أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - الثورية التشافيزية















المزيد.....


الثورية التشافيزية


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 17:13
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    



وُلد " هوجو تشافيز" فى 28يوليو (تموز) 1954 فى الكوخ الطينى الذى تسكن فيه جدته "روزا إنياس تشافيز"، والتى إنفصلت عن زوجها قبل موته، ويقع كوخ "روزا" فى واحدة من مئات القرى الريفية الفقيرة المعدَمة، فى بلد يسبح فى بحيرة من النفط.
وُلِد "تشافيز"فى هذا الكوخ الذى يقع فى قرية سابانيتا التابعة لولاية باريناس، وهى قرية منسية بكل المعايير والمقاييس يعيش فيها نحو ألف إنسان، ويقطعها بضع طرقات ترابية، لم يكن أمام السكان سوى رشها بالماء فى فصل الصيف إتقاءً لعواصفها، أما فى الشتاء فكانت بحوراً من الاوحال. فالقرية التى ولد "تشافيز" وعاش فيها، إنما تعكس وبشكل صارخ جميع مظاهر التخلف الاجتماعى والاقتصادى، ونسيان النُخب فى كاراكاس لهؤلاء الفقراء المهمشين والمنبوذين فى الأطراف.
وتقع قرية سابانيتا فى إقليم اللانوس، وهى منطقة شاسعة من المستنقعات المعشوشبة التى تعيش فيها أعداد قليلة ومتناثرة من السكان، وهى بحال أو بآخر منطقة نائية وفقيرة ومتخلفة، محاذية للحدود الكولومبية، وتشغل تقريباً ثلث مساحة فنزويلا. وقد سبق وان ذكرنا أن هذا الاقليم(فضلاً راجع الخريطة) هو بالاساس منطقة تتخصص فى الرعى بصفة رئيسية؛ حيث تربى الماشية، التى تمثل، تاريخياً، نشاطاً رئيسياً للسكان منذ أن أدخل الاسبان الماشية إلى هذا الاقليم مع بدايات الحركة الاستعمارية. وبفعل النمو غير المتوازن، كخصيصة رئيسية للرأسمالية، منذ الاندماج فى منظومة الفائض، فإن الاقليم يتسم، كما ذكرنا، بالخلخلة السكانية، حيث يعيش السكان فى مجموعات مبعثرة على جوانب النهر، من حول المراكز الرئيسية لكل من المزارع الحيوانية، ومناطق التعدين النامية.
أما والدا "تشافيز"، "هوجو دى رييز تشافيز"، و"إيلينا فرياس دى تشافيز"، اللذان يعملان كمدرسين، فقد كانا يعيشان فى قرية تدعى لوس راستروجوس، وهى لا تقل حرماناً وفقراً من سابانيتا؛ بما يعنى أن وجود أطباء ومستشفيات فى حكم النادر المستحيل، مما جعل إيلينا، حينما كانت على وشك الولادة، تقطع مسافة غير هينة إلى سابانيتا، فهناك على الأقل توجد الجدة روزا، ومن الممكن العثور على قابلة تساعد إيلينا على ولادة طفلها، وبالفعل أنجبت إيلينا، "أدان"، ومن بعده "هوجو"، ولم يكن من غير المألوف، بل كان من الطبيعى، آنذاك أن يُعهد بالاولاد الأكبر سناً فى العائلات الفقيرة إلى أجدادهم للمساعدة فى تربيتهم ورعايتهم، وبما أن "روزا إنياس" هجرها زوجها منذ فترة طويلة، كما ذكرنا، فإنها كانت تملك الوقت كله والحب الامومى لمنحهما لحفيديها. على حد قول "تشافيز".
كانت الجدة، والتى ستحتضن "هوجو"، و"أدان" وتمنحهما كل الحب والرعاية قدر طاقتها، تعيش بمفردها فى كوخ بسيط للغاية، فاقداً لأبسط وسائل المعيشة، فلا كهرباء، ولا ماء، ولا مرافق، . . . وحالها كان نفس حال كل الاكواخ المنتشرة فى مثل تلك المنطقة البائسة.
تعلق الولدان بجدتهما "روزا" تعلقاً شديداً، للدرجة التى لم يستشعر "تشافيز" فى يوم ما أنه قد تربى بعيداً عن أمه أو أنه فى حاجة إليها، إذ كانت "روزا" بالنسبة له ولأخيه بمثابة أسرة بأكملها.
وثمة واقعة مهمة فى تاريخ حياة الرئيس، وهو الذى يحكيها، إذ فى اليوم الاول "لهوجو" فى مدرسة "جوليان بينو" الابتدائية التى تقع فى نهاية الشارع الذى يضم منزلهم، دخل "هوجو" منتعلاً حذاءً مهترئاً، الامر الذى أثار سخرية معظم التلاميذ الاخرين الذين كانوا ينتعلون الاحذية. فعاد "هوجو" إلى الكوخ والدموع تنهمر من عينيه دافعاً "روزا" للبكاء بحرقة هى الاخرى من شدة إحساسها بالذل والاحباط. لكنها لم تستسلم، كما قال"تشافيز" بل بذلت جهدها إلى أن تمكنت بمساعدة الاصدقاء من جمع المال الكافى لشراء حذاء جديد "لهوجو". الواقعة لا تشير فقط إلى تكوين ذهن وروح "تشافيز" على نحو يفهم ويشعر بالفقراء، وما أكثرهم فى بلاده، وإنما تشير الواقعة كذلك إلى المناخ الاجتماعى والاقتصادى العام الذى كان، ولم يزل، يخيم على الاطراف المتخلفة المهجورة والمعزولة.
وبسبب ضيق ذات اليد وشح المال كانت "روزا" مضطرة إلى العمل وهى فى ذلك مضطرة للاعتماد على الصبيين "هوجو" و"أدان"من أجل الانفاق على المنزل؛ فلجأت "روزا" إلى بيع بعض أنواع الحلوى التى تصنعها بتفسها وكذلك بعض أنواع الفاكهة الاستوائية التى كانت تزرع البعض منها، وكانت حلوى العناكب المغطاه بالسكر (Aranas) منتجها المميز، حيث كانت تعدها بتقطيع فاكهة البابايا إلى شرائح رقيقة ثم تطهوها فى مقلاة وبعد ذلك تغطيها بالسكر، وفى النهاية تشكلها على شكل عناكب. وهذا ما حكاه "تشافيز" بنفسه فى أحدى حلقات برنامجه "ألو يا ريس".
وكان "هوجو" يأخذ علبة من منتجات "روزا"، المشهورة، يومياً إلى المدرسة ليبيعها لزملائه خلال فترات الاستراحة، وبعد المدرسة وفى عطل نهاية الاسبوع كان يجول القرية ويبيعها للسكان، لقد تركت تلك السنوات، دون أدنى شك، أثراً لا يُمحى فى نفس "تشافيز". على حد تعبير "تشافيز"
ومن الملفت للنظر فى سيرة"تشافيز" ولعه بالفن، وعلى وجه الدقة فن الرسم والشعر، وظل على حبه للشعر تحديداً حتى بعد أن صار رئيساً للبلاد، فحينما ماتت الجدة "روزا" وهى التى أحسنت تربيته وتعليمه وبصفة خاصة تعليمه تاريخ الثوار الاوائل فى فنزويلا والقارة اللاتينية بوجه عام ، مثل "بوليفار" و"زامورا" و"ردريجيز"، و"فرانسيسكو دى ميرندا" وغيرهم من الثوار الذين كانت سيرهم وأمجادهم محل الحكى الدائم من الجدة "روزا". نقول حينما ماتت "روزا" نعاها "تشافيز" كما ذكر "بارت جونز" بأبيات شعرية تقول:
ربما فى يوم ما
يا جدتى العزيزة
سوف أوجه خطاى
نحو قبرك
عندئذ فقط
فى نهاية حياتى
يا أمى روزا
سأصل إلى القبر
وسأرويه بالدماء والدموع
وسأجد الراحة
فى حبك الامومى
وسأخبرك عن خيبات أملى
بين الاحياء
وبعدها
سوف تفتحين ذراعيك
وتعانقينى
مثلما كنت تفعلين عندما كنت طفلاً
وستعيدين السكينة إلىّ
بأغنيتك العذبة
وستأخذينى
لأماكن أخرى
كى أطلق صرخة لا تتوقف.
ومثل الكثيرين من أطفال القرية البائسة، كان"هوجو"مولعاً بكرة القاعدة(البيسبول) ولم يكن أما "تشافيز" وأقرانه سوى إستخدام الاخشاب كعصى لضرب الكرة والتى عادة ما كانوا يصنعونها بأيديهم، فلم يكن وحتى الأن "أديدس" أو "بوما" أو "نيكى. . . . " وكرة القاعدة أو البيسبول هى الرياضة التى قدمت إلى فنزويلا، فى العشرينات من القرن الماضى، مع عمال النفط الامريكيين، الذين تدفقوا مع أول تدفق لأول أبار النفط الكبيرة. ومع هذا الولع بتلك الرياضة الذى إنتاب "تشافيز" فقد كانت المشكلة تكمن فى أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إعلانه عن موهبته فى تلك الرياضة وهو فى قاع المجتمع المهمش والمنبوذ، إذ كان بحاجة إلى التواجد فى مكان الضوء. كاراكاس. كى يُعلن عن نفسه، ولذلك ومع إقتراب نهاية دراسته الثانوية فكر فى الانضمام إلى أخيه"آدان" فى جامعة الانديز فى ميريدا؛ ربما يستطيع من خلالها العبور إلى كاراكاس، لكنه وكما يقول "تشافيز" أسقط الفكرة من رأسه حينما علم أن ميريدا ليس لديها فريقاً للبيسبول يمكنه الانضمام إليه. ووجد أن بإمكانه بلوغ هدفه بالذهاب إلى حيث الضوء. العاصمة. كاراكاس. ولن يكن أمامه سوى الالتحاق بالاكاديمية العسكرية، وكل ذلك من أجل البيسبول!!
وعلى الرغم من أن"تشافيز" لم يكن من المهتمين بالجيش الاهتمام الذى يجعله يستكمل دراسته بالإنضمام إلى الاكاديمية العسكرية، كما ذهب إلى ذلك "بارت جونز" وهو واحد من أهم محللى سيرة الرئيس، إلا أن الاكاديمية فى كاراكاس. وكاراكاس لديها فريق من أهم الفرق فى تلك الرياضة، وهذا الفريق يتولى تدريبه وإدارته مجموعة من أعظم اللاعبين خلال تاريخ اللعبة فى فنزويلا، فلا بأس، كما حدّث "تشافيز" نفسه، من الانضمام إلى الاكاديمية لعام أو لعامين، كى يستطيع تحقيق حلمه بأن يكون لاعباً للبيسبول، تلك اللعبة التى عشقها وأحبها إلى حد الهوس!!
تزامن دخول "هوجو" إلى الاكاديمية العسكرية مع تحولات جذرية كان هدفها تطوير الاكاديمية على نحو يؤدى إلى تخريج ضباط أكثر ثقافة وإنسانية، فقد تصادف دخول"هوجو تشافيز"إلى الاكاديمية العسكرية فى 1971، وهو فى سن السابعة عشرة، مع إعادة هيكلة جذرية للمدرسة على يد مجموعة من الضباط الوطنيين، الذين أرادوا إعادة النظر فى كل ما يدرس للطلبة، وتوسعة حدود المعرفة الانسانية، والعلوم الاجتماعية التى لم تكن فى يوم من الايام محل دراسة فى أى فرقة من فرق الدراسة بالأكاديمية، إذ إقتصرت المناهج على العلوم العسكرية ليس إلا، الأمر الذى يجعلنا نقول أن تلك التغيرات كانت بمثابة ثورة تعليمية فى المؤسسة المسئولة عن تخريج ضباط القوات المسلحة فى فنزويلا، وهم ،كما رأينا، من أصحاب الأدوار الرئيسية فى الانقلابات والاطاحة بالحكام.
أُطلق على برنامج إعادة هيكلة الاكاديمية العسكرية إسم خطة"أندرياس بيللو" تفاؤلاً بإسم أحد الشعراء الفنزويليين والذى عاش فى القرن التاسع عشر. وهكذا، ولأول مرة فى تاريخ الاكاديمية العسكرية الفنزويلية، سوف يقوم الطلاب بدراسة فروع العلوم الانسانية المختلفة من عِلم الاجتماع إلى عِلم السياسة إلى عِلم الاقتصاد، إلى عِلم التاريخ العام والفنزويلى، إلى عِلم القانون .... إلخ ، وأصبح من الضرورى أيضاً أن يقوم الطلبة كذلك بدراسة متعمقة لبيان الحزب الشيوعى، ومعظم المؤلفات الماركسية، بالتأكيد ليس رغبة فى تعليم الطلاب مبادىء الشيوعية. وإنما لمكافحتها بعد أن باتت خطراً يُهدد عروش العديد من الانظمة الحاكمة فى أمريكا اللاتينية والتى أصبحت تُعانى من المد الشيوعى فى تلك الفترة من ستينات وسبعينات القرن الماضى. بل يمكن القول بأن الهدف الرئيسى المبتغى من وراء إعادة هيكلة الاكاديمية العسكرية هو التصدى للحركات الشيوعية ليس بالقمع وهو السائد فحسب وإنما المجابهة بالفكر وإعادة صياغة وعى الجيش على نحو باغض ورافض للشيوعية وكل ما يتماس معها، إلا أن الامر قد جاء مع"تشافيز" على نحو مختلف تمام الاختلاف مع هدف إعادة الهيكلة؛ فبداخل "تشافيز" ثورى صنعته، وربما من غير أن تدرى أو تقصد، الجدة "روزا" فلقد ربت "تشافيز" على حكايات الابطال المحررين والذين دافعوا عن الوطن ضد الغزاة والبغاة ومن أرادوا نهب ثروات البلاد، وكانت الشيوعية كما تلقاها صغيراً هى الأخرى على يد مجموعة من الماركسيين فى "سابانيتا" أقرب ما تكون إلى تنظير لما سمعه من الجدة "روزا"
بدء "تشافيز" ينجذب إلى الاكاديمية وأخذ يعد نفسه للحياة العسكرية بعد التخرج حينما يصير ضابطاً فى الجيش، وبالفعل تخرج من الاكاديمية فى 1975، وكان ترتيبه السابع على دفعته المكونة من 375 طالباً، وأخذ حبه للحياة العسكرية يزداد يوماً بعد يوم، إلا إن أنه لم ينس حبه الاول للبيسبول، بيد أن الاحداث كانت أصعب من أن تترك له حرية الاستمتاع بمعشوقته، فبدأ الحس الثورى يرشده فى تصرفاته بداخل المؤسسة العسكرية، وفى الوقت الذى كان فيه يشرع فى إثبات وجوده بداخل المؤسسة العسكرية كانت الطبقة الغنية المرتبطة بجنرالات النفط والمتمتعين بحماية مؤسسة الحكم تمارس، كالعادة، أعمال النهب الرسمى المنظم لموارد البلاد من النفط، وفى نفس الوقت الذى أعلن فيه الشعب حركة تمرد هائلة كان "تشافيز" يقوم،والذى كان من المفترض أن يتصدى لتلك الحركة بصفته المهنية، بتأسيس حركة عسكرية سرية أطلق عليها جيش تحرير الشعب الفنزويلى (ELPV)
ومن هنا أخذ "تشافيز" يدعم حركته الجديدة ليس بداخل المؤسسة العسكرية فقط وإنما على صعيد المجتمع المدنى، وقام بتكوين علاقات قوية وواسعة مع مجموعة من الاحزاب الشيوعية والراديكالية، وإننى أعتقد أن تكوين "تشافيز" لتلك الحركة. حركة جيش تحرير الشعب الفنزويلى، راجعة إلى أن "تشافيز" قد أصبح فى ضيق شديد من هذا التناقض الذى يعيشه، فنشأته البائسة وما غرسته فيه الجدة "روزا" وإحساسه بالفقر وإنه ينتمى، بحكم تلك النشأة، إلى هؤلاء الملايين من المنسيين، وفى نفس الوقت فهو ينتمى، بحكم مهنته، إلى تلك المؤسسة العسكرية المنوط بها القضاء على تلك الحركات التمردية، الامر الذى يعنى ببساطة قتل الشعب الذى هو أحد أفراده التعساء. فلذا كان من الطبيعى،برأيى، أن يبدأ "تشافيز" هو نفسه بالتمرد على الوضع القائم، فأخذ فى تكوين الخلايا الانقلابية السرية بدءً بجيش تحرير المجتمع الفنزويلى، ومروراً بالحركة الثورية البوليفارية، وإنتهاءً بحركة الجمهورية الخامسة، حينما باتت الامور تشير إلى إمكانية المنافسة غير العسكرية على السلطة.
تلك، وبإختصار، سيرة "هوجو تشافيز" الحاكم لفنزويلا البوليفارية الغنية بالنفط. فماذا عن النفط؟ كما هو واضح من إستعراضنا السابق هو محور جميع الازمات والانقلابات والاضرابات، فهو مصدر ثروة منهوبة، وسبب الانخراط المهلك لملايين البشر فى منظمة الرأسمالية العالمية التى تتغلغل فى فنزويلا من خلال شركاتها وأفكارها وتقنيتها ورجالها وخبرائها وألاتها ومعداتها كى تُشكل المجتمع على نحو يؤجج الصراعات الطبقية ما بين البرجوازية فى قصور كاراكاس وبين سكان الصفيح فى الهوامش والاطراف والضواحى. والنفط لا يتوقف عند حدود كونه ثروة منهوبة من قبل النُخب فحسب، وإنما يتجاوز ذلك كى يُمارس دوراً مفصلياً فى إعادة إنتاج التخلف، فأن فنزويلا حالها حال جُل البلدان الريعية لا تسهم فى أى مرحلة من مراحل الانتاج والتسويق والتوزيع، وكل ما فى الامر هو الحصول على عائدات البيع ليس أكثر من ذلك، ولن يُمثل الامر أزمة واضحة إلا إذ ما كان الريع فى تناقضه مع الربح محل نزاع ما بين المؤسسة الحاكمة وبين الشركة المسيطرة، وهو الحال فى الفنزويلى، بعكس ما هو كائن فى الخليج النفطى إذ لا يُمكن الفصل ما بين أصحاب الريع وبين أصحاب الربح، ولذا كان من الطبيعى وفقاً لقواعد الجدل تفجر الصراع حول تلك السلعة فى فنزويلا، وخموله فى الخليج.

وفيما يلى نسرد بوجه عام أهم الاحداث المرتبطة برئاسة "تشافيز" للجمهورية البوليفارية إبتداءً من 1992.
ففى 1992 قامت مجموعة من العسكريين يقودهم "هوجو تشافيز" بمحاولة إنقلاب فاشلة، وأُلقى القبض على "تشافيز" وأُدخل السجن، وفى عام 1994 خرج "تشافيز" من السجن، كما سنرى بعد قليل، بعد أن تولى "رافائيل كالديرا" السلطة.
1- وفى عام 1997 ترأس "تشافيز" حزب حركة الجمهورية الخامسة الذى أسسه "لويس ماكالينا" حيث تسلم وزارة الداخلية ثم تحول بعدها إلى المعارضة بسبب بعض الخلافات مع رأس الحكم فى الدولة.
2- ومن زاوية ما فلقد كان سجن "تشافيز" فرصة جيدة له كى يُقدم نفسه كثائر شعبى بوليفارى، الامر الذى أدى فى المنتهى إلى أن يحظى "تشافيز" بمساندة هائلة من التيارات اليسارية والطبقات الفقيرة. فى الوقت نفسه الذى ركز الاعلام العالمى الضوء الساطع على ذلك الرجل الثورى الخارج من بين صفوف الشعب، وربما يعيد أمجاد قادة عظام أنجبتهم القارة اللاتينية.
3- لقد أمضى "تشافيز"، بعد خروجه من السجن، عدة سنوات يجوب البلد طولاً وعرضاً، فى مهمة يمكن القول بأنه لم يكن حتى هو متأكداً من غايتها النهائية، معتمداً على أصدقائه ومناصريه، وفى تلك الاثناء خف، ظاهرياً، بريق "هوجو" الاعلامى، إذ فقدت وسائل الاعلام إهتمامها به، بيد أن "هوجو" لم يكن ساكناً أو متوقفة تحركاته الثورية بين مؤيديه. لقد كان "تشافيز" فى الواقع، يُخطط فى الخفاء لمحاولة إنقلابية أخرى فى فنزويلا؛ والتى كانت الولايات المتحدة، ومَن يدور فى فلكها، آنذاك، تَعتبرها دولة ديموقراطية نموذجية، بإعتبارها جزيرة مستقرة خلال حقبة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضى فى وقت كانت الحروب الاهلية، والانظمة السياسية الديكتاتورية وحروب الابادة هى السمات المميزة لتلك الحقبة؛ بيد أن "تشافيز" كان له رأى مختلف تماماً، فقد كان مقتنعاً بأن تلك الديموقراطية النموذجية لم تكن فى الحقيقة سوى ديموقراطية مزيفة تُهيمن عليها طبقة حاكمة فاسدة لن تسمح لشخص ثورى مثله بالوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، ولذا لا مناص من الانقلاب من أجل خلاص هذا الشعب ومن أجل إعادة توزيع الثروة التى تركزت فى يد النُخب الحاكمة.
4- بيد أن هوجو، غيَّر رأيه فى العام 1997، بعد فوز زميله فى قيادة الانقلاب السابق وزميل السجن"فرانشيسكو أرياس كارديناس" بمنصب المحافظ فى ولاية زوليا الغنية بالنفط، فشرع فى الاعداد لحملة تقوده إلى مقعد الرئاسة، وكانت معظم التوقعات و تقارير إستطلاع الرأى، تكشف عن ضعف موقف "تشافيز" ؛ فهو أولاً: قائد الانقلاب الفاشل، ثم أن، ثانياً، معظم الاهتمام كان منصباً على منافسته، الشقراء الفاتنة، ملكة جمال العالم السابقة، آيرينى ساييز، ولكونها رئيسة بلدية ناجحة فى العاصمة الثرية، كاراكاس، فقد تصدرت إستطلاعات الرأى. بيد أن نسب النجاح بين الحسناء والوحش، كما أطلق فى فنزويلا على الصراع الدائر بين "إيرينى" وبين "تشافيز" تغيرت كثيراً عندما كشفت تصريحات ملكة جمال العالم عن خواء فكرى عميق إستشعر معه الشعب القلق على مستقبله فى يد الملكة الشقراء، فأن تحكم ولاية ربما، أما أن تحكم البلاد فهو الامر الذى ينبغى إعادة التفكير فيه، فى الوقت نفسه كانت خطب منافسها الثورى"هوجو تشافيز" تلهب مشاعر الملايين المعدمين المهمشين من قاطنى مدن الاكواخ والصفيح، والغاضبين بسبب الفجوة غير الانسانية على الإطلاق بين الفقراء وبين الأغنياء.
5- وفى عام 1998 خاض "تشافيز" الانتخابات الرئاسية مركزاً فى جميع خطبه إلى الشعب على هدفه الاساسى وهو إعادة توزيع ثروات البلاد والتى كانت نهباً لقلة حاكمة ترتبط مصالحها بالرأسمالية العالمية على حساب ملايين الفنزويليين الفقراء والجوعى، ولم يكن إعلان "تشافيز" عن هدفه ذلك بإستخدام النبرة المعهودة لدى الشعب من قبل من حكموهم، وإنما إستخدم أسلوباً نارياً ألهب حماسة الناخبين خاصة الطبقات الفقيرة والعاملة، فحصل على نسبة 2ر56%من الأصوات، مقابل 40% "لآيرينى ساييز"، وبذلك ظهر "هوجو" على الساحة من جديد منهياً بذلك هيمنة دامت ثلاثين عاماً لحزب العمل الديمقراطى(AD) والحزب الاجتماعى المسيحى(COPEI) ولكى يقوم "تشافيز" بتأدية اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية البوليفارية فى فبراير/شباط عام 1999.
6- بدأ "هوجو تشافيز" رئاسته بمحاولة السيطرة على شركة النفط الحكومية العملاقة، بتروليوس دى فنزويلا، التى وصفها بأنها" دولة مستقلة بداخل الدولة"،كما ذكرنا، تخدم مصالح النُخب الحاكمة والثرية. كما لعب "تشافيز" دوراً ريادياً فى إعادة إحياء منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) الميتة إكلينيكياً، وذلك من خلال إستضافة أول قمة لقادة دول "الاوبك" خلال خمسة وعشرين عاماً. وبفضل مساعدته فى رفع أسعار النفط العالمية من أدنى مستوياتها، عندما تولى الرئاسة، إلى مستويات قياسية، رفع "تشافيز" الدخل القومى الفنزويلى من 14 مليار دولار فى 1998 إلى 40 مليار دولار فى 2006.
7- وفى سنة رئاسته الاولى، دعا "تشافيز" لعقد إجتماع دستورى وساعد بنفسه فى إعادة كتابة الدستور، والذى سيصوت عليه 72% بالموافقة مقابل 28% بالرفض.وفى نفس اليوم، يوم الإستفتاء، أدت موجه هائلة من الاعاصير الجارفة، والعواصف الجامحة إلى مسح مئات القرى المنتشرة فى المنحدرات الجبلية الكاريبية من على الخريطة، دافنة معها آلاف الفنزويليين(الأكثر فقراً ومرضاً وجوعاً) ولقد عُدت تلك الكارثة من أكبر الكوارث الطبيعية التى حدثت فى فنزويلا خلال مئة عام على الاقل. إلا أن "تشافيز" ظهر للشعب وللعالم كله كرئيس دولة وطنى وواحد من ملايين الجماهير التى أتت به كى يحكمها؛ فقد أمر الرئيس"تشافيز" بفتح أبواب "ميرا فلوريس" أمام بعض المنكوبين وإستضافتهم فى حديقة القصر وحجراته، فى سابقة لم تحدث على الاطلاق فى أى دولة من دول العالم الحديث على الأقل.
8- وفى عام 2000 جرت إنتخابات الجمعية الوطنية، وإختار "تشافيز" أن يطرح نفسه لإنتخاب جديد مرافق لتلك الإنتخابات، لتأكيد شعبيته، ومن ثم ترسيخ وجوده كرئيس شرعى مُُنتََخب ديموقراطياً، فأحرز 60% من الاصوات لمصلحته وتمت إعادة إنتخابه. وفى أبريل/ نيسان 2002 وقع الانقلاب الفاشل الذى رتبته طبقة رجال الاعمال وزعماء النقابات العمالية القدامى الذين فقدوا إمتيازاتهم بسقوط الاحزاب السياسية المرتبطة بالخارج، إلا أن هذا الانقلاب لم يدم أكثر من 48 ساعة، كما رأينا.
9- وفى عام 2004 نشأت أزمة إفتعلتها المعارضة وإستطاعت بسببها، ووفقاً للدستور، إجراء إستفتاءً رئاسى، بيد أن النتيجة كانت أن صوّت 59% من الناخبين لمصلحة بقاء "تشافيز" فى السلطة.
10- وبتاريخ 3/12/2006 جرت إنتخابات رئاسية فى فنزويلا، حيث فاز "تشافيز" مجدداً بمنصب رئيس الجمهورية، وعقب فوزه بالانتخابات أعلن حل حزب حركة الجمهورية الخامسة وتأسيس الحزب الاشتراكى الفنزويلى الموحد الذى سيقوم بتطبيق نظام إجتماعى قائم على المساواة والعدالة الاجتماعية فى إطار نظام إشتراكى خاص بالفنزويليين ويتناسب مع متطلباتهم فى القرن الحادى والعشرين، وأكد "تشافيز" على حرية إنضمام الاحزاب الموالية له إلى الحزب الاشتراكى الجديد.
11- وبتاريخ 8/1/2007 أدى الرئيس "تشافيز"القسم، وأعلن عن عدد من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ضمن حملة التطهير التى يقوم بها ولاسيما بعد تأكيده على تحطيم الدولة البورجوازية.
12- وبتاريخ 9/1/2007 قرر "تشافيز" تشكيل حكومة فنزويلية جديدة مع تغيير أسماء كافة الوزارات الفنزويلية، مضيفاً عبارة السلطة الشعبية إلى عبارة الوزارة.
(المصدر: محمد عادل زكى، الاقتصاد السياسى للتخلف، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2012)

للمزيد من التفاصيل أنظر:
(محمد عادل زكى، الاقتصاد السياسى للتخلف، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2012)



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعود الرأسمال التجارى
- الصراع على النفط؛ التاريخُ المُعَاش
- بيان إلى عمال مصر
- الماركسية تراث مشترك للإنسانية
- تجدد إنتاج التخلف
- الاستبداد السياسى فى أنظمة الحكم العربية
- الاقتصاد السياسى للديموقراطية فى العالم العربى
- ملاحظات على أطروحة محمد عادل زكي عن جدلية القيمة الزائدة
- القيمة عند أرسطو وسميث وريكاردو وماركس
- الاقتصاد السياسى الماركسى
- حول فرضيات جرامشى
- منهجية البحث فى إشكالية التخلف الاقتصادى العربى
- الاقتصاد السياسى للصراع فى السودان
- الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس
- مخطوطة أولية فى جدلية القيمة الزائدة
- الاقتصاد السياسى فى فكر كارل ماركس
- ماركس المفكر لا الأيديولوجية
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -
- نظرية جديدة فى جدلية فائض القيمة عند ماركس
- إحياء الفكر العربى. فقر الفكر الثقافى؟ أم فكر الفقر الثقافى؟


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عادل زكى - الثورية التشافيزية