أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - هشام غصيب - هندسة ريمان














المزيد.....

هندسة ريمان


هشام غصيب

الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 08:06
المحور: الطب , والعلوم
    


في العشرينيات من القرن الماضي، وضع الرياضي الألماني الكبير غاوس فكرة عبقرية مفادها أنه يمكن تحديد طبيعة السطوح الثنائية البعد المنغرسة في الفضاء الثلاثي الأبعاد بدلالة خصائص الأشكال المرسومة عليها والعلاقات المكانية عليها، من دون الرجوع إلى الفضاء الثلاثي المنغرسة فيه. كذلك، فإن هذه السطوح بصورة عامة لا تطيع هندسة إقليدس، وإنما هندسات لاإقليدية متنوعة. ولاحظ غاوس العلاقة العضوية بين انحناء السطح في نقطة وطبيعة النظام الهندسي المنطبق عند هذه النقطة. ولعله من المفيد توضيح هذه الفكرة ببعض التفصيل.

لنأخذ سطحاً مستويا يطيع هندسة إقليدس. ولنحدد اتجاهين ثابتين متعامدين معاً يلتقيان فيما يسمى نقطة الأصل أو نقطة الصفر، حيث إن جميع المسافات على السطح تقاس بالنسبة إلى هذه النقطة. ويمكن تحديد موضع كل نقطة على السطح بإنزال عمود منها على كل من الاتجاهين الثابتين. إذ يحدد موضع النقطة بدلالة بعدي العمودين المسقطين عن نقطة الأصل. ويسمى هذان البعدان إحداثيي النقطة. ولنتدبر خطا مستقيماً قصيراً يصل نقطتين قريبتين من بعضهما. فباستعمال برهانة فيثاغورس، يمكن بيان أن مربع طول هذا الخط يساوي مربع الفرق بين الإحداثيين الأولين للنقطتين مضافاً إلى مربع الفرق بين الإحداثيين الثانيين لهما. هذا هو القانون الذي يحكم المسافة في هندسة إقليدس.

ولنتدبر وضعا مشابهاً، ولكن على السطح الكروي المنغرس في الفضاء الثلاثي الأبعاد. في هذه الحال، فإننا لا نستطيع تحديد اتجاهين ثابتين متعامدين، كما فعلنا مع السطح المستوي. لذلك نلجأ إلى تحديد خطوط الطول وخطوط العرض، تماماً كما يفعل الجغرافيون فيما يتعلق بسطح الأرض. وبتعبير آخر نرسم دوائر كبرى تلتقي في قطبين، ثم نرسم دوائر صغرى “متعامدة” مع المجموعة الأولى. ونلجأ إلى ترقيم كل دائرة بالتتابع، ومن ثم يتحدد موضع كل نقطة على السطح برقمين؛ رقم ينتمي إلى خطوط الطول والآخر إلى خطوط العرض. ويمكن اعتبار هذين الرقمين إحداثيي النقطة. ولنتدبر نقطتين على السطح الكروي قريبتين جداً من بعضهما، ولنصلهما ببعضهما بأقصر خط بينهما، وهو الخط الذي يقع على الدائرة الكبرى التي تمر فيهما، كما أسلفنا في مقالات سابقة. عند ذاك، سنجد مربع طول هذا الخط يطيع قانوناً آخر غير القانون الإقليدي الذي ينطبق على الخطوط المستقيمة المرسومة على السطوح المستوية. وبتعبير آخر، فإن مربع طول الخط الواصل بينهما لا يساوي مجموع مربعي الفرق بين إحداثيات النقطتين، كما هو الحال مع الخط المستقيم على السطح المستوي، وإنما يطيع علاقة أكثر تعقيداً. وبالتحديد، فإنه يرتبط بالإحداثيات عبر مجموعة من الإقترانات لهذه الإحداثيات تسمى التنسور القياسي. وتحدد هذه المجموعة خصائص السطح وطبيعته كليا. ويمكن القول إنها تمثل درجة انحناء السطح، وتحدد طبيعة النظام الهندسي الذي يطيعه السطح. وانطلاقاً من هذا الأساس، فإنه يمكن القول إن التنسور القياسي الإقليدي الذي يربط مربع طول الخط المستقيم بإحداثيات النقطتين اللتين يصلهما ببعضهما هو مجرد ثابتين متساويين. لكنه بصورة عامة مجموعة مكونة من أربعة اقترانات للإحداثيات. وكما أسلفنا، فإنه يمكن اشتقاق جميع خصائص السطح والأشكال المرسومة عليه من معرفة التنسور القياسي للسطح. بذلك يكون غاوس قد وجد طريقة لدراسة السطوح الثنائية البعد المنغرسة في الفضاء الثلاثي الأبعاد بدلالة نظم الهندسة اللاإقليدية وجبر التنسورات (التنسور هو شكل معمم للمتجه الذي يتحدد بمقداره واتجاهه كالقوة مثلا). لكن غاوس لم يدرك أنه بهذه الطريقة الجديدة إنما وجد سبيلا إلى توحيد نظم الهندسة اللاإقليدية ووصفها تفاضلياً. وذهب فضل إدراك ذلك إلى تلميذه اللامع ريمان.
طوّر ريمان فكرة أستاذه غاوس بأن اعتبر سطوح غاوس الثنائية البعد فضاءات ثنائية البعد قائمة في ذاتها، وذلك بالنظر إلى إمكانية وصفها من دون الرجوع إلى الفضاء الثلاثي الأبعاد المنغرسة فيه. وأدرك أن هذه السطوح بإمكاناتها اللانهائية تمثل عدداً لانهائيا من نظم الهندسة اللاإقليدية. لكنه أدرك أيضاً أن طريقة وصفها بالتنسور القياسي توحّد هذا الحشد اللانهائي من النظم. فلو كان لدينا سطح اختياري، وعرفنا اعتماد التنسور القياسي على الإحداثيات وكيفية تغيره من موضع إلى آخر، لعرفنا طبيعة هندسة كل بقعة صغيرة على هذا السطح. ونستطيع أن نصف كل النظم الهندسية بدلالة التنسور القياسي، ومن ثم فإن الأخير يوحّد وصف هذه النظم ويوحّد أساليب التعامل معها.

لكن ريمان ذهب إلى أبعد من ذلك. فهو قد عمم هذه الأساليب والنتائج على الفضاءات المتعددة الأبعاد. فلئن كانت الفضاءات الثنائية البعد تتعدد من حيث نظم الهندسة التي تنطبق عليها، فلماذا لا يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى الفضاءات الثلاثية الأبعاد والأخرى الرباعية الأبعاد وغيرها؟ وبتعبير آخر، لئن كان لدينا سطوح مستوية وأخرى كروية وأخرى سرجية، فماذا لا يكون لدينا مكان مستو وآخر كروي وآخر سرجي؟ فلما هناك سبب منطقي لتمييز الفضاء الثنائي البعد عن الفضاءات الأخرى المتعددة الأبعاد؟ فلما انعدم هذا السبب، فلا شيء يمنعنا من تعميم أسلوب غاوس في معالجة السطوح إلى الفضاءات المتعددة الأبعاد. بذلك يغدو من الضروري وصف الفضاء الثلاثي الأبعاد مثلا بدلالة تنسور قياسي يتكون من تسعة اقترانات للإحداثيات، ووصف الفضاء الرباعي الأبعاد بدلالة تنسور قياسي آخر يتكون من ستة عشر اقترانا، وهلمّ جرّا. وهذه التنسورات القياسية تحدد خصائص الفضاء المعني كليا. وتسمى هذه الفضاءات اليوم فضاءات ريمان. أما أسلوب معالجتها هندسيا فيسمى هندسة ريمان.



#هشام_غصيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعزى التاريخي للحضارة العربية الإسلامية
- من الفلسفة إلى علم الإنسان
- فلسفة ماركس
- سمير أمين مستغرباً
- هشام غصيب في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: من الثورة ا ...
- جدل العلم والثورة
- الفلسفة والجماهير
- الشيوعية وفخ الوجودية
- المغزى النهضوي للفلسفة
- الاستغراب وتحدي الحداثة
- تميز العقلانية الماركسية
- علمنة الوعي
- من الفلسفة إلى نقد الاقتصاد السياسي
- مفهوم النهضة عند الحركات اليسارية العربية
- ماذا يعني لك أن تكون يساريا اليوم؟
- هل الماركسية علم؟
- تجديد لينين في مجابهة تجديد ماخ


المزيد.....




- الديوان الملكي يُعلن مغادرة الملك سلمان المستشفى بعد إكمال ا ...
- طريقة عمل الآيس كريم في المنزل مثلجات صيفية بمذاق الفاكهة ال ...
- واتساب تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنتر ...
- العلاج بالكتابة يساعد مرضى السرطان على مواجهة مخاوفهم
- الاتحاد الأوروبي يفتح تحقيقا حول سوق الأجهزة الطبية الصينية ...
- الفلسطينيون يواصلون انتشال الجثث من المقبرة الجماعية في مجمع ...
- من دبي.. إطلاق مكتبة للتأثيرات الصوتية تساعد المصابين باضطرا ...
- فيديوهات لملابس عمل -قبيحة- تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي با ...
- بيانات تكشف واقع عدم المساواة بين الجنسين في العالم
- هل بخّرت قنابل إسرائيل الحرارية جثثا غزية وحولتها إلى رماد؟ ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - هشام غصيب - هندسة ريمان