أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله شطاح - وجهان للعنة واحدة















المزيد.....

وجهان للعنة واحدة


عبد الله شطاح

الحوار المتمدن-العدد: 3463 - 2011 / 8 / 21 - 09:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وجهان للعنة واحدة.
لعنة المجتمعات العربية يا سادتي لها وجهان شائهان ودميمان، واحد نابت من القفا، وآخر في مكانه المعلوم من الرؤوس والوجوه والأجساد المعروفة لبني الإنسان في الكون الفسيح. جل حيث شئت في هذا الوطن العربي الممتد بين المائين، ماء الخليج وماء المحيط، وقلب النظر في ما شئت، في الوجوه وفي الحيطان وفي وجه الأرض الأغبر، فلن تجد سوى الدمامة والقبح والغرابة في الكائنات السائحة كساعات سلفادور دالي، سياحة متوقفة في الزمن، والفضاء، والتاريخ والعصور. لن تجد سوى الغبار، والأوساخ، والعيون المقلوبة، والنفوس المنطوية على الخوف الدفين، والقلوب المحبطة الصدئة كعلب الصفيح المرمية بين الأقدام، وفي الزوايا، وفوق المجارير المسدودة منذ دهور.
لعنة المجتمعات العربية يا سادتي هي لعنة الثبات واليبوسة ( السكليروزية)، لعنة التخشب العضوي والفكري والثقافي والإنساني، جفاف نفخته في الوسط الحيوي الممتد بين المائين ألسنة اللهب، الخارجة كرؤوس الشياطين، من قعر الجحيم، ملوفة، متداخلة، ودقيقة العيون والأحابيل مثل شبكة سمك محبوكة من ألسنة نار غير مقدسة. شقوق اليبوسة يا سادتي محفورة عميقا في الوجهين الشائهين، وجه القفا ووجه الوجه، بنسبة واحدة، وعمق واحد، وقبح منسوخ بعناية على الملامح التوأمية للمسخين الناشفين كفخار أثري لبث تحت الأرض ألفا من السنين أو ما يزيد.
أما الوجه الأول يا سادتي فوجه الساسة في وطننا العربي الرحيب، ساسة السلطة الرسمية، وساسة الأحزاب الخفية والمعلنة. أما ساسة السلطة فيرثون المناصب سالفا عن سالف، وكابرا عن كابر، وابنا عن أب عن جد، وراثة مادية ومعنوية كما يرث الناس المساكن والمتاجر والأطيان والعقارات، وكما يرث المعذبون منهم لعنة الميراث بالانتماء إلى عزبة الملك، قينا صغيرا أخرجته اللعنة الموروثة من صلب القين الأكبر، إلى المكان الموروث بالولادة في أقبية الأجهزة السرية، ومخافر الشرطة، وأزقة الخوف والجوع والبرد والرعب الساكن في العيون الفارغة المفتوحة على سماء فقدت رحمتها القديمة. سلطة الملك والرئاسة الشبيهة بالملك، وجمهوريات الموز الأجرب المعقوف كقرون الخروب اليابس، تقف كالموت العاجل في الحلوق الظمأى، بلا شيء من ضمير، أو كرامة أو عقل، بل وبلا شيء من حد أدنى من حدود الوعي الإنساني بضرورات الزمن، وإكراهات الشرط الإنساني القاسي.
يموت الحاكم العربي حتف أنفه وقد قهر العباد، والشيب والمرض، وأحزاب المعارضة، والمنظمات السرية، وأزمات الغذاء والطاقة وثقب الأوزون، وحرارة الكوكب، وعجز الكلى، ونضوب التوستيستيرون، وعيون الحساد، ومعارضو الفضائيات، وفلول النظام الأحفوري السابق لعهده بحقب انثروبولوجية، وللقنابل الحارقة، وللميادين الهادرة بالحناجر الغاضبة، وقصائد الشعراء المبعدين من حلق النجوى.
يموت الحاكم العربي وقد أذعن لسطوته الذكورية ولفحولته الإفريقية الوحشية عتاة الغاضبين والمعارضين والثائرين والمثقفين والمفكرين، ولا يكف عن الانتصاب في الساحات العامة والميادين ومداخل الدواوين في تماثيل محدقة بشموخ وشماتة واستفزاز يبعث من الأعماق الطاوية مرارة القيء الأزرق الحارق مقتا. تحاصرك الصفاقة في الرخام الصقيل وفي الصور العملاقة المفروشة عرض العمائر، مذكرة للغافل والناسي، أن ها هنا أرضا لم تتحرر بعد إرث العبودية الكريه، ولم تقم بعد من مقام الأنوثة المفعولة في أوضع المعاني المنسوبة زورا إلى الأنوثة للخلاقة، ولم ترتفع بعد فوق مستوى البداوة البدائية في الوعي بالعلائق التي نسجتها الحضارة البهية في سيرورتها الشامخة بين الحاكم والمحكوم. ها هنا أرض كفت فيها الأجرام السماوية عن الدوران، والتحم الزمان والمكان والإنسان والهواء والسماء، والطير في أجوائها العلية، اختفى الإمكان والاحتمال، وتصحر الخيال، وجفت منابع الرؤى، والأقلام، وطويت الصحف، ولم يبق يا سادتي سوى الحاكم العربي وذريته المقدسة وشبقه المريض وعنفوان الشهوة لامتطاء كل حي يتحرك، وتسكين المستعصي عن الجمود، وترويع النطف التي لم تخلق.
أتساءل أحيانا يا سادتي عما إذا لم يكن الذنب ذنب حاكمنا، ولا ذنب شهوته العارمة، ولا هرموناته الدافقة، وأن لا قبح في وجهيه سوى القبح المستقر في تكوين الكائن العربي المجبول على إحالة أكثر الاحتمالات إمكانا، إلى عدم من الأعدام، وعلى استدراج أسوأ الأصدقاء وأسوأ الأعداء معا. هل الذنب حقا هو ذنب الجغرافيا وحدها أم الذنب ذنب التاريخ والبيولوجيا والصبغيات والمورثات؟ أم الذنب ذنب اللحظة الراهنة العالقة في وجه الدهر كالقرحة في جوف الزمن؟. أتساءل يا سادتي عن السبب وراء تخشب الجسد العربي المستلقي خارج التاريخ، في كل جزء منه، في كل تفصيل صغير لا شأن له، ليس هناك سوى اليبوسة والجفاف. في رئيس الحزب الديموقراطي بشعاراته وبنوده، وفي رئيس الحزب الإسلامي بإحالاته الأخلاقية المغترفة من أشد موروثات الروحانية نقاء، إلى المثقف المستند بدوره إلى مخزون هائل من قيم الحداثة الغربية وعصر الأنوار وحقوق الإنسان والحرية ومعانيها البهيجة الرائقة.
كلهم أجمعون يا سادتي غضون متراكبة على وجهي اللعنة الشائهين، وجه الوجه ووجه القفا، إكسسوارات ضرورية لهيلمان الحاكم العربي، ولعب إيروتيكية مهيجة لغلمة الحاكم العربي، وبهارت مفعلة للذة وعمقها ومطيلة لرعشتها النوعية، وإلا فما وجه اللذة في امتلاك المستسلم، وافتراع الثيب، واصطياد أرانب الخم وضرب الميت يا سادتي؟. ترى ما الفرق بين الحجاج بن يوسف، معلم الصبيان الذي اكتشف الأمويون دموية الجنرال الخارق الذي ينام تحت عمامته الرثة، والمتنبي الذي أطفأ الطمع وهج العبقرية المتفجر من عينيه وهو ينحني عند أقدام كافور الأخشيدي، وبين أي مثقف أو زعيم حزيب من الحزيبات المؤثثة للمشهد المضحك في العالم العربي؟ كل واحد منهما تغضن كأمعاء الدجاج اليابسة على وجه الحاكم العربي، كلاهما استسلم لغوايات الجفاف واليبوسة والتخشب، كلاهما انكفأ على الكرسي المريح وأسلم مؤخرته لطراوة المجلس، بينما انطفأت في عمق روحه آخر الشرارات التي تطايرت من مشاعل النار المقدسة التي التقطها برومثيوس على حين غفلة من آلهة الأولمب.
من ليس جديرا بالآخر، غضون المثقفين العرب على الوجوه الشائهة بنار بروميثيوس أم انتسابهم الزائف إلى جيوش من شهداء النوابغ الذين لم يطفئ الطمع شرر عبقرياتهم ولا أنساهم فخر النسب إلى سلالة الآلهة وإلى أنوار المعرفة الإنسانية النبيلة وهي تتعصب للأقدس والأسمى، وإلى الباقي الأبقى من ملحمة الوجود الإنساني.



#عبد_الله_شطاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطبة المنبرية في تاريخ الجملكية
- رسالة اعتذار إلى ولدي
- عفوا لن أشغل الأرض أكثر مما مضى
- دوائر الأفيون
- طوق الحمامة


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الله شطاح - وجهان للعنة واحدة