أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد صبيح - النقود.. النقود.. النقود















المزيد.....

النقود.. النقود.. النقود


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 257 - 2002 / 9 / 25 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


<حكايا وخواطر>

قديما قالت العرب ان الحديث عن النقود عيب.  
  لكننا سنتجاوز هذا القول الان ونمارس العيب، ونتحدث عن النقود التي طالما تميزت بلمعان خاص، يسحر،يشوق،
< يدوخ>، مع انها من الناحية العملية تكون كافية طالما انها تفي بسد حاجات الانسان، لكن يبدو ان حاجات الانسان تلك ليس لها حدود، مع ان احتياجاته المادية محددة، وهي احتياجات بسيطة،مأكل ومأوى وبعض الكماليات. لكن مالايمكن اشباعه هو الرغبات المعنوية، من سطوة وسلطة ونفوذ ومكانة واسم لامع.. الخ. فلهذه الرغبات جوع يتضاعف تلقائيا من خلال محاولة اشباعه،فحين تتراكم وتتضاعف الثروة<النقود> يولد شعور غريب <مريض؟.. > في السعي المحموم لاجل زيادتها اكثر. يقول ماركس بهذا الصدد ما معناه: ان الراسمالي كلما تزيد ارباحه كلما يزداد جشعا وحين يصل معدل ارباحه الى 300%  فانه  يكون على استعداد لقتل امه وابيه..هكذا قال ماركس وحدد طبيعة الراسمالي وهي مقولة اجتماعية اقتصادية،لكن الراسمالي هذا في النهاية انسان، جعلت منه النقود بهذه الصورة المؤسية. والعجيب ان النقود كلما تكثر تكون قابليتها للنمو اكبر، لهذا اطلق اخوتنا المصريون على المليون اسم < ارنب> لانه سريع التكاثر.
هناك افراد <حا ذقون> في فن تدبير النقود، وهناك اناس لايجيدون هذا الفن، <وانا واحد منهم> هذا اذا لم يبددوا ماعندهم اصلا. نقول هذا بافتراض مجازي ان تدبير النقود يشترط< الحذاقة> لكني اجزم ان الامر ليس كذلك، وكل مافي الامر هو ان يكون عند الشخص ضمور في الضمير واخلاق مصابة بفقر الدم <وخفته> وكرامة مهملة ومنسية.
                                                حكايا

في قصة علي بابا والاربعين حرامي يعثر علي بابا على كنز وثروة كبيرة في وكر اللصوص، ومع هذا الحجم الكبير من الثروة الا ان اللصوص لم يتوقفوا عن السرقة لمضاعفة الكنز!!!.
اتهم المتنبي مرة بالبخل فدافع عن نفسه بذكر الحكاية التي وقعت له في احد الاسواق حيث رغب في شراء بطيخ، وكان السعر مرتفعا، فماكس ابو الطيب البائع، لكن البائع، وبدلا من ان يخفض السعر صار يزيده اكثر وكلما الح ابو الطيب كلما زاد البائع من نفوره واسعاره. وفي تلك الاثناء جاء رجل عليه مظاهر الوجاهة وسال عن سعر البطيخ، ولم يعجبه السعر فاراد مواصلة السير لكن البائع الح عليه بالاغراء في خفض السعر وكلما امتنع الرجل كلما خفض البائع السعر وفي النهاية لم يشتر الرجل وذهب. فسال المتنبي البائع حائرا عن سر هذا التعامل الغريب والمتناقض فاجابه البائع ان ذاك رجل ثري والتقرب اليه امر مطلوب. وهكذا اصر ابو الطيب على ان تكون له هو ايضا ثروة ليكسب ود الناس ولم يجد غير التقتير وسيلة، وهكذا عرف او اتهم بالبخل.
كان طيب الذكر ابو ذر الغفاري فقيرا وزاهدا ويعجب لمن لايجد قوت يومه ولايخرج على الناس شاهرا سيفه. لكنه لم يحدد اكثر من قوت اليوم لسد الجوع فقط.  وفي المفاهيم المعاصرة وربما في مفاهيم كل العصور ان زهد الفقير لايعتد به لان ليس عنده  مايزهد به، وزهده وجاهة فارغة لان حياته هي زهد بلا تزهد. وسيبقى الربذي مخلدا في التاريخ طالما وجد جائعون <ومفلسون> ومن لايجدون قوت يومهم.
يروي الكاتب الكولمبي الكبير ماركيز عن ذكرياته في ايام شبابه الاولى في باريس وقبل ان ينال الشهرة والثروة انه كان يجمع القناني الفارغة ليعتاش منها، ويروي كيف كان القصاب ينظر اليه بغير ود او احترام كاف لانه يشتري منه العظام المجرودة من اللحم فقط، وكيف ان القصاب تغير وصار يقدم اللحم مع ابتسامة وكلمات مجاملة بعد ان صار ماركيز قادرا على شراء كمية كبيرة من اللحم.
الزهد في المال شيء نادر ان لم يكن منعدما  فلم نسمع من بعد تولستوي رجلا اقدم على توزيع ثروته على الناس ليعيش فقيرا، ومعروفة قصة تولستوي ونهايته مشردا،حيث عثر على جثته متجمة في احدى المحطات. وكان قد فعل ذلك قبله الفنان بول غوغان حينما كان يتصور ان الفنان الحقيقي لايجوز ان يكون غنيا، وهكذا بدد ثروته وعاش فقيرا وعالة على صديقه الفنان فان كوخ الذي كان هو بدوره عالة على شقيقه الاصغر.
اذكر اني حين رويت تلك الحادثتين على عائلة من معارفي استهجنوا هذا التصرف واعتبروه رعونة وغباء، وتاثروا كثيرا على تلك النقود التي بددت بهذا الشكل رغم ان ذلك كان قبل اكثر من مائة عام.
                                                              خواطر

 هل للنقود سحر؟ لنحاول ان نعرف ذلك.
مرة، وبالصدفة الغير مقصودة، اعطينا لطفل  من الاسرة لم يبلغ العامين بعد، قطعة نقد، مع ان علاقة الاطفال بالنقود عينية وحسية ولايعرفون لها قيمة خارج اطار انها توفر لهم الحلويات والالعاب، لكن هذا الصغير، والذي لم اره يتشبث بشيء مثلما تشبث بقطعة النقد تلك، عدا انه اضحكنا فهو ايضا جعلنا نفكر في ان للنقود ربما، سحريتخطى كل الاشياء .
يقول المثل الشعبي <اللي ماعنده فلس مايسوى فلس> والعلاقة هنا طردية.
لاندري ان كان ظن وادعاء البعض من ان النقود لاتجلب السعادة هو امر مبالغ فيه ام حقيقة؟ وهذا الظن يثير سخرية من ليس لديهم شيء< المفلسون>. لكن الكثير من الناس يقولون ان النقود على العكس تجلب كل شيء، الجاه والسلطة والنفوذ واخيرا وليس آخرا الحب. الم يقل المثل الشعبي <  الفلوس تجيب العروس> (لاحظو النزعة الذكورية في المثل !) اليست
< العروس> بمعنى من المعاني هي الحب؟
نعم الحب.. نعم النقود تشتري الحب... لنتقصى الامر. الكثير من الروايات الميلودرامية والواقعية والافلام والحكايات <وسوالف> الناس، وهي تعكس خلاصات لتجارب عامة، تحدثت عن حالات كثيرة بدلت الحبيبات < حبهن>
< لحبيب> جديد غني، واحيانا لكونه لديه اكثر من ما عند الحبيب الاول، والذي غالبا مايكون من المفلسين والذين لايملكون سوى شخصيتهم وعقلهم وحبهم، الاشياء التي تبدو قيمتها غامضة. الم تشتر النقود الحب هنا..كيف؟ لنفكر معا! تبدو المسالة على شيء من التعقيد، فلايوجد من يقر ان النقود هي السبب في تغير سلوكه ومشاعره، لما لهذا السبب من صورة سلبية عالقة في مخيلة الناس، لذا فان الحالة لاتدرك بصورتها المباشرة التي نوصفها هنا لان الانسان بطبيعته ميال للانحياز الى ذاته ويحاول ان يبرر سلوكه< وهو هنا انقلاب الحبيبة 180 درجة فقط لاغير> وليقنع نفسه ويجد لها المبررات< التي ستكون كلها في الحبيب المغلوب على امره> قبل ان يوجد تلك المبررات للاخرين. ولكن مهما تساق المبررات التي هي دائما موجودة في كل شخص وفي كل ظرف طالما وجد من يريدالبحث عنها والتعكز عليها،  ففي التحليل الاخير نتوصل الى ان< النقود> هي السبب وليس شيئا اخر. نعم النقود التي يعيب قدماء العرب الحديث عنها، هي التي تصقل الالوان الباهتة وتلمعها وتضفي على الوجوه الوسامة وتحول الاحمق والفارغ مثقفا، فتصير كلماته وعباراته، المترددة بتناغم مع ايقاع النقود ،هي الحكمة، وتستمد كلماته بريقها من لمعان نقوده.
هناك اناس حاذقون ولديهم حس تجاري مرهف، وهو حس يتعارض بقوة مع اي حس جمالي او عاطفي. هؤلاء يعرفون كيف يوظفون امكاناتهم المالية حتى وان كانت بسيطة، فهم يعرفون كيف يشترون الخدمات والمحسوبية بالرشوة ويعرفون كيف يغرون النساء< طالما حديثنا هو عن شراء الحب والسعادة معه> ليبدلن حبهن بهدايا ليس فيها من  رقة الحب وكلماته اي شيء، لكنها اكثر تاثيرا منهما .
 كنت اعرف شخصا لايضاجع امراة بدافع الحب ولايشعر باللذة الا حينما يقدم اليها مالا او مايعوضه!.
تحدث  الجاحظ < ابو عثمان عمر بن بحر>،عبقري الازمنة كلها، عن البخلاء مصنفا اياهم الى طبقات وانواع وتطرق الى تحليل لبعض دواعي بخلهم، وكيف نظروا هم اليه<بخلهم> مما يوحي بان ماارتبط شيء ما بقوة بعالم النقود مثل البخل، فالشحة تكاد تكون صفة ملاصقة للغنى. مرة شاهدت برنامجا تلفزيونيا عن ملياردير يملك قصرا وتحفيات بمبالغ ضخمة جدا لكنه يضع في بيته تلفون يعمل بالقطع النقدية لضيوفه حينما يريدون الاتصال من بيته!.والبخل هذا يشترك مع شغف تكديس الثروة في اشياء عديدة .اعتقد اننا اذا اردنا ان نحلل الحالة فسنجد ان البخل هو حالة عصابية لانه تعبير عن عدم الاطمئنان والثقة وتعبير صارخ عن الخوف،واندفاع اهوج لتامين النفس من اي شيء حتى وان  كان غير ممكن الوقوع. لهذا، حسبما اظن، نلاحظ ان البخل يكاد يكون صفة ثابتة لدى ابناء الاقليات في مجتمعاتهم، فهم اكثر حذرا وقلقا وتحسسا من اي تحول او تبدل ممكن الوقوع في الظروف العامة. ويعتقدون< محقين> ان النقود تحميهم وتعادل كفتهم في المجتمع. ونعرف عبر التاريخ والميثولوجيا ماهي صورة اليهود،وهم ابناء اقلية مطلقة في كل مجتمع يكونون فيه حتى في اسرائيل نفسها< اذا افترضنا ان الحل العادل سيتحقق ويعود اللاجئون الفلسطينيون!> وعرف عنهم<  وهنا اجرد هذه النظرة من اي معنى عنصري> البخل والحذق < الشطارة> في فن تدبير النقود وجمع الثروة.
هل هناك علامة ما تميز المفلس عن غيره؟
مرة دخلت مطعما للاكلات الخفيفة وكنت جائعا جدا، يبدو انهم ادركوا بالغريزة اني مفلس فلم يكترثوا لي حتى تجرات  وتطفلت وطلبت ارخص شئ عندهم، وهو على الاغلب لم يكن وجبة مستقلة وانما جزء من وجبة، خمنت ذلك من نظرة البائع المستغربة الي، قدموا لي الوجبة من غير ملعقة او شوكة وكان علي ان اطلبها. كيف عرفوا اني مفلس ؟ الظن ان هناك لمعان خاص في عيني  المفلس يميزه عن غيره، وانصح المفلسين هنا ان يروا صورتهم في المرآة ليكتشفوا هذا اللمعان، ففي النهاية لكل شئ لونه ولمعانه فلا ينحصر الامر بالنقود فقط. بعد كل ماقلته ويمكن ان يقال عن النقود وسحرها وتاثيراتها، بما يمكن ان يؤلف مجلدا من الف حكاية وحكاية، لم نستطع ان نحدد ماهو السر في جاذبية النقود وقدراتها السحرية على البشر، فقد استعصى علينا الامر، وهو بحاجة الى دراسة تجريبية ونظرية معمقة ترصد وقائع عملية، وانا شخصيا على استعداد لتقديم هكذا دراسة وبكل المواصفات المطلوبة، من شرح دقيق للتحولات التي تصيب الانسان حينما يحتك بالنقود شرط ان اعيش التجربة!.
 ختاما لدي اقتراح وهو ان يقرضني شخص ما مليونا<باي عملة صعبة> لاعيش التجربة وادرسها، على ان ارده اليه بعد عشر سنوات.
هامش(1)
كل ماذكرته من استشهادات من الادب والتاريخ كنت معتمدا فيه على الذاكرة ولم اراجع اي مصدر لذا معذرة من القراء على  اي نقص في الاستشهادات.

السويد
2002-09-23



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر وتناظراتحول الانتخابات السويدية و-اخلاقيات الذبابة
- مؤتمر المعارضة الوطنية (القطار الاميركي) والوحدة الوطنية
- من اجل نقاش حر وديمقراطي - تعقيب على الرد الصادر من الاعلام ...
- الديمقراطية المشروطة تطلعات ومفاهيم التيارالاسلامي
- ماذا بعد التكفير؟ راي في تنويه الشيخ الآصفي
- الازمة العراقية مطالب خيالية في افق مغلق
- اقصاء الآخر والانفراد السياسي - (نقد) التيار الاسلامي للمارك ...
- المعارضة الوطنية العراقيةهل تخطو باتجاه الوحدة؟
- التوجه العقلاني اساس لمواجهة التحديات القادمة
- العسكر قادمون اخفوا رؤوسكم!
- الحل الاميركي للازمة العراقية القبول الخفي والرفض المكشوف
- واقع لغة الحوار السياسي
- عراق المستقبل وملوك الطوائف
- الحوار والديمقراطية
- المثقفون العراقيون.. المنفى والوطن


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد صبيح - النقود.. النقود.. النقود