أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - حِكْمَة شَهْرَزَادْ














المزيد.....

حِكْمَة شَهْرَزَادْ


خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)


الحوار المتمدن-العدد: 4079 - 2013 / 5 / 1 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


غدا الملك كهلا وتلبسته أمراض الشيخوخة , تراه دائم المكوث في الفراش , وشهرزاد أيضا غدت في سن الشيخوخة ومازالت تلقي على الملك المِلحاح حكايات تواسيه قبل النوم . إلا أن الزمن تغير واختفت العداوات فاتخذ الملك منها الزوجة الوحيدة وحسب قوانين الطلعة والنزلة في التاريخ, كان الملك في نزلته ولذلك أصبح وحيدا دون وزراء ودون خدم أو حشم . شهرزاد قرب الموقد تربعت، وهموم الدنيا جميعا حولها لملمت. ولأنّ الحياة لا تتوقف، وعلى الجميع أن يستمروا سواء كانوا سعداء أم تعساء , كان على شهرزاد أن تتكيف وأن تزاول حياتها دون تذمر. ولذلك حافظت على هواية القصّ كي تطرد شبح الهم عنها وعن زوجها الذي يلازم الفراش , فهي بتلك الحكايات تبتعد عن واقع مأساوي . وبعد أن تعشت مع الزوج قررت أن تروي له حكاية قبل النوم فتنحنحت ثم بدأت:
- كان ياما كان يا قديم الزمان .. كان هناك بلدة تكثر فيها الخيرات واستعاد شعبها أن يأكل ما يزرع والناس في محبة ووئام . وتقلبت الأيام والأزمان فتغيرت الحال والأحوال واستفحل الجوع بينهم وجفت المحبة في شرايينهم، وملأت البغضاء عروقهم، وغدت الأنانيات منهجاً، والعداوات مطلباً. وتغيرت الأخلاق، فأصبحوا يدعون المُستغل إنساناً ذكياً، والمجرم قوياً وشجاعاً، والمنافق حذقاً، واللطيف ساذجاً، والمحب ضعيفاً. فنظر إليها زوجها وقد اعتراه الملل وقال:
- احكِ قصة غير هذه، ودون مقدمات غير لازمة. فصمتت شهرزاد عن الكلام هنيهة تفكر في حكاية فيها عبرة فقالت :
- في عصر ما، كان هناك سجّان، بنى سجناً كبيراً وواسعاً، ووضع أغلب الناس فيه، والمساجين أصبحوا فقراء وتعساء ، وقد أدخلوا السجن ليس لذنب اقترفوه بل تلذذا بتعذيبهم وحباً بقهرهم. هم انتظروا صابرين ورفعوا أيديهم إلى السماء ساجدين، بأن يخلصهم من السجن والسجان. وفي اليوم الموعود والمكان المحدود ، دخل غاز البلاد، وظل يضرب بمنجنيقه المدينة حتى هوت جدرانها وتحطمت أعمدتها. وكان من بينها حيطان السجن. فهرب المساجين إلى البراري ، وتوزعوا في كل حدب وصوب. وعندما أمسك الغازي بالسجان ، لم يدافع عنه أحد ولم يهتم لأمره مخلوق. فشنقوا السجان، وقالوا : ليكن عبرة لكم يا أهل البلاد.
لكن عندما سألوا أحد المساجين القدماء عن الفرار من السجن وترك الغازي يصول ويجول؟ رد بلسان المساجين جميعاً : " كيف ندافع عن السجّان الذي وضعنا في السجن ظلماً وسحقنا طوال عمرنا سحقاً. فمن في الدنيا يملك عقلا ويقاتل من أجل سجن وسجّان!" فقالوا له : أليست هذه خيانة؟ فرد وكأنه مدرب على الردود : " من يأتِ بالدب إلى كرمه، يجب أن يعرف مصير العنب." وهنا سأل شهريار وكأنه لم يفهم الحكاية:
- وما الذي أتى بالغازي إلى البلاد؟ أهو نفط أم تخليص العباد من السجن ونشر قيم العدل والمساواة؟ . تنهدت شهرزاد طويلاً قبل أن تجيب :
- هل سمعت في عمرك كله أن الغازي يهتم لعدل أو مساواة! وهل سمعت أو قرأت خلال التاريخ كله ، أن الغازي للبلاد يهتم بالفقراء وتخليصهم من الفاقة والعوز.
فقال شهريار :
- وماذا حصل بعد ذلك؟
فردت الزوجة:
- تماماً كما يحصل في كل التاريخ ، يأخذ الغازي كل ما تملكه البلاد ويتركها ركاماً وأنقاضاً.
وصمت الزوج طويلاً، ظنت شهرزاد أنه قد نام . وعندما قامت تتفقد الفراش وجدته ينظر في الفراغ . فسألته عما يقلقه؟ فرد وهو مازال في شروده :
- كأنك تعنينني في هذه الحكاية يا شهرزاد، فوالله كل كلمة فيها عبرة تريدين من خلالها أن تصلحي فيّ شيئاً. وأن تقييمي بها اعوجاجاً . الآن أدرك يا شهرزاد أن كل حكاياتك السابقة كانت عبرة لي ولغيري. فقالت شهرزاد بحنو وعطف على زوجها :
- والله يا زوجي العزيز، الذكي من اعتبر بغيره والأرعن من وقع في الحفرة مرتين. ليس في الدنيا أجمل من العدل والرحمة . والقوة ليست من أجل أن تسحق ، ولكن من أجل أن ترحم من هو أضعف. والمِلكُ لا يدوم لأحد، فلو دام لغيرك ما وصل إليك. والعاقل من صحح هفواته بنفسه، ومن ارتدع بغيره .
استقام شهريار في جلسته وقال متفكراً:
- لقد قررت أن أتجول بين الناس كواحد منهم. وأن أترك الفِراش والمُلكَ فإني مللت نفسي بهذه القيود، وإني لأدعو الله أن يسامحني على ما ارتكبت من آثام بحق العباد . فأحب إلي أن أكون من الزهّاد وأترك آثامي في هذا العرش الزائل. وأهيم بين الناس أطلب السماح والغفران.
وعندئذ، سارت شهرزاد إليه وقالت :
- وأنا معك أيضاً يا ملك الزمان..
تشرين ثاني –13 – 2008
------------------------------------------------------
ملاحظة: تنشر هذه القصة لأول مرة



#خليل_الشيخة (هاشتاغ)       Kalil_Chikha#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغندورة
- قراءة في كتاب الكافرة
- رموز الحكاية الشعبية
- ظروف تعيسة
- عقدة السلطة عند كافكا
- الروائي ابراهيم الكوني واسقاطات الحكمة في روايته الاخيرة
- تجذير الحوار في موقع الحوار المتمدن
- مابعد سليلو
- ذئاب بلا أنياب
- القاص خليل الشيخة للكاتب عيسى اسماعيل
- موت بائع متجول للكاتبة الأمريكية يودورا ويلتي
- الرحيل
- إصدار المجموعة المترجمة (رسالة إلى السماء)
- من أجل غرين كارد
- إصدار غابة الذئاب - تعليق خليل السواحري
- نفاق
- علم تحليل الشخصية - الشخصية اليقظة
- من العم توم الى باراك اوباما
- قراءة في كتاب (الرقيق) – ميندي نزار *
- إصدار كتاب إنطباعات الزمن الفائت


المزيد.....




- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...
- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خليل الشيخة - حِكْمَة شَهْرَزَادْ