أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمد تومة - طريق الحقيقة رقم 18















المزيد.....



طريق الحقيقة رقم 18


محمد تومة

الحوار المتمدن-العدد: 1187 - 2005 / 5 / 4 - 12:12
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


1- شعارها الثقافي الاستراتيجي:
1- لا أحد يملك الحقيقة.
2- أنا أبحث عن الحقيقة.
3- أنا أملك جزءاً من الحقيقة ومن حقي أن أعبر عنها.
2- شعارها السياسي التكتيكي: الديمقراطية للعربي والفارسي والتركي، والحرية للكردي.
3- أيديولوجيتها: سياسة غصن الزيتون، وفلسفة حقوق الإنسان.
4- شعارها الاقتصادي الاستراتيجي: مجتمع الإبداع والرخاء والعدل.
- - - - - - - - - - - - - - - - -
موضوع الحلقة.. (( الشرق الأوسط والدولة ))
- - - - - - - - - - - - - - - - -
1- المقدمة.
2- الشرق الأوسط والوضع المعاش والحقيقة المرة.
3- الشرق الأوسط أمام الحقيقة المرة، وهي تعيش بدون دولة، والأسئلة التي تبحث عن السبب.
4- تاريخ ظهور الدولة الحديثة في سياقها التاريخي.
مقومات الدولة : القديمة و الحديثة.
1- الدولة القديمة.
2- الدولة الحديثة.
5- الدولة القديمة والدولة الحديثة من وجهة النظر الفلسفية. حقوق المواطنة في دولة الوحدانية والأيديولوجيات المنبثقة عنها.. الدينية والقومية والاشتراكية.
6- النظرة الوحدانية للأيديولوجيات الثلاث في مجابهة العلم.
7- العراق وصراع الفلسفات على ساحته ولمن سيكون النصر وبناء دولة القانون.
8- كلمة التاريخ وموقفه من هذا الصراع على ساحة العراق.
9- الإجابة عن السؤال: لماذا لم تقم الدولة في الشرق الأوسط؟
10- الشرق الأوسط والمتغيرات التاريخية العالمية.
11- لمن النصر على ساحة الصراع في العراق، وأي فلسفة تستطيع بناء دولة القانون.
12- الشرق الأوسط وشروق شمس الأمل في بناء دولة القانون:
1- لبنان.
2- مصر.
3- العراق.
13- كلمة أخيرة من طريق الحقيقة.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
1- المقدمة:
لقد كثر الحديث والصراخ والكتابة من قبل كتابنا ومفكرينا الغيورين على مستقبل شعوبهم في الشرق الأوسط والعالم العربي مطالبين بالإصلاح من نظمنا الحاكمة.
وكلمة إصلاح تعني أن هناك بناءاً قد تصدع، وهذا البناء مهدد بالسقوط فوق رؤوسنا ورؤوس أطفالنا.
إن هذه الصرخات المطالبة بالإصلاح، إنها كصرخة في وادٍ عميق.. ولا حياة لمن تنادي. ترى لماذا صرخة في وادي ولا حياة لمن تنادي؟! والجواب لهذا السؤال هو الآتي:
لا يشك أحد في غيرة ونوايا كتابنا ومفكرينا وحبهم لوطنهم وشعوبهم. ولكن المشكلة لا تكمن في غيرتهم ونواياهم الطيبة. بل تكمن في الجهة التي توجه إليها خطابهم وصرختهم. فلا بد من تحديد الجهة التي توجه إليها هذه المطالب والصرخات، فإذا كان الخطاب والإصلاح موجه إلى دول والمطالبة بالإصلاح، فلا بد من طرح الأسئلة التالية:
1- هل نحن شعوب الشرق الأوسط والشعب العربي نملك دولاً؟
2- إذا كنا نملك دولاً، فمن هم أصحابها؟ هل هذه الدول للحكام؟ أم للشعوب؟
فإذا كان الخطاب موجه للحكام فسيكون جواب صرختهم، ستكون صرخة في وادٍ عميق (( ولا حياة لمن تنادي )).
أما إذا كان الخطاب موجهاً للشعوب، فلكي تكون هناك استجابة لندائهم فيجب خلق دولٍ تملكها الشعوب.
فهل يستطيع أحد من المفكرين والكتاب أن يدلنا على دولة في الشرق الأوسط ومن المحيط إلى الخليج ملكاً للشعب؟
ولنبحث عن الحقيقة بدءاً من تركيا:
لقد تحولت ملكية الدولة من السلاطين العثمانيين الروحانيين إلى ملكية سلاطين العسكر الجمهوريين. وفي إيران انتقلت ملكية الدولة من الشاهنشاه الدنيوي إلى ولاية الفقيه الآخروي.
أما في الأقطار العربية فتحولت ملكية الدولة، من ملكية سلاطين بني عثمان والاستعمار الإنكليزي والفرنسي إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسعادة والأمير والزعيم الملهم وقائد الضرورة والأب القائد.
فعندما تتحول ملكية الدولة إلى الشعوب عندها يمكن التكلم عن الإصلاح والتغيير والتطور والتقدم.. الخ ولحين مجيء هذا الوقت سيكون طرح المفكرين والكتاب في الشرق الأوسط لمطالبهم وصرخاتهم للإصلاح صرخة في وادٍ عميق.. ولا حياة لمن تنادي...
ومن أجل هذا أردنا أن نسلط الضوء على دولة الشعب.. دولة القانون وفلسفتها التعددية، في هذه الحلقة سنتابع طريق البحث عن الحقيقة.

2- الشرق الأوسط والوضع المعاش والحقيقة المرة:
لقد انطلقت طريق الحقيقة وطريق البحث عن الحقيقة في مسيرتها الثقافية والتنويرية بناءاً على السؤال الذي طرحته وهو: لماذا نحن متخلفون؟
وبدأت مسيرتها عبر إصدار سلسلة من الحلقات بدأت بالأولى وها هي الثامنة عشر ساعية وراء الإجابة على السؤال: لماذا نحن متخلفون؟
إن طريق الحقيقة تؤمن بأن الكون الطبيعي الموجود. والوجود البشري. والفكر. لا يمكن أن يكون وأن يسير إلا على الحقيقة ولا يمكن أن يقام ويسير على الخطأ، ولهذا عاهدت طريق الحقيقة أن تقول كلمتها في الحقيقة مهما تكن مرة. وقد يعجب بعض الناس برؤيتنا في كشف الحقيقة وقولها. وقد يرفض بعض الناس رؤيتنا. فالناس الذين يعجبون برؤيتنا ويقابلوننا بعبارات المدح والثناء - ويطالبوننا بالمزيد. والذين يرفضون رؤيتنا وأحياناً يشتموننا ويصفوننا بشتى النعوت والأوصاف بالكفر والخيانة والعمالة لهذه الجهة أو تلك. أما موقف طريق الحقيقة من كلا الطرفين هو مزيد من الإحترام والتقدير للتعبير عن آرائهم مهما يكن شكلها ونوعها. ترى لماذا هذا الموقف من طريق الحقيقة؟. والجواب هو نظرتنا العلمية للواقع الذي يحيط بنا ونعيش معه سواء أكان هذا الواقع طبيعياً مادياً أو اجتماعياً بشرياً أو فكرياً ولسنا من أنصار نسبة 99.99%. إن نظرة طريق الحقيقة الفلسفية للواقع المادي الملموس والمحسوس قائمة على الاعتراف بالتعددية. هذا ما نراه ونحسه ونلمسه.
إن الكون مكون من أرض وسماء وبحار وجبال وهضاب وتلال ووديان ويابسة و.. ويتكون من آلاف الألوان والأطوال والأوزان. إننا لا نرى وحدة لا في الألوان ولا في الأوزان ولا في الأطوال. وكما يتكون الكون المادي من آلاف الأوزان والأطوال والألوان، وكذلك الوجود البشري يتكون من الاختلاف في اللون والجنس والقومية واللغة والعرق والدين والمذهب. وكذلك الفكر البشري. فهل لأحد يدلنا على الوحدة في الوجود الطبيعي البشري والفكري؟ ترى من أين جاءت فلسفة الوحدة؟
ولهذا نرى أن وجود المعارض والرافض لفكرنا ورؤيتنا له أهمية قصوى لنا تماماً بوجود المؤيد لرؤيتنا للحقيقة.
فلو لا نقد المعارض لما أدركنا أخطاءنا.
ولو لا كره المخالف لنا لما أدركنا قيمة الحب.
وكما أن الرجل لا يستطيع أن يعيش بدون نقيضه الأنثى.
وكما أنه لا يكون للنهار معنى بدون نقيضه الليل.
ولا يمكن إدراك قيمة الخير بدون نقيضه الشّر.
وهكذا يمكن إدراك الواقع الذي نعيشه. وهكذا نستطيع أن نقول: أن لا حياة للإنسان سواء أكان فرداً أو شعباً بدون تعددية. ولا أمن وسلام مع الوحدانية. لأن الوحدانية غير موجودة في الواقع. لقد تغذت عقول أبناء الأمم الأربعة في الشرق الأوسط العربية والفارسية والتركية والكردية من ثقافة الوحدة. ومضى قرن كامل وهو القرن العشرون وها نحن ندخل القرن الحادي والعشرون. ونحن أما حقيقة مرة وهي أننا نعيش بدون دولة.
ترى هل يعقل أن يعيش الملايين من العرب والفرس والترك والكرد والشعوب المتعايشة معها بدون دولة ؟! ؟! ؟! تلك هي الحقيقة المرة الكبرى. أما لماذا لم تقم الدولة في الشرق الأوسط بعد مرور قرن كامل – تلك هي الحقيقة التي تريد طريق الحقيقة كشفها وإعلانها للملأ والعالم علنا ندرك إلى أين يسير بنا التاريخ. علنا نستطيع أن ننقذ أنفسنا من طوفان نوح جديد.

3- الشرق الأوسط أمام الحقيقة المرة، وهي تعيش بدون دولة، والأسئلة التي تبحث عن السبب:
نعم نحن شعوب الشرق الأوسط نعيش بدون دولة. تلك هي الحقيقة المرة. وهذه الحقيقة المرة تفرض علينا طرح الأسئلة التالية والتي تبحث عن الجواب:
1- هل نحن شعوب الشرق الأوسط نعيش في ظل دولة؟
2- فإذا كنا نعيش في ظل دولة. لماذا نحن متخلفون؟
3- فإذا لم نُقِم دولة. ما هي الأسباب التي حالت دون قيامها؟
4- وهل يمكن للمجتمعات البشرية أن تعيش بدون دولة بعد كل التطور التاريخي الذي حصل؟
وجواب طريق الحقيقة على هذه الأسئلة يكون الآتي:
إن الشرق الأوسط لم تقم فيه دولة بالمعنى العصري للدولة لا في تركيا ولا في إيران ولا في الأقطار العربية. وتلك هي سبب تخلفنا الحضاري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والعلمي. وشعوبنا باتت تعيش خارج التاريخ الحضاري العالمي.
كيف ذلك؟ وما هي الأدلة على ذلك؟
4- تاريخ ظهور الدولة الحديثة في سياقها التاريخي:
لقد كانت دولة القرون الوسطى تسود في الشرق والغرب على السواء. وكان الغرب سباقاً في إعلان الحرب على هذه الدولة منذ ثلاثة قرون تقريباً، وبدأ يهدم هذه الدولة بوجودها الفلسفي والثقافي أولاً ومن ثم بوجودها السياسي المادي ثانياً.
وبدأت تظهر الدولة الحديثة بفلسفتها وثقافتها ووجودها المادي قطعة بعد قطعة على أنقاض الدولة القديمة.
لقد حدث زلزال عنيف هناك في الغرب. وكان الفضل في حدوث هذا الزلزال العظيم لقلم المثقفين الثوريين والفلاسفة والكتاب والشعراء والمؤرخين. وفتحوا المجال أمام ظهور نخبة سياسية جديدة ليقيموا الدولة الحديثة وفق ما طرحه الفلاسفة من ثقافة وفلسفة وسياسة جديدة.
وبنفس الوقت كان الشرق الأوسط غارقاً في نومٍ عميق يخيم عليه ظلام دولة القرون الوسطى - الإمبراطورية العثمانية... الجهل والتخلف والفقر والاستبداد يخيم بغيومه السوداء على سماء الشرق الأوسط.
ومع قيام الدولة الحديثة في الغرب انتقلت المجتمعات الغربية من إنتاج المجتمع الطبيعي إلى إنتاج المجتمع الصناعي، وقد رافقت قيام هذه الدولة ثورة علمية معرفية وكانت نتيجتها ابداع كل أدوات الإنتاج الحديث فظهرت معها ثورة صناعية. ورافقها إنتاج بضائع. وتطلب الوضع تصدير هذه البضائع المنتجة إلى أسواق لصرفها وإلى أوطان يُحصل منها على روح هذه الصناعة من المواد الأولية. ولما كان الشرق الأوسط سوقاً رائجاً لتصريف هذه البضائع وخزاناً هائلاً للحصول على المواد الخام. وتشكلت ظروف موضوعية في الغرب التي تتطلب إزالة الإمبراطورية العثمانية كدولة للقرون الوسطى من الوجود والتي أصبحت عائقاً أمام التقدم البشري، وتم هذا بالفعل بعد الحرب العالمية الأولى. وجاء الإنكليز والفرنسيون بكل آلاتهم الحربية الحديثة. وكان من الطبيعي ألا تستطيع الدولة العثمانية - دولة القرون الوسطى - أن تقاوم هذه الهجمة الغربية. وكان عليها أن تجابه مصيرها المحتوم وتناثرت إلى قطع وتم توزيع هذه القطع بين الإنكليز والفرنسيين. وسميت بتسميات مختلفة ( محميات – إمارات – انتداب ..الخ) وبعد الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية وتغيير التوازن الدولي وتشكل كتلتين إحداهما شرقية، سميت الاتحاد السوفيتي والثانية غربية سميت بالعالم الحر. وما بين الحربين ظهرت حركات تحرر وطنية من قبل الشعوب المستعمرة للخلاص من الاستعمار وبناء دولة مستقلة عصرية. وأخيراً وبعد صراع مرير تمكنت هذه الشعوب من الحصول على الاستقلال وهي تحلم بإنشاء دولة حديثة لتكون هذه الدولة عامل حل لكل القضايا المتراكمة التي ورثتها هذه الشعوب من العهد العثماني والعهد الاستعماري الغربي.
والحقيقة التي حلت على هذه الشعوب خلال قرن كامل أنها لم تقم ولا دولة حديثة في الشرق الأوسط ولا في الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج. وبقيت هذه الشعوب تعيش في حالة فوضى طوال قرن كامل.
وكل ما جرى هو قيام كيانات سلطوية سياسية لا أكثر، وهذه الكيانات السلطوية السياسية بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة الحديثة ومقوماتها لا فلسفياً ولا ثقافياً ولا مادياً. وتحولت هذه الأوطان إلى مزارع خاصة وشعوبها إلى قطعان من الغنم وسادت فيها شريعة الغاب طوال قرن كامل ولا زالت. ولكي نثبت كلامنا هذا في عدم قيام الدولة لا بد أن نبين للقارئ ما هي مقومات الدولة القديمة وما هي مقومات الدولة الحديثة. ولنترك الحكم للقارئ الكريم لاكتشاف الحقيقة.
مقومات الدولة القديمة والحديثة:
أ- مقومات الدولة القديمة:
1- فلسفتها تقوم على النظرة الوحدانية.
2- السلطة مطلقة غير مقيدة بدستور.
3- يحصل الحاكم على السلطة إما بالتعيين أو بالوراثة أو بالإغتصاب أو بالإستيلاء.
4- لا انتخابات ولا تعددية.
5- السلطة غير محدودة، إلى الأبد.
6- السلطة غير مقيدة بدستور، مزاج الحاكم هو الدستور والقانون. فإما حاكم بأمر الله، أو هو الوطن، أو هو القومية.
7- يمنح للمرء حقوق المواطنة على أساس الولاء للحاكم أو الحزب أو المذهب أو الطائفة أو القومية.
8- لا حق لأي مواطن بالمشاركة السياسية إلا بموافقة الحاكم.
9- الناس يصنفون كمواطنين من الدرجة الأولى والثانية وبعضهم يصنفون من الدرجة الثالثة والرابعة ( سادة وعبيد ).
ب- مقومات الدولة الحديثة:
1- فلسفتها تقوم على النظرة التعددية.
2- الشعب مصدر السلطة.
3- السلطة عن طريق الانتخاب.
4- لا انتخابات بدون تعددية.
5- جميع ممارسات الحصول على السلطة القديمة ( الوراثة والاغتصاب والاستيلاء) مرفوض.
6- السلطة محدودة بتاريخ، تنتهي سلطة الحاكم بانتهاء التاريخ المحدد.
7- لا مشروعية لأية سلطة بدون انتخاب.
8- لا دولة بدون دستور.
9- لا مشروعية لدستور بدون موافقة الشعب عليه.
10- يمنح للمرء حق المواطنة على أساس كونه إنسان بصرف النظر عن دينه وقوميته ولونه وجنسه ومذهبه.
11- حق المشاركة في كافة مجالات الحياة بشكل متساوي.
12- فصل الدين عن الدولة.
13- الشعب هو مصدر التشريع والسلطة.
14- القضاء هو الجهة المسؤولة عن الدستور والحقوق والحريات.
15- كل الناس متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون.
5- الدولة القديمة والدولة الحديثة من وجهة النظر الفلسفية. حقوق المواطنة في دولة الوحدانية والأيديولوجيات المنبثقة عنها.. الدينية والقومية والاشتراكية:
1- فلسفة الدولة القديمة (الوحدانية):
إن كل ثقافة وفلسفة الدولة القديمة وبناء كيانها السياسي تقوم على الوحدانية وقد بنت الدولة العثمانية دولة القرون الوسطى على أساس النظرة الروحية.
فالله واحد. ومن هنا بدأت النظرة الروحية للواقع. فما دام الله واحد وهو خالق الكون (الجامد والحي). فلا بد أن تكون هناك أمة واحدة ودولة واحدة وعقل واحد ودين واحد ومجتمع موحد وثقافة واحدة ..الخ فالمخالف للنظرة الوحدانية والداعي للتعددية هو كافر وملحد ومرتد حسب اجتهاد وفتوى شيخ الدين. وعميل وخائن وانفصالي حسب اجتهاد وفتوى صاحب الوطنية والقومية الواحدة. ومستغل وبرجوازي حسب اجتهاد أصحاب الاشتراكية. والثلاثة مجتمعون على قطع رقبة المخالف.. تماماً كما نشاهدها اليوم على شاشات التلفزة من قطع رقاب الناس بالسيف على الساحة العراقية بناءاً على تلك الفتاوى والإجتهادات وبناءاً على هذه الفلسفة والثقافة الأحادية.
وقد ظهرت كيانات سياسية سلطوية في الشرق الأوسط مارست السياسة بناءاً على هذه الفلسفة. وظهرت أيديولوجيات وحدانية ثلاث: أ- الأيديولوجية الدينية الوحدانية.
بـ- الأيديولوجية القومية الوحدانية.
جـ- الأيديولوجية الاشتراكية الوحدانية.
الأيديولوجيات الثلاث تتبنى النظرة الفلسفية الوحدانية. حيث لا تؤمن بدولة متعددة القوميات ومتعددة الأديان ومتعددة الطبقات ومتعددة الشرائح السياسية المختلفة. وبالتالي الأيديولوجيات الثلاث لا تمنح حقوق المواطنة إلا على أساس الدين أو القومية أو الطبقية.
تقسيم المواطنين في دولة الوحدانية وحقوق المواطنة:
ينقسم المواطنون في دولة الوحدانية إلى:
1- مواطنين من الدرجة الأولى (سادة).
2- مواطنين من الدرجة الثانية (عبيد).

أ- دولة الأيديولوجية الدينية وحقوق المواطنة:
يقسم المواطنون في دولة الأيديولوجية الدينية الوحدانية من حيث حقوق المواطنة إلى قسمين:
1- المواطنون المسلمون.
2- أهل الذمة.
جميع المواطنين المسلمين متساوين في الحقوق والواجبات. كما هو مذكور في الكتاب المقدس (أما عند الحاكم فهذا أمر آخر).
أما أهل الذمة عليهم كل الواجبات. ولا يحق لهم بالمشاركة السياسية والثقافية والإدارية، فهذا محرم عليهم.
والمواطنون المسلمون هم أيضاً ينقسمون إلى قسمين (وأكثر) عندما يتحول الأمر إلى سياسة. وعندها تنقسم حقوق المواطنة:
1- مذهب ســني.
2- مذهب شيعي.
فإذا كان المذهب السني هو الحاكم فيكون الشيعة محرومون من حقوق المشاركة السياسية والثقافية والإدارية، ويعتبرون من فئة المنبوذين والمرتدين عن الإسلام والخطرين على الدولة وحسابهم واضح في هذه الحالة، أما إذا كان المذهب الشيعي هو الحاكم فيكون السنة محرومون من حقوق المشاركة السياسية والثقافية والإدارية ويعتبرون من فئة المنبوذين والمرتدين والخطرين على الدولة وحسابهم واضح في هذه الحالة. وهكذا دواليك... بالنسبة للجماعة الوهابية وغيرهم...
إن الهدف الاستراتيجي للأيديولوجية الدينية الاجتماعية والثقافية هو خلق المجتمع الإسلامي الواحد والمذهب الواحد والوطن الإسلامي الموحد، وكل ما هو مخالف لذلك مرفوض وكل تعددية مرفوضة.
بـ- دولة الأيديولوجية القومية الواحدة وحقوق المواطنة:
لقد ظهرت الأيديولوجية القومية في الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية على يد الإنكليز والفرنسيين. وظهرت الأيديولوجية القومية في تركيا أولاً وسميت بالأيديولوجية الكمالية. ونادت هذه الأيديولوجية بالوطن التركي الواحد والمجتمع التركي الواحد وفق المقولة ( سعيد من يقول أنا تركي ) وسمَّت هذه الأيديولوجية كيانها السياسي بالجمهورية التركية، وهذه المقولة تعني أن كل من يعيش على أرض تركيا هو تركي والويل لمن يقول أنا لست تركياً، فالموت بانتظاره. وكان من نتيجة هذه السياسة مقتل مليون من الشعب الأرمني وتهجير ثلاث ملايين، وكان من نصيب الشعب الكردي تدمير أربعة آلاف قرية وتهجير ملايين من قراهم ومدنهم وقتل عشرات الألوف من البشر.
والأيديولوجية الثانية التي ظهرت كان من إبداع وتخطيط المثقفين العرب الذين قلدوا الأتراك فكان شعارات التيار القومي العربي: أمة عربية واحدة، ووطن عربي واحد خالٍ من كل إنسان غريب عن الأصل العربي.
لقد وضع في أيديولوجية حزب البعث بندين وهما البند الثامن والبند الحادي عشر:
يقول البند الثامن مايلي (( إن الأقليات جراثيم في جسم الأمة العربية، يجب إزالتها أو إذابتها ))
ويقول البند الحادي عشر (( يجلى عن الوطن العربي كل من يدعو إلى تكتل عنصري أو هاجر إلى الوطن العربي للإستيطان الاستعماري )).
وبناءاً على هذه الفلسفة الوحدانية تحولت كل الأقليات والشعوب المتعايشة مع الشعب العربي منذ آلاف السنين إلى جراثيم في جسم الأمة العربية وهذا يعني: أن جميع الأكراد والآشوريين والأرمن والكلدانين والأقباط والأمازيغين والأفارقة جراثيم يجب إزالتهم أو إذابتهم بالقوة. وهكذا قسم المواطنون في الكيانات السياسية السلطوية التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى والثانية إلى قسمين:
1- قسم أسياد. 2- قسم عبيد.
الأسياد هم العرب ولهم كل حقوق المواطنة.
والعبيد فلا حق لهم في الحياة سوى تسمينهم كالحيوانات للذبح وقت الحاجة أو طردهم خارج الحدود إذا ازداد عددهم عند اللزوم، كما فعل صدام حسين في العراق بموجب البند الحادي عشر في الأكراد الفيليين.
إن دولة الأيديولوجية الوحدانية لا تؤمن بالتعددية الجغرافية ولا البشرية.
جـ - دولة الأيديولوجية الاشتراكية وحقوق المواطنة:
لقد ظهرت الأيديولوجية الاشتراكية الوحدانية أيضاً لتزيد في الطين بلة هي الأخرى. فرفضت التعددية وتبنت وجهة نظر الفلسفة الوحدانية ولم تعترف بالتعددية الطبقية وحاولت هي أيضاً خلق مجتمع موحد. وأرادت أن تذوب كل الطبقات الأخرى في طبقة واحدة وهي طبقة البروليتارية. وجردت كل الطبقات من الملكية وأصبح كل المواطنين بلا ملكية وموحدين.
6- النظرة الوحدانية للأيديولوجيات الثلاث في مجابهة العلم:
النظرة الفلسفية الوحدانية وبالتالي الأيديولوجيات الثلاث المبناة عليها مرفوضة من العلم وذلك وفق البيان الآتي:
يتكون الكون المادي – الجامد والحي – الملموس والمحسوس من الأرض والجو والبحر والبشر والحيوان وكل هذه الموجودات أجسام مادية يمكن لمسها ومشاهدتها وإجراء التجارب عليها وتسيير هذا الواقع المحسوس والملموس المادي حركات وليست حركة واحدة. الحركة الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية ..الخ وكل ما نشاهده من أشياء وظواهر وعمليات هي ناتجة عن تفاعل هذه الحركات في المادة.
إن هذه الحركات وما يجري بينها من تفاعلات وتبادل وتأثيرات وفق قوانين دقيقة وهذه العملية تسمى بالعلم والشيء الهام والعظيم في هذه العملية العلمية أن قوانينها ذاتية غير خاضعة لإرادة الإنسان وهي قوانين موضوعية. وتلك هي عظمة المادة فلو كانت هذه العملية العلمية يمكن التلاعب بها لدمر الإنسان الكون منذ زمن طويل. هناك نظريتان فلسفيتان في هذه العملية العلمية:
1- النظرة المثالية الروحية. 2- النظرة المادية.
1- فالنظرة المثالية الروحية ومنها الفلسفة الدينية بأكملها تنظر لهذه العملية العلمية وحركاتها، على أن وراء هذه الحركة قوة روحية مطلقة. وإن هذه العملية العلمية وحركاتها وتوجهها لا يعلم سرها سوى خالقها. وهذا يعني أن كل ما يجري في الكون له هدف مرسوم سلفاً وقدر مكتوب. لا مهرب منه ويجب القبول به. على أنه حكمة إلهية كتب لها أن تكون فكانت. سواء أكانت مفرحاً أو محزناً. أما من الناحية المعرفية فالنظرة الروحية تقول: لا يمكن معرفة أسرار الكون من قبل البشر مطلقاً. لأن البشر لم يخلقوا الكون.
2- أما النظرة الفلسفية المادية تقول العكس تماماً، تقول النظرة الفلسفية المادية: إن الكون وكل ما فيه وعليه مادي لم يخلقه أحد وليس له بداية ولا نهاية. وإن كل ما نرى في الكون من أشياء وظواهر وعمليات وتفاعلات وتأثيرات متبادلة هي من فعل حركات المادة، الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية... الخ
وهذه الحركات هي حركات ذاتية من صلب المادة. وهي مطلقة ولا يمكن فصلها عن المادة. وليس هناك مادة بدون حركة.
أما من الناحية المعرفية: فيمكن للعقل البشري الوصول إلى معرفة كافة أسرار الكون المادية ولكن ليس دفعة واحدة فهذا يتوقف على عوامل كثيرة في المجتمعات البشرية. ومن هنا برزت أيضاً نظريتان سياسيتان لتشكيل الدولة. فأصحاب النظرة الفلسفية الوحدانية كانوا من أنصار الدولة المتجانسة والمجتمع الواحد واللغة الواحدة والدين الواحد والثقافة الواحدة والعادات والتقاليد الواحدة.
أما أصحاب النظرة الفلسفية العلمية فكانوا من أنصار الدولة التعددية لأن المادة لا يمكن أن تكون من حركة واحدة والمادة تتكون وتستمر نتيجة التفاعل والتأثير المتبادل بين الحركات المادية المختلفة أي التعددية ولا توجد هناك مادة من حركة واحدة. ومن هنا كانوا من أنصار بناء الدولة العلمية التعددية وسمي نظامه السياسي بالديمقراطية.
أما النظم الفلسفية الوحدانية الدينية والقومية والاشتراكية فأقاموا نظماً سياسية، فكان لا بد أن تكون ديكتاتورية لأنها يرفضها العلم. ولا يمكن تطبيقها إلا بالقوة.
الآثار المدمرة للأيديولوجيات الثلاث على شعوب الشرق الأوسط:
ثمانون عاماً مرّ بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية دولة القرون الوسطى وكان قد حل القرن العشرون بمرحلة بناء الدولة الحديثة.
ثمانون عاماً مرّ على الأمم الأربع للشرق الأوسط والشعوب المتعايشة معها تعيش بدون دولة، تلك هي الحقيقة المرة.
لقد خلق هذا الوضع آثاراً مدمرة على كل إنسان في هذه المنطقة من العالم الغني بثرواته. وكان مسلسلاً رهيباً من التدمير وانتهاك حقوق الإنسان بسبب عدم وجود دولة.
1- إن الدولة لم تقم لأن النظرة الفلسفية الوحدانية غير علمية ومخالفة لقوانين المادة.
2- وما دام الوحدانية مخالفة لقوانين الواقع المادي فلا يمكن تطبيقها في الواقع إلا بالقوة.
3- ولهذا يتطلب تطبيق هذه النظرة الفلسفية الوحدانية بناء سلطة إرهابية تمارس سلطة إرهاب الدولة المنظم.
4- وإرهاب الدولة المنظم لا يمكن ممارسته إلا ببناء أجهزة أمنية مخابراتية.
5- وفعلاً تم بناء كيانات سياسية سلطوية في تركيا وإيران والأقطار العربية من المحيط إلى الخليج. ذات أجهزة مخابراتية رهيبة، صرف عليها المليارات من المال العام كل ذلك لتطبيق نظرة فلسفية وحدانية مخالفة لمنطق العصر والعلم ولقوانين المادة.
6- إن الأجهزة الأمنية المخابراتية مهمتها المحافظة على السلطة. والسؤال لماذا المحافظة على السلطة؟ وهل السلطة بحاجة لمن يحافظ عليها؟
وهذا يعني أن السلطة التي بنت كل هذه الأجهزة الأمنية المخابراتية سلطة غير شرعية وغير علمية يرفضها العلم والواقع والشرعية، لأن العلم نور وخير وبركة ولا يعطي للإنسان سوى قيم ثمينة وكل التاريخ البشري والحضاري المتطور هو نتيجة عطاءات العلم ولا يمكن مقارنة ركوب السيارة والطائرة بركوب الخيل والجمل والحمــــــــــــــــــــار. كما لا يمكن مقارنة الجرار والحصادة بالمحراث الخشبي والمنجل. وإذا أساء البعض استخدام منجزات العلم فهذا يعود لجهل بعض الناس أو لسوء نياتهم.
7- إن أنصار الدولة القديمة لم يدركوا أو إنهم يدركون ولكن مصالحهم الشخصية طغت على المصالح الاستراتيجية لشعوبهم. إنهم لم يريدوا أن يصدقوا أن هناك تغييراً وتطوراً جوهرياً عالمياً جرى للتاريخ بجانبيه المادي والروحي، فدولة العهد القديم دولة القرون الوسطى كان يمكن أن تقام وتستمر، وقامت واستمرت كل هذه المدة الطويلة من الزمن لأن الوجود الاجتماعي المادي أي الاقتصادي كان يتم عن طريق عضلة الإنسان أما بعد انتقال البشرية إلى مجتمعات الإنتاج الصناعي لم يعد لعضلة الإنسان أية دور وحل محل عضلة الإنسان العقل. ومجتمع العقل يعني مجتمع العلم، والعلم حل محل ثقافة الخرافات والأساطير والعلوم الغيبية. وهذا يعني أن كل الوجود الإجتماعي الروحي وكل فلسفته الروحية وعقائده ومذاهبه قد انتهى. ولا يستطيع هذا الوجود الاجتماعي الروحي والعقائدي والمذهبي أن يقدم أية حلول للمجتمعات البشرية. فلا بد من نظرة فلسفية جديدة تتوافق مع هذا الوجود الإجتماعي المادي الجديد وهذا يعني أن النظرة الفلسفية الوحدانية التي أقيمت بها الدولة القديمة قد انتهت وانتهت معها الدولة ولا بد أن تحل محلها النظرة الفلسفية التعددية وهذا لم يدركها أصحاب الدولة القديمة والمنتفعون منها أصحاب الكيانات السياسية السلطوية في إيران وتركيا وجميع الأقطار العربية. وكانت نتيجتها ما وصلت إليه شعوبنا في الشرق الأوسط.
8- إن الدولة التعددية العلمية والمسؤولة ليست بحاجة لإرهاب الدولة المنظم لأن الدولة التعددية، أصحابها كل الشعب وهو الذي يقرر مصيرها وشرعيتها وهو الذي يحميها لأن هذه الدولة بعطاءاتها الدائمة والمستمرة والمتجددة لكل فرد من الشعب بصورة عادلة. إن كل فرد في هذه الدولة يحافظ عليها كما يحافظ على روحه لأنه يعيش خيراته مع صباح كل يوم.
9- لقد خلقت هذه الكيانات السياسية والسلطوية للقرون الوسطى مجتمعات تناحرية لا يمكن مداواة جراحها إلا بإقامة الدولة التعددية.
لقد تعرض الأكراد والآشوريون والأرمن والسريان والأمازيغ والأفارقة والأقباط وأصحاب الأديان المسيحية واليزيدية والصابئة واليهود لمذابح رهيبة وتم تدمير قراهم ومدنهم وحرق مزارعهم وسلب أموالهم وانتهاك أعراضهم وقتلهم تحت التعذيب بحجة أنهم انفصاليون أو خونة أو عملاء للأجانب أو كفار. لم يمنح لهم حقوق المواطنة وفق شريعة حقوق الإنسان. لقد اعتبرتهم الأيديولوجية الكمالية أغبياء لأنهم لم يقولوا إننا أتراك. واعتبرهم دستور حزب البعث العربي الاشتراكي جراثيم في جسم الأمة العربية يجب إزالتهم أو إذابتهم. وبالنتيجة كان إرهاب الدولة المنظم ضدهم ولم تستطع نتيجة ذلك من إقامة أية دولة تعددية ذات نظام سياسي ديمقراطي. واستمرار إرهاب الدولة المنظم ضد شعوبنا. وكان من الطبيعي أن تظهر نتيجة ذلك الإرهاب المضاد. وكان نتيجتها انتقال أذى هذا الإرهاب من الشرق الأوسط إلى العالم أجمع. وانقلب العالم كافة ضدنا ووضعوا كل ثقافتنا وأحزابنا ومبادئنا وعقائدنا في لائحة الإرهاب. تلك هي النتيجة الكارثية التي حصلنا عليها نتيجة عدم قيام الدولة الحديثة التعددية خلال قرن كامل بسبب التمسك بالنظرة الفلسفية الوحدانية التي يرفضها التاريخ والعلم والإنتاج. والمصيبة الأكبر التي حلت بنا لا زال أصحابها السياسيون والمثقفون الانتهازيون يطبقون سياسة النعامة ولا يريدون أن يعترفوا بالحقيقة ويحاولوا إنقاذ شعوبهم وأوطانهم من طوفان نوح جديد. إن الحل الوحيد عندهم هو اللجوء إلى الإجراءات الأمنية فيسوقون آلاف الناس إلى السجون والتعذيب والمحاكم وتزداد الطين بلة وتزداد معاناة شعوبنا أكثر.
10- إن ظهور مجتمعات الإنتاج الصناعي يحتاج إلى طرح مناهج تعليمية وفق الثقافة التعددية وطرح برامج استراتيجية لبناء مجتمعات علمية بغية بناء إنسان العقل, إن الاستمرار في البرامج والمناهج للسياسات القديمة والدولة القديمة يعني مزيداً من الإرهاب المنظم للدولة. وتحويل جميع مجتمعات الشرق الأوسط إلى قطعان من الغنم وتدمير العقل الإنساني المبدع لا يعرف سوى غرائزه الحيوانية من المأكل والجنس والتعامل مع البعض وفق شريعة الغاب.
11- لقد فقدت الثقة بين الناس نتيجة الأسلوب المخابراتي القائم على الوشاية، لقد تحول كل أبناء شعوبنا إلى جواسيس ومفسدين وكتبة التقارير السرية ولم يعد أي إنسان يثق بالآخر.
12- لا يمكن أن تأخذ أي كلمة صدق من أي إنسان. ولا تأخذ سوى الكذب والنفاق لأن كلمة الصدق والحقيقة قد تكلف الإنسان حياته أو قطع رزقه أو سجنه أو إجباره على مغادرة وطنه إلى الأبد.
13- تحولت السياسة من عامل بناء وتنمية وتطور إلى عامل استرزاق سياسي.
14- لقد تحولت كل ثقافتنا وخطاباتنا إلى ثقافة مزيفة ومنافقة.
15- لقد اختفى ميزان العدل في مجتمعاتنا وانقلبت الأمور. لقد أصبح الشريف لصاً. واللص شريفاً. والباطل حقاً. والحق باطلاً. والمجرم بريئاً والبريء مجرماً. وأصبح الديمقراطي سجيناً والديكتاتوري حاكماً. وأصبح العلماني تافهاً مهمشاً مجنوناً والخرافي معلماً ومرشداً.
هذه النتائج التي حصلنا عليها بصورة مختصرة من فلسفة الوحدانية ودولتها. ربما نكون مخطئين في قولنا للحقيقة لأننا نملك جزءاً من الحقيقة ونكون شاكرين لمن يكذبنا أو ينتقدنا على ما قلنا وكتبنا ويُظهِر لنا الحقيقة.

7- العراق وصراع الفلسفات على ساحته ولمن سيكون النصر وبناء دولة القانون:
تجري الآن معركة طاحنة على ساحة العراق بين وجهة النظرة الفلسفية الأحادية، والتعددية، وبناء دولتهما. ترى لمن سيكون النصر في النهاية؟
وإننا نتيجة لدراستنا العميقة للتاريخ نستطيع أن نقول ونتنبأ بنهاية الفلسفة الأحادية وانتصار الفلسفة التعددية وسيكون بداية ظهور دولة القانون في الشرق الأوسط.
تتصارع على ساحة العراق الأيديولوجيات والقوى الآتية:
1- المذهب السني العربي والتركي.
2- المذهب الشـــيعي الإيراني.
3- المذهب الشيعي العراقي.
4- التيار القومي العربي.
5- التيار القومي الكردي.
6- التيار القومي التركي.
7- التيار القومي الإيراني.
8- التيار الديمقراطي الليبرالي.
9- مصالح القوى الخارجية الأمريكية والبريطانية والأوروبية.
ولنتابع البحث عن الحقيقة من هذه اللوحة المعقدة التركيب.
إن دراسة هذه التسميات والمصطلحات من الناحية السياسية ربما لا تقودنا إلى الحقيقة. وقد رأت طريق الحقيقة أن تبحث عن الحقيقة وفق المنهج الفلسفي. لهذا رأينا أن نضع الميزان الآتي للصراع على ساحة العراق. وأن نوزع الأطراف المتصارعة بين وجهتين فلسفيتين وموقف العلم منها.
1- أصحاب الفلسفة الأحادية، الكمالية المطلقة.
2- أصحاب الفلسفة التعددية المادية النسبية.
ونقيس كل طرف بهذين المقياسين الفلسفية وموقف العلم منها. ولا بد للتاريخ أن يقول كلمته أيضاً في هذا الصراع.

8- كلمة التاريخ وموقفه من هذا الصراع على ساحة العراق:
تقول حكمة شعبية مأثورة (( إن الإنسان ابن زمانه )) ، (( وإن لكل زمان دولة ورجال )). وبناءاً على هاتين الحكمتين نستطيع أن نقول أن الزمن الذي نعيش فيه هو القرن الحادي والعشرين. وإننا أبناء القرن الحادي والعشرين. وللقرن الحادي والعشرين له وجوده المادي الاقتصادي ووجوده الروحي.
ترى هل ما تحمله هاتين الحكمتين في جوهرها الحقيقة؟ ولنوجه بهذا السؤال إلى تاريخ اليوم، وما يجري أمام أعيننا وسمعنا من أحداث علنا ندرك الحقيقة. ولنأت بأمثلة من الواقع التاريخي المعاش اليوم..
بتاريخ 6/4/2005 تم انتخاب الزعيم الكردي جلال طالباني رئيساً للعراق، كيف حدث هذا؟ وما الذي جعله يحدث؟
والجواب: الذي جعل هذا يحدث هو التاريخ. هو الزمن الذي غير الوجود المادي الاقتصادي فكان يجب أن يتغير الوجود الاجتماعي الروحي. فلو طرح أحدٌ سؤالاً خلال القرن العشرين: هل يمكن لزعيم كردي أن يصبح رئيساً للعراق؟ حتماً كان سيتهم بالجنون فوراً. والسبب لأن الظروف الموضوعية التي كانت تحكم ذلك الزمن تختلف كلياً عن اليوم. ففي ذلك الزمن الذي مضى كان التوازن الدولي قائماً على أساس وجود كتلتين رئيسيتين في العالم: الاتحاد السوفيتي الإشتراكي والغرب الرأسمالي.
والعراق كانت تحكمه قيادة سياسية ذات فلسفة وأيديولوجية قومية شوفينية ذات دستور يعتبر المادة الثامنة التي وضعها ميشيل عفلق الأقليات جراثيم في جسم الأمة العربية. وكانت كل طاقات العراق المادية والروحية مكرسة لتنفيذ هذه السياسة. وكان مفهوم الأمة يقوم على أساس وحدة اللغة والدين والعادات والتقاليد والمجتمع الموحد المتجانس وكان التوازن الدولي يساعد على تنفيذ هذه السياسة. ولكن اليوم تغير الوضع وزوال التوازن الدولي القديم. ولم تعد وحدة اللغة والدين والعادات والتقاليد والأصل والنسل والمجتمع المتجانس مقياساً لتأليف الأمة. بل أصبح اليورو هو المقياس الوحيد لوحدة الأمة فأصبحت اللغة والمجتمع الموحد المتجانس والانفصال والعادات والتقاليد خرافة لا يؤمن بها سوى المتخلفون ولا يملكون أية وعي للمتغيرات التاريخية.
إن الشعوب الأوروبية كانت سباقة بوعيها لهذا التغيير التاريخي وبدأت في التوجه نحو تحقيق الأمة الأوربية. لم يعد الألماني يفتخر وينشر ثقافة العرق الألماني المتفوق. ولا الفرنسي ولا الإيطالي ولا السويدي ولا الإنكليزي ..الخ
ولم تعد اللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإيطالية أو الإنكليزية أمراً وعاملاً مهماً في التوجه نحو الأمة الأوروبية. بل أصبح (اليورو) هو العامل المهم والحاسم الذي يجمعهم جميعاً ويشكلون أمة.
لقد اختلف المجال الحيوي للألماني والفرنسي والسويدي والإيطالي والإنكليزي وكافة الشعوب الأوروبية. لقد تحول المجال الحيوي لكل إنسان في أوروبة إلى القارة الأوروبية بأكملها. لم يعد للحدود السياسية أية قيمة تاريخية. المهم هو إمتلاك الإنسان (اليورو) فباليورو يستطيع أن يحصل على المأكل والملبس والمسكن والحاجيات في أية بقعة فوق القارة الأوروبية ويبني حياته. لم تعد للغة والدين والعادات والتقاليد وما شابه ذلك أية قيمة تاريخية.
وبناءاً على هذه القراءة للتاريخ:
يطلب الإنسان العراقي اليوم من الرئيس (اليورو الشرق أوسطي) الذي يجمعهم في الشرق الأوسط ويستطيعون أن يحصلوا على المأكل والملبس والمسكن والحاجيات فوق أية أرض على ساحة الشرق الأوسط وليس في العراق. لأن المجال الحيوي هو الشرق الأوسط بأكمله ولهذا لم يعد الإنسان العراقي ولا الإيراني ولا التركي ولا الكردي يسأل عن اللغة التي يتكلم بها الرئيس ولا عن الدين الذي يؤمن به ولا عن أصله وفصله وجنسه. المطلوب من الرئيس هو تحقيق يورو شرق أوسطي.
ورداً على السؤال: كيف حدث أن انتخب زعيم كردي رئيساً للعراق. فليس في الأمر غرابة. فإذا كان البعض يستغربون من هذا الذي حدث لأنهم لم يبنوا أهدافهم الاستراتيجية ومارسوا تكتيكاتهم على قراءة التاريخ. بل رسموا ذلك وفق عقائد ونظريات جامدة.
لقد تنبأنا في طريق الحقيقة منذ زمن طويل وتنبؤنا موثوق وتم نشره للعالم كله وسمينا وثيقتنا (واحة الحرية). قلنا إن التناقض الكردي سيلعب الدور الرئيسي في الشرق الأوسط ويجر المنطقة بأكملها إلى الديمقراطية واعتبرناه التناقض الرئيسي. ولهذا أصدرنا سلسلةً تنويرية سميناها طريق الحقيقة بلغت حتى الآن مع هذه الحلقة ثمانية عشر حلقة ووضعنا لهذه السلسلة الشعارات والأهداف الاستراتيجية والتكتيكية التالية:
1- شعارها الثقافي الاستراتيجي:
1- لا أحد يملك الحقيقة.
2- أنا أبحث عن الحقيقة.
3- أنا أملك جزءاً من الحقيقة ومن حقي أن أعبر عنها.
2- شعارها السياسي التكتيكي: الديمقراطية للعربي والفارسي والتركي، والحرية للكردي.
3- أيديولوجيتها: سياسة غصن الزيتون، وفلسفة حقوق الإنسان.
4- شعارها الاقتصادي الاستراتيجي: مجتمع الإبداع والرخاء والعدل.

ورأينا أن تحقيق هذه الرسالة تقع على عاتق الشعب الكردي في الشرق الأوسط. وإن انتخاب جلال طالباني رئيساً للعراق ليس سوى بداية الطريق لتحقيق هذه الرسالة التي تحقق يورو شرق أوسطي. والذي يؤمن الأمن والسلام الاجتماعي بين شعوب الشرق الأوسط ويؤمن الحياة الإنسانية الكريمة. والقضاء على ظاهرة الإرهاب المدمر الذي ظهر في الشرق الأوسط وبدأ العالم كله يعاني منه.
ولنعد إلى معركة الصراع الأيديولوجي والفلسفي على ساحة العراق:
ينقسم أطراف الصراع على ساحة العراق فلسفياً إلى قسمين:
1- قسم الفلسفة الوحدانية:
أطراف الفلسفة الوحدانية المشاركة في الصراع على ساحة العراق وهم:
أ?- المذهب السني العربي والتركي.
ب?- المذهب الشيعي الإيراني.
ج- التيارات القومية العربية والتركية والإيرانية.
1- قسم الفلسفة التعددية:
أطراف الفلسفة التعددية المشاركة في الصراع على ساحة العراق وهم:
أ?- المذهب الشيعي العراقي.
ب?- القومية الكردية.
ج- المصالح الخارجية الأمريكية والبريطانية والأوروبية.
د- التيار الديمقراطي الليبرالي.
لقد مضى قرن كامل ولم تقم دولة في الشرق الأوسط في الأمم الأربعة. ترى لماذا لم تقم دولة؟
إن الإجابة على هذا السؤال أمر مهم جداً لكشف الحقيقة.
لقد رأينا أن نوجه بهذا السؤال إلى العلم. ترى ماذا يقول لنا العلم. ولكن قبل أن ندرس الموضوع وهو موضع الدولة من وجهة نظر العلم فلا بد أن نقدم تعريفاً للعلم.
تعريف العلم: يقول لنا المفكرون بتعريفاتهم للعلم، كما قدموها لنا في القواميس اللغوية الآتي:
العلم:
" شكل من الوعي الاجتماعي يهدف إلى دراسة الأشياء والعمليات في الطبيعة والمجتمع والفكر، صفاتها وعلاقاتها وقوانينها. وتتحدد صحة المعرفة العلمية لا بكونها مبرهنة بل بكونها قابلة للإختبار من خلال الممارسة، من خلال التجربة العلمية وبذلك تختلف المعرفة العلمية إختلافاً جذرياً عن الإيمان الأعمى "
" إن ظهور العلم وتطوره يتحددان في نهاية المطاف بمتطلبات الإنتاج المادي وباحتياجات تطور المجتمع. إن الإنتاج العصري يتعذر قيامه بدون العلم ويرتبط تطور العلم بتطور رؤية العالم الفلسفية المادية التي تشكل أساسه النظري "
" أما النظرة الفلسفية المثالية فتكون عادة معادية للعلم وتؤدي إلى اللاأدرية. إن قوانين العلم هي قوانين موضوعية أي غير خاضعة لإرادة الإنسان".
ووفقاً لهذا التعريف للعلم، تكون مهمة العلم دراسة الوجود المادي الملموس والمحسوس والخاضع للتجربة.
ولكن المادة ليست ساكنة وثابتة. بل إن جوهر المادة تكمن في حركتها وليس للمادة حركة واحدة. ونتيجة لهذه الحركات هو كل ما نشاهده ونلمسه ونحسه من أشياء وظواهر وعمليات سواء أكان في البر والبحر والجو وفي المجتمع، ومن هنا يأتي دور الوعي الإنساني لوعي هذه العملية.
وما دامت كل هذه الأشياء والظواهر والعمليات الطبيعية وما نشاهدها من تغييرات في المجتمع والفكر هو من نتيجة حركة المادة. إن وعي هذه العملية العلمية بات أمراً ضرورياً وهاماً كي نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل. ونستطيع أن نواكب التغيير التاريخي. وزيادة عملية الإنتاج وفقاً لعملية ازدياد البشر. فكلما كان وعينا عميقاً وموفقاً للمادة وحركاتها كانت سيطرتنا على الوجود المادي الطبيعي الذي يتوقف عليه تقدمنا الاجتماعي ويحظى بالرخاء الاجتماعي والأمن والسلام.
وإذا كان بناء الدولة هو هدف بحثنا في هذه الحلقة. ترى كيف كانت حركتنا الاجتماعية ووعينا العلمي الفلسفي خلال القرن العشرين لبناء الدولة؟ هل كانت هذه الفلسفة متوافقة مع العلم فلنحاول الإجابة على هذه الأسئلة.
بناء الدولة والرؤية الفلسفية:
انقسمت النخب السياسية للشرق الأوسط في رؤيتهم الفلسفية لبناء الدولة إلى قسمين:
1- نخبة سياسية نظرت إلى المادة وحركتها على أن وراءها قوى غيبية وتوجهها لغاية ما لا يعرفها بني البشر. ولا يعرف سرها سوى خالقها. وأن بناء الدولة يجب أن يكون وفق هذه الرؤية.
2- والقسم الثاني من هذه النخبة السياسية في رؤيتهم الفلسفية تجاهلوا حركة المادة الموضوعية والقوى الغيبية وأرادوا أن يبنوا دولة وفق إرادتهم الذاتية.
واعتبرت هاتان النخبتان الغيبية والذاتية أن إرادة الشعب غير ذات قيمة علمية. واعتبر الأول ذو الإيمان الغيبي أن ما يجري ليس سوى قدر مكتوب على الجبين لا مهرب منه. وما على الإنسان إلا أن يرضى بما كتب على جبينه.
أما النخبة الذاتية، فاعتبروا أنفسهم ملهمين. والشعب جاهل لا يعرف ما يصلح له. واتخذوا لهم تسميات مختلفة: القائد الملهم وقائد الضرورة والأب القائد والسلطان والأمير والحاكم بأمر الله على الأرض ..الخ
لقد تم توزيع الأدوار في الدول التي أقاموها.
1- فالقسم ذو الفلسفة الغيبية تم توزيع الأدوار على الشكل التالي:
أ?- الخليفة والسلطان والأمير والباشا.. له السلطة السياسية.
ب?- وللشيخ والملا والإمام واجبه إقناع الشعب بما هو مكتوب على الجبين.
2- أما النخب السياسية ذوي الفلسفة الذاتية تم توزيع الأدوار لبناء دولتهم على الشكل التالي:
أ?- كل السلطة السياسية والتشريع لهم، الزعيم الملهم – قائد الضرورة – الأب القائد.
ب?- تم توكيل مهمة إقناع الشعب وخداعه وتضليله للمثقفين الإنتهازيين.
وهكذا تم توزيع الأدوار والمنافع وأقيمت دول في الشرق الأوسط وفق هاتين الرؤيتين الفلسفيتين خلال القرن العشرين. وهكذا استمرت الأحوال خلال القرن العشرين والجماهير الهائلة من البشر في الأمم الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية تحلم بحياة سعيدة وحياة إنسانية كريمة. فكلما تغيرت نخبة سياسية إزدادت المأساة أكثر ولم يعد أمام شعوب الشرق الأوسط سوى الإرهاب. يقتل نفسه ويقتل معه الآلاف من الناس الأبرياء. وبقيت هذه المنطقة وشعوبها بدون دولة.
وأخيراً لا بد من كشف الحقيقة وللإجابة على السؤال الذي طرحناه، لماذا لم تقم الدولة في الشرق الأوسط؟
إن النظرة الفلسفية الوحدانية للواقع المادي غير علمية يرفضها العلم لأنها مخالفة لتكوين الواقع المادي. فالكون المادي مؤلف من الاختلاف والتعددية سواء أكانت في الطبيعة أو المجتمع أو الفكر. وعند رسم أية سياسة وفق النظرة الفلسفية الوحدانية لا يمكن تطبيقها إلا بالقوة، إن تغيير الواقع التعددي إلى واقع وحدوي أمر خطير للغاية نتيجتها التخلف.
إن دولة الوحدانية لا يمكن تحقيقها إلا في الخيال. أما في الواقع لا يمكن تحقيق إلا دولة تعددية.
وإن دولة الوحدانية لا يمكن أن تكون إلا دولة الديكتاتورية وإرهاب الدولة المنظم وهذه الدولة لا تؤدي إلا إلى الفساد. ولا يمكن أن تتجدد مع التاريخ. إن إقامة هذه الدولة لا يتم إلا بواسطة أجهزة مخابراتية ضخمة، وهذه الأجهزة المخابراتية سيأتي يوم تكون عائقاً أمام أي تجديد وتطور، لهذا السبب لم تقم الدولة، لا في تركيا ولا في إيران ولا في الأقطار العربية من المحيط إلى الخليج.
ولنسأل كيف يمكن إقامة دولة ديمقراطية في تركيا بدون إعتراف بالتعددية وإنكار عشرين مليون من الشعب الكردي والشعوب الأخرى في تركيا؟ وكذلك في إيران؟
وكيف يمكن إقامة دولة ديمقراطية في الأقطار العربية واعتبار جميع القوميات والشعوب الأخرى المتعايشة مع الشعب العربي جراثيم في جسم الأمة العربية.
إن إنكار وجود الأكراد والأرمن والآشوريين والسريان والكلدان والأمازيغين والأقباط والأفارقة وكل الطوائف الدينية وعدم اعتبارهم مواطنين من حيث الحقوق والواجبات يعني ذلك إنكار التعددية. ولهذا السبب ابتعدنا قرناً كاملاً عن الديمقراطية, وثقافتها وفلسفة التعددية ولم تقم دولة القانون في أي قطر عربي من الخليج إلى المحيط.
إن الذين يحكمون بدولة الوحدانية والذين نفذوا سياسة إقامة هذه الدولة يعيشون بعقولهم في كوكب آخر وهم تسببوا بالأذى لأنفسهم ولشعوبهم.
لا يمكن إقامة دولة إلا على أساس النظرة الفلسفية التعددية.

10- الشرق الأوسط والمتغيرات التاريخية العالمية:
بعد مرور قرن كامل من بناء الدولة الحديثة وانتهاء دول القرون الوسطى. ألا يحق لنا نحن شعوب الشرق الأوسط أن نسأل أين موقعنا في هذا العالم؟ هل نحن ما زلنا نعيش في زمن الصراع الأيديولوجي، أم في زمن الصراع الحضاري؟
مع انتهاء القرن العشرين ودخولنا القرن الحادي والعشرين، نحس ونشاهد ونسمع ونعيش بأممنا الأربعة ومن يعيش معها من الشعوب الأخرى أننا لا زلنا نعيش مع دولة الصراع الأيديولوجي، ولم ندخل عهد دولة الصراع الحضاري، وأدرنا ظهرنا لكل المتغيرات التاريخية العالمية التي حصلت وكأن شيئاً لم يحدث بعد.
ولم نحسم أمرنا بعد. ولا زلنا نمارس السياسة والثقافة والأدب والفن والغناء وفق الصراع الأيديولوجي. ولا زلنا محتارين أن نختار النظرة الفلسفية الوحدانية، أم التعددية. لقد تغير الخطاب العالمي وباتت الشعوب والأمم تتكلم مع بعضها البعض بلغة الأرقام للمنجزات الحضارية. فهذا يخاطب الآخر ويقول: إنني أنتج كذا رقم من السيارات والطائرات والقاطرات والكمبيوترات والأدوية ...الخ والآخر يرد على الأول بلغة الأرقام للمخترعات الحضارية. ونحن في الشرق الأوسط لا زلنا نخاطب جماهيرنا والعالم بشعاراتنا وأيديولوجيتنا وعقائدنا.
في تركيا صراع أيديولوجي. وفي إيران صراع أيديولوجي. وفي الدول العربية.
شعوب العالم تتقرب إلينا ويريدون أن يعيشوا معنا وفق رؤية وثقافة جديدة، وأبناء شعبنا يهاجرون إلى الغرب حاملين معهم رؤيتهم الفلسفية القديمة ويلاقون صعوبة كبيرة في التلاؤم مع الواقع الجديد في المغترب.
شعوبنا تكبر وتكبر معهم متطلباتهم الحيوية من مأكل وملبس ومسكن وحاجيات عصرية ويريدون أن يعيشوا في المنطقة بأمن وسلام وكرامة إنسانية ولا زال خطابنا مع بعضنا البعض هو خطاب أيديولوجي سواء في مساجدنا أو في مدارسنا وجامعاتنا أو في وسائلنا الإعلامية وكأننا نعيش في عالم غير هذا العالم. والنتيجة مزيدٌ من التخلف. كل ذلك نتيجة عدم قيام الدولة الحديثة الديمقراطية التعددية. ثم نلقي أسباب تخلفنا الحضاري والاجتماعي والثقافي على الإمبريالية والصهيونية والرجعية والكفار والخونة والانفصاليين ..الخ من هذه الكليشات والمصيبة الأكبر تبقى قائمة وهي أننا لا زلنا نعيش بدون دولة. ولم نحاول مغادرة دولة الإرهاب دولة الفلسفة الأحادية إلى دولة الديمقراطية والفلسفة التعددية. دولة القانون والأمن والسلام الاجتماعي.

11- لمن النصر على ساحة الصراع في العراق، وأي فلسفة تستطيع بناء دولة القانون:
للإجابة على هذا السؤال لا بد من إعادة المخطط السابق لنقف على دور كل واحد من أنصار النظرات الفلسفية الأحادية والتعددية.
2- قسم الفلسفة الوحدانية:
أطراف الفلسفة الوحدانية المشاركة في الصراع على ساحة العراق وهم:
أ?- المذهب السني العربي والتركي.
ب?- المذهب الشيعي الإيراني.
ج- التيارات القومية العربية والتركية والإيرانية.
2- قسم الفلسفة التعددية:
أطراف الفلسفة التعددية المشاركة في الصراع على ساحة العراق وهم:
أ?- المذهب الشيعي العراقي.
ب?- القومية الكردية.
ج- المصالح الخارجية الأمريكية والبريطانية والأوروبية.
د- التيار الديمقراطي الليبراري.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
1- أطراف الفلسفة الوحدانية المشاركة في الصراع على ساحة العراق وهم:
أ- المذهب السني العربي والتركي:
1- المذهب السني العربي:
لقد مضى على استلام السلطة السياسية للمذهب السني العربي ألف وأربعمائة سنة. ثلاثة عشر قرناً في زمن مجتمع الإنتاج الطبيعي وقرناً كاملاً في مجتمع الإنتاج الصناعي مجتمع العقل. لقد حكم هذا المذهب كل هذه المدة الطويلة من الزمن بفلسفة الوحدانية ودولة الإرهاب ولم يقم دولة القانون والأمن والسلام الاجتماعي على الإطلاق. وإن أياديهم ملطخة بالدماء ولم يستطع أن يبني دولة القانون في العراق ولكي يستمر في الوجود لا بد له من مقاومة دولة القانون، لأن دولة القانون والتعددية تعني الانتخاب. ولما كانت أيديهم ملطخة بالدماء فأي انتخابات يدخلها سوف يخسر. ولا توافقه سوى دولة يحصل فيها على السلطة بواسطة الوراثة أو التعيين أو الاستيلاء بالقوة أو الاغتصاب.
ولهذه الأسباب نراها رفضت الاشتراك في الانتخابات التي جرت في العراق. ولذلك فإن المنطق التاريخي يشير بأن الهزيمة ستكون من نصيبه حتى ولو خلق أذى كبيراً للشعب العراقي.
2- المذهب السني التركي:
لقد استلم المذهب السني التركي السلطة أربعمائة عام. أربعة قرون من الجهل والتخلف والفقر لشعوب هذه المنطقة. وتاريخ سلاطين بني عثمان مليء بهذه المفردات. لقد كتب الكثير من المؤرخين عن تاريخ سلاطين بني عثمان وعن فظاعتهم وفسقهم. وهذا المذهب أيضاً أيديه ملطخة بالدماء في كل تاريخ حكمه. وهو الآخر لا يعترف بالدولة التعددية. ولا الانتخابات الديمقراطية الحرة. أما الانتخابات التي جرت في تركيا مؤخراً، إنها كانت مسرحية مكشوفة من صنع الأجهزة الأمنية ولم تجر على أساس تعددي. وحالما تجري أية انتخابات تعددية وديمقراطية فسوف يخسر المعركة. لذلك هذا المذهب وضع كل طاقته في منع نجاح التجربة الديمقراطية وإقامة الدولة التعددية في العراق. ولذلك نسمع ونرى أنه يضع الخطوط الحمراء للشعب الكردي ويقود تحالفاً إقليمياً لمنع إقامة أية دولة ديمقراطية تعددية. دولة القانون في العراق... إنه هو الآخر ستكون الهزيمة الساحقة له لأن منطق التاريخ يريد هذا. وقد يسبب بأذى كبير للشعب العراقي ولكنه لن ينتصر.
ب- المذهب الشيعي الإيراني:
لا يمكن لأي باحث أو مؤرخ عندما يكون الحديث عن إيران أن يتجاهل الحقيقة التاريخية التي حكم فيها شاه إيران "محمد رضا بهلوي" بواسطة أجهزته الأمنية التي عرفت باسم "سافاك". إنها كانت دولة مخابراتية ذاقت الشعوب الإيرانية جميعها من العرب والأكراد والآزريين بالإضافة إلى الفرس من هذه الدولة الويلات. لقد تم سحق حقوق الإنسان في هذه الدولة بشكل فظيع. لقد غيب آلاف الناس في أعماق السجون الرهيبة ولم يروا النور ثلاثين عاماً ويزيد. إن الإطاحة لتغيير النظام كانت ثمرة جميع الشعوب الإيرانية. والشعوب الإيرانية كانت تحلم وتطمح في إقامة دولة حديثة والتخلص من دولة القرون الوسطى. وإقامة الدولة التعددية. ولكن أهل العمامات استولوا على السلطة. وأقاموا سلطة استبدلوا فيها الفلسفة الوحدانية القومية بفلسفة الوحدانية المذهبية. واستبدلوا عصا القومية بعصا الدينية المذهبية. وكما أنكر القومية الشاهنشاهية التعددية في إيران، كذلك أنكر المذهب الشيعي الإيراني وجود أكراد وعرب وآزريين في إيران. وكما أراد شاهنشاه إيران مجتمعاً إيرانياً قومياً متجانساً أراد المذهب الشيعي مجتمعاً إيرانياً شيعياً متجانساً. وفي سبيل تطبيق هذه السياسة، أقاموا محاكمات خلخالية وبدأ يصدر الأحكام. وبدأ يرسل قسماً من المعارضين إلى جهنم، وقسماً يرسلهم إلى الجنة. إن هذه الأحكام تذكرنا بصكوك الغفران التي حدثت في أوروبا. وتلطخت أيدي هذا المذهب بالدماء. لقد كانت الشعوب الإيرانية تحلم بحياة إنسانية كريمة على الأرض. وكرست القيادة السياسية الشيعية الإيرانية كل فلسفتها لتربية الشعوب الإيرانية بالعيش بحياة أبدية في الآخرة، وليس في هذه الدنيا. والمصيبة الأكبر والتي سيجر مستقبل الشعوب الإيرانية بكافة قومياتها إلى الدمار والفوضى هو اعتقاد هذه القيادة السياسية بأنها لا تستطيع المحافظة على السلطة في الحكم إلا بامتلاك أسلحة الدمار الشامل, تماماً كما اعتقدت القيادة السياسية في العراق والاتحاد السوفيتي سابقاً. والتاريخ أثبت أن لا العراق استطاع أن يحافظ على السلطة ولا الاتحاد السوفيتي، وزال النظامان من الوجود. أما لماذا زالا من الوجود؟ لأن القيادتين تركت شعوبها حفاة وعراة وجياع وسحقت حرية شعوبها عشرات السنين حيث لم ينعموا بالحرية ولم يشبعوا بطونهم ولم يكسوا أجسادهم ولم يغادروا سكن الأكواخ.
إن الشعوب تحتاج إلى المأكل والملبس والمسكن والحرية والحاجيات العصرية قبل أسلحة التدمير الشامل.
إن امتلاك الأسلحة لا تحمي الأوطان والسلطات والشعوب, بل الذي يحمي الأوطان والسلطات والشعوب، هو الشعب الشبعان والحر. إن الشعوب الإيرانية بحاجة إلى بناء دولة القانون والتعددية وليس إلى بناء دولة الوحدانية. وإذا لم يدرك ساسة الإيران هذه الحقيقة ولم يبنوا دولة القانون سيجر على أنفسهم وشعوبهم الكارثة. ولن يطول الوقت أبداً. وإن طوفان نوح جديد سيحل بهم أيضاً. إن الرشوات التي تقدمها القيادة السياسية الشيعية الإيرانية إلى هنا وهناك لا تجدي نفعاً على الإطلاق. تماماً كما لم يفد القيادة السياسية العراقية سابقاً.
ورداً على السؤال: ما موقفه من إقامة دولة القانون الدولة التعددية؟ إن المذهب الشيعي الإيراني لطخ يده بدماء الشعوب الإيرانية منذ أول يوم من استلام السلطة ساعياً وراء تطبيق الفلسفة الوحدانية ودولة الوحدانية ذات المجتمع المتجانس. إن هذا المذهب لا يمكن أن يكون مع إقامة دولة القانون. والدولة التعددية والديمقراطية... لأن الدولة التعددية والديمقراطية يعني السلطة عن طريق الإنتخاب، وإن هذا المذهب إذا دخل في أي معركة انتخابية على أساس فلسفته سيخسر السلطة. وسيخسر معها كل المنافع والامتيازات المادية والمعنوية التي حصل عليها.
ج- التيارات القومية العربية والتركية والإيرانية:
ليس هناك أمراً غريباً فيما نراه ونسمعه من تحالف تكتيكي بين أصحاب التيارات القومية العربية والتركية والفارسية ذات الفلسفة الأحادية التي بنت الدولة الأحادية، والأمر الأغرب هو هذا التحالف بين التيارات القومية والدينية الوحداني الساعية إلى بناء الدولة الوحدانية ضد التيارات الأخرى ذات الفلسفة التعددية التي تسعى لبناء دولة التعددية والقانون والفلسفة التعددية. التيار القومي يكره الديني لأنهما متنافسان على السلطة. ولكنهما مشتركان في الفلسفة الأحادية ولهذا حشد التياران القومي العربي والفارسي والتركي والديني كل أدواتهم التدميرية من الديناميت لتزويد العملية الإرهابية على ساحة العراق لمنع إقامة دولة القانون والتعددية وفلسفتها.
إن كلا التيارين القومي والديني يكرهان دولة القانون والتعددية وفلسفتها، ككرههم لعزرائيل، لأن لا شيء يقضي عليهم سوى دولة القانون والتعددية. إن الشيء الأهم في الدولة هو السلطة. ولأن السلطة تعني المال والقصور والذهب والمكانة الرفيعة والكرسي، ولما كان التياران ملطخة أياديهما بالدماء عبر تاريخهما الطويل في السلطة فأي انتخاب يشارك فيه سوف يسقط ويفقد السلطة.
إذاً السلطة لا يمكن الحصول عليها في دولة القانون والتعددية، لذلك إنهم يريدون دولة الوحدانية التي تقوم سلطتها على الأشكال الآتية كما ذكرناها سابقاً ( الوراثة – التعيين – الاستيلاء على السلطة – الاغتصاب).
لقد جربت الشعوب منذ أربعة عشر قرناً مثل هذه الأشكال من السلطات والتاريخ مليء بالشواهد التي سطرها لنا المؤرخون من فساد وتسلط أصحاب هذه الأشكال من السلطات. وكان دائماً وأبداً الشعوب هي الضحية. وكان العيش الرغيد والقصور الفخمة لأصحاب هذه الأنواع من السلطات.
إن من يريد السلطة يقطع الأعناق ويفجر المدارس ومراكز العبادة ويقتل الصحافيين ورجال العلم ويفجر خطوط البترول ويفجر السيارات في الساحات العامة لقتل الأبرياء من الناس ..الخ
لا يمكن لمثل هؤلاء أن يقدموا الأمن والسلام والحرية والحياة الكريمة لشعوبهم. إنهم يخوضون معركتهم الأخيرة كما خاضت أنصار الدولة الوحدانية ودولة القرون الوسطى في الغرب ضد قيام دولة التعددية ودولة القانون وكل التاريخ البشري يشهد بأن لا مستقبل لهم.
فمثلما قضى التاريخ على هتلر وموسليني وستالين وبينوشه وسالازار وشاهنشاه إيران وصدام حسين وكل فلسفتهم الأحادية ودولتهم... ترى متى يدرك هؤلاء أن الشعوب تريد دولة القانون ذات الفلسفة التعددية ولم يعودوا يخدعون بالشعارات القومية ولا بالمواعظ التي يلقيها عليهم الشيخ والملا والإمام.
فلا شعارات التيار القومي أعطتهم المأكل والملبس والمسكن ولا مواعظ الشيخ والملا والإمام. وكانت النتيجة مزيداً من الجوع والحرمان والاستبداد في ظل دولة الوحدانية. إن التيارين لا يمكن أن يبنيا دولة القانون والتعددية، لأن أيديهم ملطخة بالدماء.

2- أطراف الفلسفة التعددية المشاركة في الصراع على ساحة العراق وهم:
وراء كل صراع سياسي مصالح اقتصادية. وبهذا تحولت السياسة إلى عمل براغماتي. – والبراغماتية- تجبر السياسي على أن يغير اتجاهه دائماً تبعاً للظروف الموضوعية. ولكن السياسي لا يمكن أن يخلق الظروف الموضوعية، إن الظروف الموضوعية يخلقها التاريخ. وتبعاً لهذه الظروف الموضوعية التاريخية تجري عملية اللقاءات السياسية وتلتقي معها المصالح وتتبعها التحالفات. إن التقاء المصالح الاقتصادية وبالتالي الأهداف السياسية أمر مفهوم ليس في هذا أمر شاذ. ولكن المهم هو النتائج ولا بد من طرح السؤال التالي: لمصلحة من تكون هذه النتائج؟ إنه أمر هام جداً يجب التركيز والبحث في النتيجة، وهنا الذي يهمنا معرفته، ليس كل النتائج المتفرعة عن هذا اللقاء في المصالح والأهداف السياسية، بل المهم من وجهة نظر طريق الحقيقة هو مدى انعكاس هذا اللقاء على إنشاء دولة القانون ذات الفلسفة التعددية لتكون بديلاً عن فراغ الدولة في الشرق الأوسط وبديلاً عن دولة القرون الوسطى التي عاش في ظلها شعوبنا لفترة طويلة من الزمن.
لقد تكلمنا عن الطرف الأول في الصراع، أصحاب دولة القرون الوسطى، دولة اللاقانون. دولة الخليفة والسلطان والأمير والزعيم الملهم وقائد الضرورة والأب القائد للأبد بفلسفة الوحدانية.
بقي علينا أن نسلط الضوء على لقاء الطرف الثاني المشارك في الصراع وموقفه من بناء دولة القانون والفلسفة التعددية وهو:
أ- المذهب الشيعي العراقي:
سيلعب هذا المذهب دوراً تقدمياً كبيراً في العراق وسيساهم في بناء دولة القانون ونشر الفلسفة التعددية وذلك للأسباب التالية:
1- لقد تعرض هذا المذهب في العراق للذبح والقتل لفترة أربعة عشر قرناً من التاريخ، ثلاثة عشر قرناً في ظل دولة الإسلام السنية الوحدانية، وقرناً في ظل دولة التيار القومي الوحداني. إن هذه المعاناة الطويلة لا يمكن إزالتها ورفع سيف قطع الرقاب عن عنقه إلا في ظل دولة القانون والفلسفة التعددية.
2- إن هذا المذهب لم يستلم السلطة خلال هذا التاريخ الطويل وبقيت يده نظيفة غير ملطخة بالدم.
3- إن النخبة المثقفة لهذا المذهب يكاد يكون تسعين بالمائة مثقفون من الدرجة الأولى ومشبعون بالثقافة التعددية ومتحررون من الثقافة الشوفينية الدينية والقومية والطبقية. ويؤلفون نسيجاً كاملاً لبناء دولة القانون ونشر الفلسفة التعددية ليس في العراق وحده بل في الشرق الأوسط.
4- إن جميع القيادات السياسية للأحزاب المختلفة لهذا التيار وبالرغم أنهم معممون وذقونهم طويلة فهم ديمقراطيون ومنفتحون على التعددية سواء أكانوا في المعارضة أو السلطة.
إن شيعة العراق تختلف كلياً عن شيعة إيران، إن شيعة إيران ملطخة أيديهم بدماء الفرس والأكراد والآزريين والعرب في إيران، بينما أيدي شيعة العراق نظيفة.
إنهم بحكم الظروف الموضوعية سيلعبون دورهم لأول مرة في تاريخ المنطقة في التقدم لموقع السلطة ولكنهم لا يستطيعون أن يمارسوا السلطة في دولة كما مارسها التيار السني طوال هذا التاريخ القديم. وسيكون خير مساعد لإنشاء دولة القانون ونشر الفلسفة التعددية.
ب- القومية الكردية:
يلعب الشعور القومي في حياة الأمم دورين رئيسيين:
1- يلعب الشعور القومي دوراً تقدمياً عندما تكون القومية مستعمرة وطناً وشعباً. إن الشعور القومي يوحد صفوف الأمة للنضال المستمر في سبيل تحرر الأمة من الاستعمار، والحفاظ على الأمة حيةً.
2- ويلعب الشعور القومي دوراً رجعياً عندما يكون في السلطة وتبنى فلسفة الوحدانية التي تنبثق منها ثقافة شوفينية متطرفة لا يعترف بالتعددية، وتنشأ عن هذا الوضع سلطات ديكتاتورية وتنشأ أجهزة أمنية ضخمة تكرس لبنائها كل ثروة الأمة. ثم تجر هذه السلطة الأمة كلها إلى حروب أهلية أو خارجية. وجميع شواهد التاريخ وتجاربها تدل على أن مثل هذه الكيانات السياسية الديكتاتورية جرّت على أوطانها وشعوبها الخراب والدمار. لم يشهد كل التاريخ البشري أن أي سلطة ديكتاتورية قد قادت شعوبها إلى بر الأمان والسلام وخلقت حركة تنموية لشعوبها، وكانت نهايتهم جميعاً بدون استثناء كارثة. هذا بصورة عامة.
أما موضوع بحثنا وهو القومية الكردية كأحد أطراف الصراع على ساحة العراق.
تتميز الظروف الموضوعية لهذه القومية في هذا الصراع بالخصائص التالية:
إنها محكومة بالظروف الموضوعية. وبالتوجه التاريخي لشعوب المنطقة.
إن الظروف الموضوعية وخط التوجه التاريخي العالمي يتجه نحو التكتلات الاقتصادية الإقليمية، وإن عهد الدول الصغيرة التي تسجن شعوبها داخل حدودها قد ولى. وإن مسألة الحدود الجغرافية التي تفصل بين الشعوب لم تعد له قيمة تاريخية،
ولا ذات قيمة اقتصادية. لقد تحولت مصلحة الأمم الاقتصادية الحيوية إلى المجال الحيوي الإقليمي، أو القاري. وبناءاً على هذه الظروف الموضوعية والتوجه التاريخي أصبحت كلمة انفصال وتشكيل دولة منعزلة عن شعوب المنطقة بات أمراً مرفوضاً من قبل التاريخ ولا يحقق أية فائدة، لا للشعب الكردي ولا لشعوب المنطقة.
لقد أدركت النخبة السياسية الكردية هذا الظرف الموضوعي بذكاء ولم تنجر وراء عواطف الشارع. وأدركت تماماً دورها في جر شعوب المنطقة إلى بناء دولة القانون ونشر الثقافة التعددية. إن هذه السياسة مكنتهم من إجراء تحالفات هامة جداً تخدم التوجه التاريخي للمنطقة.
إن القومية الكردية عامل مهم جداً وحاسم في تحقيق الديمقراطية ودولة القانون ونشر ثقافة الفلسفة التعددية، والخلاص من ثقافة وفلسفة الوحدانية ودولة القرون الوسطى التي أوصلت شعوب المنطقة بأكملها إلى ظاهرة الإرهاب، ولهذا استجابت للظروف الموضوعية والتوجه التاريخي في الشرق الأوسط، كان من الطبيعي أن يعقد تحالفاًَ قوياً مع الشيعة في العراق، لأن كلا الطرفين نالا من الإبادة الجماعية والتدمير من قبل التيار السني والقومي الوحداني. هذين التيارين السني والقومي الوحداني لن يستطيعا أن يبنيا دولة القانون ونشر الفلسفة التعددية. بل حولت أرض العراق إلى مقبرة جماعية، وهاهي وسائل الإعلام تنشر أخبارها كل يوم. لقد عاش التياران الكردي والشيعي العراقي ظروف عصيبة خلال القرن العشرين بكامله على أيدي النخب السياسية المتعاقبة على السلطة من التيارين السني والقومي للفلسفة الوحدانية.
إن دولة القانون ذات الفلسفة التعددية والديمقراطية تحققان مصلحة التيارين الكردي والشيعي على السواء ومصلحة كل شعوب المنطقة بنسبة ثمانين بالمئة سواء أكانت هذه المصلحة مادية أو معنوية. وبالعكس إن دولة القانون والفلسفة التعددية تطيح بمصلحة التيار السني والقومي العراقي والعربي والفارسي والتركي والشيعي الإيراني. وكل هذه التيارات لا تبلغ نسبتها سوى عشرين بالمئة من شعوبها. أما لماذا تحقق دولة القانون مصلحة التيارين الكردي والشيعي العراقي وذلك للأسباب التالية:
إن دولة القانون, السلطة فيها لا يمكن الحصول عليها إلا بواسطة الانتخابات الحرة والتعددية. فلما كان هذان التياران يمثلان طموحات شعوبهم بنسبة ثمانين بالمئة في طرح سياساتهم فمن الطبيعي أن إجراء الإنتخابات الحرة والنزيهة والتعددية ستكون من مصلحتهم وبإمكانهم الحصول على السلطة. والنتيجة السياسية التي ترشح نفسها للفوز بالسلطة وهي مجبرة لطرح برامج تنموية لتقدم هذه الشعوب كي تكسب رضاها وبالتالي الحصول على السلطة.
أما في دولة اللاقانون فإن السلطة لا يحصل عليها عن طريق الإنتخاب وبعد ذلك يكون رأي الشعب وموافقته غير ضرورية وليست له قيمة، لأن السلطة يحصل عليها عن طريق (الوراثة أو التعيين أو الاغتصاب أو عن طريق الاستيلاء). إن هذه الطرق الأربعة ليس لرأي الشعب أية قيمة وتعتبر السلطة السياسية الشعب قطيعاً من الغنم، يدار بواسطة الأجهزة الأمنية. يساعد السلطة المثقفون الانتهازيون ويساهمون في تجميل صورة السلطة وخداع وتضليل الشعب وطمس الحقيقة. وبهذا تعيش السلطة الحاكمة على الحقيقة المزيفة. والنتائج معروفة.
ج- المصالح الخارجية الأمريكية والبريطانية والأوروبية:
لم تلتق المصالح الغربية الأمريكية والبريطانية والأوروبية بصورة عامة مع مصالح شعوب المنطقة خلال القرن العشرين بكامله. لقد كانت مصالح الغرب تلتق مع مصالح الحكام في المنطقة بصرف النظر عن نوعيتهم، لقد عانت شعوب المنطقة من التقاء هذه المصالح الويلات والاضطهاد السياسي والمجازر الجماعية، لقد كانت الظروف الموضوعية آنذاك تقتضي بالتقاء الغرب مع الحكام.
أما اليوم فقد انقلب الوضع بالعكس تماماً، وهذا الانقلاب سببه خلق ظروف موضوعية جديدة. لم تتشكل هذه الظروف الموضوعية بناءاً على سياسة مرسومة وأهداف استراتيجية مطروحة، بل هي من إحدى عجائب التاريخ. إن الظروف الموضوعية الجديدة قد وضعت الغرب أمام أحد خيارين وطلبت منهم تغيير سياستهم: 1- إما الحياة ........ 2- وإما الموت.
ولما كانت السياسة عامل مكثف للاقتصاد، أي وراء كل سياسة اقتصاد، لقد وضعت الظروف الموضوعية الغرب أمام أحد الخيارين:
1- فإما أن تحصل على مصالحها الاقتصادية في المنطقة عن طريق الحكام وتكون النتيجة الموت.
2- وإما أن تحصل على مصالحها الاقتصادية عن طريق الشعوب وتكون نتيجتها الحصول على المصالح الاقتصادية والحياة معاً.
ولما كان جميع الحكام في منطقة الشرق الأوسط يحكمون بواسطة دولة الموت والإرهاب وهذا لا يريده الغرب فكان من الطبيعي أن يحصل الفراق بين مصلحة الغرب ومصلحة الحكام في الشرق الأوسط، ولإيجاد دولة القانون دولة الحياة وهذا لا يكون إلا عندما يكون أصحاب هذه الدولة هم الشعوب. ولأن الغرب الذي طرح شعار مكافحة الإرهاب بدأ يدرك جيداً. إنه لا يمكن القضاء على الإرهاب، هذا الشبح المخيف إلا بإزالة هؤلاء الحكام ودولتهم وكل فلسفتهم الوحدانية. وبناء دولة ديمقراطية دولة القانون ودولة الشعب ذات الفلسفة التعددية.
ولما كانت غريزة الحياة هي أقوى الغرائز عند الإنسان، فكان من الطبيعي أن يختار الغرب الحياة. ومن هنا تقاطعت المصالح الغربية مع مصالح الشعوب بالمنطقة ولهذا واستجابة لهذه الظروف الموضوعية أن يجري الغرب تحالفاً مع قوى شرق أوسطية. والسؤال المهم هنا: لمصلحة من هذا التحالف؟ وما هي الأهداف المطروحة؟. فإذا كان المطروح هو الدولة.
هل الهدف هو تحقيق دولة اللاقانون؟ أم دولة القانون؟.
وهكذا وضعت الظروف الموضوعية المصالح الغربية بجانب التيار الهادف إلى بناء دولة القانون والفلسفة التعددية.
وهاهي المعركة بدأت لبناء دولة القانون منذ 9 نيسان 2003م منذ سقوط دولة اللاقانون. ترى لمن النصر؟ هل النصر لدولة القانون أم لدولة اللاقانون؟ وكلا الطرفين لهم شعاراتهم وأسلوبهم الخاص في المعركة، والطرفان يريدان السلطة.
طرف الوحدانية: يريد دولة تكون السلطة غير خاضعة للقانون.
طرف التعددية: يريد دولة تكون السلطة خاضعة للقانون.
طرف الوحدانية: يريد السلطة بالوراثة أو التعيين أو الاغتصاب أو الإستيلاء.
طرف التعددية: يريد السلطة عن طريق الانتخاب التعددي الحر.
طرف الوحدانية: يريد دولة الحكام.
طرف التعددية: يريد دولة الشعب.
طرف الوحدانية: يريد أن تكون إرادة الحكام هي القانون.
طرف التعددية: يريد أن تكون إرادة الشعوب هي القانون.
طرف الوحدانية: قاطع هذه الانتخابات واستمر في القتل والذبح وتهديم البناء التحتي.
طرف التعددية: ذهب إلى الانتخابات وأظهر إرادة الشعب. وبعد ظهور إرادة الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته إلى
الوجود عن طريق ممثليهم المنتخبين. بدأ في وضع أسس دولة القانون.
طرف الوحدانية: يريد إرجاع التاريخ إلى الوراء.
طرف التعددية: يريد أن يدفع التاريخ إلى الأمام.
طرف الوحدانية: يخفي مطالبته بالسلطة وراء شعار الاحتلال وجلاء قوات الإحتلال.

والأمر الغريب الذي حدث في العراق وهو الآتي: من المعلوم أن الغالبية العظمى من شعوب الأرض تطالب وتناضل من أجل انتخابات لتشارك في تقرير مصيرها، ولكن الشعب العراقي منحه التاريخ فرصة نادرة في الانتخابات ويرفضها قسم من الشعب. إن المشاركة في الانتخابات والمشاركة السياسية حق لكل مواطن، فلو حرم المواطن من هذا الحق فللمواطن الحق أن يتمرد على هذه السلطة. ولكن أن يكون هذا الحق متاحاً له ويرفضه فهذا يعني انتحاراً. إن الانتخابات أسلوب حضاري لا يمكن رفضه سواء أكانت في ظل الاحتلال أو الاستقلال. وخاصة أن الانتخابات التي جرت في العراق قد تبنتها الأمم المتحدة ولم تتدخل أي سلطة لا الاحتلال ولا الحكومة المؤقتة بالتأثير على رأي الناخبين.
إن جميع الأمور يمكن حلها عن طريق انتخابات بما فيها مشكلة القوات الأجنبية.
لقد سئم الشعب العراقي وكل شعوب الدنيا من أسلوب المطالبة بالسلطة عن طريق قطع الرقاب وتفجير القنابل في الشوارع وقتل الأبرياء، وهل يمكن لهؤلاء أن يقيموا دولة الأمن والسلام والرخاء لشعوبهم. إن كل شعوب العالم، والعالم المتحضر والهيئات الدولية مع الشعب العراقي وتطالبه ببناء دولة القانون والتعددية في العراق، وحتى الشعب الأمريكي والبريطاني يؤيدان الشعب العراقي مادياً ومعنوياً لبناء دولة القانون. ولتبدأ في معركة البناء والتطور وكل المقومات الجغرافية والاقتصادية والبشرية متوفرة في العراق. إن الشعب العراقي ليس بحاجة إلى حرب إرهابية بل بحاجة إلى أمن وسلام. لقد أدرك الشعب العراقي بحاجته إلى دولة القانون. فاندفع بملايينه الثمانية إلى صناديق الانتخاب بالرغم من الظروف الإرهابية وعبّر عن إرادته.
فإذا لم يدرك التيار القومي والسني العربي والفارسي والتركي والشيعي الإيراني هذه الحقيقة ويترك الشعب العراقي ليبني دولة القانون. سوف يجرون على أنفسهم الويلات، إن إرادة التاريخ لا يمكن مقاومتها. إن الشعب العراقي قرر أن يعيش في ظل دولة القانون والفلسفة التعددية. لقد انتهت دولة الحكام وجاء دور دولة الشعوب.

12- الشرق الأوسط وشروق شمس الأمل في بناء دولة القانون:
إن منطقة الشرق الأوسط حبلى وقربت ولادتها لدولة القانون. وهناك ثلاث أقطار مرشحة للانفجار:
1- لبنان.
2- مصر.
3- العراق.
1- لبنان وغليان الانفجار ودولة القانون:
لقد زرعت شتلة الديمقراطية في هذا القطر لبناء دولة القانون منذ حصول هذا القطر على استقلاله. وسار في طريق بناء مؤسسات الدولة الحديثة لعقدين من الزمن. ومع نهاية العقد الخمسين من القرن العشرين امتدت يد التيار القومي إلى لبنان من الحركة الناصرية القومية أولاً وأدخلت لبنان في حرب أهلية مما تسبب بعدم متابعة هذا القطر لبناء أساس دولة القانون. وتسببت هذه الحرب الأهلية بتدمير هائل للبناء التحتي لهذا البلد.
إن من عاش ذلك الزمن يتذكر لبنان الذي كان واحة للحرية والديمقراطية وسمي حين ذاك بباريس الشرق. لقد استطاع لبنان في عقدين من الزمن أن يخلق منجزات هائلة شملت نواحي سياسية وثقافية وعمرانية وسياحية وتطور اجتماعي وجلب رأس المال العربي إلى بنوكه. وجلب مئات الألوف من العمال وقدم لهم فرص عمل شريفة وأصبح ملاذاً آمناً لكل السياسيين الملاحقين الهاربين من أوطانهم. ولكن التيار القومي لم يكن مرتاحاً من لبنان بهذه الديمقراطية. ولم يكن له أن يتحمل هذا التطور الحاصل في لبنان. وامتدت يده إلى لبنان من قبل الحركة الناصرية أولاً، ومن ثم من قبل التيارات القومية الأخرى لتكمل خراب لبنان واستطاع التيار القومي من إدخال لبنان والشعب اللبناني في دوامة من الحرب الأهلية لم يستطع الخروج منها حتى الآن. وبالتالي لم يستطع لبنان من إنجاز دولة القانون دولة الديمقراطية. وبالرغم من كل ما فعله التيار القومي في لبنان ولكنه لم يستطيع اقتلاع جذور شتلة الديمقراطية التي امتدت في الأرض عميقاً ولا زالت إرادة الشعب اللبناني قوية في بناء دولة القانون وفلسفته التعددية.

2- مصر والانفجار ودولة القانون:
تتميز مصر عن كل الأقطار العربية بالخصائص الآتية:
1- إنه القطر الأكثر سكاناً.
2- القطر الأكثر عراقة في تاريخه الحضاري والثقافي.
3- القطر الأكثر ثقافة وتعليماً.
4- القطر الأكثر فقراً اقتصادياً.
5- القطر الأكثر إعلامياً وفنياً.
6- القطر الأكثر تأثيراً سياسياً.
ولهذا كانت ولا زالت مصر تعتبر عامل توازن لجميع الأقطار العربية. ونظراً لموقعها الجيوبولوتيكي تستطيع مصر أن تلعب دوراً ثورياً في حالتين:
أ?- ثورة رجعية تجر كل شعوب المنطقة العربية إلى الوراء.
ب?- وإما ثورة تقدمية وتجر كل شعوب المنطقة العربية إلى الأمام.
لقد لعبت حتى الآن ومنذ حصولها على الإستقلال دور الثورة الرجعية. وتسببت في جر شعوب المنطقة العربية إلى الوراء. لم تستطع أن تبني دولة القانون والتعددية لتكون نموذجاً للشعوب العربية. لقد وقعت مصر إما أسيرة للتيار الديني المتعصب ذو الفلسفة الوحدانية، وإما أسيرة للتيار القومي الشوفيني المتعصب ذو الفلسفة الوحدانية، إن الثقافة الديمقراطية والتعددية قد حوربت بشكل كبير من قبل النخب السياسية الحاكمة والمعارضة على السواء. لقد بنى التيار القومي دولة المخابرات واستمرت حتى الآن. إن من عاشر عهد عبد الناصر وأجهزته الأمنية القمعية والتي سميت بالمباحث يتذكر حال مصر جيداً. ونظراً لثقلها البشري وموقعها الجيوبولوتيكي قدمت نفسها كرمز للدولة الديكتاتورية والاستبداد وحاربت كل نفس ديمقراطي وثقافة تعددية وأي توجه نحو بناء دولة القانون. لقد كرست كل طاقة الشعب المصري المادية والمعنوية في خدمة شعارات وأهداف طوباوية لا يمكن تحقيقها. كل ما فعلته هو إثارة عواطف الشعب المصري والعربي وحماسه وحشده في الساحات والمظاهرات وإلقاء خطابات طنانة ورنانة على مسامعها لا تجدي نفعاً وهي كفقاعات الصابون تنفجر ولا تترك أثراً. لقد بعدت هذه الأحلام الطوباوية الشعب المصري ومعه كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج عن بناء دولة القانون ودولة الديمقراطية والتعددية. ولم تحقق أية أهداف استراتيجية تنموية تتماشى مع النمو السكاني. لقد تناوبت على السلطة حكومات سلطوية لم تستطع أن تخلق أية أهداف تنموية وجعلت هدفها الأساسي هو الحفاظ على السلطة، كل ما فعلته أنها زادت من بناء أجهزة أمنية لتراقب كل نفس. وحيثما تكون حكومات سلطوية تدار أمنياً لا يمكن التكلم عن بناء دولة القانون. ولهذا وصلت حالة الشعب المصري إلى حالة اليأس ودخل في أزمة عميقة مع بداية القرن الحادي والعشرين. وبدأ الشعب المصري يتحرك وهو على أبواب انفجار هائل ستتأثر بها كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج. إن الشعب المصري بما يملكه من وعي سياسي وثقافي وإعلامي وموقع جيوبولوتيكي مهيئ لهذا الانفجار. وسيكون عاملاً مساعداً لدولة القانون.

3- العراق ودولة القانون:
وأخيراً وقع الزلزال في العراق. وبدأت مياه الطوفان ترتفع. وتم تحطيم تماثيل العبودية والوحدانية ودولة اللاقانون. ومعها بدأ شعاع شمس الأمل يرتفع من وراء الأفق رويداً رويداً لينشر نوره في سماء الشرق الأوسط. لتبنى دولة القانون والديمقراطية والتعددية من العراق. من بلد الظلم والقهر والفساد والاستبداد والقبور الجماعية، ينهض شعب جديد لبناء دولة جديدة وحياة جديدة، فهل سينجح؟ لنتابع البحث عن الحقيقة:
العراق بلد الميراث الحضاري العريق وبلد العقول المبدعة. كل شيء متوفر لخلق تايوان ويابان الشرق الأوسط. لقد أعطى التاريخ للعراق فرصة تاريخية نادرة ربما لا تتكرر أبداً. لا ينقص العراق شيئ سوى دولة القانون، دولة شرعية من صندوق الإنتخاب وثقافة وفلسفة تعددية.
إن القوى الخارجية المحيطة بالعراق قوى شمولية وحدانية لا تريد الخير للعراق ولا تريد عراقاً ديمقراطياً وتعددياً لأن لو حدث هذا في العراق سينقل عدوى الديمقراطية والفلسفة التعددية إليهم ويطيح بهم.
إن تلك القوى الملطخة أيديهم بدماء شعوبهم، إنهم يخافون من الديمقراطية أكثر من عزرائيل. لا شيء يؤرق حياتهم سوى الديمقراطية والفلسفة التعددية. إنهم خلقوا ما يسمى بالمقاومة ليزيدوا من معاناة الشعب العراقي وخراب بلادهم (العراق) كي يسعدوا هم.
إن الشعب العراقي يحتاج إلى قيادات سياسية ذكية وإعلام ذكي ذا رؤيا إستراتيجية وليس بحاجة إلى المقاومة المدمرة. إن المقاومة التي تقطع رؤوس البشر وتخطف الصحفيين والأطفال والنساء وتفجر مراكز العبادة وتقتل رجال الشرطة وتحرق ينابيع البترول ليست مقاومة، ولا يمكن أن تبني دولة القانون. إنها مقاومة إنتحار للشعب العراقي لحساب القوى الخارجية التي تريد الشر للشعب العراقي.
موقع العراق المتميز والفريد والفرق بينه وبين مصر:
1- إن مصر تستطيع أن تلعب دورها في المحيط العربي فقط.
2- إن العراق سيلعب دوراً أممياً هاماً في الشرق الأوسط كون العراق يحتل موقعاً جيوبولوتيكياً هاماً في الشرق الأوسط وهو يؤثر ويتأثر بالأمم الأربعة العربية والفارسية والتركية بسبب وجود الشعب الكردي في العراق.
3- يملك العراق ثروات اقتصادية هائلة يستطيع أن يكرسها لخدمة سياسته في الشرق الأوسط، ولخدمة مشاريع التنمية للشعب العراقي وتقدم نموذجاً رائعاً يوفر المأكل والملبس والمسكن والحاجيات العصرية. لكل إنسان في العراق. ويستطيع العراق أن يجذب كل رساميل المال العالمي والإقليمي. وخلق فرص العمل للملايين. ويقضي على البطالة التي يعاني منها الشرق الأوسط.
4- يملك العراق نخبة مثقفة ذات ثقافة ليبرالية وديمقراطية عالية المستوى ومتحررة من الفكر الشوفيني والتعصب القبلي والعشائري والديني، هذه النخبة المثقفة تستطيع أن تأخذ دورها الإعلامي والثقافي وتؤثر على منطقة الشرق الأوسط بأكملها وخصوصاً بعد توفر وسائل الإعلام المتطورة جداً ويمكن مخاطبة العالم أجمع.
5- هناك تحالف مبدئي ومصلحي بين مكونات الشعب العراقي الشيعي والكردي والقوميات الأخرى المظلومة، هذا التحالف الذي تشكل تحت ضغط الظلم والقهر الذي مارسه التيار القومي والسني خلال عقود عديدة وتسبب بجروح عميقة لهذه القوميات لا يمكن شفاؤها إلا بتحالفها في سبيل بناء دولة القانون ونشر الفلسفة التعددية ونظام سياسي ديمقراطي ونظام حقوقي على أساس حقوق الإنسان.
6- لقد تمت الخطوة الأولى لبناء دولة القانون في انتخابات تعددية لأول مرة في تاريخ العراق وتاريخ منطقة الشرق الأوسط في 30 كانون الثاني 2005 منذ ألف وأربعمائة عام. لقد كانت هذه الانتخابات زلزالاً عنيفاً هددت كل الدول القومية والدينية ذات الفلسفة الوحدانية الموروثة من القرون الوسطى.
7- إن من يشاهد المشاهد التي تنشرها وسائل الإعلام عن الشعب العراقي في مأكله وملبسه ومسكنه وبنائه التحتي ولمعاناته وأخبار قبوره الجماعية وعن أعداد المهاجرين من العراق للعالم يجعل الإنسان يصاب بالدهشة والاشمئزاز ويسأل: كيف يمكن أن يكون وضع الشعب العراقي بهذا الحال وهو صاحب وطن كل هذه الخيرات!!! ففي الوقت الذي يعيش تسعون بالمئة من سكان الريف في بيوت من طين وقش ولا زالت سقوفهم من خشب نسمع أخبار عن مئات من القصور الفخمة للحاكم. وآلاف من المزارع وحدائق الحيوانات للحاكم وحاشيته. إن ما فعله التيار القومي وحارس البوابة الشرقية وقائد الضرورة والزعيم الملهم بالشعب العراقي لا يمكن تصوره لا في عهد هولاكو ولا جنكيز خان ولا تيمورلانك ولا العهد العثماني ولا بعده.
ترى هل يمكن أن تكون رسالتنا القومية والدينية للمنطقة والعالم بهذا الشكل؟! ؟! ؟! ؟!
وأخيراً نستطيع أن نقول عن العراق، إن هذه المعاناة الطويلة منذ 1400 عام سيكون عاملاً هاماً ودافعاً كي يغادر الشعب العراقي حياة دولة القرون الوسطى بكل كيانها المادي والروحي. ويبني دولة القانون دولة عصرية تأخذ مشروعيتها من الشعب وفق فلسفة تعددية.
سيلعب العراق الدور الرئيسي لبناء دولة القانون وسيلعب لبنان ومصر الدور المساعد للعراق.
إن كل الظروف الموضوعية مهيأة للمتغيرات الجذرية في الشرق الأوسط. ولإقامة دولة القانون. ومهما تسبب أصحاب دولة القرون الوسطى والفلسفة الوحدانية من أذى وقتل ودمار ستنتصر إرادة التاريخ لتحقيق طموحات الشعوب في الشرق الأوسط بأممه الأربعة العربية والفارسية والتركية والكردية وجميع الشعوب المتعايشة معها في حياة إنسانية كريمة وسينال كل شعب من هذه الشعوب في الشرق الأوسط وفي الأقطار العربية حقه السياسي والثقافي وحقه الوطني. إن عهداً جديداً من التعايش على قدم المساواة بين الشعوب والأمم في الشرق الأوسط آت لا ريب فيه، هذه إرادة التاريخ. إن جميع هذه الأمم والشعوب لهم كل الحق أن يعيشوا حياة إنسانية كريمة على قدم المساواة. إنهم بشر وليسوا جراثيم. ولا حشرات ضارة يجب إزالتهم أو إذابتهم أو طردهم خارج الحدود أو سحب هوياتهم وجنسياتهم.
لقد انتهى عهد العبودية والأفكار المتطرفة والشوفينية والعصبية وبدأ عهد من الأخوة والمحبة والسلام بين الأمم والشعوب.
لقد نالت شعوب الشرق الأوسط من الأفكار المتطرفة والشوفينية والعصبية بما فيها الكفاية من القتل والدمار والحقد والكراهية. وبات التاريخ يفرض علينا أن نضع كل هذه الأفكار والمبادئ والعصبية في مقبرة التاريخ لتصبح من الأوابد التاريخية بذكراها الأليمة التي مرت على هذا الكوكب ومنطقتنا بالذات ولنذكر أجيالنا في المستقبل: ماذا فعلت هذه الحقبة من تاريخ هذه المنطقة من ضياع قرن كامل من تطور أممنا وشعوبنا .
وليعلم كل من يتمسك بها أن التاريخ لن يرحمهم وسيكون حكم التاريخ قاسياً عليهم وعلى أسرهم كما جرى لصدام حسين.
ونداؤنا الأخير لهم ونقول:
اتركوا طريق الحرب وسيروا في طريق السلام والحوار لبناء دولة القانون ونشر الفلسفة التعددية وذلك فيها منفعة لكم ولأولادكم وحياة سعيدة وإنسانية كريمة لكل إنسان في الشرق الأوسط بصرف النظر عن دينه وقوميته وجنسه ولونه وعرقه.

13- كلمة أخيرة من طريق الحقيقة:
إلى كافة إخواني العرب المشاركين معي في القومية في جميع الأقطار العربية وفي تركيا وفي إيران.
وإلى كافة أخواني في الإنسانية والجيرة الوطنية الأكراد والآشوريين والكلدان والأقباط والأمازيغيين والأفارقة وكل قومية موجودة.
وإلى كافة الطوائف الدينية المسيحية واليزيدية والصابئة واليهود. وإلى كافة المذاهب الدينية السنية والشيعة...الخ
أقول لكم جميعاً إن طريق الحقيقة زرعت شتلة سياسة غصن الزيتون وفلسفة حقوق الإنسان وكل ثقافتها عبر سلسلة ثقافية وتنويرية بلغت حتى الآن مع هذه الحلقة الثمانية عشر حلقة بالإضافة إلى واحة الحرية، وتحملت مسؤولية نشرها بكل أمانة وشجاعة غير آبهة لا بالتهديدات ولا بالترغيبات.
هدفها الإستراتيجي هو حياة إنسانية كريمة تليق بإنسان الشرق الأوسط.
وإن طريق الحقيقة تترك مسؤولية نمو هذه الشتلة وعلوها لرعايتها لكم جميعاً لتصبح هذه الشتلة شجرة عالية وتمد بثمارها وظلها والأوكسجين لكل شعوب المنطقة.
وإن التاريخ لن يرحم من يدير ظهره لمعاناة شعبه وشعوب المنطقة ويشغل نفسه على مدار حياته في الجري وراء مصالحه الشخصية، إن شعوبنا تغرق ولا بد من الإنقاذ ولا بد من بناء سفينة نجاة. وطريق الحقيقة تعتقد أنها قامت بواجبها التاريخي وقدمت طريق الحقيقة كسفينة للنجاة ربما تكون هي الحقيقة وتكون فيها النجاة. وطريق الحقيقة سوف تكون سعيدة عندما تتحقق دولة القانون ويسود الأمن والسلام والمحبة والمساواة في الحقوق والواجبات بين الأمم والشعوب في الشرق الأوسط.
ودمتم...



#محمد_تومة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موضوع الحلقة: طريق الحقيقة حول الرد على ثلاث رسائل: 1- رسالة ...
- محكمة طريق الحقيقة............ للفكر السياسي والثقافي في الش ...
- الشرق الأوسط حبلى بمولود جديد. والصراع على الهوية والثقافة.
- طريق الحقيقة رقم 15
- طريق الحقيقة رقم 13


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمد تومة - طريق الحقيقة رقم 18