أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد حسن عبد الحافظ - سحر السخرية المصرية














المزيد.....

سحر السخرية المصرية


محمد حسن عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 12:47
المحور: كتابات ساخرة
    


طلبت إحدى الصحافيات في إحدى الصحف (لا ذكر لاسم الصحيفة عندي بعد اليوم) الكتابة في موضوع الأمثال الضاحكة، فكتبت:
ــــــــــــــــــــــــ
استقر النظر المعرفي إلى "المثل الشعبي" بوصفه جنسًا أدبيًا شفهيًا ذا خصائص لسانية ومقومات جمالية. وما يلفت اهتمامي هو محتوى شكل المثل؛ أي تحليل قيمه الجمالية والاجتماعية في آن معًا. فالمثل الشعبي نوع أدبي كاشف عن شمائل المجتمع وطرائق عيشه ومختلف معارفه وعلومه ووجوه تفاعل أفراده مع الطبيعة المحيطة بهم. وفي الوقت نفسه، هو جنس أدبي شعبي ذو خصيصة فنية تمنحه كينونته، فالمثل الشعبي كثيف للغاية – أو قل: فقير جدًا - على مستوى الدوال اللغوية، بينما يتمتع بثراء واسع على مستوى الدلائل والدلالات الاجتماعية، مما يجعل الوعي بـ "سياق" أداء المثل شأنًا استراتيجيًا لا غنى عنه. السياق هو الموقف الذي يضرب فيه المثل، فيفجر الدلالة، ويحقق المفارقة. قد تنتج هذه المفارقة – في عدد لا بأس به من الأمثال الشعبية - قيمة ساخرة من السياق نفسه، لكن السخرية هي في حقيقة الأمر قناع للحظة إنسانية صعبة أو مرَّة أو مأساوية. فلم يبدع الناس الأمثال للتعبير عن السخرية، أو قصدًا للإضحاك، حيث اخترعوا النكتة من أجل الوصول إلى هذا الهدف ببراعة.

النكتة وظيفتها تفجير الضحك، والنكتة هي فن البلاغة الساخرة بامتياز، والنكتة هي التي تخترق المحظور في الجنس والدين والسياسة، مما جعل للنكت حضورًا مركزيًّا في حياة الناس، في جلساتهم وأسمارهم وأعمالهم، وفي علاقاتهم السرية، النكتة تعبير عن الاحتجاج بالسخرية على اختلال الأوضاع الاجتماعية والعائلية والسياسية، وتعبير عن مقاومة هذه الأوضاع والصبر عليها حتى يلفظ الاختلال والظلم والتمييز والتعصب والتسلط أنفاسها الأخيرة. المصريون بارعون في إنتاج هذا الفن، وبارعون في أدائه، وبارعون في اختيار لحظة انتشاره ولحظة خفوته، الشعب المصري مثلٌ بارع على قوة السخرية، وعلى سحرها النافذ في الوجدان الجمعي. كنا نظن أن السخرية المصرية محض تسطيح للدولة العميقة، أو هروب من الواقع المختل والتاريخ الثقيل، فإذا بنا نكتشف أن السخرية سلاح فريد من نوعه، تخصص المصريون في تصنيعه، انظروا ماذا فعل المصريون في ثورة يناير، لقد ثاروا بالسخرية المُرَّة من سنوات عجفاء، إن لم تكن عقودًا طويلة من الإجحاف مرت على المصريين. عندما طال تجمعهم الغاضب في الميادين بأجساد معرضة للقنص، كتب أحد الشباب على مساحة جسدية بين الرأس والفرج: "منك لله الورق خلص. ارحل". وكتب آخر: "ارحل عاوز استحمى". وأخرى: "ارحل عاوزه أتجوز". مئات من العبارات الساخرة المكتوبة على الأجساد وعلى الأزياء وفي اللافتات.. وانبرى عدد من الشباب يجذبون جمهور الثورة في الميادين إلى حلقات فرجة على عروض أدائية ساخرة، كشاب يتقمص دور مهراجا يعلق على أحداث الثورة المصرية ومطالبها، قاصدًا إحداث مفارقات صوتية ولغوية، ويقف شاب آخر خلفه متقمصًا دور المترجم والمفسر لمفردات المهراجا، والمتفرجون يشتعلون ضحكًا. لا بد أن روح نجيب الريحاني كانت تطوف في ميدان التحرير. وشاب آخر يعتلي عامود الإنارة ويمسك بالدف ويرتجل الغناء على شخصيات تحترمها الجماهير وأخرى تلفظها من الذاكرة، وتسخر من وجودها الزائف في الماضي. شاء المصريون أن لا يكون فن النكتة المصدر الوحيد لإنتاج السخرية (المصريون ضد الاحتكار في الفنون والآداب، على طريقة احتكار الحديد والسلطة)، من هنا تمددت السخرية إلى أنواع أدبية شفهية كالفوازير والمثل الشعبي والسيرة الشعبية والأغاني، عبر خصائص لغوية ورمزية وإيقاعية جديدة. ففي الفوازير يقولون: "ليه الصعيدي بيذاكر فوق الجبل؟ علشان يعمل دراسات عليا". "ليه الصعيدي بينام وجنبه دوده؟ علشان راح للدكتور وقال له نام ساعات معـ دودة". "إيه قمة الأدب؟ إنك تخبط على باب التلاجة قبل ما تفتحها. وقمة الهبل؟ إنك تستنى حد يفتح لك باب التلاجة. طيب وقمة الدهشة؟ إن تلاقي حد يفتح لك باب التلاجة". ومن الأمثال الضاحكة التي يزداد ذيوعها: الصبر مفتاح تلاتاشر. وأقول له مخ يقول لي كبده. وأكل العيش يحب الطعمية. واقطع عرق وحتة بتلو. وبكره ترجع ريما من عند خالتها في مارينا. والمال السايب يعلم الطلبه. ومن خرج من داره ما ينساش ياخذ المفتاح معاه. والعين عليها lenses...

ليست هذه النماذج الشائعة أمثالاً شعبية بالمعنى الذي درج عليه المتخصصون في الفنون القولية الشعبية. وإنما هي نماذج تشيع وتنتشر في فترات زمنية، ثم يحل محلها نماذج جديدة. لكننا معنيون دومًا برصدها وتحليل دلالاتها.

يستقطب المصريون سخريتهم إلى مختلف أشكال تعابيرهم الشعبية، ومختلف وقائعهم في الحياة. من النكتة إلى الفوازير إلى الأمثال، إلى المحاورات اليومية، إلى المشاجرات، إلى العلاقات العامة والخاصة. في الأسواق والأعراس والجنازات. في مترو الأنفاق والقطارات والأتوبيسات والميكروباسات والتكاتك والتكوسه (جمع تاكسي). في الجلسات العائلية الحميمة أثناء انقطاع الكهرباء والماء والتيمم وطفح المجاري. في الأعمال الفنية المسرحية والسينمائية والتليفزيونية. في شبكات التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية ورسائل الـ sms. في الكتابات الأدبية والمانشيتات والموضوعات الصحفية. في المدارس والجامعات والمعاهد. لم تعد السخرية همسًا وأسرارًا خافية؛ بل صارت علنية كالمخدرات والسلاح واللحى الطويلة والمهذبة.

ــــــــــــــــــــــــــــ
يوم صدور الصحيفة غير المذكورة أعلاه لم أجد ما كتبت منشورًا في ملحقها، فهمت عبر الصحافية أن مسؤول الملف حذف عددًا من الموضوعات، وحباني بأن أكون أحد المحجوبين. أعدت قراءة ما كتبت، وساءلت نفسي: كيف لم أتوقع هذا؟ وضعت خطوطًا حمرًا بين السطور أسفل : ارحل - السلاح - اللحى الطويلة والمهذبة - الاختلال - التكاتك - الجنس - المخدرات - الدين، فقررت نشر الموضوع في الحوار المتمدن، ورب صدفة خير من ألف ليلة وليلة.



#محمد_حسن_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءات4
- حكاية 2
- عن نصر حامد أبو زيد
- مناسك 7
- إضاءات 2
- إضاءات 1
- مناسك 6
- حكاية 1
- في الأصولية وقضايا المرأة
- في المرحلة الانتقالية
- في الأصولية والأصوليين
- في انتظار القطار
- في الاحتجاج بالجسد
- في تناسل المقدس
- رسالة إلى شباب مصر على الفيس بوك
- رسالة إلى الرئيس مرسي العياط
- مناسك 5
- مناسك 4
- مناسك 3
- مناسك 2


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد حسن عبد الحافظ - سحر السخرية المصرية