أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - فيروس الإله [3]















المزيد.....



فيروس الإله [3]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 13:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفصل الثالث
الرب يحبك: عقدة الذنب المعيقة

((تحفر في الأرض بحثاً عن الجواب، حتى تدمى أصابعك، لتشبع جوعك، لترضي رغبتك. إنهم يغذّونك على الذنب، ليبقوك وضيعاً وصغيراً، بعض الرجال والأساطير التي اخترعوها، منذ ألف سنة))
[ميليسا إيثريدج، "تراث صامت Silent Legacy" أغنية من ألبوم: يس آي آم]

الآن وقد عرفنا السمات الاجتماعية والسياسية لفيروس "الإله"، يمكننا الآن أن ندقق أكثر في بعض المكوّنات الشخصية والسيكولوجية. وسنبدأ بالدور الذي تلعبه عقدة الذنب في الترويج للعديد من الأديان. وكيف أنّ الشعور بالذنب يقود سلوك الفرد ويوجّهه؟ وكيف يُستغلّ هذا الشعور لربط الناس بالفيروس؟

الأب جوزيف
عندما كنت ما أزال أمارس عملي في عيادتي الخاصة، جاء إليّ قسّ في نهاية العقد الرابع من عمره _48 سنة_ للاستشارة (سأسمّيه هنا بالأب جوزيف إلا أنّ ذلك لم يكن اسمه الحقيقي). كان قلقاً جداً وكان يشدّد كثيراً على سرية الجلسات وما يدور فيها. كان قلقاً لأنّه مارس عادة الاستمناء واستخدم مجلاّت إباحية. كان يشعر بذنبٍ كبير يثقل كاهله إلا أنه لم يستطع منع نفسه. كان قد أظهر علامات الإصابة بالاكتئاب. وبعد عدّة جلسات، اعترف أخيراً بأنه كانت تنتابه أفكار مدمّرة للذات. "أظنّ أنه سيكون من الأفضل أن أكون ميتاً على أن أفكّر بهذه الأفكار والرغبات السيئة. إذ أني كنت أفكّر فيها وأنا أخطب بالجمهور أو أقدّم استشاره للأزواج".

شعر بأنه ليس هناك أيّ أحد من الكنيسة يمكنه أن يتحدّث معه، لذا فقد سعى إليّ بنفسه. خلال استماعي إليه، كان يبدو كرجلٍ عادي وطبيعي. ذكر يفتقر لمنفذ جنسي مسموح به. كل سنوات تدريبه وتثقيفه علّمته أنّ الاستمناء والإباحية من الخطايا القاتلة. شعرت بالألم لسماعي معاناته وشعوره بالذنب. وكل ما كان يمكنني القيام به هو أن أجعله يعلم أنّ كل ما أخبرني به كان طبيعياً جداً، وأنّ الدافع الجنسي عند الذكور من البشر قويٌ للغاية وأنه ليس من الطبيعي كبته بهذا الشكل.
بعد عقد الكثير من جلسات المعالجة النفسية الصعبة، كنا قد وقعنا على صراع عنيف بين برمجته ودوافعه الطبيعية. أنا لست متأكّداً بأنه قد نجح في حلّ مشاكله لكن بعد حوالي ستة أشهر تقريباً، اتصل بي قس آخر وطلب مني تخصيص جلسات له، كان الأب جوزيف هو من أرشده إليّ. وتمّ الكشف عن سيناريو مطابق للسيناريو السابق.
كل من هذين الرجلين المخلصين والملتزمين كانا حائرين وقلقين حول أمر طبيعي جداً. فصراعاتهما، الشعور بالذنب والقلق قادتهما إلى حالة من الاكتئاب الشديد _وحتى أسوأ من ذلك. لقد سيطر الفيروس الديني على عقليهما وبرمجهما جنسياً بطريقة لم يكونا قادرين على أيجاد سبيل أو مخرج للخروج منها. لا أعرف ما الذي حدث لهما حتى هذه اللحظة منذ أن انتهت الجلسات. على الرغم من حياة كاملة من التكريس والالتزام، فقد وجداً نفسيهما بأنهما سيئين ولم يكونا جيدين كفاية. فالتصرف وفق الحاجات والدوافع الطبيعية كان كافياً بأن يدينهما في عينيهما وفي عيني الرب.

 أنت لست جيداً كفاية
((الذنب: هو معاقبة نفسك قبل أن يقوم الربّ بذلك)) [آلان كوهن]
لقد تحوّل الشعور بالذنب إلى أكبر الأدوات وأكثرها فعالية في الديانات الغربية. طبعاً، كان الشعور بالخوف موجوداً قبل اليهودية والمسيحية والإسلام بوقتٍ طويل، إلا أنّ هذه الديانات بالذات طوّرته وجعلت منه أداةً منتجة ومضخّمة للشعور بالذنب فعّالة للغاية. إنّ تطوّر الشعور بالذنب عند الفرد يمّد فيروس الإله بالطاقة. تلك الطاقة تتمثّل في أنه كلما ازداد شعورك بالذنب كلما رجعت إلى دينك أكثر ليخفّف من هذا الشعور المؤلم. فعندما يساعدك القس أو الكاهن على تجاوز شعورك بالذنب، ستشعر بشعور كبير بالراحة. حتى أنه يقرّبك أكثر من الدين ويربطك به، من أجل المرة القادمة التي ستشعر فيها بالذنب.
الذنب عبارة عن حلقة دائرية مفرغة لا نهاية لها تحافظ على هيمنة الفيروس وتمنعك من صرف طاقاتك بطرق إيجابية. والطريقة الفعلية الوحيدة للقضاء على شعورك بالذنب هي أن تستسلم بشكل نهائي للفيروس. وبعد أن تكون قد سلّمت نفسك ، وإذا استمرّ شعورك بالذنب، فهذا يعني أنك لم تسلّم نفسك نهائياً بعد. وهذه طريقة فيروسية آسرة وداعمة للفيروس. فأنت لست جيداً كفاية. كان الأب جوزيف رجلاً مخلصاً ولعلّه كان أكثر التزاماً من أيّ أحد وفي أيّ ديانة، ومع ذلك لم يكن جيداً كفاية.
منذ أن كنت في الحادية عشرة من العمر خــلال سـنوات طفولتي الأولى، كنت أصلي بحرارة للرب ليخلّصني من دوافعي ورغبتي الشديدة بالاستمناء. أهلي، الكنيسة، المدرّسين في مدرسة الأحد، وحتى أساتذة الرياضة، كانوا يشدّدون على أنّ الاستمناء سلوك خاطئ وبأنك ستذهب إلى الجحيم لقيامك بذلك. وكلّما كنت أصلي أكثر، كنت أمارس الاستمناء أكثر. حتى في مخيّم الكنيسة! بالتأكيد سيرسلني الرب إلى الجحيم فوراً، هذا إذا لم يقتلني على الفور لأني مارست عادة الاستمناء في مخيم الكنيسة! أكثر من ذلك، كنت أقوم بالاستمناء على أفكار كانت تراودني عن ابنة الواعظ المثيرة في المخيّم. وتلك كانت خطيئة قاتلة بالتأكيد.
ظلّ الأمر على هذه الحال حتى وقعت يدي على كتاب ماسترز وجونسون Masters & Johnson "الاستجابة الجنسية عند الإنسان Human Sexual Response" (1966) ولاحقاً كتاب أليكس كومفورت Alex Comfort "متعة الجنس The Joy of Sex" (1972) عندها أدركت أنّ ديني كان مخطئاً كلياً بشأن عملية الاستمناء. ما أن تخلّصت من شعوري بالذنب، سرعان ما بدأت بالتساؤل: "ما هي الأمور الأخرى التي ينظر إليها ديني نظرة خاطئة؟".
لابد أن تكون قد مررت بتجارب مماثلة بشعورك بالذنب الديني إذا كنت قد نشأت في بيئة متديّنة. الشعور الديني بالذنب بشكل عام هو أمر سلبي وستختبره عن قرب خلال رحلتك في التحرّر من فيروس الإله. المشكلة تتمثّل في أنّ البرمجة قد تكون عميقة جداً ومتمكّنة لدرجة أنك لن تدرك أو تشعر بأنك تنشّط الشعور الديني بالذنب.

 الرسائل المزدوجة في الدين
إحدى التحدّيات الكبيرة خلال فترة الرشد متعلّقة بشكل كبير بالبرمجة الفيروسية المبكّرة. فالتلقين الديني أمر مربك جداً، بالإضافة إلى مئات الرسائل المختلطة التي يتلقّاها الفرد خلال حياته. الكثير من البشر يحملون بقايا من البرمجة التي تلقّوها خلال فترة طفولتهم وبشكل يومي حتى بلغوا سنّ الرشد. هنا أورد بعض المعتقدات والأفكار التي يتعرّض لها الناس خلال فترة تدريبهم وتلقينهم المبكّرة.
• الرب يحبّك، لكنه سيرسلك إلى الجحيم إذا لم تفعل ما يأمرك به بالضبط.
• الرب يحبّك ومنحك دماغاً ذكياً لتفكّر من خلاله ولتفهم خلقه، لكنه سيعاقبك إذا طرحت أسئلة ممنوعة ومحرّمة.
• الربّ يحبك وقد منحك رغبة جنسية للاستمتاع، لكن إيّاك أن تستعملها إلا ضمن حدود خاصّة وقيود صارمة.
• الرب يحبكّ أنت وأطفالك. لكن إذا فعلت أمراً من شأنه أن يؤدّي إلى ضلالهم وابتعادهم عن جادة الحق، فإنه سينزل عليك أقسى العقوبات. [مرقص 9: 42]
• الله يحبّك وقد خلق مخلوقات جميلة هي النساء لكن لا يجب أن تستمتع معهنّ إلا عن طريق الزواج أو خلف أبواب مغلقة.
• الله يحبّكِ، لكنكِ لن تدخلي الجنة إذا لم تطيعي زوجكِ وتنسجمي مع زوجاته الأخريات.
• الله يحبّك وهو يريد منك أن تزدهر وتتحسّن أوضاعك. لكن إذا كنت فقيراً أو جائعاً، فهذا معناه أنك ارتكبت خطيئة في نظره.
• الرب يحبّك، وهو يصيبك بالمرض، الحزن، الكوارث، الفيضانات، الأعاصير، وأكثر من ذلك بكثير حتى ترى إرادته، فتندم وتتوب إليه حتى تعود للصراط المستقيم.
• الرب يحبك، وقد خلق الشيطان ليغريك ويمتحنك.
• الرب يحبك، لذلك جعل من الصعب جداً مقاومة الإغراء والبقاء على الصراط المستقيم.
• الرب يحبك، وهو يحب جميع المسيحيين. وهو يكره المسلمين، البوذيين، الهندوس، وجميع أولئك الذين ينكرونه.
• الرب يحبك، لذا عليك أن تنبذ أهلك، أولادك، جيرانك، أقاربك أو أي أحد لا يعترف به وغير مؤمن به [1].
• الرب يحبكِ، لكن إن انفصلتِ عن زوجك، فأنت دنسة. [متى 5: 31-32]
• الرب يحبك. ولذلك أرسل لك ابنه ليموت فداءً لك. الكثير من البشر ماتوا باسمه ويجب أن تكون أنت على أتمّ استعداد لتفعل نفس الشيء [2].
• الرب يحبك، لكنك ولدت غير نقي ودنس، ولن تكون نقياً أبداً من دون الله.
هذه الأنواع من الرسائل تخلق رابطاً مزدوجاً. شعوراً بأنك لن تكون جيداً كفايةً وأنّ الذنب ذنبك وحدك مهما حاولت. لهذا السبب أنت بحاجة إلى يسوع، أو الله، أو أي من الآلهة الأخرى للاعتماد عليها. ((لأنّ الجميع قد أخطأوا وهم عاجزون عن بلوغ ما يمجّد الله)) [الرسالة إلى مؤمني روما 3: 23]. يعتبر هذا الاقتباس من أقوى الفيروسات الإلهية. فهو يضع كل مؤمن في مصاف الفشل المطلق. فالله خلقك غير كامل والطريقة الوحيدة ليتحسّن شعورك بشأن نفسك هي من خلاله فقط.
فقط استمع لبضعة ثوانٍ على واعظين وخطباء على غرار بول واشر Paul Washer، واعظ معروف للشباب له آلاف من مقاطع اليوتيوب YouTubeTM. عملياً كل ثانية مع مقاطعه متركّزة على الشعور بالذنب، الخطيئة، الإدانة، والكفر. والسبيل الوحيد لنجاتك هو عن طريق اتباع تعاليمه بحذافيرها [3].
الحياة الدينية هي إحدى الانتكاسات التي تحدث في الدوائر الثابتة. لقد ولدت مخطئاً وستبقى في مستنقع الخطيئة إلى الأبد. عليك أن تسعى للمغفرة من الله الذي جعلك خطّاءً منذ لحظة ولادتك. إسعى لنيل الغفران. لتلد من جديد، لكن لا ترتكب خطيئة مرة أخرى.
عندما تخطئ، سيبدأ الأمر من جديد. عليك أن تسعى للغفران مرّةً ثانية. فالفيروس يزرع فيك شعوراً دائماً بالذنب وعدم الجدوى لا يمكن التخلّص منه نهائياً. كما جالت السيدة ماكبيث قاعات وردهات قصر دونسينان غاسلةً يديها وهي تقول "أخرجي أيتها اللطخة الملعونة"، فالدين يخلق لطخة عاطفية دائمة لا يزول أثرها أبداً.

 حلقة الذنب
أغلب الأطفال يتمّ تعليمهم الشعور بالذنب عن طريق الأهل، الأقارب أو الشخصيات ذات السلطة. هذا الإحساس الطفولي بالذنب غالباً ما يكون مرتبطاً بانعدام الأمان الأبوي أو المشاكل العاطفية أكثر من ارتباطه بأيّ سلوك سيّء من ناحية الطفل. مثل الأم التي تجعل ابنها يشعر بالذنب لأنه لم يقبّلها قبل النوم أو الجدّان اللذان يعاتبان حفيدها لعدم اتصاله بهما كل يوم. هذه الأشكال من السلوك قد تخلق إحساساً بالذنب عند الطفل يحمله معه حتى سنّ الرشد.
الدافع للتخفيف أو القضاء على الشعور بالذنب دافع قوي جداً. وكنتيجة لذلك، قد يفعل الناس عدداً من الأمور. قد يظلّون على اتصالهم بأجدادهم كل يوم حتى يبلغوا سنّ الرشد. قد لا يفوّتون فرصة واحدة في تقبيل أمهاتهم قبل النوم. قد يجدون أنفسهم يسعون لنيل موافقة أهاليهم على أيّ تصرّف سيقدمون عليه حتى في سنّ الرشد. العديد من الراشدين اكتشفوا أنّ الذنب الذي يشعرون به آتٍ من خلال عملية تدريب أو برمجة غير مناسبة خلال طفولتهم. أي عيادة للمعالجة النفسية نلاحظ أنها مليئة بالأشخاص الذين يتعلّمون طرق وأساليب التعامل مع شعورهم الطفولي بالذنب. الذنب هو عبارة عن قوة سيكولوجية بالغة القوة، والدافع لتخفيف الشعور بالذنب قد يحفّز سلوكاً ما لأعوام، هذا إذا لم يكن لحياة كاملة. إنّ فهم دافع التخفيف من الشعور بالذنب سيساعدنا على فهم قوّة الدين.

 حلقة الذنب الدينية
مارتن لوثر نفسه كان قد كافح ضدّ حلقة الشعور بالذنب المفرغة عنده. إلا أنّ حلّه _في الوقت الذي كان يعتبر فيه بأنّه كان مبتكراً_ لم يقدّم الكثير لتخفيف الشعور بالذنب لدى الملايين من أتباعه على مرّ القرون. أمّا حلّ لوثر كان في رؤية الخلاص عن طريق الإيمان، وليس الأعمال. وكان هذا الحلّ ردّة فعل على ميل الكاثوليك إلى الاعتقاد أنه يمكن للإنسان أن ينغمس في اللذّات أو يقوم بأعمال خيّرة لتحقيق الخلاص. تركيز لوثر على الإيمان جعل الأمور أسوأ ممّا هي عليه بما أنّه من الصعب للغاية تقييم الإيمان وقياسه. من السهل الحفاظ على سجلّ بالأعمال الخيرة أو الاعتقاد بأنّ إلهاً ما يمتلك قسماً للمحاسبة والإحصاء. لكن ما معنى الإيمان؟ كيف لك أن تعلم أنّ المسيح قد أنزل بركته عليك؟ كان مبدأ لوثر في التبرير _في حين أنّه صُمِّمَ لتخفيف شعوره بالذنب وتقديم طريق صحيح ومستقيم إلى الرب_ أشبه بالمستنقع المجهول. فيقينه في الخلاص سمح له بأن يدين اليهود ويشجّع على محاكمتهم وقمع ثورة الفلاّحين عام 1524-25. من الواضح أنه لم يشعر بالذنب لذلك. من سوء حظّ أتباعه، كان الحلّ الذي قدّمه لوثر لم ينتج سوى مزيداً من الشكّ حول الخلاص والشعور بالذنب المشوب بالنقص.
لكي نسوق مثالاً معاصراً هنا، علينا إلقاء نظرة إلى الأم تيريزا. خلال حياتها، كان ينظر إليها على أنها مثالاً يحتذي به للإيمان والورع الديني. أمّا بعد وفاتها، تكشف رسائلها عن امرأة قلقة، ممزّقة بشعورها بالذنب. إذن إذا لم يكن القدّيس المستقبلي حرّاً من الشعور بالذنب، فما هو شأن الأتباع العاديين ومصيرهم؟
هل سبق أن لاحظت بأنّ المدمن، الكحولي، المدخّن و/أو المدمن الديني يشعر بشكل عام بالذنب ويندم على الفعل الذي اقترفه أو اقترفته لكن سرعان ما يذهبون لاقترافه مرةً ثانية؟ قد يقولون:
• لقد وعدت أبنائي أن أقلع عن التدخين. إلا أني بتّ أدخّن أكثر الآن.
• لقد أقسمت ألا أشرب الليلة الماضية، ثم نزلت إلى البار من فوري.
• لقد أقسمت لله بأني سأمضي المزيد من وقتي مع أولادي، والآن أجد نفسي أعمل لوقت إضافي أكثر كل أسبوع.
• عندما مرّروا الأطباق أمامي، شعرت بالذنب لأني لم أضع سوى عشرة دولارات في الطبق.
• لقد وعدت الرب بأني لن أمارس عادة الاستمناء مرةً ثانية، لكني مارستها مرّتين خلال هذا الأسبوع.
• أقسمت بالله بأني لن أمارس الجنس مع صديقتي حتى نتزوّج، لكنها أغرتني بجمالها، ومارسناه الليلة الماضية.
بدلاً من تغيير التصرّفات التي سبّبت الشعور بالذنب في المرتبة الأولى، غالباً ما يدفع الذنب الناس للقيام بتلك التصّرفات بشكل أكبر. كلما شعرت بذنبٍ أكبر، كلّما سعيت أكثر لتسكين شعورك بالذنب بنفس الشيء الذي حفّزه أو استثاره في المرّة الأولى. وهذا يخلق حلقة ذات تغذية رجعية لا يعود بمقدورك الإفلات منها من دون مساعدة خارجية. مثل برنامج الكمبيوتر الذي يدخل في حلقة ثمّ يتوقف عن العمل، ودماغك أيضاً يعلق في حلقة مفرغة للذنب تزيد الأمور سوءاً.
تصرّف  ذنب  توتر  سلوك  ذنب  توتر
((حلقة الذنب))

بما أنّك تحمل على عاتقك هذا الحمل العاطفي الثقيل المتمثّل بالشعور بالذنب، عندها يأتي القس، أو الكاهن، أو الحاخام وهم يحملون الوعد بالمساعدة. ما يقوم به هؤلاء هو أنهم ينجزون الأمر عن طريق كسر الحلقة ثمّ تمريرها عبر الدين وإعادتها إليك. على النحو التالي:
أنت لا تستطيع التغلّب عليها بمفردك. امنح نفسك للرب وهو سيساعدك في التغلّب عليها. ستتغلّب على ضعفك وستغفر لك خطاياك. لن تعود بحاجة لتحمّل عبء هذا الحمل الثقيل لبقية أيّام حياتك.
سلوك  ذنب  مغفرة دينية  شعور بالراحة  توتر  سلوك  ذنب  توتر  مغفرة دينية  شعور بالراحة
((حلقة الذنب الدينية))
النتيجة هي شعور مؤقّت بالراحة لكن الثمن سيكون باهظاً. فكل حلقة مفرغة (ذنب-غفران) ترسّخ الفيروس وتثبّته بشك أعمق وأعمق، ممّا يصعّب الحصول على الشعور بالراحة أكثر فأكثر.

 نوعان من الإحساس بالذنب
من الصعب رؤية الذنب باستقلال عن الدين. ولنفهم ذلك بشكل أفضل، يجب أن نلقي نظرة على نوعان مختلفان من الشعور بالذنب: الذنب الاجتماعي والذنب الديني.
أنت تشعر بالذنب الاجتماعي بسبب التربية الاجتماعية في أيّ مجتمع. الكثير من الناس يشعرون بالذنب إذا تجاوزوا أشارة مرور بشكل عرضي. كانت جدّتي تشعر بالذنب ولعدّة أيّام إذا نسيت الاتصال بأحد لتهنئته في عيد ميلاده. حتى أني قد شعرت بالذنب بسبب نسياني ذكرى أو حادثة مهمة وخاصّة. هذا الإحساس بالذنب نشعر به عندما ننتهك معيار اجتماعي معيّن _الذنب الاجتماعي.
في الكثير من الحالات، الذنب الاجتماعي ليس أفضل حالاً من الذنب الديني، إلا أنّ هناك بعض الأوقات حين يكون الذنب الاجتماعي أمراً جيداً. يكون الذنب مناسباً عندما تنتهك حقوق أحدٍ آخر. سيكون المثال واضحاً تماماً إذا قمت بخيانة أو إلحاق الأذى بأحدٍ ما عن قصد. أودّ أو آمل أنك عندها ستشعر بالذنب. فالعجز عن الشعور بالذنب في مثل هذا الموقف هو علامة على شخصية سوسيوباثية.
أمور أخرى أقل من ذلك قد تحفّز الشعور المناسب بالذنب. أيّ فعل أو تصرّف يؤذي شخصاً آخر، كالنميمة مثلاً، الخيانة أو السرقة من أحدٍ ما كل هذه الأمور التي يجب أن تثير شعوراً بالذنب المناسب والرغبة في الامتناع عن فعل ذلك مرةً أخرى. لا أريد أن تكون لي أيّ علاقة مع شخص لا يشعر بالذنب حول ذلك النمط من الأفعال. وهذا الأمر ليس له أيّ علاقة بالدين بل له علاقة بالتربية الاجتماعية الجيّدة في ثقافتنا.
بعض الأمور تقع ضمن قائمة الأمور المحفّزة للذنب فقط بالمعنى الديني، طبعاً بمعنى ديني بالتحديد. لذلك، لن تشعر بالذنب إلا إذا كنت مؤمناً أو قد لا تشعر بأنك مذنباً إذا كنت تؤمن بدين مختلف. وعادة الاستمناء هي مثال واضح عن كيفية استغلال الدين للسلوك الإنساني العادي وتوظيفه لزيادة الشعور بالذنب. المذهب الكاثوليكي يدين عادة الاستمناء، وأغلب الجماعات البروتستانتية المتشدّدة يستنكرونها بشكل مريع، وهذا ما يفعله الإسلام أيضاً. من ناحية أخرى، إذا كنت من أتباع مذهب الويكا، الكواكر أو اليونيتاريان، فلن تشعر بشيء حياله.
الاستمناء نشاط أساسي وكوني لا يمكن السيطرة عليه والتحكّم به. وحتى المتشدّد الأصولي جيمس دوبسون James Dobson، مؤسّس كنيسة التركيز على العائلة، يقرّ بأنّ حوالي 99% من المراهقين يمارسون عادة الاستمناء. فهو يعترف أنه صراع لا معنى له مع المراهقين، لكنه يزعم أنّ الاستمناء لا مكان له داخل مؤسّسة الزواج لأنه يقلّل من ممارسة الجنس عند الأزواج.
ما الهدف من تحريم أمرٍ ما لا يمكن تحريمه واقعياً، شيء ما لا يمكن مراقبته؟ الهدف هو لخلق حالة من الشعور بالذنب الديني. وبالرغم من أنه لا يمكن إيقافه وكبحه، فهو يثير حلقة الذنب التي تربط الشخص بشكل أكبر بالدين، تماماً كما شاهدنا الآن.

 قيم العائلة، الذنب والعار الدينيين
ضمن المناخ السياسي السائد في الولايات المتحدة اليوم، كثيراً ما تمّ طرح مصطلح "قيم العائلة Family Values" على الساحة. ومعنى هذه العبارة ما هو إلا عبارة عن شيفرة قابلة للتأويل المقصور أو الضيّق للعائلة أو للسلوك الجنسي. إذن، قيم العائلة لا تتضمّن زواج المثليّين. قيم العائلة تعني لا للإجهاض. إنها تعني التقشّف وعدم مناقشة أمور كتحديد الحمل مع المراهقين وأكثر من ذلك. معظم الأديان تتبنّي منظومة معيّنة من قيم العائلة، لكن غالباً لا تكون لصالح العائلة. قيم العائلة تعني، "العائلة لها قيمة كبيرة عند الفيروس". وعندما لا يكون للعائلة قيمة فيروسية كبيرة، فقد يشتّت الفيروس العائلة ويفسّخها. والتركيز هو في الحفاظ على العائلة كناقل سليم وفعّال قدر الإمكان بالنسبة للفيروس. واختيار دين مختلف عن دين عائلتك قد يعرّضك للنبذ، إذا لم يكن أسوأ. المرأة المسلمة التي تحاول تغيير دينها إلى الهندوسية قد تصبح عرضةً لما يسمّى "بجرائم الشرف". والناصري الراشد الذي يتحوّل إلى البوذية لن يعامل بنفس الشكل في العائلة مثل الأخ أو الأخت اللذين يصبحان راهبين ناصريّين. الطفل الناصري الذي يظهر ميولاً للاهتمام بالكاثوليكية قد ينال جرعة سريعة وغير سارّة من "قيم العائلة".
العار العائلي Family Shame هو الأساس لهذه الإستراتيجية الدفاعية الفيروسية. أيّ فرد من العائلة يتصرّف ويسلك سلوكاً ضدّ الفيروس يلحق العار بكامل العائلة. يتعامل الفيروس بحكم العادة مع هذا الأمر بجعل العائلة تشعر شعوراً مؤلماً بالخزيّ والعار، والذي بدوره يحفّز بقيّة العائلة للتصرّف مع هذا الحمل الضال.
يقول يسوع في إنجيل لوقا 12: 51-53
((51: أتظنون أني جئت لأرسي السلام على الأرض؟ أقول لكم: لا, بل بالأحرى الانقسام، 52: فإنه منذ الآن يكون في البيت الواحد خمسة فينقسمون: ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة، 53: فالأب ينقسم على ابنه، والابن على أبيه، والأم على بنتها، والبنت على أمها، والحماة على كنّتها، والكنّة على حماتها!))
فالنبذ من العائلة والبنية الاجتماعية هو أسلوب فعّال لترهيب أولئك يفكّرون حتى مجرّد التفكير في الخروج عن الصّفّ، وبذلك إزالة أي عدوى محتملة.
في الولايات المتحدة، العائلات المتشدّدة القوية تعزل نفسها عن أعضاء العائلة الضالّين والمعاندين. طفل المورمون الذي يصبح كاثوليكياً قد لا يجد نفسه مرحّباً به في المنزل. فاختيار فيروس آخر معناه جلب حالة من التوتّر والغمّ داخل العائلة حيث أنّ الفيروس الديني المهيمن يكافح لطرد الفيروس الديني الدخيل.
تخيّل عائلة معمدانية قويةّ ولديها ابن بالغ ضال تمّ اعتباره من أتباع الوثنية. خلال العشاء في عيد الشكر يجمع هذا الابن الوثني أفراد العائلة حول المائدة ويقول: "دعونا نصلّي جميعنا للإلهة على هذه النعمة التي منحتنا إياها خلال السنوات الماضية". ماذا سيكون ردّ فعل العائلة تجاه هذه الصلاة؟ ماذا سيحدث خلال السنوات القادمة؟ كيف سيعاملونه هو أو هي؟
الفيروس مهتمّ بقيمة العائلة من أجل الانتشار، وأيّ شيء آخر يحدث ردّ فعلٍ قوي وسلبي. العائلات تواجه أوقاتاً صعبةً للتماسك والبقاء مع بعضها عندما يصاب أحد أفراد العائلة بعدوى فيروسية قوية مخالفة.

 الأبوّة وفيروس الإله
الآباء العقلانيين يريدون أن يربّوا أولاداً متعلّمين ومتّزنين بشكلٍ جيد مع امتلاكهم ملكات وإمكانات منطقية ونقدية. لكن ما أن تحدث العدوى، لا يعود أحد من الآباء عقلانياً. وكنتيجة لذلك، الأهل غير قادرين على تعليم أبنائهم مهارات التفكير المنطقي مع وجود عدوى الدين، وخصوصاً دينهم الخاص.
كما يعلم كل أب وأم، الأولاد لديهم عقولهم الخاصّة. إنهم معرّضون لكلّ ما يقدّمه فيروس الإله في البيئة التي يعيشون فيها، وخصوصاً الفيروسات الأصولية والطائفية. أحد الكوابيس الكثيرة التي تنتاب الأهل هو أن يكون لديهم ابناً أو مراهقاً منتمياً إلى طائفة ما وتمّ حرمان العائلة منه. لا عجب في أنّ أغلب الأديان تخصّص فترة طويلة من الزمن وقسماً كبيراً من المصادر على منح الشبّان لقاحات مختلفة ضدّ الطوائف والأديان الأخرى. الكثير من مناسبات بلوغ سنّ الرشد أو دروس أيام الآحاد تدرّس النشء مفردات وألفاظ حول الدين كمعارض أو مخالف للأديان الأخرى. في طائفتي التي كنت أنتمي إليها، كان يتمّ التعميد عن طريق التغطيس بالماء. ولا أحد يدخل الجنّة إلا إذا تمّ تعميده بشكل مناسب وصحيح. كما أنهم علّمونا أنّ تعميد طفل كان أمراً غير أخلاقي (à la Catholics) بما أنّ الطفل لا يستطيع اختيار المسيح بملء إرادته. تعلّم المعمدانيون أنّك يجب أن تُعَمّدَ على أيديهم وإلا لن يكون تعميدك صحيحاً.

 تخطّي فترة المراهقة عند الآميش Rumspringa*: تلقيح فيروسي بحت
في سنّ السادسة عشر، يخرج أبناء الآميش ليعيشوا في العالم الخارجي حتى يقرّروا بأنفسهم أن يتمّ تعميدهم. بعد فترة من الجري والقفز والتجوّل في الأرجاء (تسمّى رمشبرينغا Rumspringa)، ينبغي على الشاب الذي دخل لتوّه سنّ البلوغ أو الرشد أنّ يقرّر سواءً أكان يريد أن يتعمّد أو يعيش خارج مجتمع الآميش وإلى الأبد، وتتمّ مقاطعته من قبل أفراد العائلة.
إنّ تطبيق الآميش لإستراتيجية الرمشبرينغا هو أمر في منتهى الذكاء. توم شاختمان Tom Chachtman في كتابه ((رمشبرينغا: أكون أو لا أكون من الآميش)) Rumspringa: To Be or Not To Be Amish، يكتب قائلاً:
((يعتمد الآميش استراتيجية الرمشبرينغا لتلقيح الشباب ضدّ الجاذبية القويّة للممنوع والمحرّم عن طريق إعطائهم جرعة من لقاح التجربة الدنيوية إلى حدٍ ما. كما أنّ رهانهم قائم على فكرة أنّه ليس هناك أي رابطة لاصقة قوية بالإيمان وطريقة الحياة أقوى من رابطة الاختيار الحرّ، في هذه الحالة إنّ المختار بعد الرمشبرينغا قد اختبر وشاهد بعض الطرق المتوفّرة والخيارات البديلة في العيش)) [4]
من المهمّ التنبيه إلى أنّ شاختمان يستخدم الاستعارة الفيروسية. فالآميش يدركون الحاجة لتلقين أبنائهم ويدركون أنّ مثل بعض الأنواع من التلقين، قد لا تنجح، أو قد تنقلب النيران عليهم وتتسبّب في كارثة. مع ذلك، يعتبرون أنّ هذا الأمر يستحقّ المخاطرة وإن خسروا البعض.
بالنسبة للآميش، الأولاد الذين لا يرجعون إليهم من الأفضل لهم أن يرحلوا وإلى الأبد على أن يسبّبوا لهم المشاكل بينهم. فطرد المضيف المعيوب ونبذه يحافظ على سلامة الفيروس وقوّته. إنّ حقيقة أنّ معظم أولاد الآميش غير مستعدّين كلياً للعالم الحديث تضمن بأنهم سيعودون بالتأكيد. لذلك 80-90% من الأولاد يعودون للتعميد وقضاء باقي أيام حياتهم ضمن المجتمع. قد يرى البعض أنه من قبيل القسوة والغلظة نبذ أولئك الذين لا يعودون، لكنّ هذا القلق لا علاقة له. فالمسألة هنا لا تتعلّق بالمعاملة الإنسانية للناس، بل تتعلّق بنقاوة وصفاء فيروس الآميش الإلهي. إذا كان ذلك يعني أنه يجب التضحية في البعض، فليكن ذلك. لقد اتبعت الأديان هذه الطريقة منذ قرون طويلة. النبذ، النفي والمقاطعة، جميعها ممارسات مختلفة للحفاظ على نقاوة الفيروس.
 السلوك الأبوي، الذنب والعار
((من المستحيل إقناع بعض الأولاد أنّ بابا نويل ليس موجوداً. فهم لا يفهمون العالم الواقعي بشكلٍ كامل)) [ريبولي]
الآباء يقلقون عادةً بأنهم يجب أن يقدّموا أفضل ما لديهم في عيون الآباء الآخرين. وهذا أكثر ارتباطاً بالعار من الذنب [5]. فمن الممنوع أن يظنّ القس أو الكاهن بأني كنت أربي أولادي بطريق يحيد بهم عن طريق المسيح أو الصراط المستقيم! هل يذهبون إلى مدرسة الأحد كل أسبوع؟ هل يتابعون دروس الإنجيل كلّ أسبوع؟ هل أقرأ لهم الكتب الدينية الصحيحة قبل النوم؟ فالفيروس يتغذّى على القلق، الذنب والعار ليضمن استغلال جميع المصادر المتوفّرة والمتاحة لنقل العدوى إلى الطفل.
خلال سنوات الطفولة، يمكن للآباء أن يصبحوا عبيداً فعليين للفيروس. فكل فعل أو حركة منهم تتمّ مراقبتها من قبل أعضاء الكنيسة الآخرين، أو الكاهن، مدرّسي مدرسة الأحد والأهالي الآخرين. أعظم المخاوف التي يواجهها الآباء المصابون بالعدوى هي أنّه أو أنها ستفشل في نقل العدوى إلى الأبناء بفعالية. ماذا لو كبر ولدي وترك الكنيسة؟ ماذا لو لوّثت ابنتي سمعة العائلة وحملت قبل الزواج؟ ماذا لو أنّ ابني شاذاً؟ جميع هذه الأفكار تستثير مخاوف جمّة مرتبطة بالشعور بالعار والخزيّ لأنهم خذلوا الفيروس وفشلوا في عيون الآخرين.
الكثير من المخاوف الأبوية تتركّز على مشاعر العار والذنب المتعلّقة بالجنس. بأيّ حال، بدل إجراء نقاشات مفتوحة وصريحة عن الجنس والتناسل، غالباً لا يكون هناك أيّة نقاشات على الإطلاق. فالذنب المرتبط بالجنس قويٌ جداً داخل العديد من العائلات المتديّنة والمتشدّدة لدرجة أنه يشكّل عقبة أمام حدوث نقاش عقلاني مفتوح بين الأهل والابن. فكلّما شعر الأهل بذنب أكبر، كلّما كانوا أعجز عن التواصل الفعلي مع الابن حول موضوع الجنس. هذه إحدى النتائج العرضية للدين المعادي للجنس، والذي سنناقشه خلال الفصل الخامس.
علينا أن نتذكّر أنّ الفيروس لا يملك عقلاً أو إرادة خاصّة به، فهمّه الأول والوحيد هو أن يضمن استمراره وانتشاره واستغلاله جميع المصادر الضرورية المتاحة لتحقيق هدفه، بنفس الطريقة التي يقوم فيها الفيروس أو الطفيلي الحي بذلك. كلّما ازدادت شدّة عدوى الأهل، كلّما كان بمقدور الفيروس سرقة مصادر أكثر خدمةً لعملية انتشاره. أغلب الفيروسات الدينية تتغذّى على الذنب، مع أنها تدّعي عكس ذلك. وكلّما كان الإحساس بالذنب أكبر، كلّما ازداد عدد الآباء المستعدّين لصرف المصادر اللازمة لضمان نقل العدوى إلى أطفالهم بالكامل. المصدر المخصّص النهائي يتمثّل في عملية التدريس المنزلي أو مدارس التعليم الدينية. لا أقصد هنا أنّ التعليم المنزلي أو المدارس الخاصّة هي أمر سيء، بل هي إحدى الطرق التي يضمن فيها الأهل المعرّضون للإحساس بالذنب بأنهم لن يخذلوا الفيروس. الرب يراقب باستمرار، لذا من الأفضل لك أن تفعل كل ما باستطاعتك لضمان أنّ باقي الفيروسات الأخرى أو النزعات العلمانية لا تؤثّر على أولادك.


 العائلة الكبيرة والأولاد
((الدين أشبه بالاضطراب العصبي خلال الطفولة)) [سيغموند فرويد]
إنّ عملية التربية قد تكون صعبة، وخصوصاً إذا كان لديك أهل، أجداد، عمّات وأعمام، وخالات وأخوال يراقبونك ويتتبّعونك ويُسمِعونَك كلمات شتى على غرار: "متى سيتمّ تعميده؟" "سيدخل المدرسة اليهودية، أليس كذلك؟" "أنا متأكّد بأنها ستنجح أكثر في مدرسة تحضيرية مسيحية؟" "أنت لن تدع جدّتك الكاثوليكية ترسله إلى مدرسة الأبرشية، أليس كذلك؟ فنحن لدينا مدرسة معمدانية أفضل بكثير هنا في البلدة".
ليس هناك طريقة سهلة في التعامل مع هذا التدخّل إلا عن طريق جعل أولئك الموجودون حولك يعلمون برأيك حول الدين وماهيته وأنّ تصرّفهم هذا ليس مقبولاً بالنظر لقرابتهم وتعلّقهم بأبنائك.
صديق لي كان لديه ابناً غير متدّين قضى عطلة الصيف عند جدّيه المتشدّدين. وخلال زيارتهم، كان الابن قد تعرّض لكافة صنوف التكتيكات المخيفة، ومن ضمنها هذه الفكرة مثلاً "عندما تنزع الستائر خلال الليل، فذلك الشيطان وهو يحاول دخول غرفتك. صلِّ للرب ليبقيه بعيداً عنك". و ظلّ الابن منزعجاً لعدّة شهور بعد ذلك. هذا النمط من السلوك كان شائعاً جداً خلال فترة نشأتي وما زال مستمراً عند العديد من العائلات والكنائس اليوم. الهدف هو فتح مدخل للخوف عند الطفل لإصابة بالمزيد من العدوى الفعّالة.
في حين أنّ معظم الناس تحترم حق الأهل بتربية أبنائهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، إلا أنّ شيئاً ما يخرج الأسوأ عند الأقارب عندما تقول أمامهم بأنك تريد أن تربّي أولادك تربية غير دينية. إذ يعتبر ذلك بمثابة رخصة لهم لبذل جهودهم لتقويض ما تسعى إليه وإصابة أولادك بالعدوى بفيروسهم الإلهي. وكأنهم يرون الطفل أنّ هذا واجب عليهم بما أنّك لا تقوم بدورك الفيروسي. يحتاج الآباء غير المتديّنين لمعرفة هذه الأشكال من السلوك الفيروسي في العائلة والأصدقاء والتعامل معها بطريقة تساعد أولادهم على رؤية الفيروس بوضوح أثناء عمله.
إحدى الطرق الفعّالة تتمثّل في تعريض الأطفال لتشكيلة واسعة وكبيرة من الديانات بسنّ مبكرّة وفي أغلب الأحيان. حيث أنّ التعريض الواسع يقدّم فرصاً لمناقشة آثار الأديان المختلفة على البشر والسلوك. فالأطفال الذين خاضوا تجربة التعريض الواسع هذه يرون بأمّ أعينهم التنوّع الكبير والواسع للمعتقدات والممارسات الدينية الغريبة. عندما بلغ أطفالي سنّ العاشرة والآخر في الرابعة عشر، ذهبنا في رحلة سياحية إلى مدينة سالت ليك موطن المورمون. وقد استمرّ النقاش اللاحق للرحلة عدّة ساعات. لم أقل سوى القليل في حين أنهما كانا يتناقشان في أخذٍ وردّ حول تلك التجربة. وبمساعدة صغيرة مني، استنتجا أنّ المورمون لديهم الكثير من المعتقدات الغريبة كالتعميد بعد الوفاة، الثياب الداخلية المقدّسة، أن يصبحوا آلهة هم أنفسهم والكثير من المعتقدات الأخرى..
الامتحان هنا ليس حماية الطفل بشكل كامل من فيروسات الإله. بل هو في مساعدة الطفل على ملاحظة وتفسير السلوك الديني عند العديد من الديانات المختلفة. قد يصبح هذا بمثابة تلقيح للبشر ضدّ عدّة _أو كل_ ديانات.
بعد أن تخلّصت من سجون نشأتي، أدركت أنّ عائلتي قد فعلت كلّ شيء ممكن تقريباً لتنقل العدوى إليّ. كنّا نرتاد الكنيسة ثلاث مرات خلال الأسبوع، دراسة الكتاب المقدّس، اجتماعات الصلاة، جوقة الترتيل، معسكرات الشباب، مخيّمات الإنجيل وأكثر من ذلك. عمّتي وعمّي كانا من الكواكرز وكانت لديهم نظرة مختلفة تماماً إلى العالم. كانا محلّ شبهة عند العائلة بأكملها لأنهما كانا يرتادان كنيسة أكثر "تحرّراً".
كانا عمّي وعمّتي قد اتخذا لنفسيهما وجهة نظر محدّدة، لا يناقشان أيّة معتقدات دينية أبداً حتى سألتهما بشكل خاص عندما بلغت أواخر سنّ المراهقة. كانا منفتحين، متفهّمين ومثقّفين بشكلٍ كبير. من خلال حديثي معهم أدركت كم من الأمور لم يخبرني إياها أهلي أجدادي وأقاربي. كان هناك عالماً كاملاً من الأفكار الدينية التي لم يسبق أن سمعت عنها من قبل! ليس بمقدوري سوى أن أشكر هذان الشخصان المبجّلان لأنهما فتحا عيني على أمور كثيرة. ليس الأمور التي كانا قد أخبراني بها. بل الطريقة التي تقبّلاني فيها وتناقشا معي بها من دون أن يكونا متشدّدين ودوغمائيين. لم يسبق لي أن اختبرت ذلك مع عائلتي أو أيّ أحدٍ آخر. وكانت النتيجة حياةً منفتحة لمسائلة الدين وطرح الأسئلة الممنوعة، ومن ضمنها هذا الكتاب.

خلاصة
يستعمل الدين رسائل مختلطة كأداة لخلق حلقة من الذنب. الميل الطبيعي عند البشر للتخفيف من الشعور بالذنب يفتح الأبواب أمام الدين للولوج والتدخّل واعداً بإزالة هذا الشعور المؤلم. بما أنّ أسلوب الحيلة لا ينجح بشكل تام إلا نادراً، سرعان ما يعود الناس ليدخلوا في حلقة أخرى من حلقات الذنب ثمّ تخفيفه. وأثر الشبكة هو أن يدفع الناس للتعلّق والارتباط أكثر بالفيروس.
اعرف الدور الذي يلعبه الذنب في العدوى الدينية وتعلّم طريقة التعامل معه بسرعة. تعلّم التخلّص من بقايا الذنب الديني وآثاره وأقِم حدوداً مناسبة حول الذنب الاجتماعي. التعريض الاعتيادي والنظامي للأولاد للعديد من الديانات المختلفة قد يكون اللقاح الأفضل ضدّ الإصابة بعدوى الكثير من أنواع الفيروسات الإلهية. ناقش بانفتاح المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة لكافّة الأديان وكُنْ واعياً لحلقة الذنب بداخلك.
**********************
الهوامش
[1] ((إن جاء إليّ أحدٌ، ولم يبغض أباه وأمه وزوجته وأولاده وإخوته وأخواته، بل نفسه أيضاً، فلا يمكنه أن يكون تلميذاً لي)) [لوقا 14: 26]
[2] ((إن أراد أحدٌ أن يسير ورائي، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه، ويتبعني. فأيّ من أراد أن يخلّص نفسه يخسرها. ولكن من يخسر نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل، فهو يخلّصها)) [مرقس 8: 34-35]
[3] قم بالبحث عن أي مقطع لبول واشر للاستماع لرسالته. يوتيوب، رسالة صاعقة للشباب تذهل المستمعين YouTubeTM, Shocking Youth Message Stunts Hearers. موجودة على العنوان الإلكتروني التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=IR-25pnOk0&feature=related
[*] رمسبرينغا Rumspringa (تلفظ أيضاً Rumshpringe أو Rumshpringa) مشتقّة من اللفظة الألمانية herumspringen أو rumspringen بمعنى "تخطّي أو القفز فوق" واللفظ الألماني في بنسلفانيا Rond Springen بمعنى "يركض" [ويكيبيديا]. وهي كلمة تشير على العموم إلى فترة المراهقة عند طائفة الآميش التي تبدأ في سنّ السادسة عشرة وتنتهي مع اختيار الشاب التعميد داخل محفل الآميش أو أن يترك المجتمع إلى الأبد.
[4]
Tom Shatchman, Rumspringa: To Be or Not to Be Amish (Farrar, Straus and Giroux, LLC., 2006), 1.
[5] من أجل مناقشتنا هنا سنعرّف الذنب كشيء موجود داخلك. العار، من ناحية أخرى، يتطلّب منك أن تكون مهتمّاً بما يظنّه الآخرون. قد تشعر بالذنب إذا سرقت أحداً ما، لكنك ستشعر بالعار إذا علم بذلك أمّك أو جارك أو الكاهن في الكنيسة.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيروس الإله [2]
- فيروس الإله: مقدمة
- فيروس الإله [1]
- القرآن في الإسلام (بحث في معصومية القرآن وموثوقيته)
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 3 ترجمة: إبراهيم جركس
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 2
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 12 ترجمة: إبراهيم جركس
- المأزق الأخلاقي للحروب
- القرآن المنحول [1]
- التاريخ النصي للقرآن (أرثر جيفري)
- الله: فيروس عقلي مميت [2]
- الله: فيروس عقلي مميت [1]
- قفشات -أمّ المؤمنين-: هنيئاً لكم
- الفكر الحر في العالم الإسلامي ونظرية صراع الحضارات
- قصة جين الحرية: أميل إيماني
- الدين السياسي: بديل عن الدين، أم أنه دين جديد؟
- من هم مؤلفو القرآن (4)
- من هم مؤلفو القرآن (3)
- من هم مؤلفو القرآن (2)
- من هم مؤلّفو القرآن (1)


المزيد.....




- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - فيروس الإله [3]