فى16 اذار عام 1945--- رحل الشاعر الكبير-- الرصافى- ارتبط -- بالعمران والتحديث والتطور واليسار

علي عجيل منهل

الحوار المتمدن-العدد: 3671 - 2012 / 3 / 18 - 14:33
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

للأجنبي مطامع ببـلادكم لا تنتهي إلا بأن تتبلشفوا

في جلسة للبرلمان أبان العهد الملكي البائد (1937)، جرت مناقشات حادة بين بعض النواب ورئيس مجلس الوزراء آنذاك حكمت سليمان، حول بعض الإجراءات التي
صورت بأنها شيوعية. وتبارى البعض بتوجيه الاتهامات ضد الشيوعية ومعتنقيها في العراق. وهنا انبرى الشاعر الكبير معروف الرصافي، وكان نائبا عن الدليم، فقال معقباً:
" إن الذي افهمه من كلام رئيس الوزراء، في هذه المرة وفي غيرها، انه يتحفظ ويتخذ كل الحذر من أن يسمع أو يتكلم بكلمة تدل على الشيوعية أو يشم منها رائحة الشيوعية. وافهم أيضا أن هناك أناسا يريدون ـ في طيّ الخفاء ـ أن يضعوا تحت أقدام الحكومة مزالق من ثلوج الشيوعية. إن هذا لشيء غريب، فالشيوعية مبدأها معلوم، ومبدأها عالٍ وسام ٍ جداً، فليت شعري من هم هؤلاء الذين يريدون أن يقاوموا هذا المبدأ السامي. إن هذا المبدأ لا يقاوم إلا بشيئين، إما بثقافة عالية، أو بقوة غاشمة عظيمة جداً.
أقول لكم ـ أيها السادة ـ عن نفسي، كما يقول المثل العامي: لبستُ الأرض وأخرجت يدي من السماء. فليس لي ملك أخاف أن يذهب، ولا ولد أخاف أن يضيع، ولا دار أخاف ان افقدها. فإذا لم أكن شيوعيا فإني أحمق. أنا فقير مع أني أحمد الله على ذلك. سادتي، أنا شيوعي وشيوعيتي إسلامية، الشيوعية التي جاء بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. جاء في القرآن الكريم "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"، والضمير يعود هنا إلى الأغنياء. وكان صلوات الله عليه وسلم يرسل عماله إلى جباية الزكاة ويقول: خذوها من أغنيائهم، وردوها على فقرائهم.
فسألتكم بالله هل ان الشيوعية غير هذا، فأرجو من فخامة رئيس الوزراء أن يعرفني بالرجال الذين يقاومون هذا المبدأ السامي بالجهل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محضر جلسة مجلس النواب ببغداد في 7 حزيران 1937. جريدة طريق الشعب

سيرة حياته

ولد في بغداد عام 1875م، ونشأ فيها حيث أكمل دراسته في الكتاتيب، ثم دخل المدرسة العسكرية الابتدائية فتركها، وأنتقل إلى الدراسة في المدارس الدينية ودرس على علماء بغداد الأعلام كالشيخ عبد الوهاب النائب، والشيخ قاسم القيسي، والشيخ قاسم البياتي، والشيخ عباس حلمي القصاب، ثم أتصل بالشيخ العلامة محمود شكري الألوسي ولازمهُ أثنتي عشرة سنة، وتخرج عليهِ وكان يرتدي العمامة وزي العلماء وسماهُ شيخهُ الألوسي (معروف الرصافي) ليكون في الصلاح والشهرة والسمعة الحسنة، مقابلاً لمعروف الكرخي.
وعين الرصافي معلماً في مدرسة الراشدية التي أنشأها الشيخ عبد الوهاب النائب، شمال الأعظمية، ثم نقل مدرساً للأدب العربي في الأعدادية ببغداد، أيام الوالي نامق باشا الصغير عام 1902م، وظل فيها إلى أعلان الدستور عام 1908م، ثم سافر إلى اسطنبول فلم يلحظ برعاية، ثم عين مدرساً لمادة اللغة العربية في الكلية الشاهانية ومحرراً لجريدة سبيل الرشاد عام 1909م، وأنتخب عضواً في مجلس المبعوثان عام 1912م، وأعيد أنتخابه عام 1914م، وعين مدرساً في دار المعلمين في القدس عام 1920م، وعاد إلى بغداد عام 1921م. ثم سافر إلى الإستانة عام 1922م، وعاد إلى بغداد عام 1923م، وأصدر فيها جريدة الأمل، وأنتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق، عام 1923م، وبعد ذلك عين مفتشاً في مديرية المعارف ببغداد عام 1924م، ثم عين أستاذاً في اللغة العربية بدار المعلمين العالية عام 1927م.
ولقد بني لهُ تمجيداً لذكراه تمثالاً في الساحة المقابلة لجسر الشهداء عند التقاطع مع شارع الرشيد المشهور قرب سوق السراي والمدرسة المستنصرية الأثرية
.
شعرهِ

امتاز أسلوب الرصافي بمتانة لغته ورصانة أسلوبه، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه "ديوان الرصافي" حيث رتب إلى أحد عشر باباً في الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة.
قال في وصفه عظمة الله
انظرْ لتلك الشجرة ذاتَ الغُصُون النضرة
كيف نَمَتْ من حبّه وكيف صارتْ شجرة
ابحثْ وقُلْ من ذا الذي يُخرجُ منها الثّمرة
وانظر إلى الشمس التي جَذوتها مُسْتَعِرَة
فيها ضياءٌ وبِهــــــا حرارةٌ منْتشِرة
من ذا الذي أوجدها في الجوّ مثْل الشَّرَره
ذاك هو الله الذي أنْعمُهُ مُنهمِرة
ذو حِكمة بالِغَة وقُدرة مُقْتدِرَة
انظرْ إلى الليل فَمَنْ أوجَدَ فيهِ قَمَرَه
وزانَهُ بأنجُم كالدُّررِ المُنْتشِرَة
وانظر إلى الغيْمِ فَمَنْ أنزَلَ منه مَطَرَه
فصُيّر الأرض بهِ بعْدَ اغْبِرار خضره
وانظرْ إلى المرءِ وقُلْ من شقَّ فيهِ بَصَرَه
مَن ذا الذي جهّزهُ بقوّة مفتكره
ذاك هو الله الذي أنعُمُهُ مُنْهمِرَه
في وصفهِ للفقر
ويقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة، توفي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيث‏ بلغ القمة بوصفه إذ قال:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثة والرجل حافية والدمع تذرفه في الخد عيناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها وأصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميها ويسعدها فالدهر من بعده بالفقر أنساها
الموت أفجعها والفقر أوجعها والهم أنحلها والغم أضناها
فمنظر الحزن مشهود بمنظرها والبؤس مـرآه مقرون بمرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها حملا على الصدر مدعوما بيمناها
تقول: يا رب لا تـترك بلا لبن هذي الرضيعة وارحمني وإياها
كانت مصيبتها بالفقر واحدة وموت والدها باليتم ثناها
هذي حكاية حال جئت أذكرها وليس يخفى على الأحرار مغزاها

نشاطه فى السياسة

لقد شارك الرصافي في قضايا أمته السياسية والاجتماعية، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم، والتي ينبغي لطالب العلم ألا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى ؟ لذلك نجده يقول:
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا حتى نطاول في بنيانها زحلا
جودوا عليها بما درت مكاسبكم وقابلوا باحتقار كل مـن بخلا
لا تجعلوا العلم فيها كل غايتكم بل علموا النش‏ء علما ينتج العملا
ربوا البنين مع التعليم تربية يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا
فجيشوا جيش علم من شبيبتنا عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا
إنا لمن أمة في عهد نهضتنا بالعلم والسيف قبلا أنشات دولا
في ردهِ على الاحتلال البريطاني
عندما احتل الإنجليز العراق سنة 1920م، سرعان ما نصبوا فيصل ملكاً على البلاد وأصدروا دستورا وأنشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث أنشد قصيدته التي جاء فيها:
علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف
من يقرأ الدستور يعلم أنه وفقا لصك الانتداب مصنف
فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الإنجليز على العراق،-- دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر-، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:
يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم
وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا
ودعوا التفهم جانبا فالخير أن لا تفهموا
أما السياسة فاتركوا أبداً ولا تندموا
الفلوجة ومقاومتها ضد الاستعمار
أيها المحتل لن نتناسى بغيكم في مساكن "الفلوجة"
ذاك بغي لن يشفييد انتقاماً وهو مُغـرٍ بالساكنين علوجه
يوم عاثت ذئاب آثور فيها عَيْثةً تحمل الشَنار سميجه
فاستهانت بالمسلمين سَـل وشيجه أفهـذا تمـدن، ة يوم الفلوجة
قالها في مدح الفلوجة م 1941يقول:
أيها الإنكليز لن وعـلاء شعبكـم يفاهاً
وأدرتم فيها على العُزْل كأساً من دماء بالغدر كانت مزيجـه
واستبحتم أموالها الله إلا بالمواضـي جريحه وشجيجه
هو كرب تأبى الحمية أنا بسوى السيـف نبتغـي تفريجه
هو خطب أبكى العراقيين والشام وركن البنيـة المحجوجه
حلها جيشكم ير وقطعتم بين أهل الديار كدّعـي إليه عروجه
أم سكرتم لما غلبارٌ أس لي فيه ناقة منتوجه
أخصب الله أرضهبتم بحرب لم تكن في انبعاثها بنضيجه

الملك لايريد المفاهمة وكان له موقف مشهود

قال الرصافي أخذني تحسين قدري وكان أحد المرافقين وأدخلني على الملك في غرفته، بادرني الملك ليش يامعروف أنا الذي أعدد أياماً وأقبض راتباً ولم يكن بخلدي أن القصيدة ستسبقني اليه فأجبته: أسأل الله أن لاتكون كذلك وجلست على الكرسي دون استئذان ثم قال ليش كل هذا العداء يامعروف؟ فأجبته ياصاحب -لايوجد شخص واحد في الدنيا يقول أن لي مطمعاً في مقامكم لأجل أن يكون لي عداء معكم - ولما وجدت أن الملك لايريد المفاهمة قمت من مجلسي ولوحت يدي بالسلام وانصرفت.

الرصافى وكتابه الشخصية المحمدية

أنّ الكاتب يرى بأنّ-- الشخصيّة المحمّديّة-- كانت أعظم بكثير خارج أطر-- التقديس الأعمى الذى انتهجه الرواة وكتّاب السيرة --فيما مضى والذى كان كثيراً ما يفتقر للموضوعيّة،- بل ويدعو أحياناً للسخريّة.- فالكاتب هنا يرى بأنّ "محمد" كان شخصاً ذا مقدرات عقليّة-- تفوّقت كثيراً على ما كان سائداً فى زمانه،- وتمثّلت مقدراته تلك فى قوّة المخيّلة وقوّة الإرادة والعزيمة، والتصميم على بلوغ الهدف مهما كان، وكلّ ذلك على أساس من خلُق عظيم.
وبحسب الكاتب، فإنّ محمداً لم يكن فى قرارة نفسه يعتمد على "الغيبيّات" أو على "الملائكة" فى بلوغ أهدافه، إذ لم تكن تلك إلاّ من قبيل --"مخاطبة الناس على قدر عقولهم"-، والتعامل معهم من خلال مُعتقداتهم-- التى كانوا عليها قبل الإسلام للوصول بهم لأهدافه المحدّدة. أمّا فى واقع الحال، فقد كان محمد يعتمد على ذكائه وقدراته على التخطيط المُحكم-- وبثّ العيون والجواسيس-- بين أعدائه واعتماد عنصر المُباغتة فى هجماته عليهم.- وذلك يعنى أنّ ما كان يفعله محمد لم يكن يخرج عن أطُر السنن الكونيّة والنواميس الطبيعيّة التى لا علاقة لها بما يُسمّى بالخوارق والمعجزات، والتى أسهب فى الحديث عنها الكثير من كتّاب السيرة. وقد تعرّض جيشه للهزائم عندما حاد عن تلك النواميس، وحقّق أكبر إنتصار له بفتح مكّة عندما التزم تلك النواميس فاعتمد التسليح الجيّد وبثّ الجواسيس بين أعدائه فى قريش (ومنهم عمّه العبّاس) ثم كان الأهم من ذلك كله عنصر المباغتة فى هجومه على قريش.
وأحد الأمثلة التى أوردها الكاتب فى هذ السياق هو ما حدث فى-- واقعة "بدر" --والتى كانت تمثّل الإنتصار الأول لمحمد على قريش بعد هجرته للمدينة.
فما قد يُفهم من كتب السيرة ومن تفاسير بعض آيآت القرأن، أن السبب فى انتصار المسلمين فى تلك الموقعة على الرغم من قلّة عدّتهم وعتادهم بالنسبة لجيش قريش هو نزول الملائكة من السماء وانضمامهم لصفوف المسلمين وإلقائهم الرعب فى قلوب "المشركين". ولكن الكاتب يرى غير ذلك،--- إذ يرى بأنّ إتّفاقاً بين العباس عمّ النبى وجاسوسه فى مكّة والذى كان يكتم إسلامه بتعليمات من محمد،-- وبين سُراقة بن مالك الذى كان ينتمى لقبيلة بينها وبين قريش عداوة قديمة، هو ما أدّى لهزيمة قريش تلك الهزيمة النكراء. وسراقة بن مالك هذا لم يكن حينها مسلماً، وهو ذات الشخص الذى ساعد محمد وأبا بكر ليلة هروبهما من مكّة إلى المدينة حيث يروى أنّ محمداً وعده بسوار كِسرى ملك الفرس مُستقبلاً أن هو لم يُخبر قريشاً بهربهم، وقد تحقّق له ذلك الوعد فى-- عهد عمر بن الخطّاب.
وما حدث بموجب الإتّفاق هو أنّ سُراقة هذا وعد قريشاً قبل خروجهم إلى بدر بأنّه وقبيلته سيكونون عوناً لهم على محمّد. وقُبيل المعركة، فوجئت قريش بأنّ سراقة لم يأت إلاّ فى نفر قليل من قبيلته، وعندما احتدم الوغى إذا به يصرخ فيهم بأن عليهم أن يتقهقروا إذ أنّه رأى أنّ جيش محمد آخذ فى الإزدياد بما لا قِبل لهم به (وهى خدعة). ثم هرب سراقة ومن معه ودبّت البلبلة فى جيش قريش ما أدّى بهم للهزيمة. وبحسب الكاتب، فقد كان "سيناريو" الصرخة هذى متّفقاً عليه بين العباس وسراقة وبِعلم محمّد، بحيث يبدأ سراقة بالصراخ عندما يأخذ محمد قبضة من حصى ثم يرميها باتجاه قريش قائلاً "شاهت الوجوه". وهذا الفعل الأخير من محمد هو من ضِمْن ما اعتبره رواة الحديث وكتاب السيرة مدعاة لهبوط الملائكة من السماء، وأحد ---"كرامات" محمد أو "معجزاته"-- ، إلاّ أنّه فى نظر الكاتب لم يكن سوى تكتيك عسكرى ذكى تم التخطيط له وتنفيذه بدقّة.
كذلك تناول الكاتب بعض ما ورد فى كتب السيرة عن دلائل نبوّة محمّد.
فبعض كتاب السيرة تطرّق لحياة محمد فيما قبل إعلانه النبوّة، وحاول البعض إسباغ أشياء عليه لإثبات نبوّته منذ طفولته كحديثهم عمّا سمّوه بِ"علامة النبوّة"، وعن أنّها كانت على شكل وحمة داكنة اللون قالوا بأنّها كانت على صدره تارة، وتارة أخرى ذكروا بأنّها كانت على كتفه، وهم فى ذلك كانوا يحاولون التصدى لتساؤلات كان اليهود والنصارى يطرحونها عن مدى صدق نبوّة محمد ، على الرغم من أنّ محمداً نفسه لم بتطرّق إليها ولم يدّعى وجودها لديه.
وقد تعرّض المؤلف لموضوع الوحى ولتلك "النوبات" التى ذكر كُتّاب السيرة أنّها كانت تنتاب محمداً عندما كان يأتيه الوحى. ولكون أوّل نوبة من تلك النوبات داهمت محمداً وهو بعد طفل فى الثالثة، فقد رأى الكاتب بأنّ لا علاقة لتلك النوبات بنزول الوحى، كما رأى بأنّ الوصف المكتوب عن تلك النوبات يجعلها أقرب لما يُعرف فى زماننا الحالى بنوبات "الصّرع". وبما أنّ تلك النوبات كانت قد بدأت تعترى محمداً قبل النبوّة بكثير، وبما أنّ هنالك الكثير من المرّات التى نزل الوحى فيها على محمد دون أن تصيبه أىّ من تلك النوبات، فالكاتب يرى أن ليس ثمّة علاقة بين "نزول الوحى" وبين تلك النوبات.
كذلك، تقدّم الكاتب بتساؤلات نقديّة حول بعض نصوص القرآن أرى من وجهة نظرى بأنّها تساؤلات موضوعيّة، بل أنّ الكثير منها كان قد جال بخاطرى منذ فترة طويلة إلاّ أنّنى لم أجد من تصدّى لها بمثل تلك القوّة والوضوح.
ومن تلك التساؤلات ما يُعرف بعقيدة "التثليث" فى الديانة المسيحيّة والقائمة على بنوّة المسيح وأبوّة الرب وواسطيّة الروح القدس، والتعارض بيتها وبين النصوص القرآني
فالكاتب يرى بأنّه وعلى الرغم من أنّ القرآن حاول دحض تلك العقيدة واعتبارها شِركاً بالإله وتدنيساً لقداسته، إلاّ أنّه على العكس من ذلك أثبت تلك الثالوثيّة بطريقة مختلفة، بل وربّما أضاف لها طرَفاً رابعاً. وقد أورد الكاتب الآية من سورة النساء التى تقول: ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ).
فالمسيحيّون فى نظرالكاتب لم يقولوا بأنّ بنوّة المسيح لله تُشابه بنوّة البشر لآبائهم من حيث ضرورة الإتّصال الجنسى، كما أنّ القرآن نفسه وصف المسيح بِ"إبن مريم"، وهو يالتالى بلا أبٍ بشرى حسب نصوص الديانتين، فتصبح أبوّة الله للمسيح بالنفخ الروحى فى جيب أمّه -أو فى فرجها بحسب القرآن- أحقّ من أبوّة البشر لأبنائهم والتى تتطلّب إتّصالاً جنسيّاً.
و"كلمته" فى الآية هى ما يقول به المسيحيّون من أنّ المسيح هو كلمة الله أى "إبن الله"، و"روحه" الواردة فى الآية هى مايشير إليه المسيحيّون بِ"الروح القدس". ويعتقد الكاتب بأنّ القرآن مضى أبعد من ذلك بأن أضاف للمسيح بُعداً رابعاً بأن وصفه بِ"رسول الله"، فأصبح التثليث "تربيعاً". (راجع الآية).
كما أنّ الكاتب تعرّض--- بالنقد اللغوى لبعض آيات القرآن --- مُعتبراً أنّ محمّداً كان يهتمّ بصياغة القرآن بوضع فواصل تجعل نصوصه ذات طابع مميّز لاهو بالشعر ولا هو بالنثر. وعلى الرغم من أنّ "الآية" هى الوحدة الأصغر فى تركيبة القرآن، إلاّ أنّ الفاصلة هى التى تحدّد نهاية الآية وهى بذلك تعتبر الوحدة الأهم فى تركيبة القرآن. وفى نظر الكاتب، فقد وُضعت بعض تلك الفواصل أحياناً فى غير محلّها ما أدّى لإنعدام تناسقها مع سياق الآية.
وعلى الرغم من النقد النحوى والبلاغى للقرآن الذى أورده الكاتب، إلاّ أنّه اعتبر القرآن المصدر الأوحد والأكثر مصداقيّة لسيرة محمد، ذلك لكون تدوينه بدأ مبكرأً فى الصحائف منذ عهد الخليفة الأول أبى بكر ثم انتقل للمصحف فى عهد الخليفة الثالث "عثمان". أمّا السيرة المحمّديّة فلم يبدأ تدوينها إلاّ بعد مُضى أكثر من قرن وربع قرن على وفاة محمد، ومن أفواه رواة لم بعاصر محمداً منهم أحدٌ. أمّا من جُمع القرآن عنهم فكانوا جميعاً من أصحاب محمّد.
وبالنظر فى عنوان الكتاب: "حل اللغز المقدّس –الشخصيّة المحمديّة" ---- فإنّ ما توصّل إليه الكاتب فيما يمكن اعتباره حلاًّ لذلك "اللغز" يمكن تلخيصه فيما يلى:
- محمد يؤمن ب"وحدة الوجود"، وفى القرآن من الآيات ما دلّ على ذلك مثل الآية: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم"، والآية: "وهو معكم أينما كنتم"، والآية: " لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله".
- فى بيعة العقبة حيث بايعت مجموعة من الأنصار محمداً على الإسلام، جاء فى سورة الفتح: "إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم"، ولم تكن اليد التى فوق أيدى المُبايعين سوى يدُ محمّد ذاته، حبث أُشير إليها فى الآية بِ"يد الله".
- الآية من سورة الأنفال: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى"، ولم يكن الرامى المقصود بالآية سوى محمّد نفسه.
إذاً، فالقرآن كان من محمّد وإليه. وما كان "جبريل" سوى الوسيلة الأكثر فعاليّة التى أمكن لمحمد التعامل بها مع أناس كانوا من قبل يعتقدون فى الملائكة وفى أنّ "جبريل" بالتحديد كان الواسطة بين الله والبشر ، وأن ليش بوسع البشر التواصل مباشرةً مع الله. ولم يكن أمام محمد بدّ من مخاطبة أولئك الناس إلاّ على قدر عقولهم.
إذاً، فالقرآن كان من محمّد وإليه. وما كان "جبريل" سوى الوسيلة الأكثر فعاليّة التى أمكن لمحمد التعامل بها مع أناس كانوا من قبل يعتقدون فى الملائكة وفى أنّ "جبريل" بالتحديد كان الواسطة بين الله والبشر ، وأن ليش بوسع البشر التواصل مباشرةً مع الله. ولم يكن أمام محمد بدّ من مخاطبة أولئك الناس إلاّ على قدر عقولهم
ا أنّ نشأة محمّد بن عبدالله المعلومة، وقيامه بأعباء النبوّة، وما لقيه فيها من المصائب، وما اقتحم فى سبيلها من المتاعب والمشاق، وما آتاه الله من عزم شديد وخلق عظيم وعقل راجح حصيف، وما أوجده بقرآنه وبسيفه من جمع الأشتات المترامية، وشدّ الأواصر المتفكّكة وتوحيد العناصر المتفرّقة حتّى أوجد بها من العدم أمّة ناهضة فى سبيل الحق والحريّة، فقامت قومة رجل واحد تدعوا إلى الله حتى دوّخت البلاد وخضع لها الحاضر والباد، وامتدّت فى أقطار الأرض شرقاً وغرباً فى مدّة يسيرة لا تتجاوز نيّفاً وعشرين سنة، لهى المعجزة الكبرى التى تتضاءل دونها المعجزات. وإنّ هذه المعجزة على عظَمِها وجلالها لم تقع إلاّ وفق ما جرت عليه سنّة الله فى خلقه، ولولا ذلك لما كانت معجزة، ولما دلّت على ما لمحمد من مقام رفيع وفضل عظيم." .. إنتهى الإقتباس.
والكاتب يرى أن ما يعنيه العلماء فى زماننا الحالى بالنواميس الطبيعيّة، هى ذاتها ما عناه القرآن فى الآيات فى سورة الأحزاب: "ولن تجد لسنّة الله تبديلا"، وفى سورة فاطر " فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا "
الكتاب يقع فى أكثر من 750 صفحة، وفيه الكثير من التفاصيل التى عبّر فيها الكاتب عن آرائه بقوّة، وهى آراء مُغايرة لما هو مألوف فى كتب السيرة التقليديّة، وهى -من وجهة نظرى- تكشف جوانب عن شخصيّة محمّد أقوى وأعظم بكثير من تلك التى قامت على ركائز من التقديس الواهم والحشو الخرافى، فأضعفَت الشخصيّة من حيث اعتقدت بأنّها تقوّى

الاخلاق

هي الأخلاق تنبـت كالنبـات إذا ُسقِيَت بمـاء المكرُمـات

تقـوم إذا تعهّدهـا المُرَبّـي على ساق الفضيلة مثمـرات

وتسمـو للمكـارم باتِّـسـاق كما اتّسقـت أنابيـب القنـاة

وتُنعش من صميم المجد روحاً بأزهـار لهـا ُمتَضـوِّعـات

ولم أر للخلائق مـن مَحَـلّ يهذّ بهـا كحِضـن الأمهـات

فحضن الأم مدرسة تسامـت بتربيـة البنيـن أو البنـات

وأخلاق الوليد تُقـاس حسنـاً بأخـلاق النسـاء الوالـدات

فأول درس تهذيـب السجايـا يكون عليك يا صـدر الفتـاة

فكيف نظُـنّ بالأبنـاء خيـراً إذا نشؤوا بحِضن الجاهـلات

فما للأمهـات جهِلْـن حتـى أتَيْن بكـلّ طَيّـاش الحصـاة

حَنَوْن على الرضيع بغير علم فضاع حُنُوّ تلك المرضعـات

أؤم المؤمنيـن إليـك نشكـو مصيبتنـا بجهـل المؤمنـات

فتلـك مصيبـة يـا أم منهـا نكاد نغص بالمـاء الفـرات

تخذنا بعـدك العـادات دينـاً فأشقى المسلمـون المسلمـات

لقد كذَبوا على الأسلام كذبـاً تزول الشُمّ منـه مُزَلـزَلات

أليس العلم في الأسلام فرضاً على أبنائـه وعلـى البنـات

وكانت اُمّنا في العلـم بحـراً تَحُـلّ لسائليهـا المُشكـلات

وعلّمهـا النبـيّ أجـلّ علـم فكانت مـن أجـلّ العالمـات

لذا قال أرجعـوا أبـداً إليهـا بثُلثَـيْ دينكـم ذي البيّنـات

فماذا اليومَ ضَرَّ لـو التفتنـا إلى أسلافنـا بعـضَ الْتِفـات

فهم ساروا بنهج هدىً وسِرنـا بمنهـاج التفـرُّق والشَتـات

نرى جهل الفتاة لهـا َعفافـاً كأن الجهـل ِحصـنٌ للفتـاة

ونحتقـر الحلائـل لا لجُـرمٍ فنُؤذيـهـنّ أنـــواع الأذاة

ونُلزِمهنّ قعر البيـت قهـراً ونحسبهنّ فيـه مـن الهَنـات

لئن وَأدوا البنات فقـد قَبَرنـا جميع نسائنـا قبـل الممـات

حجبناهنّ عن طلب المعالـي فعِشـن بجهلهـنّ مهتّـكـات

ولو عَدِمت طباع القوم ُلؤمـاً لما غدت النسـاء محجّبـات

وتهذيب الرجال أجَلّ شـرط لجعـل نسائهـم متهـذّبـات

فدىً لخلائق الأعراب نفسـي وأن وُصِفـوا لدينـا بالجُفـاة

ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحـى لمن ألِفوا البداوة فـي الفـلاة

#علي_عجيل_منهل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات