|
العلمانية كضرورة زمانية
سيد القمني
الحوار المتمدن-العدد: 7092 - 2021 / 11 / 30 - 23:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المشكلة الآن ليست تغيير رئيس أو نظام، فهذا الجزء الهين واليسير، لأن تغيير أبطال المسرحية لا يسقطها، المشكلة هي في ثقافة مجتمع ينظر إلى الخلف بحثًا عن الخلاص، في وقت نحتاج فيه إلى النظر للأمام، و إن التفتنا إلى الماضي فلطلب الأزر الحضاري الوطني المحلي المرتبط ببيئتنا وخريطتنا المناخية والجغرافية والمجتمعية، وليس الديني الوارد من بيئة نقيض بالكامل، وأن يقدم الجميع اعترافًا للجميع بتنوع أصولنا وعناصرنا وألواننا وأصنافنا وأدياننا ومذاهبنا، فالعلمانية كطريقة وأسلوب لتنظيم الحياة، تعيد للحضارات القديمة اعتبارها لأن هي التي ارتقت بالبشرية من الحيوانية إلى الإنسانية، وتُقيم المساواة بين المواطنين وتُعلي درجاته بقدر ما ينتج ويضيف للمجتمع وللحضارة بمبدأ (دعه يعمل، دعه يمر)، وتضع الفرد المواطن وأمنه وسلامته وحياته ورعايته ودعمه عندما يكون أهلًا لذلك، الفرد حسب الطريقة العلمانية هي قيمة أولى قدسية بل تعتبره أثمن المقدسات.
والعلمانية في التوصيف السيسبوبوليتيك هي أسلوب لتنظيم المجتمع بعقد اجتماعي يضمن سلامة المجتمع بما يتوافق عليه أعضاؤه، أفراد وطوائف وأعراق وأديان، ويرضى الجميع بشروط هذا العقد مصاغًا في دستور يضمن المساواة بين الجميع في تكافؤ الفرص وأمام موازين العدل وبذات الحقوق والواجبات، وتبادل السلطة بطريقة سلمية عبر صندوق انتخابات خاضع لشروط ومقاييس عالمية صارمة تضمن نزاهة العملية الانتخابية و من ثم السياسية، لاختيار مجلس نيابي وكيلًا عن الشعب ليحكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه.
وفي الجانب النظري الفلسفي، فإن العلمانية حسب معجم روبير، هي بفتح العين: تعني العالم المادي الذي نعيش فيه، فيقتصر اهتمامها على مشاكل المجتمع و الاقتصاد والسياسة والبيئة.. إلخ، وكلها اهتمامات أرضية، مقابل العالم السماوي أو الغيبي الذي لا يمكن النفاذ إليه لمعرفته و بحثه و درسه، لذلك تحيل العالم الغيبي إلى الإيمان القلبي دون تدخل فيه، ودون أن تقول فيه كلمة رفض أو إيجاب.
و"العلمانية" بكسر العين: تعني استخدام منهج البحث العلمي في البحث و المعرفة و الوصول إلى الحقائق المحسوسة، فهي إذ تهتم بدنيانا فإنها تستخدم الحواس، والمختبر والعقل لتصل إلى نتائج صحيحة غير وهمية.. وهي بهذا الموقف تنصرف عن عالم الغيب لأنه لا يمكن حسم أي يقين بشأنه لعدم إمكانية وضعه تحت البحث و الفحص الحسي للوصول منه لحلول لمشاكل تقع في عالمنا الدنيوي، وأيضًا لأن العلم بطبيعته زماني لا يزعم الخلود و لا الصواب المطلق، ويصحح نفسه بنفسه باستمرار ويشغله الإنسان و لا يشغله الله لأنه ليس بحاجة إلينا، وفي المختبر ودنيا البحث العلمي لا حاجة لنا به ليكون موجودًا في المختبر دون فعل، والعلم لا دين له فهو من الجميع للجميع دون تمييز، ويعمل على سعادة الإنسان في الدنيا و لا يخضع لأي معيار من خارجه.
ولذلك تضمن العلمانية لكل مواطن حريته في اعتقاد ما يشاء من أديان، وتحمي لكل مواطن حقه في العبادة والتدين و إنشاء دور عبادته و حمايتها و حريته في الدعوة لديانته بما لا يضر بالسلم الاجتماعي، مستبعدة بذلك عوامل النزاع التاريخية حول الأديان، لأنها لا تنحاز لدين ضد دين، فالدين عندها ممارسة طواعية إرادية تتم عن قناعة و دون إكراه و تنحاز للإنسان وليس لطائفته و لا طبقته، فهي تقوم على وحدة التراث الإنساني دون انتقاء و تفصيل، وتتيح الاختلاف بين المجتمعات حتى في نظام القيم التي تختلف باختلاف البيئة والمكان والزمان، ولا تجبر العلمانية أحدًا على اعتناق مبادئها، ولم يسبق لها أن أرسلت رسالة تهديد أو رفعت قضية ضد من لا يعتنقها، وتقبل النقد وتعتبره إضافة لها لأنها تستفيد منه في إصلاح أخطائها، ولا تحتاج إلى شن حملات إبادة لمن لا يؤمن بها.
وعندما تختلف الآراء وتتعارض فهذا لا يعني بطلان أحدهما فكلاهما بشري، لذلك تقف العلمانية بصرامة ضد الشمولية التي تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة التامة والنهائية، وتمنع الدين من النزول إلى المشترك الاجتماعي العام، ولا تقر إلا القوانين التي يضعها الشعب عبر وكلائه من نواب التشريع بما يعبر عن صالح جميع المواطنين، وبما يرضى الجميع بمساواة، فتصلح للتطبيق دومًا، لأنها دون تمييز في المواطنة لحقوق عنصرية أو دينية أو جنسية إعلانية ولا سند لها في واقع الحياة.
وبمثل هذه المعاني الراقية تمكنت العلمانية من منع وسيادة التعصب فحققت للمجتمع سلامه و أمنه، ونجحت أينما طبقت في كل العالم، وليس فيها عصر ذهبي و لا يقينًا قدسيًا و لا مؤسسة ذات حق إلهي، العلمانية نجحت لأنها أسقطت كل اليقينيات المتصارعة وتعاملت مع كل شأن بحسبانه نسبيًا، وفتحت السبيل إلى غياب التحريم الديني في الفن و العلم، بما فتح الأبواب للكشف و الإبداع و الاختراع و التقدم.. فها نحن منتهون؟
2016 / 9 / 19
#سيد_القمني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفويض للقوات المسلحة المصرية
-
نداء.. نداء.. نداء
-
حزب الظلام/ النور سابقاً/ وأمور أخرى
-
قلق مشروع
-
من دفتر على الرصيف
-
صراع بين زمنين
-
هدم الدولة (2) ..تدمير الأخلاق
-
هدم الدولة (1)..الماعت
-
فصل المقال فيما بين القانون والشريعة من انفصال(3)
-
فصل المقال فيما بين القانون والشريعة من انفصال (2)
-
فصل المقال فيما بين القانون والشريعة من انفصال
-
واقع ومستقبل الأقليات في الفقه الإخواني
-
شهادة زمن ما قبل التمكين (2-2)
-
شهادة زمن ما قبل التمكين (1-2)
-
وعادت لمصر شمسها الذهب
-
الإخوان هم النسل النقي للهكسوس - العزف مع حركة -كتالة- النوب
...
-
العزف مع حركة -كتالة- النوبية (3)..الإخوان وإعادة فتح مصر
-
العزف مع حركة كِتالة النوبية (2)…. الإخوان وأهلنا في النوبة
-
العزف مع حركة -كتالة- النوبية - 1 -..إبراهيم الأبيض
-
قليل من الفلسفة يصلح العقل ويحفظ الوطن ( مابين العدل الإلهي
...
المزيد.....
-
عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف
...
-
يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس
...
-
الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
-
-أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل
...
-
ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
-
توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
-
مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل
...
-
إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش
...
-
-بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل
...
-
عضو بمجلس الفتوى ببريطانيا يدعو مسلمي الغرب للتمسك بدينهم وب
...
المزيد.....
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
-
فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب.
/ يوسف هشام محمد
-
التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا
...
/ علي أسعد وطفة
المزيد.....
|