عامل شيوعي يعلق بيانات ليلة عيد الميلاد

صادق البلادي

الحوار المتمدن-العدد: 3951 - 2012 / 12 / 24 - 22:15
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    

المؤرخ الماركسي إريك هوبسباوم أطلق على القرن الماضي صفة " القرن القصير"، معتبرا ثورة اكتوبر الإشتراكية هي بدايته، وإنهيار جدار برلين، الذي بات رمزا لأنهيار المعسكر الإستراكي نهاية للقرن المنصرم.وارتبطت الثورة البلشفية باسم لينين، ملهم الثورة ، ومنظمها و قائدها.وقد كتب أحد المؤرخين الروس بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي أنه لا غرابة أن أصبح لينين هو قائد الثورة، فما كان يفعل شيئأ في حياته إلا من أجل تقريب الثورة الإشتراكية، وحتى ماكان يحلم إلا بالثورة الإشتراكية. فارتبطت الثورة البلشفية باسم لينين ، فهوكان مؤسس الحزب وقائد الثورة.
و في العراق تميز القرن العشرون، خاصة من الثلاثينات حتى أواخر السبعينات، بدور الحزب الشيوعي العراقي ، الذي كان له القسط الأوفر في حركة التنوير، فباتت الثقافة العراقية ترتبط باسم الشيوعيين، حتى يكاد يكون كل مثقفي تلك الفترة ، وكثير من السياسيين، باستثناء الطحالب التي انتشرت بعد عهد بريمر، لهم بهذا القدر أو ذاك، ارتباط بشكل ما بالحزب الشيوعي العراقي. ولعب الحزب الدور الأكبر في تثوير المجتمع ، وتنظيم وتعبئة الجماهير في منظمات ديمقراطية من النقابات العمالية و منظمات الطلبة والنساء و الشبيبة . فكانت التحركات الجماهيرية، الحراك الجماهيري، التي تمثلت في نشاطات عام 1946، وفي وثبة كانون الثاني قبل 65 عاما، وإنتفاضتي تشرين الأول 1952 و 1956، إنتفاضة فلاحي الفرات الأوسط عام 1958 .
كل هذه النضالات تتوجت بإنتصار إنقلاب/ ثورة 14 تموز ، الذي كان التنسيق بين تنظيم الضباط الأحرار وجبهة الإتحاد الوطني سر نجاحه السلمي، التام، لولا لطخة جريمة تصفية العائلة المالكة، والتي لم يكن مخططا لها.

وقد كان دور الحزب الشيوعي في الحركة الوطنية الديمقراطية بارزا جدا، وكانت دراسات استخبارات ومعاهد الدول الإمبريالية تقدر أن أي تغيير يحدث في العراق سيكون للحزب الشيوعي الدور القيادي فيه ، ومن بين تلك الدراسات كتاب والتر لاكير" القومانية و الشيوعية في الشرق الأوسط،" الصادر عام 1956.
ولهذا الدورالكبيرالمفترض للحزب الشيوعي لم يكن غريبا أن يجن جنون الإمبريالية ذاك الجنون، الى حد جعل الإمبريالتين ، المتنافستين على النفوذ في الشرق الأوسط ، الإمبريالية البريطانية ألآخذ نفوذها منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية بالأفول، والإمبريالية الأمريكية التي خرجت من الحرب وهي القوة الأعظم، جعلتهما ينزلان قواتهما العسكرية في لبنان والآردن بعد يومين من إعلان ثورة 14 تموز بهدف القضاء عليها عسكريا ، خاصة وأن العراق والأردن كانا قد أصبحا عضوين في دولة الإتحاد الهاشمي. لكن التوازن الدولي يومذاك ، بوجود الإتحاد السوفييتي والمعسكر الإشتراكي ، ما كان يسمح بالتدخل العسكري والقضاء على الثورة.
ومثلما ارتبطت الثورة البلشفية وحزبها باسم لينين ، ارتبط وسيظل يرتبط اسم الحزب الشيوعي العراقي باسم الرفيق الخالد فهد. إن مما لا شك فيه أن ثمة ظروف موضوعية حتمت وتحتم وجود حزب ثوري طليعي غير أن لما غرسه فهد من تقاليد ثورية في الحركة الشيوعية العراقية فضلا كبيرا في قدرة الحزب على الصمود والنهوض إثر كل الضربات التي وجهت له في مختلف العهود ، وعلى التصدي لكل محاولات الإقصاء و التهميش. وقد عبرت إحدى الأغاني الحزبية عن هذا التقدير بالقول : حصن حزب شاده فهد كيف يسطيع هدمه قرد. وقام فهد بالنشاط في إنشاءات الحلقات الماركسية الأولى منذ عام 1927 في البصرة والناصرية. ومن نشاطاته المبكرة كتابة و توزيع المناشير حتى قبل تأسيس الحزب الشيوعي العراقي.
ففي تشرين الثاني 1932 جرى حل المجلس النيابي الذي أبرم معاهدة 1930 مع بريطانيا، و الدعوة الى انتخاب مجلس جديد، ودعت القوى الوطنية الى مقاطعة الإنتخابات فاعلن الحزب الوطني، حزب جعفر أبي التمن مقاطعة الإنتخابات. وضمن النشاط الذي اشتد في ظروف الدعوة الى مقاطعة الإنتخابات هذه ، شهدت
مدينة الناصرية يوم 14 كانون الثاني 1932 منشورا مكتوبا بخط اليد في 18 مكانا مختلفا من المدينة كتبه وعلقه فهد ليلة 13 كانون الأول. حمل المنشور شعار البيان الشيوعي: يا عمال العالم إتحدوا !!
وشعار : " عاش إتحاد جمهوريات العمال و الفلاحين في البلاد العربية "
جاء فيه: " أيها العمال ! إن للناس حقوقا لن يؤمنوها إلا بالقوة...لا أحد يعرف
آلام الجوع إلا الجائع . لماذا نلوم الذين يأكلون ثمار عملنا .. إذا كنا نحن أنفسنا
نشجعهم على سرقتنا؟؟ .....
تشجعوا أيها الرفاق ! فنحن نناضل في سبيل شرفنا و حياتنا و خير أجيالنا المقبلة.
إلى الأمام أيها العمال !
تقدموا الى العمل المثمر و الى الحرية وإلى الرفاهية."

وقبل أن يمر أسبوعان على نشر هذا البيان قام العامل الشيوعي ،فهد ،في ليلة 24 /25 كانون الأول، ليلة عيد الميلاد بكتابة وتعليق بيان ثاني هذا هو نصه:


يا عمال العالم اتحدوا !!
عاش اتحاد جمهوريات العمال و الفلاحين في البلاد العربية !!
أيها العمال

لقد حلت الحكومة المجلس السابق بحجة أنها تريد استفتاء الشعب، والمجلس المنحل لم يكن سوى مجلس استفتاء في المعاهدة العراقية – الإنكليزية، و نوابه لم
يكونوا سوى أصنام نحتها نوري و مُسَيرُو نوري فصَدٌقوا المعاهدة التي جعلتنا
عبيد المصالح الإستعمارية ، البريطانية و شرعوا قوانين جائرة لا يرضخ لها زنوج افريقيا المتأخرون. فهل يجوز لهم أنهم يدعو أنهم استفتوا الشعب و رضي
الشعب ببيع نفسه. وتريد الحكومة اليوم أن تمثل دور استفتاء آخر فنشرت منهاجا
ملؤه الإبهام و المغالطة، انها تريد ، انها تريد ترقية الزراعة و قد سُلب الفلاح
المسكين آخر فلس عنده حتى اضطرته لبيع مسحاته، وكذلك تريد نشر المعارف
و الثقافة العالية ، وإذا بنا نرى المدارس العالية تغلق الواحدة بعد الأخرى! وتقول
أنها تريد تعزيز الدفاع الوطني وهذا – على الأكثر – هو السبب الوحيد لحل المجلس السابق بعد أن لوثت نوابه بالخزي و العار لتجمع نوابا آخرين بعد أن
تستوثق من صنعتهم، وتأخذ منهم المستندات لكي يوافقوها على خططها و يرضخوا لمشيئتها أو مشيئة الإستعمار البريطاني الذي يسير وفق اغراضه.
و سيقررون لها فرض الخدمة العسكرية لا لتعزيز الدفاع الوطني كما يوهموننا
بل لحراسة المصالح الإنكليزية و منها حراسة شركات النفط وانابيبها التي تنوي
مدها في الصحراء، وربما أفضت سياستهم الى أن يسوقونا لمحاربة جارتنا إيران
التي أخذت تنفض عنها غبار الذل و الإستسلام للمتعجرف البريطاني. هذا هو غرضهم من جمع مجلس جديد – و لا شك انهم الآن قد وجدوا الأشخاص الذين
يشاركونهم أعمالهم وأصدروا أوامرهم الى المتصرفين ( المحافظين ) لإخراجهم
نوابا. أما الإنتخابات و التظاهر بها فما هي إلا ألعوبة يسترون بها حياتهم.هذا هو
إستفتاؤهم ايها الرفاق فهل فيكم من يرضى أن يسفك دمه من أجل مصالح الإنكليز، إذن فودعوا أهلكم وأطفالكم و اتركوهم هنا تحت رحمة أعدائكم الموجودين في داخل البلاد و اذهبوا وقاتلوا أعدا أعدائكم.
لقد حذرتكم في نشرتي السابقة و أنا أحذركم الآن والوقت عصيب جدا فمن العار علينا أن نطأطئ رؤوسنا للظلم أيها الرفاق.
فإلى الأمام الى الأمام
عـا مـل شـيـوعـي

هذا العامل الشيوعي، هو سلمان يوسف فهد المولود في بغداد في تموز 1901 ، حسب وثيقة ميلاده التي حصلت طريق الشعب في عام 1976 على نسخة منها ، كانت د.سلوى زكو قد حصلت عليها من الكنيسة، ونحن نعد ملفا عن فهد بمناسبة عيد ميلاده الخامس و السبعين ، بينما كانت العادة إستذكاره يوم إعدامه في الرابع عشر من شباط، الذي أصبح يوم الشهيد الشيوعي. كان فهد قد أنهى دراسته في ( الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق) وعاد الى العراق بداية عام 1938، "أصبح بمرورالزمن- وبفضل تجربته واستيعابه الأكبر للنظرية- الروح المحركة للحزب. ومنذ لحظة تسلمه سكرتارية الحزب عام 1941 اندمجت حياته كليا بالحركة الشيوعية العراقية الى حد صار يستحيل التمييز بينهما." ، على حد تعبير حنا بطاطو. وحتى وهو يعتلي المشنقة كانت الشيوعية آخر أفكاره التي عبر عنها بهتافه : " الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق."
ومن المعروف أن القضاء العراقي بعد انتصار ثورة تموز قد أصدر قرارا
اعتبر فيه :
" الأفعال التي لجأ اليها المواطنون يوسف سلمان يوسف " فهد" و رفقاؤه ابتغاء تحرير الوطن وإصلاح نظام الحكم..هي من أعمال الكفاح الوطني التي تستأهل تقدير الوطن." لجنة العفو العام 4/1/1959
واستمرار الشيوعيين العراقيين بهذه الروح التي رسخها فهد في تقاليد الشيوعيين العراقيين، وتجسدت أيضا في نضالاتهم ضد نظام البعث الفاشي ، جعلت قاضيا
منصفا يثبت هذا العام في قرار محكمة بداءة الكرادة رقم 762 /ب/2012 في 15 /4 /2012 "لان الانتماء إلى الحزب الشيوعي ـ وهو اعرق حزب معارض في العراق نظرا لما يحمل من افكار تجاه حاجة الشعب - فيكون مجرد الانتماء الى صفوفه صورة من صور المعارضة، فضلا عن كون ذلك الانتماء لم يوفر مكاسب مادية او وعودا اخروية وانما كان يعلم من ينتمي اليه ان ذلك الحزب لم يكن حزب سلطة وانما حزب معارض."

في يوم الميلاد هذا العام لنتذكر فهد، الذي ولد وترعرع مسيحيا في عراقِ تعايُش الأديان والمذاهب، يقوم قبل 80 عاما، في 24 كانون ألأول 1932 ،حيث يحتفل الناس في الكنائس و البيوت يقوم هو بكتابة مناشير باليد و يلصقها في أماكن متفرقة من مدينة الناصرية و بتوقيع " عامل شيوعي ". ويتحمل فيما بعد عواقب هذا العمل .
وفي كتاب حنا بطاطو " العراق – الطبقات الإجتماعية..." ، وكتاب "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي" للرفيق عزيز سباهي، وكتاب الصديقين الدكتورين كاظم حبيب و زهدي الداوودي " فهد و الحركة الوطنية في العراق" تفاصيل أكثرعن هذا الموضوع .

#صادق_البلادي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات