أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم عرفات - تظاهرات المسلمين واهتزازات عرش الرحمن: فائدة النقد















المزيد.....

تظاهرات المسلمين واهتزازات عرش الرحمن: فائدة النقد


إبراهيم عرفات

الحوار المتمدن-العدد: 3898 - 2012 / 11 / 1 - 21:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




ذهبنا لتناول الغذاء في بوفيه من البوفيهات والتقيت مجموعة من الرهبان البوذيين فهرولت إليهم مسرعًا كالطفل الفرحان لرؤية أمه ومن يقاوم هذا الفرح الذي يعلو وجههم الباسمة الضاحكة مقابل وجوهنا العربية العابسة. سألتهم: أنتم بوذيون؟ أجاب واحد منهم: نعم، تعرف بوذا؟ أجبت بحماس: أكيد، ومن فينا لا يعرف بوذا العظيم! غمز الراهب بعينه وقال: الرجل المكلبظ كالـ جيلي jelly man ؟ فضحكت ولم أعلّق واندهشت من أريحيتهم وأنهم لا يخشون غضب إلههم ولن يقيم عليهم أحد حد الردة أو يطير رقبتهم لأنهم أساءوا إلى رسولهم وسائر هذه المفردات التي تلازم ثقافتنا العربية الإسلامية.
أيها البوذيون، ما سر ثقتكم بأنفسكم؟ وكيف نصبح نحن العرب واثقين مثلكم؟ وكيف نجوتم من الاهتزاز الداخلي الذي أصابنا جميعا عربًا ومسلمين ومسيحيين؟ نحن شعوب ممزقة من الداخل ولم تشعر يومًا بالأمان، والشك يلازمنا ولم نطمئن لشيء. نحن أبناء ثقافة بدوية لا تأمن تقلبات الصحراء بمواردها الشحيحة ولا تأمن مكر الله نفسه؛ وكل شيء من حولنا متقلب في اهتزاز ويتزعزع بل ويتزلزل ومن ثم فنحن لم نتعلم يومًا أدب الاختلاف في الحوار وأفضل ما نجيده هو الزعيق والصراخ لأن العرب ببساطة وكما قال عبد الله القصيمي "ظاهرة صوتية".

وإن كان عرش الله ذاته يهتز، أفلا نهتز نحن البشر الضعاف؟
وإن كانت الفتنة تؤرق مضجع الله ولإخمادها يجاهد المسلمون في سبيل الله، هل يصدق أحد فينا التعبير؟
وإن كانت ثمة كلمات إن تُبد لنا تسوءنا كما قال القرآن فمن يجروء على إعمال العقل وطرح الرأي المخالف والنقد؟ جاء في القرآن قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم". يكفي أن الآية تبدأ بعبارة "لا تسألوا" بينما في العالم المتحضر يشجعون على طريقة التفكير السقراطي والتي فيها نصل للحقيقة من خلال طرح السؤال تلو السؤال بجرأة مع عدم قبول أي شيء على علاته. تسأل أي مسلم عن سعد ابن معاذ فيكرر لك المقولة الشائعة المنقولة عن الحديث بأنه "سعد بن معاذ الذى اهتز لموته عرش الرحمن". وفي أدبيات التعبير الإسلامي، هناك دعاء تهتز له السماوات السبع، ويرى البعض أن ما يفعله الكفار تهتز له السموات السبع. أين الرسوخ عوضًا عن الاهتزاز؟ فإن كان الاهتزاز يلحق بما هو ميتافيزيقي وما ورائي، أفلا يلحق بنا نحن البشر الضعاف أيضًا؟

يستاء المسلمون مما يعتبرونه إساءة بحق نبيهم وتغلي دماءهم ويصرخون صرخة وا إسلاماه بهدف "نصرة رسول الله" ونصرة دينه، وهم بهذا يطيعون نداء القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (سورة محمد، آية 7).
ولكن، من ينصر من؟ الله ينصر المسلمين أم المسلمون ينصرون الله؟ وهل ينتظر الله العلي القدير نصرته من البشر الضعاف؟ القرآن يقول إن المسلم هنا هو من ينصر الله وينتصر لكرامة رسوله. ألا يوحي هذا بأن الإنسان هو القوي والله هو الضعيف بما أن الإنسان يحمي إلهه وينصره وينصر دينه؟ الله القوي الغني يستغني عن كل ما لدى البشر من قوة وسلاح وعتاد وحقه يسطع رغم أنفه الحاقدين.
ثم نسأل: هل الاعتراض على الإرهاب يكون بارتكاب مزيد من الإرهاب؟ لكي يدافع المسلم عن دينه لا يسعفه ذكاؤه ويلجأ للإرهاب لإثبات أن الإسلام ليس دين الإرهاب. ألا يكون من الذكاء بأن ينفي المسلم تهمة الارهاب عن دينه بإظهار الوجه المسالم الجميل الذي يسعى للسلام بأي وسيلة وبهذا يظهر للعالم كم أن الإسلام دينًا حضاريًا وأن المسلمين شعوبًا حضارية؟
لكن الأمر لا يستغرق أكثر من ثانية حتى نعرف أن هذه التظاهرات ما هي إلا مظهر من مظاهر الضعف في الإسلام نفسه وبالتالي المسلمين، ودليل على عدم الثقة بأنفسهم وعدم الثقة بأديانهم وعدم الثقة بإلههم والذي .. يهبون لنصرته! الدين المهزوز ينتج بشر مهزوزين، لا أكثر.

شعوب الغرب لا تقر شيئًا من هذه الهمجية الدينية لأنها تقدس حرية الكلام وتعلم أن الأشياء الثمينة هي التي سوف تغلب وتسود وتتصدر الأجواء دون كلام ودون صراخ ولكن خطاب الكراهية وسفك الدماء لا يثبت شيئا سوى أنهم، المسلمين يعني، قوم يؤثرون الموت على الحياة ولا يقدرون قيمة الحياة.

شعوب الغرب تذكر ما قاله فولتير فولتير لروسو : أنا لا أتفق معك في كلمة واحدة مما قلته لكني سأدافع حتى الموت عن حقك في الكلام وحرية التعبير عن أفكارك. ومن هنا فحرية التعبير مكفولة للجميع مادمت لا تمثل تهديد خطير يمس سلامة المواطنين، وليقل كل إنسان وقتها ما قاله أبو نواس في الخمر.

نرى تظاهرات المسلمين الغاضبة والتي صارت سمة تميزهم فانتشرت في القاموس عبارات تصف ذلك مثل "الغضب الإسلامي" أي الـ Muslim Rage والذي يلازم المسلمين الذين يعانون من اهتزاز بل ونزيف داخلي مزقهم شرّ تمزيق على إثر هزائمهم المتكررة وخلال مراحل متعددة أمام الغرب وإسرائيل.
ومن قال إن مسئولية أميركا حماية الأديان بما في ذلك الإسلام؟ هل الدولة تحمي الدين؟ ومنذ متى يا عرب! هناك فصل تام بين الدين والدولة في أميركا وأوروبا، والدولة في هذه البلاد لا تتدخل في حرية التعبير بل كل واحد له الحق أن يقول ما شاء وأن يعتقد ما شاء وحرية التعبير مكفولة للجميع بشكل مطلق، وليس من الممكن أو حتى المنطقي منع أحد من التعبير عن رأيه في أي دين بصرف النظر عما في هذا الرأي.

ويخرج علينا نقولا باسيلي نقولا بفيلم رخيص المحتوى والقيمة يتعمد فيه استفزاز مشاعر المسلمين بالتعرض القبيح للنبي محمد. شاهدت أقل من دقيقة من الفيلم ولم أتحمل مشاهدة الباقي إذ الفيلم تافه ولا يحمل أي قيمة فنية تُذكر واستفزاز مشاعر الناس لمجرد استفزازهم يُعد عملاً لا أخلاقيًا ولا إنسانيًا. وكنت أتمنى على المسلمين ترك الفيلم وشأنه. ولكن دائما المسلمين سباقون لمثل هذه الأمور ويعطون التافه من الأمور شهرة أكثر مما تستحق. ابحث في أي عمل مكتوب يقولون عليه إنه "كتاب محرم" وتجد أنه كتاب تافه في الغالب والمسلمون أثاروا ضجة غير عادية حوله فجلبوا الانتباه لما هو تافه شديد التفاهة وهنا العمل التافه يكتسب شعبيته من غوغائية المسلمين. لماذا لا يأخذ المسلمون أمرًا كهذا بابتسامة ويتجاهلونه كما يحدث في البلاد المتحضرة؟ ما يحدث ليس الابتسامة وإنما الغضب الإسلامي وحرق السفارات وقتل البشر بالمئات... ولماذا؟ لأجل فكرة سخيفة خرج بها رجل يحمل الكراهية ويريد تأجيح مشاعر الغضب وبهذا فهو ينتقم وما هو بمنتقم بل مدمّر. كبار النفوس ينزلون لمستوى ضعاف النفوس وصغارها ويشفقون ويترفقون، ولا سيما إن كانت في قلوبهم بقايا إنسانية ويحلمون بمجتمع إنساني نتكاتف فيه جميعًا كالبنيان المرصوص لعمل الخير ولخير الإنسان من حيث هو إنسان ولا يهم دينه.

الغضب الإسلامي يصدر عن شعوب مهزوزة محطمة من الداخل لم تعرف بعد الثقة بنفسها. ولكن ماذا عن الدين المهزوز؟ نعم الإسلام نفسه دين مهزوز من دون شك وأخرجته قريحة محمد بن عبد الله المضطربة الأرقة، و"الله" ليس سوى الأنا الأعلى لـ محمد من حيث التحليل النفسي الفرويدي. ثمة سؤال أحاول أن أطرده من ذهني ولكنه يأتي بإلحاح أكثر من أي وقت مضى: لماذا المسلم دائما خائف على دينه؟ بل المسلم خائف من كل شيء ومرتاب في كل الناس بمن في ذلك أهله شخصيًا.
لماذا يشعر المسلم دائما بأن دينه يسهل القضاء عليه؟
لماذا يشعر المسلم دائما أن الفتنة يمكن تردي دينه طريحًا بين حطام التاريخ؟
التعرض للإسلام بأي نقد ممنوع في الإسلام ويعتبر إساءة للإسلام بينما في جميع بلاد العالم المتحضر النقد علامة صحية تشير إلى الصلابة. أعلم أن هذه في الأصل عادات شرقية فقد سبق أن استدرجني الأقباط في مؤتمر ذهبت إليه وسألوني عن تحفظاتي على الكنيسة القبطية ففتحت قلبي فاتهموني بالتجديف والبعض قال إني شتمت مار مينا العجائبي في حين زعم البعض الآخر أني شتمت أمي العذراء مريم. عندما كتب سلامة موسى مقالاً حضاريًا في نقد الأديان عامة وعرضه على جورجي بك زيدان نصحه جورجي زيدان بالعدول عن نشر هذا المقال وعن نقد الدين عامة لأن المسلم ابن مجتمع لم يألف الاختلاف. وبوجه عام فأمور الدين قلما يتم النقاش فيها بالعقل لأنها مرتبطة بالعاطفة لأن الدين مستقره أحشاء القلب والوجدان ولا يخاطب العقل إلا عبورًا عليه. لم يحدث أبدًا في حياتي أني خضت نقاشًا دينيًا أو سياسيًا وقد انتهى على خير بل كثيرًا ما ينتهي بالخصومة سواء كان محاوري مسلم ابن بيئة تعشق الجدال أو مسيحي إنجيلي أميركي محافظ. الاثنان واحد من دون شك. خلاصة القول هو أن المسلمين لم يألفوا النقد ويخشونه ويعتبرونه ذمًا. وأين هذا مما قاله الأستاذ الإمام محمد عبده على فراش الموت: ولست أبالي أن يُقال محمد أبلّ أم اكتظت عليه المآتم ولكن دينًا قد أردت إصلاحه أحاذر أن تقضي عليه العمائم تقضي عليه العمائم؟ وتلك الخشية ذاتها تتكرر اليوم من المجددين وأصحاب الفكر الحداثي إذ باتوا يخشون أكثر من أي وقت مضى أن تقضي السلفية والعمائم الأزهرية على الإسلام. فهل فعلا تؤمنون بأن الإسلام يسهل القضاء عليه؟ وأين هذا من ما تصيحون به من مآذنكم خمس مرات في اليوم "الله أكبر"؟ أم أن الله أكبر ليست سوى صيحة معركة وإخراس للآخر أبى أم شاء؟! لا يتفق العرب إلا على تفرق الكلمة، وقوة الخلاف، ورفض الاختلاف، وفرض الأحادية على الجميع فرضًا مبينًا. وهم في ذلك في خدر السكران وكسل المهموم ولا يسألون عما يجهلون خشية أن يتبين لهم ما قد يؤدي إلى التغيير وهم للتغير كارهون وعلى الجمود باقون.

يحق لنا أن نتساءل ببعض الأسئلة البريئة هنا: لماذا لا يشعر كل أتباع الأديان الأخرى بمثل هذه الحساسية عندما تُنتقد أديانهم أو يتم السخرية منها؟ لماذا المتدينون في الغرب- وهم كثيرون بالمناسبة وليس كل الغرب لا دينيًا- وفي أمريكا اللاتينية وفي أفريقيا جنوب الصحراء وفي الشرق الأقصى لا يثورون ولا يتظاهرون ولا يحاصرون سفارات أو مؤسسات ولا يحرقون أعلامًا عندما تنشر أي أعمال فنية أو فكرية أو حتى هزلية تسخر من أديانهم أو تنتقدها؟ شعوب أمريكا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء هي أيضًا تعيش في بلاد نامية متخلفة لكن الدين ليس هو محركها الأساسي. وفي حين شعوب أميركا اللاتينية تحترم الحرية، وتقدس الفردية فنحن شعوب شمولية قطيعية إذ نبيع بالجملة ونتعاطى مع بعضنا البعض بالجملة. نحن في الأصل بدو، وثقافتنا بدوية غالبة مهما لبسنا البنطالون الجينز والملابس الأوروبية حيث "لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية" كما يقول نزار قباني، ولكن ثقافة أميركا اللاتينية مفتوحة انفتاحًا صادقًا يعكس حضارتهم الرومانية اللاتينية. لا تحكمهم ذهنية العيب ولا ذهنية الحرام اللعينة. هل شاهدتم أفلامهم؟ ورأيتم نظرتهم للجسد؟ هل نحن بهذا المستوى الإنساني أم عندنا المرأة لها عورة وعورات؟ هذه شعوب لاتينية أي راقية متحضرة في حين نحن لسنا كذلك بل عندنا الرجل هو "بعل" المرأة؛ وكلمة بعل تعني السيد بينما عندهم المرأة هي سيدة نفسها ولا يمتلكها أو يقتنيها رجل. إنما يلزمنا"شروق من الغرب" كما قال زكي نجيب محمود في كتاب له بهذا العنوان.. لكن شروق من الشرق معناه أننا نجتر ماضينا، ونستهلك موادنا ذاتها هي هي، وعندها يصدق فينا المثل الشعبي "و ياريتك يا بوزيد ما غزيت".

يكرر المسلمون شعارات فضفاضة مثل "الإسلام دين التسامح" ومن كل هذه الشعارات لا نرى أثرًا تشهد به أي من وسائل الإعلام الحديثة فنقول حقًا إنه دين التسامح بل رأينا البربرية والهمجية بكل أشكالها بحجة نصرة رسول الله. التسامح، لغةً، ينطوي على أن يسامح الواحد الآخر لا أن يتساهل معه ويقبله بكل مكوناته كما هو. فهل الإسلام فعلا يُقر "الاختلاف" أم أنه ينطلق من الآية القرآنية "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"؟ أين قبول الآخر وأنت تقول لي إني خاسر لأني لم أتبع دينك وأن عباداتي كلها تذهب أدراج الرياح؟ زد على هذا أنك عندما "تسامح" شخصًا ما فهذا يعكس فوقية من جانبك وأنه الطرف الأدني المستقبل للصفح. يا أهل الضمير الإنساني: هل اختلاف شخص معي في العقيدة يتطلب فعلاً "التسامح" أم "التساهل" و"القبول الصادق" لكل أشكال الاختلاف بيننا؟ تسامحني على ماذا؟ وهل أنا مجرم باعتقادي حتى أنتظر منك التسامح؟ مثلاً، هل يظن المسلم أنه أعلى من المسيحي حتى "يتسامح معه"؟ وهل هذا لأن قرآنه قال له: "لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون؟" كذب عليه القرآن وقال له: أنتم الأعلون، وما هو أعلى ولكنه واحدًا من البشر وكسائر البشر يعيش ويجني قوته ثم يعود إلى التراب كما جاء من التراب.
هل المسلم فعلا هو الأعلى لاعتقاده بديانة الإسلام؟
ومن أنا لأظن أني أعلى من غيري لانتمائه لمعتقد يختلف عني؟
أليس من الواجب النظر من زاوية الإنسانية كقاسم مشترك يجمعنا جميعًا، وعندها حين أنظر لشخصٍ ما فلن أبصر أمامي سوى أنه إنسان وخلف هذا الإنسان نفس إنسانية جميلة من أجمل النفوس لمجرد أنها نفس إنسان؟ إنْ فعلت هذا فسوف أتحلى بتواضع إنساني جميل وقبول صادق مؤسس على ما يجمعنا ويربطنا كعائلة بشرية واحدة فيها الاعتبار الأول والأخير يكون للإنسان من حيث هو/ هي إنسان.

إن نقد الفكرة لفرض على كل من حباه الله بنعمة العقل إذ هو لا يبلع أو يصدق كل ما يُقال له بل تراه يمتحن ويفحص وينظر فيما يُعرَض عليه. تُعرض علينا فكرة أو جملة من الأفكار فنعرف ما فيها (المحتوى) وما لها (الحسنات) وما عليها (السيئات، والكمال لله وحده). بدون النقد وأدواته لن أعرف الفرق بين ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم اليازجي ووردة اليازجية بل ربما أحكم بتشابه الأسماء وأقول: كلهم يازجيون. بالنقد نعرف تفرد وامتياز فكرٍ عن سواه، وهنا المادة المكتوبة هي التي تقع محل النقد، لا شخوص الكتاب أو المتحاورين أو الوعاظ. نحن هنا نجتهد على أن نبعد عن الشخصنة (نقد الأشخاص لعلةٍ في نفوسنا ربّما) وإنما كل هدفنا هو الحقيقة أي الوصول إلى كنه الأشياء وأخذ خير ما فيها والتمسك بالحسن في كل شيء. لهذا نقرأ "حديث الأربعاء" لـ طه حسين ونتلذذ بقراءة نقده وهو يفحص المازني والعقاد وسلامة موسى وغيرهم وغيرهم فيلفت نظرنا هنا إلى مواطن القوة وحيث برعوا، وأيضًا مواطن الضعف، وهذا هو عمل الناقد الأريب طه حسين ومن لفّ لفيفه، مجاهدًا على أن يقول الحق لوجه الحق وبحق التاريخ.

وللشيخ الإمام محمد عبده مقال عن "الانتقاد" كانت مجلة المقتطف قد نشرته له في عام 1888.
"الانتقاد، لغة، النظر في الدراهم وغيرها لمعرفة صحيحها من فاسدها وصحيحها من زائفها. ومنه انتقاد الكلام لتمييز فاسده من صحيحه وغثه من سمينه. على أن الانتقاد طريق من أوسع طرق الارتقاء، وأن أربابه قادة الناس إلى المراتب العليا من مراتب الكمال والجمال، فلا عجب أن يعرف العقلاء قدرهم ويحيوا ذكرهم ويصدعوا بأمرهم. وحيث كان الانتقاد ميتًا كان الفن ساكنًا لا حراك له نحو التقدم، ولا حياة لأهله."

ويرى الأستاذ الإمام أن الانتقاد أصح دليل على رقي الناس فقال: "إن النقد ازدهى عند العرب في عصر نهضتهم ثم توارى حين تأخروا. وكذلك الفرنجة فإنه لم يكن عندهم انتقاد يوم كانوا في تأخر، ولما تقدموا أنشأوا للنقد الجرائد والمجلات. . . حتى إنك لا تكاد تجد مؤلفًا يؤلف عند الإفرنج إلا استهدف لسهام النقد والمنتقدين من كل صوب وناحية. بل قد صارت عادتهم أن لا يُعرض مؤلف للبيع حتى يُعرض على الجرائد لانتقاده فيسمع الناس به ويعرفوا قيمته. والمؤلفون منهم أرغب الناس في توطيد دعائم الانتقاد وتقوية ساعد المنتقدين، لعلمهم أن جلب الفائدة منه عائد عليهم، فلذلك تراهم يرضخون لحكم المنتقد أخطأ في اعتقادهم أو أصاب، ويعتبرون نقدهم فضلاً عليهم وجميلاً معهم. وإذا اقتضت الضرورة أن يردوا عليه صدّروا الرد بالاعتذار عن ذلك. . . كل ذلك حرصًا على الانتقاد أن تخبو ناره.

وأبلغ الكتاب قلمًا، وأقومهم رأيًا، وأجزلهم لفظًا وأرقهم نثرًا ونظمًا، هم أشد الناس عرضة للانتقاد. وقد يميل المنتقدون عليهم كل الميل، ويتحاملون عليهم أشد التحامل، فينتقي الكتَّاب من انتقاد النقاد ما أصابوا فيه، ويغضون عما أخطأوا، وكثيرًا ما ينقلون انتقادهم عليهم إلى كتبهم، إما إقرارًا بصحته، أو إظهارًا لخطإه، أو لغير ذلك من الأغراض.

والانتقاد بين علماء الإفرنج دليل على رعاية مقام المنتقد عليه والاحتفاء بشأنه. والتدقيق في الانتقاد دليل الاهتمام بما ينتقد. الواسعون في الفهم يعتبرون تشديد المنتقد عليهم مزية لهم، ويفضلون إظهاره لمعايبهم من مجرد مدحه لهم واطرائه. وإذا رأوا من المنتقد تساهلاً وتسامحًا ساءهم ذلك، وحملوه محمل الاستصغار لقيمة تآليفهم، وقوة عقلهم. . ."

فهل من سبيل إلى حرية الفكر وإفساح أكبر مجال للنقد الأدبي والفني دون أن يتهمنا أحد بمحاربة الله ورسوله ويستشهد لنا بالآية القرآنية القائلة: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا"؟

فأين نحن أبناء هذا الزمان مما يتحدث عنه الأستاذ الإمام محمد عبده؟



#إبراهيم_عرفات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطشت نفسي إلى الصفاء، إليك يا إلهي
- أطير من نفسيّ إليك يا ربيّ
- في محراب الحب ناجيتك ربيّ
- الإسلام.. المسيحية: أيهما أولى بالعقل من الآخر؟
- واقعنا العربي المنكوب وسبل التعافي
- الكتاب المقدس رفيق رحلتي من الإسلام للمسيحية
- ما معنى قول المسيحي للمسلم إن المسيح ابن الله؟
- مفهوم التنزيل الإلهي والعبور من الإسلام إلى المسيحية
- شهادة الحب من المسيحيين للمسلمين- الفقرة الأولى
- تاء العورة والانتكاسة الحضارية في مواجهة الرقي الإنساني
- ما الهدف وراء أن يصبح المسلم مسيحيًا؟
- اللهم أعز الإسلام والمسلمين!
- ما معنى قول المسيحي للمسلم إن الله يحبك؟
- تنزيه الله أم عزلته؟
- محورية الإنسان في المسيحية
- هل تصلح اللا دينية كمنهج في الدفاع عن المسيحية؟
- أخلاق المسلمين أم أخلاق الكفار؟ وأيهما أولى بالأخلاق من سواه ...
- من يسيء إلى الإسلام؟ ومن هو المجرم الحقيقي؟
- ولَمَاْ تَثَلّثَ مَحْبُوْبِيّ فِيْ أقانيمِه- وقفةٌ مع دين ال ...
- ما بين الإسلام والمسيحية: حوار أم جدال؟


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم عرفات - تظاهرات المسلمين واهتزازات عرش الرحمن: فائدة النقد