أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - تعرف على ذاتك - مقال سيكولوجي















المزيد.....


تعرف على ذاتك - مقال سيكولوجي


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 1083 - 2005 / 1 / 19 - 12:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من ابرز الأشكاليات التي نعانيها كبشر هو هذا الانفصال المريع بين الذات العليا او الوعي الفائق او الضمير والجوهر وبين كينونتنا الذاتية الواقعية القائمة والتي تعيش اللحظة الراهنة .
نحن نعيش للأسف في انفصال شديد عن ذواتنا ، عن هويتنا ، عن كينونتنا ، عن اجسادنا وافكارنا وعقولنا ، بينما نمنح الخارج اهتماما اكبر مما نمنح لذواتنا الداخلية والظاهرة بذات الوقت .
وحين نفشل او نتعثر او تضيق بنا سبل النجاة ، نلقي باللوم على ذواتنا او عقولنا او قلوبنا او على الآخرين .
طيب اما تساءلت عزيزي القاريء ، لماذا فشلت في هذا المشروع او ذاك المشوار او تلك القضية ؟
لا أدعي ان كل هزائمنا مردها ضعف حبنا لذواتنا ، بل قد يكون السبب الخطأ في التعبير عن الحب للذات أو أن يكون هناك آخرون او ظروف اخرى أدت لهذا الفشل أو ذاك ، لكن دائما يتسلل إلى عمق تلك الظروف جانب شخصي يتمثل في ضعف حب الذات والقصور في احترامها ومنحها العناية والأعتبار المناسب .
نحن نسعى عزيزي القاريء من خلال هذا الكتاب وعبر ممارسة ما فيه من تمارين ، إلى ان نطور ذواتنا ونحسن فرصنا في الحياة ونزيد من آفاق النجاح والتقدم وبالتالي ننال السعادة والرضا وهما هدف كل جهد يبذله الأنسان ، وسبيلنا للوصول إلى السعادة يبدأ بالذات وينتهي فيها .
وقبل ان تحب شيئا او شخصا ما لا بد ان تكون هناك مواصفات معينة في هذا الأنسان أو هذا الشيء دفعتك لأن تحبه ، طيب من أين لي ان اعرف ان في هذا الأنسان او هذا الشيء تلك الصفات او السمات التي تدفع للحب ..؟
قطعا يجب ان اتعرف عليه لكي احبه ، بدءا اتعرف على مظهره ثم اختبره وأتسلل الى جوهره واعرف كيف يفكر وبم يحلم وما هي نظرته للحياة والأحياء ، موقفه من الكون من الطبيعة من نفسه مني ...الخ .
بمعنى اعرف ما عنده بالكامل او جزئيا ثم ارى ما يثيرني في هذا الذي عرفته ...!
طبعا هذه هي الحالة النموذجية التي لا اعتقد اننا نولي الكقير من عناصرها اهتماما كبيرا وللأسف ، ولهذا تجد ولاءاتنا لهذا الذي نحبه قابلة لأن تهتز سريعا ، عندما تظهر منه او فيه بعض السمات التي كانت موجودة فيه ولكننا غضضنا الطرف عنها في لحظة انبهارنا بالأيجابيات التي وجدناها فيه والتي كانت تتطابق مع ما في انفسنا .
ذات الأمر عزيزي القاريء ، يحصل مع ذواتنا ، كيف لي ان احب ذاتي إذا لم اكن اعرفها معرفة جيدة ؟
كيف تريدني ان اجازف بحب ذاتي وهي مجهولة عني جزئيا او كليا ؟ كم اعرف من ذاتي ، وكم اجهل ؟
لأجل هذا نحن غالبا ما نكون قاصرين في حبنا لذواتنا ، لأن ما نعرفه عنها غالبا ما يكون قليل جدا ، أو لأن ما نعرفه عنها لا يسر ...!
وبالنتيجة تجدنا لا نتقدم في الحياة كثيرا ، لأنك لا تحب ادواتك ولا تعرفها بشكل جيد ، فلا تنال منها هذه الطاقات الإبداعية والقدرات الكبيرة التي يمكن ان تدفع مسيرتك في الحياة الى افاق رحبة واسعة .
هنا سيعترض البعض قائلا : كيف لا أعرف ذاتي جيدا ، وهي التي تعيش معي وأعيش من خلالها ؟
أجيبك ...طيب لماذا انت في هذا المكان لا غيره ؟ لماذا انت في هذه الوظيفة وليس في منصب راقي ؟ لماذا نلت البكالوريوس ولم تسعى للدكتوراه ؟ لماذا ليس لديك ثروة كبيرة ، بينما هناك من هم دونك في الكفاءات وقد نالوا ما لم تنل ؟ لماذا ابنائك ...زوجتك ...بيتك ...الخ ، بهذا المستوى لا ذاك ...؟ لماذا لا تتقدم ، إذ كلما فارقتك بضع سنين وعدت لك وجدتك كما انت في مكانك ؟
انه معرفة الذات ومن ثم حب الذات هو ما ينقصك ، لأي سبب من الأسباب وبغض النظر عن كل الأسباب الأخرى التي تقولها لي فأقتنع بالبعض وأرفض الآخر بلا نقاش ...!
الحقيقة عزيزي القاريء اننا فعلا نعرف ذواتنا بقدر ما ، ربما حين نمرض نتحسس الألم في المعدة او الراس ، حين نبرد نحس بالأرتجاف ، حين نجوع تقرصنا المعدة ، نعي ان لدينا حسا للتذوق والشم ، نعي ان لدينا غددا تفرز اللعاب ولسانا يجف من العطش وعين وخيال يسرح في تصور وجبات الطعام والشراب التي نحلم بها لأننا فقط جاعون وعطاشى في هذه اللحظة ، ربما نتحسس قدراتنا الجنسية لأن الغريزة تتحرك فينا في هذه اللحظة او تلك ، ربما نحتاج لعقولنا حين نقع في ورطة او مشكلة أو حين نريد ان نستمتع بهذه الرواية او حين نريد ان ننجو من موت محقق أو نتغلب على عدو ظهر لنا فجأة في طريق الحياة ، لكن هل أي من هذا هو الوعي الحقيقي للذات ؟
بالتأكيد لا ...! ليس هذا اكثر من معرفة سطحية تنفعنا في تمشسة امر من الأمور لا أكثر ، وعلى هذا المنوال تسير حياة الغالبية العظمى منا وللأسف .
ليس معرفة الذات أن اعرف اسمي وتفاصيل جسمي ونسبي واجواء حياتي و...و...و...الخ ، إنما أن اعي هذا الذي هو أنا ، أن اعي هويتي ، كينونتي ، تفاصيل حياتي ، نمط تفكيري ، سمات سلوكي .
الوعي عزيزي القاريء هو مستوى متقدم من المعرفة ، أنه يرقة على المعرفة بدرجات عديدة ، الوعي هو الأنتياه اليقظ للكينونة وليس معرفتها بشكل سطحي .
جميع الأديان والفلسفات الروحية تدعو للتأمل في النعم التي منحها الخالق ، التأمل هو وعي النعمة ، وعي القيمة الموجودة وليس معرفتها حسب ، المعرفة يمكن ان تكون احساس سطحي بهذا الشيء او ذاك ، أما الوعي فهو الأنتباه والفهم والأمتنان والحب لهذا الشيء أو ذاك ، الوعي لا يمكن ان يؤدي للمرض او الكراهية او السلب او الحياد او الغباء أو الحرب أوالأنفصال ، الوعي لا يمكن إلا ان يؤدي إلى الخير والجمال والسعادة والتقدم والوحدة والتواصل ، لأنه يقوم على الفهم ...والفهم يؤدي الى الرفق والرحمة ، حتى مع الأعداء ، فكيف بالذات ..؟

منْ يعي ومن يقع عليه فعل الوعي ؟
______________________

من ابرز الأشكاليات السيكولوجية التي نعاني منها عزيزي القاريء ، هي مسألة الأنفصال الحاد بين عقلنا الواعي وعقلنا الباطن ووعينا الفائق او الذات العليا او الروح او الجوهر او الضمير ....!
إنفصال بين جوهرنا الفردي المتميز الذي يحمل سماتنا الجوهرية وبين هذا القناع الأجتماعي ( الوعي الأجتماعي ) ، الذي يفكر ويتصرف ويحلم ويقلق ويعاني ويفرح ويرقص على دق طبول الآخرين . زعينا الذي تربى في حضن المجتمع وصار كل همه ان يكون كائن اجتماعي لينال الحب والرضا والأمان من المجتمع لدرجة انه نسى جوهره وضيع الطريق التي تفضي الى الذات .
نحن نعيش عزيزي القاريء بقناع وهويه اجتماعية اكثر مما نعيش مع انفسنا او لانفسنا أو على إيقاع ارواحنا وجوهرنا الحق .
لماذا لا يتفجر فينا الوعي الفائق إلا برهة قصيرة حين نسكن الى انفسنا أو حين نمرض أو نسجن أو تحل بنا كارثة أو مصيبة ؟ لأننا للأسف لا وقت لدينا لأنفسنا إلا حين تصبح هذه الأنفس مهددة جديا ...!
حين أقول لك اننا لا نعرف انفسنا ، أعني بهذا أن وعينا الفائق لا وجود له في حياتنا وللأسف ، أنه وحده من يعرف جوهرنا ووحده من يمكن أن يرقى بحياتنا ، ولكنه مفصول عنا قهرا ، أنه مغيب بشكل مرعب ، جوهرنا لا يتحكم بعقولنا ولا يسيطر على شيء فينا ، رغم انه وحده من يجيد القيادة والسيطرة ، فيما لو قيض له ان ينشط ، أن يتدخل ، ان يتعرف ، ان يحاور ، أن يفهم من نحن ، أو كيف نبدو الآن نحن بهذه الكيفية او تلك ، ولماذا نحن هكذا ، أو وصلنا إلى هذه الحال او تلك من الضعف او التردد أو التعثر في مشوار الحياة .
الوعي الفائق هو الأنتباه العميق لذواتنا والتمعن الدقيق بتفاصيلها .
أعط الوعي الفائق فرصة ان يعيد على مسامعك ما يعرفه عنك ويعرف وعيك العادي بما لايعرفه عن جوهرك ، كم ممن المرات نرتكب عزيزي القاريء هفوات كبيرة ثم ينتابنا الندم ونقول ، لماذا فعلت هذا ؟
بلا ...لماذا فعلنا هذا أو ذاك ، وكم من الجرائم فعلنا بحق انفسنا بسبب جهلنا بأنفسنا اصلا وبأمكاناتنا وبقدراتنا وبهويتنا الحقيقية .
في الحقيقة لا أريد الأطالة في هذا الباب أكثر مما يجب ولكني اردته مدخلا حسب ، للتمهيد لمشوار دخول الذات وتلاقح مستويات الوعي الثلاثة التي لدينا في عمل استكشافي استبصاري يهدف إلى التعارف والتفاهم والتكامل في العمل بين تلك المستويات الثلاثة من أجل الوصول إلى وعي شامل للهوية الذاتية تتفق عليه تلك المستويات من الوعي .
الوعي الفائق أو الجوهر ، والوعي العادي ( القناع الأجتماعي ) ثم العقل الباطن .


تمرين وعي الذات :
________

الجزء الأول :
_________

إذا كنت عزيزي القاريء قد قرأت هذا الفصل ووجدت فيه ما أثار اهتمامك في مسألة وعي الذات ، فمن المحبذ أن تبادر بلا أدنى تأهير إلى التعرف على ذاتك عن كثب ، مهما كان مستوى وعيك لذاتك ، فأن هناك قطعا ثغرات في فهمك لذاتك تحتاج إلى ان تراجعها ، بكل الأحوال لن تخسر شيئا إذا ما قضيت أمسية أو صباحا جميلا مع ذاتك بلا أصوات ولا حركة ولا نشاط عقلي ، بل فقط وعي الهوية وتحسسها وتذوقها وتشممها بمنتهى العناية وبلا نقد او تجريح أو تردد .
اليس هذا الشيء هو ذاته ما تفعله مع سيارتك او بيتك الجديد أو المتجر الجديد الذي تريد ان تشتريه ...أليس اول ما تفعله حين تزمع شراء شيء ان تتفحصه وتسأل عن تفاصيله وتشرك كل حواسك وذهنك في الفحص الدقيق قبل ان تعقد الصفقة ؟
طيب ذات الأمر دعنا نفعله مع ذواتنا ، نتفحص بعناية ، بدقة ، نستعلم ، نسأل ، نتفهم ، ثم نتبنى هذه الذذات بروحية جديدة وعقلية جديدة وأحلام وطموحات جديدة ...!
كما أسلفت ، أنت وأنا نعرف ذواتنا ، لكننا غالبا لا نعيها ، وهذه الحال لا تختلف تماما عن حالة من لديه متجر لم يربح منه منذ سنين عديدة إلا ما يكفي للإيجار والكهرباء والمعيشة البائسة .....!!
إنه ربما يعرف متجره ، لكنه لا يستطيع ان يعي الآفاق التي يمتلكها هذا المتجر ، إنه يعيش بوعي قاصر أو ركيك لأمكانات هذا المتجر الحقيقية أو ربما هو لا يعرف عن ذاته إلا القليل وبالتالي فهو لا يملك من وراء متجره اي طموحات عريضة .

_____________

* إتخذ لك مكانا منعزلا قصيا عن أهل بيتك او الناس ، في غرفتك الخاصة أو في حديقة بيتك أو على سطح المنزل أو أذهب إلى مكان قصي خارج البيت شريطة ان لا يكون فيه احد يمكن ان يراقبك او يضايقك بصوته فيفسد خلوتك ويؤدي إلى هرب العقل الباطن وتشتت الوعي الفائق .
يحبذ ان يكون لديك ورق وقلم لتدوين ما يمكن ان تدونه من ملاحظات مهمة عن هذا الكائن الذي تريد التعرف عليه ووعيه بعناية ، تماما كما تفعل حين تكون في لقاء مع مديرك او شريكك في المشروع الذي تروم اقامته أو حتى حين تزمع شراء سيارة او متجر او قطعة اثاث .

* اجلس بغاية الهدوء ، أو إن شئت قم بالتجوال جيئة وذهابا بينما انت تتأمل في ذاتك وتتعمق فيها ، إنما قبل أن تفعل اي شيء ، يحبذ ان تسترخي لأن للأسترخاء البدني دورٌ رهيب في تسريع عملية الأسترخاء الذهني ، ومتى استرخيت ذهنيا ، أمكن للأفكار الطارئة التي لا تكف عن الألحاح على الذهن ، يمكن لها أن تختفي بالكامل لتتركنا احرارا وسعداء بأنفسنا وبوعينا الفائق الذي نهض بعد ان هدأ العقل الواعي الأجتماعي الثرثار

* كيف تسترخي ؟ حسنا المسالة بسيطة للغاية . تنفس بعمق شديد بحيث تمتليء الرئتان بالأوكسجين ، تنبه الى مسار الهواء في داخلك ، تحسس هذا الهواء النقي الجميل وهو يخترق كل مساماتك ويذهب الى كل خلايا الجسم فيغذيها بالصحة والعافية والأمان والراحة ، هذا هو ابسط وأخطر معجزات الكون على الأطلاق ، الهواء الذي يملاً كل شيء ولا يلمس ولا يدرك بالبصر ولا يباع عند العطار او في الصيدليات .
خذ نفسا عميقا وبطيئا جدا ، واطرحه للخرج ببطء اشد ، أغمض عينيك بينما أنت تتنفس ، ركز كل انتباهك على الهواء وعملية التنفس ، كلما غزت ذهنك فكرة ما اطردها بيسر وبدون توتر بأن تعود لتركيز الذهن على التنفس ، سبظل عزيزي القاريء تصارع الأفكار برهو من الزمن قد تصل إلى العشر دقائق او العشرون ، لا عليك فالعقل الأجتماعي المشغول بالخارج لم يتعود على الهدوء أو السكينة أو أن يكون بعيدا عن الآخرين ، لأنه في الغالب يخاف مواجهة نفسه ويفضل الهروب تحت عباءات الآخرين ، الزمه ان يتعود ، بعد دقائق سيشعر بالأمان مجددا وسيستكين ويهدأ كالطفل في حجر امه أو أي حجر يشعر فيه بالدفء .
هناك طبعا انواع عديدة من التأمل وتقنياته ، لكنني لم أشأ لك ان تنام مغناطيسيا أو أن تدخل في حالة النشوة التامة التي يتم فيها التوحد مع الكون ، لاننا لسنا بحاجة لمثل هذه الأنواع من التأمل في حالتنا هذه فنحن نريد ان نحافظ على يقظة كل مستويات الوعي بذات الآن من أجل ان يتعرف الجميع على بعضهم وعلى الكينونة والهوية القائمة فعلا الآن .
يمكنك إم شئت ان تستعيض عن الأنتباه للتنفس بالأنتباه على اي شيء آخر إذا كنت من النوع الذي يخاف من الموت بقوة او لديك متاعب صحية وهواجس بشأن الرئتين أو التنفس ، يمكنك ان تركز انتباهك على ذؤابة ضوء شمعة او على حركة قدميك وأنت تمشي أو وقع صندالك على الأرض أو أن تعد في داخلك من الواحد إلى المائة ثم تعد عكسيا من المائة الى الواحد وهكذا .
ليس اكثر من عشر دقائق او ربع ساعة من التأمل ثم تجد أن افكارك قد هدأت فعليك أن تقطع التأمل بشكل هاديء بأن تنتبه لنفسك رويدا رويدا ، تفتح عينيك ثم تشرع بممارسة الجزء الثاني من التمرين .
من المؤكد أن للتأمل أغراء لا يقاوم ، وهناك من ينسى نفسه ويستغرق في التأمل لفترات اطول ، طبعا ليس هذا بالخطأ ، بل هو شيء محمود ، إنما نحن الآن في مهمة عزيزي القاريء ، وهذه المهمة تتطلب منا الوعي ، وبالتالي يجب ان تتوقف قبل ان تتعمق اكثر في التأمل .
يمكن طبعا ان تضع قربك ساعة منبهه يمكن ان توقظك في حالة ما أنك تعمقت في التأمل ا, استغرقت في النوم .
على اية حال لنأخذ الجزء الثاني من التمرين ، فقد اسرفنا في تفصيلات الجزء الأول .


الجزء الثاني :
_________

* الآن أنت يقظ بالكامل ومرتاح جدا وتحس بجسمك خفيف للغاية وتحس بذهنك رائق جدا وصافي غاية الصفاء ، وليس في ذهنك اي افكار من اي نوع كان إلا فكرة واحدة ، من أنا ....!
طيب .... أجب على هذا السؤال بمنتهى التفصيل وبمنتهى التلقائية ، لا تنتقي كلماتك ابدا ، دعها تنطلق بكل حرية ، أبدأ بالأوليات ، أنا فلان بن فلان ، أذكر اسماء افراد اسرتك ، اسم بلدك ، مدينتك ، عملك ، دراستك ، هواياتك ، الأشياء التي تمارسها يوميا ، عاداتك اليومية وروتين حياتك الأعتيادي ، سنك ، أعد تكرار اسمك مرة ثانية فهو احب الأسماء اليك .

*حذار من أن تجيز لنفسك أن تستغرق في ربط الأشياء ببعضها أو الوصل بين العلائق بحرية شديدة ، لأنك بهذا ستخلق سلاسل جديدة من الأفكار التي لا مبرر لها على الأطلاق من قبيل ان تذكر اختك مثلا فإذ بذهنك يذهب الى زوجها وابناءها ثم من هؤلاء يهرول صوب بيتها او سيارة زوجها الجديدة ومن ثم صوب فكرة اخرى وبالتالي تجد نفسك مستغرق في امر آخر لا علاقة له بهويتك الشخصية .
يجب ان تكون حازما مع وعيك وان تقوده باستمرار صوب الهدف الذي تروم التوجه اليه وهو ذاتك وليس اي شيء آخر .

*حذار ايضا ان تنتقد اي شيء في هذا اللقاء المبارك مع ذاتك ، أي شيء على الأطلاق ، لا تطري ولا تنتقد ، فقط استعرض وتعرف وتلمس وتحسس وعش ، ولا تكثر من الكلام بقدر ما تعيش حالة الكينونة بشكل ملموس ، تماما كما تفعل حين تنوي شراء سيارة او عقد صفقة ، لا كلام كثير ولا وعود عريضة ولا احلام ولا مبالغات ، بل فقط قراءة شروط العقد وتلمس وتحسس والتعرف على البضاعة المطلوب شراءها ( طبعا في مراحل لاحقة من العلاقة مع الذات نتحول من هذه الحالة المحايدة أو السلبية قليلا كما قد يبدو لك ، إلا حالة أخرى أرقى من هذه ، في التعامل مع الذات ، هناك سنعشق الذات ) .

*إغمض عينيك إذا لم يكونا مغمضتين ، وأشرع بتحسس ملامح وجهك بتودد وأهتمام وأنتباه شديد ، تحسس شعرك بيديك بغاية الأهتمام والانتباه ، تحسس اجزاء جسمك المختلفة ، وردد في داخلك ، هذه يدي ، هذا شعري ، هذا وجهي ، هذا ....الخ .
بذات الآن الذي تتحسس فيه وينطق لسانك معرفا بأشياءك ، قم بتصور هذه الأعضاء واحدا أثر الآخر بعين خيالك ، حاول ان ترى كل جزء مهما كان صغيرا من اعضاءك بمنتهى العناية والتفصيل ، أنت هنا تعلن بشكل ابلغ من اي شكل انك مهتم وحريص على ذاتك وواعي بقوة لحضورك وكينونتك ، مجرد ان تنجح في ان ترى وجهك بغاية الوضوح في مرآة الداخل ، سيتسنى لك ان تعقد أواصر الصداقة مع ذاتك ، وسيزداد حبك لها حتى وآن لم توحي لها بذلك .
لا تنسى عزيزي القاريء ان لديك اعضاء مجهولة تقوم بدور خطير جدا في حفظ حياتك ةتأمين صحتك والدفاع عنك امام هجمات الأمراض والعلل ، رئتيك وكبدك وقلبك وجهاز المناعة والدم و...و...و ..الخ .
هذه الأعضاء حذار ان تغفلها من الذكر كما انت فاعل طوال حياتك ، تخيلها في ذهنك ، تصور كيف تكون إذا لم يسبق لك ان رأيت صورا او مجسمات لتلك الأعضاء ، تخيلها وأذكرها بالاسم وقل هذا كبدي ، تلك امعائي ، ذاك قلبي ...الخ .
أعكف على تأملها مليا ، تأمل وظائفها بعينك الداخلية ، لا تمنع نفسك من الأنبهار بهذا العمل الذي تقوم به تلك الأعضاء ، بل أمنحها ما تستحق من الشكر والأمتنان والحب والإعجاب ، جميع هذا سيتحول إلى مزيد من الطاقة الإيجابية النقية التي تمنحك مزيدا من العافية والصحة والقوة والسعادة .

* قبل أن تفتح عينيك لتعيش واقعك ثانية ، عد الى تأمل مفردات هويتك التي قمت باستعراضها في ما سبق بكل تفاصيلها ، اسمك ، عنوانك ، اهلك ، هواياتك ، علاقاتك ...الخ .
بذات الآن تصور كل هذا الذي تقوله ، أعد تصوره في خيالك ، لا تكترث لمشاعر السلب او الأيجاب التي تغمرك عندما يمر هذا الوجه أو ذاك في بالك ، لا بأس لتاتي كل المشاعر متى شاءت ، إنما لا ينبغي ان تفسد عملية التعارف .
الآن قم بإيحاء شبه إيجابي لمجرد تأكيد الكينونة ، قل الآتي :

**** أنا هنا ...أنا موجود الآن في هذه الساعة ، في هذا اليوم ، في هذا الشهر ، في تلك السنة ، في هذا البلد ، في هذه المدينة ، في تلك القرية ، بين هؤلاء الناس ، في تلك المهنة ، بهذه الأمكانات المادية والعلمية التي لدي ، بهذا المستوى من العيش الذي أنا فيه ، بهذا الحجم من الحب والرعاية والأهتمام الذي اتلقاه من هؤلاء الذين هم حولي ، أنا حي ولدي عقل ولدي قلب ولدي اعضاء سليمة ولدي امكانات هائلة مخبؤة في عقلي او من حولي او في المجهول ، المهم أنني حي وموجود في هذه اللحظة ****
تحسس جسمك مجددا ، تنفس بعمق ، أنتبه إلى انك حي وتلك نعمة عظيمة جداً ، ومن خلالها يمكن ان ترقى الى ما هو اسمى واكبر ، من خلال كينونتك القائمة التي تحمل كل عناصر الحيوية والقوة والثراء الذي في داخلك .

* الآن افتح عينيك على مهل وأنتبه الى ما حولك ، وأستمتع بهذا الشعور الذي نلته بالتعرف أو أعادة التعرف على ذاتك .


ما المنافع العاجلة المتوقعة من هذا التمرين ؟
___________________________

1- ستشعر بالمسؤولية عن ذاتك اكثر من ذي قبل ، لأنك تعرفها الآن أكثر ، وبالتالي لو إنك في الغد مثلا توجهت صوب الخمارة القريبة ، ستجدك فجأة تنتبه إلى ذاتك ، وتقول ولم الخمر ، أولست أنا فلان بن فلان الذي يعي ذاته ويعرف قيمة الكبد التي لاينبغي ان يفتتها الكحول ...؟
حين تشرع على عادتك مثلا بالمجاملة على حساب نفسك أو أن تكذب او تتردد في فعل هذا الشيء أو ذاك ، ستنتبه إلى انك تعرف ذاتك وتعيها وتحترمها وبالتالي فإن الكذب أو التهاون أو التردد لا يناسب تلك التيس تعرفت عليها البارحة وعرفت اسرارها وكنوزها الداخلية .

2- ستلحظ أنك بأنتباهك للكثير مما كنت تملك من مواهب او قابليات او هوايات او قدرات ، حتى وإن كنت لم تطري تلك القدرات او تنتقدها فإنك وعيت وجودها وهذا الوعي سيبدأ بالالحاح عليك سرا ثم علنا ، بأن تفعل شيء مع تلك القابليات لتوقظها .

3- كثير من علاقاتك ستتأثر أما سلبا أو إيجابا بهذا الأنتباه الجديد الذي حصل في داخلك ، رغم إنك لم تنتقد ولم تطري نفسك او توبخها ، ولكم أنتباهتك ستفعل فعلها الهاديء في تغيير الكثير مما حولك ، حتى دون ان تعي ذلك بالكامل .

هناك عزيزي القاريء اناس محظوظون جدا إذ امتلكوا الوعي والحب لذواتهم بوقت باكر جدا ، فتمكنوا من الأرتقاء بها الى مستويات عالية للغاية من العيش الكريم والتقدير العالي والاحترام الكبير والمهابة والحب من الجميع ، لكن هناك الملايين ممن لا يملكون اي شيء من هذا لأنهم اصلا لم يعوا هويتهم ولم ينتبهوا لهذا الحضور الواعد الجميل الذي يمتلكونه ، ومثل هؤلاء كمثل هذا العراقي البسيط الذي قال لأهله وهو يحتظر :
أكتبوا على قبري الآتي :

" هنا يرقد جبر ، عاش عمره من ..............أمه إلى القبر "
بمعنى غادر بطن امه ، فلم يرى شيء ولم يختبر شيئا ، وظل يراوح في مكانه حتى اودعوه القبر .

_______________________________________________________________
هذا المقال هو فصل من كتاب " سبيلك الى النجاح والتفوق " والذي سننشره قريبا في بيروت .



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا صوتي - شعر
- أوَ تذكر...؟ - شعر
- قد كنت صديقي - شعر
- عذراً يسوع - شعر
- أعياد الميلاد - شعر
- الأستبصار أو الرؤية الفائقة - مقال في البارسيكولوجيا
- كاريزما الصوت
- برد – شعر
- مرثية الفتى وضاح – شعر
- ذاك الذي أطفؤا قمره – قصة
- لكي تكون عظيماً ...عش العظمة في لحظتك هذه – مقال سيكولوجي
- صورة – قصة قصيرة
- سحر الحواس - مقال سيكولوجي
- كيف نحقق الشخصية التي نحلم لها ؟
- التلباثي ---وجيزٌ عمليٌ تطبيقي
- عباءاتهم وفضاء العراق ـ شعر
- ان كنت حبيبي ـ شعر
- ثانيةٍ على عتبات ميرا ـ شعر
- الشيوعيون وحدهم ـ الجزء الثاني - شعر
- الحوار المتمدن – واحةٌ ظليلةٌ للغرباء والسائرون عكس التيار


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - تعرف على ذاتك - مقال سيكولوجي