أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزمي موسى - الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير















المزيد.....


الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير


عزمي موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 20:00
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير
عزمي موسى
لا أحد يستطيع أن ينكر بأن ألعالم أليوم يمر بمرحلة أنتقالية , ما بعد ألأحادية ألقطبية . ويشهد حالة من التحولات والتغيرات تتفاعل فيها فضاءات عديدة اقتصادية وثقافية ودينية . وبأن ما يحدد طول هذه المرحلة أو قصرها , هو سرعة حركة ألبلدان ألفاعلة في ألسياسة ألدولية في إطار هذه الفضاءات المتعددة . مرحلة أرادها قلب ألنظام ألرأسمالي ألعالمي , مليئة بالأضطرابات ألسياسية وألتناقضات ألاقتصادية , سواء بين دول قلب ألنظام ذاته , أو بين هذا ألنظام وأطرافه من جانب أخر (صراع ألشمال والجنوب ) . تمثلت بصورة أحتجاجات شعبية واسعة في بلدان المركز , ضد ألارتداد عن سياسات دولة الرعاية ألاجتماعية وتداعياتها السلبية الواسعة . ودموية وحشية في مناطق الإطراف ألرخوة من هذا ألعالم . تعكس وبشكل واضح لا لبس فيه فشل فلسفة أليبراليين ألجدد بأبعادها ألثلاث ( السياسية , ألاقتصادية والاجتماعية ) في تحقيق توازن عادل للبشرية , يضمن تنمية مستدامة بعيدا عن ألأزمات ألمتعددة ألإشكال . وفق ما صورها وروجها دعاتها بأعتبارها نهاية التاريخ , والنموذج الوحيد للحياة الإنسانية, وليس من بديل أمام البشرية سوى هذا النظام الرأسمالي ألمعولم .
قد تبدو للمراقب العادي حركة المشهد السياسي الدولي على السطح, وكأنها تسير في حالة من ألانسياب الطبيعي , والانسجام المتوازن , والتوافق التام على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية . لكن الواقع الحقيقي الملموس ينفي ذلك . فهذه الحركة يسودها تباين اقتصادي و ألتواءات سياسية إزاء القضايا الكبرى وأنتكاسات في مسيرة بعض الدول . ناتجة عن تعدد القوى الفاعلة واختلاف هياكلها البنيوية وتشابك دوائر المصالح المتناقضة في ذات الوقت . مما تؤدي إلى حالة من التحولات والتغيرات العميقة والمعقدة والى عدم استقرار في شبكة العلاقات السياسية الدولية .
هذا الواقع السياسي المتحول , لا يمكن ادراكة باعتباره حركة واحدة باتجاه واحد تسير فيه الإنسانية . ممر عالمي نهائي . بل هو في الجوهر وحدة حركتين متناقضتين متصارعتين . هما حركة المجتمعات الرأسمالية المسيطرة نحو الهيمنة والنهب(دول المركز ) وحركة المجتمعات التابعة نحو التحرر والاستقلال (الإطراف ) وفق تعبير الكاتب ناصر الجابر .وداخل كل حركة منهما , هناك حركات ذاتية متصارعة ولانهائية تقف وراء اختلاف مدى تطور وتقدم تشكيلة اجتماعية وأخرى . فالحركة وبغض النظر عن شكلها وسرعتها , أنما تعكس وحدة قوى متصارعة ومتزاحمة على ارض الواقع . تستهدف التحكم في مسارات التغير وتوجيهها . وهذا ما يؤكده الواقع الدولي المتحرك نحو مزيد من التكتل والاستقطاب العالمي
حيث قد بلغت الإحداث الدولية من التداخل العضوي إلى درجة التعقيد المركب ,و تتسارع بوتيرة عالية , يصعب إدراكها بذات السرعة التي تسير فيها . فحركة الواقع غالبا ما تسبق الوعي . لذا فان قانون الحركة الجدلي العلمي , يوفر الأرضية العلمية المناسبة لمتابعتها ولاستشراف اتجاهاتها . حيث إن ما يحدد سرعة واتجاه وطبيعة حركة القوى المادية , هي كمية ونوعية الطاقة الفاعلة المختزنة فيها , إضافة إلى قربها أو بعدها عن مركز الكتلة المتحركة والبيئة التي تتحرك فيها . وعلى هذا الأساس فان حركة قوى الإنتاج المتطورة هي التي تبقى تفرض سيطرتها على القوى الأخرى وتحد من سرعة حركتها وتطورها . وهنا يكمن الفارق العميق بين تحرك سريع يعكس حركة قوى إنتاج متقدمة ومتطورة وبين حركة بطيئة تعكس حركة قوى إنتاج تابعة ( المركز والإطراف ) نظرا لان العامل الاقتصادي هو العامل الحاسم لأي تطور أنساني .
وفي هذا إلا طار العلمي والمنطقي يمكن متابعة حركة النظام الرأسمالي ألمعولم . والقائمة على زواج المصالح والتفاعل المتزايد ما بين رأس المال المدني والعسكري ( التصنيع الحربي ) . فقد اخذ الأخير , صاحب الانتصار السياسي , على عاتقة ومنذ فترة الحرب الباردة , مسؤولية التصدي والمنافسة المفتوحة للاتحاد السوفيتي حتى أنهكه وتغلب عليه , ومن ثم فتح الطرق وتطويعها إمام رأس المال المدني . متكأ على مفهومين يتم الترويج لهما باستمرار . حماية الأمن القومي ومحاربة الإرهاب . مما تطلب تعزيزهما إلى شبكة من العلاقات المترابطة وعلى مختلف المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية مع الخارج . وذلك من خلال نشر العديد من القواعد العسكرية في كل قارات العالم , والسيطرة على محيطاته وممراته البحرية . و تمتين تحالفاته الدولية , مع ضمان إدامة تبعية بلدان أخرى له . عبر برامج تمويلية , تأخذ شكل منح أو قروض يتم تقديمها مباشرة أو من خلال مؤسسات دولية تقوم بذلك . مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . أو عبر عقد العديد من صفقات الأسلحة معها كما هو الحال مع دول الخليج العربي . إضافة إلى تمكين بعض الدول عسكريا واقتصاديا كي تكون نقاط ارتكاز أساسية في منظومة مصالحة العالمية ( إسرائيل و كوريا الجنوبية ) . حيث أنها اقرب ما تكون إلى قواعد عسكرية واقتصادية من كونها دول .
لذلك فان حركة النظام الرأسمالي ألمعولم ,هي في جوهرها حركة الشركات الاحتكارية الضخمة بشقيها العسكري والمدني, نحو سوق الأموال , بمعزل عن مصالح الدول الفقيرة والمتوسطة , وتحت مظلة قوانين العمل المعولمة بين المركز والإطراف , بتعبيراتها الإيديولوجية الرجعية . لا رقابة على الأسواق , لا للحماية الجمركية , الأسواق تضبط ذاتها بالياتها الخاصة , العالم سوق واحدة والغاية تبرر الوسيلة . حركة تسعى إلى تضخيم الإرباح وتمركز رأس المال . مليارات من البشر على امتداد مساحة هذا العالم تم إفقارها , مئات من الملايين تعيش تحت ظل أنظمة ديكتاتورية مدعومة من هذا النظام , وعشرات الملايين في أسيا وإفريقيا وأمريكا ألاتينية قتلوا في حروب تم أدارتها عن بعد , دول قد تم سحقها على الطريق (الصومال , أفغانستان , العراق وليبيا .. ) , عدى عن التدمير المتواصل للطبيعة والبيئة .
في هذا السياق يمكن تتبع وإدراك اتجاه حركة التحولات والتغيرات في مجال العلاقات الدولية . في ظل مناخ النظام العالمي الجديد, الذي تشكل في إعقاب الحرب الباردة . حيث تعمقت وانتشرت النزعات الأصولية والسلوك المتطرف عند الشركات الاحتكارية المعولمة بداية , وامتدت إلى بعض القوى الاجتماعية الأخرى على المستوى العالمي ( في أمريكا ,أوروبا , أسيا و أفريقيا ) كردة فعل تاليا .
فيما اعتقدت الولايات المتحدة , التي ظهرت كقوة عظمى وحيدة, بأنها وحدها قادرة على قيادة هذا العالم , وعلى فرض إرادتها السياسية والاقتصادية علية . تحت شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق المفهوم الرأسمالي الطبقي . خاصة بعد إن توسع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في دول أوروبا الشرقية . التي مثلت مجال حيوي أضافي أخر للاستغلال للاحتكارات العالمية وخاصة الألمانية , بحكم العلاقات الغير متكافئة ,
إلا إن الواقع خالفها , وحد من قدرة اندفاعها , واحدث اختلالات وتصدعات عميقة في حركتها المأزومة بذاتها . فلم تدرك الولايات المتحدة , بان القمة التي تقف عليها , هي ذات أرضية رخوة غير مستقرة , وبان فلسفتها عاجزة عن فهم الواقع وتحليله وذات مضمون غير أنساني ولا أخلاقي . فهذه الفلسفة السياسية والاقتصادية القائمة على مركزة رأس المال , والمعرفة المعلوماتية والتكنولوجية العالية , والمقننة بقوانين عالمية , مسخرة في خدمة الاحتكارات الكبرى . لم تستطع تحقيق الأمن السياسي ولا الاجتماعي لشعوب هذه الدول الكبرى ولم توفر لهم الحماية من الهجمات الانتقامية المتنوعة ( إحداث 11/9 شاهدة على ذلك ) . كما أنها فشلت في معالجة الأزمات الاقتصادية المتكررة وتجنب تداعياتها على مختلف المستويات المحلية والدولية . فيما أثبتت الحقائق المادية العينية , بان من أهم أسباب الأزمة المالية العالمية الحالية . غياب الرقابة على الأسواق وضعف الآليات الاقتصادية المتبعة في تضخيم الإرباح نتيجة تصاعد نفوذ رأس المال الورقي ألمضاربي على حساب القوى الصناعية والتجارية , وما رافقه من إلغاء للدور الاقتصادي الاجتماعي , مما أدى إلى ضياع حقوق المستثمرين والعاملين معا .
وبالتالي بات السؤال الذي يطرح ذاته , هل النظام الرأسمالي ألمعولم , بوصفة القوه الوحيدة على سطح هذا العالم , في طريقه إلى الأفول عن صدر البشرية ؟ والى إي مدى يمكن إن تبقى مجموعة الدول الأوروبية متماسكة في إطار الاتحاد الأوروبي , بعد إن كشفت العديد من استطلاعات الرأي . إن ما يقارب من نصف المواطنين ألأوروبيين عموما باتوا غير مقتنعين وآبهين بجدوى الاتحاد الأوروبي , مفضلين العودة إلى الاهتمام بالمصالح الوطنية الخاصة بكل دولة ؟
صحيح إن الدول الرأسمالية الكبرى ترتبط فيما بينها , بشبكة مصالح سياسية واقتصادية واسعة ومعقدة أيضا . وبان التناقض البيني , يعيد توافقه بشكل ذاتي . إلى جانب التشابه في آليات السلطة وصنع القرار . لكن وبالرغم من إن مستوى التعاون والتنسيق البيني قد بلغ اعلي مستوياته . إلا انه لم يحل دون وجود تناقضات وصراعات سياسية واقتصادية . نظرا لتفاوت المصالح المادية الذاتية بين هذه الدول . تجلى ذلك من خلال المواقف المتباينة من الصراعات الدولية كتلك المتعلقة ب (العراق , فلسطين , إيران , كوريا الشمالية...الخ ) ومن الحرب على الإرهاب . ومن انقسام المواقف الأوروبية الواضح حول أزمة الديون في منطقة اليورو . التي أحدثت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الأهلية أدت إلى اختلال في التوازنات الأوروبية القائمة . لا تهدد فقط الاستقرار المالي والاجتماعي في منطقة اليورو , بل أيضا قدرة الاتحاد على البقاء في ظل فشله في تطوير هوية سياسيه خاصة به . ذات مواقف واضحة وموحدة إزاء القضايا الاقتصادية والسياسية الكبرى
فقد كشفت حركة الاحتجاجات الشعبية الواسعة , والقوى الديمقراطية واليسارية المناهضة للعولمة . في شوارع وميادين عواصم ومدن بلدان النظام الرأسمالي . من ول ستريت إلى أثينا مرورا بمدريد وروما وقبرص والعديد من الدول الواقعة جنوب القارة الأوروبية ضد الفقر والبطالة . وسياسات التقشف التي فرضتها ألمانيا صاحبة اكبر اقتصاد . على دول منطقة اليورو المأزومة ( اليونان , البرتغال , اسبانيا , قبرص , ايطاليا ...) تحت ذريعة مساعدتها على الخروج من أزمتها الراهنة . عن حجم المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه هذه الشعوب , وعن عمق الصراع البيني . الناجم عن تدفق رؤوس الأموال من الاقتصاديات الأضعف الواقعة على إطراف منطقة اليورو , إلى الاقتصاديات الأقوى في قلب المنطقة . نتيجة إلى اتساع فجوة القدرة التنافسية بين دول الشمال الأوروبي وجنوبه . وبالتالي تراجعت مجموعة هذه الدول عن مقدمة درجات السلم الاقتصادي العالمي , لتصبح بمثابة أطراف بالنسبة لدول مركز النظام الرأسمالي ألمعولم . صراع آخر ( شمال وجنوب ) في قلب المركز . فان تناقض المركز / الأطراف هو المحدد الأساس للصراع بين القوى المتناقضة , ولأي تحول في طبيعة العلاقات الرأسمالية . وبالتالي أصبح التقارب بين هذه الدول يعتريه الوهن , مما ينذر بحدوث انشقاقات داخل أسرة الدول الأوروبية وتوجه بعض الدول إلى الاستقلال عن سياسات الاتحاد الأوروبي المتعددة .
تزامن هذا مع نمو رأي عام عند شعوب منطقة المركز يسوده التذمر والتأفف والشعور المتزايد بعدم الرضي عن سياسات الاتحاد الأوروبي لحل الأزمة الاقتصادية المتكررة , التي تمر بها دول الأطراف معتقدا بأنها سوف تكون على حساب مصالحه ورفاهيته الحياتية . يقابله رأي عام شعبي واسع عند شعوب بلدان الإطراف الأوروبية , يشكك بسياسات الاتحاد الأوروبي ومتهمها بالانحيازية وعدم العدالة , ومحملا ما آلت أليه أوضاعهم الاقتصادية إلى هذه السياسات . والتدخلات الأمريكية بغرض إيجاد حلول لأزماتها السياسية والاقتصادية العالمية الراهنة , على حساب مصالح بلدانهم الدولية . وبالتالي بدئوا يتطلعون وبشكل متراكم إلى اتخاذ مواقف سياسية خارجية , بعيدة إلى حد ما عن المواقف الأمريكية . هذا بدا واضحا من خلال التباين في العلاقات الدولية إزاء المشكلات السياسية الدولية الكبرى في أسيا وأفريقيا وأمريكا ألاتينية , ومع مجموعة الدول الصناعية الناهضة , روسيا , الصين , الهند , البرازيل وجنوب أفريقيا وفنزويلا ( دول البركس ) .
ففي الوقت الذي شعرت فيه الولايات المتحدة بأنها القوة الوحيدة على سطح الأرض , وبأنها اكبر إمبراطورية في التاريخ الإنساني . قادرة على التحكم والسيطرة الأبدية على مجمل النشاط الإنساني العام , خاصة بعد الحرب الأولى على العراق في بدايات العقد التسعين من القرن الماضي , ومن ثم على صربيا في نهايات ذات العقد . تعززت وتعمقت اتجاهات عسكرة الاقتصاد الأمريكي وبشكل متزايد . منذ ولاية ريغان ووصول القوى اليمينية أليبرالية إلى مراكز القرار السياسي والاقتصادي . فقد شملت بالأضاقة إلى الانتشار الواسع , في العالم , لقواتها البرية والبحرية . تدخلها العسكري المباشر في العديد من الصراعات الدولية كما حصل ويحصل في العراق وأفغانستان واليمن , والغير مباشر من خلال التمويل العسكري والمالي للنزاعات المسلحة في العديد من نقاط التوتر العالمية ( السودان والصومال والفلبين ...أخ ) . علاوة على التمكين العسكري الإسرائيلي المتصاعد .
في ذات الوقت الذي كانت تنفق فيه الولايات المتحدة البلايين من الدولارات على قواتها وتسليحها , في حروبها العالمية على الإرهاب كما تدعي . وفي أدارتها للصراعات الدولية . وأمام هذه التحديات العالمية المتعددة , التي فرضتها نزعات عسكرة الاقتصاد اليمينية . ظهرت الهند وباكستان كقوى نووية على الساحة الدولية تسعى كل واحدة إلى تعزيز قدراتها العسكرية . وكذلك كوريا الشمالية كقوة عسكرية إقليمية , في طريقها لامتلاك السلاح النووي أمام التحديات ألاقتصاديه التي تواجهها من كوريا الجنوبية واليابان . وفي منطقة الشرق الأوسط ظهرت إيران كقوة إقليمية ذات نفوذ ممتد من أسيا الصغرى إلى بعض دول المنطقة العربية (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ) وهي الأخرى في طريقها إلى امتلاك السلاح النووي للمحافظة على مصالحها وتوسيع دائرة هذه المصالح . وفي منافسة المشروع الأمريكي الإسرائيلي المهيمن , والمشروع التركي الجديد الذي يسعى إلى الدخول في المنطقة بهدف تحسين شروط موقعة في حلف الأطلسي والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لاحقا . في ظل غياب مشروع عربي استراتيجي ناهض . وبالتالي ستبقى هذه المنطقة من العالم بؤرة توتر مشتعلة إلى حين ظهور مشروع عربي قادر على فرض ذاته ومصالحه على الساحة الدولية . وهذا ما نتطلع أليه من خلال الثورات العربية , وما استشعرته وتعمل على إحباطه القوى الرأسمالية الدولية المتصهينة , والإقليمية الأمريكية الإسرائيلية المتحالفة مع أنظمة التخلف العربية .
صحيح أن الولايات المتحدة كانت من أسرع الدول التي استطاعت أن تخفف من الآثار السلبية العامة للازمة المالية على المجتمع الأمريكي , بوصفها نواة مركز النظام الرأسمالي العالمي , مقارنة بباقي بلدان هذا النظام . ألا أن لم يكن بالقدر الكافي لها , كي ترمم قوة حضورها التي ترهلت في الساحة الدولية . رغم أن الرئيس باراك اوباما , اتخذ تدابير اقتصادية ذات طابع اشتراكي في معالجة الأزمة . سمحت للدولة بالتدخل في العملية الاقتصادية من خلال شراء حصص المساهمين , او بالمشاركة في رؤوس أموال بعض المؤسسات المنهارة . إضافة إلى فرض قوانين جديدة , تهدف إلى توسيع دائرة الضمان الاجتماعي والتامين الصحي .
في أثناء هذا كله , تمكنت قوى اليسار واليسار الوسط في دول أمريكا ألاتينية من الوصول إلى السلطة وانتهاج سياسات على المستوى الداخلي والخارجي مناهضة للولايات المتحدة , معتمدة على قدراتها الاقتصادية الذاتية وعلى تحالفاتها الدولية مع القوى الاقتصادية الكبرى الناهضة ( الصين وروسيا والهند ) . وتشير الدلائل إلى إن هذه الدول ماضية بهذا التوجه دون رجعة , نحو تعزيز استقلالها السياسي والاقتصادي بعيدا عن هيمنة الاحتكارات المعولمة , في مناطق كانت بمثابة حديقته الخلفية . مما يعني تقلص وتراجع النفوذ الأمريكي , والاحتكارات المعولمة خلال السنوات القادمة , أمام الاحتكارات الوطنية المحلية والدولية الصينية والروسية وبدرجة اقل الكوبية والفيتنامية .
كما شكل ظهور الصين كقوة اقتصادية عملاقة عالميا , تحدي أخر أمام النظام الرأسمالي , وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية . صاحبة النفوذ الأكبر عالميا والأكثر تراجعا , أمام تقدم النفوذ الصيني والروسي والبرازيلي . واتساع مساحة التعاون المشترك مع دول مركز الاتحاد الأوروبي . وازدياد نسبة الاستثمارات التي وصلت إلى معدلات عالية وغير مسبوقة في دول تخوم هذا الاتحاد . تفوق المعدلات الأمريكية وتنافس بقوة شديدة الألمانية . مما اقلق ألمانيا وأثار مخاوفها . وانعكس على العلاقة البينية وبشكل خاص مع روسيا . صاحبة الاستثمارات الأكبر في أوروبا , في مجالي الطاقة والغاز . هذا بدا واضحا في الأيام الأخيرة من خلال الضغط الألماني على قبرص بعدم بيع بعض بنوكها العاملة إلى روسيا , وحثها على اتخاذ تدابير اشتراكية في معالجتها للازمتها المالية . ألحقت خسائر بالاستثمارات الروسية تقدر بحوالي 5, 3 مليار دولار . مما دفع الرئيس الروسي ( بوتين ) قبل أسابيع قليلة إلى نشر قواته في البحر المتوسط . بدا ذلك وكأن الأمر متعلق بالصراع في سوريا , في حين كانت في الجوهر لفت نظر إلى قبرص .
أن اشتداد المنافسة الاقتصادية بين الاحتكارات الرأسمالية المعولمة ومجموعة الدول الناهضة ذات الاحتكارات الوطنية القائمة على المشاركة بين القطاع العام والخاص .هي في طريقها إلى التصعيد المتزايد . مما دفع هذه الدول إلى الإتلاف في أطار دولي قادر على حماية مصالحهم المشتركة , وعلى الصمود والمواجهة . خاصة وان بعض هذه الدول صاحبة حضور اقتصادي فقط على الساحة الدولية وليست بذات الحضور سياسيا وعسكريا مثل الصين , او روسيا صاحبة الحضور العسكري والسياسي واقل من الصين في المجال الاقتصادي . حيث قد تم ذلك تحت مسمى مجموعة دول البركس . ومن خلاله ظهرت هذه القوى أكثر ثباتا وحزما وذات مواقف موحدة اتجاه الأزمة السورية الراهنة , والصراع الإيراني الغربي .
وعليه نستطيع القول, بان ساحة العلاقات السياسية الدولية الراهنة . باتت منفتحة على ممكنات عديدة وعلى احتمالات متناقضة . في ظل ترهل الدور الأمريكي وتراجعه على المستوى الدولي , وفشل دول الاتحاد الأوروبي في تعزيز بنيته , وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط
واتساع دائرة النزعات المتطرفة الدينية والعرقية في القارات الخمسة . وتعدد وتنوع القوى السياسية الساعية إلى لعب ادوار إقليمية ودولية . يعتمد حجمها وفعاليتها على الإمكانيات الكامنة في كل قوى وعلى متانة برامجها وتحالفاتها . كل هذه تؤكد بان مسلسل الصراعات والنزعات سيستمر خلال السنوات القادمة وسوف يكون هناك ضمور لبعض القوى السياسية العالمية وصعود لقوى أخرى بديلة , لا يمكن التنبؤ بها . وان كانت الدلائل تشير إلى أن المستقبل سيكون لصاح الصين و روسيا والهند من جانب والى ألمانيا من جانب اخر , والى البرازيل وفنزويلا على صعيد القارة الأمريكية , والى نيجيريا وجنوب أفريقيا في القارة الأفريقية . كما وسيتعاظم الدور الإيراني في المنطقة .



#عزمي_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألهث بين الخبز والحياة


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزمي موسى - الصراعات الدولية واتجاه حركة التغير