أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - هل تسهم مدارسنا في تكريس التخلف ؟؟ الرياضة والفن والموسيقا مثالا















المزيد.....

هل تسهم مدارسنا في تكريس التخلف ؟؟ الرياضة والفن والموسيقا مثالا


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 11:01
المحور: المجتمع المدني
    


بتشخيص واقعنا والوقوف على أسباب تخلفه، يتبين لنا أن أساليبنا في تربية الأطفال هي أحد الأسباب الرئيسة في تكريس هذه الحالة، كما هي مفتاح الحل، ويكمن جوهر المشكلة في أن الكثير من إدارات المدارس تركز كل همها على العملية التعليمية بمعزل عن العملية التربوية، وإذا ما أرادت أو اضطرت للتوجه للعملية التربوية فغالبا ما تكون بالأسلوب القهري القمعي دون مراعاة لقواعد التربية الحديثة، ولا شك أن سلطة المدرس الأبوية (العقلية البطريركية) ستجعل من المدرس مستبداً يلجأ إلى الضرب والتهديد، وهذا العنف مرده أسباب عديدة: فإما أن هذا المدرس ومن خلال الضرب إنما يفرغ شحنات الغضب والقهر المخزونة في دواخله، وينّفس عن كبت واحتقان يعتملان في أعماقه ويطفو منهما بعض الشيء كلما زادت عليه ضغوطات الحياة، وإما أنه بعقليته التقليدية يعتقد أنه ما زال في زمن الكتاتيب، وإما أنه توارث مفهوماً تربوياً مفاده بأن تواضع المعلم وتهاونه مع الطلاب سيؤدي إلى الفوضى والإنفلات، فيلجأ إلى الضرب والتهديد ليفرض سيطرته على الصف، وفي النتيجة سيختفي الحوار الديمقراطي والتفاعل الحي بين الطلبة والمعلم، ويستبدل بحوار مغلق من جانب واحد، يملي فيه المعلم إملآءاته ويلقي مواعظه، وأحياناً عقده وتخلفه، في حين سيبقى الطلبة مستمعين معتقدين بأن كل ما يقوله المدرس هو الصواب بعينه والحقيقة المطلقة التي لا يختلف عليها اثنان، وهذا يجعل من الطلبة مجرد متلقّين مستمعين لا يتأثرون بمضمون ما يحفظون، وهو أسلوب تربوي فاشل ينتج أجيالا تستسهل القبول والتسليم بدلا من البحث والنقد والتجريب، ويؤدي أيضا إلى تأصيل فكرة الخوف من العقاب بدلا من الشعور بالذنب، وإلى تنمية الفردية المرتكزة على الذات بدلا من التطابق مع المجتمع.
إن غياب التربية الديمقراطية من مناهجنا وسلوكنا ستخلق نفسيات مستبدة دكتاتورية ستمارس أسوأ أنواع التسلط في أي موقع ستستلمه، أو أنها ستخلق نفسيات مهزوزة مطوّعة خاضعة، في حين أن تربية الطلبة على روح الديمقراطية وتعويدهم على الحوار والمشاركة والنقد البناء واحترام الرأي الآخر مهما وصلت درجة الاختلاف، سيولد لديهم ذهنية نقدية بناءة، وروح ديمقراطية واعية وفكر مستنير.
كما أن عقلية الوعظ والإرشاد ستجعل من التعليم مجرد تلقين وإملاء، والاهتمام فقط بعلامة النجاح يوم الامتحان، ولا يهم أن ينسى الطالب كل ما تعلم بعد الامتحان بساعة واحدة ! وأسلوب الوعظ والإرشاد بالنمطية التقليدية فضلاً على أنه سيجعل الطالب متلقياً فقط، وبالتالي فقدان قدرته على العطاء والتقصي وحب الاستكشاف، فإنه أيضاً سيقتل روح المثابرة والمغامرة لدى الطالب، وبالتالي ستتعزز سلبيته تجاه النشاطات اللامنهجية وخدمة المجتمع والمشاركة العامة، وسيؤدي ذلك إلى انكفاءه على ذاته وتقوقعه في حوصلة النصوص والقوالب الجاهزة التي يزوده بها المعلم عن ظهر قلب، وهكذا ستنحرف رسالة التعليم، بحيث تشوه وعي الطلبة، فتصبح المعرفة لديهم قائمة على الأسطورة والتسليم، بدلاً من أن تكون قائمة على الفكر والعقل، والحقيقة تصبح قائمة على أسس تلقينية بدلاً من أن تقوم على النقد والتجريب.
علما أن التربية الحديثة تؤكد على أهمية إتباع أساليب التعليم النشط بدلا من التلقين، واستخدام وسائل الإيضاح لترسيخ المعلومة بدلا من حفظها، وحثّ الطلبة على الحوار وتقبُّل الرأي الآخر وإتباع المنهج النقدي المؤمن بالنسبية، وتعويدهم على التفكير الحر بدلا من التقيّد بحرفية النص والتسليم الغيببي، واللجوء للنشاطات اللامنهجية كعوامل مساعدة تحبّب الطلبة بالمنهاج وتعزز انتمائهم للمدرسة وتقربهم من المدرس، إلا أن النشاطات اللامنهجية في مدارسنا تكاد تكون موسمية واحتفالية، أكثر من كونها أسلوب تربية وبناء وتعليم.

أنماط التربية في الممارسات المنهجية – الفن والرياضة والموسيقى مثالاً

الكثير من الأهالي وحتى من التربويين وبعض الإدارات المدرسية يجهلون أهداف حصة التربية الفنية والرياضية وضرورتها في حياة الطالب، ويعتقدون أن هذه المواد فُرضت عليهم لغرض الترفيه وتسلية التلاميذ من عناء الدروس العلمية الأخرى، متجاهلين حيوية هذه المواضيع وأهميتها لتنمية عقل الطفل وتطوير ذكائه وبناء صحته النفسية، وبذلك تضيع فرصة الإسهام في خلق جيل جديد ومختلف، ويمتلك القدرات الإبداعية الخلاقة القادرة على انتشالنا من حالة الضياع والهوان، هذا النمط من الإدارات هو سبب فشل وتردي العملية التربوية، بسبب جهلها وضيق أفقها ومحدودية معارفها، لأنها تعيش بعقلية استاتيكية نمطية تقتل الابتكار والخيال وتحاصر التذوق بالجمال، وتعتقد أن مثل هذه الأنشطة قد تشغل الطلبة عن متابعة دروسهم العلمية.
وحتى نوقف حالة التدهور التربوي والانحطاط الثقافي والفني الحاصلة، ونحدُّ من النتائج الخطيرة الناجمة عن تجاهل هذه المواضيع، لا بد من اقتناعنا بأن جميع نظريات التربية الحديثة تؤكد على أهمية دروس الفن والرياضة والموسيقى في تكوين شخصية الطالب وتطوير قدراته الذهنية وتحسين مستويات تحصيله العلمي، فالطفل عندما يرسم أو يركّب قطعة فنية يبدأ بالتفكير والتأمل، ويحس وينفعل ويستطلع ويبحث ويكتشف ويشغّل جميع حواسه، فيستفز خلايا دماغه ويطلق طاقتها الكامنة، ويمرن أنامله ويحسن من توافقه العصبي / العضلي، فيكتسب بذلك المهارات الفنية والعادات الراقية وتنمو لديه ميزة الذوق الرفيع والإحساس المرهف والوجدان المفعم بالحب والعاطفة.
وأيضا فإن التربية الفنية تُكسب الطلبة القيم الإنسانية والأخلاقية وتقوّم سلوكهم عن طريق تشكيل الخامات والتفكير الحر أو ترجمة الطاقة الذهنية والتعبير عن الخيال المحلق بالرسم، وبهذا تتنّشط عقولهم وتزداد معارفهم ومداركهم للأشياء المحيطة بهم وتتغير عاداتهم بطريقة إيجابية ويزداد ترابطهم وتعاونهم مع الآخرين، بمعنى أن التربية الفنية ستجعلهم أكثر توازناً وتحقق لهم الانسجام المطلوب بين عقولهم وعواطفهم، كما أن للتربية الفنية تأثيراً بالغ الأهمية في تغيير أنماط سلوك وعادات الأطفال وطرائق تفكيرهم، وإعدادهم لمواجهة الصعاب في حياتهم العملية والتغلب عليها، وهذا شيء إيجابي جدا لصحة الطفل الفكرية والنفسية والإبداعية.
كما ويسعى الفن بطريقة فعالة في تنمية الصفات الشخصية الإيجابية للطفل، كشعوره بكيانه وإيمانه بذاته وتنمية ثقته بنفسه، إذ يسهم الفن بأشكاله العديدة في تدريب حواس الطفل وجسمه وعقله بأسلوب التخطيط واللون والتشكيل المتحرر من كل قيد، وعن طريق الأعمال الفنية النافعة المبتكرة، فينمو على إثر ذلك العقل المستكشف الخلاق، وقد أثبتت الدراسات وجود علاقة بين رسوم الأطفال ونموهم وتطور ذكائهم، فهي تتيح لهم الفرصة لإعادة اكتشاف وتشكيل العالم المحيط بهم وفق ما يروه مناسباً في عملية تشترك فيها قواهم البصرية والذهنية والعضلية، ليبدعوا أشكالا عفوية تزيد من ثقتهم بقدراتهم وتجعلهم يشعرون بأهمية وجودهم باعتبارهم أفراداً فاعلين ومؤثرين في هذا الوجود، فضلا عن ذلك فهي تعودهم على الصبر وروح المثابرة في العمل والتعاون مع الآخرين واحترام أعمالهم وآرائهم وتشجعهم على تبادل وجهات النظر فيما بينهم والإفادة من الخبرات الجديدة المكتشفة في بعض الأطفال.
أي أن مادتي الفن والرياضة تساعدان الأطفال على الاندماج في دروسهم الأخرى بطريقة سلسة عن طريق تحفيزهم وتشويقهم إليها، وتقوي أبدانهم وتنشط الدورة الدموية لتزيد من منسوب الدم المحمل بالطاقة والمتدفق إلى أدمغتهم، كما تهيئ لهم فرص التنفيس وتفريغ الطاقات الكامنة وتهذب من شعورهم بالنشوة وتشغلهم فترة معينة من الزمن عن انفعالاتهم وأفكارهم ومشاكلهم التي تؤرقهم، كما تعودهم على أسلوب البذل والعطاء في عملهم وتعاملهم مع الآخرين والاعتماد على ذاتهم وخبرتهم في التعبير.
أما الموسيقى فهي غذاء الروح، بها يسمو الإنسان ويحلق ويرتقي في عوالم خيالية حالمة، ومن الخطأ أن يُنظر لها كمادة ترفيه وحسب، فهي تنمي الحس الجمالي وتوسع خيال الطفل وتفتح أمامه الآفاق الرحبة للخلق والإبداع، والنظر للعالم بروح صافية ونفس نقية، والموسيقى تهدئ الطفل وتعيد توجيه انفعالاته بشكل سليم، وتخفف من حدية النـزعات العدوانية لديه وتهذب نفسيته وتمتص كل الغضب والتفاعلات العنيفة المكبوتة في دواخله، وتحسن من مزاجه وتجعله أكثر تقبلا لتلقي العلوم المجردة.
والخلاصة أن حصص الرياضة والفن والموسيقى ينبغي اعتبارها بنفس أهمية بقية المواد العلمية، وكذلك بقية الأنشطة اللامنهجية التي ستفعل في الطلبة ما لم تستطيع بقية المواد الدراسية أن تفعله، فهي تفجّر إمكاناتهم الإبداعية وتحفز الجوانب المختلفة من عقولهم، ابتداءً من التفكير المنطقي وإتباع منهج التجريب العلمي حتى تنمية الخيال .. وتستطيع أن ترتقي بهم لتمكنهم من ارتياد العالم المحيط بهم وتجعلهم في وفاق معه والاعتزاز به، وأن تترك أفضل الأثر والفاعلية في صناعة الجيل الطالع وتنشئته على حب الجمال وتنمية الميول والاتجاهات المبكرة لديه بذائقة فنية عالية.
وبالرغم من المزايا الكبيرة لحصص الرياضة والفن والتربية الموسيقية، غير أن بعض مدارسنا وللأسف تصر على أن تضرب بعرض الحائط كل نظريات التربية الحديثة، حين تتجاهل هذه المواد وتقلل من أهميتها أو تلغيها تماماً من مناهجها وحصصها الدراسية، ليجد حينها بعض مدرّسي الفن أو الرياضة راحة في هذه الحصص وإجازة غير شرعية يدفع ثمنها الطلبة ومجتمعنا ككل، لأنهم غير مهتمين أصلا بتطوير وتنمية مواهب تلامذتهم، إن لم يكن هُم أنفسهم بحاجة إلى تهذيب وتدريس المبادئ الأولى في الفن والرياضة.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نماذج من القهر الاجتماعي - النساء والأطفال ضحايا تخلفنا
- الأب البطريرك - جرائم تربوية بحق أطفالنا
- جرائم تربوية بحق الأطفال
- وأد البنات بالزواج المبكر
- المرأة المستلبة في المجتمع العربي
- المرأة بين العصر الجاهلي والعصر الإسلامي
- جرائم متسربلة برداء الشرف
- الكبت الجنسي
- مفهوم الشرف في الثقافة العربية
- الاحتباس الحراري ظاهرة خطيرة تهدد مصير الكوكب - وجهات نظر مت ...
- ملاحظات على هامش تقرير التنمية البشرية العربية
- تركيا تضع الهوية الأوروربية على المحك
- رغم حملات الإدانة والإستنكار - إسرائيل تفلت من العقاب الدولي ...
- الجزيرة وقطر .. تبادل الأدوار الخطير
- من الهواء المقنع إلى القوقعة - يوميات سجين عربي
- التحليل النفسي للزعماء العرب
- في العراق .. من يقتل من ؟!
- ليل العراق طويل .. طويل
- العراق .. ذاكرة حاضرة .. وصورة تتداعى
- مواصلة التنقيب في أعماق الإنسان


المزيد.....




- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...
- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - هل تسهم مدارسنا في تكريس التخلف ؟؟ الرياضة والفن والموسيقا مثالا