أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة















المزيد.....

نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1111 - 2005 / 2 / 16 - 11:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ليس المشترك بين الطبقة السياسية اللبنانية والمعارضة السورية تعامل الحكم السوري معهما عن طريق ضباط المخابرات، حسب عبارة وليد جنبلاط الساخطة. المشترك، بالأحرى، ما يشير إليه ذلك من تحكيم المستوى الأمني في التعامل مع الطرفين، ومن ورائهما المجتمعين. ولا يغير من شكل التعامل هذا أنه تتاح للطبقة السياسية اللبنانية أن تلتقي "السياسيين" السوريين حين يحضر أركانها إلى دمشق، فيما يكاد الأمني يحتكر العلاقة معها في بيروت. فالمشكلة ليست مشكلة رجال بل مشكلة سياسة – سنحاول رسم ملامحها. وهي، تاليا، لا ترتد إلى محض تولية ضباط مخابرات الاتصال بالسياسيين اللبنانيين، ولا تتحول بمجرد حلول دبلوماسيين محلهم.
بالمقابل تقتصر العلاقة مع المعارضة السورية على الأمنيين وحدهم، مع ما يعنيه ذلك من وضع المسدس فوق الطاولة، وحلول التهديد محل التفاوض والسجن محل الحوار.
في الحالين، السورية واللبنانية، يصدر التعامل الأمني عن عدم الاعتراف بوجود اطراف سياسية مستقلة في البلدين، وهو ما يشكل الوجه الآخر لمسلمة تصادر على التجانس الاجتماعي وعلى تمثيل مباشر لمجتمع في السلطة بل على "فنائه" فيها بالمعنى الصوفي للكلمة. ففي سوريا ذاتها يشكل التعامل الأمني مع الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة والمستقلة الوجه الآخر لعقيدة تنكر التعدد الاجتماعي والسياسي ولا تقبل صفة تمثيلية أو سياسية مستقلة لأية جهة في الداخل. بعبارة اخرى، تتحالف العقيدة التي تسمى في سوريا "الوحدة الوطنية" مع القوة الأمنية على إلغاء السياسة من المجتمع السوري وتنظيفه من اية أطراف مستقلة. وقد كانت ثمرة المزج بين القوة المفرطة والعقيدة المتطرفة طوال عقود تطهيرا سياسيا تاما للمجتمع السوري. والأمر ذاته بخصوص لبنان. فهنا أيضا تحالفت العقيدة القومية المطلقة (الوجه الموسع عربيا لعقيدة "الوحدة الوطنية" البعثية) مع القوة العسكرية والأمنية لإخلاء المجتمع اللبناني من السياسة والمطالبات المستقلة.
ويتجلى حظر السياسة في ان كل خلاف يتحول إلى عداوة وحرب (ياسر عرفات، كمال جنبلاط، .. وكل الداخليين)، وبالمقابل يمحي الفارق بين الحليف والتابع، ويستحيل تأسيس تحالفات على أرضية غير عقيدية. وهو ما يضمر أن لا منزلة مستقلة بذاتها بين العنف الذي يبيد ويخرج من السياسة وبين العقيدة التي تخوّن وتخرج من الوطنية أو القومية أو تستتبع وتقيم "أخوية" على راسها بطريرك مطلق السلطة. وتتحول وظيفة العقيدة من أحد محددات السياسة لتغدو أداة للسلطة أو "سبب لجلب الدنيا إلى الرؤساء" حسب التعبير الرائع لأبو العلاء المعري. وبموازاة هذا التحول تتجرد من مضامينها الاجتماعية والوطنية والإنسانية من ناحية، و تتوسع في التخوين من ناحية ثانية. تخون وتقصي بقدر ما تتفرغ من المضامين والقيم الحية.
من السمات المميزة كذلك للعلاقة الأمنية التفريد، أي التعامل مع المعارضين كأفراد لا كتنظيمات أو احزاب. وبدورها تصدر هذه السمة من رفض السياسة وإنكار وجود اطراف سياسيين مستقلين. وقد افلح هذا التعامل التذريري المشفوع باستخدام شرس للعنف في تحطيم الأحزاب السياسية السورية في مجري العقدين الأخيرين من القرن العشرين. فنحن في الواقع إزاء نسخة متطرفة من سياسة فرق تسد، نسخة طبقت بصورة مخبرية على المعتقلين السياسيين الذين فصلوا عن أحزابهم وعن السياسة، وجعلوا موضوعات امنية مفردة معزولة عن بعضها. في لبنان أخذت هذه السياسة شكل عرقلة قيام تحالفات متعددة الأطراف أو عابرة للطوائف بالخصوص.
ويندرج كلا من الإكراه والتفريد الأمنيين والاحتواء العقيدي ضمن علاقة هيمنة متعددة المستويات وثابتة. وأعني بالهيمنة هنا احتلال السلطة السورية الموقع الذي يمكنها من التحكم والسيطرة على جملة وتفاصيل التفاعلات والعلاقات بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين المحتملين، سواء كانوا أحزابا ام منظمات أم طوائف، أم حتى أفرادا في الحالة السورية. تقوم سياسة الهيمنة هذه، بعبارة اخرى، على منع أي تفاعل مستقل بين الفاعلين المذكورين، وفرض مرور جميع أشكال التلاقي والتواصل والتعارف بينهم عبر رقابة الأجهزة الامنية والإيدولوجية للنظام. وهذا الشكل من الهيمنة ليس مضادا للسياسة فقط وإنما هو مضاد لمحض نشوء مجتمع حي ومتفاعل، "مجتمع مدني". العنف بمفعوله التفريقي والتفريدي والعقيدة بمفعلوها الاحتوائي والتخويني أدوات علاقة الهيمنة هذه.
ما جعل هذه العلاقة ممكنة هو اختلال ميزان القوى بين الأطراف السورية واللبنانية المعنية. فضعف المعارضين السوريين والقوى السياسية اللبنانية يقلل من فرصهما في نيل الاعتراف بهما كاطراف سياسية مستقلة. وهذا يبقى صحيحا حتى مع علمنا أن ضعف الطرفين المذكورين صنعي وسياسي وبفعل فاعل. إن ما يمكن أن نسميه نظام اللاسياسة يخلق الشروط التي تحرره من الحاجة إلى السياسة: يضعف المعارضين إلى درجة مرورهم دون عتبة السياسة وإغنائه عن الاعتراف بهم والتفاوض معهم.
ولعل تبدلات في ميزان القوى تفسر تعيين وليد المعلم نائبا لوزير الخارجية السوري وما تداولته وسائل الإعلام من تكليفه التعاطي مع الشأن اللبناني. فدينامية تحسن وزن المعارضين اللبنانيين وقدرتهم على تشكيل إطار تحالفي يعمل علنا ويكسر حاجز الخوف، حسب تعبير متداول في الأوساط المعارضة السورية استخدمه وليد جنبلاط مؤخرا، دفعت الحكم السوري إلى رفع مستوى العلاقة مع لبنان من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي. غير ان المشكلة مشكلة سياسة لا مشكلة رجال كما قلنا، وهو ما يعني ان ولاية المعلم ستكون محدودة الأثر إن لم تندرج في سياق نزع الطابع العسكري والمخابراتي عن العلاقة السورية اللبنانية.
سيكون هذا التحول بدوره محدود الأثر في سوريا ما لم يندرج في سياق نزع الطابع العنفي والعقيدي عن الدولة السورية، اي طي صفحة دولة الشوكة والغلبة حسب العبارة الخلدونية، الدولة التي لا تترك مجالا للسياسة والتسوية والتي تحتاج إلى عقيدة مطلقة تسوغ عنفها وتطبعه حتى في أقصى اشكاله.
نظام اللاسياسة هذا حصيلة غياب نصاب السياسة قدر ما هو سياسة فاعل واع مريد. من جهة أولى لا مقام للسياسة في هذا النظام، لا يعرفها، وفكرتها غير موجودة لديه ولا مكان لها فيه، وقيمها غائبة عن افق تفكيره وممارسته. ولعله حين نزع نظام الحزب الواحد السياسة من المجتمع نسي ان يحتفظ بشيء منها لنفسه. ومن المنطقي أن صاحب السلطة لا يستطيع أن يحكّم العنف والعقيدة في المجتمع الذي يحكمه وأن يبقى سياسيا في الوقت ذاته. فالسياسيون في هذا النظام أسرى سياستهم، او بالأحرى أسرى مفهومهم اللاسياسي للدولة والسياسة، المفهوم الذي ينوس بين العقيدة المطلقة وبين العنف المطلق ولا يكاد يمر بالسياسة إلا عابرا ومضطرا.
من جهة ثانية سيتكشف نزع السياسة مناسبا جدا لمصالح النخبة اللاسياسية وانفرادها بالحكم. وهذا ما سيجعله أيضا خيارا حرا لنخبة لا تملك مؤهلات لغيره. ولن يلبث نظام اللاسياسة أن يقوم على إنتاج العنف والعقائد اللازمة لتغييب نصاب السياسة وتمكينه من إعادة إنتاج ذاته وضمان دوامه. وأسرى اللاسياسة لن يلبثوا ان يأسروا مجتمعهم بشباك الأمن المخيف والعقيدة المعصومة- ويجعلوا من إبقائه في الأسر حريتهم الوحيدة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
- عشر أطروحات حول السلطة والندرة
- موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
- من يهين سوريا؟
- اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
- تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض
- لبنان المستقبل لا يبنيه لبنانيو الماضي!
- السوريون والسياسة الأميركية: هل من جديد؟
- محددات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط
- نقد ثقافة الضحية
- بين النقد والاتهام
- نقد ذاتي
- معاناة -السيد ياسين- ومغامراته في عالم -الصحيح الواقعي-
- مفهوم لخط الفقر السياسي
- عن الحرب العادلة والإرهاب والدولة
- سوريا ممكنة دون معتقلين سياسيين!
- قانون الأحزاب وتحرير الحياة السياسية في سوريا
- المستحيلات الثلاث في -الشرق الأوسط-
- سوريا غير المتطابقة مع ذاتها
- حلفاء ضد التحليل: التبريريون والتشريريون في معركة الإرهاب


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة