أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون النبواني - مَنْ كَتب حكاية: ذات القبعة الحمراء المعروفة عندنا بقصة ليلى والذئب؟















المزيد.....

مَنْ كَتب حكاية: ذات القبعة الحمراء المعروفة عندنا بقصة ليلى والذئب؟


خلدون النبواني

الحوار المتمدن-العدد: 3945 - 2012 / 12 / 18 - 07:22
المحور: الادب والفن
    


لا أقصد هنا من هو المؤلف الفعليّ لهذه الحكاية فهو بدون شك غير معروف ولا يمكن أن يكون مؤلفاً فرداً واحداً. لا يعني هذا أيضاً أن هناك مجموعة من المؤلفين اجتمعوا ليؤلفوا عملاً جماعياً كتب فيه كل واحد منهم جزءاً، وإنما هو جزء من تلك السرديات الشعبية (كقصة ألف ليلة وليلة عندنا) التي يتم تناقلها شفاهةً فيُضاف إليها وعليها ويتم التحوير فيها فتغدو عملاً جماعياً بدون مؤلف أو بأكثر من مؤلف. ينطبق هذا إذن على حكاية "ذات القبعة الحمراء" مع أن جمع القصة وإخراجها يعود إلى المؤلف الفرنسي شارل بيرو الذي ظهرت "نسخته" عن الحكاية عام 1698.
ما أقصده بسؤالي أعلاه والذي جاء على شكل عنوان هو البحث عن المؤلف الرمزيّ لقصة ليلى والذئب. ولتوضيح مقصدي فإنني سأعتمد على تلك القراءة الممتازة والمبدعة التي قدّمها عالم النفس إريك فروم لهذه الحكاية في كتابه (المترجم إلى العربية) "الحكايات والأساطير والأحلام" لأطورها وأحاول من خلالها وبتجاوزها الإجابة على السؤال عن المصلحة في كتابة هذه الحكاية. ولنبدأ إذن بتذكُّر القصة:
تُقرّر جدّةُ ليلى تلك الفتاة البريئة الجميلة أن تهديها "بعد تفكيرٍ طويل" قبعة "من المخمل الأحمر". وفي يومٍ من الأيام تطلب الأم من ليلى أن تزور الجدّة المريضة وتحمل لها كعكة و"زجاجة نبيذ". ولأن بيت الجدّة يقع في طرف "الغابة" ولأن الأم تخاف على ليلى فإنها توصيها بأن "لا تحيد عن الطريق" لكي لا "تكسر زجاجة النبيذ" وتنبهها إلى ضرورة أن تُلقي تحية الصباح بتهذيب بمجرّد وصولها وأن تنتبه ألا تجيل النظر بفضول في بيت الجدّة. تتجه ليلى إلى بيت الجدّة فتصادف الذئب في الطريق وهي "لبراءتها" لا تعرف أي "وحشٍ" هو ولا ما يبيّتُ لها. فيسألها الذئب عن وجهتها فتقول له ببراءة أنها متوجهة إلى بيت الجدّة المريضة الذي يقع في طرف الغابة" فيعزم" الذئب النية على التهامهما معاً، ولكنه يقرِّر أن يبدأ بالجدة ليستمتع فيما بعد "بلحم ليلى الطريّ البضّ". ولكي يكسب مزيداً من الوقت يطلبُ الذئبُ من ليلى أن تتأمل جمال الطبيعة من حولها فهناك زهور جميلة على "جانب الطريق" والشمس ساطعة والجو جميل وليس عليها أن تسير كما لو أنها "على الطريق إلى المدرسة". وفعلاً تقنع ليلى نفسها بأنها لو جمعت باقة من الأزهار لجدتها فإن هذا سيسعدها دون شك وهي كلما قطفت زهرة وجدت أزهار أخرى أكثر جمالاً وهكذا "راحت تبتعد عن الطريق وتقترب من الغابة". طبعاً يتوجه الذئب إلى بيت الجدّة ثم "يلتهمها" و "ليلتهم" بعدها "جسد ليلى" عندما تدخل دون أن تنتبه لخطة الذئب. تكتمل القصة بمرور "الصيّاد" من جانب بيت الجدّة فيسمع شخير الذئب الذي نام مُتخماً على سرير الجدّة بعد أن "التهمها" مع حفيدتها. يقوم "الصياد" بفتح بطن الذئب وإخراج "ليلى" والجدّة منه.
بتحليله الرائع للقصة يفترض إريك فروم أن للحكاية مغزى "أخلاقيّ" يشير إلى خطر التجربة الجنسية. فما القبعة المخملية الحمراء التي اعتادت ليلى لبسها فصارت تُلقب بها: ذات القبعة الحمراء إلا رمزٌ للطمث: ومن هنا جاء لونها الأحمر. وبما أن الجدّة أعطتها هذه القبعة المخملية فهذا، بنظر فروم، لأن الفتاة ليلى قد صارت بالغة. وما إعطاء الجدّة القبعة الحمراء المخملية لحفيدتها التي دخلت مرحلة البلوغ إلا إشارة إلى الأصل البيولوجي من الجدّة التي منحت الحياة للأم فالحفيدة. أود حول هذه النقطة أن أضيف على تحليل فروم فكرة العادات والتقاليد التي يحرص عليها الكبار في السن في المجتمعات التقليدية فبنظري إن حرص الجدّة على منح ليلى الحفيدة القبعة ما هو إلا تمسك الجدّة بفكرة البكارة أو الطهارة كما لو أنها الحافظة للتقاليد التي تريد أن تزرعها بحفيدتها. هناك رمزٌ جنسيٌّ آخر تكشف عنه قراءة فروم وهو زجاجة النبيذ فهو برأيه تعبير عن غشاء البكارة فأم ليلى توصيها ألا تحيد عن الطريق إلى بيت الجدّة خشية أن تكسر الزجاجة أي، بإيحاء من فروم، عليها ألا تحيد عن الطريق القويم أو الصراط المستقيم وإلا فإنها قد تجازف بفض بكارتها (كسر قنينة النبيذ). يمكن لي أيضاً أن أضيف أيضاً على إشارة فروم تلك رمزيّة النبيذ الأحمر في القصة الذي قد يشير إلى الدم الذي قد ينتج عن تمزّق غشاء البكارة كما يمكن أن ينسكب النبيذ الأحمر من الزجاجة إذا ما انكسرت. عندما تستمع ليلى لنصيحة الذئب بالتمتع بجمال "الطبيعة الجميلة" وأنه ليس عليها أن تمضي المسافة "كما لو أنها على طريق المدرسة" فإنها ستصطدم نفسياً بتحذيرات أمها ووصاياها بعدم الحياد عن الطريق، ولكنها ستلجأ إلى تبرير ذلك (والتبرير حيلة نفسية معروفة في علم النفس) بإقناع نفسها أولاً بأن ذلك سيسعد جدتها ثم تبدأ سلسلة التبريرات بالاضطراد فلا بأس لو أنها توغلت قليلاً في الغابة فهذه الزهرة فقط ثم تلك ثم تلك الأُخرى.
يشير الذئب عند فروم إلى رمز الذكورة الشهوانية التي تسعى لاصطياد الفتيات والجنس فهو يخطط للاتهام "جسدها البضّ الطريّ". إنه الذكر الذي في سبيل بلوغ ما يريد يبيّت السوء ويضمر الشر ويُسِرُّ غير ما يُعلِن وتختفي خلف ابتسامته الماكرة أنياب الوحش وما افتراسه للجدّة ثم لليلى إلا عملية اغتصاب جنسية.
هناك رمزٌ ذكوريٌّ آخر يتجلى في القصة وهو رمز الصياد فبحسب فرويد فالصيّاد (الذي يظهر بالقصة كرجل شهم شجاع) يقوم ب "إنقاذ" ليلى من بطن الذئب. بالنسبة لفروم يمثِّل الصيّاد هنا رمز الأب التقليديّ لليلى التي تشعر بالندم لأنها خالفت وصايا أمها وتقسم أنها لن تحيد عن الطريق مُجدّداً.

لا شك أن ولادة وانتشار هذه الحكاية يعود إلى فترة العصور الوسطى الأوروبية التي ساد فيها شيء من التربية الأخلاقية المحافظة والمتزمتة فحتى تاريخ صدورها لأول مرة في فرنسا في نهاية القرن السابع عشر كان الجنس موضوعاً أخلاقياً مُداناً ومرتبطاً بأخلاق الكنيسة المحافظة يشهد على ذلك المقاومة الرسمية لمؤلفات الماركيز دو ساد على سبيل المثال أو قصة تريستان وأيزو التي يرتبط فيها الحب والجنس بالخطيئة والعقاب عداك عن مؤلفات شكسبير كمسرحية عطيل التي تعكس شيئاً من تربية تلك الفترة.
الجديد الذي أريد إضافته على تحليل فروم هو مساءلتي لسبب الانتصار لقيم المحافظة الأموميّة "المطريركية" على القيم الذكورية السائدة والمسيطرة في مجتمعات كانت للبطريركية فيها الكلمة الأعلى حيث يملي الذكر قوانينه ويفصلها على قد رغباته. هل هي قصة مكتوبة "رمزياً" بقلم أنثويّ؟ لا أعتقد ذلك، ولكنها برأيي مكتوبة بقلمٍ ذكوريٍّ. هل كان لرجل في تلك المرحلة أن ينتصر لقيم الأنوثة على حساب مصالحه الذكوريّة التي يريد من وراء تعميمها فرض سيطرته وشهوته على الأنثى؟ جوابي هو نعم ولا. رمزياً وأكرر مرّة أُخرى على هذه الكلمة "رمزياً" لو كان هناك من كتب القصة فسيكون هو الصيّاد: الأب التقليدي لليلى الذي خلصها هي والجدّة من بطن الذئب. إنه الرجل التقليدي الذي يريد أن يحافظ على "شرفه" بالمفهوم الإقطاعي البطريركي الذي يربط الشرف بالبكارة. ولكنه من جهة أُخرى "صياد" فهو أيضاً يخرج من "بيته" ليبحث عن "طريدة" وقد ينصب لها الشراك أيضاً كالذئب تقريباً.
في أوروبا الحديثة تحرّر الجنس نوعياً من عقده وأوهامه وأشباحه القروسطية المرتبطة بالخطيئة ولم تعد تحكم علاقة الرجل بالمرأة الصورة المرعبة لعلاقة الذئب بليلى. لا شك أن الخوف الأخلاقي من الإيقاع بالفتيات الصغيرات من قبل الكبار قد حدّدته القوانين الحديثة كعقوبة ممارسة الجنس مع "قاصر" مثلاً، ولكن "القواصر" الأوروبيات لهن كل الحق (وأؤكد هنا على كلمة الحق بمعناها الاجتماعي الثقافي) بالعلاقة الجنسية مع من هم من أعمارهن تقريباُ من الذكور. لم تعد ليلى الأوروبية تخشى من نزع قبعتها أو تعتبرها رمزاً لشفها ومحوراً لوجودها ولم تعد ترى في الرجل مجرّد ذئب يريد التهامها بل شخصاً تحبه ويحبها وتأخذ منه كما تعطيه بقدرٍ متساوٍ. بينما بقيت ليلى في مجتمعاتنا مرعوبة من قبعتها التي تحكم القبضة على رأسها والتي تزداد تشبثاً بها كلما أحست باقتراب الرجل/ الذئب. تكبر ليلى عندنا بخوفها وبرعبها وبعقدها وتظل محتفظةً بقبعتها رمز وجودها ودليل عفتها وطهارتها حتى ولو صارت بعمر الجدّة إذا لم تجد "ذئباً" شرعياً تتزوج به على سنة الله ورسوله...



#خلدون_النبواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيوبيد الأحول
- برهان غليون كما أعرفه رداً على سعدي يوسف
- المقدمة غير الضروريّة
- من محادثة ليلية على الفيس بوك
- من شهادة حمار نجا من المجزرة
- كي لا تتقمص الضحية دور جلادها: الثورة السوريّة ومخاطر انزلاق ...
- أنا وصديقتي - الشبيحة -
- مغامرات أليس في بلاد العساكر
- بركان جبل العرب الخامد: السويداء والعطالة الثورية
- تحية لطيب تيزيني مثقفاً ملتزماً


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون النبواني - مَنْ كَتب حكاية: ذات القبعة الحمراء المعروفة عندنا بقصة ليلى والذئب؟