أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف ميرة - السفراء/الرحالة المغاربة في أوربا، اصطدام أفكار الطين بفكر من حديد















المزيد.....

السفراء/الرحالة المغاربة في أوربا، اصطدام أفكار الطين بفكر من حديد


يوسف ميرة

الحوار المتمدن-العدد: 3900 - 2012 / 11 / 3 - 17:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تعتبر الذات الآخر، شيئا مخالفا لها من حيث العادات و التقاليد و الأذواق و اللسان و الدين، و ذلك لأن الصورة التي ترسمها الذات للأخر لا تأتي اعتباطا، و إنما نتيجة لتصورات مسبقة ناتجة عن توافر مرجعية محددة تسمى" الوعي الثقافي" و يحدد هذا الوعي فيما تنتجه "الثقافة" من قيم ومعتقدات، "وبما تفننه من أذواق و أنماط سلوك و لما تحدد للسلوك الإنساني داخل المجتمع من نظم و أعراف"، فما يكون عند المسلمين مخالفا للمذهب و الملة يتم إخراجه من حالة الإسلام إلى نقيضها و هي حالة "الكفر".
وكتابات "الرحالة- بالإضافة إلى كونها جنس أدبي -، فهي تعبير عن وعي الذات أو عن ثقافتها من خلال الصورة التي ترسمها للآخر، أما في التراث العربي الإسلامي فلها مظاهر متعددة معرفية و روحية و لها أدوار متعددة، تتراوح بين المشاهدة و الإخبار (وفي الحالتين معا لها مسؤولية دينية فالمشاهدة تتطلب الصدق فيما يوصف و الخبر يتطلب الأمانة)، و بين التشويق والإمتاع في مشاهدة أمور غير معتادة.
والمغرب يتميز عن باقي البلدان العربية بنوع خاص من الرحلات التي يمكنها أن تعطي صورة جد واضحة عن الوعي الثقافي للمغاربة في الفترة المدروسة، فالحديث هنا عن "الرحلة السفارية" باعتبار أن صاحبها كان يمثل السلطان في مهمة رسمية بأوروبا، وهناك سببين لهذا النوع من الرحلات بالمغرب؛ الأول يتعلق بالموقع الجغرافي والثاني له علاقة بواقع تاريخي يؤكد قصر مدة الاستعمار بالمنطقة عكس باقي بلدان شمال إفريقيا.
ـ مرحلة الشعور بالقوة الرمزية للذات في مواجهتها للآخر من خلال رحلتي المكناسي:
تتمثل لحظة القوة و الثقة في النفس في رحلتي المكناسي " الإكسير في فكاك الأسير" و "البدر السافر لهدايا المسافر إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر"، و اللتان تزامنتا مع السلطان محمد بن عبد الله، و الذي أجمع معظم المؤرخين بنعته بالسلطان المصلح و القوي، وكانت للسياسات سواء الداخلية أو الخارجية التي عمل بها هذا الأخير الأثر الكبير على رحلتي المكناسي، و خصوصا في وعي الذات بذاتها و نظرة الأنا إلى الآخر، فالرحلتين من خلال الاشكالية المتعلقة بوعي الذات بذاتها و نظرت الآنا إلى الآخر، تنير السبيل أمام القارئ للتعرف على الأحوال النفسية و الموجهات الدينية، التي كانت تحكم النظرة التي ترسم بها صورة الاخر في الوعي العربي الإسلامي.
فالمكناسي اعتبر نفسه إنتقل من دار الاسلام إلى دار الكفر، و هذا هو المنطلق الذي جعله لا يتوقف لحظة واحدة عن استحضار هذه المعادلة في حديثه عن الأخر فحتى، الأوقات التي ذكرها في كتاباته حددها بمواقيت الصلاة و عند ذكره للأماكن التي كانت في يد المسلمين يرادفها بعبارة "أعادها الله أرض إسلام". ثم الانتقادات الكثيرة التي وجهها للرهبان و البابا خصوصا فيما يتعلق بتشريعات هذا الأخير الدينية، و من هنا فهو لا يعتبر بلاد النصارى سوى "دار كفر" لأنها لا تعرف الإسلام ولأنه لا يكون فيها الحكم بما شرع الله.
لكن في المقابل يذكر لنا بعض مزاياها من حيث خبرتها وخيراتها الفلاحية وكذلك الصناعية، فقد وجد نفسه أمام مفارقة بين ما يشاهده كواقع و بين وعيه بذاته و اعتقاده بالقوة الرمزية للعالم الإسلامي، هذا إضافة إلى ارتباطه بالسلطة؛ فحتى إعجابه بحسن الاستقبال الذي لقيه من طرف الملك الإسباني أرجعه إلى عظمة السلطان المغربي و مكانته،
أما في ما يتعلق بالانطباعات و المشاهدات فهذا الجانب يحتل نسبة قليلة من مجموع ما كتبه المكناسي، عكس ما سنجده في معظم الرحلات اللاحقة التي أعطت اهتماما كبيرا لوصف ما تشاهده، و حتى الذي تم تدوينه من مشاهدات المكناسي لا يكاد ينفك عن أحاديثه المصحوبة بالقوة و الاستعلاء في مقابل الشعور بدونية الأخر و نزول قدره، و هذا الشعور بالقوة كان هو المحدد الرئيسي في رسم صورة الاخر رغم ما رآه من قوة مادية.
ـ مرحلة تراجع الشعور بالقوة و الاعتراف بالهزيمة
مثل القرن التاسع عشر مرحلة حاسمة في خلخلت الصورة التي ارتسمت قبلا مع المكناسي للذات و للأخر، من خلال مجموعة من الصدمات و الأحداث الموضوعية التي حملت رحالة الفترة على إعادة اكتشاف الآخر على نحو ما يحكيه الواقع الذي يؤكد تأخر المغرب و تقدم أوروبا.
هذه الأحداث الموضوعية التي تمثلت في هزيمتي إسلي 1844 وتطوان 1860، فالأولى أثبتت ضعف الجيش المغربي على جميع مستوياته، أما الثانية فقد وضعت المغرب أمام موقف أكد ضعفه المالي.
وأهم الرحالات التي تزامنت مع الفترة نذكر رحلة الصفار و العمراوي و الطاهر الفاسي و الكردودي و الجعايدي، والتي رغم كونها جاءت في إطار دبلوماسي ذات مهمات سلطانية إلا أنها أخذت على عاتقها الاستكشاف و الاضطلاع على ما لدى الأخر من مكامن القوة.
نجد بونا شاسعا بين المكناسي و بين هؤلاء الرحالة فلم نعد مثلا نجد إطراءات الذات، و لم يعد حسن الاستقبال يعزى لعظمة السلطان في المغرب. إن أول ما أثار انتباه الصفار منذ ذهابه إلى فرنسا الطريق التي قطعها من مرسيليا إلى باريس، حيث السفر عن الأكداش لا على ظهور الدواب كما في المغرب فالطرق معبدة و العناية بها مستمرة و وتوفر بها محطات للأكل و الراحة وكذلك الأمن فلا حاجة إلى السلاح.
والمهم هنا هو أننا عندما نتحدث عن اهتمام هؤلاء الرحالة بما هو غريب و عجيب و مثير للدهشة و الباعث عن التبجيل و التقييد، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أننا نتحدث عن الفترة التي ما زال المغرب لم ينفتح بعد على تطور التقنيات و الوسائل الجديدة التي اخترعت معظمها في أوروبا، وهذا ما جعل بعض الرحالة يتحدثون عن هذه التقنيات و الاختراعات بأنها تشبه أمور السحر و الشعوذة، سيما من رآها فجأة فربما اختل مزاجه من أجل ذلك، و مما أثار استغرابهم كذلك مسألة التجارة و التجار، فالتجارة عندهم حسب العمراوي " مدرسة يتعلمون فيها كما يتعلمون الكتابة و الحساب" و يعتبرها الصفار جملة العلوم التي تدرس" أما التجار فلهم دار يجتمعون فيها ساعة واحدة كل يوم يتعاطون فيها أخبار السلع النافذة و الكاسدة و أخبار السكك و كيفية رواجها في البلاد و عن تعاون التجار خصوصا عند أحداث بعض الجمعيات.
ـ مرحلة إدراك واقع التأخر (حالة الحجوي)
هذا الجانب يمثله الرحالة والفقيه والمفكر المعاصر محمد الحجوي الثعالبي، من خلال رحلته الأوربية - والتي سيأتي الحديث عنها في محور لاحق-، فأهم ما يثير انتباه هذا الأخير هي مسألة الكفاءة التي تأخد لا بالسن و لا بالمكانة، و إنما بالقيمة العلمية التي يمتلكها الفرد، فهو من هنا يطرح إشكالية التنظيم و التدبير، خصوصا في ما يتعلق بمسألة اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب، و يعبر عن ذلك في بعض الاحيان بوضع مقارنات بين ما شاهده في أوروبا و ما تركه في المغرب، حيث تبين له بالملموس الفرق الشاسع بين تنظيم معقلن ومحكم، وبين تنظيم قائم على أساس المصالح والمحسوبية والزبونية.
فهو يعلم أن هذا المستوى لا يمكن الوصول إليه إلا عبر الاهتمام بالجانبين الأدبي و العلمي، وهذا ما جعله يتحدث عن وجود مدارس خاصة يتم الأداء عليها ووجود مدارس عامة بالمجان، فالتعليم عندهم إجباري فكل صبي يبلغ سن التعلم يدخل المدرسة و يتعلم التعليم الابتدائي. و هو هنا يضع مفارقة واضحة بين أوروبا و المغرب و عموم البلاد العربية و الإسلامية، هذه المفارقة اختزلها في وصفه لمكتبة باريس: " و قد دخلنا الغرفة فقالوا هذه فيها الكتب التي ألفها علماء أمريكا و هي تعدل بمكتبة القرويين و مراكش معا إلا أنها مطبعية، فقلت في نفسي هذه أمة جاءت في الزمن الأخير ألف علمائها هذا العدد من الكتب و ما استقلت إلا منذ 150 سنة، فما أعظم مدارك البشر."
و الجدير بالذكر أن الحجوي وصل من خلال تجاربه التجارية والعلمية والسياسية إلى أن مستوى التقدم لا يمكنه أن يتحقق إلا انطلاقا من ثلاث ركائز أساسية : العلم و التنظيم و التجارة.

(انظر كتاب: "أوروبا في مرآة الرحلة: صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة" لسعيد بنسعيد العلوي)



#يوسف_ميرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية التحقيب المغربي/الإسلامي
- حين تصبح الجريمة جهاد
- موجة الحداثة وحقيقة الفكر العربي
- الحل في العقل
- الجهاز المخزني المغربي في التاريخ، ماذا تغير؟


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف ميرة - السفراء/الرحالة المغاربة في أوربا، اصطدام أفكار الطين بفكر من حديد