أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - الحريقُ














المزيد.....

الحريقُ


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3794 - 2012 / 7 / 20 - 08:59
المحور: الادب والفن
    


كانت سحابةً سوداء هائلة في سماء المنامة، الوقت قبيل العصر، وهو موعدٌ ترفيهي خاص لحارقي العجلات في الشوارع، لكن السحابة تظهر من بعيد عملاقةً ضخمة، متجهة نحو الجنوب، والهواء راكد، والحر شديد.


السحابة العالية جعلت المشاعر مضطربة فأي إمكانية تنتجُ مثل هذه الغيمة المعتمة التي غطتْ نصفَ الأفق الجنوبي؟


السيارات المتقدمة لمقاربة الموقع قرب تقاطع وزارة العمل في مدينة عيسى تتوجه إلى الانحصار في خط رئيسي وتتزاحم بشكل بطيء ثم لا تعود قادرة على الرجوع إلى الوراء أو السير إلى الإمام.


يتضحُ مشهدُ الحريق شيئاً فشيئاً، الغيمة العالية المتحولة إلى سحب متدفقة تبدو أنها تندلعُ من بيوت، مع صعودِ السيارات على الجسر المرتفع قليلاً قليلاً، حتى توقفتْ لنصف ساعة بدت مخيفة.


لكن السيارات ترى إنه ليس ثمة بيوت محترقة، والبيوتُ الكبيرةُ القوية القريبة من بؤرة الحريق في المدينة سالمة رغم قربها من المنطقة المحترقة الكثيفة الدخان التي غطت المكان.


الكتل الحديدية من السيارات المتراصة ضبطتْ أعصابَها بقوة شديدة، السماء من فوقها شديدة السخونة والأرض تزدادُ حرارة، والطابور الطويل من السيارات لا يكاد يمشي تحت كتلة الدخان الهائلة.


كانت لحظات شديدة التوتر، فالطرقُ مسدودة أمام الطابور الطويل من السيارات، المتوهجة، فالجسرُ المعلق المرتفع المنحني بعدئذٍ محصور بين طرق مسدودة كلها، فليس ثمة طرق جانبية وليس ثمة سوى طريق واحد، هو طريق الجسر ثم ينفتح لطريق واحد فقط، لكن الطريق الواحد الذي كان يشبه الانفراجة العظيمة، والملاذ الآمن القريب العزيز، هو نفسه يمتلئ بإنشاءاتِ طرقٍ وعمليات رصف وهدم وبناء، وثمة حشود من الحواجز التي تمنع السيارات من الخروج من هذه المصيدة المرورية والانفلات يميناً أو يساراً.


ليس أمام سواق السيارات سوى الجثوم تحت سحب الدخان، التي لم تحرك اتجاهها، فظلت تنبعُ من تلك الساحة المسماة السوق الشعبية وتصعد إلى السماء، فوق الجسر، وفوق السيارات وفوق البيوت وفوق الأرواح المتوجسة!


وكان الحريقُ في بدايته، والمياه تتدفق عليه، لكنه كان عاتياً، وبدا الدخان الأسود الفاحم تعبيراً عن سلع ذات مواد كيميائية، فليس ثمة نقطة بيضاء في هذا الدخان، وهذا الاسوداد المخيف يعبر عن منتجات الصناعة وقد غدت تلوثاً وسموماً.



حافظ السواق على قوة أعصابهم، لم تند صرخة واحدة من سائق، لم يجرِ أحدهم ويسبب اضطراباً إضافة إلى الاضطراب العام، الأبواق التي كنا نسمعها في أي ازدحام مروري لم تظهر هنا، فيما الدخان لا يزال ينطلق، والسماءُ تتوهجُ بحرارة شديدة، ولم تعد مكيفات السيارات تفيد شيئاً في هذا اليوم الشديدة الحرارة من قيظ يوليو، لكن السيارات تنساب في هذا الطريق الأفعواني الملتف بين حديد الجسر وصخوره وبين الأشياء البلاستيكية الموضوعة لتحديد الإنشاءات الكثيرة التي تبدو كحياتٍ ملتفة.



خروج السواق بهذا الهدوء والتعاون من دائرة اللهب والدخان كان يعبرُ عن مسلك وطني حضاري عميق، حيث إن الشدائد تبرزُ المعدنَ الثمين من الشخصية الإنسانية، ولم نر سيارة تقفز من أجل المصير الشخصي، أو أن يثير أحدهم الأعصاب، وحين تخرج السيارات من ذلك الطريق الثعباني المتوهج فإنها تنشد السلامة والفرح وتنطلق في الشوارع التالية شبه الخالية!



وحتى الأعشاب وراء تلك الدائرة السوداء كانت حارة!



هذا هو معدن الشخصية الوطنية تلمحها في خلال هذه الدقائق الطويلة العسيرة، فيما السوق الشعبية تمثلُ حالة أخرى، فالشخصية الوطنية التحمت بدون أي تعارف بين هذه الكائنات الجاثمة في السيارات وتشهدُ منظراً مرعباً، وتتوجسُ من الريح وربما تغير اتجاهها وربما تندفع كتل الدخان إليها! وربما تحاوطها وربما تخنقها!



لو أن أي شخص حاول الاهتمام المريض بنفسه، أو أصاب الناس بهستيريا لكانت كارثة.



مضوا رغم الزحام، وفرص العيش البسيطة، واحتمالات الخطر، لم يحولوا أشياءهم لتجارة فوضوية أو قاتلة.



طابور من السيارات يمتد على مسافة نصف مدينة كبيرة يعبر عن شعبٍ عظيم رغم مشكلاته.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإخوان المنشأ والتطور
- صعوباتُ التراكمِ في الخليج بالقرن ال ١٩
- صراعُ المحورين والثقافة الديمقراطية
- المقارباتُ الديمقراطيةُ مطلوبةٌ
- بين قطبينِ اجتماعيين مختلفين
- الدينُ والاشتراكية (٢-٢)
- الدينُ والاشتراكية (١-٢)
- ديمقراطيةٌ من دون برجوازية
- الطريقُ الجنوني للديمقراطية
- التنويرُ الاجتماعي
- مشكلاتُ الفوائضِ الاقتصادية في الدول الخليجية
- تداخلُ الاشتراكياتِ الخيالية
- التثقيفُ الذاتي والحقيقة
- تفكيكُ وحدةِ العمال
- تدويرُ رأسِ المال الوطني
- اشتراكيةُ الفقرِ واشتراكيةُ الغنى
- التحركات الاجتماعية والاقتصاد
- الثورةُ السوريةُ.. بطولةُ شعبٍ
- تحولاتُ العاملين بأجرٍ في الخليج (٣-٣)
- تحولاتُ العاملين بأجر في الخليج (٢ - ٣)


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - الحريقُ