أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عبد العزيز - بابا انتحر من أجل أمى















المزيد.....

بابا انتحر من أجل أمى


حسين عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 3360 - 2011 / 5 / 9 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


كل أحداث هذه القصة حقيقية .. ما عدى الأسماء وبعض الأحداث البسيطة التى وجدت أن أغيرها كى تستقيم القصة أو بمعنى أدق الحادثة وجدتها مسجلة على شريط كاسيت وكنت قد وجدته بالصدفة البحتة ملقى بجوار أحد الكراسى فى محطة مترو الأنفاق (محطة أنور السادات) الواقعة فى ميدان التحرير أو ميدان السادات.
والآن ندير شريط الكاسيت.
أنا اسمى هويده وقد وعيت على أحداث الحياة المتلاحقة وأنا صغيرة فالمشاكل التى كانت بين أبى وأمى أعرفها أول بأول بخلاف أحداث البلد والحرب والعالم والتى كانت أبى يأت بها إلينا وكأننا ناقصين حزن أو لغرض آخر داخل أبى من أجل أن يكسو البيت بالحزن وهو بهذا عمل جاهدا على عدم دخول الفرح الى البيت لسبب لا يعلمه إلا الله وأمى.
وابى ولد فى أحد مدن القنال وبالتحديد فى مدينة الاسماعيلية وقد هاجر مع أمه وأبيه بعد أحداث حزيران 67 وبعد أن وصلا الى احد قرى مدينة السنبلاوين – مات أبى
بسبب الحزن من الحرب واليأس من الهزيمة والهزيمة تعنى الانكسار وتجبر العدو على الفطرسة والتجبر وكرهيته أكثر مما هو مكروه فهو مكروه لذاته وليست لأسباب أخرى مهم حاول البعض تجميل الصورة التى تبدو دائما مقلوبة وبها شرخ بل شروخ فيجعل الرؤية المريحة للعين شئ صعب للغاية.
وبموت جدى أصبحت جدتى هى المسؤولة عن ابنها عطوة والذى لم تبلغ الخامسة عشر وقد فقدت الأمل تماما فى أن تصل الى مكان أبنها الذى يعمل فى القاهرة منذ سنة 1961 وقيل أنه فى منصب مرموق – هذا الآن الذى يبدو انه وجد فى المنصب والمال والمكان الذي يتحرك له – غنى به أهله وجذوره – استغناء كامل عن الأهل .. وهذا لا يمكن أن يكون حال الدنيا.
فبدأت تذهب الى حقول القرية تزرع القطن والأرز ثم تجنى القطن وتحصد الأرز ولم وجدت إن لديها ثورة نقدية تقدر بـ عشرة جنيهات. أخذت تذهب الى مدينة المنصورة كل أسبوع تشترى بضاعة وتبيعها لأهل القرية وعطوة يبكر ويعى ويحس ويفهم ويغضب ويحسد ويبكى عندما تمرض أمه ولا يجد أحد يقدم لها العون ويلعن عطوة كل شئ وأمة تموت أمامه وهو غير قادر علي فعل شيء غير أن يخرج ليدق باب الجيران طلباً منهم العون ويؤكد لنفسه أنه لو وجد أخيه الآن أمامه وقدم دمه والأمل والعلاج – لقتله ودفنه فى مكانه لكنه من حسن حظة لم يجد أخيه وإنما وجد أمامه الحاج محمد محمود فأسرع معه الى أمه وبسرعه يطلب أبنه ويأمره بأن يسرع الى السنبلاوين ويأتى بطبيب لجدتى لكن قبل أن يأتى الطبيب كانت جدتى قد ذهبت الى أبى وأخذت وبقيت أنظر الى الحاج محمود وهو يغطى جدتى ببطانية ثم أخذنى الى بيته وأجلسنى مع أولاده بعد أن كنت جائع .. لكنى لم أتناول أى طعام قط.
- واجده يخرج بعد فترة طويلة قضتها لوحدى أنظ الى صنية الأكل.. ولا أجد رغبه فى تناول الطعام .. وإنما أجد مكانها رغبة مشاهدة صورتى منعكسه على سطح الصينية أو حتى أن مازلت أجد أنفي فى مكانه الطبيعى ولم ينقل من مكانه بسبب الحزن واليأس الذى يبدو انى خلقت من أجله ولا أمل فى يتركنى الحزن واليأس فى حالى. ويذهب الى أحد غيرى بحلته ويفعل به ما يحلو له بعيدا عنى.
- أخذنى معه مسجد القرية كى نصلى على أمى وحمدت الله على أن الامام شرح لنا كيفية صلاة الجنازة لأن هذه أول مرة فى حياتى أصلى فيها فى جنازة.
- حاولت أن اشارك فى حمل النعش لكنى لم اقدر فوطعت يدى اليمنى على النعش الذى يحمله بعض شباب القرية وتقريبا كل القرية كانت تشارك فى الجنازة. (اللهم ارحمها .. اللهم ثبتها عن السؤال .. اللهم أنر عليها قبرها) هكذا أخذت أدعولها الى أن وصلنا الى المقابر.
- وتحديداً الى المقبرة التى تركد فيها جدتى وقف المشيعون ورفعوا غطاء النعش فنظرت الى أمى الملفوفة فى قماش ناعم حاولت أن اقبلها وساعدنى أحدهم بأن ازح بعض الشباب الواقف حول النعش ورفعنى وقبلت أمى – ثم حملوها الى داخل القبر ويأخذها منهم راجل داخل القبر وأخذ يضعها .. ويمارس عمله .. وجلست وأحدهم أخذ يخطب فى الواقفون أمام القبر؟
- كانت لحظة قاسية جداً وأقسى من ايام 1967 فى مدن القنال خرجت من المقابر وأنا اسير وسط الحاج محمد محمود وأبنه محسن كبير أو كبير وأنا لا أفكر فى شيء لان رأسي ليس به أى شيء.
- تزوج أبى من قتاة جميلة جداً – لم يقل له أحد تزوجها أما هى فتزوجته لأنها تريد رجلا – هى أمراة جميلة وهى تعلم أنها جميلة وتلك مصيبة لم يكن يعلمها أبى الذى فى الأصل رجل بائس خرج من حزيران إلى ساقته الأقدار تلك الفتاة التى تزوجها وأنجبا ثلاث بنات وولد والحياة صعبة على أبى الذى هو فى الأصل غريب فلا أرض ولا ميراث .. ولا شيء يعتمد عليه غير قوته العضلية لكى تبيعها فى احدى الليالى الحميمة بين أبى وأمى اقترحت أمى على ابى أن نذهب الى المنصورة لكى تشترى أى بضاعة ولتكن خضار لكى تبيعها الى ناس البلد لم يرد أبى بالموافقة أو الرفض وكان سكوته حيرة ويأس من شيئا ما فى الصباح خرج أى دوار المواشى الذي يعمل به عند الحاج مجر - وأمى اتجهت الى المنصورة وعادت قبل الظهر ومعها شوال بطاطس وقفص طماطم وقفص برتقال ووضعت هذه الأشياء أمام الدار وبسرعة اتجهت الى دار الحاج حسن القصبى لكى تأخذ الميزان بتعهم لغاية ماربنا يكرمها ويفتح عليها بعد المغرب بقليل فى نفس اليوم الأول لعمل أمى بالتجارة عاد أبى من عمله منهك القوى والنفس فاستقبلته أمى بفرحه عارمة وبشتره بقدم الخير الذى بلا حد لم لم يرد أبى بأى الكلام ولم يتناول الطعام وراح فى النوم لأن النوم مضاد حيوى للتعب.
- مر أسبوع – مر شهر والحال على الوضع وفى عصرية أحد أيام الخريف عاد أبى من عمله ولاحظ وهو يقترب من الدار ومن مكان أمى أن هناك ثلاث رجال واقفة تشترى من أمى فاكهة وهى لم نلاحظ ان فتحة صدرها مكشفة وان الراجل واقفه تحدق فى صدرها واشتاط ابى نارا ودخل الدار مسرعا ناديا علىَّ بقولك انتى يا بنت يجاموسة اندهى لأمك بنت الكلب اللى بره دى.
- وقبل أن أخرج من الدار كى انادى على أمى وجدتها امامى تزعق فى ابى بقولها "فيه ايه يا راجل طفشت الزباين بصوتك العالى"
- روحى انت طالق
- لم تنطق امى بأى كلمه ولم تدمع عينيها .. وخرجت من الدار دون أى حزن وبعد ثلاثة أيام عادت إلى بيتها وإلى تجارتها بعد أن تدخل أولاد الحلال وصلحوا ابى وأمى وبعد كام شهر وقع الطلاق التانى بسبب نفس المشكلة ولنفس الفهم وبعد اسبوعين عادت امى الى دارها وبعد اقل من بضعة شهور وقع الطلاق الثالث لنفس السبب ولنفس الفهم وهنا كانت اطامة الكبرى لأبى لأن امى كانت نقطة ضعفة التى لا يعيها ولا يعرف كيف يتغلب عليها ويروضها لصالحة وهنا كان لابد من حل والحل كان فى المحلل وامى رافضه تاما لفكرة المحلل والعودة لأبى رغم محاولات أولاد الحلال تزوجت أمى من رجل آخر فطار عقل أبى كلما راها ذاهبه الى السوق فيجرى وراها وهى راكبة عربية زوجها فيضربه زوج أمى بالعصاية التى يضرب بها الحمارة .
- اقول هذا وأنا ابكى والدمع فى عينى حجر لا يريد ان يتحرك ويريح مقلتى فضرب زوج امى لأبى جعله يتأكد انها راحت منه .. ولأن تعود مهما فعل من مناورات وإن لو اعلن حرب كالسادس من أكتوبر فلن تعود إليه كما عادت سيناء لمصر .. حزين يأبى .. ضاع كل شئ من بين يدك فعاد الى الدار يجر حزن وخيبة العمر كله .. اغلقها على نفسه وهو لا يدرى بنفسه ولا أحد يدرى به – فهو اصبح فى هذه الدنيا عاريا من كل شئ فلا عائلة ولا حكايات عن العائلة يستمد منها الأمل والقوى ليوما اسود لم يأتى بعد.
- فى عصر اليوم التالى عندما ذهب ابن الحاج لكى يرى ليه ابى لم يروح الى الدوار فوجده مشنوقا وبعد صلاة العشاء كلن مدفوناً؟!



#حسين_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من حفيد محجوب عبد الدايم إلى نجيب محفوظ
- الموسيقار زرياب نهاوند
- أمير الظرفاء/ كامل الشناوى يتحدث عن نفسه؟!
- جناية محمود السعدني على نادر أبو الغيط
- بطل نجيب محفوظ/ صابر الرحيمى يجد أبيه فى ميدان التحرير؟
- المهدى


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عبد العزيز - بابا انتحر من أجل أمى