أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثأر -ربيع دمشق-!















المزيد.....

ثأر -ربيع دمشق-!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3429 - 2011 / 7 / 17 - 15:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في مطلع هذا القرن ارتكب السوريون خطأ جسيما، وطوال السنوات الماضية منذ ذلك الحين ارتكب النظام خطأ جسيما آخر. اليوم سورية تدفع ثمن هذين الخطأين.
أخطأ السوريون حين مرروا توريث السلطة من الأسد الأب إلى الأسد الابن بسلاسة ودون اعتراض. الواقع أنه لا تتوفر مؤشرات دالة على أن سوريين، أيا يكونوا، تحفظوا على أكبر تحول سياسي عرفته البلاد منذ مطلع الحكم البعثي، أعني تحويلها إلى ملكية وراثية في آل الأسد. حتى بين المعارضين، كان الميل المهيمن هو التشكك المتشائم في أن يسجل عهد الابن فرقا مهما عن عهد الأب، دون أن يعمل أحد على جعل التحول الملكي إلى مشكلة، أو يثير نقاشا عاما حوله. ولقد كانت تقال أشياء عن توريث السلطة، وعن تعارض التوريث مع المبدأ الجمهوري، لكن بدا أن الأمر يتعلق بواقعة مؤسفة، أكثر مما بتحول سياسي خطير، هو ما يحدد المنطق العميق للنظام. وطوال السنوات الماضية كان معظم الكلام على التوريث يستنفد نفسه في التهكم والهجاء، دون أن نتبين تغير "القانون الأساسي" للنظام باتجاه إعادة إنتاج الأوضاع التي أدت إلى التوريث، وينبغي أن تؤدي إليه مجددا، بما يضمن بقاء الحكم في الأسرة الأسدية. لقد أضحى المنطق الذي يحرك نظام الرئيس بشار هو الحفاظ على الحكم الذي ورثه، وإذا أمكن توسيعه، ثم في النهاية نقله لنجله هو. هذه واقعة سيكولوجية وواقعة سياسية بنيوية في آن. فالرجل ورث من أبيه سلطة وأجهزة وأوضاعا امتيازية، سياسية وأمنية واقتصادية، لا يسعه المساس بها دون أن يقوض الامتياز الذي حصل عليه هو بالذات، ودون أن يظهر بمظهر المفرط بمِلْكٍ عزيز، انتزع بالقوة وحوفظ عليه بالقوة. هذا بينما كان من شأن المساس الجدي بهذا الميراث وحده أن يضفي شرعية ذاتية على حكم الرئيس الابن، كما سنقول بعد قليل.
وإذ تعذر عليه توسيع المِلك الذي ورث، بل إذ تقلص هذا الملك في عام 2005 عبر الانسحاب الاضطراري للقوات السورية من لبنان، فقد اقتضى الأمر ضربا من التعويض، تمثل حينها بالتحول الاقتصادي الذي جرى رسميا في صيف 2005 نفسه. كانت السيطرة على الاقتصاد السوري عبر لبرلة اقتصادية مشوهة، استصلحت لنفسها شعار "اقتصاد السوق الاجتماعي"، هي البديل الذي اهتدت إليه غريزة النظام العميقة من الفردوس اللبناني المفقود. وبعد حين قصير، أمكن لباحثة سورية مقيمة في لندن، ريم علاف، أن تتكلم على "بيرتتة دمشق"، التعبير الدال الذي يغطي تحول قلب المدنية إلى ما يشبه أحياء بيروت التجارية: مقاه أنيقة ومطاعم غالية وفروع مصارف وسيارات حديثة. لكن هذه الاسم يكشف، ربما دونما قصد، الرابط بين التحول الاقتصادي في سورية وبين فقدان المملكة الأسدية جوهرة تاجها البيروتية. ولقد رمز السيد رامي مخلوف لهذا التحول. الرجل كان يسيطر بأدوات مباشرة وغير مباشرة على نحو 60% من الاقتصاد السوري، القطاعات الأحدث والمجزية بخاصة. ورغم أن ما أعلن عن تحوله إلى العمل الخيري في 17/6 مثير للسخرية، فإن الإعلان عنه، وقد أريد له أن يكون مؤشرا على عزم إصلاحي، مؤشر على وزن المال والقرابة في تكوين النظام وسياسته. ولقد لزمت احتجاجات شعبية مكلفة، تهتف ضد مخلوف شخصيا، وربما نصائح محلية ودولية، كي يقر النظام أن مخلوف ليس "مواطنا عاديا"، على ما كان يقال عنه سابقا، وكي تُسخّر وسائل الإعلام العامة على مدى يومين للثناء على الخيرية المفاجئة لهذا "المواطن العادي".
وتضافُرُ الامتلاك الاقتصادي للبلد مع امتلاكه السياسي، ومعهما عدوانية إيديولوجية تحديثية لا مضمون تحرريا أو إنسانيا لها، اشتدت في السنوات الأخيرة تحت راية علمانية منحولة، وتعليقات حول العقليات والذهنيات صارت تسمع من أمثال بثينة شعبان، ووزير التعليم العالي السابق علي سعد، وحتى من الرئيس بشار الأسد نفسه، أقول إن هذا التضافر هو أحد المنابع الأساسية للاحتجاجات الشعبية السورية.
وخلال نحو 11 عاما من العهد لم يتحقق تقدم مهم في أي مجال: بقي الجولان محتلا، وأمعن التعليم في التدهور وتشكل تعليم نخبوي للأثرياء، تراجع الدور الاجتماعي للدولة واتسع الفقر، وثابر عدد السكان على الارتفاع بنسبة عالية، لم يرتفع متوسط دخل الفرد بالأسعار الحقيقية، ازداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، وتراجع اندماج المجتمع السوري، وظل وضع الحريات العامة من الأسوأ عربيا وعالميا. باختصار، لم تُحلَّ أية مشكلة وطنية.
وإنما هنا يتمثل خطأ النظام. فهو لم يدفع ثمنا سياسيا مقابل التوريث. أخذ مكسبا سياسيا هائلا دون أن يسدد عنه "زكاة سياسية"، كان من شأنها أن تجعل هذا الميراث الضخم حلالا. ولم يتبين أنه لا يستطيع تسويغ امتيازه غير المشروع دون ضرب أوضاع امتيازية متنوعة، ورثها من عهد الأب. هذا شاق بالفعل ومضاد لميل المرء الطبيعي، ولكن لذلك بالذات هو وحده ما كان يمكن أن يمنح نظام الابن شرعية ذاتية.
لكن ما حصل هو أن النظام أظهر ضيق صدر شديد حيال أنشطة السوريين المستقلة. فقد سارع إلى ضرب "ربيع دمشق"، التجربة السياسة التي ولدت معه، واعتبرته معطى ثابتا غير منازع، ودعت إلى الإصلاح في ظله. فكان حين ضرب تلك التجربة كأنما ضرب شرعيته هو بالذات. كان من شأن الاعتراف بربيع دمشق والتعايش معه أن يوفر للنظام بيئة سياسة جديدة، تعود عليه بشرعية خاصة غير موروثة، مقابل تنازل سياسي ليس كبيرا جدا: اعتراف بحق الانتظام المستقل للسوريين وبحق التعبير الحر عن الرأي، فضلا عن معالجة ملفات ثمانينات القرن الماضي. ولكان ذلك مثل انفصالا مؤسسا للعهد الجديد، انفصالا عن القرابة والعشيرة والماضي والعنف و"الطبيعة" لمصلحة المواطنة والدولة والحاضر والسياسة و"الحضارة".
دون شرعية خاصة به، يصنعها لنفسه بنفسه، كان النظام مسوقا إلى استيراد شرعيته من الماضي. ومعها مشكلات الماضي غير المعالجة وغير المحلولة. لذلك ظلت هذه راهنة على الدوام، كأنها حصلت اليوم.
في المحصلة، كان نظام الابن استمرارا لعقدي ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، العقد المجنون والعقد الضائع، بدل أن يكون بداية جديدة ومنطلقا مختلفا. وبدل أن يكون عمره 11 عاما، ويكون حكما دستوريا بدرجة ما، فإنه اليوم حكم مطلق، عمره 41 عاما، قد لا يعيش بعدها.
إنه ثأر "ربيع دمشق".
أما السوريون فيدفعون اليوم بالدم ثمن كفاحهم للخروج من حالة الملك الموروث إلى المالكين زمام مصيرهم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام في أزمة، وهو من عليه أن يتراجع
- النظام يتصرف كشبيح، والثورة لن تخمد أو تتراجع
- السوريون تغيروا، وعلى النظام أن يتغير!
- سوريا انتفاضة.. والنظام لا يقترح بديلا غير الفوضى أو الحرب
- العصابات المسلحة غير موجودة، و-الحوار- خدعة!
- حوار مجلة رواق الشباب
- طور ثان من أطوار الأزمة الوطنية السورية؟
- بصدد بعض خصائص الانتفاضة السورية
- مكونان مدني وأهلي في الانتفاضة السورية
- ثلاثة أشهر على الانتفاضة... أية آفاق؟
- ما هي نقطة التحول السياسي في سورية اليوم؟
- حوار في الشأن السوري...
- في شأن الانتفاضة السورية وسياستها
- المسألة السورية والمستقبل
- المحنة السورية التي طال أمدها...
- في نقد السؤال عن البديل في سورية
- ثورة ضد الإقطاعيين الجدد
- العودة إلى الوراء ممتنعة، التقدم إلى الأمام صعب، لكن لا بد م ...
- في بعض أصول الأزمة الوطنية السورية الراهنة
- الديمقراطية أو البريرية؟ لا بديل آخر


المزيد.....




- في نطاق 7 بنايات وطريق محدد للمطار.. مصدر لـCNN: أمريكا ستقي ...
- المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي يستقيل ويعتبر أن -ل ...
- لجنة أممية تتهم إسرائيل بعرقلة تحقيقها في هجمات 7 أكتوبر
- فيديو: -اشتقتُ لك كثيرًا يا بابا-... عائلات فلسطينية غزة تبح ...
- برلين ـ إطلاق شبكة أوروبية جديدة لتوثيق معاداة السامية
- رئيسي: ردنا المقبل سيكون أقوى وأوسع
- نتنياهو: حرب غزة جزء من تهديد إيرن
- -حزب الله- يستهدف مقرات قيادة ومراقبة جوية للجيش الإسرائيلي ...
- الجيش الأردني يكثف طلعاته الجوية
- مناورات تركية أمريكية مشتركة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثأر -ربيع دمشق-!