أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي بن سليمان - لم أرك يا أبي














المزيد.....

لم أرك يا أبي


مهدي بن سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 3428 - 2011 / 7 / 16 - 19:16
المحور: الادب والفن
    


لم أرك يا أبي


كلّ يوم ... .
في الحزن ذاته ، و في اليأس ذاته . أدلف إلى الغرفة المعتمة قليلا بفعل إسدال الستائر ، فعيناه المرهقتان لم تعد تحتملان ضوء النهار الثقيل .
أسحب الكرسي الوحيد هناك ، و أجلس بجوار سرير فاحت منه رائحة الأدوية الطبية الفاشلة طولا و عرضا .
كلّ يوم ... .
أجلس بجواره ساكنا كأني لست هناك أو كأنه ليس هنا ... كنا وحيدين معا .
كنت بشريا محطم الفؤاد .
أحدق في كومة العظام المكورة على نفسها كسلحفاة داهمها خطر جامح ؛
عينان غائرتان ترسلان نظرات واهنة .
فم يتدلى بتراخ باذخ و شفتان مطبقتان بجمود لافت .
يدان نحيلتان لا تخلوان من آثار الإبر الطبية الشرسة .
ساقان يابستان كعيدان القصب لم يبقى منهما سوى كساء من الجلد يستر العظم الهشّ .
و وجه متقلص شاحب لا لون له ... أكان ذلك الوجه وجهه أو وجهي ... ؟!

كانت الغرفة غارقة في ظلمة موحشة ، تفوح في أرجائها رائحة السقم العنيد .
و كان بجسده الواهن متمددا فوق الفراش الواسع ذاته فريسة مرض عضال ألمّ به دون سابق إنذار .
الصمت الهائج المندلق في البيت بشكل غير محدود يرنّ في رأسي ساخرا .
و أنا كعادتي ؛
أمسك كفه بحنو زائد عن العادة البشرية ، و أضمها إلى كفي بعنف لين .
أنظر بعين الطفل المندهش إلى جسده المحطم و أهوي في جبّ لا قرار له .
كان جسدا مهدما لا ينبض بأسرار الحياة العذبة .
و كنت أتأمل صدره يعلو و ينخفض كأمواج رمال شاطئ عشقه ذات عمر ... أ كان يتمنى أن يدفن هناك ... ؟
تفاجئني نظرة شاحبة سرعان ما تنطفئ .
و إبتسامة مرهقة سرعان ما تزول .
و شفتان ترتعشان بعسر واضح سرعان ما تخمد .
و صوت منهك على غير ما عهدت سرعان ما يصمت .
كنت أتأمل أنفاسه المتصاعدة بتواتر بطيئ .
أ كان يغطّ في نوم عميق أم كان غائبا عن الوعي ... ؟!
أ كان يصغي إلى وقع أقدام المنية القادمة من العدم أم كان يستعدّ لمواجهة صمت القبور الكئيب ... ؟!
لا أعلم ... .
كلّ ما أعلمه أنه لم يرحل بعدُ ، وهذا ما يمسح بقايا دموع انحبست بمقلتي و علقت ... .
دموع حارقة انهمرت منذ قليل حين كنت فوق سطح البيت أناجي ربّ السموات مترجيا باكيا تارة و لاعنا شاتما تارة أخرى .

كعادتي ... ،
كنت أجلس بجواره شاردا صامتا .
أحرس جسدا عليلا تتربص به آلام حادّة بين الفينة و الأخرى . تمزق أحشاءه بعنف واضح .
كانت تجاعيد الزمن المشوه تغزو ملامحه ساخرة .
كانت أشباح المرض تلامس سحناته بغرور فاضح .
و كانت أشباح الموت الشهباء تتربص به كالذئاب الجائعة .
أ كانت تنتظر خروجي لتنقضّ على الجسد العليل و تعتق روحا طاهرة قيل بأن الله عشقها فابتلاها ليختبر صبر جسدها ... ؟!
كل يوم ... .
يتكدّس في أعماقي غضب عارم لا ينزاح .
أنزعج .
أتضايق .
أتجهم .
ثم أبكي بصمت .
هكذا ظلّ الخوف يسكن بيتنا .
و بقينا كلّ يوم نترقب سقوط الملك ... نترقب سقوط أبـي .

أغمض عيني ببطء .
و تنزّ دموع حارة على خدّي بقسوة .
وحدي الآن ، لا أسمع إلا هواجسي وهي تعلو و تحتدّ اللحظة بعد اللحظة .
وحدي الآن ، أذرع بحر الأحزان المتلاطم الأمواج على غير هدى .
وحدي الآن ، أغرق في وحشة صمت رجراج لا يقهر أبدا .

آه ... يا أبي
حكايتك مزقتني كمدا .
حاولت أن أرى وجهك الميت يا أبي . صرخت :
لن أسافر ... سأنقذك يا أبي .
أردت أن أقبل بياض جبينك الناصع يا أبي . بكيت :
دعوني أره ... دعوني .
حملتني الباخرة و شقت عباب البحر بهـدوء .
و لم أرى وجهك الخامد بعدُ ... لم أرك يا أبي .


Le 14 / 07 /2011
مهدي بـن سليمان
تونــس



#مهدي_بن_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لأننا فعلا عرب
- حقيقة قناة حنبعل و سياسة العار
- رسالة مباشرة إلى الشيخ الغنوشي
- إلى الدين
- 8 مارس اليوم العالمي للعورة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي بن سليمان - لم أرك يا أبي