أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - ليل العراق طويل .. طويل














المزيد.....

ليل العراق طويل .. طويل


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3471 - 2011 / 8 / 29 - 15:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ بدء الكون والشمس في العراق أجمل من سواها، لون الغسق ساعة الغروب، يفوح منه شذى الريحان ورائحة الخروب، هواؤها مغمسا بالضوء، ونساؤها كآنية الفضة، إذا شمألْت نحو نينوى أو اتجهت صوب الجنوب، الناس كلهم يشربون من نهرين ويسقون زرعهم من غيمة واحدة، الطوائف تفصلها ستارة من هواء، والفرات خيطٌ يربط البداية بالنهاية والتكوين مع القيامة، من حجارتها يقطر الماء، ومن رحم الأرض يتناسل النخيل، ومن موّالها وُلد الحنين.
وذات ليلة ظلماء من سنين هذا العصر المجنون، وبأمر من نيرون أمريكا الجديد اندلع الحريق، أراد أن يطفئ شمس العراق ويحرم عشاقها ضوء القمر، فتزاحمت عليه الأساطيل والطير الأبابيل، وحلقت في سمائه الغربان، وعاثت في شوارعه البغاة ولصوص الليل، كان الشر يسيل من لعابهم ومن عيونهم يقطر الحقد، أصواتهم كفحيح الأفاعي، أرادوا لبغداد أن تغير اسمها، أو تنسى محفظتها على مقعد حافلة.
في بغداد اليوم لا يحتاج القتيل إلى هوية، فكل قتيل قاتل، آثار التعذيب تدل عليه ونوع الرصاص يدل على الفاعل، في بغداد لا توجد بين القتلى مسافة، مركب الموت لا يمشي إلا على الخط السريع، ولا يحتاج لأكثر من برهة تفصل بين دقتي قلب مضطرب، أسماء القتلى صارت لكثرتها تدون في دليل التلفون، دور العبادة المكان المفضل لقناص طائفي، والأسواق بمن فيها أسهل الأهداف للقنابل البشرية.
في حي الكاظم، ثمة أرملة اختصرت الحرب على زوجها ما تبقى له من السنين، فاكتشف الطائفيون أنها ليست من طائفتهم فأرادوا أن يختصروا من غرفتها الوحيدة أربعة جدران، ومنحوها لفرط كرمهم بضع ساعات لتغادر الحي ليعبدوا ربهم فيه دون شوائب، وفي العامرية على بعد ميلين فقط نسي المغاوير هناك أن لحم الأطفال في ملجأه قد انصهر مع الحديد قبل عقد من الزمن، وتذكروا أن الرسول لم يشرب في حياته ماءً مثلجا، لأن أمريكا نسيت أن تتفتح فرعا لمصانع الثلاجات في يثرب، وتذكرت أن تخصص خطا لإنتاج المسدسات والقنابل من كل نوع في كل حي يقطنه المجاهدون.
في عمان وقرب الساحة الهاشمية، أم عراقية نسيها الزمن، بعد أن نسيت سكاكين الفتنة أجزاءً من لحمها فنجت بما تبقى منه وافترشت الرصيف، تبيع السجائر وتنفث مع دخانها زفرات الذكريات وأطلال البيت في السيدية، وصورة الابن البكر الذي قضى في حرب إيران، والصبية التي فض بكارتها جندي المارينـز، والأوسط الذي غيبته عتمة السجون، أما الصغير فكان أمامها يلهو بلعبة سيبيعها بعد حين لطفل آخر، سيسعد بها حتما أما هو فسيؤمن عشاءه، وأما هي فتذكرت قول السياب ورددته في سرها: الليل حتى الليل هناك أجمل .. لأنه يحتضن العراق، والليل هنا أطول.

ليل العراق طويل .. طويل.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق .. ذاكرة حاضرة .. وصورة تتداعى
- مواصلة التنقيب في أعماق الإنسان
- أسئلة تُنقِّب في أعماق الإنسان
- محاولة في فهم سيكولوجية الإنسان ..
- النهايات .. هلاك الإنسان، دمار الأرض .. فناء الكون
- مستقبل الإنسانية
- أشكال الحياة المتاحة
- في البحث عن جدوى للحياة
- هذا العالم المجنون
- هل دخلت البشرية طور الحضارة ؟!
- ظهور الإنسان
- ما لم يقُلْه دارون
- انفجار الحياة
- أينشتاين على الخط - النظرية النسبية في فهم نظام الكون
- كيف نفهم نظام الكون ؟
- ديمقراطيات استبدادية
- لماذا لا ينتحر الرؤساء العرب ؟!
- دبي .. صورة قريبة لمستقبل بعيد
- المغرب .. البوليساريو .. وأزمات أخرى لم تحل
- السودان الجنوبي مؤامرة خارجية أم استحقاق داخلي


المزيد.....




- بها حانة ومهبط هليكوبتر وحصن.. جزيرة بريطانية خاصة تطرح للبي ...
- تاركة أمريكا في عزلة بين أقرب حلفائها.. أستراليا تُعلن عزمها ...
- مجلس الأمن يدين أعمال العنف ضد المدنيين في السويداء ويدعو جم ...
- ظنّ أن لقاح كوفيد دفعه للانتحار.. مسلّح يهاجم مركزًا صحيًا ف ...
- من هو الوريث لحركة -اجعل أميركا عظيمة مجددًا-؟ ترامب يُبقي خ ...
- مسيرة شعبية في أنقرة تطالب بدخول المساعدات إلى قطاع غزة
- تشييع جثماني مراسلي الجزيرة في غزة الشريف وقريقع
- إدانات واسعة لاغتيال إسرائيل مراسلي الجزيرة الشريف وقريقع
- -أوصيكم بفلسطين درة تاجِ المسلمين-.. وصية أنس الشريف تشعل ال ...
- أنس الشريف.. صوت غزة والشاهد على كل فصول إبادتها وتجويعها


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - ليل العراق طويل .. طويل