أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الثورات العربية في السياسة الامريكية: استراتيجية التشكيك من اجل الاحتواء ثم الافشال















المزيد.....

الثورات العربية في السياسة الامريكية: استراتيجية التشكيك من اجل الاحتواء ثم الافشال


هاني الروسان
(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 3519 - 2011 / 10 / 17 - 22:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هاني الروسان
الابعاد الدلالية والايحائية للرسائل التي حملتها صورة اليهودي الليبي ديفيد جربي التي اكتسحت صفحات النشر الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت خلالها هذه الشخصية في اوضاع وامكنة مثيرة، لا تختلف كثيرا عن تلك الدلالات والايماءات التي حملها الدور القطري او السعودي او الاردني في ليبيا وغيرها من مناطق الحراك الشعبي العربي، وهي نفسها الدلالات التي ارادت الولايات المتحدة لها ان تشوه صورة الثورات العربية في الوجدان العربي وتثير حولها زوبعة من الشك والريبة عبر الزيارة المبكرة التي قامت بها وزيرة الخارجية الامريكية لكل من مصر وتونس .
فالولايات المتحدة التي تدرك مستوعى الوعي العربي بمسؤوليتها التاريخية عن بقاء انظمة سياسية تعود بطبيعتها الى خصائص انظمة القرون الوسطى، ومسؤوليتها الاخلاقية عن تدمير العراق والحاقة بدول ما قبل الثورة الصناعية، ومسؤوليتها السياسية والقانونية والواقعية عن اكبر مظلمة تاريخية يتعرض لها شعب باقتلاعه من ارضه وتشريده عبر اصقاع الارض، ومسؤوليتها عن ابقاء لبنان تحت طائلة عسكرة شارعة في اية لحظة، ما كان ليفوتها ان تحاول استخدام كل هذا الرفض لها، سلاحا لتجديد وجودها واستمرار سيطرتها على منطقة لو قدر لها ان تفلت من قبضتها فلن يعني ذلك اقل من بداية افول نجمها الى عصور قد لا تعود الا بعد دورة زمنية ستطول كثيرا .
والولايات المتحدة التي اخذتها الثورات العربية على حين غرة، والتي رغم ان تلطيها وراء الموقف السعودي في اليمن لم يخف حجم عداءها السافر لهذه الثورات، فانها لا زالت تنتهج سبيل عداء لها من مواقع اصحاب مشاريع التغيير، كشكل من اشكال الهروب الى الامام، يحاول التقاء قوى التغيير في منطقة وسطى، لاتخرج عن نطاق اهداف التغيير الامريكية التي اعلنتها الادارات الامريكية المتعاقبة منذ اخراج العراق من الكويت وسقوط الاتحاد السوفييتي.
ان ادراك الولايات المتحدة الامريكية العميق لمخاطر مناصبة مطالب الشارع العربي عداء سافرا ومؤزارة انظمة وضعت نفسها خارج سياقات التطور التاريخي، ولاستباق انفتاح الاحداث على اوضاع قد تجد من خلالها الولايات المتحدة نفسها في حالة مشابهة للحالة العراقية او الافغانية، اذ من شأن تغيرات جذرية في طبيعة الانظمة السياسية العربية ان يلحق اضرارا بالغة في الهدف الامريكي الأساسي بضمان الحصول على نفط عربي رخيص من منطقة الخليج عمومًا والمملكة السعودية بصفة خاصة باعتباره محرك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يستدعي تفعيلا وتكييفا واسعا لمبدأ كارتر الذي اعتبر أن أية محاولة للسيطرة على الخليج بمثابة هجوم مباشر علي الولايات المتحدة نفسها، ولدرأ احتمالات من هذا القبيل، فانها انتهجت استراتيجية التشكيك بهذه الثورات عبر الانغماس المباشر في خياراتها لاثارة كثير من الشبهات حولها.
فبعد انتهاء الحرب الباردة وانقسام وتفكك الاتحاد السوفيتي والانتصار العسكري الأمريكي على العراق في حرب الخليج الثانية، وتدميره عسكريا واقتصاديا، وحيث أصبحت الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة على العالم، وفي المنطقة العربية ومنطقة الخليج، وأصبح حصولها على نفط الخليج آمنًا نسبيا من التهديدات الخارجية، فانها لم تواجه تحديا جادا يهدد هذه المكاسب، اكثر من التحدي الذي طرحته هذه التغيرات في طبيعة الانظمة السياسية العربية، من النواحي الاقتصادية والسياسية وحتى الجيوسياسية.
وتبدو المخاوف الامريكية على هذا المستوى اكثر جلاء ووضوحا كلما تعلق الامر بمنطقة الخليج، حتى وان ذلك لا يخيفها ولا يخجلها من ان تظهر بمظهر الكيل بمكيالين، ففيما تقبل بل وترعى عملية اخماد الحراك البحريني بغض النظر عن بعده الطائفي وتعيد علي عبد الله صالح بعد ان حزم حقائبه وهم بمغادرة المشهد اليمني بعد اسابيع من اندلاع ثورة الشعب اليمني، فانها جيشت العالم لاسقاط القذافي وتستعد لكنس الاسد، ليس حبا بالليبيين او السوريين ولكن لاثارة مزيد من زوابع الشك حول هذا الحراك لاستيعابه وتطويعة، واعادة تركيب المسرح الاقليمي وفقا لرؤية ما يسمى باعادة بناء الشرق الاوسط الجديد.
ان استراتيجية التشكيك الامريكية التي تستند الى الوعي الامريكي بموقف الشارع العربي من السياسية الامريكية نحو العديد من القضايا العربية، ليست طارئة على الفكر السياسي الامريكي الذي كثيرا ما يجد امتداداته في الفكر السياسي البريطاني، حيث استخدم نفس الاسلوب للاطاحة بحكومة مصدق في طهران، من خلال عملية استخباراتية معقدة نفذتها اجهزة المخابرات الامريكية.
فعقب تولي الزعيم الإيراني الوطني محمد مصدق رئاسة الوزراء في إيران في مارس عام 1951 وسعيه للاستقلال التام بإيران عن النفوذ الأجنبي، وخاصة في مجال النفط، ودعا إلي تأميم شركة النفط الأنغلو - إيرانية (أيوك)، وأعلن عن تشكيل شركة النفط الوطنية الإيرانية، وهو ما أثار بريطانيا وأمريكا لاحتكارهما معًا النفط الإيراني من خلال عدة شركات مشتركة تعمل في إيران، ودفعهما ذلك للتعريض بمصدق من خلال حملة بريطانية عنيفة لتشويه صورته، وهو ما دعي الرئيس الأمريكي أيزنهاور لإعطاء الضوء الأخضر لوكالة الاستخبارات المركزية لتفيذ ما عرفت بعملية اجاكس للتخلص من مصدق وإعادة الشاه للسلطة بهدف تأمين الحصول علي النفط وإقامة حاجز بين الاتحاد السوفيتي والمنطقة العربية.
صحيح ان الصورتين لا تتطابقان تماما، غير انهما تتأسسان على مبدأ الدعاية المباشرة وغير المباشرة الذي يأخذ طابع الدفع للتشكيك بالحالة القائمة عبر الاشتراك الفعال لعناصر مشكوك بسلامتها فيها، بهدف تفعيل مبدأ وحجة الاستنتاج والقياس في بناء الحكم على الفعل وبالتالي على الحالة، وهو الطريق الذي ان لم يؤد الى الافشال المباشر فانه سيؤدي الى الرفض والرفض المضاد الذي سيمهد لفوضى في معظم الاحيان من تلك التي تخضع للسيطرة عليها بحدود معينة لاخراجها الى شكل من الحل، في جوهره تطبيقا لمبدأ الفوضى الخلاقة التي نقلتها وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندا ليزا رايس عن بعض طروحات هيغل الفلسفية .
فاكثر ما تسعى الى تحقيقه الولايات المتحدة في ظل هذه التغيرات التي يصعب التنبؤ بتائجها مسبقا، اولمحاولة تطويع هذه النتائج، هو الابقاء بل وترسيخ الاعتقاد باستمرار علاقات التبعية العربية للهيمنة والنفوذ الامريكيين، عبر مسارات تختلف باختلاف الدول وطبيعة العلاقة التاريخية للولايات المتحدة بها، اذ قد تكفي في الحالتين التونسية والمصرية بنمط الانغماس غير المباشر في شؤونهما لتغير موازين القوى وترجيح كفة جهة على حساب اخرى في اطار عملية الانتقال وبناء التجربة الديمقراطية مع عدم اهمال جوانب الاثارة في تطورات الاحداث لاحتواء هذه التغيرات، في حين ان التجربة الليبية قد تحتاج الى ما هو اكثر حذرا من هاتين الحالتين.
فالتغيير في ليبيا اتخذ طابعا عنيفا بل طابعا عسكريا بحتا، كما ان العلاقات الليبية الامريكية طيلة الاربعين عاما المنصرمة لم تكن علاقات ودية حتى انه يمكن وصفها -على الاقل ظاهريا- بالعلاقات العدائية مما شكل مزاجا ليبيا رافضا للسياسة الامريكية، وهو امر يعقد مهمة احتواء الثورة هناك كما هو في الحالتين السابقتينن ويتطلب تكييفا اخر لجهود الاحتواء قد تكون عبر او تعزيز اجواء عدم الثقة بين الاطراف الليبية التي يتنازعها اكثر من منحى سياسي وايديولوجي، بادخال عناصر اثارة نوعية.
فعودة ديفيد جربي الى طرابلس واعادة افتتاحه لمعبد يهودي كان قد اغلق قبل اكثر من اربعين عاما، قد تكون عودة عادية غير ان توظيفها لم يكن عاديا، خاصة عندما تتناولها بعض الصحافة الامريكية باهتمام كبير. فبروز العنصر اليهودي على هذه الشاكلة قد لا يكون بعيدا عما كان يظهر من شعارات مكتوبة على جدران شوارع المدن الليبية تشير الى مقولة ا ن ام العقيد القذافي يهودية الديانة، وقد لا تكون بعيدة ايضا عن مقولة ان معظم اعضاء المجلس الانتقالي الليبي هم من عناصر نظام القذافي، لاقامة نوع من الاستنتاج حول ابعاد التغيير الليبي، تطرح امام اطراف اخرى مشاركة في الثورة ولكن منحاها ديني وربما ديني متشدد.
وقد برز في الاونة الاخيرة مستوى متقدما من الخلاف سوى بين العسكريين الليبيين او بين السياسيين وخاصة بين بعض الاسلاميين ومحمود جبريل على وحه الخصوص، وهي خلافات مرشحة حسب اكثر من مصدر الى انزلاقات خطيرة قد تؤدي الى صراع مسلح، ان حدث فعلا فان اكثر الاطراف افادة منه ستكون الاطراف الدولية مثل الولايات المتحدة، التي تنتهج استراتيجة افشال للثورات العربية باساليب عدة ابرزها التشكيك بها لاحاطتها بكثير من الخلافات لاضعافها وبالتالي لاحتوائها والسيطرة عليها.
ان احد اوجة ازمة الديمقراطية في المنطقة العربية وتطورها بصورة عامة، وباعتراف اكاديميين ودارسين عرب معارضون للانظمة القائمة، يكمن في الرفض والتآمر الخارجيين، وذلك لابقاء حظوظ هذه الاطراف في السيطرة على المنطقة قائمة ومستمرة، وثورات الشعوب العربية في جوهرها ثورات ليست مطلبية معاشية بقدر ما هي ثورات ذات طابع سياسي، يتناقض ومبدأ استمرار الهيمنة والسيطرة الخارجية.
اذن هي مشاريع تصادم مع نظريات الهيمنة الامريكية وغيرها من حيث الجوهر، ولكنها مشاريع تلاقي ظاهريا، ستجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على قبولها من حيث الشكل ورافضها لها من حيث الجوهر، وان افضل استراتيجية يمكن لها ان تحقق هذه المعادلة المعقدة هي استراتيجية التشكيك بهذه الثورات من اجل احتوائها وتطويعها ثم احباطها.



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارضة السورية تهيئ مسرح العمليات لبدء نهاية نظام الأسد ور ...
- الطبيعة المركبة للصراع على السلطة في ليبيا
- المنحى الاستراتيجي للانغماس التركي في تفاعلات النظام العربي
- أ يسقط الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية حق العودة ؟؟
- الاسد عقب القذافي
- الناتو يعيد انتاج النموذج العراقي في ليبيا
- الدلالات الاستراتيجية لتوسيع نطاق عضوية مجلس التعاون الخليجي
- أي ثورات عربية تريدها امريكا ؟؟؟.
- العقيدة النووية الامريكية الجديدة استراتيجية لتجديد قوة الدو ...
- الشبهة في الموقف الامريكي
- مخاطر مفاوضات الفرصة الاخيرة
- قرار لجنة المتابعة العربية من يغطي من؟
- اعتراف كوشنير بدولة تسبق المفاوضات


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الثورات العربية في السياسة الامريكية: استراتيجية التشكيك من اجل الاحتواء ثم الافشال