أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي مقلد - تحية إلى حسن حمدان مهدي عامل















المزيد.....

تحية إلى حسن حمدان مهدي عامل


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 3731 - 2012 / 5 / 18 - 09:03
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


وتبقى أنت النشيد
تحية إلى حسن حمدان مهدي عامل

تقول رواية أن مسلحين كانوا يستقلون سيارة بيضاء أطلقوا عليك الرصاص وأمعنوا فرارا، بعد أن أخفوا بصماتهم وحملوا معهم كل الأدلة المادية . هكذا تركونا نتخبط بجهلنا وذهولنا . تركونا يعبث بنا التردد ، ويخيم علينا صمت عميق ... الرصيف وحده وإسفلت الشارع ودماء دافئة هي الشاهد والدليل .
وتقول رواية أخرى أن الأدلة أتت من كل صوب ، من بيانات الاستنكار وبرقيات الشجب ووفود المعزين ودموع المحبين وحزن الأصدقاء ، وأن محبيك في المدن والقرى راحوا ، لحظة سمعوا الخبر في الإذاعات ، يفركون آذانهم وعيونهم لأنهم لم يصدقوا ، وأن تلامذتك في الفكر والصداقة ، في السهر والجدل والسمر، أن ذويك في الشعر ومن أهل القلم ، وذويك في الثورة ، وأن المتداولين بأسمائك وبمفاهيمك وبذكريات حميمة معك ، والذين ذهبوا لتأبينك بالدمع والصمت والصبر والانتقام ... والذين سقط موتك عليهم كالفاجعة ، والذين خرج من عيونهم الخوف والعنف والريح ... كلهم خسروك ، كلهم افتقدوك ، كلهم شعروا أنك لا تعوض .
وحدهم القتلة وقفوا بعيدا يحملون علامة فارقة ، وقفوا بعيدا يشيرون بأصابعهم إلى جثتك ... وحدهم بأكباد غليظة وسبابات غليظة .
**************
كنت تعلم أنهم سيفاجئونك ذات يوم، لذلك كنت تشرب أيامك حتى الثمالة ، يقظا كنت تبقى آناء الليل ، تستيقظ كل صباح وقلمك معفر بغبار محاوريك ومجادليك ، وكنت تجادلهم بالتي هي أحسن
وحدهم الذين خرجوا من رحم الفكر جادوا عليك بما تستحق . ما عرفك أحد منهم إلا وأحبك . ما عرفت أحدا منهم إلا وأحببته ، إلا الذين كفروا وارتكبوا الكبائر وعسعسوا في عتمة الجهل ، إلا الذين ضاقوا بالكلام المقنع فآثروا أن يطلقوا على الكلام الرصاص .
فهل ما زلت على يقينك بأن تجادل بالتي هي أحسن ؟

*************
يوم عرفناك أول مرة بلحيتك و" صندلك "، تسهر حول كؤوس الشاي ، تهيؤها بنفسك بعناية ، كأنك تمارس طقوسا في العبادة ... كنا نمسك شفاهنا عن الهمس وعيوننا عن النوم وساعاتنا عن الدوران . وكنا نسكر بكأس الشاي الذي تهيئه لنا بنفسك ، تداعبنا أفكارك وتلهو بنا كالأطفال . وفي غمرة فرحنا كنت تقدم نفسك إلينا على شكل طفل بريء قوي الحجة ... فسلام عليك حتى مطلع الفجر.

*************
مثل كل التلامذة يامهدي كنا نبحث عن نقاط الضعف في معلمنا . لم نكن نجد سوى طفل فيك وجسد نحيل يحتويك . كنا نعبث مع الطفل ونعبث بجسدك ، نحملك نرميك نتقاذفك بلكمة أو دفشة أو كركرة أو ننتف لحيتك ... كنا في حركاتنا المتوحشة تلك نأتيك من ناحية الجسد لأنك كنت أقوى حجة وأعمق ثقافة .
كم كنا قتلة وسفاحين ! لقد سبقنا الذين اغتالوك إلى كشف نقطة ضعفك ! غير أننا ، نحن ، كنا نمزح ونفرح معك إلى أن يدب النعاس فينا ، وحين كنا نغادرك قبل الفجر كنا نغرق في حنين إليك يشبه حنين العاشقين ، نمضي إلى منازلنا ، نتوزعك فيما بيننا ، ونستمر نحادثك كل من فراشه ، إلى أن نستيقظ في الصباح على ضحكتك ولحيتك أمام باب المدرسة الثانوية.

*************
كان حسن حمدان يسهر كثيرا ، يقرأ كثيرا ، يكتب كثيرا ، ويشرب الشاي كثيرا . وكان قد بدأ يتسرب إلى أصدقائه الكثيرين حين خرج من ضلعه شخص إسمه مهدي عامل . أحببناه كما أحببنا صاحبه . كان الأول يهيئ لعائلته وجبة الطعام ولأصدقائه كؤوس الشاي ، بينما كان الثاني يهيئ لجلسة السمر والنقاش ، ولا يقطعها إلا على صوت صغيره في السرير . يسكت مهدي ويقوم حسن راضيا مرضيا .
كان يدهشنا كيف يجتمع هذان الشخصان داخل تلك العباءة الجزائرية ، كيف ينسقان الوقت والعمل والهموم والمشاغل والأصدقاء ، وكيف يتوزعان العواطف . كان مهدي يختفي خلف نظارتيه ليبقى حسن العاشق المراهق ، حسن الساذج ، حسن الجنوبي ، حسن المتسامح الصادق الوفي الألوف ، حسن المناضل المتواضع الزاهد، حسن النقي ، حسن الأب والزوج والصديق والنديم ، حسن بحياته البسيطة وثيابه البسيطة .
كان حسن يخلي الساحة لمهدي ، مهدي الشيعي ، مهدي الصوفي ، المفكر والفيلسوف ، المجادل والمناقش ، المحاجج المقنع المفحم ، مهدي الذي يحب خصومه ولا يتسامح مع أفكارهم ولا يغفر لهم قول غير الحق . مهدي الذي لا يرحم فكرة تجنح أو قولا ينتصر للإيديولوجيا ضد العلم ، مهدي الحازم الحاد القاطع ، الذي لا يساوم ولا يداور ولا يناور ، مهدي الذي لا يكف عن القراءة وعن البحث في عالم الأفكار .

*************
ثم جاءنا من دور النشر أن مهدي عامل أخرج إلى النور كتابه الأول ، وقمنا نحن نجول به على المحبين والأصدقاء . وسرعان ما ارتفعت أصوات قارئيه احتجاجا على صعوبة لغته ، مطالبة بعودة مهدي محدثا بديلا عنه كاتبا . صار مهدي مهديين إلى أن وقف طارق على المنابر في المساجد والحسينيات وقاعات المحاضرات ينشر أفكارا عن الثورة والصراع الطبقي والحكم الوطني الديمقراطي والثورة الفلسطينية وحركة التحرر الوطني . طارق نسخة شفوية من مهدي ، إليه انشدت القلوب والعقول واستمع إليه عشرات الآلاف حين كان يبشر بعصر جديد وبحركة وطنية
وحين ظهر إسم هلال بن زيتون على غلاف " تقاسيم على الزمان " كنسخة شاعرية من حسن حمدان ، حمل الشاعر ملامح ذويه ، غير أن حسن ومهدي وطارق عملوا بعد حين ، على تفادي هذا الإسم يوم خرج إلى النور ديوان جديد بعنوان " فضاء النون " ووقعه حسن حمدان بالذات
تلك هي أسماؤك...
ويوم طلع نعيك من الإذاعات شهيدا لفت انتباهنا لقب الدكتور الذي واريته خلف تواضع جم وتحت جبة من دون ربطة عنق...
فسلام على أسمائك التي لا تموت
**************
كنا نمشي في جنازتك وكأن على رؤوسنا الطير. وكنت أنت ملء الشوارع والعيون ، وصورتك في المخيلة محفورة كالحب الأول ، كالطعنة ، وغبارك يملأ الكتب والرؤوس ووكالات الأنباء ، ودماؤك تسيل من شرايين لا تعرفها ، وموتك يلف أعناق الوطن .
ها أنت معنا ضاحكا . ها لحيتك تخلي للشيب سوادها . تلك هي خيوطك الجنوبية ما زالت مشدودة إلى الحلم ، إلى الوطن المستحيل .ها أنت ذاتك بعينين ثاقبتين وإذنين خائبتين، ومع ذلك فها أنت تسمع بيانات الاستنكار كما تقرأ جيدا في عيون مشيعيك حقدا طويلا وبطيئا ، وتقرأ على الجدران والأعمدة صورتك الكثيرة ، وتقرأ الحداد على باب الثقافة ، وتقرأ نمنماتك وحروفا كحبات الرمل مرصوفة كعقاب جميل لعمال المطبعة .

***************
لا تقل إنك بانتظارنا على مذبح الحرية ، وعلى هيئة قرابين فدى للوطن . ولا تنتظرنا مطلع االفجر على المنعطفات . لقد بتنا ، في غيابك ، نرى بعيون زائغة ، نحاول أن نجمع ما تشتت منك في ذاكرتنا، في سفرنا اليومي إلى الكتب والمدرسة ، وفي بحثنا عن الحقيقة بين بقاياك. ... لا تقل ذلك الكلام الذي بتنا ، لكثرة ما صدقناه ، نعيش على شفيره .
لا تعد إلينا على هيئة قوس النصر ، أو في صورة نبي ، إننا لم نعد نقوى على تعاقب الغزاة والأنبياء ، ولم تعد ملامسنا صالحة للصحاري . إننا لكثرة ما أدمنا على كلامك بتنا " لانملك إلا أن ننتصر ". هكذا كنت تقول . كنا نضحك من تفاؤلك وكنت تضحك من جهلنا . وها أنت ما زلت يا مهدي ضاحكا ملء القبر ، ضاحكا من أصدقائك الذين لم يصدقوك ومن أعدائك الذين صدقوك أكثر منا ، فقتلوك .
**************
غداة موتك اهتزت خطواتنا . فقد انتزعتنا أنت ورميتنا في غموض أبله ، وتركتنا معلقين بأفكار تبحث عن ورثتها . غير أننا، في ما تبقى من آمالنا الخائبة ، وفي ما ترسب منك في آذاننا وعلى أوتار قلوبنا ، نستجمع أحزاننا وأحلامنا كاليتامى ، بحثا عن وطن وعن مستقبل ، بحثا عن كلام تنضح منه الحقيقة
وإذا كنا ياحسن قد فقدنا بغيابك بعضا من نكهة الصبر وشهية العناد ، فلأن الكورس قد شرد عن اللحن ، ولأن أفراد الجوقة تاهوا في ركام من عزف منفرد
... وتبقى أنت الأغنية
وتبقى أنت النشيد


( نشرت في 20-6-1987)



#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)       Mokaled_Mohamad_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حجْر سياسي
- جرصة
- المحاصصون وقانون النسبية
- نواب لبنان خارج الزمن
- حبيبتي الدولة
- في نقد اليسار، نحو يسار عربي جديد
- التهويل بالديمقراطية
- آذاريو لبنان ينتظرون ربيع سوريا
- الربيع العربي فرصة تاريخية أمام الأقليات للحصول على حقوق الم ...
- ويكيليكس اللبناني
- طائفية علمانية أم محاصصة
- ربيع العرب وخيبات أدونيس
- ربيع العرب وتحفظات سمير أمين
- علمانية وطائفية أم محاصصة؟
- أصولية العلمانيين... إساءة إلى الدين والدولة
- موت الأصوليات
- الأصوليات غير الدينية
- ارفعوا أيديكم عن زياد بارود إنه من الأملاك العامة
- استبداد لبناني باسم الحرية
- انقلاب أم ثورة على الاستبداد القومي؟


المزيد.....




- -لا لإقامة المزيد من القواعد العسكرية-: نشطاء يساريون يتظاهر ...
- زعيم اليساريين في الاتحاد الأوروبي يدعو للتفاوض لإنهاء الحرب ...
- زعيم يساري أوروبي: حان وقت التفاوض لإنهاء حرب أوكرانيا
- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي مقلد - تحية إلى حسن حمدان مهدي عامل