خطاب الملك ... السعودية بعيداً عن الاوسكار .

سليم مهدي قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 12:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

هذا الموضوع ليس له علاقة بالفلم الذي حصد جوائز الاسكار لعام 2011 والذي حمل عنوان ( خطاب الملك ) وانما يتحدث عن هموم خطاب ملك السعودية والذي القاه على الشعب السعودي ، بينما اشارات الخطاب كانت موجهة الى اذان العالم الخارجي ، واذا كان فلم خطاب الملك قد حصد اغلب جوائز الاوسكار ، فأنه من المستبعد ان تحصل السعودية على اي اوسكار بعد الخطاب الذي يقطر حقداً على الانسانية والذي كان بإخراج سيء بكل المقاييس .
وقبل التحدث عن هذا الخطاب اريد الاشارة بصورة عاجلة الى الثورة السعودية التي كانت من المقرر ان تتحرك في السعودية قبل خطاب الملك والتي فشلت في رصد حالة الشعب السعودي لمتطلباته .
ثورة حنين التي دعا اليها الكثير من الشبان السعوديين عبر الفيس بوك لم تجد لها اذان صاغية في الشارع ، امام اسباب عدم النزول الى الشارع فقد تشاركت عدة عوامل بالإمكان تلخيصها بما يلي .
1 . تحلل اغلب الطبقة الاجتماعية المتوسطة داخل طبقات اخرى سواء ثيوقراطية تعمل داخل الطائفة او قبلية تنهل من سلفية اجتماعية ترتبط مصالحها بالطبقة الحاكمة ، بحيث يتعذر على المراقب مشاهدة اي طبقة هي الاكثر حضوراً داخل المجتمع .
2 . تعتبر السعودية من اكثر الدول في العالم سرية ، فهي تكاد ان تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا تبوح بعدد سكانها وعدد المتعلمين وعدد النساء او اقتصاد الدولة ومقدار الثروات التي تملكها او التي تملكها العائلة الحاكمة ... وهل الدولة هي التصرف على العائلة الحاكمة ام ان العائلة الحاكمة هي التي تصرف على الدولة ؟.. وغيرها من الامور التي تخص كل شيء ، علماً ان كل الارقام عن عدد السكان او طبيعة الثروة التي تتداول في الاعلام ، تصدر عن منظمات دولية وهي مجرد تخمينات ليس اكثر ، كل ذلك خلق غموضاً لدى المواطن السعودي بحيث تعذر عليه التمييز حول طبيعة الاصلاحات التي يطالب بها ، او حتى شكلها ، او النتيجة التي ستفضي اليها ، وبالتالي شكل العامل الاهم في عدم الخروج في تظاهرات .
3 . القسوة التي عرفت بها العائلة الحاكمة ازاء معارضيها ، ويكفي التذكير بحادثة جهيمان العتيبي في 20 نوفمبر 1979 ابان عهد الملك خالد بن عبد العزيز ، والذي تم قتله هو ورفاقه الذين تجاوزوا ( 500 ) شخص ، في داخل الحرم المكي.
4 . البيان الذي اصدرته هيئة كبار العلماء بتحريم التظاهر، والواقع ان عدم الخروج لم يكن استجابة لهذا التحريم ، وانما معرفة الراغبين بالتظاهر انه وفق المذهب الوهابي ، بأن الخروج في مظاهرة بعد التحريم من قبل هيئة كبار العلماء ، بمعنى اعطاء اشارة للمتشددين الدينيين داخل هذا المذهب بقتل كل من يجرؤ على التظاهر ، ذلك لا عدم طاعة الفتوى وبالتالي الخروج في المظاهرة يعتبر بمثابة خروج من الملة ( بمعنى الخروج من دين الاسلام والدخول في الكفر ) وبالتالي فأن القتل هو الواجب لكل متظاهر .
5 . التأييد الاعمى والمطلق للعائلة الحاكمة في السعودية من قبل أمريكا والغرب وحتى بعد احداث سبتمبر الاجرامية في واشنطن .
وبالعودة الى خطاب الملك فان الملك وفي بادرة هي الاولى بتاريخ هذه المملكة التي يبادر فيها الملك لتقديم الشكر والعرفان الى الشعب الذي لم يخرج في المظاهرات بالإضافة الى الشكر والامتنان للقوات المسلحة ،وقد فات الملك بأن الشعب لا يستطيع حتى تلمس اقادمه في وسط الظلام الذي وضعته فيه هذه العائلة ، اما الشرطة والجيش فهما بحق يستحقان الشكر والعرفان فمن خلالهما تسيطر وتقمع كل صوت يطالب بحريته فبالإضافة الى الرشاوي التي منحها الملك فقد قرر استحداث 60 ألف وظيفة بوزارة الداخلية وذلك ليتم تضييق الخناق على المواطن بشكل كامل فأن هذه المؤسسة العسكرية قد تغلل في انابيبها الدم الديني ، اي ان رشوتها تزيد الطين بلة بأيمانها المطلق لمذهبها .
ما اريد التركيز عليه في هذه المقالة هو الدعم السخي الذي قدمه الملك الى المؤسسة الدينية بكل حضورها المعنوي والشخصي ، فقد قرر الملك تأسيس مجمع فقهي سعودي تحت إشراف هيئة كبار العلماء بما يتيح مستقبلا اختيار المبرزين من بينهم لمناصب علمية أعلى، ويخفف العبء عن أعمال هيئة كبار العلماء لتتفرغ لمهامها بالتصدي للمسائل والقضايا الكبار، وفي هذا الاعلان عن التأسيس يكون الملك قد رسخ وثبت المؤسسة الدينية التي اعتقدنا وحتى وقت قريب بأنها آيلة للسقوط او على الاقل التخفيف من هول مطرقتها على رؤوس ليس الشعب السعودي فقط وانما رؤوس الانسانية كلها ، فكما هو معروف للقاصي والداني ، ان المؤسسة الدينية الوهابية بشقيها الرسمي الاجتماعي وبسبب الزخم المالي من اموال البترول قد مدت اذرعها في جيوب التخلف وفي شتى الميدانين سواء الثقافية او الاقتصادية او الاجتماعية او الحياتية او الحربية ، والى درجة اصبحت معه هذه المؤسسة اليد الضاربة لما يفترض انه العدو للدولة السعودية ويتم كل ذلك من خلال جهاز المخابرات السعودي ، هكذا شاهدناها تعبث في مصر ولبنان والعراق وافغانستان وباكستان وامريكا وإسبانيا وبريطانيا ، ثم ان ترسيخ المجتمع الديني في السعودية اعطى انطباعاً ولو مزيفاً للغرب وامريكا بان البديل عن القمع هو سيطرة هذه المؤسسة الدينية وبالتالي تعرض مصدر النفط الرئيسي في العالم للخطر ، وفي اعتقادي فأن خطاب الملك السعودي في ترسيخ واعادة بناء المؤسسة الدينية هو بمثابة اشارة للدول الغربية بان التغيير في السعودية ليس وارداً في الوقت الحاضر او المستقبل القريب على الاقل ، ربما يكون الملك والذين يحيطون به نجحوا في ذلك ازاء الغرب ، ولكنهم من المؤكد قد فشلوا وهم يراهنون على تخويف وقمع ومصادرة الشعب السعودي في العيش بحياة حرة كريمة ، وما يحدث الان في العالم العربي ، يعطي انطباعاً لا يمكن الاستهانة به لدى السعوديين وبالتالي سيكون بمثابة الالهام الذي منه يكتبون حياتهم الجديدة ، وبسبب الكبت على حياته الاجتماعية المستمر لدى المواطن السعودية سيخلق النقيض له ، وبالتالي فأن المطالب في السعودية ربما ستكون اشد وطأة من المطالب في البحرين ، فاذا كان الشعب البحريني قد طالب بملكية دستورية ففي تصوري فان الشعب السعودي لن يقبل باقل من اعلان السعودية جمهورية ، وابتكار حياة اجتماعية تتلاءم مع عادات وقيم المنظومة العالمية ..
الحرية قادمة ، وشرطها في متناول الايدي ، وما نراه على السطح هو خدعة بصرية لا تنطلي على من يريد الغوص بيعداً، والحياة الحرة الكريمة تأتي من خلال المغامرة ، وما دام القارب في الجوار فلم لا نبحر .

ملاحظة اخيرة خارج المتن :
الملك لا يجيد القراءة لذلك اقترح بأن يتم ادخال الملك السعودي دورة في محو الامية لتعليمه القراءة ، او ان يُترك الملك بالتحدث على سجيته كما لو انه في مجلس لشيوخ القبائل ومن دون توريطه بقراءة الخطاب ، او ان يتم اجاد برتوكول جديد في السعودية وهو ان يجلس الملك وان يتم قراءة الخطاب بالنيابة عنه ، وانا هنا لا اريد ان انتقص من الملك السعودي بسبب عدم قدرته على القراءة ، وانما اريد فقط الاشارة الى ان وضع الملك السعودي ليس فيه احراج اليه فقط وانما فيه الكثير من الاحراج للشعب السعودي ايضاً، فاذا كان مستوى الملك على هذه الشاكلة فما هو حال السعوديين الذين لم تتوفر لديهم الامكانيات والاموال والفرص التي لدى الملك، وعليّ ان اتذكر بان جدي وهو من جيل الملك هو الآخر لا يجيد القراءة ، مع الفارق ان جدي لم يكن ملكاً .

#سليم_مهدي_قاسم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات