أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل عبد العاطي - ثلاثية الهزيمة والمؤامرة والصمود:في اسباب وخلفيات اعتقال العميد عبدالعزيز خالد















المزيد.....


ثلاثية الهزيمة والمؤامرة والصمود:في اسباب وخلفيات اعتقال العميد عبدالعزيز خالد


عادل عبد العاطي

الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 08:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مدخل:
يقبع العميد عبدالعزيز خالد؛ رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني؛ وعضو هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي؛ تحت الاعتقال غير القانوني والجائر الذي نفذ بحقه؛ في سجون دولة الامارات العربية المتحدة لمدة اكثر من شهر من الزمان. تحتجز دولة الامارات العميد خالد؛ وهو احد اشهر قادة المعارضة السودانية في الخارج؛ والرجل الذي ارتفع اسمه في ساحة العمل الوطني طوال حقبة التسعينات؛ عند قيادته لقوات التحالف السودانية التي نشطت علي الحدود الشرقية والجنوبية الشرقية للسودان؛ بناءا علي مذكرة ضعيفة من النظام مررها عبر الانتربول العربي؛ في ممارسة تخرق كل القوانين والمواثيق الدولية؛ بما فيها قوانين الانتربول نفسه.
ان العميد خالد يبدو انه ما ان يخرج من ازمة حتى يقع في اخري؛ فلمدة عدة اشهر منذ يناير وحتي مايو من العام الجاري كان الرجل محتجزا في مدينة اسمرا؛ منزوع عنه جوازه وممنوع من الحركة والسفر خارجها؛ يتعرض رفاقه وانصاره للمحاصرة والمطاردة والتهديد من قبل النظام الارتري؛ وتوجه له اقسي الاتهامات وتمارس ضده ابشع حملات اغتيال الشخصية من قبل رفاقه السابقين؛ في ممارسات غير مسبوقة في العمل السياسي السوداني.
إننا في ظل استمرار دولة الامارات في احتجازه غير القانوني؛ وتهديدها واعلانها انها ستسلمه الي نظام الخرطوم الدموي؛ وفي ظل النهش المستمر للحم الرجل من قبل بعض رفاق الامس؛ وعلي خلفية العجز الكامل لتحالف المعارضة الذي يضم تنظيمه: التجمع الوطني السوداني عن اطلاق سراحه او المساهمة الجادة في ذلك؛ بل تفاوض ذلك التجمع مع النظام في نفس الوقت الذي يهدد احد قادته خطر التسليم لايادي تحقد عليه ولا تقبل غير موته؛ نحاول ان نحلل هنا خلفيات المؤامرة التي يتعرض لها الرجل؛ وعلاقتها بمنطق والهزيمة المؤامرة والصمود؛ وهي العوامل التي تتخلل السياسية السودانية وتتقاطع فيها؛ وتكاد تصبح بعض مشاهدها وعواملها الثابتة.

في جدلية الهزيمة والصمود:
يحفل التاريخ الوطني السوداني؛ بسير عظيمة لرجال ونساء انهزمن في ميدان المعركة الوطنية؛ وذلك حين ناضلوا في ظل ظروف غير مؤاتية؛ ودحلوا في معارك بدأ انها غير ممكن الانتصار فيها؛ بل وانهزموا وقضوا اما في السجون او في ميدان المعركة او علي اعواد المشانق. ولكن هؤلاء الرجال والنساء رغم الهزيمة الظاهرية انتصروا في معركتهم؛ بما سجلوه من آيات المقاومة والصمود؛ والتي حفظها لهم التاريخ؛ واصبحت مصدرا لا ينفد لاستمراية الحلم والفعل السوداني المستديم؛ والذي ينتظر التحقيق لا يزال؛ من اجل واقع افضل للانسان والمواطن.
من هؤلاء الرجال والنساء نذكر في خلال المائة عام ونيف الاخيرة؛ ابطال الثورة المهدية الذين واجهوا الخصم الانجليزي- المصري في شجاعة نادرة وصمود يشبه الاساطير؛ وحصدوا بالالاف في معارك غير متكافئة في كرري والدبيكرات؛ وقضي قادتهم في ميدان المعارك او في السجون؛ كالخليفة عبدالله التعايشي والامير محمود ود احمد والامير عثمان دقنة.
كما ندكر الصمود الاسطوري للسلطان بحر الدين سلطان المساليت؛ في مواجهة الالة الاستعمارية الفرنسية في غرب البلاد؛ والتي واجهها طوال سنوات هذا السلطان المقاتل؛ كما نذكر صمود السلطان علي دينار في مرتفعات جبل مرة؛ وبقاء سلطنته كجزيرة مستقلة طوال عقدين من الزمان في القرن العشرين وسط موج استعماري متلاطم؛ حتي اجهزت عليها ضربات المستعمر الغاشم.
كما سجل ابطال الانتفاضات الوطنية المتتالية ضد المستعمر الانجليزي آياتا في الصمود حولت هزائمهم المتتالية الي انتصارات في أعين الشعب والتاريخ؛ فكان من ذلك انتفاضة السلطان عجبنا في جبال النوبة؛ وانتفاضة عبدالقادر ود حبوبة في ديار الحلاويين؛ وانتفاضات اولاد دينق وسط الدينكا؛ وانتفاضات سلاطين ومكوك الشلك والنوير والزاندي وغيرها في جنوب البلاد.
اما في وسط القوي الجديدة؛ فقد كانت ثورة العام 1924 مثالا ساطعا علي النصر الخارج من رحم الهزيمة؛ والصمود الذي يهزم المت؛ و لا تزال صورة عبد الفضيل الماظ الذي هد مستشفي المهر فوقه وهو يقاتل باقية في الاذهان ومشعلة للوجدان؛ أما قادة الثورة مثل علي عبداللطيف وعبيد حاج الامين فقد احتجزوا لعشرات السنين في السجون؛ واغتيل الثاني في السجن في عام 1933؛ بينما توفي علي عبداللطيف في 1948 بعد 24 عاما في الاغلال؛ وزوجته تبحث عن وسيلة لاطلاق سراحه طوال السنين؛ بينما قادة الاحزاب السودانية مشغولين عنه بالتهريج السياسي وعبادة الطائفيين.
وفي عهد الدولة بعد الكولانيالية فقد سجل السودانيين والسودانيات ملاحما من الانتصار عبر الصمود؛ والانتصار رغم الهزيمة الظاهرية؛ من ذلك نذكر استشهاد الزعيم وليم دينق في الستنيات؛ بينما لا تزال قضيته باقية؛ وفي اوائل السبعينات كان استشهاد عبدالخالق محجوب ورافقه وصمودهم امام اعواد المشانق وزخات الرصاص؛ انتصارا علي الموت والجلاد والهزيمة؛ اما ابتسامة محمود محمد طه علي درج المشنقة في 1985 ؛ فسوف تبقي ابد الدهر رمزا علي انتصار الروح العظيمة علي الاقزام؛ وفيها خط الاستاذ محمود نصره باحرف من نور؛ وطمس بها وجه المنتصرين المزعومين الي ابد الدهر.
غير ذلك لا نننسي عشرات الاف الشهداء والضحايا في الحروب والانتفاضات الوطنية والاف من المناضلين في طريق الحرية والعدالة؛ والذين قضوا نحبهم او فقدوا حريتهم او بترت اطرافهم؛ ولكنهم زرعوا روح النصر عالية ر تنهزم؛ كما لا ننسي الصمود الاسطوري للمواطن السوداني البسيط امام شظف العيش ولؤم الطبيعة وعداء الحاكمين له؛ وهو صمود يعبر عن شعلة الحياة التي لا تنطفئ؛ في مواجهة ظروف قاهرة تعمل علي نشر الموت والهزيمة.
ان يواجه عبدالعزيز خالد اليوم بالصمود امواج الهزيمة المتلاحقة والمتلاطمة؛ فانه يغترف من معين لا ينضب؛ حفره قبله ابناء الشعب وابطاله وقياداته؛ وان يصمد مؤسس معسكر الماظ وقائد قوات التحالف التي واجهت الدكتاتورية في اكثر السنين حلكة؛ في سجون واعتقالات المخصيين من الديكتاتوريين والشيوخ؛ فانه يواصل دربا عبّده غيره؛ ويكتب اسمه باحرف من ذهب؛ في سجل الوطنية السودانية؛ وفي دفتر الصمود الانساني المستدام؛ رغم عسف الظروف والايام.

في سيرة الهزيمة:
لا شك ان اعتقال عبدالعزيز خالد الحالي؛ انما هو نتاج مباشر لهزيمة المشروع الذي طرحه الرجل؛ وحمل لواءه لمدة عشر سنوات؛ وهو مشروع التحالف ومشروع السودان الجديد وبناء قيادة سياسية جديدة تخرج السودان من نار العقائديين ورمضاء الطائفيين؛ وهي هزيمة نتمني ان نتوفر لها يوما بالتحليل والتدقيق في اكثر من هذه العجالة.
نقول ان هذا المشروع قد انهزم؛ لان اداته الرئيسية قد سقطت؛ فقوات التحالف السودانية يقبع فسمها الاكبر الآن في معسكرات الذل في يارنجا في اثيوبيا؛ وذلك بعد هزيمتها في جنوب النيل الازرق في عام 2001؛ الامرالذي تم بعد خمس سنوات من الصمود الجميل؛ من بينها ثلاثة سنوات تحت ظروف الحصار التام واللانساني؛ حيث كان اثنين الفا من المقاتلين وعشرون الفا من المواطنين محاصرين من قبل عدة الاف من جنود النظام من جهة والقوات الاثيوبية من جهة اخري؛ دون تموين ولا سلاح الا العزيمة وارادة الصمود؛ حيث قضي بعضهم جوعا بعد ان اكلوا حشرات الارض وحشائشها.
اما القسم الثاني من قوات التحالف؛ فهو يقبع تحت الحصار الارتري؛ وتتعرض كوادره للمطاردة والاذلال والتعذيب؛ ويعتقل البعض منهم ويستغلوا سخرة في مزارع الجيش الارتري؛ بينما قادتهم مبعدون او معتقلون في القطاطي؛ ويتسلل بعضهم الاخر الي السودان لكيما يقعوا في قبضة مخابرات النظام؛ فهم بين مطاردة الحليف السابق وتشفي ومؤامرات العدو الاصيل؛ كالمستجير من الرمضاء بالنار.
اما الجناح السياسي للتنظيم؛ فقد تفرق شذر مذر؛ وذلك بعد ان انقلب رفاق الامس علي بعضهم بعضا؛ وولغوا في دماء بعضهم؛ ونهشوا لحم من اقتسموا معهم الخبز والماء؛ وكأن غرضهم هو التدمير الذاتي الكامل للتنظيم؛ ويا له من هدف غير نبيل؛ وقد حققوه بجدارة يحسدون عليها؛ فلا طوبي لهم. اما رفاق الطريق السابقون والمتسلقون والانتهازيون؛ ممن تعلقوا بعبد العزيز خالد في يوم من الايام؛ عنمدا ظنوا انه طريقهم السهل الي المجد والسلطة؛ فقد اولوه ظهرهم وانصرفوا الي حال سبيلهم؛ بحثا عن سلالم جديدة يصعدوا عليها في طريقهم الي الثروة والنفوذ.
وانهزم مشروع السودان الجديد عندما فشل اصحابه ان يجعلوا منه برنامجا للنضال؛ و ان يحولوه من حيز الشعارات الي حيز التطبيق والبرامج التفصيلية؛ وعندما تحول الي شعار من لا شعار له؛ وابتذل من قبل تجار الحرب وسدنة وانتهازيي السياسة السودانية؛ واغرق في وحل المؤامرات والموازنات والكذب الحقير؛ وجُعل منه طريقا لاسؤا الصفقات السياسية في تاريخ السودان.
ان شعار السودان الجديد قد سقط وقد اثبت انه لا يقل في عموميته وغموضه وامكانية استغلاله عن شعار الشريعة الاسلامية او الجمهورية الاسلامية او نهج الصحوة او غيرها من الشعارات الزائفة لقوي اليمين؛ وخُذلت مرة اخري الجماهير السودانية في شعار السودان الجديد التي ظنت لوهلة انه يمكن ان يحقق لها خروجا من الازمة؛ فاوصلها المتاجرون بهذا الشعار من جديد الي النفق المظلم للسودان القديم بكل لؤمه وسياساته الانتهازية والانانية وبنيته المريضة المشوهة.
كما انهزمت الي حين الدعوة الي بروز قيادة سياسية جديدة؛ لا طائفية ولا عقائدية؛ تخرج من صلب الشعب السوداني وتلتزم مبدئيا بقضاياه؛ وتبني طريقها عبر العمل مع الجماهير وعبر طرح نموذج جديد للعمل العام. لقد ظنت الجماهير السودانية المستنيرة لبرهة ان العميد عبدالعزيز خالد يمكن ان يكون نموذج لمثل هذا القائد البديل؛ وتعلقت به افئدة وعقول الآلاف من الشباب والنشطين؛ ووثقوا به ووضعوا ارواحهم ومصيرهم بين يديه؛ ولكن نموذج القيادة القديمة قد كان اقوي؛ وما كان مسموحا لعبد العزيز خالد او غيره ان يخرج عن النموذج القيادي العشائري الطائفي الديناصوري الذي افرز الخراب؛ ولا يزال يقبع ممثلوه علي صدر شعبنا.
هل عبدالعزيز خالد برئ من المسؤولية عن تلك الهزائم الساحقة؟ كلا ولا يعقل ذلك؛ بل هو في القلب من تلك المسؤولية التاريخية. لقد قلنا هذا من قبل ونكرره اليوم؛ ولكننا نقول ذلك بمسؤولية وشفافية الثوريين لا بتشفي المخذلين وانتقام المجرمين. لكن كما ان للنصر اباء عديدين؛ فان للهزيمة اباء عديدين؛ ومع عبدالعزيز خالد يقف الكثيرون مسؤولين عن هذه الهزيمة؛ والتي لا نبرئ منها انفسنا ايضا؛ كما يبرئ انفسهم تجار السياسة والانتهازيين ومعدومي المواقف الوالغين اليوم في دماء هذا الاسد الجريح.
واذا كانت حلقات الهزيمة قد اكتملت؛ فانها لا تكفي اعداء المواطن السوداني من نظام فاشي وقوي قديمة متعفنة وانتهازيين ومبيوعين؛ ولا اعداءه الخارجيين من الصعاليك المغامرين وانظمة ملوك الطوائف المتعفنة؛ حيث يجب اكمال العمل وقتل المجروح والاجهاز عليه تماما؛ وليس ذلك لشخصه وانما لغرض التدمير الكامل والماحق لرمز الجديد وصورة تلك الامال التي عبر عنها عبدالعزيز خالد يوما ما بالنسبة للجماهير؛ لذا فقد كانت المؤامرة بابا جديدا في سيرورة الثلاثية العتيقة.

في سيرة المؤامرة:
لم يكن للاماراتيين ولا غيرهم ان يعتقلوا عبدالعزيز خالد وقت كان له ثلاثة الاف مقاتل او يزيد؛ وما كان لهم ان يعتقلوه عندما كان يستقبل استقبال رجال الدولة في عواصم العالم الرئيسية. ولكنه اليوم اذ اعتقله لشهور واذله قادة دولة قزمة ميكرسكوبية هي ارتريا؛ ونهض عليه بالسكاكين والحجارة وساقط القول رفاق الامس؛ وتخلي عنه الحلفاء – الاعداء من سدنة المعارضة السودانية؛ فلماذا لا يعتقله الاماراتيون تحقيقا للمؤامرة؛ ومشاركة في لعبة سياسات الانظمة القذرة التي لا تعرف الا منطق القوة؛ ولا تفهم شيئا في منطق القانون او الشرف؟
ان المؤامرة علي عبد العزيز خالد لم تبتدئ اليوم ولن تنتهي اليوم؛ بل هي مستمرة منذ اليوم الاول الذي اعلن فيه الخروج من عباءة السياسة التقليدية السودانية؛ عندما انشق علي القيادة الشرعية للقوات النظامية؛ هذا الجسد البيروقراطي النترهل؛ واعلن انطلاقة قوات التحالف السودانية والسير في طريق جديد؛ هو طريق الانتفاضة الشعبية المسلحة سبيلا لانقاذ النظام.
لقد ارتاع النظام جدا من هذا الخطر؛ وعكس ما يري البعض من ان النظام قد ضخم من حجم عبدالعزيز خالد لانه كان يري قلة خطره؛ فاننا نزعم ان النظام قد ارتاع من عبدالعزيز خالد لانه كان يعرف حجم الامكانيات الكامنة في حركته؛ وما يمكن ان تحدثه من تحول جوهري في السياسة السودانية؛ لذلك فقد هاجم اقطاب النظام وعادوا العميد خالد طوال التسعينات باكثر مما عادوا اي قائد سياسي آخر.
اما سدنة وكهنة وتجار السياسة السودانية من الطائفيين والعقائديين؛ فقد انتبهوا لهذا الخطر العظيم وحاولوا وأده في مهده؛ وكلنا نذكر الهجوم العنيف علي الرجل وتنظيمه فغي منتصف التسعينات من قبل حزب الامة وقتها؛ كما نذكر تشنيع الشيوعيين عليه؛ ونعلم كيف بذلت الاموال وكيف سودت الصحف املا في تحطيم تلك الحركة الفتية واغتيال شخصية الرجل.
واذ تجاوز عبدالعزيز خالد وقوات التحالف مرحلة العداء الاولي تلك؛ فانهم قد اتوه من باب آخر؛ وهو باب الاحتضان والاستغلال والافساد؛ فكان ان انضم خالد وتنظيمه الي التجمع الوطني الديمقراطي في عام 1995؛ وذابت استقلاليته في خضم ذلك التجمع الهلامي الانتهازي؛ وبدأ تجار السياسة بالمتاجرة بتضحيات الشهداء والجرحي من قوات التحالف وغيرها من التنظيمات المقاتلة؛ فكان الامر كأن الخيل تجقلب والشكر لي حماد.
ثم لما شعر دهاقنة السودان القديم ان هذا لا يكفي؛ وان الارض تميد من تحت اقدامهم اخرجوا عصيهم؛ فخرج الصادق المهدي للخارج لافساد ما تم من جديد وما توصل اليه الناس من طريق للنضال في عملية "تُخرِّبون"؛ وانشأت تنظيمات التجمع حركات عسكرية تسحب بها البساط من تحت اقدام العميد خالد؛ فكانت قوات الفتح وجيش تحرير الامة ومقاتلي الجبهة الديمقراطية "مجد"؛ وغيرها من التنظيمات التي انشات لغير غرض القتال؛ وسميت علي غير اسم الشعب والنضال؛ ثم ذبحت لما استنفدت اغراضها؛ رغم تضحيات منتسبيها وايمانهم العظيم بالقضية ودمائهم الطاهرة التي سكبت سدى قربانا للزعماء الانتهازيين.
ان التجمع قد افسد قوات التحالف لا محالة؛ ودفع العميد ورفاقه الي الصالونات حيث يسهل استقطابهم واستغلالهم وافسادهم؛ وانخدعت قوات التحالف وقيادتها بالتجمع؛ رغم الرفض والاحتقار الذي يلاقيه الاخير من قبل الواعيين من المواطنين؛ ورغم تحذيرات الوطنيين من اعضاء قوات التحالف وغيرهم. ليس غريبا اذن ان كان لدهاقنة التجمع الوطني الديمقراطي يد قذرة في كل انقسامات التحالف وازماته؛ وان يتركوا اليوم عبدالعزيز خالد لمصيره؛ فقد كان خصما لهم اعتبروه عدوا؛ ورغم تحالفهم الكاذب معه فقد كانوا يتامروا عليه بليل؛ ولا يزالون.
اما القوي الاقليمية والعالمية فقد ظنت انها يمكن ان تستخدم الرجل وتنظيمه كمخلب قط لتنفيذ اجندتها الخاصة. في ذلك فقد كان قصب السبق لنظام اسياس افورقي المغامر الجاثم علي صدر الشعب الارتري الكريم. لقد دعم نظام افورقي قوات التحالف وبعض اطراف المعارضة السودانية بحثا عن مصالحه المغامرة الخاصة؛ وما كان يقبل باي شكل من اشكال الاستقلالية والوطنية السودانية؛ وكذلك كان موقف الاثيوبيون والمصريون وهلمجرا. ان واقع قوات التحالف في معسكرات الذل في اثيوبيا وما تم للعميد خالد وانصاره في ارتريا يقف ابلغ برهان علي حجم التآمر الخارجي وعنفه؛ عندما يحاول الوطنيون تنفيذ اجندتهم الخاصة؛ لا اجندة الغير.
ان مؤامرات النظام والتجمع والاطراف الخارجية ضد خالد لا تنتهي؛ فكلنا نتذكر محاولة تسليم خالد للخرطوم قبل سنوات؛ عندما اقلعت الطائة المصرية التي كان يستقلها الي الخرطوم بدلا من شرق افريقيا؛ فما كان منه الا ان اجبر قائدها علي الهبوط؛ فيما زعم لاحقا انه كان خطأ فنيا من الطيار. وقد راينا بالامس كيف اتفقت الاطراف الثلاثة عليه حين اظهرت وثيقة مزورة زعمت انها وصل استلام لاموال من طرف النظام لشخصه. اعدت هذه الوثيقة المزورة من قبل امن النظام؛ ونشرها للعلن دهاقنة التجمع؛ ويتم المتاجرة بها من اسمرا من قبل بعض المؤتمرين باوامر النظام الارتري خوفا او طمعا؛ فانظر كيف يجمع الحقد ورغبة تحطيم الجديد كل المتناقضين والمتناقضات؟
ان اعتقال عبدالعزيز خالد انما تم عبر استدراج محكم؛ حيث لم يرسل الانتربول العربي وثيقة طلبه للقاهرة مثلا؛ حتي يعرف العميد بابعاد المؤامرة؛ وانما ارسلت لتلك الدول التي ظنوا انه فيها مكسور الجناح وغير ذي قوة؛ حتي يتم اخذه فيها علي حين غرة. ان موقف السوريين هنا لا يحتاج الي نقاش ؛ فهم حلفاء النظامين الارتري والسوداني؛ ونظامهم من دهاقنة انظمة الدكتاتورية والارهاب في المنطقة؛ وحكايات تآمره علي الوطنيين من كل دول العالم لها اول وليس لها اخر؛ ففيم العجب ان يتامروا علي وطني سوداني هذه المرة؟
اما موقف التجمع المتخاذل فانه وصمة عار علي جبين هؤلاء الي نهاية الدهر؛ وليس غريبا علي من وضع نفسه مطية لانظمة قهرية وديكتاتورية؛ وممن خرب النضال الوطني السوداني؛ ان يترك الرجل لحاله وان يشمت فيه؛ فهو مع ما عليه من هزيمة يشكل خطرا محتملا يمكن ان يظهر لهم ذات يوم؛ فلم لا يتركوا خصمهم الذي يحاوروه في القاهرة ينفذ عنهم مهمة تحطيمه؛ فيما يدعوا هم زورا انهم متضامنون معه ومع قضيته؟
الحركة الشعبية لتحرير السودان وقائدها ايضا يبدوان سعيدان بما تم؛ حيث لم نرصد لهما اي تحرك لاطلاق سراح الرجل؛ وكيف يفعلوا والرجل قد شكل لهم ذات يوم منافسا سياسيا قويا؛ وكاد ان ينزع شعار السودان الجديد من بين ايديهم؟ وكيف لهم ان يسندوه وهو رافض للصفقة الجارية علي قدم وساق بينهم وبين النظام؛ وكيف لهم ان يسندوه وهو قد رفض ان يخضع لزعميمهم رغم ضغط الحلفاء والرفاق؛ وان ينضم له دون قيد او شرط كما اراد جون قرنق من مشروع ادماج التحالف في حركته المشهور؟
ان عبدالعزيز خالد لم يعد مفيدا لاي من الاطراف الداخلية والخارجية؛ وهو في نفس الوقت قد رفض باصرار ان ينخرط في مشروعات التسوية الجارية؛ وسجل رغم هزيمته مواقفا في الصمود الجميل؛ فاصبح بذلك شوكة حوت في حلق الجميع؛ فجاز عليه تنفيذ المؤامرة في حقه؛ وتصفيته نهائيا من حلبة السياسة السودانية.

في سيرة الصمود:
قلنا ان عبدالعزيز خالد قد قلب حسابات الجميع؛ ورغم ان حساباته نفسها قد انقلبت؛ حيث تحول في ظل سنوات قليلة من قائد يحسب له الحساب؛ تاتمر بامره قوات تنتشر من غابات جنوب النيل الازرق الي تلال البحر الاحمر؛ الي انسان مطارد يعتقل من قبل دكتاتور دولة قزمية وتلعب به مخابرات ملوك الطوائف وشيوخ الامريكان؛ الا انه يرفض باصرار التسليم؛ ويقاوم الموج العاتي كمركب وحيد علي سطح الماء.
سجل عبدالعزيز خالد موقفه وصموده في لاءات ثلاثة رفعها امام اطراف المؤامرة؛ وهي لا امام نظام الانقاذ؛ ولا امام دكتاتور ارتريا القزم؛ ولاء امام لورد الحرب جون قرنق ومن انخرط وراءه في التسوية من دهاقنة التجمع وتجاره.
اما اللا الاولي فتكمن في ان الرجل الي الان لم يفاوض النظام القائم؛ ولم يصل الي اي اتفاق معه؛ ولا يزال النظام يعتبره عدوا كبيرا؛ بل يطالب رئيسه بتسليم خالد اليه " مكبلا بالحديد" .. يتم هذا في الوقت الذي ينبرش فيه التجمعيون وحزب الامة وغيرهم من تجار السياسة امام مائدة النظام؛ ويحاوروه من منطق الضعف؛ وهو اضعف انظمة الارض قاطبة.
اما اللا امام دكتاتور ارتريا القزم؛ هذا المغامر الذي تتجاوز طموحاته المريضة امكانياته المحدودة؛ والذي يذهب بشعبه من حرب الي اخري؛ ومن مغامرة الي ثانية؛ ويحكم بقوة الحديد والنار؛ فقد ذهل لها هذا الدكتاتور الصغير. لقد ظن حاكم ارتريا انه وضع خالد في جيبه؛ كما وضع معظم قيادات التجمع وكما يحاول ان يفعل الان مع قيادات دارفور؛ وحين حاول ان يستخدم خالد مخلب قط ليوطد نفوذه داخل الحركة الشعبية؛ وتقويه مواقعه ضد اثيوبيا التي يعاديها بسبب من حماقته؛ فان خالد قد رفض؛ فجاز عليه العقاب كما ظن.
في خلال خمس اشهر من عمر الازمة؛ كان فيها للعميد خالد تحت رحمة الارتريين؛ وتعرض فيها الي ابشع حملات اغتيال الشخصية؛ وطورد فيها انصاره وعذبوا وقتلوا في ارتريا؛ لم يتراجع الرجل عن مواقفه قيد انملة؛ في الوقت الذي كان فيه الاخرون كالخواتم في اصابع اسياس افورقي؛ يخلعها ويلبسها ويغير من مواقعها متي يشاء. لقد سجل خالد موقفا في الوطنية السودانية يحسب له؛ رغم الثمن الباهظ الذي دفعه انصاره وتنظيمه.
اما اللا الثالثة فقد قالها خالد امام لورد الحرب جون قرنق دي مبيور؛ والذي اراد استرداف الجميع معه في حروبه الانانية وفي سلامه الكاذب. لقد اراد جون قرنق تحطيم التحالف عن طريق مباشر وغير مباشر؛ فكان ان قصف مواقعه في حين ما؛ وكان ان زعم بالوحدة الاندماجية معه في حين اخر. ان كل مشروع الوحدة الاندماجية انما كان محسوبا من ثعلب الحرب هذا لتحطيم التحالف وشقه وامتصاص ما فيه من عصير؛ ثم رميه بعد ذلك قشرة خاوية الي مهب الريح ومزبلة التاريخ.
في كل ذلك وجد جون قرنق حفنة من الموهومين والمخدوعين والمبيوعين ممن استجابوا لمخططه؛ وبداؤا في تحطيم التحالف من الداخل؛ وكانوا في نفس الوقت ينفذوا المخطط الارتري الذي اراد تقوية كومه داخل الحركة الشعبية؛ وقد راينا المآلات الماساوية لعمل اهل الميمات الثلاثة – الموهومين والمخدوعين والمبيوعين- في اعتقالهم لرفاق الامس؛ وفي حملات اغتيال الشخصية البشعة التي مارسوها والتي لا زالوا يمارسون؛ والتي مهدت وسهلت من تنفيذ المؤامرة علي العميد؛ وربما تسهل من تنفيذ عملية تسليمه واغتياله او اخضاعه.
اليوم ايضا يقول العميد خالد لا كبيرة امام كل هذه المؤامرة؛ ويعلن موقفه في ضرورة استمرار النضال؛ ولا ينكسر ولا يتراجع قيد انملة؛ عندما انكسرت القيادات وتخاذل الجميع عنه؛ خائفين او شامتين او متامرين؛ عدا عن قلة قليلة من انصاره ممن يعرفوا قدر الرجل؛ وممن يقدروا اسهامه الوطني وممن لا يخونوا ولا يبيعوا؛ وعدا من ابناء الشعب البسطاء ممن تدافعوا للتضامن معه؛ وممن يتزايد عددهم باستمرار؛ لانهم يعرفوا بحسهم حجم المؤامرة ويعرفوا قدر الرجل؛ ويعلموا انه ان اُخضع او اُذل او قتل؛ فانما الغرض الاساسي هو اخضاعهم واذلالهم في شخصه؛ وهو قتل الحلم الذي عبر عنه ذات يوم.

عادل عبدالعاطي
24-10-2004



#عادل_عبد_العاطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطالبة السلطات الاماراتية باطلاق سراح قائد سياسي سوداني
- لماذا ندعو للفيدرالية وكيف نراها؟ مساهمة في تطوير برنامج ال ...
- جهاز الامن يحجب موقع سودانيز اونلاين بالسودان
- نوره عبد الله إدريس امرأة من السودان
- جدل المركز والهامش مآلات الصراع السياسي في السودان - مقاربة ...
- من المحلي الخاص الي الوطني العام المعارضة المسلحة في دارفور ...
- جيش تحرير دارفور ومآلات الصراع المسلح في السودان
- فى مزبلة التاريخ - موضوع حول الحزب الشيوعي السودانى
- قراءة فى تجربة التجمع الوطنى الديمقراطى - السودان فىالعمل ال ...
- تأملات في أفق المعرفة والشهادة حول حياة واستشهاد محمود محمد ...
- سلاح الوعي ووعي السلاح عرض كتاب - الجيش السوداني والسياسة
- اغتيال الشخصية في ممارسات الحزب الشيوعي السوداني
- اللعب الكلمات أو فرويد على الطريقة الشيوعية
- دور الحزب الشيوعي في تخريب التجربة الديمقراطية والنظام الدست ...


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عادل عبد العاطي - ثلاثية الهزيمة والمؤامرة والصمود:في اسباب وخلفيات اعتقال العميد عبدالعزيز خالد