أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - مميّز في عصره















المزيد.....

مميّز في عصره


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 1013 - 2004 / 11 / 10 - 11:23
المحور: القضية الفلسطينية
    


ليس مهم أين مكان دفن عرفات بعد أن يتوفاه الله – سيأتي يوم وستنقل حكومة فلسطين الحرة رفاته إلى الحرم الشريف، كما فعلنا نحن ونقلنا رفاة بنيامين زئيف هرتسل وزئيف جبوطنسكي إلى جبل هرتسل.

عرفات هو أحد أبرز الزعماء الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية.

لا يحدد منزلة الزعيم حجم إنجازاته فحسب، بل يحددها أيضا حجم العقبات الذي كان عليه اجتيازها، ومن هذه الناحية لا يوجد في العالم كله أي منافس لياسر عرفات: لم يتوجب على أي زعيم من أبناء عصره أن يواجه مثل هذه الاختبارات القاسية وأن يتغلب على مطبات جسيمة كما فعل هو.

حين اعتلى منصة التاريخ، في أواخر الخمسينيات، كان الشعب الفلسطيني أقرب إلى الانهيار. لقد شُطب اسم فلسطين من الخارطة الجغرافية والسياسية. إسرائيل، الأردن ومصر قسّمت فيما بينها البلاد. أما العالم فقد قرر أنه لا توجد وحدة وطنية فلسطينية متكتلة، وأن الشعب الفلسطيني لم يعد قائما، حاله حال شعوب الهنود الحمر في أمريكا – هذا إذا كان موجودا أصلا.

رغم أن العالم العربي قد واصل الحديث عن "القضية الفلسطينية" إلا أنها كانت تستخدم كرة تتقاذفها الأنظمة العربية. كل من هذه الأنظمة حاول تسديد هدف "القضية الفلسطينية"، لصالحه قامعا بذلك أي بصيص لمبادرة فلسطينية مستقلة قمعا تاما. معظم الفلسطينيين كانوا يقبعون تحت وطأة دكتاتوريات ساحقة ومعظمهم عانى من ظروف مذلة.

حين أسس ياسر عرفات، وكان في حينها مهندسا شابا في الكويت، "حركة التحرير الفلسطينية" (واختصارها "فتح" معكوسة)، كان قصده الأساسي من وراء ذلك تحرير شعبه من وطأة الحكام العرب، من خلال استعادة الشعب الفلسطيني قدرته على التحدث والعمل باسمه هو. لقد كانت هذه أول ثورة يقوم بها ذلك الرجل الذي أثار في حياته ثلاث ثورات كبيرة على الأقل.

لقد كانت هذه الثورة ثورة خطيرة جدا. لم يكن لدى فتح أية قاعدة مستقلة، وقد اضطرت إلى مزاولة نشاطاتها من الدول العربية حيث لوحق نشطاؤها هناك كثيرا. فعلى سبيل المثال، حين رفض عرفات ذات مرة الانصياع إلى أوامر الحاكم السوري المناوب، جزّت كافة قيادة الحركة، وعلى رأسهم عرفات، في السجن. أم جهاد، زوجة أبو جهاد، هي فقط التي ظلت خارج السجن وتولت قيادة المقاتلين.

لقد بلورت تلك السنوات أسلوب عرفات المميز. كان عليه المناورة بين الحكام العرب واستخدام كافة الخدع الممكنة والتصريح بأنصاف الحقائق وازدواجية الكلام، والتملص من الكمائن وتخطي المطبات. لقد تحوّل إلى متمرس دولي في مجال المناورات. بهذه الطريقة أنقذ الحركة في أيام ضعفها حتى تحوّلت إلى قوة هامة.

لقد تخوّف جمال عبد الناصر، الحاكم المصري الذي كان يعتبر بطل العالم العربي بأسره دون منازع، من مغبة ارتفاع شأن القوة الفلسطينية المستقلة. وبهدف وأدها قبل بلوغها، أقام جمال عبد الناصر "منظمة التحرير الفلسطينية" (م.ت.ف.) ونصّب أحمد شقيري، المرتزق السياسي، زعيما لها. إلا أنه بعد هزيمة الجيوش العربية المخجلة في حرب الأيام الستة (حزيران 1967) وبعد ما كان يبدو بمثابة نصر "مُكهرب" لفتح على الجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة (آذار 1968)، سيطرت فتح على منظمة التحرير الفلسطينية وتحوّل عرفات إلى زعيم لا منازع له للنضال الفلسطيني بأسره.

في منتصف الستينيات، أثار عرفات ثورته الثانية – النضال المسلّح ضد إسرائيل. لقد كانت النية في البداية مثيرة للسخرية تقريبا: مجموعة صغير من مقاتلي العصابات، من غير المدرّبين ودون أسلحة تقريبا، ضد القوة الضاربة التي كان يتمتّع بها الجيش الإسرائيلي. لم يكن ذلك على أرض جبلية وأودية وأدغال لا يمكن اجتيازها، بل كان في بلاد صغيرة ومسكونة. إلا أن هذا النضال قد طرح القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي. ويجب أن نقول بوضوح: لولا العمليات العسكرية الفتاكة لم يكن للعالم ليولي أهمية للشعب الفلسطيني الذي يتوق إلى الوجود والحرية.

نتيجة لذلك تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها "الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني" المتشتّت، وقد دعي عرفات، قبل ثلاثين سنة، لإلقاء خطابه التاريخي في الجمعية العامة للأمم المتحدة "أمسك بيدي الأولى بندقية، وفي الأخرى أمسك غصن زيتون..."

لقد كان النضال المسلّح بالنسبة لعرفات مجرّد وسيلة لا غير. لم يكن ذلك أيديولوجيا ولا هدفا بحد ذاته. لقد كان من الواضح له تماما بأن هذه الأداة، رغم كونها تساعده على بلورة الشعب الفلسطيني والحصول على اعتراف دولي، غير أنها لن تنتصر على إسرائيل.

لقد أدت حرب أكتوبر 1973 إلى تحوّل جديد في إدراكه للأمور، فقد رأى تقهقر الجيشين المصري والسوري بعد أن حققا انتصارا مثيرا، وفي نهاية الأمر كانت الغلبة للجيش الإسرائيلي. هذا الأمر أقنع عرفات نهائيا أنه من غير الممكن تحقيق الأهداف الفلسطينية بقوّة السلاح.

بسبب ذلك، فور انتهاء حرب أكتوبر، أثار عرفات ثورته الثالثة: لقد قرر أنه يتوجّب على منظمة التحرير الفلسطينية التوصّل إلى اتفاقية مع إسرائيل والاكتفاء بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط.

لقد وضعه هذا الأمر أمام مهمة تاريخية جديدة: إقناع الشعب الفلسطيني في التخلي عن موقفه التاريخي الذي أنكر وجود دولة إسرائيل والاكتفاء بإقامة دولة على 22% من مساحة فلسطين ما قبل عام 1948. رغم أنه لم يعلن ذلك بشكل واضح، فقد كان من الواضح أن معنى الأمر هو التخلي عن العودة غير المحدودة للاجئين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل.

لقد بدأ العمل على تحقيق هذا الهدف بأسلوبه الذاتي – بصبر، بعناد، وبمناوراته المعهودة، خطوتان إلى الأمام وخطوة واحدة إلى الوراء. تشهد على حجم هذه الثورة حقيقة كون منظمة التحرير الفلسطينية قد نشرت عام 1970 في بيروت كتابا، هاجمت فيه بشدة حل الدولتين (وقد سمّي هذا الحل في الكتاب "برنامج أفنيري"، لأنني كنت أبرز الداعين إلى هذا الحل).

يلزمنا العدل التاريخي بالقول بأن عرفات قد فكر باتفاقية أوسلو في وقت كان فيه إسحق رابين وشمعون بيرس ما زالا متشبثان "بالخيار الأردني" الذي لا أمل منه. كان عرفات هو الأكثر استحقاقا من بين الثلاثة الذين نالوا جائزة نوبل للسلام.

منذ عام 1974 وما تلاه شهدتُ جهودا جبارة بذلها عرفات ليحث شعبه على قبول هذا التوجه الجديد. خطوة فخطوة، قبِل المجلس الوطني الفلسطيني بهذا التوجه، ابتداء من قراره بإقامة سلطة فلسطينية "على كل جزء من أجزاء الوطن الذي سيتم تحريره من أيدي إسرائيل" وانتهاء بالقرار التاريخي من عام 1988 بإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.

لقد كانت مأساة عرفات (ومأساتنا) هي أنه مع اقترابه من الحل السلمي كانت تبتعد حكومات إسرائيل عنه. لقد كان الحد الأدنى من شروط عرفات، والتي لم تتغير منذ عام 1974 واضح جدا: دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ سيادة على القدس الشرقية (وبضمنها الحرم الشريف، باستثناء حائط المبكى والحي اليهودي)؛ إعادة الخط الأخضر إلى ما كان عليه، مع إمكانية تبادل مناطق محدودة ومتساوية؛ تفكيك كل المستوطنات في المنطقة الفلسطينية وحل قضية اللاجئين في إطار اتفاق مع إسرائيل. يرى الفلسطينيون في ذلك الحد الأدنى ولذلك لا يمكنهم التراجع عنه.

من الممكن جدا أن إسحق رابين كان قريبا من هذا الحل في أواخر حياته، حين أعلن في التلفزيون بأن عرفات هو "شريكي". كل من خلفه اعترض على ذلك. لم يكن بنيتهم التخلي عن المستوطنات، بل على العكس فقد أرادوا بتوسيعها دون توقّف. لقد عارضوا تحديد حدود ثابتة لأن نظرتهم الصهيونية كانت تتطلع إلى التوسّع المستمر. لذلك رأوا في عرفات عدوا خطرا وبذلوا كل ما في وسعهم لكسره، مستخدمين كل الوسائل ومن بينها حملة لم يسبق لها مثيل من التشويه الشخصي. هكذا فعلت غولدا مئير ("لا يوجد شيء يدعى شعب فلسطيني")، كذلك مناحيم بيغن ("حيوان يدب على اثنتين... ذلك الرجل ذو الشعر على الوجه... هتلر الفلسطيني)، هو الأمر بالنسبة لبنيامين نتنياهو وإيهود براك ("مزّقت القناع من على وجهه")، كذلك إرئيل شارون الذي حاول اغتياله في بيروت وواصل محاولاته منذ ذلك الحين.

لم يواجه أي مقاتل حركة تحرير في نصف القرن الماضي عقبات كبيرة كمثل التي واجهها عرفات. لم تقف في وجه الفلسطينيين دولة استعمارية ممقوتة أو أقلية عنصرية تثير السخط، بل دولة تمت إقامتها بعد الكارثة وأصبح العالم بأسره يشعر بالتأييد حيالها والإحساس بالذنب. يتفوّق المجتمع الإسرائيلي في كل المجالات، العسكري، الاقتصادي والتكنولوجي، على الشعب الفلسطيني بمئة ضعف. عندما توّجب على عرفات إقامة السلطة الفلسطينية، لم يستلم دولة نشطة كما فعل نلسون منديلا أو فيدل كاسترو، بل مناطق معزولة مساحاتها قليلة، حيث دمرت بنيتها التحتية بشكل منتهج في عشرات سنوات الاحتلال. لم يحظ عرفات بجمهور يسكن في أرضه بل حظي بشعب نصف أبنائه من اللاجئين الموزعين في العالم والنصف الآخر مؤلف من مجتمع ممزق من الناحية السياسية، الاقتصادية والدينية. كل ذلك يحدث في وقت تتواصل فيه حرب التحرير الفلسطينية.

إن ما يعتبر إنجازا تاريخيا لعرفات هو تمسكه بهذه الحزمة وجمعها وقيادتها لتحقيق هدفها في مثل هذه الظروف خطوة تلو الأخرى.

لكل رجل فذّ نواقصه. أحد نواقص عرفات هو ميله إلى اتخاذ القرارات بمفرده، وخاصة بعد أن قتل معظم شركاه. فقد حدثني ذات مرة أحد أبرز معارضيه: "هذا ليس ذنبه، فنحن المذنبون. لقد اعتدنا خلال عشرات السنوات الهروب من اتخاذ القرارات الحاسمة التي استوجبت شجاعة وإقداما. لقد قلنا دائما: فليقرر عرفات".

وقد قرر عرفات بالفعل. وكما يفعل زعيم حقيقي، مشى عرفات في العديد من المرات في طليعة القافلة، ليقود شعبه. هذا ما حدث في المواجهة مع الحكام العرب وحين تبنى النضال المسلّح، وكذلك عندما مد يد السلام إلى إسرائيل. يكنّ له شعبه بسبب هذه الشجاعة ثقة، احتراما ومودة تفوق كل الانتقادات.

إذا توفي عرفات، فستخسر إسرائيل عدوا كبيرا كان مستعدا أن يكون شريكا وحليفا.

مع مرور السنين زادت وتعاظمت مكانة عرفات في ذاكرة التاريخ.

أما بالنسبة لي: لقد قدّرت عرفات كوطنيّ فلسطيني، أعجبت بشجاعته وفهمت الاضطرارات التي كان عليه المناورة فيما بينها، ورأيت فيه شريكا لبناء مستقبل جديد لشعبينا واحترمته كإنسان.

وكما قال هملت: "لقد كان إنسانا في آخر الأمر، لن أرى في حياتي مثيلا له".



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنهى دوره
- على طريق حرب أهلية
- شكرا لك، يا دوبي
- لا تصدقوا كلمة واحدة
- كل البيض في سلة واحدة
- مفجرو المساجد
- هذه إرادة الله!-
- على اللاعنف السلام
- حرب أحادية الجانب تماما
- قحط في تكساس
- ترتيب الفوضى
- الأوليغارخيون أو: البتول التي تدهورت إلى الزنى
- جلد الدب
- الرجل الطيب والسيدة العجوز
- حقا هناك قضاة في هاغ
- العدل، الغاز والدموع
- ذهب الزرزور إلى الغراب…-
- أضرار نفسية غير مرتجعة
- فليشربوا من بحر غزة
- طومي والجدة


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - مميّز في عصره