أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد الحسب - مسرحية(المجنزرة الأمريكية ماكبث)















المزيد.....



مسرحية(المجنزرة الأمريكية ماكبث)


جواد الحسب

الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 17:24
المحور: الادب والفن
    


إن عرض مسرحية (المجنزرة الأمريكية ماكبث) بخطابها الغرائبي المشفر الذي صاغه (جواد الأسدي) بلغة شعرية مكتضة بالدلالات والمضامين، تنطوي على نوازع القتل والاضطهاد والقسوة، يقابله بالجهة الأخرى الموت والخنوع والاستسلام، ولقد صاغ نصوصه شعراً ونحت في حواراتها التركيبات الصورية والأنساق المتعددة المتضمنة أفكاراً ومشاعراً لتتحول عبر الخشبة إلى وقائع مادية وأفعال وأحداث ومواقف عينية يحققها العرض. فـ (العرض) و(النص) كلاهما لـ (الأسدي). والمرجعيات المعرفية تشير بشكل واضح لـ (ماكبث - شكسبير)، وإن اختلفت الصياغة من حيث الموضوع والرؤية للعرض. فالعرض بانثيالاته الشعرية قدم (مونولوجات) خطابية برؤية بصرية، تحايث الواقع الاجتماعي المرير وتتشكل من خلال معاناته وعذاباته ما يحيق بالنفس البشرية، وتحولاتها في كل مشهد إلى بوح جديد لتفصح عنه بالتصريح والتلميح عن مكنوناتها وكانها باتت تحت تأثير (التداعي الحر) الذي شخصه (فرويد) في تحليله النفسي. وقد استندت هذه التداعيات إلى التكثيف والاقتصاد في التشكيل الحركي البلاستيكي، الذي عزز من قراءة العرض، واكتشاف مضامينه الفكرية التناصية من المدونة (الشكسبيرية).
ينفتح المشهد الاستهلالي على أفق دلالي تتكشف من خلاله صيغ تعبيرية ذات مستويات مستجيبة للوظيفة السياقية والدلالية والتشكيلية والرمزية في آن. ويستمر المشهد حتى نهايته عبر مزيد من التجليات الصوفية لأداء حرك الفضاء، حيث سوغت حركته بالدلالات لتكون مفتاحاً لثيمة العرض. إن طبيعة (الإخراج) في هذا العرض عملت على انتاج تشظي بصري، لتعميق الصورة، أداء وحركةً، وفق مفهوم (التزامنية) في حركة وأفعال الشخصيات الدرامية العنيفة، امعاناً في توليد الصدمة في نهاية كل مشهد، حيث ينطلق (الأسدي) في رؤيته الفكرية كاشفاً ومفصحاً عن منعطفاتها الشائكة في التعاطي والفهم على الصعيدين السياسي والاجتماعي. فـ (ماكبث – الأسدي) أمريكي الصفات والملامح، عربي الهوية، رجل مشاغب تآلف مع الجريمة والاغتصاب، شاذ، كريه، يسكر فيقترف جريمته دون رادع أخلاقي أو واعز ديني يعيش من أجل لذائذه وشهواته، "فها هو السفاح ماكبث يجر خلفه ملبس (رب الجنود) بيده سيفه، ويهذرم بلغة الوحوش الكاسرة والمخرج الاسدي يظهره لنا مغربا، بشعا غراً، انه يضحك، بنذالة، ويشرب خمرة بمجون، ويعانق اسرة جرمه."( )، جيء به إلى عالم وديع وآمن، فحين، وطأت قدماه الأرض، حتى تدنس التراب والماء والهواء وأصبحت الرؤيا ضبابية أو انعدمت بالكامل، أمام أولئك الذين قطنوا هذا العالم، إلا (ماكبث) الذي يرى كل شيء بوضوح تاماً مثل جرذ في عتمة الليل، "فالجرذ ماكبث يقرض حبال الناس في هوة مقبرته، والسماسرة السحرة ينظفون حدها ويحكون شفرتها باستجذاء رهيب ورقة فحنثة تبلغ المهزلة السوداء مشارف (الجروتسك)."( ) فالحكاية تبدو غريبة، ولكن بعد حين من سير الأحداث تتلاشى غرابيتها، وتكون وثيقة الصلة بالواقع الذي تشير إليه المرأة العراقية، التي تبحث عن أبنها الذي اختفى، كما أختفى مثله رجال آخرون، وهي إشارة إلى الأرض التي اغتالت أبناءها، لعل هذا المشهد يفتضح المسكوت عنه عبر الإجابة المحيرة التي تشير إلى المعنى المتعلق بصوت تلك المرأة وهي تنادي: – ولدي عبد الله .. ولدي عبد الله ..
لعل هذا الأداء المعبر عن المأساة يحرض على تبني تأويلات خاضعة لمرحلة راهنة يعيشها مجتمع بأكمله، ويعانيها بمجمل أزماتها التي تضيق على الفرد. فمن خلال هيجان المرأة العراقية المأساوي التي فقدت ابنها في ظل ظروف غامضة نستشف الأداء الشعري المعبر بالدلالات السيميائية عبر رؤى وأنساق ونظم مع ما يوحي به جوهر العرض وبؤرته الباطنية العميقة وفضائه المخصب بالغموض والتشظي. فالمسرح كحقيقة معلنة وغير متوارية خلف الحجب، لايناهز الحياة كحقيقة مستترة وغامضة بزمنها ووجودها الحقيقي، وإنما يصيغ حياة أخرى برؤية الفن ووفق فلسفته. لكنه أعمق من الحياة بالرغم من أنها تجري بمعزل عنه، وفي غفلة منه، الا أنه بالرغم من كل ذلك يمثل الحياة بأسرها ويختصرها بزمن يسير مكثف يبلور من خلاله حقيقتها الأكيدة. وهو البديل الضروري الذي لا يمكن التغاضي عنه أو إهماله، لأن في وجوده تكمن الخطورة، وذلك في استمرارية الحياة وديمومتها. فـ(ماكبث – الأسدي) لا يرتبط مع (الليدي ماكبث)، برباط الحب والزواج قط، وإنما أرتبط الأثنان بمصالح شخصية وأهداف دنيئة، فـ (الليدي) هي الأخرى، لها مآرب وغايات تكشفها لـ (ماكبث)، حينما تمنحه جسدها ليطوقه بشهوته، وتتم لحظة الاغتصاب، بعد ذلك يمنحها زمام قيادة نفسه فتقوده نحو الجريمة والتخطيط للقتل فتسلمه الخنجر وتطلب منه أن يجسد لها لحظة الطعن، وقتل الملك (دنكن).
الليدي ماكبث – هيا ماكبث مزق خاصرت دنكان ، مزق كوفيته المرقطة، لاتتردد ياماكبث، امضي امضي مزق خاصرته ..
بعد أن وضعت منديلاً أحمر اللون على رأسه ، فانعدمت رؤيته من الألوان الأخرى وصار يرى فقط اللون الأحمر، لون الدم، وهي تصرخ بقوة لتحثه على فعل القتل فينقاد كالمأخوذ إلى مكان الملك وكأنه منوم (مغناطيسياً)، فيقوم بتنفيذ الجريمة. إن الأحداث المتوالدة عبر صــيرورة الفعـــل تتعقد ثم تتكشف، وإذا بالقوي يهزم، حيث كان متوهماً بالانتصار من خلال الجريمة، فيرتد وإذا به متناثراً على أرض الحقيقة وحتمية الواقع، الذي ينقض عليه لأنه صدق نبوءة (الساحرات) حينما أخبرنه بما ستؤول إليه الأمور، وأنه سيغدو ملكاً عما قريب. ففي مشهد الاستهلال الذي عمد (المخرج) أن يجعله ظلاماً تاماً يؤكد بمقولته: إن كل من كان في الصالة لم يرَ شيئاً مما قام به (ماكبث) تحت جنح الظلام من جرم، أو إنهم كانوا نياماً في هذا الوقت تحديداً، حيث لم يبصروا المآرب والدسائس والقتل الذي يعتمل في حلكة الليل كالقدرالمفاجئ. (ماكبث) كبعض الرجال بات يؤمن بقراءة الطالع وبالتنجيم والسحر والجن. تنفتح ثيمة الاستهلال على قيمة سيميائية يلعب ضوء الشموع دوراً أساسياً فيها وبلورة المعنى ودلالاته من السمعي والبصري. فمن خلال ضوء الشموع بوصفها إشارة إلى وقت الليل، وهي إشارة واعية تنطلق على نحو قصديّ ومباشر من رؤية (المخرج)، ومخططات رؤيته الشاملة للعرض، وعبر مكاشفته للاحداث وسيرها القافز، الذي لا يرتبط بعضها بالبعض من خلال الصورة وإنما من خلال الفكرة، والمقاصد الإخراجية، والتركيز على البؤر التعبيرية، التي تسعى إلى محايثة الواقع الاجتماعي (للمتلقي). عمد (المخرج) منذ البداية على اعلانه للجريمة وكشف ملابساتها، وعلى هذا الأساس يمكن معرفة ثيمة الاستهلال بوصفها بنية حيوية دالة تنطوي على قوة ترميز عالية، ولا تعد في سياق العرض هامشاً اعتباطياً سريعاً، بل يمكن عدّها المدخل الذي يقودنا إلى الفكرة الأساسية للعرض، التي تنغلق على فعالية مكشوفة من الداخل عبر تجليات عناصر الصورة من الخارج، التي تتحرك حركات منتظمة، فخروج الملك (دنكن) من البوابة الكبيرة، إشارة بأنه مازال يحتفظ بتاجه، ويحمل شمعدانه، يتقدم في حركة قلقة متوترة يصاحبها خوف مرسوم على وجهه، يكشفه ضوء الشموع، ثم يمضي ويختفي، كأنه شعر بمن يلاحقه، ويريد به شراً، لهذا راح يحث الخطى، فأصبح إيقاعه سريعاً. ومن جهة يمين المسرح يخرج (ماكبث) يحمل الشمعدان والخنجر، وهو يطارد ضحيته (دنكن) إينما ذهب. وتخرج (الليدي ماكبث) من البوابة الكبيرة، التي خرج منها الملك وهي إشارة واضحة بأنها كانت تلاحق الملك في المواقع التي يمضي إليها (دنكن) وهي الدليل الحقيقي لـ (ماكبث) إلى وجود (الملك دنكن) وهي تحمل الشمعدان كذلك، فتقوده إلى الهدف وهو قتل الملك. يخرج (ماكبث) من البوابة الكبيرة، لايحمل الخنجر، وفي هذا دلالة على أن الجريمة قد تمت، يتحقق هذا المشهد بصمت وبمصاحبة موسيقى متوترة قلقة تنسجم مع حركة الممثلين لتعمق من فعلهم، بعد مدة وجيزة تنطلق صرخة (الليدي ماكبث) على أن هناك جريمة قد حدثت بغفلة منها. فتكشف الأضواء مع صوت الصراخ معالم المكان ووجوه الأشخاص الذين شهدوا جريمة قتل الملك. هذه اللحظة المكثفة الاقتصادية تتحول دلالياً لتنتج أنفتاحاً على التعريف بالشخصيات من خلال حركتها وإرهاصاتها في تحولها للتصريح عن اعلانها للقتل وسفك الدماء، وبالأدانة الموجهة لـ (ماكبث)، ومن خلال الجريمة التي اقترفها منذ البداية، يسعى (المتلقي) إلى قراءة دلالات (العرض) وفحص محتوياتها، لاستخراج معانيها المستترة عبر الصورة. (ماكبث) هذا أكثر ضراوة وشراسة من (ماكبث – شكسبير)، فالشهوة والقتل هما الصفتان اللتان يتميزبهما (ماكبث - الأسدي).
يكشف المشهد الثاني عن حركة الجسد، عبر دلالاته ومقاصده في مشاركة أكيدة مع عناصر السينوغرافيا، لتنتج رسالة بكل أدواتها التعبيرية والمتضمنة تفعيل طاقة (الممثل) ظاهراً وباطناً، تلميحاً وتصريحاً، متجلية وخافية، تلتئم في سياق واحد لتشكل طبيعة العرض. نجد أن حركة واشتغالات (الممثل) (محتسب عارف) وأداءه الشعري المعبر يحرض على القراءة البصرية للجسد، كما هو مفهوم الأثر اللصيق بالنظر." فإنه يذوب وينحل إلى ومضات من ابداع ويجعلك تتساءل عن سر المهارة المسرحية التي يذوب فيها المخرج بمثله الذي يصنع بدوره عالما من الانسحاق والبؤس والتضحيات اليومية الفذة،"( ) من خلال تجسيده لدور (الخادم)، وهو يدفع عربة مستشفى ثم يوقفها في المقدمة، وأخذ يتسلقها بشكل تدريجي ضمن إيقاع موسيقي هو يردده مع إيقاع تكتكة الساعة، وقد كان يمتلك جسداً مطواعاً في أداءٍ مؤسلب أو ممسرح، عمل بكدّ إبداعي خلاق وحدس عالٍ بالأشياء المحيطة به. إن الصيغ التعبيرية الموصوفة، بـ (رقبة آيلة على السقوط في كل لحظة)، وكأنها تقطع بمقصلة مع تكتكات الساعة يعيد تركيبها كلما قطعت، والصيغة التعبيرية الثانية، (حفرة الموتى) التي تتسع شيئاً فشيئاً لتضم إليها عدداً كبيراً من الموتى مع كل تكة من تكتكات الساعة، تتسع وتكبر، كذلك تأتي الصورة الثالثة للصيغة المعبرة عن (أروقة القصر)، و(الغرف المشبوهة) و(المرايا العاهرة)، ثم يسخر من الرجال الذين يقضمون أعمارهم بين الغرف، بعد ذلك يشير إلى (البوابة) فيدرك (المتلقي) بأنه البواب، وهو الخادم في الوقت نفسه، الذي بدأ يتحجر وهو يشاهد كل شيء دون أن يستطيع البوح أو الأفصاح بما يراه، فكل ما يراه خارج حدود المنطق والسوية البشرية، يهمس، ويشير بحركاته، ويوجه خطابه إلى الذين لم يسقطوا في قبضة (ماكبث)، لأن الذين سقطوا في قبضته أصبحوا ضحايا، ومنهم (عبد الله)، ثم يعبر بكل وسائله، بأن هناك قوة هائلة تمنعه، وهو قد تكلف بهذا الأمر من ذاته ليفصح ويبوح لتحذير الناس بالذي سوف يحدث. ولكنه يبدو كمن يلقي حواره في الفراغ، إنه يريد أن يقوم بواجبه على أحسن ما يرام، حتى يلقي عن كاهله ذلك التكليف، لكنه لايستطيع أن يعلن ذلك للناس جهراً، لأن مقصلة (ماكبث) قريبة منه. إن تمظهرات الجسد عبر الحركة تثير عند المتلقي العاطفة، والانفعال، كاشفة عن الدلالات المستترة والغائبة أحياناً في منطقة المسكوت عنه. فخطاب (البواب) أو(الخادم) يمثل خطاباً متحركاً مشحوناً بالانفعال والحيوية، حيث يفضي إلى بلورة (لغته) عبر المونولوج الداخلي الذي يصاحبه المونولوج (الحوار) الخارجي. قد تتطلب من الممثل (عارف) إمكانية غير اعتيادية لجسد مطواع وصوت قوي، وقد ساندته العناصر (السينوغرافية) في إبراز إشاراته وإيماءاته، ومجمل انفعالاته، ضمن سياقات حركة العرض. فالإيماءات والإشارات التي صدرت منه، هي أهداف مبصرة ودوال سيميائية بزغت من خلال التشكيل والتكوين للصورة في المشهد، حيث يحقق فضاء الدلالة قيم المعاني التي ينتجها العرض. هكذا تحقق من خلال العرض ذي الطبيعة السياسية أن يقدم لمحات ونماذج لتلك العلاقة المختلة بين (ماكبث) وضحاياه، فقد وزع الموت عليهم واحداً إثر الآخر ومن ثم يرسم لنا (الخادم) ملامح (ماكبث) حين يصفه:
- الموت يصبغ شعره ويكحل عينيه ثم يتفرج في المرايا، موت في المرايا مرايا الموت.
لقد أمسى شبحه موجوداً في كل مكان، لم يعد هناك مكان يخلو منه، فأينما ذهب (البواب) أو(الخادم) يجده أمامه، قائماً لا يزول قد يتلاشى وينبثق في لحظة، لكنه لن يضمحل مطلقاً. أحد ضحاياه كان (عبد الله)، "وسواه من زهرات هذه الأرض اليانعة ماكبث وبغيه يناديان الخنجر ليحيطا بها الضحايا من كل الجهات، بينما يتوسل الانسان مركبا من محبة ليزوره هذا الشهيد المغدورعبد الله ويتمنى لو يعلمه بمقدار حبه وشوقه لوجهه المغيب برصاص الدناءة."( ) وهنا تبدو الإشارة واضحة لشكل الموت الذي يمثله (النظام الشمولي) في العراق، الذي يحكم الناس بهذه العنجهية، إنه (ماكبث) من دون شك، فهو رمز لكثير من الحكام، وهي النماذج التي تجردت عن قيمها الإنسانية والأخلاقية، وصارت لعبة بيد الأطماع والشهوات المتفرد بقيادة هذا النوع من الرجال فالضحية (عبد الله)، هو من الشخصيات الحقيقية التي تناولها (الأسدي) لتكون شاهدة على العصر الذي ننتمي إليه. عصر الاغتيالات والحروب والموت المجاني. تحتوي مدونة (الأسدي) على ثلاث شخصيات حقيقية استلها من الواقع العراقي وهي شخصية الشهيد (عبد الله كاظم حسين)، والمرأة العراقية هي (أم جواد)، و(نادرة عمران) (الممثلة)، وهذه الشخصيات هي قوام فعل العرض والمسّيرة لأحداثه. إلا أن محورها (ماكبث)، الذي حمل معه ماكنة الموت والجحيم. ثم تأتي المرأة فارضة عليه رغباتها التي لاتقف عند حد، فينصاع إليها لتكتمل الرغائب في بوتقة الوعاء الواحد الذي يجمع (ماكبث) و(الليدي ماكبث) معاً. إن مسرحية (المجنزرة ماكبث) بمضامينها المحايثة للقضايا السياسية التعبوية، تقول عنها نازك الأعرجي: "المسرحية وان كانت سياسية تعبوية دون شك إلا أن رموزها وبناءاتها وتقنياتها ابعد ما يمكن تصوره عن الهتافية والشعارية."( ) فالمخرج (الأسدي) قام بمحاولة تحديث العرض من خلال تضمينه معاني معاصرة لها علاقة بالماضي القريب واللحظة الراهنة، وهي المرحلة التي كتب فيها نصه عرضاً. فالعرض من خلال عناصره السينوغرافية، وأداء الممثلين قد جعله شديد الاحكام خالياً من أي ترهل، أو كسل، فـ (الممثل) و(السينوغرافيا) عبرا من خلال اشتغالاتهما عن إماطة اللثام ما خلف الصور ودلالاتها والكلمات ومعانيها، التي تفتحت مباشرة على الفعل وأعماقه النفسية. لقد استوجب النظر العميق في ما يؤول إليه استدلالاً ومعنى عند المتلقي. فـ (الأسدي) قد خلق عرضاً كسر من خلاله كل ما هو بديهي ومألوف وخلق مغايرة لتوقع المتلقي، وهو بهذا حقق الدهشة والإبهار، ولاسيما أن هذا العرض قد طوقنا بالأزمة منذ البداية، التي ما انفكت تثير القلق والترقب لمجريات الأحداث، وهي تشد المتلقي نحو الصورة المؤثرة التي أستوفت شروطها بالتأثير الفكري والنفسي التي تحقق من خلالها. إن وضع المسرحية بهذا الشكل التي أبدعت في صنعه مخيلة المؤلف – المخرج – يحمل في ثناياه خطاب الإدانة ويوجه أصابع الاتهام بوجه أي سلطة جائرة اعتادت أن تغتال الأبرياء. فشخصية (ماكبث) التي جاء بها الأسدي هي خير من يكون قريناً للسلطات الجائرة الدموية في العالم. إن التركيبة التي استمد منها العرض شكله وخصوصيته جاءت من خلال النسب الكيميائية التي وضعها (الأسدي) في مختبره المسرحي ليكون العرض مؤثراً بأقصى ما يمكن أن يكون التأثير. فصاغ خطابه البصري من خلال (الممثل) وجسده الذي اعتمده في التجسيد المعبر الذي كان مطواعاً في مجمل حركاته البلاستيكية المؤسلبة، وهو بهذا صنع عرضاً مكتملاً. فشكل من خلاله خطاباً سياسياً متعدد القراءات والتأويل. فهو يبحث في طاقة (الممثل) التي من شأنها أن تحقق عملية التجسيد الصعب، والتحولات الكبرى لزحزحات كبرى تخرج من المعتم إلى الضوء، ومن الداخل إلى الخارج عنده. يميل (الأسدي) إلى حالة من التطرف حينما يقوم باتباع مخيلته ووعيه الشعري، فأوجد عوالم من الصور استمدها من حاضنته الأولى البيئة الكربلائية، التي يفوح منها عالم المستشفيات والأسرة والشراشف البيضاء، يشير بواطن المخيلة إلى الصراخ والألم والاغتراب وخناجر الغدر وعباءة الأمهات، وأطفال يشبهون (عبد الله) يموتون من الخوف. يطالعنا الخادم في المشهد الثالث بإعلانه عن الجريمة التي سوف يرتكبها (ماكبث) في أروقة القصر، وهو يحمل دلواً مملوء بالماء، ويستخدم الغترة العربية والعراقية أيضاً ليمسح بها أرضية القصر، ويصرح أيضاً بأن الفحش والاغتيال شيئان أبديان يعشعشان بين مرايا الغرف. ثم يشير إلى نفسه وهو يمسح بالغترة الأرض ويقول: - عندما نلمع المرايا في الظلمة كأنما نلمع فحولتنا المحنطة ، كل شيء تيبس فينا، حتى فحولتنا تيبست ..
نستنتج من هذا أن اقتران الكوفية المرقطة (الغترة) بالفحولة، مقارنة ذكية، فحينما تضمحل الفحولة تهان (الغترة) كما يسميها العراقيون، وتصبح ممسحة للأرض ليس الا. الخطاب البصري الذي اعتمده (الأسدي) هو نابع من روح النص وإشكالياته المؤسلبة التي لاتفصح عن المضامين السياسية بشكل مباشر وإنما بإيحاء فني مرمز، أنه قد ضمن العرض قراءة فكرية وسياسية، يريد أن يصل بالعرض إلى نتيجة شبه منغلقة، أو فحوى السؤال الكوني الأبدي الذي لا يفصح عن إجابته، ولن تستشفه جميع الفلسفات وهو: لماذا يقتل الإنسان أخيه ؟! ابتداء من قابيل وحتى يومنا هذا ؟. وقد حاول من خلال هذا أن يقدم سلسلة من المواربات اللفظية والتعبيرية محاولاً الإحاطة بفكرة النص الجموح، السري والمعلن فيها، لتعزيز المساحة الإيحائية والإيمائية، أنه ينسف التأويلات التي تأخذ بالانطباع السريع التي يعتمدها المتلقي دون التأمل والفحص العميق، ويبني على أنقاضها تأويلات أخرى، يدرك بأنها تفجر العوامل البصرية جمالياً، ومعرفياً. فالعرض يمنح المكان هويته، من خلال رسم واستقراء معالمه والناس الذين يحيون فيه حيث الاقتراب من همومهم. فـ (الأسدي) لا يقدم عرضاً من خلال النص سواء كان نصه أو نص (شكسبير)، وإنما يستخلص من نصه تلك التأويلات التي قد أحالها إلى صور، فلقد خرج من النص وإشكالياته بالقوة إلى حيث العرض بالفعل، وقد حقق من خلاله رؤياه وأفكاره التي رأى ضرورة تجسيدها على الخشبة كصورة، والتي تمثل عنده المنفذ الوحيد إلى حيث الجماهير عبر خطابه البصري، فهو يمعن في إيغال المتفرج إلى عوالم لم يألفها من قبل، لقد انستنا الصالة التي نجلس فيها كما يقول: (عقيل مهدي)،"وحملتنا إلى قلعة بغيضة والفتتنا في قاع الجحيم الذي لا قرار له."( )
(ماكبث) صنيعة الإرهاب الذي يصل إلى اللامنطق في سفك الدماء وتهديم بمنجزرته كل من يقف في طريق نزواته ورغباته. "ماكبث صنيعة الدسيسة كما صنعه شكسبير أعمى وأهوج مثل مجنزرة تفتح أبواب الجحيم معبأة بالنار والحقد مرسلة الموت والدمار، كلما فرغت يعاد شحنها وتعبئتها من جديد."( ) فالمسرحية فيها قوة الكلمة الشعرية ووحدة التعبير، ومكتنزة بالأحاسيس وغنى في المشاعر، ووحشية في العاطفة كما أنها تنطلق من رؤية مأساوية للعالم. فالممثل (حمادة) كان مقتدراً من تجسيد (ماكبث)، كشخصية درامية معاصرة، بحيث تمكن من الغوص في أعماقها وبعث فيها حرارة الكلمات ومجمل حركاتها وإشاراتها المختلفة. فـ (الممثل) هو جوهر الحقيقة أثراً وتأثيراً. و(السينوغرافيا) تسهم مع أدائه وتحقق تأثيراتها من خلاله، وتمنح أداءه قيمة عالية ولغة تعبيرية مشتركة. لغة يدرك رموزها ودلالاتها المتلقي. الذي يستنبط من العرض مجمل المعاني والدلالات التي تدفقت عبر صوره. لقد حرص (الأسدي) منذ البداية على أن يكون للتأثير النفسي وحالاته النفسية الشأن الكبير في هذا العرض خصوصاً وأن (ماكبث) أو (هشام حمادة)، هو الذي يمررنا بتلك الحالات، وهو "من الممثلين الذين لا يقدمون مهارات جسدية وصوتية وهو يمتلكها بحق، لمجرد ابداء المهارة وحسب بل مثل شخصية (ماكبث) بعجائبيتها بطريقة مسرحية خالصة."( )
إنه يحقق الصدمة، مع ضربات الصنج، فالأزمات والأحداث بتتابعها تخلقها الصورة والصوت الذي عمد (المخرج) على رسمها من أجل التأثير بأقصى حالاته الممكنة لتحفيز المتلقي وتحريكه من الداخل والتحكم به في إثارة الانفعال والتفاعل ليكون بكله للعرض. يطالعنا (ماكبث) في المشهد الرابع، وهو المنطلق لبداية المسرحية حيث التحضير للجريمة بين (ماكبث) وزوجته (الليدي ماكبث)، وقد وضعت منديلاً أحمر على رأسه الحليق، وأخذت ترتل بتعاويذ صوتية، ثم بعد ذلك تضع بيده الخنجر، التي كانت تخفيه، ثم تظهره بخفة الساحرة، وبعد ذلك تهمس بأذنه وتقوم بتحريضه كي يقتل الملك (دنكن)، فمن خلال التعاويذ يتحرك (ماكبث)، وأخذ يمثل طريقة الطعن عدة مرات راسماً في الهواء جسد (دنكن)، بعد أن تتأكد (الليدي) من أن (ماكبث) سوف يقتل الملك تغتبط وتفرح، وتتركه ليواقعها بنشوة، ثم يحمل جسدها ويدور به. في هذه اللحظة يراهما (الخادم)، لكنه يهرب مرعوباً، حتى يستقر في زاوية تسقط عليه بقعة الضوء التي تحدد حجمه، وتبين ضآلته. يبدأ بالهذيان والكلام المبهم، إنه يشير إلى نفسه ويؤنبها لأنها تمتلك حواسَّ تعد عبئاً ثقيلاً عليه، لهذا يريد أن يلغي وجودهما، وهما النظر والسمع، فهو وإن امتلك العينين إلا أنه لا يريد أن يرى، لأن ما يراه هو الدم الذي لم ينقطع بسبب ديمومة الجريمة التي تنفذ في دهاليز القصر وأروقته. وهو وإن امتلك الآذان إلا أنه لا يريد أن يسمع أيضاً، ذلك أن مايسمعه هو صراخ الضحايا وبكاؤها المر. لقد عمد على تعصيب عينيه لأنه يرى دائماً الضحايا من الشرفاء الأبرياء، لكنه لا يقوى على الصمت، كل هذه السنين التي مرت عليه، وهو يخدم في هذا القصر. فيقول
أشهد أني لم أرَ مقتل سيدي النبيل دنكان.. أشهد أني لم أرَ ولم أسمع ..
أشهد أني لم أسمع .. أشهد أني ليس لي لسان .. أشهد أني ليس لي أذان ولا عيون .. لا قلب ولا رئة ..
أشهد أني رأيت في كل صباح أكون شاهداً على ذبح شريف من الشرفاء ..
فيصرخ بقوة : الصمت يخنقني .
فيستولي عليه الذعر فيهرب، على أثر مجيء (ماكبث) و(الليدي ماكبث). فهذا الاختزال في وصف الحالات التي مر بها الخادم، تمثل بنية – بارودية – ينحو بها (الخادم) نحو التهكم ويسخر من حواسه التي بدأ يفقدها، حاسة إثر حاسة – لم يرَ، ولم يسمع، وليس له لسان، وليس له أذان ولا عيون، ولا قلب ولا رئة - إنه يفقد كل هذه الأشياء حينما يكون في مكان واحد يجمعه بـ (ماكبث)، فالحياة تمثل لـ (ماكبث) الوصول إلى العرش، وهو طريق الدم، بينما تمثل عند (الخادم) الخلاص أو التخلص من الحواس، عله حينما يفقد تلك الحواس ينعم بالراحة. على إثرهذا المشهد، يدخل (ماكبث) من البوابة الوسط ، ثم تدخل (الليدي) من جهة اليسار، يتقدمان نحو الطاولة الوقت ليلاً، وهما يحملان الشمعدانان ويضعانها على الطاولة في خلق جو مفعم بالرومانسية، لقد حدث تحول في هذا المشهد، فالكلام عن القتل والغدر والخيانة قد ولى وصار الآن الحديث عن الحب والمشاعر الرومانسية فتقول (الليدي ماكبث) معبرة عن خلجات نفسها لـ (ماكبث):
- انظر، ها إني قد سرحت شعري ووضعت أحمر الشفاه ثم لبست فستاني الذي تحب اشتقت إليك ..
فهي لم تعد (الليدي ماكبث) التي عرفناها قبل هنيهة وقد ساقت (ماكبث) نحو الجريمة، وسلمته الخنجر، وعلمته كيف يطعن الملك (دنكن)، فلقد عمد (الأسدي) إلى قلب المعادلة لبرهة من الزمن، لتعميق الفعل من خلال المغايرة. وقد أخذ الحوار بين الشخصيتين دلالات كسر من خلالها مسار التوقع وغاير السير المعتاد. بعد ان كان نوعاً من الترقب والاستفزاز. فلقد احتوى هذا العرض على لغة بصرية عميقة في دلالاتها، وفي مجمل مكوناتها المعرفية والجمالية والتقنية، فـ (الممثل) و(السينوغرافيا) وعملهما معاً في زمن إيقاعي مرهف، ومحسوس. حيث أن الشخصيات الدرامية الثلاث (ماكبث – الليدي ماكبث – الخادم ) واستخدام دقيق للفضاء المسرحي، واقتصاد في الحركة وفي مساحة الخشبة، جعل من حركة (الممثل) المختزلة قادرة أن تعبر عن مكنونات نفسه أكثر من تعبيره الجسدي، وأن كان في بعض الأحيان أن يمازج بين الاثنين، ومن ثم كانت بؤر التعبير قد أبرزت القدرات العالية لأدائه التمثيلي، ولاسيما إن الإضاءة والموسيقى والمؤثرات الصوتية، كانت معبرة وكانت قرينة لفعله، الأمر الذي خلق تكوينات صورية موحية للواقع دون سطحية، اختصرت كل التفاصيل الزائدة من كتل ديكورية أو كتل بشرية، فكل ما وجد على الخشبة في هذا العرض له مبررات وجوده. مما جعل (المتفرج) يدرك أهمية التلقي بما يعني الانتباه والمشاركة الفكرية والوجدانية، مع كل كلمة في الحوار، مع الإيماءة والإشارة والتلميحة مع الهمس مع كل فعل وكل حدث. من المؤكد إن هذا العرض قد أختزن قيمته وكل قيمة فيه، وتميز بقدراته العالية في الأداء والتقنية ولعل هذا ما جعل (المخرج) يجد الإجابات المهمة التي تطرحها أسئلة العصر وقضاياه المختلفة، لهذا بات من الواضح أن يكون العمل المسرحي قيمة إبداعية لا يمكن أن يحقق وجوده إلا أن يرتبط بالإنسان بشكل عفوي وحيوي وبالزمان والمكان الذي يحيا فيه سواء بالاتصال أو بالانفصال. وعليه فـ (الممثل) عند (الأسدي)، يمتلك الطاقة التعبيرية والقدرة في تحفيز الأفكار وتجسيد الرؤية الإخراجية. فجميع من شارك في هذا العرض من فنيين ومصممين، أقاموا علاقة متجادلة وعميقة مع (المخرج) من أجل الوصول إلى عرض متكامل. فـ (الممثل) وهو روح العرض والمتفلسف الأول، له تخضع كل الامكانيات (السينوغرافية)، والخوارط الميزانسينية، والمقترحات والرؤى الاخراجية، لذا فهو المحفز الأول لخيال (المخرج) وبلورة أفكاره والمجسد لرؤيته من خلال قدرته التعبيرية، جسداً وصوتاً. فـ (الممثل) و(المخرج) بكثافة شديدة ينشدان تثوير النص بما خلف السطور لخلق صورة معبرة يسهم الاثنان في إبرازها من خلال العرض، الذي يمثل الخلاصة العميقة والنظرة العالية للافق المفتوح والأفكار الجوهرية للنص عندما يتشيأ ويصبح عرضاً. ولاسيما أن النص هو مخطط لإقامة العرض، وخصوصاً عندما يصدران (النص والعرض) من شخص واحد. و(الأسدي) ميال بطبعه لكل ما هو غامض أو ينحو نحو الغموض أو المستتر والمخبوء أكثر منه للمعلن، لكنه في النهاية يميط اللثام عن مقاصده وأهدافه حيث كان دؤوباً في بحثه عن المسرح وفي المسرح حيث الطعم الحقيقي الذي كان ينشده، والذي أراده أن يكون منصة لذاكرته وهويته وبكل ما يكتنفها من عفوية، والعودة به إلى منابع الذاكرة الأولى، حيث المكان المفتقد، وهو يراه من خلالها. كل التحولات التي حققها (الممثل) عبر حالات النفس المفاجئة، من العنف إلى الهدوء، وبالعكس تكمن في قدرته الخلاقة للتعبير، الذي يعطي أكثر من انطباع لما يشغل تفكير(المتلقي) ويغير من تكهناته، ولو باقتضاب، فأداء (الممثل) يزيد من الاستقطاب والتركيز إليه كونه يغير باستمرار الوجهة نحو المساحات الدلالية الأخرى التي تضاء بوجوده. بحيث يصبح عمله التعبيري ذا قيمة عالية.
ينفتح المشهد السادس على طاولة تجمع (ماكبث) و(الليدي ماكبث) في جو من الحب والرغبة في الاشتهاء الجسدي (الأيروسي) فيقول لها:
اشتقت إليك .. قلبي وقلبك في صحة أول لقاء ..
لم يكن الممثل (حمادة)، المجسد لشخصية (ماكبث) قد تحدد بمحاكاته أو كان آلياً أو أراد أن يكون نسخة وفية - لماكبث (شكسبير)، بل على العكس انطلق نحو خلق شخصية غريبة لم يألفها (المتفرج) من قبل، وهي (ماكبث) الذي خطط له (المخرج) أن تكون بهذه الصورة في (النص) و(العرض)، فالمماثلة لم تحدث بين ماكبث (الأسدي) وماكبث (شكسبير)، وقد رسمت الشخصية ضمن ملامح عصرية أقرب إلينا من (ماكبث) الشخصية الحقيقية في المدونة (الشكسبيرية)، التي عمق من فعلها وأضاف إليها بعض الأحداث، وقد صاغها صياغة جديدة برؤية افتراضية جعلها أن تكون قريبة إلى عصرنا، فالمنطلق الدرامي يجيز لـ (الأسدي) أن يكون حراً في رسم المواقف والأحداث والشخصيات. إن إحدى الثيمات التي ارتكز عليها عرض (المجنزرة الأمريكية) هي المواجهة بين (ماكبث) و(نادرة)، عصف الريح والراية، (ماكبث) وكوفية (بابل) ، الخنجر و(المدينة الفاضلة)، أيادي ملطخة بالسم وموت الوردة اليانعة طعنة في الزفاف، (يهودا) غدار، (علي بن أبي طالب) و(ابن ملجم)، (المسيح) (روبسبير) والمقصلة، انهزام (ماكبث) أمام (نادرة) التي تستدرجه ومن ثم تقذف بوجهه الطحين. ولو تمعنا جيداً في هذا المشهد نجد أنه خلاصة العرض وغايته، إنه قراءة شاملة لما حصل في العراق، فـ (نادرة) هي المرأة التي تواجه (ماكبث) بكل شراسته وهي في الوقت نفسه (الممثلة) التي تجسد الأدوار، (الليدي ماكبث)، و(الساحرة) و(المرأة العراقية). وقد أعلنت رفضها لـ(ماكبث)، وتمثل ذلك من خلال هزيمته التي مني بها. إنما هي في الحقيقة، هزيمته النكراء (أمام الشعب)، وليس أمامها فحسب. على الرغم من أن الممثلين في هذا العرض لم يعرفوا شيئاً عن الجحيم العراقي، إلا أنهم أدركوا ذلك من خلال (المخرج) حيث امتلاكهم قدرات تعبيرية فذة في تجسيدهم للأدوار. فـ (المجنزرة ماكبث) بدءاً من مشهد الاستهلال الذي اعتمد على ضوء الشموع، وهو النفق المظلم الذي تستر على فعل الجريمة، وقد أخذنا نحو بوابة الجحيم، لم يكن (المتلقي) يعرف حقيقة الأمر الذي لم يتجلَّ من البداية، وإنما أخذ على حين غرة، وقد دخل ساحة الحرب، ووجهاً لوجه أمام (ماكبث) الشاب الأمريكي، الذي يصيح مؤكداً على فعل القتل الذي ينشده:
- لن يفلت مني ..
ثم يعود إلى (الليدي ماكبث) فيخبرها قائلاً :
- لقد فعلتها سيدتي، لم أترك مكاناً إلا وغرزت خنجري فيه .. فترد عليه بفرح واحتفالية:
برافو .. برافو ..
يحملها (ماكبث)، ويدور بها، ثم يأخذها ليغتصبها بنشوة ومتعة، وهنا يدخل الخادم الذي شاهد لحظة الاغتصاب، فيهرب محتفظاً برأسه، حتى لا يقطع بمقصلة (ماكبث) من جراء تلك الرؤية اللعينة. تبدأ الخطوات الأولى نحو الجريمة والقتل، حين يواقع (ماكبث) زوجته أو عاهرته (الليدي ماكبث)، ثم يصغي إلى مخططاتها، ويتحقق التنفيذ دون تأنٍّ، ثلاثة أشياء قد مارسهن (ماكبث) وقد أصبحن جزءاً من شخصيته وهن: الجنس والخمر، والقتل. فـ (الممثل) الذي قد جسد الدور(حمادة) لقد لعب الدور باتقان وصدق، وحقق الإقناع، لقد امتلأ الفضاء بحركته الرشيقة وأكد أنه يمثل بجدارة ينعكس كل ذلك من خلال (الجمهور)، وهو ما يشعر به طوال مدة العرض، (التمثيل) الحقيقي هو جوهر العملية الإبداعية، وهو ليس أحداثاً طبيعية، وإنما أحداث اجتماعية، يشترك جميع الناس بها، وليس هي استعراض لإبداعات (الممثلين) الذين يريدون إظهار قدراتهم الأدائية، دون أن يكون هناك ما يمس الواقع مساً حقيقياً عبر المحاكاة لواقع الناس وهمومهم، فـ (المحاكاة) ليست هي التقليد، وإنما هي في الحقيقة أعمق من هذا حيث هي الإحساس الداخلي، وليس فقط ما يحققه المظهر الخارجي، وهي عملية إبداعية بحتة تكشف حقيقة الإنسان، والفن هو الذي يستخرجها من الأعماق ويكشفها أمام الجمهور، لذا فإن (المحاكاة) أصبحت بمرور الزمن إلى ما يسمى بإعادة تصوير الحياة على المسرح من خلال التمثيل، فالتمثيل تتضح حقيقته عندما يكون مصوراً وخالقاً لمحاكاة تضاهي أفعال الناس اليومية وتصيغ أحدثاً تماثل كل ما يجري على أرض الواقع، أي أن المسرح يعيد صياغة الحياة وفق ما يراه فنياً وجمالياً، والمتفرج يدرك تلك الحقيقة أي عملية المشاهدة التي يحققها العرض، إذ هي ليست الحياة وإنما تصوير الحياة بطرق فنية وعلى هذا الأساس فالمتفرج أولاً وأخيراً هو المعني بالمشاهدة لأن العرض يمثل جزءاً من حياته، وبعبارة أدق هناك معانٍ من حياته تشكلها الصورة التي تتجسد أمامه. فالممثل مع المتفرج يرتبطان في علاقة لن تنفصم أبداً لأنها تمثل جوهر المسرحة والعرض، التي من خلالها يجتمعان، وفي نهاية العرض يفترقا، ويحمل كل منهما تأثيراته سواء بالسلب أم بالإيجاب، فـ (حمادة) الذي جسد (ماكبث)، تسيدت عليه لحظات ربما يعيها أو لايعيها جعلته أن يكون غير طبيعي الأمر الذي جعل المتفرج يشعر به وهو على الخشبة، وتشير هذه الحالة إلى الإبداع الفني التي تلبسته وهو يخوض غمار اللعبة المسرحية وينقض على المتفرج بصورته البشعة والجميلة في الوقت نفسه. المتفرج بشكل عام يقوم بسد الثغرات التي يهملها الممثل الذي يكون عادة وهو مشغول ومنهمك بأدائه، قد لايذوب الممثل بالشخصية التي يؤديها ومن الممكن أنه قد يترك شيئاً من نفسه وشخصيته فيها، إذ ليس هناك ذوبان مائة بالمائة، ولكن يبقى مستوى الأداء الذي وصل في هذا العرض إلى حد الصوفية، كان أداء بعيداً كل البعد عن الانفعال المبالغ به، إذ كان اهتمام (المخرج) منذ البداية بالجانب الذي يلمس النوازع الداخلية للممثلين ومحاولة استنباطها لتضفي على أداءاتهم العفوية والصدق. ينفتح المشهد السادس على (الخادم) الذي جاء بمقصلة، وراح يتحدث معها هامساً، وهو الحديث نفسه الذي تحدث به كل إنسان عاش في ظل الدكتاتورية فيقول :
- ها نحن من جديد نكرر الحركة نفسها والموت نفسه ورغم أننا شنقنا حتى الموت آلاف المرات، إلا أننا نعيد حياتنا مرة أخرى، بالمذلة نفسها ، لقد أدمنا التعاسة والجوع والقهر، ربما نحتاج عشرات الميتات كي تستيقظ فينا نية الانتقام من ماكبث، هذا المحنط ،المنحط ..
يعد هذا الحوار، هو الحوار اليومي الذي يلقيه (الخادم) أو الطبقة المسحوقة كل يوم، كاجترار يومي، يرسم ملامح طبقة من المجتمع مغلوبة على أمرها، تعيد نفس الكلمات بنفس النبرة المبحوحة، كم من السنين بقيت تردد ذلك، ولم تكن قادرة يوماً ما على مسك زمام الأمور، بقيت تحت النير سنوات وسنوات، وليس لديها نية الانتقام ربما يكونون مثل (هاملت) في حالات التردد، أو مثل (الكترا) كنوع من الانتظار للمخلص أو المنقذ، متى تستيقظ فينا نية الانتقام ؟! كما يعبر (الخادم)، إلا أن الذي يستيقظ ليس نية الانتقام وإنما (ماكبث) فيجد (الخادم) أمامه، فيتجه إليه ويضع رأسه في المقصلة ويقطعه في تكرارعبثي، و(الخادم) كلما يقطع رأسه يعيد حواره، ويكرر الكلمات نفسها، ثم يقطع رأسه بقوة، تعاد عملية قطع الرأس عدة مرات بعد ذلك يهرب (الخادم) حاملاً رأسه والمقصلة معاً، لقد عكس هذا المشهد اطر العلاقة التي تربط (ماكبث) بـ (الخادم) أوبأفراد المجتمع ككل، حيث أن (ماكبث) غالا في استخدامه للقوة واقترافه للجريمة،كما تشير إليه نوازعه الدموية، فخير من تمثل بهما تمثيلاً متقناً. فمضامين هذا المشهد قد كشفته الصورة بكل معطياتها، و(المتلقي) قد استنبط تلك المضامين، من خلال قراءته المعرفية، فهو لا يشاهد (الممثل) بل يشاهد نفسه في مرآة المسرح، ويستقرأها كصورة جوهرية على الخشبة. فالمسرحية مكنت (المتفرج) من قراءة مفردات العرض، وبالتالي العودة إلى حيث المرجعيات تلك المفردات، فـ (المقصلة) تذكرنا بالثورة الفرنسية، وقسوة روبسبير ودمويته.
لا تكمن أهمية التجربة التي حققها المخرج (الأسدي) والموصوفة بتلك السمات والمزايا، بما تقدم من أقوال فقط. ولكن التجربة تصبح أكثر تحدياً وصدماً ليس (للجمهور) فقط، وإنما للعاملين في المسرح من ممثلين ومخرجين ومصممي ديكور وإضاءة ..الخ، وهم يشاهدون عرضاً لنص صعب المراس، وقد أنجزه باقتدار وإدهاش ثلاثة ممثلين فقط، ( امرأة نادرة عمران ورجلان هشام حمادة ومحتسب عارف ) فقد جسدت الممثلة (نادرة عمران) ثلاثة أدوار في هذه المسرحية دور( الليدي ماكبث ) ودور احدى (الساحرات)، ودور (المرأة العراقية). فالمسرحية تصف دواخل شخصية (ماكبث) شكسبير ومحاولة الإفادة في بناء هذه الشخصية بما فيها من نوازع وتعطش للدم والدموية وكيفية تصاعد هذه الشهوة والعدوانية إلى قتل أقرب الناس إليه ابتداء من الملك (دنكن) وحتى أعز أصدقائه (بانكو)، وهكذا تتصاعد شهوة القتل التي تبدأ بأحد الخدم ولعدة مرات متتالية .. وكذلك نرى أدمان (ماكبث) على القتل إلى أن يقوم بالهجوم على المدينة الفاضلة وهي (بغداد). فالممثل على الخشبة يشكل نقطة التركيز لدى المتفرج، إنه يشغل الفضاء بمفرده أو بوجود الممثل الآخر معه ، من دون أن يرى العناصر الأخرى التي تشغل الفضاء معه، فـ (الأسدي) قد ترك (الممثل) يجود بنفسه وروحه على الخشبة معبراً بالجسد والنفس خالقاً مع العناصر مثل الإضاءة والموسيقى والأكسسوارات والأزياء والماكياج لغة تعبيرية بديلة عن لغة الكلام، التي تتهافت عبر الزمن وتتلاشى، قد لايكون الكلام الصادر من الممثل هو المعبر الحقيقي عن خلجات ونوازع النفس فحسب وإنما هناك الجسد الذي لعب دوراً متميزاً في إنتاج لغة بصرية أو هو الصورة بكل تجلياتها، ومن سمات المسرح الأساسية هي التكثيف في دلالاته البصرية. لقد كانت الصورة في هذا العرض قد اكتفت بذاتها ووصلت إلى الكمال وقد تطورت عبر الزمن الافتراضي وهو زمن المسرح الذي استغرق مدة معينة تبلغ ساعة أو أقل والممثل خلاله يلعب على الخشبة . لذا فإن مشكلة هذا العرض تكمن في الحركة الدؤوب والبحث عما يقوم عليه إنتاج الصورة من دلالات ومعانٍ يطرحها، وما يقوم عليه التكوين الجمالي لها. فـ (المجنزرة ماكبث) اعتمدت التكثيف والاقتصاد في مجمل حركتها وعناصرها (السينوغرافية)، التي رافقت صيرورة المشاهد، التي ساهمت مساهمة فعالة في خلقها بحضور (الممثل) العنصر الأكثر إبداعاً وحيوي على الخشبة، وقد خلق تأثيراتها في (المتلقي) لينشد في تتابعها. ثمة رؤية مضطربة يراها (ماكبث) هي رؤية الخنجر وهذا المشهد الوحيد الذي اقتطعه (الأسدي) من (ماكبث شكسبير) حين يقول (ماكبث):
أخنجر هذا الذي أرى ؟..
حتى يقول بعد ذلك :
مازلت أراك ملموساً شكلاً كهذا الذي استله الآن..
من المعلوم أن الصورة التي رسمها من خلال الكلام لم تتحقق شكلاً مدركاً، وإنما حققت شكلاً ملفوظاً، فالصورة هي (الممثل) و(الكتلة) و(اللون) و(الخطوط) و(الشكل) و(الإيقاع) و(التوازن) و(النسب) بابعاد حقيقية، فالصورة بمؤثراتها تتحقق قراءتها من مجمل المفردات التي تتوحد مع (الممثل) الذي يمسك بزمام الأمور ويأخذ بها نحو الإبداع . تتضح العلاقة بين الشخصيات على الخشبة من خلال دائرة العلاقات التي تحكمها، كذلك تفصح هذه العلاقة عن الحالات والمواقف والأحداث من خلال الحوار والكلمات أو من خلال إيماءة (الممثل) وإشارته ومجمل حركاته. والممثل كإنسان يعيش في مجتمع ويعبر من خلال تجسيده المتكرر والأداء المعبر عن ثقافة ذلك المجتمع أو تلك الجماعة التي ينتمي إليها، فالمسرح ملتقى الجماعات، واتحادهم، وازدهار ثقافاتهم من خلال تواصلهم ومعرفتهم للفن بشكل عام، والمسرح بشكل خاص. فالمسرح إبداع مشترك ينشد الحضور الجماعي، ومساهماتهم في رفده بالإبداعات والخبرات والمهارات. فـ (الممثل) يستمد السلوك والتصرفات والتقاليد من مجتمعه، فكل كلمة ينطق بها، وكل حركة من حركاته، وحتى سكناته مشبعة بأفكاره، وأحاسيسه ومشاعره وهي تعبر في حقيقة الأمر عن أفكار ومشاعر الجماعة التي ينتمي إليها، بأي شكل من الأشكال، ومن ثم تتلقى تلك الجماعة ذلك الأسلوب الذي اتخذه (الممثل) حالة إبداعية توجه إليهم من خلال التجسيد عبر الكلمة والحركة ومجمل ما يعبر عنه. فـ ( محتسب عارف) (ممثل) يمتاز بخفة حركته، جسد عدة شخصيات وقد أجاد في تقمصها منها شخصية الملك دنكان والخادم والبواب والساحرة /2. لقد كانت مشاهده جميعها تشكل ما يسمى بـ (مونودراما) تترنم بعذابها وأثيالاتها الشعرية حتى كأنه يؤدي عملاً مستقلاً. فحينما جسد دور (الخادم) الذي يمثل دور الإنسان المسحوق الذي يقع عليه الظلم في كل لحظة، وهو لم يزل يحيا ويعيش ويستمر في حياته مكابراً .. كل شيء يضيع منه الا لحظات الاختلاء مع نفسه وإحساسه أنه لم يزل يشعر أنه إنسان وله الحق في الحياة. لقد استخدم (المخرج) أسلوب توليد وتوليف الحس مع (الممثل). فقد كان يشعر طيلة مدة العرض بهذا الانسحاق الذي يعتريه بشكل حقيقي من خلال تجسيده لشخصية البواب أو الخادم. وحينما يظهر (الخادم) وقد أخذت (الخادمة) تتبعه وهما يمثلان أيضاً الساحرة /1 والساحرة /2 يبدآن اللعب بالمقصلة، وهما يتحدثان بحوار مبهم وغامض وكلمات لا يحدها منطق حيث تقول الخادمة والساحرة في الوقت نفسه:
- ها نحن نلتقي تحت قبة ظلمة حالكة، قبة من بخار وطنين وهسهسات عناكب وديناصورات وجرذ وحيد يلوذ بنفسه ويؤنبها على فعلتها الشنعاء ..
وهما على مقربة من (ماكبث) بل وينعتانه بالجار الدميم ، ويستشعران بوجوده، وهو ينام مع عشيقته تحت لحاف واحد، وهو لم يكترث للفيضانات والبروق والرعود. ويقررا أن ينتظراه حتى مطلع الفجر، ليس أمامهم عمل يدعو للأهمية، إنهما يلهوان إما بأصطياد نجمة أو موجة هاربة أو العثور على حبيب، فيقوم الساحر بشتم الساحرة حينما سمع منها تريد أن تبحث على حبيب فيصفها بالداكنة ثم يقول لها :
أحبك وستضعين للمعان عيني أن آجلاً أو عاجلاً .. عندما تستنفذين حبه أو يستنفذ حبك عندما تطردينه فأنا سأقف على عتبة بابك ليلاً، كي أطلب يدك قصدي كي
أخطبك .. كي أضع إكليل قبلاتي على رأسك ..
هذا المشهد الغرائبي يصور لنا طبيعة العلاقة التي تربط الساحرتين فيما بينهن وأفعالهن غير المجدية، فـ (الساحرات) في عرض (الأسدي) ليس لوجودهن أي مبرر سوى من باب العبث، فقط، وفي مشهد واحد تكمن أهمية وجودهن حيث ينقلن رسالة لـ (ماكبث) وهي أنهن قد حلمن به، حلم شنيع، يصورن له الجحيم الذي ليس له نهاية وهذه اشارة للحرب التي ستحدث، وقد شاهدن الساحرات الجسد يشوى عشرات المرات ومن ثم يعاد بعثه من جديد ثم بعد ذلك يحرق ثلاثاً وأربعاً ..الخ. ثم يؤكدن إلى اقتراب موعد الحرب المحدد هو (السابع عشر) من الشهر الجاري حيث أن في هذا اليوم يستدعي (رب الجنود) ماكبث، ويطلب منه الانضمام تحت الويته، ويسألهن (ماكبث):
- من أجل ماذا ؟
ساحرة/1 – كي تحارب ..
ماكبث – أحارب من ؟
يخبرنه أن يحارب (المدينة الفاضلة)، في السابع عشر هو اليوم المحدد للحرب. وعليه أن يبدل جلده ويقوي عوده، وأن يرتدي طاقية السحر، لأن المدينة التي سوف يدخلها جوف بعيد وعميق، ومن خلال هذا حوار تنكشف الغاية والهدف من انضمامه تحت إمرة (رب الجنود) لاقتحام مدينة (بغداد) وتدميرها بكل أصناف القوة فـ (المجنزرة) قد حملت الموت إلى سكان تلك المدينة، مدينة الف ليلة وليلة، شهرزاد وشهريار، وهارون الرشيد، وهنا يتذكر جيداً بأنها المدينة الخرافية، حيث تمنى أن يزورها بدون القتل والدم والرصاص، كم تمنى ذلك، لكن بعد أن تكلف بالواجب من قبل (رب الجنود) عليه أن يستعد وعليه أن يفاوض امرأته (الليدي ماكبث)، وكان يعتقد أنها لاتعلم شيئاً عن هذا الأمر، لكنه يفاجأ بأنها قد سبقته بمعرفة هذا الأمر، وهي بدورها تزيد من عزيمته حينما تخبره:
- السابع عشر من الشهر الحالي، كأنما هو يوم زفاف، أن تقضم بابل باسنانك وان تمحو معالم المدينة ، ذلك هو الزفاف بعينه..
ماكبث - أتسمين موتي زفافاً ؟ ..
يفصح (الأسدي) في هذا الجدل (الديالكتيكي) عن ماهية الحرب وانبعاثها حيث يبرر (ماكبث) بعدم الدخول في الحرب، بينما (الليدي ماكبث) تحثه بأن الدخول في الحرب فرصة لن تعوض، فيحاول أن يجد مبرر لعدم دخوله في الحرب فيقول لها:
- متعب ..
فترد عليه بشيء من السخرية:
- مخجل .. إن ما تقوله مخجل ، رجل مثلك عجنته الخبرة ودربته الحروب رجل نزف دمه وتاريخه من انتصاراته ، كيف تستطيع نطق هذه الكلمة متعب ..
إن هذه المناظرة الجدلية ينتصر فيها الأكثر بينة، وبالنتيجة تنتصر كفة (الليدي ماكبث)، بالرغم من أن (ماكبث) وضع جميع الأسباب التي تمنع اشتعال الحرب، وعدم جدواها فيقول لها:
- ليس لدي ما يدفعني للقتال ؟ من أجل ماذا سأحارب، لو أن الأمر يتعلق في
الدفاع عن شجرة أنبتناها لقلت أموت من أجل رسوخ الشجرة وقتل كل من
يحاول اقتلاعها..
بعد ذلك يأتي صوت (رب الجنود) فيأمر (ماكبث) بقيادة الحملة والحرب على المدينة الفاضلة، إنه يأمره بالقتل وتهديم كل شيء، و(ماكبث) يوافق، وفي السابع عشر تحديداً من الشهر الجاري هو موعد الحرب، فسوف يتم كل شيء بدقة متناهية، لأن التكنولوجية الحربية أكثر تطوراً من الإنسان التي سوف تسخدم ضده فالأسلحة فتاكة لا تخطأ أبداً، وهو أي (ماكبث) كأنه يمضي في نزهة وليس إلى حرب، لأن المدينة التي يمضي إلى محاربتها وهي (بغداد) سوف تركع في غضون ساعة أو ساعتين على الأكثر، بهذه الصورة عقدت الصفقة وتم كل شيء. فـ(الإخراج) يقوم على الشكل التعبيري جملة ًوتفصيلاً، تتخلله بعض المشاهد الإيهامية ذات قيمة فنية جديرة في الوقوف عندها، لهذا كان من الواضح استسلام العرض لبنية مغلقة، يستفز (المتفرج) ويحرضه من خلالها، وليس من باب المشاركة الفاعلة، وإنما من باب الفرجة السلبية. فالمسرحية ضمن أنساق اشتغالاتها على المدونة الشعرية لـ (الأسدي) المتناص من (ماكبث) شكسبير، حيث اجتزاء شخصية (ماكبث) لاجراء مقاربته الدرامية، وباسقاط الشخصية الأمريكية الدموية بانياً عليها الهواجس النفسية، والقسوة، والأطماع اللامشروعة، وفعل القتل المتكرر. وعمل في اثراء الفضاء المسرحي، بالرغم من تحديد المكان في رقعة صغيرة، والمتكونة من طاولة وفتحة في وسط الستارة، التي تمثل (باب الوسط)، إلا انها رغم ذلك كانت السينوغرافيا ببساطتها تؤكد على تحولاتها الدلالية المستمرة. ظهور (الساحرات) بوجوههن المقنعة إذ كانت (الليدي ماكبث) إحداهن يقومن بحث (ماكبث) على الاستعداد للحرب، ولابد من تدمير كل شيء، وكل ما يذكرونه من مواقع أو أهداف إنما تشير إلى حالة من الانتقام ضد (بغداد) بشكل خاص، و(العراق) بشكل عام. حيث تصور (الساحرات) لـ (ماكبث) كيف يقضي على المدينة:
- هدم جسورها.. وأقصم ملاجئها.. أحرقها.. اسبها بأولادها ونسائها.. حاصرها بشره من أفعى آسنة.. وأنياب ذئب.. وهسهسات عقرب..حاصرها .. وجزمة فرنسي قواد.. وقميص أنكليزي سمسار.. وازرار سريلانكي أعور.. وإيمان إيطالي لئيم.. والكثير الكثير من القوة..
بعد ذلك ينتفض (ماكبث) ويصرخ بقوة:
- وحق السماء سأطلق الرياح لأجعلها تقارع الجوامع والكنائس
سأحطم القباب وأقتلع الجوامع والأشجار والمتاحف والمكتبات.. وأركع الرجال وأكسر عنفوان المدينة المتكبرة..
فتظهر (الليدي ماكبث) من بين (الساحرات) وتؤكد على كل ما جاء من دمار سوف يحدث للمدينة، إنه عليه أن يحول (بابل) برمتها إلى كومة تراب، وتؤكد أيضاً أن (المجنزرة) التي بين يديه مزودة بأحدث التقنيات، وعليه أن يستخدمها أحسن استخدام للقضاء على المدينة. وهنا لم يحتمل (ماكبث) كل ما قيل له حول الموت والدمار فينتفض وهو يصرخ يردد كلمات ساخطة على المدينة وأهلها:
- رأسي امتلأ بالصراخ.. سأدخل المدينة من جميع أبوابها..
لعل هذا المشهد ينفتح على صيغ الحرب، من حيث كشفها الدلالي ومعانيها التعبيرية المجردة، على النحو الذي يعبر عنه الخطاب البصري، ويمكن وصفه بالمباشر. حيث خضعت مرحلة تاريخية مهمة من حياة شعب تعرض لها ومازال يعانيها حتى الآن.
أفصحت صورة العرض عن صورة الحرب وتجلياتها الجوهرية عبر بؤرتها الباطنية العميقة على صعيد الرؤية الفضائية وتحولاتها، على أن (الممثل) و(السينوغرافيا) واسهاماتهما معاً كأدوات تعبيرية قد فعّـلت طاقاتها في سبيل خلق المناخ أو الجو الحقيقي للفعل ولغة مشتركة معني بقراءتها (المتلقي).
بعد هذا يأتي دور المرأة (العراقية) التي تواجه الحرب بكل أشكالها وعنفوانها حيث ينفتح المشهد على (نادرة) وقد ارتدت زي المرأة العراقية، حيث العباءة والشيلة، في النص هناك إشارة إلى صفات المرأة العراقية وتحديد شخصيتها، ولكن في العرض الزي هو الذي يحدد تلك الصفات، وقد جاءت تطرز الراية على ضوء (الفانوس) وهنا يشير (الفانوس) كعلامة إيقونية إلى مرحلة ما بعد الحرب، حيث كان البديل للمصباح الكهربائي، فلقد شحت الكهرباء أو بالأحرى تحطمت بسبب الحرب، ولهذا كان (الفانوس) هو البديل المناسب في تبديد العتمة والظلام. يقتحم (ماكبث) المكان فيجد (نادرة) أمامه لا تبالي بحضوره، وهي تطرز الراية أو كوفية بابل كما تسميها فيقول لها: - الريح تقلع كل شيء وأنتِ تطرزين على ضوء القنديل..
فترد عليه بشجاعة: - كلما اشتد عصف الريح تغوص إبرتي في الراية أكثر..
لعل صيغة الحوار الدائر بين (نادرة) و(ماكبث) يؤكد على الرغبة الجامحة لدى (ماكبث) في امتلاك جسد (نادرة) لتطويقه بالشهوة المستعرة، حيث ينبري من ذلك قوله: - في عينيك ثمة ما يحرك فيَّ الحياء ويبيح الشهوة في جسدي . أريدك كم كنتُ أريدك ومازلتُ وسوف أبقى كذلك حتى تسقطين بين يدي ثمرة ناضجة..
يتصاعد إيقاع الحوار تدريجياً حتى يصل إلى الذروة، وترديد نفس الكلمات، إلا أن حركة المشهد أصبحت عنيفة من حيث المواجهة فيما بينهما، يحاول (ماكبث) الانقضاض عليها وهي تبعده بقوة، بعد ذلك تستدرجه حيث تمضي به إلى مكان مظلم بعد هنيهة يخرج غير مبصر طريقه وإخذ يصرخ وهو ممسك بعينيه، إنها قد رمت الطحين بعيونه، وقد أخلي مكانها منهزماً. لقد تحقق لها النصر، تلك هي الراية، كوفية بابل، رأس بابل، المدينة الفاضلة. "والمرأة البابلية.. العراقية ذكرتنا بمقاومة الرأس العراقية ورقبتها المجبولة من دم ونار وبسالة، عبر التاريخ وغرزات ابرتها وهي تطرز الكوفية وتتحدى الإرهاب أحالتنا إلى غطاء الرأس العراقي منذ عصر فجر السلالات إلى عصر رجال الحجارة الفلسطينيين، وهم يقارعون عدواً واحداً."( ) وهنا توضحت رؤية (المخرج) في نهاية العرض وتكشفت دلالاتها، عبر نضج مسار الرؤية وانفتاحها وكثافة مخزونها، حيث تتمظهر دلالات القصد عن نتيجة القراءة البصرية المتجلية من السمع والبصر في آن. فإن الآلية التي عمل عليها (الأسدي) في منظومته البصرية الشعرية، قد عمق فيها الفعل الظاهري مع الباطن، والمرئي مع المستتر والمخفي مع المتجلي، واستئثار مكنونات الباطن وحشدها وتكثيفها وتركيزها واستثمار أسرارها في مساحة الظاهر والمعلن وكذلك المسكوت عنه، تفصح عنه مسارب الصورة المرئية عبر تتابعها في المشهد أو في العرض ككل. لعل في ختام العرض الذي يمثل خراب ما بعد الحرب ينبري في خضمه معالم الضفة الأخرى التي تتوقى المرأة في الذهاب إليها، كنوع من الخلاص من ربقة الحرب ومخلفاتها فها هي تقل قارباً تطلق عليه (قارب المحبة)، إنها تدعو الشهيد (عبد الله) أن يبعث من جديد كنوع من عودة الحياة ، فتناديه من بعيد:
- عبد الله ، عبد الله ، أين أنت يا عبد الله ، تعال ، تعال ، تعال ..
سبايا نحن ، يا قارب المحبة ، خذني إلى عبد الله ..
حتى يتحطم كل شيء ولم يعد المركب يصل إلى الضفة الأخرى، حيث علا الموج واضطرب البحر، والدنيا كما تصفها المرأة بـ (سفينة مثقوبة) والمياه سم حتى وصل إلى المحاجر، إلا أنها تلتمس في خاصرتها جرحاً بليغاً، حيث يسيل الدم ووصل إلى الركبتين، ثمة خناجر تهبط من السماء، سكاكين تطلع من الأرض، وأخذت تصرخ بقوة:
- سكاكين من كل مكان .. قيامة ، قيامة ، قيامة ، إنه الطوفان ..
بعد كل هذا الاضطراب في موج البحر يستقر المركب وسط العاصفة الهوجاء وتتحول علامة السرير (عربة المستشفى) بإيقونيتها إلى عدة علامات، تشكلت في بداية المشهد إلى (مركب) ومن ثم إلى حركة (موج) ومن بعد إلى (خيول) تركض حول الدائرة، عبر حركة ميزانسينية تمحورت في وسط الخشبة. اجتهد (المخرج) في اختياراته لمناطق تشكيل حساسة ذات رؤية تنطوي على قدر كبير من التحرر والانفتاح والرقي على المستويات كافة، وهذا ما جعله يتحرك داخل خطاب يستحضر الروح فيه على مساحة الجسد، ويشتغل بالجماليات السينوغرافية على نحو ٍمساو ٍلاشتغاله بالمقولة السياسية والفكرية التي يتنكبها خطاب العرض، ويتقصّد إيصالها إلى الآخر (المتلقي). إذ يقوم (المتلقي) في التوغل في متاهات الصور واستنطاق الفكرة الجوهرية للعرض وتحرير كمونها، وتخوم عتباتها، وفضاءها المرهون بـ (العلبة الإيطالية) وتأويل صورها ونظمها الشعرية وقوانينها التعبيرية وفك شفراتها السيميائية، وكشف رموزها المحجوبة. انطلاقاً من هذا الحضور الإجرائي للعرض الذي جمع جمالية العرض وجمالية تلقيه، استناداً إلى تجاوبات (المتلقي) وردود أفعاله حيث يمثل عنصراً فعالاً وحيوياً، يقيم مع (العرض) تواصلاً ينتج عنه التأثر النفسي ودهشة انفعالية، ثم بعد ذلك يأتي التفسير والتأويل، وإصدار الحكم الجمالي استناداً إلى موضوع العرض وفكرته وعلاقتها بالوعي الجمعي. ذلك أن فعل (المشاهدة)، هو الفعل المكمل والظروري في المسرح، وبدونه لا تتم عملية المسرحة بأي شكل من الأشكال، فـ (المتلقي) يعادل وجوده في المسرح (العرض) بكامله، فـ (المتفرج) و(الممثل) يتساوى وجودهما في المسرح. فالعلاقة قائمة بين الطرفين التي ترتبطهما الحالة الشعورية والموقف الفكري والوجداني، وجميع العوامل تتضافر لصياغة وبلورة هذه العلاقة. يرى الباحث أن (المخرج) أجاد بشكل كبير في توظيف العناصر السينوغرافيا ومساهمتها الفاعلة مع أداء (الممثل) التي تبلورت من ذلك لغة بكل دلالاتها الناطقة والفاعلة وخصوصاً في مرونة تحولات بعض مفرداتها، وفي تخصيب هذا التحول على وفق الصورة الجديدة.

الهوامش
--;-- عرضت على مسرح الرشيد، ضمن عروض مهرجان بغداد للمسرح العربي، 1992، وحظيت بالفوز، بجائزة أفضل إخراج، وأفضل ممثلة (نادرة عمران)، وأفضل ممثل (هشام حمادة) .
1. عقيل مهدي، مسرحية (( المجنزرة الفأر))، مهرجان بغداد للمسرح العربي (( الثالث))، وزارة الثقافة دائرة السينما والمسرح، بغداد، 1994، ص193.
2. عقيل مهدي، مسرحية (( المجنزرة الفأر))، المصدر السابق، ص193.
3. عقيل مهدي ، مسرحية ((المجنزرة الفأر)) تعقيب على مسرحية (المجنزرة الأمريكية ماكبث) مصدر سابق، ص195.
4. عقيل مهدي ، مسرحية ((المجنزرة الفأر)) مصدر سابق، ص195.
5. نازك الاعرجي ، جنون ماكبث، مهرجان بغداد الثالث للمسرح العربي، بغداد، جريدة الجمهورية، ع/1745.
6. عقيل مهدي ، مسرحية ((المجنزرة الفأر)) مصدر سابق، ص195.
7. نازك الاعرجي ، جنون ماكبث، مصدر سابق.
8. عقيل مهدي ، مسرحية ((المجنزرة الفأر)) مصدر سابق، ص195.
9. عقيل مهدي، تعقيب على: مسرحية المجنزرة الأمريكية ماكبث، مصدر سابق، ص194.





#جواد_الحسب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي
- الممثل والمتفرج: ( العلاقة الثالثة )
- الممثل والعناصر السينوغرافية: ( العلاقة الثانية )
- علاقة الممثل بعناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي
- الممثل والممثل الآخر: ( العلاقة الأولى ).
- ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي .
- السيرة الذاتية للكاتب والمخرج المسرحي جواد الحسب
- مسرح سامي عبد الحميد الانتقائي والتجريبي
- شذرات من أعمال جواد الأسدي في المسرح
- طقوس سامي عبد الحميد في مكبث (**)
- تجليات مسرح الصورة عند القصب


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد الحسب - مسرحية(المجنزرة الأمريكية ماكبث)