جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3328 - 2011 / 4 / 6 - 11:50
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
حين أجلسُ على مائدة الطعام مع باقي أفراد عائلتي أشعر بأن لكل فرد مزاجه الخاص من الطعام مع وجود بعض الأطعمة المشتركة بين الفرد وبين الجماعة, ونفس الشيء حين أجلسُ مع الفريق العمالي(الشغيلة) الذي يعمل معي أشعر أثناء الطعام بأن للناس أذواق مختلفة الأهواء ومهما اختلفنا في مستوياتنا التعليمية فإن الأذواق لا علاقة لها بذلك وكثيراً ما أجد بعض العمال متفقين في الرأي مع أستاذ جامعي وكثيرا ما أجد رأي أستاذ جامعي يتفق مع ما يقوله العوام أو أي عامل من الذين يعملون معي في الورش والعمارات السكنية وكما تتفقُ الناس مع بعضهم البعض في نوعية الأطعمة نجدهم أيضا يتفقون مع ما يأكلونه من معرفة ومع ما يبدونه من آراء في السياسة والدين والثقافة فحتى على الطعام يفتتح العمال والناس كثيرا من المواضيع للنقاش العام ويختلفون معي وأختلف معهم ونحن نتحدث على المائدة فأشعرُ مرة أخرى بأن للحديث بقية من الأمزجة المختلفة والأهواء الشخصية فكما أن هنالك توافق بين المستويات التعليمية كما أن هنالك اختلافات في الرأي عند بعض تلك الفئات المتعلمة وغير المتعلمة, وهنالك أيضا تباين ملحوظ في الاختلاف بالرأي عند نفس المستويات التعليمية المتقاربة, لذلك للناس اتجاهات فكرية متعددة على حسب تعدد المشارب والأهواء والأمزجة وأكاد بأن أجزم بأن عدد الاتجاهات الفكرية في العالم تبلغ مساحتها مساحة ما في الكرة الأرضية من صحارى وبحار وبأن عدد المذاهب الفكرية والاتجاهات الثقافية تبلغ عدد ما في الكون من بَشرْ فأنا لا أعيشُ وحدي ولا آكل وحدي ولا أشرب وحدي ولا أقرأ وحدي ولا أمشي في الشارع وحدي ولا أفكر وحدي , فهنالك من يعيش معي ويفكر معي بذوق مختلف عن ذوقي وبطعم مختلف عن الطعم الذي أشعرُ به على رأس لساني ويجب أولاً وأخيرا قبول الآخر سواء أكان ليبراليا أو مسلما أو مسيحيا أو يهوديا, ويجب أن نتقبل الآخرين وأن نتعايش معهم مهما اختلفنا معهم وعنهم في وجهات النظرفي هذه المعمورة لكي يتقبلوننا, فسواء أردت أن تصلي للمسيح أو لله أو ليهوى أو لبوذا فأنت حر في اختيارك وحر في توجهاتك وأنا حر في اختياراتي وفي توجهاتي الفكرية والفلسفية والعاطفية والدولة يجب أن تكفل حرية الرأي والتعبير لكل مواطن, والزمن الذي تتحكم فيه فئة بالأخرى وتتسلط عليها قد انتهى فلكل الناس الحق في الحياة التي يريدونها والدين الذي يريدونه والثقافة التي يريدونها وليس لأحد الحق في التسلط على الناس وللكل الحق في تداول السلطة السلمي وذهب زمن الذين يدفعون وزمن الذين يقولون إلى الأبد إلى الأبد, فلا يوجد شيء اسمه إلى الأبد ولا يوجد شيء اسمه اللون الواحد أو السياسة الواحدة أو الحزب الواحد , فكل الألوان في هذه الأيام مطلوبة وكل الاتجاهات في هذه الأيام مرغوبٌ فيها .
وأنا كلما دخلت إلى مطعم لتناول الإفطار أو الغداء وهذا نادرا جدا ما يحصل , نعم, كلما عرفت بأن هنالك أذواق مختلفة عن ذوقي حين أراقب ما يطلبه كل شخص من طعام أو من شراب فأنا مثلا أحب هذه الأكلة وغيري يحب أكلة أخرى أو زيادة في الملح أو نقصان في الملح, تماما كأنني مع أناس يشربون القهوة بدون سكر وأناس بزيادة سكر مثلي أنا وأناس يشربونها وسط لا سُكّرْ زائد ولا ناقص وهذا يشبه المزاج الثقافي لكل إنسان ورحم ألله جدي وجدك وأسلافنا حين قالوا (كل إنسان بنام على الجنب اللي بريحه) وكلما نظرتُ في الكتب كلما عرفتُ بأنني لستُ الكاتب الوحيد أو القارئ الوحيد أو الناشط الوحيد في هذه الحياة فهنالك كتاب يكتبون بأسلوب وباتجاه مختلفٌ عني ولهم معجبون أكثر من الذين أعتقد أنهم معجبون بكتاباتي تماما كشعوري وأنا على مائدة الطعام بأن هنالك أيدي تمتدُ مع يدي وأفواه تتذوق وألسنة تتحرك لتأكل ولتتكلم, فهنالك من سبقوني في هذه الحياة للكتابة وهنالك من يعاصروني وهنالك من سيأتي من بعدي, وهنالك كتاب يختلفون عني في وجهات النظر لكافة ما أكتبه ولكافة المشاكل التي نواجهها جميعاً أنا وهم,وهنالك من يتفق معي في وجهات نظري على اختلاف مستوياتهم التعليمية وهنالك من يتفق معي على اختلاف مستوياتهم التعليمية وكلنا نعيش مع بعضنا البعض في المدن وفي القرى والأرياف وعلى الأنظمة الحاكمة أن تكفل حرية الرأي والتعبير وحرية تشكيل المؤسسات المدنية التي تريد أن تمارس فيها كل فئة النشاط الذي يعبر عن رأيها, ولكل شخص منا حقٌ في مزاولة الثقافة التي يريدها من خلال وجود مؤسسات ومقرات لها مثلما لكل فرد ولي الحق في تناول الطعام الذي أريده أنا أو يريده هو أو تريده أنت, وعلينا أن نحترم كل تلك التوجهات وأن ندافع بحق وبقوة عن حق كل إنسان في الحياة الكريمة التي يريدها وذلك على مبدأ (فولتير) القائل"حتى لو كنت غير مقتنع برأيك فسأدافع عنك لأنني أدافع عن قضية حرية الرأي والتعبير" وذلك حتى نتمكن جميعا من ممارسة كل ما نريد ممارسته حتى لو كانت لنا الرغبة بأن نمشي عراة في الشارع فيجب أن يكون هنالك شوارع مخصصة للعراة وشوارع مخصصة للثقافة وشوارع للسياسة تماما كما نجد أندية رياضية متنوغة الاتجاهات في اللعب, يجب أن يكون هنالك شوارع مخصصة للعراة إذا أردت أنا أو أنت أن نمشي فيها فلكل واحد منا الحق في ذلك أي في التوجه الذي يرغب في السير به وإن أردت أن ألبس لباس المسوح وأن أعيش في كنيسة طيلة حياتي فلي الحق أيضا وإذا أردت أن أعيش أينما أريد فلي الحق أيضا ولك الحق أنت في أن تزاول رغباتك الفكرية والعاطفية والتي تتحول مع مرور الزمن تلك الرغبات إلى توجهات فكرية يؤمن فيها أناس كثيرون ويصبح لكل توجه فكري أتباع ومناصرون يدافعون عنه ومنتسبون ينتسبون إليه حين يصبح التوجه نوعا من الأيديولوجية الفكرية والعاطفية.
ولي ولك كل الحق في توجيه النقد للآخرين ولكن ليس لي ولا لك الحق في منع الآخرين من أن يزاولوا حياتهم الفكرية والسياسية وليس لأي نظام سياسي منع الناس من حرية الرأي والتعبير مهما كان توجههم الفكري مختلف عنّا كل الاختلاف ومهما كان أسلوبنا مختلفٌ مع غيرنا كلَ الاختلاف.
إن الحياة العصرية تقوم على كثرة التنوع بدءا من الأغذية العادية وانتهاء إلى الأغذية الفكرية, وهنالك أناس يعيشون معنا ونعيش معهم ولكل منّا نحن وهم مكان يستلذ به, وليس كما قالوا بأن (الجنون فنون) بل التوجهات كلها فنون
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟