أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - - بحب السيما - لأسامة فوزي الفيلم الذي انتزع إعجاب النقاد والمشاهدين على حد سواء . . لماذا تفادته أيام قرطاج السينمائية؟















المزيد.....

- بحب السيما - لأسامة فوزي الفيلم الذي انتزع إعجاب النقاد والمشاهدين على حد سواء . . لماذا تفادته أيام قرطاج السينمائية؟


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 991 - 2004 / 10 / 19 - 09:00
المحور: الادب والفن
    


أحدث فيلم " بحب السيما " للمخرج المصري أسامة فوزي دوياً غير مسبوق في الأوساط القبطية هذه المرة، وقد وُجهت كالعادة اتهامات شتى لمؤلف النص " هاني فوزي " ومخرجة " أسامة فوزي " ولأبرز ممثليه الفنان محمود حميدة، والنجمة ليلى علوي، والطفل الواعد " يوسف عثمان "، ولعل أقسى هذه التُهم هي تهمة " المس بالذات الإلهية، وازدراء الأديان، والتطاول على قدسية الكنيسة، والحضَّ على كراهيتها " ، وقد ذهب البعض منهم إلى القول بأن السماح بـ "عرض هذا الفيلم يعرِّض الوحدة الوطنية للخطر!" غير أن السلطات المختصة طوّقت هذا الحريق قبل أن يمتد إلى المناطق الخطرة، وأطفأت ألسنته المتصاعدة التي تريد أن تلتهم الأخضر واليابس على حد سواء. وسمحت بعرض الفيلم على رغم الاحتجاجات، وبعض المظاهرات التي حدثت في بعض الكنائس والتجمعات القبطية، ولم تنفع الرسائل الإليكترونية التي وُجهت إلى أقباط مصر للحد من مشاهدتهم لهذا الفيلم علّه يُمنى بالفشل الذريع. غير أن الذي حصل هو العكس تماماً، فقد نجح الفيلم ليس في مصر وحدها، وإنما امتد هذا النجاح إلى بقية الدول العربية. ففي أيام قرطاج السينمائية أُدرج هذا الفيلم ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، وكان من المتوقع أن يفوز بإحدى الجوائز الرئيسة الثلاث في هذا المهرجان السينمائي العريق، غير " أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن " ولم يفز الفيلم إلا بجائزة أفضل سيناريو لـ " هاني فوزي " وأفضل تصوير لـ " طارق التلمساني " بينما كان النقاد يتوقعون فوز المخرج أسامة فوزي بـ " التانيت الذهبي أو الفضي في الأقل " الأمر الذي صدم النقاد والصحفيين والمشاهدين حينما فازت أفلام أخرى عادية لم تكن تستحق هذا الفوز عن جدارة فنية. ورب سائل يسأل عن مضمون هذا الفيلم، ورؤيته الفنية، والأبعاد الجمالية التي يتوافر عليها بحيث جعلته حديث الناس في الأوساط الفنية والثقافية؟ البعض الآخر يتساءل عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بالعديد من نقاد الأدب والسينما لأن يكتبوا عن هذا الفيلم بإسهاب كبير كما فعل د. جابر عصفور الذي كتب أربع مقالات متتالية في صحيفة " الحياة " اللندنية، وهناك العديد من النقاد والمثقفين الذين تصدوا لفكرة منع الفيلم أو مصادرته أو مقاضاة مخرجه، ومُنتجه، ومؤلفه، وممثليه، لكن الذي حصل هو العكس تماماً فقد رُدت الدعوى القضائية لعدم كفاية الأدلة، ولأن المؤسسة الثقافية الرسمية في مصر أرادت ألا تترك الحبل على الغارب هذه المرة، لكي لا تفسح المجال إلى المؤسسة الدينية المتشددة سواء أكانت مسيحية أو إسلامية، وتتدخل في جوانب إبداعية تخرج تماماً عن إطار تخصصها الديني البحت.

" بحب السيما " بين الأصالة والاستنساخ

أكد الناقد د. جابر عصفور على أوجه التشابه بين فيلمي " بحب السيما " للمخرج المصري أسامة فوزي، وفيلم " سينما باراديسو " للمخرج الإيطالي جيوسيبي تورناتوري، ومرّد هذا التشابه بحسب ظنه أن كلا الفيلمين يندرجان تحت توصيف " الكوميديا الدرامية "، وأن البطلين طفلان صغيران ينجذبان إلى عوالم السينما الساحرة كما هو الحال مع نعيم " يوسف عثمان " الذي استحوذ على دور بارز من البطولة الثلاثية التي توزعت بينه وبين أمه نعمات "ليلى علوي " وأبيه عدلي " محمود حميدة "، والطفل " توتو " الذي أفضى به حب السينما إلى أن يصبح واحداً من مخرجيها الخلّص. كما أن المسافة الزمنية التي تفصل بين عودة المخرج الإيطالي إلى قريته بسبب وفاة صديقه الذي أغراه في الولوج إلى عالم السينما، وبين الراوي، كاتب السيناريو هاني فوزي، الذي يستعيد ذكرياته المقترنة بحبه للسينما في منطقة شبرا في القاهرة هي ثلاثين سنة، وأن كليهما يدوِّنان سيرتهما الذاتية من خلال حب السينما والانقطاع لعوالمها الفنية والجمالية. ولو دققنا النظر جيداً لوجدنا أن مضمون فيلم " بحب السيما " يبتعد كثيراً عن مضمون فيلم " سينما باراديسو " وكذلك عن فيلم " صندوق عجب " للمخرج التونسي رضا الباهي بالرغم من أن الفيلم الأخير يتمحور أيضاً حول فتىً يعشق السينما، ويتعلق بها بشكل مذهل. ففيلم " بحب السيما " لا يعوّل كثيراً على تعلق الطفل بالسينما فقط، وإنما يتصدى لقضايا حساسة كالعلاقة بين الذات البشرية والذات الإلهية، وما يكتنفها من كذب وزيف والتباس، كما يتناول الفيلم موضوعة الإيمان ويفلسفها بطريقة واقعية مجردة عن الأهواء والعواطف. وتأتي أهمية هذا الفيلم من خلال محاولته الجادة في الولوج إلى أعماق أسرة قبطية " هي نموذج مصغّر للحياة القبطية بعامة في المجتمع المصري " لسبر أغوارها، والتعرّف على ماهيتها، والكشف عن حقيقتها الناصعة بما تنطوي عليه من تزمّت، وتشدّد، ونزعات أصولية هنا أو هناك. هذه المقدسات الشكلية المهلهلة لا يناقشها " سينما باراديسو " ولا " صندوق عجب ". من هنا فإن التصدي الشجاع مقرون بفيلم " بحب السيما " على وجه التحديد، هذا الفيلم الذي أثار العديد من القضايا الإشكالية، وتصدى لها بشجاعة لا مثيل لها، منتصراً لحرية الاختيار الفردية، وللقناعات الشخصية المتحررة التي لا تضع ثقتها بقوى غيبية، ولا تطمئن كثيراً إلى تأويلات رجال الدين الملفعين بالعمائم السود، والجلابيب البيضاء، أو رجال الكهنوت الذين يدورون في فلك واحد، ويتطلعون إلى الحياة من خلال نظارة معتمة سوداء. فالتعلّق بفن السينما هو تعلّق بالحياة الجميلة التي ينبغي أن نعيشها بالطول والعرض والعمق معاً، مُكتشفين من خلالها خبايانا وأسرارنا ومواطننا الدفينة الراكسة في أعماقنا السحيقة. هل نستطيع القول إن الفن هو الأداة الوحيدة القادرة على ملامسة الوجدان البشري، أو كشفه وتعريته في الأقل؟ لقد طرح هذا الفيلم قضايا جريئة تهم الإنسان الواعي المثقف، وتؤرق الإنسان البسيط المثقل بمحمولات معرفية فطرية تتأرجح بين المفاهيم الحقيقية للدين، وبين التأويلات المغلقة العمياء التي تحد من آلية التواصل الفردي بين الإنسان وخالقه، وتضع العراقيل بوجه المتع واللذات البشرية التي ينبغي أن ينعم بها الإنسان على وجه البسيطة. إن أغلب العاملين في هذا الفيلم مُخرجاً ومُؤلفاً وممثلين لا يبحثون عن " الصرعات " أو إثارة الزوابع في فناجين مكسورة، ولا يستهدفون العقائد الدينية كونها عقائد سماوية مجردة، كلا، فهم فنانون من الطراز الأول، يبحثون عن الحقيقة، ويسعون إليها، مُضحين بكل ما يمتلكون من جهد ومال وقوة أعصاب، وهم ليسوا طلاب شهرة خاطفة قد تزول بعد بضعة أيام، بل أنهم دعاة للحرية والاجتهاد وإعمال الذهن، وهم يقفون ضد الوصاية الدينية والسياسية التي تتحرك في دوائر مغلقة، بينما يتسامى الفن والإبداع في آفاق التجليات المفتوحة. ويكفي أن نشير هنا إلى أن المخرج أسامة فوزي قد أنجز طوال تسعة أعوام ثلاثة أفلام فقط وهي " عفاريت الإسفلت " و " جنة الشياطين " و " بحب السيما " فهاجسه هو النوع، وليس الكم، وهو لا يتطلع إلى " شباك التذاكر " والمردودات المادية، وإنما يتطلع بشوق كبير إلى قوة التأثير التي تُحدثها أفلامه في ذهنية المتلقين وقلوبهم ووجدانهم على حد سواء. ومن منا لا يتذكر أن فيلمه ذائع الصيت " جنة الشياطين " الذي انتزع سبع جوائز في المهرجان القومي للسينما المصرية، كما حصل على جائزة مهرجان دمشق الدولي، فمن غير المعقول أن يُهمل مخرج هذا الفيلم وتكتفي لجنة تحكيم أيام قرطاج السينمائية لعام 2004 بمنح الفيلم جائزتي التصوير والسيناريو، وهو بشهادة الجميع يستحق جائزة الإخراج عن جدارة كونه فيلماً يتوافر على عناصر فنية وجمالية، ناهيك عن تناوله للقضايا الحساسة التي أشرنا إليها آنفاً، مع الأخذ بعين الاعتبار الأداء الرائع الذي برع فيه كل من محمود حميدة وليلى علوي ويوسف عثمان، هذا فضلاً عن أصالة الفيلم وبعده عن الاستنساخ والتأثر السطحي العابر.

خرق التابوهات الثلاثة
أراد مؤلف النص ومخرجه معاً أن يخترقا التابوهات الثلاثة مرة واحدة من خلال التعاطي مع أسرة مسيحية مصرية مكونة من أب أرثوذكسي متشدد جداً وهو عدلي " محمود حميدة " الأخصائي الاجتماعي، وأم بروتستانتية إنجيلية متفتحة بعض الشيء، وهي نعمات " ليلى علوي " تعمل مديرة مدرسة، تخلت عن الرسم وأصبحت مجرد عقلية إدارية، وطفلان هما نعيم ونعمية، " لا تخفى هنا الدلالات الدينية لمعاني هذه الأسماء جميعاً. ". كذلك هنالك الجد والجدتان، والخال والخالة، والجيران، الأمر الذي يعطي صورة موسعة وشاملة عن الأسرة القبطية وطريقة تعاطيها مع الحياة اليومية العامة. يركز هذا الفيلم على ثنائية التحريم والتحليل، ومبدأ الثواب والعقاب الذي طرحه الأب عدلي بطريقة مخيفة بثت الهلع في نفوس أفراد العائلة جميعاً. كما طرح مفهوم الجنة والنار من وجهة نظره الدينية المتشددة، ومفهومه لشهوات الجسد، وللرغبات الإنسانية بشكل عام، ونظرته إلى الفن بمختلف أشكاله وتجلياته من خلال الطفل الصغير " المؤلف، الشاهد على كثير من خطايا الكبار والناضجين في الأسرة، والمبتز لهم في الوقت نفسه " الذي يعشق السينما ويتعلق بها. كما تناول الفيلم فترة الستينات، وهي حقبة الرئيس جمال عبد الناصر، وما رافقها من وقائع وأحداث سياسية واجتماعية هامة. الكثير من النقاد والمتلقين الذين شاهدوا الفيلم وجدوه لم يقتصر على الديانة المسيحية فقط، وإنما تمتد مرموزاته الدينية والإشارية إلى الديانات السماوية كلها، وليس بالضرورة أن يظل مقتصراً في دلالته الواضحة على الديانة المسيحية فقط، أو على الأسرة القبطية فقط، بل أنه يتناول الأسرة المصرية بمفهومها الأوسع من المعنى الديني الضيق. فالأب الذي يمثل السلطة المنزلية، وكما نسميه في أعرافنا " رب الأسرة " يريد أن يرسّخ قناعاته في أذهان أفراد أسرته، ويسيّرهم على هواه، فلا غرابة حينما نسمع الأب عدلي وهو يخاطب ابنه مُحذراً إياه من مغبة ارتياد السينما قائلاً " حتخش النار، نار لا تطفأ، ودود لا يموت! " فمن وجهة نظر الأب المتشدد أن الرقص والغناء والموسيقى والتلفاز والسينما والتشكيل وكل الفنون الإبداعية حرام. ومن مفارقات الطفل نعيم هو سؤاله " إذا كان ربنا لا يحب كل هذه الحاجات الجميلة، فيا ترى ربنا بيحب إيه؟ هذا الطفل الصغير مقموع من قبل سلطة الأب كثيراً، فهو مُجبر على ارتداء ملابس كثيرة جداً رغم الجو الحار، لكنه لحظة غياب الأب يقلع أغلب ملابسه الخارجية، ويشاهد عبر جهاز العرض الصغير صوراً للقطات فنية كثيرة، ويتمرد على سلطة الأب، بل ويسخر منها في أغلب الأحيان. لا يمكن التوقف عند كل اللقطات والمشاهد التي تنطوي على مفارقات حادة وصادمة، ولكنني سأختار أبرزها. فالأب عدلي المذعور من فكرة النار يقول " أخاف أرتكب الخطية قبل ما أموت، وأخسر كل شيء.. أخسر الجنة." وكأنه يتعامل مع" الجنة والنار " بمفهوم تجاري لا يخرج عن إطار" الربح والخسارة " وهو يحسد الناس الذين يرتكبون الخطايا والآثام ثم يتوبون قبل أن يموتوا بلحظات " يا بختهم! " الأم نعمات " ليلى علوي " امرأة جميلة، وأكثر تفتحاً من زوجها المتعصب بالرغم من اسمها مشتق من رغبة زوجها في الجنة والنعيم، لكنها مصابة بداء النسيان، فهي تنسى كل شيء حتى مفاتيح الباب، وتحاول أن تتأكد من صنبور الماء أو من قفل الباب، أو من سدادة الغاز، ولعل الدلالة هنا أنها قد تنسى التزاماتها الدينية والأخلاقية أو قد تتساهل في طريقة حياتها اليومية، وخصوصاً بعد أن انتقلت من رسم الأجساد الأنثوية العارية إلى رسم الطبيعة، ومزاولة التعليم. هذا النمط الحياتي المتشدد لا ينجح في كبح جماح الأم والأولاد، فالطفل الصغير يذهب إلى بيت جدته ليستمتع بمشاهدة الأفلام عبر جهازه الصغير، والأم تتمرد على حياتها الجديدة المحصورة بين النحو والمحفوظات والحساب، وتحاول أن تعود إلى فنها من خلال رسام آخر يحرضها على العودة إلى الرسم من جديد. حتى الجدة لم تستطع أن تتفادى معاكسات الرجال الذين ربما يرون فيها مخلفات جمال قديم، أو إثارة غير مندثرة. الأم نعمات تثور بين آونة وأخرى على إرشادات زوجها وتعاليمه القاسية فتنفجر ذات مرة لتقول " حتكرَّهوه فيَّ و فيك و في ربنا! صلاة صلاة صلاة.. ملعون أبو الدنيا والدين..وأستغفر الله، كرهتني في الصلاة.. أستغفر الله العظيم. " هنا يتفاقم الوضع النفسي لنعمات فلا تجد ضيراً في التعبير عن شهوتها الجنسية التي لم تُشبع، فالجنس بالنسبة لعدلي نجاسة خارج إطار الإنجاب. فعدلي يصوم 200 يوم في السنة، وحتى عندما يمارس الوصال فإنه يطلب منها أن تُطفئ النور! فهي لا يريد أن يرى مفاتنها الأنثوية! كما أنه يخفي عنها أعضاءه التناسلية، ويمارس الحب بشكل سريع الأمر الذي يدعوها إلى الانفجار صارخة" ليه كل حاجه بسرعة، بتحسسني كل ما تقرب مني، إنك بتعمل خطية، إبعد عني أنا مش شحَّاتة.". البنت تتمرد هي الأخرى على سلطة الأب فترتدي ملابس ضيقة جداً وتتطلع إلى مفاتنها في المرآة، وتتبادل القُبل مع حبيبها رغم تحذيرات الأب. نتيجة هذه الضغوط الشديدة توشك الأسرة أن تنفلت، فالأم تبدي نوعاً من التراخي تجاه مداعبات الرسام الذي غيّر لها قناعاتها، واستدرجها إلى منزلة، وقبّلها، وأوشك أن يواقعها! البنت كوّنت علاقة عاطفية مع ابن الجيران، والطفل ذهب مع خاله إلى السينما، أما الأب فقد وجد نفسه في مواجهة تُهم جديدة، فعندما يضرب مديره يُتهم بالشيوعية وهو بعيد عنها، ويسجن، ويعذَّب بشدة، ويعود إلى البيت منكسراً مما ألّم به. الكنيسة نفسها تتحول إلى مكان للغزل العاطفي، والطفل نعيم يتوق لأن يرى فيلم " المنتقم " ثم يقلع عن مشاهدة السينما تماماً. ثمة مشاهد أخرى تستحق أن نشير إليها مثل مشهد الطفل نعيم وهو يرفع مريلة إحدى التلميذات الصغيرات، أو مشهد الصور العارية في ورق القمار، أو مشهد الأم وهي تستحم أمام أنظار ابنها الذي يراها أجمل وهي عارية، " يا واد بص قدامك أنت مش مكسوف؟ ما هو ربنا شايفك مش مكسوف ليه؟ أو مشهد اللوحات التشكيلية المقلوبة التي تخبئ أجساد نسوية عارية تشتعل بالرغبات الجنسية. إصابة الطفل بمرض حمّى الروماتيزم ترتب عليه ممنوعات جديدة لها دلالات أخرى بحيث تتفاقم عليه قائمة الممنوعات والمحرمات الجديدة والقديمة فتزيد الطين بلّة. الأب يمرض بالقلب، والخال يفشل في الحصول على معدل يؤهله لدخول كلية الفنون الجميلة " قسم الرسم ". ربما يكون تشبيه السينما بالجنة هو الأكثر انسجاماً مع مخيلة الطفل العاشق للسينما، وأن التذاكر هي صكوك غفران، وأن الملائكة يدخلون السينما أو الجنة لا فرق بعد أن يسمح لهم رضوان، حارس باب الجنة أو السينما بالدخول! بعد تعليق عدلي على خطابات عبد الناصر نراه يتغير تماماً، وينقلب واقفاً في الجهة الأخرى قائلاً لأول مرة " العمر قصير نضيّعه ليه في المتاهة دي؟ محدش بيتغير إلا اللي عايز يتغير." وربما يكون أقوى اعتراف يقدمه لله عز وجل هو الآتي " الناس بتكذب علي بعض، لكن أنا بأكذب عليك أنتَ، كل ده كذب، أنا بحب الخطية، ومبحبش السيما عشان بتعريني وبتقولني وبتكشفني قدامي وتفضحني، أنا بحب الخطية، بس خايف من جهنم.. يعني لو مافيش جهنم.. يا ترى كنت أعمل نفس الحاجات دي؟ – أنا ماعرفكش، أنا بأعرف شوية إشارات و طقوس وحركات آلية.. أنا تايه ما بين طايفة وطايفة.. وكلام وكلام عكسه.. إحنا مختلفين في كل حاجة.. لكن كلنا بنتفق على حاجة واحدة وبس، إننا خايفين منك، خايفين منك، بس مبنحبكش.. نفسي أحبك، نفسي أحبك زى ما تكون أبويا!" الأم عندما تعود من بيت الفنان التشكيلي الذي عانقها رغم ممانعتها المتأخرة تذهب إلى الكنيسة لكي تعترف كي لا يعاقبها الرب في ابنها فتقول " سامحني وارفع عن ابني نعيم، خايفة عليه من ذنبي، خايفة تعاقبني فيه. " ثم يعترف الابن بأنه قد ذهب إلى السينما من وراء أبيه، وأنه يحب أولياء الله الصالحين من الممثلين، وأنه يحب الرقص والغناء وما إلى ذلك. ثم تحاول نعمات أن تعترف له بالخطيئة التي ارتكبتها ولكنه يعاجلها بالقول " متقوليش حاجة أنا عارف! " ثم يموت الأب عدلي على سجادة الصلاة، وهو يسمع خطاب التنحي لعبد الناصر الذي يعترف بهزيمته هو الآخر ويطلب من الناس أن يساعدوه على تحقيق هذا القرار. إذ نسمع صوته الحزين يتسلل إلى أعماقنا قائلاً "أيها الأخوة لا يمكننا أن نخفى عن أنفسنا إننا واجهنا نكسه خطيرة خلال الأيام الأخيرة، وقد قررت أن أتنحى تماماً عن أي منصب رسمي و أي دور سياسي وليكن الله معنا جميعاً ". بعد موت الأب تتولى الأم سلطة البيت، ثم تحرضها الجدة على الزواج لكنها ترفض حتى الفنان يوسف الذي أعاد لها رغبتها الفنية، ثم تطلب نوسه الطلاق من زوجها الكذاب، ويهاجر بلبل لأن " البلد ما بقتش بلد " على حد قوله " بلد اللي يحفظوه ويرددوا في الكتاب، بلد اللي مبيفكروش ومبيرسموش.. ومبيحبوش السيما! " الجد يفارق الحياة ونعيم يدير ظهره لهم ويفتح شاشة التلفاز بعد أن اصطحبه والده إلى السينما على كتفيه. ونكاية بكل السلطات فقد بال نعيم عليهم جميعاً من شرفة أحلامه، ونافذة خياله المتأجج. إن فيلماً يتمتع بكل هذه الجرأة والشجاعة النادرتين، فضلاً عن تمتعه بالمواصفات الفنية الأخرى كان لابد أن يحصد جائزة الإخراج، ولكن يظل عزاؤنا دائماً بأن " الجوائز " ليست مقياساً دقيقاً لنجاح هذا الفيلم أو ذاك.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعرة الكردية فينوس فائق : اشعر بالضيق حينما أقرأ قصيدة مش ...
- في الدورة العشرين لأيام قرطاج السينمائية: تكريم الفنانة يسرا ...
- غير خدوني - لتامر السعيد ينتزع جائزة أفضل فيلم في مهرجان الإ ...
- أمستردام تستضيف مهرجان روتردام للفيلم العربي في - دورة المدن ...
- مؤسسة -آل مكتوم- الخيرية تتورط في دعم مشروع لليمين الهولندي ...
- قرية - شايامالان مشوّقة، لكنها تخلو من الرعب والنهاية المفاج ...
- النصر الأخير - للمخرج الهولندي جون أبل يحصد الجائزة الكبرى ف ...
- مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والروائية القصيرة في دو ...
- يوم القدر - لطارق هاشم: فيلم يجمع بين الجريمة والرعب والإثار ...
- موقع - الحوار المتمدن - يتابع وقائع مهرجان الإسماعيلية الثام ...
- الشاعرة السورية عائشة إرناؤوط لـ ( الحوار المتمدن ): لدي حلم ...
- الروائي حمودي عبد محسن لـ ( الحوار المتمدن ): نكّذب إذا قلنا ...
- المخرج المصري رضوان الكاشف قبل وفاته ,الفيلم الذي أخرجه ينبغ ...
- فيلم - زينب - للمخرج طارق هاشم: البنية التوليفية وآلية التصو ...
- قراءة في كتاب- الزمكان في روايات غائب طعمة فرمان- للدكتور عل ...
- القاص والناقد مصطفى المسناوي لـ ( الحوار المتمدن ): الكاتب ل ...
- المخرج الأردني محمود المساد لـ - الحوار المتمدن - لا أميل إل ...
- المخرج السينمائي السوري هشام الزعوقي لـ ( الحوار المتمدن ):ر ...
- الكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن لـ ( احوار المتمدن ):الكاتب ي ...
- الروائي المصري رؤوف مسعد لـ ( الحوار المتمدن )المكاشفة تحتاج ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - - بحب السيما - لأسامة فوزي الفيلم الذي انتزع إعجاب النقاد والمشاهدين على حد سواء . . لماذا تفادته أيام قرطاج السينمائية؟