خريف إسلامي بغيوم صهيونية : هادي دانيال في أخر معاركه ضد الوعي القطيعي

أحمد النظيف

الحوار المتمدن-العدد: 3903 - 2012 / 11 / 6 - 17:35
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    

يواصل هادي دانيال الإبحار ضد التيار الجارف المنبهر بما يسمى بالربيع العربي و الذي بدأت " أوهامه تتساقط في أوحال الدماء و ذاب ثلجه الحر و بان مرجه اليابس و رفع ثواره المصاحف على فوهات البنادق "
فبعد أن كشف في كتابه "ثورات الفوضى الخلاقة سلال فارغة (صدر عن دار نقوش عربية ) زيف هذه الثورات المصنعة في مخابر الغرب الاستعماري مقوضا ما قامت عليه من خطاب تظليلي مطرزا بقشور الحرية و الديمقراطية حاملا داخله الوجه القبيح للمشروع الصهيوأمريكي و أثاره المدمرة للوطن العربي و العالم الإسلامي يطالع دانيال اليوم قرائه بكتاب ثاني هو في الحقيقة الأمر حلقة ثانية و امتداد للكتاب الأول إذ يكتشف للقارئ في هذه الحلقة و التي اختار لها عنوانا مثقلا بالدلالة " الربيع العربي يتمخض عن خريف إسلامي بغيوم صهيونية " زيف الربيع البائس و نتائجه الكارثية .
فالكتاب الصادر في شهر افريل الماضي عن دار بيرم للنشر في 146 صفحة هو عبارة عن مجموعة مقالات متفاوتة الطول يجمع بينها منهج تحليلي صارم يعتمد على توثيق دقيق استفاد منه الكاتب في إعادة تشكيل المشهد الخياني و تحديد أطرافه ( الولايات المتحدة – الإسلام السياسي – مشيخات الخليج )من خلال العودة إلى أحداث و تصريحات يخالها القارئ العادي بسيطة و لكنها إذ ما تم ربطها يبعضها تشكل صورة واضحة و متكاملة تكشف "الخديعة الكبرى " التي نعيش .
-1-
ينطلق الكاتب من مقاطع و تدوينات خفيفة بثها عبر الفضاء الافتراضي تحت عنوان " شذرات من حواشي خلط المقدس بالمدنس " في شكل يوميات تنبعث منها المرارة حينا و السخرية أحيانا أخرى و يختلط فيها الذاتي بالموضوعي و العاطفي بالعقلاني يربط بينها خيط ناظم ’ الموقف النقدي الحازم و الرافض جملة و تفصيلا للربيع العربي .
ثم يراوح الكاتب في بقية المقالات بين تفصيل معالم " سيرة التأمر " و بين فضح أدواتها الذين شرعوا في تنفيذها من " سليلي جمال باش السفاح في أنقرة إلى أحفاد لورانس العرب من أمراء و ملوك الكيانات الخليجية " مرورا بالمرتزقة و شذاذ الأفاق القادمين من مشارق الأرض و مغاربها و الذين ما فقهوا من دين الإسلام غير إطلاق اللحى و حف الشوارب و قتل الناس على الهوية .
و ضمن المقال المركزي من الكتاب الممتد على أكثر من عشرين صفحة يجيب دانيال عن سؤال حارق " لماذا تمخض الربيع العربي عن خريف إسلامي بغيوم صهيونية " و بدون السقوط في تنميق الجمل و الكلمات و التلاعب بالألفاظ ينفذ الكاتب مباشرة إلى الإجابة عن هذا السؤال و كأني به يريد إلى يصل إلى فهم القارئ البسيط فالحدث جلل و الإلمام به صار فرض عين على كل عربي تتهدده مقاصل ثورات الفوضى الدامية .فاستحالة هذا الربيع إلى خريف إسلامي متصهين " هدف مباشر و منشود ليكون جسرا إلى هدف استراتيجي هو تنفيذ مخطط برنارد لويس لتفتيت العالم الإسلامي من باكستان إلى المغرب و الذي سبق أن نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية على أن يكون برنامج جين شارب المكون من مئة و تسعة و ثمانين سلاحا غير عنيف بداء من استخدام الشارات اللونية و الرموز إلى كيفية استخدام الجنازات الرمزية دليلا أوليا لتحريك أي حراك من اجل إسقاط الأنظمة التي يستهدفها مخطط برنارد لويس " (ص 72).
و يواصل دانيال ضمن المقال ذاته تفكيك برنامج لويس لتقسيم المقسم من خريطة العالم الإسلامي و بناء "سايكس-بيكو" جديد يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة محللا العشرات من التصريحات و الخطابات و الوثائق و معيدا تجميعها و تركيبها بحيث ظهر المشهد أكثر وضوحا ’ صورة مفزعة عجز عن إدراكها الوعي القطيعي الذي ينوء بكلكله على أرجاء الوطن العربي الجريح يغذيه "البترودولار" و صحائف الدجل الديني (السلفي – الوهابي ) و هنا تكمن عبقرية الكاتب في التقاط مؤشرات " المنحى التآمري لهذا الربيع " في حين عجزت العشرات من نخبنا القطيعية بوعي أو بدون وعي عن إدراكها و التقطتها جماعات الإسلام السياسي فسعت إلى اقتناص الفرصة في الوثوب إلى كرسي السلطان حتى و إن كلفها ذلك أن تنتهي أداة في يد المشروع الصهيوأمريكي للقيام بالمهام المقدسة في تقسيم العالم الإسلامي " فهكذا استفاق الحالمون بالثورة من نشوة القبض عليها بالهتافات الدامية في شارع مخادع ’ لقد فتحوا أعينهم على تفلتها من قبضاتهم كسراب بداء يتكشف عن كابوس استبداد جديد يمد لهم الرملية ساخر و هو يتصفح أملاءات مخطط برنار لويس " (ص98).
و يتجلى الحدس السياسي الثاقب عند الكاتب في قرأته الاستشرافية لمسار حركة حماس قبل ثلاث سنوات من تفتح حقيقتها في الربيع العربي و التي خصها بأربع مقالات كان قد نشرها بأحد اليوميات التونسية سنة 2008 تنبأ فيها و بشكل دقيق و كأنه يمارس ضربا من العرافة آو التنجيم بما ألت إليه حماس من انحياز إلى المحور القطري – السعودي و تماهيها مع مقولات و أفكار معسكر العمالة بقيادة أل سعود و أل ثاني و الأهم من كل ذلك تخليها الأخلاقي عن سورية التي آوتها يوم لفظها الناس و حمتها يوم خدعها الناس و حضنتها يوم تأمر عليها المتآمرون فخالد مشعل و الذي قضي ردحا من عمره في دمشق تحت حماية المخابرات السورية و الجيش العربي السوري يلعلع اليوم في منابر الخيانة (الجزيرة و العربية ) واصفا هذا الجيش بالدموي و قيادته السياسية بالطاغية .
ليخلص الكاتب إلى أن حماس و بعد أن تنازلت عن مطالبتها بفلسطين التاريخية لا تحمل سوى برنامج ظلامي يعج بالنفاق السياسي و الديني " فتخليها عن مبادئ برنامجها الانتخابي السياسية و الدخول في مفاوضات مع الإسرائيليين من اجل معبر بعد أن كانت تخون منظمة التحرير لدخولها في مفاوضات من اجل إقامة الدولة لا يمكن إلا أن يكون نفاقا سياسيا " (ص134)
لينطلق الكاتب بعدها في طرح سيل من الاستفهامات الإنكارية حول مدى "تميز حماس عن نظيراتها من جماعات الإخوان المسلمين في استخدام الخطاب و السلوك المزدوجين عندما انحنى إسماعيل هنية ذو الخطاب المتطرف يقبل يد شيخه القرضاوي المحرض الأكبر على سفك دم السوريين و مفتي حاضنة القاعدتين العسكريتين الأمريكيتين و رائدة و مسوقة التطبيع مع الكيان الصهيوني إمارة قطر ? و كيف ينظر الزهار إلى إقدام رئيس المكتب السياسي لحركته (خالد مشعل ) على تقديم ورقة التوت للقيادة القطرية المجردة حتى العرى الرخيصة من كل سمات العروبة و الملطخة حتى العظم بعار التأمر على ليبيا و سورية و القضية الفلسطينية إلى درجة الاستثمار في بناء المستوطنات ( !!) كيف يرى الزهار إذعان حركته للمال البترودولاري القطري بتوقيع اتفاق المصالحة مع حركة التحرير الفلسطيني (فتح) في الدوحة بعد أن تمنع عن فعل ذلك بالرياض و القاهرة و دمشق ..." (ص26)
-2-
تبقى الإشارة إلى أن الكتاب قد سحب في المدة الأخيرة من واجهات العرض بمكتبات العاصمة لأسباب مجهولة علها تتمثل أساسا في خطورته على حكام تونس الجدد فعنوانه اللافت للنظر و مقالاته الجريئة يبدو أنها تعكر صفو " الخليفة الجديد " فدانيال و كما عودنا في أعماله الإبداعية و النقدية لا يكاد يبارح مشروع المقاومة ( التقدمي ) المعادي ضرورة للامبريالية و الضلامية في آن واحد فالرجل قد تربى في حضن الثورة الفلسطينية بيمنى تحمل القلم و يسرى تحمل البندقة و ترعرع قلمه المبدع داخل مكاتب مجلة الهدف التي تسكنها روح غسان كنفاني و تقودها وطنية الحكيم جورج حبش .
لم يصب هادي دانيال كغيره من نخبنا بداء الردة المقيت فالرجل مازال كافرا بالامبريالية و ربيبتها الصهيونية و البترودولار حالما بوطن عربي سيد و شعب عربي سعيد مقاتلا طواحين الهوى دون هوادة في زمن استقالت فيه الانتلجنسيا المزعوم عضويتها عن القتال و غرست رأسها في الرمال كنعامة مستجديتا بضع ريالات يجود بها رعاة الإبل من ارض نجد أو بضع دولارات يتصدق بها رعاة البقر من بلاد العم سام.

#أحمد_النظيف (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات