبر . وقال تشرفياكوف لنفسه وهو يتطلع إلى الجنرال بشك : " يقول نسيت بينما الخبث يطل من عينيه . ولا يريد أن يتحدث . ينبغي أن أوضح له أنني لم أكن أرغب على الإطلاق .. وأن هذا قانون الطبيعة ، وإلا ظن أنني أردت أن أبصق عليه .. فإذا لم يظن الآن فسيظن فيما بعد ! ..." . وعندما عاد تشرفياكوف إلى المنزل روى لزوجته ما بدر عنه من سوء تصرف . وخيل إليه أن زوجته نظرت إلى الأمر باستخفاف فقد جزعت فقط ، ولكنها اطمأنت عندما علمت أن بريزجالوف " غريب " . وقالت : - ومع ذلك اذهب إليه واعتذر وإلا ظن أنك لا تعرف كيف تتصرف في المجتمعات . - تلك هي المسألة ! لقد اعتذرت له، لكنه ... كان غريبا .. لم يقل كلمة مفهومة واحدة ، ثم إنه لم يكن هناك متسع للحديث . وفي اليوم التالي ارتدى تشرفياكوف حلة جديدة ، وقص شعره وذهب إلى بريزجالوف لتوضيح الأمر .. وعندما دخل غرفة استقبال الجنرال رأى هناك كثيرا من الزوار ورأى بينهم الجنرال نفسه الذي بدأ يستقبل الزوار . وبعد أن سأل عدة أشخاص رفع عينيه إلى تشرفياكو . فراح الموظف يشرح له : - بالأمس في " أركاديا " لو تذكرون يا صاحب السعادة عسطت و .. بللتكم عن غير قصد .. اعذر .. - يا للتفاهات .. الله يعلم ما هذا ! – وتوجه الجنرال إلى الزائر التالي – ماذا تريدون ؟ وفكر تشرفياكوف ووجهه يشحب : " لا يريد أن يتحدث أذن فهو غاضب .. كلا لا يمكن أن أدع الأمر هكذا ... سوف أشرح له ..." وبعد أن انتهى الجنرال حديثه مع آخر زائر واتجه إلى الغرفة الداخلية ، خطا تشرفياكوف خلفه ودمدم : - يا صاحب السعادة ! إذا كنت أتجاسر على إزعاج سعادتكم فإنما من واقع الإحساس بالندم ! . لم أكن أقصد، كما تعلمون سعادتكم ! . - فقال الجنرال وهو يختفي خلف الباب : - إنك تسخر يا سيدي الكريم ! وفكر تشرفياكوف : " أية سخرية يمكن أن تكون ؟ ليس هنا أية سخرية على الإطلاق ! جنرال ومع ذلك لا يستطيع أن يفهم ! إذا كان الأمر كذلك فلن أعتذر بعد لهذا المتغطرس . ليذهب إلى الشيطان ! سأكتب له رسالة ولكن لن آتي إليه . أقسم لن آتي ! ". هكذا فكر تشرفياكوف وهو عائد إلى المنزل . ولكنه لم يكتب للجنرال رسالة . فقد فكر ولم يستطع أن يدبج الرسالة . واضطر في اليوم التالي إلى الذهاب بنفسه لشرح الأمر .. ودمدم عندما رفع إليه الجنرال عينين متسائلتين : - جئت بالأمس فأزعجتكم يا صاحب السعادة ، لا لكي أسخر منكم كما تفضلتم سعادتكم فقلتم . بل كنت أعتذر لأني عطست فبللتكم ... ولكنه لم يدر بخاطري أبدا أن أسخر وهل أجسر على السخرية ؟ فلو رحنا نسخر فلن يكون هناك احترام للشخصيات إذن ... - وفجأة زأر الجنرال وقد أربد وارتعد : - اخرج من هنا !! فسأل تشرفياكوف هامسا وهو يذوب رعبا : - ماذا ؟ فردد الجنرال ودق بقدمه : - اخرج من هنا !! - وتمزق شيء ما في بطن تشرفياكوف . وتراجع إلى الباب وهو لا يرى ولا يسمع شيئا . وخرج إلى الشارع وهو يجرجر ساقيه .. وعندما وصل آليا إلى المنزل استلقى على الكنبة دون أن يخلع حلته ... ومات.. .
من الواضح جدا الرسالة الإنسانية البليغة التي أراد تشيخوف أن يوصلها للناس ولا يحتاج الأمر إلى تفاصيل .
نسمع ونقرأ كثيرا عن أطفال السودان ، وحالات الإغتصاب البشعة التي يتعرضون لها ، وعن أطفال الشوارع والمشردين ، حكى لي صديقي قصة ذلك الموظف الذي حصل بعد معاناة شديدة على وظيفة حكومية ، وعند صرف أول راتب له قام بجمع 50 طفلا يتيما ومتسولا بأخذهم إلى أحد المطاعم الشهيرة في العاصمة الخرطوم وعزمهم على وجبة غداء فاخرة كلفته كل المرتب ، بالطبع كان الأطفال سعداء جدا بالوجبة التي لم يذوقوا مثلها في كل حياتهم ، وعندما رأى الأطفال أسياخ الكباب علت أصواتهم بالصلاة على محمد وآل محمد وبالتكبير والتهليل ، وعندما عاد الموظف إلى بيته إكتشف أنه ليس معه ولا مليم ، فسألته زوجته عن المرتب و و مات الموظف ...
قد يسأل سائل ما هو وجه المقارنة بين القصتين ؟ موظف تشيخوف مات من القهر نتيجة عطسه وموظف السودان مات من الفقر والعوز والفاقة .



#بدرالدين_حسن_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورحل رفيق الصبان
- علاء الأسواني بين الأدب والسياسة - الحلقة الخامسة
- علاء الأسواني بين الأدب والسياسة الحلقة الثانية
- المسرح السياسي
- علاء الأسواني بين الأدب والسياسة الحلقة الرابعة
- علاء الأسواني بين الأدب والسياسة-الحلقة الثالثة
- علاء الأسواني بين الأدب والسياسة الحلقة الأولى
- علاء الأسواني بين الأدب والسياسة


المزيد.....




- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدرالدين حسن علي - بين موظف تشيخوف وموظف السودان