أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الجبار الغراز - سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثورات العربية















المزيد.....

سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثورات العربية


عبد الجبار الغراز
كاتب وباحث من المغرب

(Abdeljebbar Lourhraz)


الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 16:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد لا يرقى هذا المقال إلى مستوى التحليل الأكاديمي لمقاصد ريبع الثورة العربية كما يوحي به عنوانه ، لكنه ، تكثيف لبعض معاني هذه الثورات المباركة ، كما أنه يعتبر مناسبة للوقوف و التامل في التجربة الوجودية العربية التي انكشفت في سنة 2011 ، تلك التجربة التي عبرت عنها أحسن تعبير ، و لا زالت ، شعوبنا العربية المتعطشة للحرية . فالموضوع كبير و شاسع يحتاج إلى نفس طويل و جهد معرفي و منهجي متمرس يسبر أغواره و يقف عند حدود اشتغاله . الشيء الذي يجعلنا ، في هذه العجالة ، سنكتفي فقط، باستلهام بعض التداعيات من سنة 2011 ، لنترجمها إلى أفكار نفك بها الدائرة من أجل الانفتاح على موجودنا العربي ، هذا الموجود الذي صنعته بأياديها البيضاء الثورات العربية .
إن سنة 2011 تستحق هذا الاهتمام ، لأنها كانت سنة زمانية العرب بامتياز كبير .. سنة الإعلان عن استكمال الشروط الموضوعية للتحقق الذاتي لمواجهة الآخر القريب – الأنظمة العربية الاستبدادية - في انتظار آن تنضج بعض شروط الوجود لمواجهة الآخر البعيد – الغرب الرأسمالي ، و إسرائيل على الخصوص - .
لكن ، في مقابل ذلك ، ألا يجدر بنا الاهتمام بالسنة الجديدة بدل الالتفات إلى هذا الذي مضى و انقضى ؟ أوليس الحاضر و المستقبل هما ضالتنا ؟ فلماذا إذن الاهتمام بسنة 2011 ؟ أهو الحنين إلى إحياء أمجاد الماضي أم أن الأمر يتعلق ، بعد الثورة العربية ، بتشكيل ذاكرة عربية مضادة تعطي لجنيالوجيا الذات طابعها المركزي في الاستلهام من الماضي دون استيلاب ؟
صحيح القول ، أنه لا تستطيع أي قوة آدمية على وجه الأرض أن ترجع الزمن إلى الوراء ، أو توقف عجلته التي تديرها ماكينة جبارة تسحق الحاضر سحقا و تطحن طحنا كل من يقف أمامها معترضا . فلا تنبؤات العرافين تفيد في إعطاء المعرفة اليقين عن ما تخبئه الأقدار، و لا توقعات المنجمين و أصحاب الرأي السديد من أهل السياسة و الخبرة الدبلوماسية تستطيع أن تفك طلاسم غد حاضره قد لطخ بدم الشهداء و الأبرياء و عشاق الحرية و طلاب التحرر ، لكن الأكيد الذي لا يطاله الشك هو أن كل التفاتة إلى سنة 2011 ستكون تعبيرا عن زمن مضى مليء بالرموز و المعاني و الدلالات العميقة ، و في نفس الوقت هو استشراف للمستقبل العربي .

لنقل إذن، أن في السنة التي انصرمت،، موضوع حديثنا ، قد ذاق العرب فيها ، بعد سنوات عجاف ، طعم الحرية ، وسيبقى هذا المذاق حلوا لذيذا لن يتغير إلا بتغير ألوان الحرية الزاهية. ولنقل أيضا ، أن العرب كسروا فيها جدار الصمت و الخوف ، و استجابوا أخيرا للقدر و لبوا نداء إرادة الحياة ، فانجلى ليلهم السرمدي الجاثم على صدورهم و انكسر قيد العبودية الذي أدمى معاصمهم لعقود خلت . لقد أبانوا عن وعي يقظ و تصميم و عزم نادرين ، فهمهم الوجودي كان مشتركا و مدهم التحرري كان واحدا: اقتلاع الظلم و الاستبداد و الفساد من جذورها . أولم ير العالم عبر وسائل الإعلام ، الغث منه و السمين ، كيف تساقطت هامات بعض الرؤساء العرب الواحدة تلو الأخرى ، كما تتساقط أوراق الخريف ، فمنهم من قضى نحبه ، و منهم من ولى الأدبار هاربا من نقمة شعبه كفأر مذعور ، مستقلا طائرته الرئاسية ، و منهم من ينتظر ساعة الجزاء ، أسيرا و رهينة سرير المرض ، و منهم من يؤخر لحظة السقوط المرتقبة ، منتظرا أن تجود عليه السماء بمعجزة من معجزاتها الخارقة ، لينجو بفعلته و جرمه من انتقام الثوار الغاضبين ، و ما بدل كل واحد من هؤلاء الطغاة من أمر الأقدار تبديلا . فسبحان مبدل الأحوال بكرة و أصيلا !؟

في ليلة رأس السنة ، و قبيل انسحاب سنة 2011 بدقائق قليلات ، تراءت للناس المتجمهرين في ساحات المدن سماء العرب و كأنها شريط يتدفق ذكريات ممزوجة بالآلام و الأفراح . أحداث أليمة تذكرهم بأحبة فقدوهم قد قدموا أرواحهم قربانا في مذبح الحرية . و أحداث مفرحة تذكرهم بانتصارهم على الظلم و الفساد و الطغيان . كما تراءت لهم وجوه الشهداء قد ملأت أركان تلك السماء و قد كساها الموت رهبة و إجلالا و سلاما . و ردد الناس في حماسة لم يشهد لها مثيل من قبل شعارات الثورة و الأناشيد الوطنية و الأغاني الثورية ، فغدت سماء تونس ، سماء مصر ، سماء ليبيا ، سماء اليمن، و سماء سورية ، مزينة بعيون هؤلاء الشهداء الأبرار و كأنها مصابيح عرس تتلألأ بشرا و فرحا بحلول غد جديد مشرق خطوه بدمائهم الزكية ، قد شعت بنورها الوضاح و غطت كل أرض العرب .

و في لحظاتها الأخيرة المتبقية من عمرها ، أبصر الناس بقلوبهم سنة 2011 وهي تحضن ، في حنو و عطف ، هؤلاء الشهداء ، فتجلت لهم ، بعدما انطفأت أضواء الساحات العمومية ، وهي تقف بشموخ و تعال كبيرين فوق ربوة الذكرى شاهدة على هذا الفتح المبين الذي تكلل بإسقاط رموز الفساد و الغطرسة و الظلم ، شاهدة على تهاوي أصنام وأوثان تربعت على عرش الزيف و الضلال ، فتهشمت أطرافها ، و دوى طنينها فملأ الآفاق كاشفا عن خواء اجتاحته رياح الثورة المزمجرة .

انسحبت سنة 2011 ، إذن كسابقاتها من السنوات ، لتحل محلها السنة الجديدة ، و كان انسحابها عند العرب ، له نكهة خاصة و شكل ثان : فقد تبادل الناس التهاني و التحايا بمناسبة قدوم السنة الجديدة ، و تمنوا لبعضهم البعض دوام الصحة و العافية و الراحة و الهناء و العمر المديد ، لكن بقي في نفوس هؤلاء الناس، شيء من هذه السنة الماضية . فلا أحد كان يجادل في التقييم العام لهذه السنة و اعتبارها سنة " ارحل " سنة " دكاج " ، سنة " الشعب يريد إسقاط النظام "، سنة " الشعب يريد إسقاط الفساد " ، و لا احد يشكك في مصداقيته الحكم عليها ، بالقول على أنها شكلت زمانية العرب بامتياز كبير : فالسقوط الفعلي المهول لهؤلاء الطغاة المتجبرين ، في ظرف زماني قياسي قصير و سقوط قناع الغطرسة عن رموز الفساد ، و تهاوي هامات الظلم يوضح ، بالملموس ، أن زمن ربيع الثورة العربي قد تشكل في رحم هذه الكلية الوجودية التي ندعوها بالعالم ، حيث تجلى هذا الزمن العربي في أبهى صوره كوجود أصيل . فبعد أن كنا ننعته بقولنا انه " زمن رديء "، زمن " مر كالقهوة العربية "، أصبحنا نراه ، في سنة 2011 ، بعيون الشهداء التي لا تنام ، الذين مروا من هنا ذات ثورة ، مستقبلا يتصدر كل ماضينا و كل حاضرنا .
لم تقدم سنة 2011 معنى مبتذلا عن مفهوم الزمان ، كما كانت تقدمه السنوات التي سبقتها . فالظاهر أنه لم يكن أحد منا يتصور ، قبل حلولها ، أن التأصيل العربي سيتحقق واقعيا في داخلية زمننا العربي و جوانيته . فمنذ الشرارة التي أطلقها محمد البوعزيزي، تعلمنا نحن الشعوب العربية ، أن زمانية العرب ، لم تعد تخضع لمقولة الزمان ، في معناه الكلاسيكي الذي يقاس عادة بالأنات و اللحظات الكرونولوجية . فهذا المعنى الأخير لمفهوم الزمان قد يكون مجرد تسطيح يؤطر أساسيات معيشنا اليومي ، لكنه لا يرقى بنفسه إلى المستوى الذي قد يؤطر فيه وعينا و نظرتنا للحياة و للوجود . فالإطار الذي أصبح وعينا الشعبي يندرج فيه هو هذه التجاذبية الزمانية الأصيلة التي " تزمن " الماضي و الحاضر و المستقبل ، أي تلك الفعالية القصوى التي تمنح لأبعاد الزمان تلك الخاصية التي بمقتضاها ينجذب الماضي و الحاضر و المستقبل إلى بعضهم البعض مشكلين تلك الكلية الوجودية التي ينعتها الفيلسوف الوجودي مارتن هايدجر ، بالزمانية الأصيلة .
سيكون من الإجحاف و الانتقاص من قيمة هذه السنة المنصرمة التي ودعتنا و ودعناها على أمل أن تتجلى ، وجوديا ، زمانية العرب في السنة الجديدة ، سنة 2012 ، و يظهر فيها الوجود العربي كانكشاف غد عربي مشرق ، إن اعتبرناها مجرد سنة مرت و انقضت . فسنة 2011 ليست ، في حقيقة الأمر ، على الأقل بالنسبة لنا كعرب ، سنة عادية . فلا يكون من باب الإنصاف و العدل مقارنتها مع سابقاتها من السنوات ، و لا ردها إلى مجرد سنة ارتدادية يكون فيها المستقبل امتداد للماضي و الحاضر ، بعد الأحداث العظام التي تتبعها العالم بأسره . أفلا ينبغي ، بعد هذا كله ، تسجيل نقاط عديدة لصالحها أهمها هو كونها أعطت بامتياز كبير الصدارة للمستقبل بدل الماضي ، فغدت بفضلها ، زمانية العرب تمتاز بخاصية التجاذبية الأصيلة ؟؟؟
و في الأخير ، و بعد استنفاذ أغراض هذه الرؤية الأنطلوجية لزمانية العرب ، نستطيع القول ، هذه المرة ، و من زاوية إبستمولوجية ، مع الفيلسوف الفرنسي الراحل مشال فوكو ، أن لكل ظاهرة أرشيفها يمكن العودة إليه كمرجع من اجل قراءته من جديد . فإذا كان هذا التصور الأركيولوجي ينطبق على المعارف باعتبارها ظواهر إنسانية ، فان سنة 2011 تبقى ، و إلى أبد الآبدين ، الظاهرة العالمية ، التي انكشف فيها الزمن العربي ، كموجود أصيل ، ستبقى الظاهرة الغنية بأرشيفاتها، بمرجعياتها ، برموزها و دلالاتها و أنماطها السلوكية، التي ستسعف كل من مهتم بسوسيولوجيا الثورات و سوسيولوجيا التغير الاجتماعي لدراستها للكشف عن قصدية الفاعلين الذين غيروا الأوضاع الحياتية في بلدانهم ، من أجل أن تستفيد الأجيال اللاحقة ، العربية و غير العربية منها و تستلهم من تراثها الثوري . ففي هذه الحالة ، سوف لن تكون سنة 2011 ، و من منظور الزمانية الأصيلة ، بعيدة زمانيا عن انشغالاتنا و همومنا الفكرية و الحياتية ، لأنها بكل بساطة ، سوف تكون تعبيرا عن تجربة وجودية خلخلت ، بشكل عميق ، كل ثوابت الوجود التي تركن عليها كينونتنا العربية .
أفلا تكون مشروعية سنة 2011 التي تستمدها في كونها سنة زمانية العرب ، هي جوهرها الذي يسمها بطابع الخصوصية و الامتياز ؟



#عبد_الجبار_الغراز (هاشتاغ)       Abdeljebbar_Lourhraz#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات قدر الشعوب .. فهل من معتبر ؟
- مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
- - الإعاقة الفكرية - وآلية إنتاج المجتمع المدبلج


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الجبار الغراز - سنة 2011 أو سنة زمانية العرب . قراءة سريعة في أنطلوجيا الثورات العربية