أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - في الرد على د. عدنان إبراهيم - 1















المزيد.....

في الرد على د. عدنان إبراهيم - 1


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 3974 - 2013 / 1 / 16 - 07:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ظهرت على موقع اليوتيوب سلسلة مقاطع للدكتور المُجتهد عدنان إبراهيم حملت اسم (مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد) يُناقش فيها الدكتور حجج الإلحاد ويُحول تفنيدها، والحقيقة أنَّ الدكتور عدنان إبراهيم يمتلك المعرفة والثقافة الكافيتين لتُؤهله لخوض مُناقشة مثل هذا الأمر، وذلك من واقع مقاطع عديدة شاهدتها له، فالرجل مُطلِّعٌ وعلى درايةٍ جيّدة بالعلوم والفلسفات وحتى على دراية بما يُسمّى بالعلوم الدينية إلى حدّ كبير، لأنِّي لا أعتقد أنَّ ثمّة شيئًا يُسمى بالعلوم الدينية، فهي لا تمت للعلم التجريبي التطبيقي بأيّ صلّة، إلّا إذا استثنينا علم التجويد والذي أراه أقرب ما يكون إلى علم الأصوات Phonetics أو كأنها أحد تطبيقاتها. ولكن توقفتُ عند اختيار الدكتور عدنان لهذا العنوان لسلسلته، فاختياره لعبارة "زجاج الإلحاد" فيه دلالة على هشاشة الفكر الإلحادي، ولا أدري ما الداعي لاستخدام "مطرقة" لكسر الزجاج، إلّا أن يكون الأمر من نوع تفخيم البرهان في مقابل تبخيس البرهان المُقابل، وهو شيء لا نملك أن نناقشه، لأنّه مما يقع في خانة (وجهة النظر) التي لابد أن تُحترم. وفي اعتقادي، قد أخطأ الدكتور عدنان إبراهيم في منهج البحث حول هذه المسألة تنازليًا، أعني بدء البحث من فكرة الإله الخالق نزولًا إلى البحث عن صحّة الأديان، لأن فكرة الخالق هي في أساسها فكرة ميتافيزيقية تعتبر من الغيبيات، ولا أحد يمتلك "أدلة" قاطعةً حولها، سواءٌ من المؤمنين أو من المُلحدين، ولا يُمكن التدليل على الأمور الميتافيزيقية، وهو ما أشار إليه الدكتور عدنان نفسه في المقطع الثالث عندما أكّد على عدم إمكانية البرهنة على الإيمان بشكل كُلِّي، فليس هنالك "دليل" قاطع يُمكن أن يُقدّم على إمكانية البعث والحساب مثلًا، فهذه من الغيبيات. عمومًا سأحاول في هذا المقال، والذي أعتقد أنّه سيكون مقالًا مطولًا، سأحاول مُناقشة ما جاء في سلسلة الدكتور عدنان إبراهيم وتفنيد ما تعرّض له نقطة نقطة قدر الإمكان.

في المقاطع الأولى لسلسلته تطرَّق الدكتور عدنان إبراهيم إلى آراء الفلاسفة والمُفكرين القدامى والمُحدثين حول الإلحاد وتعريفاته، والحقيقة أنَّ الإلحاد ليس له تعريف واضحٌ ومُحدد يُمكن الركون إليه بقناعةٍ كاملةٍ، وهو ما يجعل مُناقشة قضايا الإلحاد صعبةً للغاية، وأعتقد أنَّ الدكتور عدنان إبراهيم أخطأ، كغيره، في وضع اللبنة الأساسية في مُناقشة الإلحاد، حيث عرَّف الإلحاد على أنّه (إنكارٌ لوجود إله) أو (الإيمان بعدم وجود إله) وهو ما استقر عليه رأيّه من مُجمل التعريفات التي ساقها، وهذه واحدة من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون عند محاولتهم لمُناقشة الإلحاد، فالواقع أنَّ الإلحاد لا يعني أبدًا إنكارًا لوجود إله، ولا حتى الإيمان بعدم وجوده. ولكي نفهم الأمر بشيء من التبسيط، فإنه يتوجب علينا أولًا أن نعرف (ما هو الإيمان؟) حتى نستطيع فهم الإلحاد بطريقة هي الأقرب إلى الصحّة والصواب، فالإيمان هو اليقين الكامل، والقناعة الكاملة بوجود إله، فإن كان هذا التعريف صحيحًا، فإنَّ عكسه هو الإلحاد، ولكننا نخفق غالبًا في تحديد عكس الإيمان؛ فما هو عكس الإيمان بشيء؟ إنَّ عكس الإيمان بالشيء هو عدم الإيمان به، وليس الإيمان بعدمه، لأنَّ عكس الإيمان هو عدم الإيمان وهو اللايقين أو اللاقناعة وهو ما يعني التشكيك، فعكس المُتيّقن هو المُتشكك، وعلى هذا فإن اللاأدريين والذين يُعتبرون في نظر كثير من المُؤمنين مُتشككين في وجود أو عدم وجود الإله، هم في الحقيقة مُلحدون بالنسبة إليّهم، لأنَّ الإيمان بالإله حسب المفهوم الديني يتطلب اليقين الكامل، وهو ما لا يتوفر إلّا عند المُؤمنين.

عندما أقول: "أنا أؤمن بقدرتي على تحقيق النصر." فإنّ عكس هذه الجُملة تمامًا، هو: "أنا لا أؤمن بقدرتي على تحقيق النصر." ولكنها ليست متساوية بأيِّ حالٍ من الأحوال لقولي: "أنا أؤمن بعدم قدرتي على تحقيق النصر." لماذا؟ لأنَّ الإيمان بعدم القدرة ينفي القدّرة، بينما عدم الإيمان بالقدرة، لا ينفيها، وإنما يضع تشككات حول كفاءة هذه القدرة على تحقيق النصر. فصاحب الجُملة الأولى مُتشكك في قدرته على تحقيق النصر، بينما صاحب الجُملة الثانية متأكد من عدم قدرته على تحقيق النصر. والأمر ذاته ينطبق على مسألة الإلحاد، فعندما نقول إنَّ الإلحاد هو (الإيمان بعدم وجود إله) فهذا نفي قاطع يتطلب دليلًا قاطعًا، وهو ما لا يمتلكه أيّ مُلحد، ومثله الإيمان بوجود إله، فهي جُملة قاطعة تتطلَّب دليلًا قاطعًا، وهو ما لا يمتلكه المُؤمن، وسوف نرى خلال هذا المقال أنََّ ما أورده الدكتور عدنان إبراهيم لا يُمكن أن تكون "أدلة" بأيّ حالٍ من الأحوال، على أنَّه من الهام جدًا أن نفهم أنَّ هذه التشكيكية مُختصَّةٌ بالإله الخالق، وليس بالأرباب الدينية أو التصوّرات الدينية عن الإله، وهو ما يُمكن أن نقدّم له حججًا وأدلة قوية وقاطعة، إلّا أن يقف الإيمان حائلًا دون تصديقها والقبول بها، وسيأتي الكلام عن ذلك في وقته وحينه.

إذن فالإلحاد هو (عدم الإيمان بوجود إله) وبمعنى آخر (هو التشكيك في وجود إله) ومن الممكن لأيَّ شخص يمتلك حصافةً لغوية وفلسفية أن يعي تمامًا الفارق الكبير بين التعريفين الذين أوردتهما والتعريفين اللذين أوردهما الدكتور عدنان إبراهيم، لأنَّ قضية وجود أو عدم وجود إله خالق هي قضية غيبية بالكامل، وبالتالي لا يُوجد مُلحد على وجه الأرض مًتيقن تمامًا من عدم وجوده، كما أنّه لا يوجد مؤمن واحد على وجه الأرض مُتيقن تمامًا من وجوده، ولقد ناقشتُ هذا الأمر في مقالٍ سابقٍ لي بعنوان (خطوات مادية نحو تفكيك الإيمان) ووصلتُ في ذلك المقال إلى خلاصة مُفادها أنّ الإيمان، كما أعرفه وكما أرتضيه، هو مُجرّد إحساس قوي بوجود إله، أو بضرورة وجوده، ولكن لا توجد أدلة قاطعة على هذا الإحساس، وهو ما تطرّق إليه الدكتور عدنان إبراهيم في المقطع الثالث عندما أشار إلى مسألة (الحدس) أو ما أسماه بنور القلب وعلاقته بالإيمان، وكذلك في المقطع الأول من سلسلته عندما تكلّم عن "المُعلل" و "المُدلل" فإيمان المُؤمنين هو إيمان مُعلل؛ إذ أنّه يقوم على "عوامل" لا على "أدلة"، وهو عندما تكلّم عن ذلك كان يقصد تمامًا القول بأنّ إلحاد المُلحدين هو مُعلل، وضمنيًا أراد القول بأنّ إيمان المؤمنين فقط هو المُدلل. فماذا يعني لنا الدليل؟ ما هي فكرة الدليل؟

عندما يشك أحدنا في صحّة نسبه إلى أبيه، فإننا يُمكن أن نعتمد على عوامل أو حجج كثيرة: التشابه في الشكل، التشابه في بعض السلوكيات، وبصورة عامة التشابهات أو التقاطعات بين السمات العامة والخاصة بين الابن وأبيه، ولكن هل يُمكن اعتبار هذه التشابهات دليلًا قاطعًا على صحّة نسب الابن لأبيه؟ هل يُمكن أن يكون ذلك من النوع المُعلل أم المُدلل؟ في نظري فإنني أعتبر ذلك من قبيل المُعلل، حتى وإنّ كانت تقترب إلى الصحّة، كأن يكون الابن مُشابهًا لوالده في طريقة مشيه، وطريقة أكله، وحتى في طريقة نومه، ومُشابهًا له في ميوله واهتماماته، وبقدر ما أنَّ هذه التشابهات تحمل نتائج استدلالية يُمكن الاعتماد عليها في صحّة النسب؛ إلّا أنّها تظل في النهاية مُجرّد استنباطات لا تحل محل الحقيقة مطلقًا، بدليل تشابه كثير من البشر حتى دون أن تكون بينهم أيّ صلة قرابة، ومن هنا جاء المثل الشعبي السائد "يخلق من الشبه أربعين" والأمر هنا لا يقتصر على التشابهات الشكلية؛ بل يتعداه إلى التشابه في طريقة الكلام والضحك وفي الميول والاهتمامات وغيرها كثير، في حين أنّ نتيجة فحص الحمض النووي DNA مثلًا هو ما قد يُعتبر "دليلًا" على صحّة أو عدم صحّة النسب، وهو الوحيد الذي يُمكن أن نقول إنه مُدلل، فهو دليل قاطع، ولابد أنّ القارئ الكريم قد وقف على الفارق الجوهري الكبير بين المُعلل والمُدلل بين العمليتين، فالمُعلل هنا يقوم على استنتاجات استنباطية، والاستنباط في حدّ ذاته ليس دليلًا، ولكنها قد تكون إشارات تقريبية، فالتشابهات بين الابن والأب سوف تفقد أيّ قيمة استدلالية لها في حال كانت نتيجة فحص الحمض النووي سلبية، ولكنها قد تكون تعضيدية في حال كانت نتيجة فحص الحمض النووي إيجابية، وفي هذه الحالة فإن "الدليل" لا يحتاج إيَّ استنتاجات تعضيدية، بينما "الاستنباط" يظل دائًما بحاجة إلى دليل يُؤكد صحّتها.

عمومًا .. تطرَّق الدكتور عدنان إبراهيم إلى مقولة سيجموند فرويد التي حاول بها التدليل على أنّ فكرة الإله هي فكرة بشرية من اختراع الإنسان البدائي، وشمل هذه المقولة بنبرة من السُخرية، ثمّ أعقبها برد المُفكِّر المُسلم علي عزت بيجوفيتش (أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك بعد الحرب) بتساؤل أعتبره منطقيًا ومُفحمًا: "إذن فلماذا ظل الناس يخلقون آلهاتهم حتى في عصور العلم؟" وكانت النتيجة التي أراد الدكتور عدنان إبراهيم الوصول إليها في الرد على مقولة سيجموند فرويد: لا يُمكن أن يكون استنتاج فرويد صحيحًا، لأنّه إذا كان الإنسان البدائي هو الذي اخترع فكرة الإله بسبب جهله، فلماذا يُصر كثير من الناس، حتى في عصور العلم على الإيمان بآلهات؟ وهو تساؤل يُذكرني، بطريقةٍ أو بأخرى، بتساؤلات البعض، في معرض انتقادهم لنظرية التطور: "ولماذا لم تتطوّر القردة الحديثة لتصبح إنسانًا؟"(!) وخلال ذلك قام الدكتور عدنان إبراهيم بعرض إحصائيات حاول التدليل بها على وفرة المُؤمنين في مقابل ندرة المُلحدين، ولم يكن دقيقًا في إحصائياته، لأسباب كثيرة، فآخر الإحصائيات تُؤكد على أنّ عدد المُلحدين بلغ المليار نسمة تقريبًا، حسب إحصائية نشرتها قناة العربية الإخبارية، والعدد قد يكون أكبر من ذلك بكثير؛ لاسيما إن وضعنا في اعتبارنا صعوبة حصر عدد المُلحدين لأسباب كثيرة جدًا، معظمها مُتعلق بصعوبة تصريح المُلحدين عن إلحادهم إمَّا لاعتبارات اجتماعية أو سياسية أو دينية، فالمُلحدون؛ لاسيما في الدول الإسلامية أو العربية، يعانون من اضطهاد لا يُمكن أن ينكره أحد، وليس من السهولة أن يصرح الملحد بإلحاده في دولة إسلامية مثلًا، وهذا يجعل أمر حصر عدد الملحدين حول العالم في غاية الصعوبة، وبالتالي فإنَّه يتم احتساب عدد كبير من المُلحدين على أنّهم مسلمين أو مسيحيين، في حين أنهم ليسوا كذلك، دون أن ننسى كذلك المُلحدين الذين لا يهتمون كثيرًا بمسألة التصريح بقناعاتهم الإلحادية لموقفهم الشخصي الخاص من هذه المسألة، لأنَّ ثمّة عددًا وافرًا من المُلحدين يعتقدون بأنَّ الإلحاد مسألة شخصية لا يجب السؤال أو الكشف عنه، فهم غير مُهتمين بذلك على الإطلاق.

على أنّ فكرة الاعتماد على الإحصائيات لا يعني أيّ شيء على الإطلاق، فحتى ولو كانت الإحصائيات التي اعتمد عليها الدكتور عدنان إبراهيم صحيحة (2.5%) فإن هذا لا يُمكن أن يعتبر دليلًا يُستند إليه في صحّة الإيمان وعدم صحّة الإلحاد، ففي الوقت الذي كانت فيه جميع البشرية مُؤمنة بأنَّ الأرض ثابتة وبأنها مركز الكون، وبأنَّ الشمس والقمر يدوران حولها، كان هنالك قلّة (يُعدّون على أصابع اليد الواحدة) تعتقد بعكس ذلك، وفي نهاية الأمر اتضح أنَّ هؤلاء القلّة القليلة جدّا هم من كانوا على صواب.

وإذا نظرنا لمسألة (لماذا ظل الناس يعتقدون بالآلهات حتى في عصور العلم) فإننا سنجد تجاهلًا واضحًا إلى الاضطرادية التي تتزامن بين تقدّم العلوم وزيادة عدد المُلحدين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإننا ننسى تأثير العُرف والسائد على البشرية، لأنَّ الأديان تحوّلت من مُجرّد ثقافة إلى هويَّة في كثير من البلدان، فيُصبح عندها التخلّص من الأديان مساويًا إلى التخلّص من الهوية والانسلاخ عنها، وهو أمر يصعب على كثيرين احتماله أو حتى مُجاراته، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ولا يرغب في الشعور بأنه مُنعزل عن مجتمعه، ومخالف لهم. ومن ناحيةٍ أخرى كذلك، فإنَّ سطوة العُرف المُمتد إلى عشرات الآلاف من السنوات لا يُمكن أن يتوقع إزالته بقفزة واحدة، مهما كانت تلك القفزة قوية ومُؤثرة، وإنما يتطلب الأمر وقتًا طويلًا، ربما بقدر ما أخذت فكرة الإله بالنضوج والترسخ في الأذهان، ولهذا فإننا نجد في كثير من الدول التي تسود فيها ثقافة ختان الإناث تأثير هذه الثقافة ذات الجذور التاريخية العميقة، رغم الجهود الكبيرة التي تقوم بها بعض منظمات المجتمع المدني والهيئات والمنظمات الدولية في توعية الناس بمخاطر هذه العادة، وسعيهم الحثيث لإزالتها، فلا نتوقع أن تزول هذه العادة السيئة بين عشية أو ضحاها لمّجرَّد أنَّ مجموعة من النساء المُستنيرات أقمن مُؤتمرًا أو مُؤتمرين أو حتى عشرين مُؤتمرًا لمحاربة هذه العادة والتوعية بمخاطرها، فبالتأكيد سوف تظل هذه العادة موجودة، ولكنها حتمًا ستختفي بالتدريج، ربما بذات التدريج الذي تطلبه نشوء هذه العادة منذ البداية.

وكما أخطأ الدكتور عدنان إبراهيم في تعريف الإلحاد، وهو خطأ يقوم عليه مُجمل دفوعاته التالية، فقد أخطأ كذلك في اعتبار أنَّ الإلحاد عبارة عن مذاهب ومدارس كثيرة ومُتعددة، وكثيرون يعتقدون أنَّ صعوبة وضع تعريف محدد للإلحاد ناجمة في أساسها من تطوّر الإلحاد عبر الزمن سواء بتطوّر مفهوم الإله، أو حتى بتطوّر العلوم، وهذا الأمر غير دقيق على الإطلاق، فالإلحاد ليس مدرسة فكرية أو مذهب فكري، بل هو موقف فكري، وعلى هذا فهي مواقف فكرية متعددة، وليست مدارس أو مذاهب فكرية متعددية، لأنَّ الإلحاد في أساسه هو ضدّ المذهبية وضد الأدلجة الفكرية، لأنَّه ضدّ القداسة والتقديس بجميع أشكاله، وهو جانب مهم جدًا لا ينتبه إليه حتى كثير من الملاحدة، وربما أشرتُ إلى شيء من هذا في مقالي (مقاربات نحو مفهوم الإلحاد) وما عرفته البشرية عبر العصور والأزمنة من مظاهر إلحادية يكون في الغالب من قبيل الصراع الأيديولوجي الإقصائي، فالمُؤمنون على الدوام اعتادوا وصم مخالفيهم في العقيدة بأنهم "ملاحدة" ولكن هذا الوصم لم يكن يعني الإلحاد كموقف فكري، بقدر ما كان يعني كموقف معارض، ولهذا فإنهم لم يكونوا يُفرّقون بين مصطلحات مثل: مُلحد، زنديق، مُهرطق، مُجدّف، ومن بين هؤلاء من كانت لديهم نزعات إيمانية في الأصل، ولهذا فإن الخلط حدث في أساسه من إطلاق النعوت الخاطئة على المعارضين والمخالفين، فالإلحاد ليس هرطقة ولا تجديف ولا زندقة إلّا من وجهات النظر الإيمانية، ومن الظلم أن نجعل الإيمان قيّمًا على الإلحاد؛ لاسيما وأنهما يقفان على موقف النقيض والضد، ففي حين أنّ الإيمان هو اليقين (من وجهة نظر المؤمنين) فإنَّ الإلحاد هو (اللايقين)، ولكنه لا يُمكن أن يكون (يقينًا مُضادًا)، وهذا التفريق هام جدًا في أيّ محاولة لتناول الإلحاد ونقده.

الأمر أشبه بأن تكون مُعارضًا لنظام حكومي ما، وفي الوقت ذاته ألا تكون منتميًا أيديولوجيًا إلى حزب مُعارض. فأنا قد أرفض النظام، ولكن رفض النظام (رغم أنّه يضعني مباشرة في خانة "المُعارضة") إلّا أنّ ذلك لا يعني بالضرورة انتمائي إلى حزب معارض بعينه، فأكون عندها إنسانًا صاحب (موقف سياسي) ولا أفهم أيّ سبب يجعلني مُؤدلجًا حسب هذا التعريف. فالإلحاد موقف فكري، وهذه ليست أيديولوجيا حتى تكون لها مذاهب ومدارس؛ حسب المفهوم المعرفي والأكاديمي؛ بل هي مجموعة من المواقف، تمامًا كما قد يكون هنالك اختلافات في المواقف السياسية، فهنالك إنسان يرفض النظام ولكنه يرفض التغيير العسكري الدموي، وهنالك آخر يرى أنَّ إسقاط النظام بالطرق العسكرية هو الوسيلة الأنجع، وآخر يرفض النظام ولكنه يرى بضرورة إصلاحات داخل النظام نفسه ووو إلخ، فهي كلّها مواقف سياسية لا يجب أن تعني الأدلجة أو الانتماء لحزب بعينه.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين موت المسيح وقيامته
- تفسيرٌ غير مُقدَّس لنصٍ مُقدَّس
- تأملات في العقيدة المسيحية
- عن المسيحية والبالتوك - 6
- عن المسيحية والبالتوك - 5
- عن المسيحية والبالتوك - 4
- عن المسيحية والبالتوك - 3
- عن المسيحية والبالتوك - 2
- عن المسيحية والبالتوك - 1
- لماذا الله غير موجود؟
- في نقد شعار: الإسلام هو الحل
- المادية التاريخية للجنس – 3
- المادية التاريخية للجنس – 2
- المادية التاريخية للجنس - 1
- عنّ ما حدِّش حوَّش
- نقد العبث اليومي(*)
- تهافت رهان باسكال(*)
- خطوطات مادية نحو تفكيك الإيمان
- يوم مهم
- تأملات مشروعة 2


المزيد.....




- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...
- اسلامي: نعمل على كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العالقة بي ...
- اللواء سلامي: اذا تخلى المسلمون عن الجهاد فإنهم سيعيشون أذلا ...
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- اللواء سلامي: نحن المسلمون في سفينة واحدة ويرتبط بعضنا بالآخ ...
- اللواء سلامي: إذا سيطر العدو على بقعة إسلامية فإنه سيتمدد إل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - في الرد على د. عدنان إبراهيم - 1