أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - ام احمد














المزيد.....

ام احمد


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 13:47
المحور: الادب والفن
    


هذه أول مهمة لضابط الأمن معتصم ولكن من كان يظن أنها ستكون الأخيرة،ظل منذ نعومة أظافره مغرم بالعمل في الشرطة التي تقاعد منها والده الراحل منذ أمد بعيد،بعد حفل التخرج البهيج في إستاد الخرطوم والزى الأخضر والنجوم الذهبية وجد نفسه قد غادر هذا الزى الرائع الذي حلم به كثيرا بسبب انتدابهم إلى العمل في جهاز الأمن السياسي، لم يخف امتعاضه العميق آن ذاك عندما تم استدعائهم هو ورفاقه العشرة المتفوقين في كلية الشرطة للعمل في الجهاز،لا زالت تطوف بخاطره المجهد والسيارة تنهب به القفار نحو أقصى شمال البلاد في مهمته الجديدة ،ذكرى تلك الليلة الليلاء عندما نعقت أبواق النظام بان هناك محاولة تخريبية جديدة قام بها الحزب اليساري المحظور..وجمعهم رئيسهم في مكتبه الخالي من كل شي وأعطاه مفتاح خزينة وطلب من أن ينزل الأرشيف ويأتيه بأول عشر ملفات في الدولاب على الجانب الأيمن..وعندما احضرها ووضعها أمام الآمر اخذ يقلبها بعدم اكتراث وسحب احدها واطلع عليه باهتمام زائف ثم ناوله له وردد في مسامعه بلهجة مستريبة "هذا أخطرهم،ويجب عليكم توخي الحذر عند اعتقاله"..
تناول الملازم أول معتصم الملف وانصرف..ثم قادته سلسلة التحريات التي قام بها في العاصمة..أن المتهم احمد عبد الجليل..غادر العاصمة منذ أمد بعيد وذهب يقيم في الشمال في قريته البعيدة مع أمه..
*****
وصلت السيارة القرية النائية بعد أن عسعس الليل والمارة من قرويين ينظرون إليها في فضول متوجس، اقتربت من البيت المتهالك وقفز منها الجنود وطوقوا البيت ودفع معتصم الباب ليواجه امرأة عجوز تقبع وحيدة في منتصف الفناء..
- ها قد عدتم مرة أخرى بعد غيبة طويلة تبحثون عن ابني ؟!
- نعم يا والدة ابنك مخرب ومشترك في أعمال تخل بأمن الدولة
أي دولة هذه يا ابني..التي يقوضها شاعر مصاب بالدرن عاد ليقيم مع أمه ورعايتها بعد أن أهملها سنين طوال يطارد في أمل غابت نجومه الحلوة في الأوهام في العاصمة البعيدة .. وأضحى يساعدني في فلاحة الأرض..

- أين ابنك الآن ؟..
- خرج قبل حضوركم ..
- هذا لن يجدي،نحن ننفذ التعليمات..يجب عليك أن تقودينا إليه ؟
- سأقودك إليه.. هيا اذاً..
خرجت أم احمد تمسك بيد معتصم وتجمع الجنود من جديد وانطلقت السيارة المكسوة بالغبار مرة أخرى نحو أطراف البلدة حيث تقف قبة الشيخ ود بليل العتيدة في الظلام ونعيب البوم ونباح الكلاب الممزوج بسعال حاد يتمدد بين القبور..ويتداعى إلى آذانهم..
طوق الجنود المقبرة وصاح معتصم في مكبر الصوت بنبرة تهديد
- اخرج يا احمد..قد انكشف أمركم واعتقل رفاقك وأمك معنا الآن ..
صفعه الصمت المطبق مرة أخرى وبدا التوتر يبدو عليه..أمر جندي بإطلاق نار في الهواء..دوى الرصاص المرعب والغريب على المكان..خرج شبح من خلف قبة الشيخ ود بليل لرجل ناحل طويل يسعل بين الفينة والفينة وطفق يتقدم نحوهم يحمل عصا في يده..اقترب رويداً رويداً ,صعق معتصم وهو يرى رجل مسن جداً، كان حارس المقبرة ، ظل يتقدم نحوهم ببطء ثم أضحى قاب قوسين أو أدنى وحدق في المرأة التي تقف جوارهم..
- أم احمد !! من هؤلاء وماذا يريدون ؟!..
- هؤلاء ماسحي أحذية يا حاج موسى،كلما اهترا حذاء الحكومة الذي تضعه على رؤوسنا جميعا..جاءوا لتلميعه بتدبيج الكذب والترهات..قالوا أنهم يريدون اعتقال ابني احمد..
شهق حارس المقبرة من الدهشة ،وأشار لهم بان يتبعوه دون وجل..وعن كثب ظهرت الحقيقة ، دلهم حارس المقبرة والعجوز المسنة على القبر والشاهد الأبيض ،وجه معتصم المصباح نحوه وقرا(يا أيتها النفس المطمئنة....)..أصيب بغثيان حاد وجلس القرفصاء، كأن هناك خنجر انغرس في خاصرته،خفض الجنود أسلحتهم وتفرقوا في أسى..ظل معتصم يهذي ويبصق ويلعن كل من وما وضعه في هذا الموقف المشين..مطاردة الموتي من خلف القبور"فعلا نحن ماسحي أحذية وشذاذ آفاق وهذا العمل ليس له أدنى علاقة بمهنة ومهنية الأمن"..خنقته العبرات وردد..
- سامحيني يا أم احمد..لم أكن اعرف ..!!
- الله يسامحك يا ولدي...ليته أيضاً يسامحهم
- تبا لهم جميعاً...الأوغاد الملاعين !!..
- عندما مات ولدي منذ خمس سنوات في مستشفي مروي، فرحت جداً..تصور أنا الأم الوحيدة في العالم التي لم تبكي لان ابنها مات ..وأزعجت الممرضين بضحكي حتى ظنوا أنني فقدت عقلي ولم يكن احد أعقل مني أن ذاك..لقد استراح أخيراً..
- الله يرحمه...الله يرحمه
- نعم يا ولدي تعذب ابني كثيراً لا استراح من مداهمات رجال الأمن ولا من المرض العضال حتى بعد تخليه عن الحزب نفسه.. مات وتركني وحيدة ولم يترك لي حتى أحفاد أتسرى بهم,فقط دفاتر وأقلام وأشعار عامية،تحملها وتخفق بها أمواج النيل وتسافر بأجنحة الريح وسجع القماري والطيور و يتغنى بها أهل الشمال هنا وهناك...فيجلون قدري من مدينة كرمة إلى كريمة، أنا سعاد أم الشاعر احمد عبد الجليل ..
- اللهم اجعل الموت راحتاً لنا من كل شر..
- اللهم آمين ..نعم انه كذلك..
*****
في اليوم التالي،كان معتصم قد تغيير والى الأبد بعد أن قضوا ليلتهم في كنف أم احمد وحارس المقبرة ونفر من أهل القرية الذين أفزعهم وجمعهم دوي الرصاص ، ناول الجنود تقريره المرفق بشهادة الوفاة المؤرخة من مستشفى مروي التي أعطتها له أم احمد..ومعها استقالته الداوية "بأنه لن يمسح حذاء احد أبداً ويفضل البقاء مع أم احمد هنا بين النخيل والرمال ،يساعدها في الزراعة ويقرا لها أشعار ابنها الراحل البديعة:
يا أم احمد
دقي المحلب
في توب احمد
احمد غايب
في الركايب
جانا كلب
عيونو حمر
سنونو صفر
حلب الناقة
في الشناقة
تريدي أمك ولى أبوك..

وينتظر النصيب ليملا لها بيتها الغارق في الصمت والأحزان بضجيج الأحفاد ولتذهب الحكومة بسدنتها وأزلامها إلى الجحيم،ماذا يفيد الإنسان إذا ربح العالم وخسر نفسه"...



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاصر..!!
- السودان في متاهته
- رواية ظلمة يائيل...اتكاءة على الماضي واستشراف للمستقبل
- السودان اضحى رجل افريقيا المعاق
- الربيع المصري الى اين ؟!!
- سيرة مدينة:ملالا الباكستانية وسكينة السودانية
- انتخابات امريكا والطريق الطويل الى الامم الحرة
- التصالح مع الهوية السودانية هو مفتاح العبور للقرن21
- الاخوان المسلمين ومازق الشريعة في السودان
- احتضار الراسمالية الاحتكارية
- الازمة الفكرية للربيع العربي
- اذا كانت فضائية الجزيرة تحترم السودانيين حقا !!
- صدام ثيران البايسون
- السودان والطريق الطويل الى الديموقراطية
- هل ابتدا سباق المسافات الطويلة في مصر؟؟
- الحرب الباردة الجديدة
- الدكتور شاكر خصباك من رواد الليبرالية العربية
- هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد
- مجموعة قصصية :خيال مآتة برتبة جنرال
- آفاق المرأة والحركة النسوية بعد الثورات العربية


المزيد.....




- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - ام احمد