أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامى لبيب - العمالة الغبية والثقافة الداعية للتقسيم فى مشروع الشرق الأوسط الجديد .















المزيد.....


العمالة الغبية والثقافة الداعية للتقسيم فى مشروع الشرق الأوسط الجديد .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3530 - 2011 / 10 / 29 - 12:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مصطلح " الفوضى الخلاقة " جاء علي لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس في حديث لها مع صحيفة "الواشنطن بوست" في 9 /4 /2005- مُعربة حينها عن توقعها بأن المنطقة العربية ستشهد إنتفاضات متصاعدة و تغييرات مؤثرة فى سبيل التحول الديمقراطى , وإن هذا التحول سيجرف أنظمة موالية وحليفة !!
لنا أن نسأل .. هل مقولة " الفوضى الخلاقة" تأتى كنبؤة أم مجرد تخمين أم هى قراءة عميقة للأحداث ضلت طريقها عن مثقفينا ومنظرينا أم أن الأمور خطة أمريكية مرسومة بعناية نلعب في إطارها ! .. بالفعل يكون الإحتمال الأخير قاسياً إذا كانت الأمور هكذا , فهل وصل بنا الحال أن نتحرك كالدمىّ في الملاعب التي أُُُُعدت لنا .!
المشاهد التي تمت في المنطقة العربية فيما نسميه بربيع الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا يجعلنا نحاول التوقف أمام مقولة كوندليزا رايس التي أطلقتها من ست سنوات فهي أعلنت عن فوضى خلاقة قادمة في الطريق وقد تحقق توقعها ولم تختلف النتائج سوى في تسمية هذه الحركات , فهي وصفتها بالفوضى الخلاقة ونحن أطلقنا عليها ثورات ! .

كوندليزا رايس رصدت حينها حال الأنظمة العربية التي عفا عليها الزمن وبشرت بسقوطها نتيجة إنتهاء عمرها الإفتراضي ومعاندتها للتاريخ فتوقعت أن تتهاوى رغماً عنها ليس كنتيجة تطور الظرف الموضوعي للشعوب، فالحياة السياسية بائسة تتسم بالجفاف والبوار وغير قادرة على إفراز قوى فاعلة تمارس فعل التغيير .. إذن فستكون الفوضى هي الخالقة للتغيير مُمهدة لوضعية شرق أوسط جديد يتعاطى مع الديمقراطية ويدور في الفلك الأمريكي .

كوندليزا رايس وصفتها بالفوضى الخلاقة ولم تمنحها مقولة الثورة وأرى أنها صائبة في تصنيفها فللثورات مفاهيم وأداء آخر، ولكن ما يعنينا هو تلمس قدرة المؤسسات الأمريكية البحثية في إستشراق المستقبل العربي، فكوندليزا رايس ليست بساحرة قادرة على التنبؤ بل هي تنكب على تلال من الأبحاث الإستراتيجية التي تلقى أمامها من مراكز معنية ومتخصصة بدراسة الشرق الأوسط , فلا يجب أن يعتقد أحد بأن الأحداث العالمية مثل الإنتفاضات يتم التخطيط لها في وكالة المخابرات الأمريكية فالأجهزة المخابراتية لا تحرك شعوب بل تراقب وترصد تطور حركة الشعوب
المراكز البحثية الأمريكية والغربية لا تتعاطى في أبحاثها برؤية مخابراتية أي لا تفتش فيما وراء الكواليس وإن كان هذا وارد أيضاً في مجمل دراساتها بل تهتم في المقام الأول بدارسة الحالة الثقافية والإجتماعية والإقتصادية وعلاقات الإنتاج في البلدان المعنية وتفاعل هذا المزيج مع بعضه ومن هنا تقدم هذه المراكز رؤيتها العلمية بأن المستقبل يحبل بفوضى خلاقة لهذه الشعوب فالأنظمة الحاكمة ديناصورية وخارج سياق التاريخ وسقوطها حتمي وسيتم بدون فعل منظم غير مستدع لثورة .

نظرية " الفوضى الخلاقة " يجعلنا نأخذ مأخذ الجد مقولة " شرق أوسط جديد " .. هذه المقولة التي تم الإعلان عنها بأماني حلوة عن شرق أوسط تسوده الحريات وحقوق الإنسان والتنمية ولكن يتسلل من وراء الكواليس مشاريع لتقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة على أساس عرقي وديني وإثني .
الإدارة الأمريكية ترى أن الوضع الحالي للدول العربية لم يعد صالحاً للمرحلة الراهنة والمستقبلية فيما يخص مصالحها فنتيجة للأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وتمتعها بمواقع جغرافية وموارد بشرية هائلة لو أحسن إستغلالها وكذلك إمكانيات اقتصادية ضخمة تميل بالكفة لصالح المجتمع العربي أمام الكيان الصهيوني مما سيخل بمعادلة التوازن الإقليمي وتجعل الدول العربية تعد رقماً صعباً في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي .

الولايات المتحدة لا تريد مشاريع سياسية وإقتصادية خارج هيمنتها فقد تبين لها من الخمسين عاما الفائتة أنه بإمكان بعض الدول العربية أن يكون لها مشاريع قومية ذات طموح تريد التواجد والتحقيق لتشكل ثقلاً في المنطقة , وتجربة مصر الناصرية ليست بعيدة عن الأذهان فقد نجحت مصر في فترة زمنية قصيرة وبإمكانيات متواضعة كان لها ثقل وتأثير وتمدد في المنطقة العربية لم توقفها إلا الهزيمة القاسية في 67 التي تم الإعداد لها بيد إسرائيلية وبدعم أمريكي قوى .. ثم يظهر في الأفق نجم صدام حسين راغبا ً في أن يكون له دور مؤثر وحيوي بالمنطقة ليبدأ أولى خطواته بغزو الكويت آملاً أن ينفرط بقية العقد الخليجي ليشكل قوة إقتصادية عسكرية تجعل له ثقل وقرار سياسي لا يُستهان به .. لذا من الخطأ تصور أن الحرب التي خاضتها أمريكا وحلفائها ضد العراق كانت من أجل قصة الحرب على الإرهاب الساذجة , ولكن لشل قوى مستقبلية واعدة في سبيلها لتهديد المصالح الأمريكية لذا جاءت الحرب لتحطيم المشروع الصدامي , فأمريكا لن تسمح بأي كيان قوى يتفرد ويحمل أجندة خاصة ليلعب في ملعب غير ملعبها .. هي لن تسمح بظهور كيانات قوية جديدة بعد تفردها بالعالم بسقوط الإتحاد السوفياتي - لذلك تسعى الإدارة الأمريكية ومن خلال "مشروع الشرق الأوسط الجديد" إلى رسم خارطة جديدة للعالم العربي من خلال تقسيم دوله ولا سيما الكبرى منها وتجزئتها إلى دويلات تقوم على أساس عرقي أو ديني كما حدث مع السودان على سبيل المثال, لتتفرد إسرائيل بالهيمنة والقوة والسيادة وتتنافس هذه الدويلات بحكم هوانها في التطبيع مع الكيان الصهيوني و تقديم الولاء الكامل للسياسات الأمريكية .

تتسرب الرؤى حول الشرق الأوسط الجديد أو الكبير فنجد رالف بيترز وهو ضابط متقاعد يسرب مخططات لإعادة تقسيم الشرق الأوسط - ففي مقال له نشر بمجلة القوات المسلحة الأميركية في عدد يونيو 2006 يطرح بيترز تصورات عن التقسيم مبرراً بأن المنطقة العربية شهدت ظلماً فادحاً للأقليات بل لكتل سكانية عريضة كالأكراد والشيعة العرب ومسيحيي الشرق الأوسط، والبهائيين والإسماعيليين والأمازيغ والبربر مما أدى إلى وجود ميراث هائل من الكراهية الشديدة بين الجماعات الدينية والإثنية بالمنطقة تجاه بعضها البعض لذا يجب أن يعاد تقسيم الشرق الأوسط إنطلاقاً من تركيبته السكانية غير المتجانسة القائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات حتى يعم السلام وتنطلق للتنمية .!!

يقدم بيترز خريطة للشرق الأوسط الجديد فيتحدث عن تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء دولة كردية بالشمال ودولة شيعية بالجنوب، ودولة سُنية بالوسط ستختار الانضمام إلى سوريا في مرحلة لاحقة ونلاحظ أن هذه الخطوة تم إنجاز مراحل متقدمة منها الآن .! .. أما المملكة السعودية الحليف القوى للمصالح الأمريكية لم تنجو من فكرة التقسيم , فيطرح بيترز أن تستقل منطقة مكة والمدينة المنورة حتى تنشأ إمارة إسلامية مُقدسة شبيهة بمنطقة قم الإيرانية أو الفاتيكان ويتم إضافة جزء من شمال السعودية إلى الأردن، وتقتطع أراضى من جنوب المملكة لتضاف إلى اليمن، أما شرق المملكة فتقتطع منها حقول النفط لتنضم لدول خليجية صغيرة .
أما المملكة الأردنية فستحتفظ بأراضيها ولا تعلم لماذا لم ينالها التقسيم هل لهزال الدولة الأردنية أم للتاريخ الطويل من العمالة - على العموم وفقا لما تسرب من مخططات سيضاف لها أيضا أراضى من شمالي السعودية، كما سيرتبط مستقبل الضفة الغربية بها مع تمديد غزة لتحتويها سيناء المصرية .
تتسرب مخططات وآمال عريضة يتم إعتبارها قريبة وسهلة التحقيق بتقسيم لبنان إلى إمارة مسيحية مارونية تضم كافة المذاهب المسيحية تتوسط إمارة سنية وأخرى شيعية , وكذلك سوريا التي يراد لها أن تنشأ فيها دولة سنية بجوار دولة علوية . أما مصر فلن تبتعد عن المخططات والآمال المعقودة بدولة قبطية يكون لها حضور في جنوبها بجوار دولة سنية في الوسط والشمال .

بالطبع لا نستطيع الجزم بكل ملامح هذه الخطة فقد يعتريها التغيير فى الأداء والتكتيك ولكن تبقى فكرة إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط لدويلات صغيرة واردة بشدة بالرغم من صعوبة تصورنا كعرب لوضعية التقسيم والتفتت لكيانات دولية راسخة في وجودها منذ أمد بعيد إلا أن هذا الأمر ليس من الصعوبة بمكان فقد تفتت الإتحاد السوفيتي في ليلة وضحاها , وها نحن نرى بزوغ دولة الجنوب السوداني وإنفصالها عن السودان لتصبح واقعا ً.. وها هي العراق ذلك البلد العتيد بتاريخه قد لاح في سمائه ملامح التقسيم إلى شيعة وسنه وأكراد ولم يبقى سوى الإنفصال التام وأعتقد أن أصالة وحضارة العراق هي التي تعاند فقط سرعة القفز والهرولة إلى مرحلة التقسيم النهائي .
لم يعد هناك شيء مستحيل في عالمنا فمن كان يستطيع أن يتصور بأن مجرد إنتفاضات عشوائية تطيح بأنظمة حكم عتيدة كحكم مبارك والقذافي وبن على في ظرف أسابيع قليلة .. ومن كان يتخيل أن جنوب السودان البائس والمهمش سيصبح دولة .. ومن كان يتصور أن العراق بعد أن يتنسم نسمات الحرية برحيل صدام حسين يتم الإستقطاب الداخلي فيه بهذا الشكل الطائفي والعرقي الحاد .

خطة الشرق الأوسط الجديد لن تتحقق بالضرورة في سنوات قليلة بل قد تأخذ عقود وهذا ليس بالشيء المستحيل في عالمنا ولعل مناخ الإنتفاضات والحريات في عالم عربي لم يعهد في تاريخه التليد هذه الحالة تكون وبالاً عليه لتُسرع من عملية التقسيم والتشرذم .!!
عدم تصورنا يرجع لكوننا مُغيبين لا ندرك ما في أجسادنا من علل وأمراض أو في أفضل تقدير نكون كالنعام ندفن رؤوسنا في الرمال بينما على الشاطئ الأمريكي من يدرس أمراضنا وعللنا ويستنتج مصيرنا النهائي .! - نعم هم لا يضربون الودع ولكن يُدركون السرطان الذي ينهش في لحمنا ويراقبون مراحل تطوره بينما نحن غائبون مغيبون وإن أدركنا الإحتقانات الداخلية في أجسادنا فإما نقلل من شأنها أو نهمل علاجها نتيجة جهل أو معاندة أو إهمال يحول دون التعامل مع زحف الخلايا السرطانية بمعالجة صحيحة بل لدينا للأسف ثقافة تُسرع بإستفحال السرطان وتوحشه .
المراكز البحثية الغربية ترصد تغلغل السرطان في أجسادنا وتتنبأ بالمصير الحتمي له وكيف ستكون نهايتنا ولكنها تدفع الأمور فيما تريده فالتقسيم هو الحل الذي تتوقعه الدوائر الغربية كمصير لهذه الكيانات العربية الديناصورية المسلك والتوجه , ولا تكون فكرة التقسيم رغبة في علاج الأجساد العربية المتهالكة فلتذهب إلى الجحيم أو فليكن مصيرها الإنقراض ولكن هو لخدمة مصالح غربية وإستراتيجيات في المنطقة لذا فهي ستوفر المناخ السامح للمزيد من الفاعلية وستوجه دفة الأمور .

* العمالة الغبية والثقافة الداعية للتقسيم.
المشروع الامريكي لشرق أوسط جديد سيتحقق بأيدي الشعوب العربية دون مساعدة ودعم من المؤسسة الأمريكية المتأملة في ذلك !! - أي أن التقسيم سيتم بسواعدنا نحن وبعزيمة قوية منا فلن نحتاج لمعونة من أحد .!! فلا توجد دولة في التاريخ إستطاعت أن ترسم مستقبل أي شعب كما تَبغي إلا في حالة إستسلام هذا الشعب أو تخاذله أو جهله أو شيوع ثقافة داخلية بائسة تمهد الطريق لتنفيذ المخططات المرسومة .!!

الولايات المتحدة إذا كانت ترغب أن تنفذ مشاريع سياسية كبيرة كمشروع الشرق الأوسط الجديد فلن تستطيع أن تحققه بكل جيوشها وترساناتها العسكرية ولا بأجهزة مخابرتها .. كما لن تستطيع أن تنجزه من خلال عملاء داخليين .. وستعزف عن التدخل العنيف بقواتها بعد تجربة العراق وأفغانستان وتكبدها بعض الخسائر , لذا فسبيلها لتحقيق مصالحها وخططها هو دراسة ثقافة الشعوب ونمط علاقاتها الإنتاجية ومجمل الظروف الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الموضوعية وماذا سينتج من تفاعل هذه العوامل مع تواجد ثقافة مؤسسة تحدد أطر المفاهيم والحركة ودعم هذه الثقافة فى الحضور والتواجد.
لن تؤسس الولايات المتحدة لمشروع الشرق الأوسط بدون وجود قوى أيدلوجية تتحرك في سبيل إنجاز ذلك .. قوى قادرة بحضورها على أن تدفع الجماهير لقبول حلول التقسيم قناعة أو رغماً عنها .

تتوارى القوى القومية في العالم العربي لتحل مكانها التيارات الإسلامية لتكون هي القوى المرشحة بقوة للقيام بالدور المأمول في بث بذور الفرقة والتناحر مع الأقليات الدينية والعرقية نحو دفع المنطقة للتقسيم إلى دويلات وكانتونات صغيرة وذلك لما تحمله في صلب أيدلوجيتها من رفض أي تواجد آخر غير إسلامي ... فالتيارات الإسلامية تحمل منهجية الإسلام أولاً ولا راية تعلو فوق راية الإسلام ولا حكم إلا بالإسلام ولا ولاية لغير الإسلام , فلا إعتراف بقومية حاضرة أو عرق أو دين إلا تحت سيادة وراية وحكم الإسلام .. هذه المنهجية الإقصائية المتعنتة والتي ترسخ عوامل الفرقة والتصنيف هي القادرة على تنشيط عمليات التقسيم في التربة العربية والتي ستتكئ عليها الولايات المتحدة في المستقبل القريب والبعيد لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد .
الإيدلوجية الفكرية للتيارات الإسلامية تتوحد نحو مفهوم أن هناك آخر غير إسلامي وهذا الآخر متحفز للإسلام وتعبأ الجماهير في هذا المنحى لذا فهي تتعاطى مع هذا الآخر بتوجس وتحفز لن يخلو من العداء .. كما لن يقتصر مفهوم الآخر هنا على الكيانات الدولية الخارجية بل يصل إلى داخل النسيج الوطني ذاته فهناك حالة نفور وتحفز للأقليات الدينية والمذهبية والعرقية ولن تنجو بالطبع التيارات العلمانية والليبرالية واليسارية من العداء والتحفز .

لايمكن وصف التيارات الإسلامية بالعمالة والخيانة لشعوبها فهذا من الإجحاف وإن لن يخفى عن الجميع وجود تنسيق واضح بين التيارات الإسلامية والأجهزة الأمريكية لكن يبقى في إطار التنسيق وطلب إعتماد وجودها على كراسي السلطة , ولكن أن تصل إلى إعتماد وخدمة المخططات الأمريكية في مشروع تقسيم الشرق الأوسط فمن الصعوبة تقبل هذا ولكن يمكن تفهم أنها ستعمل في تنفيذ المخططات بدون تنسيق أو الجلوس على طاولة وتلقى الخطط والأوامر مدفوعة بمنهجها وأيدلوجيتها , أي أننا إزاء عمالة غبية تقدم خدماتها بإخلاص وبلا مقابل وبلا تنسيق وبلا وعى فتسير على الطريق المأمول والمرسوم دون أن تدرى أنها تخدم في النهاية المصالح والآمال الأمريكية فيكفى فقط أن تنتهج أيدلوجيتها ومشروعها الإسلامي الإقصائي الحاد لتندفع الأمور نحو الفصل والتقسيم .

ليس من الصعوبة بمكان أن نتعرف على الإيديولوجيا الفكرية لتيارات الإسلام السياسي ونتلمس الرغبة في التفرد والتميز على أساس ديني وإقصائي لأي قوة مناوئة فالشواهد تمنحنا دلالات قوية عن قدرة هذه التيارات الإسلامية في إنجاز مهمة التقسيم بعفوية شديدة فبداية من إنفصال باكستان عن الهند إلى الدعوة الحثيثة لإنفصال ولاية كشمير عن الهند إلى إنفصال الجنوب السودانى كلها تصب في قدرة هذه التيارات الإسلامية الراديكالية إلى تأسيس مشاريع التقسيم والتفتت منطلقة من أيدلوجية أحادية الفكر والتوجه وعلى سبيل المثال نجد السلفيين لا يستطيعون ان يتخلوا عن منهجهم الإقصائى على الرغم أنهم فى أول الطريق فهاهى فتوى لشيخ سلفى يعلن أن التصويت للقبطى والعلمانى والليبرالى والفلول حرام شرعاً !!
http://www.almogaz.com/politics/news/2011/10/28/63337?fb_comment_id=fbc_10150429848876159_20511763_10150429902371159#f2db68c6fd28dae

لقد نجحت الثقافة الإسلامية على مدار عصور طويلة أن ترسخ في المجتمعات العربية ثقافة التصنيف والتقسيم فمنهجية التقسيم متواجدة في الذهنية والثقافة الإسلامية قبل أن تكون مشاريع تقسيم على الأرض تتبناها الولايات المتحدة أو غيرها - فالشعوب الإسلامية هي الشعوب الوحيدة في العالم التي تهتم بالبحث في الهوية الدينية والعرقية للإنسان ولن تجد هذا الأمر حاضراً في العالم المعاصر .. هو الفضول الغريب في معرفة الهوية الإيمانية للإنسان الذي أمامنا ومن أي عرق وإلى أي دين ينتمي ولا تتوقف الأمور عند حد الفضول بل نبنى ونؤسس منهجية علاقتنا معه ..إما في دوائر التوجس والتحفز والنفور أو القبول .
التيارات الإسلامية الأصولية تعزف على هذه الأوتار بل تعمق من وجودها فتزيد من الإستقطاب والحدة مُسممة الأجواء ومُعمقة لمشاعر النفور والنبذ والعداوة فلا تقف الأمور عند حد التصنيف مابين المسلم والغير مسلم بل تتسع دوائر التقسيم لتشمل المذهبيات داخل أصحاب الديانة الواحدة فنرى هذا الإستقطاب الغريب المشبع بالكراهية والعداوة بين السنة والشيعة يطفو على السطح في شكل تطاحن هائل بينهما تصل ذروته في تفجير المساجد والحسينيات كما في العراق , فلا تقل لي هنا أن أمريكا تعبث وتثير الفتن فلو كانت العلاقة طبيعية بين السنة والشيعة ولم يكن هناك هذا العداء الذي يضرب في عمق التراث والتاريخ الإسلامي لما إستطاعت ألف أمريكا أن تدفع فصيل مذهبي أن يعتدي على فصيل آخر .
عداء التيارات الإسلامية لكل ما هو غير إسلامي تحقق في الجنوب السوداني عندما أجج الإسلاميون الإختلاف ليرتدى صراع بين المسلمين والكفار فأُعلن الجهاد على أبناء الشعب الواحد , ولكن العداء لا يكتفي على ما هو مختلف دينياً ولكن يمد مظلته إلى المتفق دينياً ولكن يعلى من هويته القومية كالأكراد مثالا .

يخطأ من يظن أن الولايات المتحدة ترغب وتأمل فى قيام أنظمة ديمقراطية تعنى بحقوق الإنسان فهذا هو الهراء بعينه ودليلنا هو تلك المساندة القوية للأنظمة الرجعية كالنظام السعودي والدول الخليجية على مدار عقود طويلة بالرغم من كونها أنظمة رجعية شديدة البداوة لم يصل أي نظام فيها إلى أي مفردة من مفردات الحريات السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن تم إحتضانها ورعايتها تحت المظلة أمريكية .. أميركا ستعنى فقط بالدول المناهضة والمارقة والتي تتحرك خارج مدارها كالتلويح للصين وكوريا الجنوبية بينما ما يدور في بلادنا العربية فستغفل عنه طالما هناك أنظمة عميلة تتحرك في الملعب الأمريكي .

يخطأ من يظن أن الإسلام السياسي الأصولي هو العدو المناهض للمشروع الأمريكي بل الميديا الأمريكية هي التي روجت لذلك لخلق حالة عدو بعد تفردها بالعالم أي خلقت مرمى لإطلاق النار لتحقق هيمنتها وسيادتها على العالم فكل الشواهد تؤكد أن كافة التيارات الإسلامية المعتدلة والمحافظة والمتشددة نسقت وتنسق مع الولايات المتحدة بل تم إستخدامها بشكل فج لخدمة المصالح الأمريكية كما في أفغانستان وما حالة العداء الظاهرة في الخطاب الإسلامي إلا تأثير الثقافة الإسلامية فحسب بلا أي مضمون أو عمق موضوعي مبنى على تضارب مصالح .. لذا ستتهيأ وستقبل الولايات المتحدة بل ستمهد لتواجد التيارات والأحزاب الإسلامية على منصة الحكم وذلك لغياب القوى الوطنية والديمقراطية والليبرالية الفاعلة علاوة أن هذه القوى غير مضمون توجهها بعكس التيارات الإسلامية التي ليس لها مشروع مناهض حقيقي لها بل شعارات من باب الإستهلاك وتسخين الجماهير .

تصاعد حضور التيارات الإسلامية في الحاضر وتمكنها من إمتلاك حصص وفيرة من الشارع السياسي هو نتيجة طبيعية لشعوب مُغيبة فقدت الأمل في مشاريعها القومية فضلت بوصلتها لتبحث عن الخلاص في شعارات عاطفية توعدها بالأمل .. لذا سيحظى المشروع الإسلامي بالقبول لنبدأ السير الجاد في طريق التقسيم والتفتت حيث ستشهد المنطقة حالات من الإستقطاب الشديد تتلحف بالخصومة والعداء لأي تواجد ديني او عرقي أو إثني فإما أن يتخلص من حقوقه والإنطواء تحت المشروع الإسلامي المتفرد وإما المواجهة والبحث له عن مشروع خلاص آخر في كيان آخر .

تلوح في الأفق الهرولة نحو الإستقطاب والتفتت والتشرذم وكل الظروف للأسف تدفع في هذا الطريق لتصبح منطقة الشرق الأوسط وقواها الديمقراطية والليبرالية والعلمانية على المحك .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبحث عن القضيب !! - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (15)
- هل التراث والنص بشع أم نحن من نمتلك البشاعة - الدين عندما ين ...
- مشهد ماسبيرو يزيح الأقنعة والأوهام ويكشف الرؤوس المدفونة فى ...
- إشكاليات منطقية حول الإيمان والإله - خربشة عقل على جدران الخ ...
- التتار الجدد قادمون - الدين عندما يمنتهك إنسايتنا ( 30 )
- العلبة دي فيها فيل - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 9 ...
- فلسطين ذبيحة على مذبح يهوه والمسيح والله الإسلامى - تديين ال ...
- الإسلام وحقوق الإنسان بين الوهم والإدعاء والعداء .
- التاريخ عندما يُكتب ويُدون لحفنة لصوص - تديين السياسة أم تسي ...
- هل الله حر ؟!! - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 8 )
- البحث عن جذور التخلف - تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين - حقاً الدين أفيون الشعوب .( 8 ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا - لا تلعب معنا ( 29 ) .
- حكمت المحكمة ( 3 ) - القصاص فى الشريعة بين القبول والإدانة .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 28 ) - رخصة للنكاح .
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 14 ) - إشكاليات العقل الدينى وطر ...
- تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ( 14 ) - أفكار مدببة
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 7 ) - إشكاليات منطقية ف ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 11 ) - يوم القيامة بين ال ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 10) -الصلاة فعل تواصل أم ...


المزيد.....




- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- خلل -كارثي- في بنك تجاري سمح للعملاء بسحب ملايين الدولارات ع ...
- الزعيم الكوري الشمالي يشرف على مناورات مدفعية بالتزامن مع زي ...
- الاحتلال يقتحم مناطق في نابلس والخليل وقلقيلية وبيت لحم
- مقتل 20 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة
- بالصور: زعيم كوريا الشمالية يشرف على مناورات -سلاح الإبادة- ...
- ترامب يفشل في إيداع سند كفالة بـ464 مليون دولار في قضية تضخي ...
- سوريا: هجوم إسرائيلي جوي على نقاط عسكرية بريف دمشق
- الجيش الأميركي يعلن تدمير صواريخ ومسيرات تابعة للحوثيين
- مسلسل يثير غضب الشارع الكويتي.. وبيان رسمي من وزارة الإعلام ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامى لبيب - العمالة الغبية والثقافة الداعية للتقسيم فى مشروع الشرق الأوسط الجديد .