أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزو محمد عبد القادر ناجي - العوامل الداخلية والخارجية المؤدية إلى عدم الاستقرار السياسي في سوريا (1943-1971)















المزيد.....



العوامل الداخلية والخارجية المؤدية إلى عدم الاستقرار السياسي في سوريا (1943-1971)


عزو محمد عبد القادر ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3267 - 2011 / 2 / 4 - 17:44
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


بحث مقدم من الدكتور
عزو محمد عبد القادر ناجي
بعنوان
"العوامل الداخلية والخارجية المؤدية إلى
عدم الاستقرار السياسي في سوريا"
(1943-1971)
ثمة عوامل داخلية وخارجية اشتركت مع بعضها البعض ي إحداث عدم الاستقرار السياسي في سوريا مما أدى إلى سقوط كثير من الحكومات السورية التي لم تستطع معيار الاستقرار السياسي فيها وهي أن تكون مدتها تزيد عن الثمانية أشهر وهومعيار عدم الاستقرار الحكومي ، كما لم تستطع الأنظمة السورية المتعاقة أن تستمر مدتها القانونية ، والتي تكون عرفياً بأربع سنوات حسب معظم الدساتير في العالم ، وعلى هذا الأساس سيوضح هذا البحث تمازج العوامل الخارجية مع الداخلية لإحداث عدم الاستقرار السياسي في سوريا خلال الفترة ( 1943-1971).
الفصل الأول

العوامل الداخلية المؤدية إلى
عدم الاستقرار السياسي في سوريا
المبحث الأول
"الجيـش"
للجيش في سوريا تاريخ طويل فعلى أرضها كانت المعارك العالمية الكبرى منذ فجر التاريخ بين الحضارات المختلفة، وكانت الكثير من مدنها مراكز لتلك الحضارات، أو حواضر مهمة لها، لكن زادت أهميتها في ظل الدولة الأموية التي كانت مركزها دمشق، فاهتم الأمويون في تنظيم الجيش وأكملوا ما بدأه الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في تنظيم الجيش( )، ثم أدخل الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان، نظام التجنيد الإجباري ففتحوا شمال أفريقيا كلها إضافة إلى الأندلس وجنوب فرنسا، وفرضوا الجزية على بلاد الصين والقسطنطينية، بعد أن فتحوا السند وبلاد ما وراء النهر وهي ما تعرف الآن بالتركستان والباكستان وغيرها من المناطق التي نشروا فيها رسالتهم، كما أنهم فتحوا معظم جزر البحر المتوسط، و كانت دمشق مركز الدولة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي يعد استمراراً للدولة الزنكية التي كانت عاصمتها دمشق أيضاً، فكانت الدولة الأيوبية وريثة عدة دول أهمها الدولة الفاطمية في مصر و الجزيرة العربية و الدولة الحمدانية في حلب والموصل وعلى هذا الأساس وحدت الدولة الإسلامية بعد أن تقسمت إلى دويلات عديدة، -وقد أيد الخليفة العباسي في بغداد هذه الوحدة وأقر صلاح الدين على هذه المناطق- وبعد ذلك هزمت الصليبيين في حطين وأخرجتهم من البلاد التي احتلوها بعد ذلك، وكانت الدولة الحمدانية في حلب والتي امتدت لمسافات شاسعة له الدور الأكبر في حماية الدولة الإسلامية من الغزوات البيزنطية، وعلى أرض الشام هزم المغول بعد تحالف أمراء الدولة الأيوبية في الشام مع مماليك مصر بقيادة القائد سيف الدين قطز في معركة عين جالوت، لكن ضعف مركزها في ظل الدولة العثمانية التي اتسمت بالتخلف والجهل مما أثر على مركزها، وعادت الروح إليها عندما أصبحت مركز الجيش الرابع التركي بقيادة جمال باشا –السفاح- خلال الحرب العالمية الأولى، ثم دخول الأمير فيصل بن الحسين دمشق عام1918 والذي عمد إلى بناء جيش وفرض التجنيد الإجباري، وتشكلت أول وزارة دفاع في المنطقة العربية في 2 مايو 1920( )، وكان أول وزير للدفاع هو يوسف العظمة الذي استشهد في معركة ميسلون والتي على إثرها دخل الفرنسيون دمشق في 1920، وفي عهد الانتداب الفرنسي شكلت فرنسا جيشاً في سوريا سمته جيش الشرق المختلط، وهو يجمع بين أبناء كل سوريا المنتدبة من قبل الفرنسيين بما في ذلك أبناء لبنان، رغم أن فرنسا اعتمدت مبدأ انتقاء الموالين لها، وخاصة من الأقليات الدينية والعرقية، حيث شكل العلويون وحدهم (3) كتائب من أصل 12 كتيبة، -لكن هذا لا يعني أن الأقليات كانت الأكثرية في الجيش فقد كان معظم ضباط الجيش بعد الاستقلال من السنة، وما يدل على ذلك أن قادة كل الانقلابات العسكرية الناجحة قبل 23 فبراير 1966 كانوا من الضباط السنة( )- كما أن مؤتمر حمص للمصالحة الوطنية في عام 1962 كان يضم 36 ضابط من الضباط السنة مقابل (5) فقط من الأقليات الأخرى أي أن نسبة الضباط السنة كانت حوالي 88 بالمائة بالنسبة لمجموع الأقليات الأخرى، كما كان معظم مؤيدي انقلابات الضباط من المسلمين السنة أيضا وهذا يعني أن الضباط السنة كان لهم دور كبير في الانقلابات العسكرية خلال هذه الفترة حيث كان تدخل الجيش السوري للسياسة من أهم العوامل التي ساهمت في عدم الاستقرارالسياسي في سوريا، بسبب اتصال بعض السياسيين ممن ينتسبون إلى الأحزاب بالعسكر كونهم أداة مهمة للتغيير السياسي، كما عمل بعض السياسيين الآخرين على إدخال طلاب المدارس العسكرية والشرطة ضمن أحزابهم، بحيث يكونوا تابعين لهم بعد تخرجهم، كما فعل ذلك عضو الحزب القومي السوري وعضو حزب الشباب ثم حزب العربي الاشتراكي ثم أحد قادة حزب البعث العربي الاشتراكي وهو النائب أكرم الحوراني، رغم أن المسؤولين عن الطلاب في الكليات العسكرية كانوا يعملون على صهر الطلاب في بوتقة واحدة واندماج واحد، بحيث تسودهم ثقافة الأخوة والاحترام ( )، خاصة أن الطلاب في مراحلهم الدراسية لم يكتمل نضجهم السياسي، لكن الحوراني يقول في ذلك ليبرر عمله في تسييس الجيش: " كنت أسأل نفسي، هل نترك الجيش للرجعية لتنفيذ مؤامراتها، بعد أن أصبح الجيش أهم ساحة من ساحات الصراع بين القوى التقدمية، والاستعمار؟ هل نعتبر الجيش قطاعاً من قطاعات الشعب، وهذا يقتضي تنظيماً حزبياً عالياً؟"( ) ويقول أيضاً "الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش"( ), فكان الحوراني –كما سنرى لاحقاً- عراب الانقلابات العسكرية في سوريا، قبل انقلاب عام 1966.
لكن لابد لأي انقلاب عسكري أن يكون نتيجة لعوامل عديدة أدت إليه فيكون هو رد فعل لهذه العوامل، إضافة لما يحدثه تدخل العسكر في إحداث الأزمات الحكومية وسقوط الحكومات، فانقلاب حسني الزعيم في 29 مارس 1949، كان من أسبابه تردي أداء الجيش في حرب فلسطين عام 1948 حيث سببت خيبة أمل وشعور بالإخفاق على المستوى الشعبي( ) ، كون الشعب كان ينظر لجيشه على أنه المحقق لتطلعات وأهداف الشعب بعد أن فرض الرئيس شكري القوتلي التجنيد الإجباري في سوريا عام 1948، وأصبحت الجندية واجباً مقدساً على الجميع، لتحقيق الأمن الخارجي والداخلي، خاصة بعد الاضطرابات في فلسطين بسبب وعد بلفور وماجره عليها من قيام دولة إسرائيل بتأييد الأمم المتحدة عام 1947، وقد شكك بعض أعضاء البرلمان السوري في أعقاب حرب فلسطين عام 1948 في نزاهة بعض قادة الجيش، واتهام البعض منهم بالفساد والسرقات، حيث شكل البرلمان لجنة للتحقيق في ذلك، وحوكم وزير الدفاع أحمد الشرباتي خلال حرب فلسطين، بسبب الخطة التي عهد بها لبعض الضباط وقد رفضها قائد الأركان اللواء عبدالله عطفة، مما حذا بوزير الدفاع إلى الاستقالة بعد خمسة أيام من بدء حرب فلسطين، فتسلم وزارة الدفاع رئيس الحكومة جميل مردم بك إضافة لمنصبه، وعمل لإبعاد قائد الأركان عن الأركان، وتعيين حسني الزعيم بدلاً منه والذي عمل على تطبيق خطة وزير الدفاع الخاطئة، والتي بسببها قتل الكثير من الجنود السوريين، حتى سميت المنطقة التي حورب فيها بمقبرة الجيش السوري، رغم أن الجيش السوري لم يهزم في تلك الحرب بل احتل بعض المناطق الاستراتيجية مثل مستوطنة كعوش، وكانت خطة قائد الأركان عبدالله عطفة، الاستيلاء على الساحل الفلسطيني السهل، ومنع الإمدادات للجيش الإسرائيلي، لكن لم تنفذ خطته، إضافة لقضية الضابط فؤاد مردم بك ابن أخو رئيس الحكومة جميل مردم بك، حيث عهدت إليه قبيل حرب فلسطين بقليل، باستيراد شحنة الأسلحة من إيطاليا إلى سوريا، لكن ذهبت الشحنة إلى إسرائيل، وكان هذا الضابط على علاقة بجاسوسة يهودية يوغسلافية اسمها بلماس، مما حذا بالرئيس شكري القوتلي لتقديمه للمحاكمة، كما أن الحكومة السورية تورطت بصفقة طائرات إيطالية ( )، تبين أنها قديمة وتسخن بسرعة، حيث ظهر ذلك خلال عرض عسكري أمام الجمهور، فسقطت إحدى هذه الطائرات وأودت بحياة عشرين متفرجاً وجرح آخرين، كل هذه الفضائح وغيرها كان لها تأثير سيء على الشعب السوري خاصة أن قائد الأركان الجديد وهو حسني الزعيم ( )، كان سجله مليئاً بالفساد منذ زمن الانتداب الفرنسي ، فقد اختلس مبلغ (3000) ليرة سورية، فحكم عليه عام 1942 بـ 10 سنوات سجن ، وقد أطلق سراحه الرئيس شكري القوتلي بعد الاستقلال، إضافة إلى استشراء الفساد في تموين الجيش وخاصة فضيحة الشحنة الفاسدة، مما أدى لاستهتار الشعب السوري بقيادة الجيش، وتعرض الضباط للإهانات بسبب ذلك، حتى أنه أصبح الصبية في الشوارع يمسكون أنوفهم حينما يمر أحد الضباط، وقام زعيم الحزب التعاوني الاشتراكي والنائب في البرلمان فيصل العسلي، بالتنديد بحسني الزعيم، وقيادة كتلة برلمانية تدعو لعدم زيادة ميزانية الجيش، بسبب الفساد، وأعتقل رئيس تموين الجيش العقيد أنطوان البستاني، وأرسل من سجنه رسالة لحسني الزعيم يهدده فيها بأنه سيكشف جميع شركائه، إذا لم يتصرف حسني الزعيم ويحل الموضوع( )، كما أن تعديل الدستور السوري عام 1947 للتمديد لرئيس الجمهورية لمرة واحدة فقط بسبب حرب فلسطين والأوضاع المتردية الأخرى خلال تلك الفترة، أثار استياء الجيش( )، وكان الجيش قد عهد إليه لقمع المظاهرات خلال حرب فلسطين مما حذا بحسني الزعيم الذي كان مديراً للأمن إضافة للأركان ، إلى الشعور بقدرة الجيش على التغيير، فاستغل بعض الطموحين هذه الظروف لإحداث انقلاب عسكري يطيح بنظام الحكم( ) ، فقام مستشار الرئيس شكري القوتلي وهو محسن البرازي وكان أميناً لشؤون القصر، بتشجيع حسني الزعيم على انقلابه، وكان له الدور الأكبر في إعادته قبل ذلك إلى الجيش وتعيينه قائداً للأركان، وهذا سر تعيينه رئيساً للحكومة بعد انقلاب حسني الزعيم، رغم أنه اعتقله لعدة أيام عقب الانقلاب حتى لا يقال أنه متآمر على الرئيس شكري القوتلي، كما شجعه أيضاً النائب في البرلمان وعضو اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في حرب فلسطين، وهو أكرم الحوراني على ذلك، حيث كان يختلي به كثيراً، وقد استاء الجيش أكثر عندما لم يهتم الرئيس شكري القوتلي لمذكرة الضباط التي أرسلوها إليه، بسبب تهجم النائب فيصل العسلي عليهم في البرلمان( )، حيث عهد للبرلمان بذلك مما حذا بالضباط إلى التذمر وعدم تنفيذ الأوامر، فاجتمع حسني الزعيم -مستغلاً هذه الظروف- في القنيطرة مع بعض الضباط وأبرزهم صديقي الحوراني وهما بهيج كلاس الذي أصبح نائباً لحسني الزعيم بعد انقلابه، وأديب الشيشكلي الذي أصبح مديراً للأمن، وأكرم الحوراني الذي أصبح مستشاراً لحسني الزعيم، كما تولى رئاسة اللجنة التي كلفه بها الزعيم للتحقيق في مساوئ الحكم السابق، والتي لم تجد أي اتهام للرئيس شكري القوتلي، وكان الذي ساعد على الانقلاب ما كان منتشراً في صفوف الجيش من فوضى في تنظيمه وارتباط بعض فروعه بعدة وزارات، مما جعلها مفككة ومنفصلة عن بعضها البعض وعن القيادة( )، وهذا أدى إلى اختلافات في التدريب وعدم تناسق وانسجام في نظام الجيش.
ورغم تأييد البعض مثل رجال الدين وحزب البعث لهذا الانقلاب ، إلا أنهم انقلبوا بعد ذلك ضده، حيث سرت شائعات في أوساط الشعب والجيش تقول أنه يريد القضاء على القومية العربية، وتشكيل فرق أجنبية في الجيش السوري( ) ، بعد أن أفسد معاهدة الهدنة مع إسرائيل بقبوله إعادة الأراضي الاستراتيجية التي استولى عليها الجيش السوري خلال حرب 1948، إلى إسرائيل، وحولها لمنطقة منزوعة السلاح، وتشرف عليها الأمم المتحدة( )، وحاول اللقاء مع رئيس وزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون، ففسر الضباط ذلك على أنه اعتراف بإسرائيل، كما أنه تقرب من تركيا وفرنسا وما سببوه لسوريا من مآسي في تآمرهم على الأراضي السورية وخاصة كليكيا ولواء الإسكندرونة، إضافة لخيانته قضية الوحدة مع العراق ، حيث ناصبها العداء، ثم تسليمه لزعيم الحزب القومي السوري أنطون سعادة ، الذي دعاه للجوء السياسي إلى سوريا، ثم سلمته للحكومة اللبنانية التي أعدمته على الفور، ثم إبعاده لأكرم الحوراني وأديب الشيشكلي كونهما في الحزب القومي السوري، وكان لهما أصدقاء بين ضباط الجيش، فحرضوهم على الانقلاب ضده، خاصة بعد سلسلة الاعتقالات التي سادت حكمه بعد تولي المقدم إبراهيم الحسيني الموالي للولايات المتحدة، رئاسة المكتب الثاني (المخابرات العسكرية)، والذي ملأ سجن المزة بالمعتقلين السياسيين( )، وإهانته وقتله لبعضهم، كما أشيع عن حسني الزعيم التهور والانتساب للماسونية، وسجله السيء خاصة بعد قبوله بخطة وزير الدفاع أحمد الشرباتي ورفضه خطة قائد الأركان عبدالله عطفة( )، ثم إعلان نواب البرلمان السوري بعدم التعاون معه بعد انقلابه( ) ، مما حذا به إلى حل البرلمان، ثم أخذ يحيط نفسه بهالة من العظمة( )، وأعطى لنفسه رتبة مارشال أي مشير، كل هذه العوامل جعلت الضباط يؤيدون انقلاب الزعيم سامي الحناوي ( ) في أغسطس 1949، والذي قوبل بارتياح شعبي وحزبي، وكان أول مرسوم له بعد تسلم السلطتين التشريعية والتنفيذية، تعيينه لعديله أسعد طلس أميناً عاماً لوزارة الخارجية (بناءاً على طلبه)، وتسريح أعوان حسني الزعيم( )، ثم أصدر مرسوماً، عين بموجبه هاشم الأتاسي رئيساً للحكومة وعهد إليه بتشكيلها، بعد أن وجه دعوته لرجال السياسة للحضور يوم الانقلاب، وقد برر سامي الحناوي انقلابه ، بأنه جاء كحركة تصحيحية لمسار انقلاب 30 مارس 1949 بسبب خيانة الأهداف التي تنكر لها( )، وهي مبدأ الاتحاد مع العراق، فجعل الجيش مراقباً لقرارات الحكومة لتحقيق هذه الأهداف، التي آمنت بها الحكومة أيضاً، فتشكل مجلس تأسيسي وفق انتخابات حرة عملت من أجل الوحدة مع العراق، وأعلن سامي الحناوي في 8 أكتوبر 1949 بالتصريح التالي: " إن الجيش وإن كان يرحب بأي اتحاد بين الدول العربية، إلا أنه يترك مثل هذا الأمر إلى الحكومة، وهو ينفذ ما يطلب منه فقط "( ) ، لكن أديب الشيشكلي الذي أعاده اللواء سامي الحناوي إلى الجيش وسلمه قيادة اللواء الأول عارض الوحدة مع العراق على أساس أنه كان أولى بالعراق الوحدة مع الأردن كون العائلتين الحاكمتين هاشميتين، كما عارض الحوراني ذلك على أساس أن الضباط السوريين سيفقدون مراكزهم بسبب أن الجيش العراقي أكثر تدريباً من الجيش السوري، وأن الجيش السوري سيكون تحت رحمة الجيش العراقي، بالرغم من أن الحكومة والمجلس التأسيسي كله - ماعدا الحوراني- كانوا مع اللواء سامي الحناوي( )، ولم تكن هناك أي قطيعة بينه وبين البرلمان، كما ادعى أديب الشيشكلي والحوراني بعد انقلاب الشيشكلي، من أن سامي الحناوي كان يجبر معارضي الاتحاد مع العراق على القبول، وأن هناك قطيعة بين الجيش والبرلمان (المجلس التأسيسي) ( ).
وعمل الرئيس هاشم الأتاسي الذي تولى في أعقاب انقلاب سامي الحناوي على إقرار إتفاقية موقعة من زعماء الأحزاب، وإبعاد الوزراء الانتهازيين واستبدالهم( )، وأعلن الأحكام العرفية خلال الانتخابات، ثم أعد مشروع الدستور لعرضه على المجلس التأسيسي، فأجريت الانتخابات البرلمانية، وانتخب رشدي الكيخيا رئيساً للبرلمان، وهاشم الأتاسي، رئيساً للجمهورية، بعد أن كان رئيساً انتقالياً مؤقتاً، وعهد لناظم القدسي بتشكيل حكومته، ووضعت مسودة الاتحاد بين سوريا والعراق، وكان بيان الحكومة : " إرادة الشعب السوري بإيجاد اتحاد بين سوريا والعراق " ، لكن ليلية اليوم الذي كان مفترضاً أن يتم فيه التصويت في البرلمان على قيام الاتحاد بين سوريا والعراق، قام العقيد أديب الشيشكلي بانقلابه الأول في 24 ديسمبر 1949 ، ولوحق مؤيدي الوحدة مع العراق، واعتقل قائد الجيش سامي الحناوي، وتشكل مجلس عسكري سمي مجلس العقداء بقيادة أديب الشيشكلي، حيث عهد لهذا المجلس بالاضطلاع على القرارات والشؤون المهمة واتخاذ الإجراءات اللازمة بصددها( )، لكن الشيشكلي أعاد الجيش إلى ثكناته، وأعلن أنه لن يتدخل بالحياة السياسية، وتولى منصب نائب قائد الجيش (الأركان)، رغم أنه ظل هو المسيطر على الجيش من وراء الستار، ثم تشكلت حكومة برئاسة خالد العظم في ديسمبر 1949 وعهد لأكرم الحوراني ، فيها بحقيبة الدفاع، لكنه لم يستمر فيها سوى أقل من شهرين، وبرر ذلك بأنها قيدته عن أعماله( ).

وعمل الشيشكلي باعتباره أصبح المتحكم من وراء الستار بالجيش،على إثارة الأزمات الحكومية( )، تمهيداً لوصوله إلى الحكم بانقلاب آخر، من خلال الأزمات الحكومية وعدم الاستقرار الحكومي،وعندما حاول بعض نواب البرلمان التنديد بتدخل الجيش في الحياة السياسية مثل الدكتور منير العجلاني،اتهم بالخيانة، وحوكم على أساس أنه خطط لاغتيال الشيشكلي( )، وعندما شكل الحكومة خالد العظم في مارس1950، وتعهده بالمحافظة على النظام الجمهوري المستقل، ودعم ميثاق الأمن الجماعي الذي اقترحته مصر، وإبعاد سوريا عن مشروع الهلال الخصيب، بارك الجيش هذه الحكومة( ).
ثم شكل ناظم القدسي الحكومة عام 1950 لكن ظهر خلاف بين وزير الداخلية رشاد برمدا ( )، وبين وزير الدفاع فوزي سلو الذي عينه الجيش، حيث كان الخلاف على من يسيطر على قوات الدرك، مما أدى لاستقالة وزير الداخلية رشاد برمدا، ثم أخذ الشيشكلي في إثارة التناقضات بين الأحزاب بتشجيع الحزب الوطني على إقصاء حزب الشعب على الوصول إلى السلطة، وإثارة الصراع بين السياسيين المدنيين على الحكم( )، وتصارع الأحزاب الراديكالية مع المحافظة، مما حذا بحكومة ناظم القدسي إلى الاستقالة في مارس 1951، بسبب خلافها مع الجيش، وحدثت الأزمة الحكومية التي استمرت أسبوعين، حيث شكل بعد ذلك القدسي حكومة جديدة استمرت يوماً واحداً، لكنها استقالت بسبب خلافها مع الجيش، فشكل الحكومة معروف الدواليبي في نوفمبر 1951 عملت على طرح سياسة محايدة برفضه برامج الأمن الإقليمي التي طرحها الغرب( )، وكان مقرراً إقصاء الشيشكلي عن الجيش في اليوم التالي لإنهاء تدخله في الحكومات والأزمات الحكومية، إضافة إلى ما قررته الحكومة ( ) بنقل الإشراف على القوات المسلحة كافة، وأجهزة الأمن إلى الحكومة، وضع منظمات الدفاع الوطني (الدرك)، تحت تصرف الحكومة بما في ذلك المكتب الثاني، وجعل رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للجيش والقوى المسلحة، لكن الشيشكلي رفض ذلك كله على أساس أن ذلك سيسمح لها فعلاً بإقصائه عن منصبه، فوجه إنذاراً إلى الحكومة، لكن معروف الدواليبي لم يستجب للإنذار، مما حذا بالشيشكلي إلى القيام بانقلابه في اليوم التالي أي في 29 نوفمبر 1951.
وقد تميزت الفترة بين انقلابي الشيشكلي الأول والثاني، بتدخلات الحوراني والشيشكلي في الحكومات فاستغلا نفوذهما من أجل الثراء( )، وظهرت فضائح محاولات شراء السلاح من فرنسا، وبلغت الفروق حوالي 15 مليون ليرة سورية، مع أن هذه الأسلحة كانت غير فعالة وقديمة، فكان الشيشكلي والحوراني لهما نصيباً كبيراً في هذه الصفقات، كما استغلا سلطتهما مستغلين مبدأ الإصلاح الزراعي الذي يدعو له الحوراني لنهب أراضي الجزيرة السورية من الأملاك العامة وأحياناً الخاصة، وأصبح كل من يهتف باسم الحوراني والشيشكلي من أقاربهما وأصدقائهما يفعل ذلك، كما طالب الجيش بأن يكون الحوراني رئيساً للحكومة، لكن البرلمان رفض بالإجماع على ذلك، كما تدخل الشيشكلي في البرلمان حاثاً إياه على دفع رواتب الضباط ليكسب ولاءهم أكثر، مما حذا بموظفي الدولة المدنيين، أن يطالبوا بنفس الزيادة، مما أحدث اضطرابات كثيرة في أنحاء الدولة، وبعد انقلاب الشيشكلي الثاني عين فوزي سلو رئيساً لجمهورية، رغم أنه ظل الحاكم الفعلي -من وراء الستار- بعد أن استقال رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، كما سقطت الحكومة وحل البرلمان، وأعتقل أعضاء الحكومة وبعض أعضاء البرلمان، وأصبح فوزي سلو والشيشكلي يحتفلون سنوياً بيوم الانقلاب وسمياه بالحركة التصحيحية، كما أخذا يدعوان الدول العربية للمشاركة فيه، وأصبح الشيشكلي ينفق الملايين في زياراته للمحافظات، حيث يساق الناس إلى استقباله، فيكون له الشعراء والهاتفون والمصفقون والراقصون، ثم أجرى الشيشكلي استفتاء في 10 يونيو 1953 للموافقة على الدستور الجديد ( )، وانتخابه رئيساً للجمهورية بطريقة الاستفتاء، حيث انتخب بنسبة 99.9، وأقر الدستور بنفس النسبة، ثم شكل حكومة برئاسته في 15 يونيو 1953، ثم أبعد فوزي سلو عن الحكم، وشكل تنظيماً سياسياً سماه حركة التحرير العربي ليتخذ منه متكئاً لحكمه، في 30 يونيو 1953، وقد ضم كل مؤيديه، ثم أصدر مراسيم بمنع التجمعات العرقية والدينية، ومنع أفراد الجيش من الدخول في الأحزاب وكذلك الطلاب، وابتعد عن أصدقائه( ) في الجيش بسبب اهتماماته الأخرى، مما أسخط الجيش، خاصة بسبب عزل واعتقال عدد من الضباط ذوي الصلة بالسياسيين، وكان لذلك أثراً في انقلاب مصطفى حمدون الذي قام بانقلابه السلمي في 25 فبراير 1954، بعد أن اندلعت مظاهرات في الحرم الجامعي، فانتهك حرمته الجيش( )، وآذى الطلاب والأساتذة، مما أدى لاستقالتهم، ثم مظاهرات حلب التي سقط على إثرها الكثير من الضحايا، رغم أنه كان باستطاعة الشيشكلي إنهاء التمرد، لكن تخوفه من تدخل العراق لصالح المتمردين، أو تدخل إسرائيل مستغلة الموقف، وتخوفه من انشقاق الجيش( )، كل ذلك جعله يؤثر الاستقالة وينسحب من البلاد إلى لبنان حيث لجأ إلى السفارة السعودية، لكن الجيش دعم رئيس البرلمان مأمون الكزبري ليكون رئيساً للجمهورية , كما ينص الدستور بذلك، لكن المعارضة رفضت ذلك فحل البرلمان، وأجمعت المعارضة على عودة الرئيس هاشم الأتاسي، واستقال الرئيس مأمون الكزبري، وأصبح الجيش كله كتلة متراصة وراء قائد الانقلاب الفعلي عدنان المالكي، فكان صمام أمان الجيش ومحور توازناته( )، وقد ساءت علاقته بالبعث بعد سقوط أخيه في انتخابات 1954، حيث اعتبر أن البعث هو المسؤول عن سقوطه، فأخذ يبعد بعض البعثيين عن مراكزهم في الجيش، ويضع معارضين لهم، لكن البعث استغل مقتله وصور أن الخونة أرادوا النيل من البعث في شخصية المالكي ، رغم أنه لم يكن بعثياً ولم يعمل لصالح البعث، لكن البعث عمل على تصفية خصومه طريقاً لوصوله إلى السلطة فكونوا -من خلال الحوراني- كتلة عسكرية تخلصوا خلالها من قادة الانقلاب مثل قائد منطقة حلب العقيد فيصل الأتاسي ، و قائد منطقة الجنوب العقيد محمد القباني ، والمقدم محمد دياب وغيرهم( ).
وبعد اغتيال المالكي في 22 إبريل 1955 تفكك الجيش إلى 20 كتلة عسكرية، كل واحدة منها لها زعيمها، وكل واحد منهم يتوقع أن تجرى استشارته قبل أي قرار( )، وهذا مما أفسح المجال للتدخلات المصرية في سوريا بشكل أساسي، إضافة للتدخلات الأخرى، وجرى بعد ذلك توزيع الأدوار على العسكريين والمدنيين، ثم أشاع الحوراني لحلفائه العسكر، أن الاتحاد مع مصر سيكون الضمانة ليتخلصوا من السياسيين المدنيين، وسيتيح لهم الرئيس المصري جمال عبدالناصر تشكيل لجنة قيادة ثورة سوري على غرار المصري، لذلك تشجعوا للذهاب إلى القاهرة في 12 يناير عام 1958 بقيادة قائد الأركان عفيف البرزي، تاركين وراءهم نائب قائد الأركان أمين النفوري، ورئيس المكتب الثاني عبدالحميد السراج، حيث كانوا قبل ذلك قد شكلوا مجلس قيادة ثورة برئاسة عفيف البرزي وكان يجتمع معهم الملحق العسكري المصري عبدالمحسن أبو النور، وبعد اجتماع الضباط الـ 14 في مصر مع جمال عبدالناصر قال أحدهم وهو أمين الحافظ معبراً عن
رأي الضباط : " إننا نضع أنفسنا تحت تصرفك يا سيادة الرئيس، ولك أن تتصرف بنا كما تشاء، وإن بامكانك أن تجري كل التنقلات التي تريدها في صفوفنا من فيق إلى أسوان، وإن الاستعمار أقام جداراً بيننا وقد جئنا لنهدم هذا الجدار"( ).
وعلى إثر ذلك تشكلت لجنة عسكرية سورية مصرية برئاسة عفيف البرزي عن الجانب السوري، وعبداللطيف البغدادي عن الجانب المصري، وأكد زعيم البعث ومنظره ميشيل عفلق على دور البعث في هذا الانقلاب بقوله: " الحزب بالدرجة الأولى عمل الوحدة،والعنصر العسكري نحن وجهناه "( ) وكان عبدالحميد السراج قد زار قبل ذلك مصر عدة مرات والتقى بعبدالناصر بحجة إطلاعه على الأوضاع في سوريا( )، وهكذا تغلغل حلفاء القيادة المصرية في الحياة السورية بشكل كبير، وأصبحت الساحة للبعث بعد القضاء على الحزب القومي السوري في سوريا( )، ولا أدل على التدخل المصري في سوريا أن الرئيس شكري القوتلي مع قائد الأركان توفيق نظام الدين لم يستطيعا إجراء التنقلات في الجيش، فكان تدخل مصر في العصيان -عصيان قطنا- بشكل كبير، لوقف هذه التنقلات، كما أصبح الحوراني يسخر حكومة صبري العسلي عام 1956 لصالح البعث من خلال حلفائه في الجيش، فصار يغلق ما يريد من صحف، ويسرح من يشاء من الضباط الغير موالين له، وصار أعضاء حزبه يشتبكون مع الأحزاب الأخرى بدعم الجيش( )، وهذا ما يؤكده اللواء راشد الكيلاني بقوله:
" عاد ضباط الجيش المسيسون مرة أخرى إلى التدخل في الحياة السياسية بشكل فاضح، بحيث أصبحت حفنة من الضباط المسيطرين على السلاح يعملون للوصول إلى القيادات التي يريدونها، ويعلنون عن مواقفهم السياسية بشكل سافر، ويسعون إلى التأثير على الحكومات بين حين وآخر، وفي نفس الوقت كان السياسيون يستغلون بعض هؤلاء الضباط لتقوية مواقفهم، وبقيت الأمور تسير على هذا الشكل حتى وقت قيام الوحدة مع مصر، وذلك لسيطرة الجيش ولعدم وجود شخص قوي فيه يملي رأيه على الساسة، بل كانت هناك مجموعات من الضباط لكل منها ارتباطاتها السياسية مع إحدى الفئات، وكان هؤلاء يستطيعون في كل وقت، التهديد بانقلاب يطيح بالوضع القائم"( ).
وزاد من تقسيم الجيش إضافة إلى تقسيمه أن الحوراني عمل على تجميع من أسماهم بالضباط التقدميين (اليساريين)، واتهام الآخرين (اليمينيين) بالرجعيين( ) ، وبالتالي العمل على التخلص منهم بتعاونه مع السراج، فتخلص من شوكت شقير، ثم توفيق نظام الدين وغيرهم ، ولإحكام السيطرة المصرية المبطنة، كان السفير المصري محمود رياض على اتصال بكل قادة الكتل العسكرية المتنافرة بعد اغتيال المالكي( )، فعلى سبيل المثال هدد كل من السراج والبرزي عام 1956 حكومة صبري العسلي بضرورة التوقيع على الميثاق المصري السعودي المشترك، وإلا فإنهم سيقومون بانقلاب( )، وشجعت مصر ذلك، وكان الحوراني قد هدد بضرب أنابيب النفط للشركة البريطانية العراقية لو تعرضت مصر للعدوان الثلاثي وذلك قبل العدوان بأيام قليلة( )، وبالفعل قام السراج بضربها ومهد هذا العمل لقيام مجلس قيادة عسكري جديد ( )عام (1957) برئاسة عفيف البرزي يضم قادة الكتل العسكرية، وكان له الدور الأكبر في الضغط على الرئيس شكري القوتلي بقبول الوحدة مع مصر بدون أي شروط، كما كان هذا المجلس قد حدد أهدافه بحماية استقلال سوريا, والمقصود بذلك عزلها عن العراق والحيلولة دون انضمامها للأحلاف العسكرية وخاصة حلف بغداد، ومراقبة تصرفات الحكومة، وأصبحت قرارات حكومة صبري العسلي عام 1957 متأثرة بهذا المجلس، فالوحدة مع مصر بهذا الشكل لم يكن يرضى بها أياً من السياسيين أو الأحزاب، لكن التنافر في الجيش الذي لم يكن فيه سوى ضابطين مواليين للبعث من قادة الكتل( )، هو الذي جعل الوحدة مع مصر بهذه السهولة، وبعد الوحدة عمل جمال عبدالناصر على حل الأحزاب، وإبعاد الجيش عن السياسة، وتفكيك المجلس العسكري السوري( )، وتقريبه للبعض على حساب الآخرين والتمييز بين الضباط المصريين والسوريين خلال حكم الوحدة لصالح المصريين ، ولم يقتصر ذلك على الضباط بل تعداهم إلى المدنيين، فأعطوا مناصب أقل من المصريين( ) ، وأخذ بعض الضباط المصريين يمارسون أوامرهم كما لو كانوا محتلين ، إضافة إلى فضائح الاختلاس والتهريب خاصة من عبدالحكيم عامر الذي عين نائباً لعبدالناصر في سوريا، ثم حدث الصراع بين وزير الداخلية عبدالحميد السراج ونائب عبدالناصر في سوريا عبدالحكيم عامر( )، مما حذا بعبدالناصر إلى نقل السراج إلى مصر وإعطائه منصب نائباً له، وإعطاء صلاحياته لعبدالحكيم عامر، فبدأ بعملية تطهير ما تركه السراج فأمر بنقل عدداً من مؤيدي السراج إلى مصر وتسريح بعضهم، مما حذا بالسراج إلى الاستقالة في 20 سبتمبر 1961، وبسبب ما أحسه العسكريون من جور نظام الوحدة على الشعب السوري، واضطلاع كاتم أسرار المشير عبدالحكيم عامر المقدم عبدالكريم النحلاوي عن نية القيادة المصرية تسريح عدداً من الضباط السوريين ونقل آخرين إلى مصر( ) ، وكان منهم عبدالكريم النحلاوي، وكان النحلاوي يقود تكتلاً عسكرياً دمشقياً، ويخطط لانقلابه منذ ثلاثة أشهر، وقام به بالفعل في 28 سبتمبر 1961، ولم يلق الانقلاب مقاومة تذكر فقد حدث تمردين في حلب واللاذقية لكن أجهضا على الفور( )، ثم عمل النحلاوي على تسريح 120 ضابطاً من الجيش من جماعة الحوراني ، ونقل 160 آخرين إلى مناصب مدنية وكان من الذين سرحهم، صلاح جديد، وحافظ الأسد، وأعاد الحكم للمدنيين، ورغم تعيينه للواء عبدالكريم زهر الدين قائداً للأركان إنه ظل مسيطراً على الجيش، ومدافعاً عن النظام، وقد لاقى انقلابه تأييد معظم ضباط الجيش والسياسيين مثل (شكري القوتلي، خالد العظم، أكرم الحوراني، سلطان الأطرش، صبري العسلي)، وقد أرسل النحلاوي وفداً عسكرياً إلى مصر لإعادة الوحدة معها على أسس صحيحة، ثم اعتقل كل من حيدر الكزبري، وفيصل سري الدين، ورئيس المكتب الثاني العقيد محمد الزعبلاوي، بتهمة أخذ رشوة من الملك حسين وأبعدهم عن الحكم، وشكل مجلس الأمن القومي، لكن مقررات مؤتمر حمص أبعدته إلى خارج البلاد كملحق عسكري في الخارج، بعد أن خانه عبدالكريم زهر الدين، حيث أكمل ما بدأه عبدالكريم النحلاوي، وكان من أسباب عدم الاستقرار خلال فترة الانفصال عن مصر، أن ضباط الانفصال لم يكونوا على وفاق مع بعضهم، وهكذا كان المجلس القومي الذي يرأسه الرئيس ناظم القدسي يجعل للعسكريين رأياً في تقرير قرارات الحكومة باعتبار أن هذا المجلس يجمع قادة النظام المدني وقادة الجيش.
وقد حاول قائد قوات الجبهة العميد زياد الحريري، أن يكسب ثقة الرئيس ناظم القدسي لتعيينه مكان قائد الأركان عبدالكريم زهر الدين، لكن الرئيس رفض ذلك مما حذا بزياد الحريري إلى التواطؤ مع رئيس المكتب الثاني راشد قطيني الذي عينه عبدالكريم زهر الدين قبل أسبوعين، بعد أن كان ملحقاً عسكرياً في الأردن، وقام بانقلابه مع بعض الضباط في 8 مارس 1963، ومما يدل على تواطؤ عبدالكريم زهر الدين في الانقلاب أنه ادعى أنه لم يسمع بالانقلاب إلا بعد وقوعه بفترة طويلة ثم عمل قادة الانقلاب على إعادة من سرحهم الحوراني ومنهم صلاح جديد وحافظ الأسد، إلى الجيش بحجة أن تسريحهم كان خطأ، ثم عملوا على تسريح 500 ضابطاً معظمهم من التيار اليميني ومن المسلمين السنة، ومن أهم كوادر الجيش المدربة والمحترفة وأحلوا محلهم صف ضباب من معلمين وموظفين، وحجتهم في ذلك على أساس أنهم برجوازيين، أو انفصاليين أو رجعيين .... الخ وهذا ما أكده رئيس مجلس قيادة الثورة الرئيس لؤي الأتاسي بقوله :
" حتى الآن صار عندي 300 ضابط مسرح من مختلف الرتب، وماشيين بالتسريح، وأي إنسان لو أشك أنه ممكن ألا يمشي مع الاتجاه، على طول يخرج"( ), وطالت عمليات تسريح ضباط الأمن وطلاب الكلية العسكرية، حتى أنه صرفت دورة بكاملها بحجة أن طلابها انفصاليون، وكان مجلس قيادة الثورة قد أعطى لنفسه جميع السلطات، وحق تصفية الجيش وحله، فجاء في المادة الثامنة من هذا المرسوم : " لمجلس قيادة الثورة مناقشة وإقرار تسليم الجيش العامل والاحتياطي، وتكوينه وتخفيضه، وحله بناءاً على اقتراح مجلس الدفاع ", يرى الحوراني أن الهدف من هذا إشعار الولايات المتحدة أن إتمام مشروع نهر الأردن لن يلاقي أي صعوبة أو تدخل من جانب الجيش السوري الذي سوف يصفى.
وسبب اختلاف الضباط الناصريين المؤيدين للوحدة مع مصر والضباط البعثيين، حدث الصدام بينهما في 18 يونيو 1963 بقيادة جاسم علوان، وكان اختلافهم على مناصب الحكومة، ومقاعد (حقائب) الوزارات( )، وبعد فشل الانقلاب عملت اللجنة العسكرية البعثية على تسريح 47 ضابطاً ناصرياً ، وبسبب ذلك استقال وزير الدفاع الفريق محمد الصوفي، ورئيس المكتب الثاني الفريق راشد قطيني، ثم تم تسريح قائد الأركان الفريق زياد الحريري، وبسبب احتجاج الفريق لؤي الأتاسي، على عمليات الإعدام، قام نائب الرئيس لؤي الأتاسي بانقلابه ضده، وتسلم صلاح جديد قيادة الأركان، وبدأ في التدخل في عمليات التسريح والتنقل على أسس شخصية وطائفية، يؤيده بذلك أعضاء اللجنة العسكرية، ومعظمها من الأقليات الطائفية، مما حذا بالقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في 22 يناير 1965 إلى انتخاب المكتب العسكري بديلاً للجنة العسكرية، لكن هذا المكتب سيطر على القيادة القطرية نفسها من خلال أمين الحافظ ، وحمد عبيد، وصلاح جديد..، وظل تركيز النظام منصباً على تعزيز وضعه الداخلي أكثر من التركيزعلى التهديد الخارجي والرقي الاقتصادي، وما يدل على أن الجيش كان المسيطر على الحكومة، أن العقيد محمد عمران عرضت عليه رئاسة الحكومة لكنه رفضها، واعتبرها مقدمة لخروجه من السلطة( ) لكنه قبل أن يكون نائباً لرئيس الحكومة، فالحكومة أصبحت خاضعة للسيطرة العسكرية ومندمجة فيها، وذلك حسب توصيات المؤتمر السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1963 الذي قرر ما يلي: "دمج المؤسسات المدنية مع العسكرية لخلق تفاعل أيديولوجي ينتج وحدة في التفكير، ومجابهة مشتركة، وعملية متكاملة لقضايا البناء الاشتراكي، تمنع التقوقع العسكري، وتصهير الجيش والشعب في مصير ثوري مشترك، وإن هذا الجيش هو جيش عقائدي هدفه تحقيق أهداف الأمة العربية من خلال مبادئ وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي، فمسؤوليته هي حماية البلاد من العدوان الخارجي وحماية الثورة من أعدائها، والحزب يغزي الجيش بالروح العقائدية، ويوجهه توجيهاً يتلاءم مع اتجاهات الحزب وخططه"( )


وعلى إثر التوجه الطائفي في الجيش من قبل وزير الدفاع محمد عمران، عمل الرئيس أمين الحافظ على إبعاد محمد عمران كملحق عسكري في الخارج( )، مما حذا بصلاح جديد إلى استقطاب الأقليات الأخرى تمهيداً لانقلابه على أمين الحافظ، ومنهم سليم حاطوم، وحمد عبيد، وفهد الشاعر، وأحمد المير، عبدالكريم الجندي، مع تسريح الضباط السنة، وبسبب ذلك عملت القيادة القومية على تحجيم دور صلاح جديد بسبب توجهاته الطائفية وقررت استلام السلطة في 19 ديسمبر 1965، وحلت القيادة القطرية الموالية لصلاح جديد، ونددت بالطائفية في الحياة العسكرية، وشكلت حكومة في 22 ديسمبر 1966 برئاسة صلاح البيطار، وعمل الرئيس أمين الحافظ على تحجيم الدور الطائفي في الجيش بالنسبة للموالين لصلاح جديد، مما حذا بصلاح جديد إلى القيام بانقلابه، ولإخفاء حقيقة الانقلاب الطائفي، عمد صلاح جديد إلى تعيين نورالدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، ويوسف زعين رئيساً للحكومة، لكنه أعطى المراكز الرئيسية في الجيش لطائفته، ثم عمل على إبعاد مؤيدي الرئيس أمين الحافظ من السنة، وبعد ذلك عمد إلى تصفية الضباط الدروز والإسماعيلية، ثم إبعاد ما تبقى من السنة بعد انقلاب أحمد سوداني الذي كان قائداً للأركان، وبسبب ذلك حدث الخلاف بين صلاح جديد ووزير الدفاع اللواء حافظ الأسد الذي ابتدأ بعد هزيمة يونيو 1967، حيث كان صلاح جديد قد عينه وزيراً للدفاع بعد انقلاب 23 فبراير 1966 ( )، وكان من أسباب الخلاف هو بسبب وضع الفلسطينيين تحت إمرة الجيش السوري,حتى لا تهاجم إسرائيل المواقع السورية بسببهم، وأيضاً من أسباب الخلاف أن صلاح جديد ينتمي للتيار اليساري المتطرف، أما حافظ الأسد فيميني( )، وبعد انقلاب حافظ الأسد وصيرورته رئيساً للجمهورية، اعتقل جميع مؤيدي صلاح جديد، وعمل على فرض إرادته على الآخرين.
وحول هزيمة 1967، أكد أرييل شارون أن وجود الشخصية الانهزامية عند العرب هو الذي جعل إسرائيل تفوز في هذه الحرب، رغم ما يتسم الجندي العربي من صفات الشجاعة( ) ، وهذا ما فعله صلاح جديد الذي أفقد الجيش لتوازنه وأنهك الجيش بالتصفيات التي أحالت أكفأ الضباط إلى التقاعد، وحول الدولة إلى دولة مخابرات لأجل القمع الداخلي، وتجدر الإشارة هنا إلى القول أن صلاح جديد لم يكن أول من شكل تكتلاً طائفياً في الجيش إبان حكم البعث وبعد انقلابه، وإنما كانت هناك محاولات سبقته من قبل ضباط في الجيش مثل العقيد محمد ناصر، وأخيه غسان جديد الذي عمل على تحطيم الحزب القومي السوري بخيانته لمبادئ الحزب في قتل عدنان المالكي، ثم جاء محمد عمران إبان الوحدة ليقوم بنفس الدور لكن عبدالناصر نقله ونقل تكتله إلى مصر، وسجنوا إبان الانفصال 50 يوماً، وكان منهم صلاح جديد( )، كما كان العقيد محمد معروف يتآمر في لبنان مع جهات أجنبية على إسقاط الوحدة , وهذه الطبيعة الطائفية عند بعض هؤلاء العسكريين كانت بسبب انعزالهم ورغبتهم في الاستيلاء على السلطة منذ عام 1945، فكانوا على الدوام يشجعون أبناءهم على الدخول إلى المدارس العسكرية أو التطوع في الجيش كصف ضابط بالدرجة الأولى( )، وضباط إن استطاعوا ذلك فكانت استراتيجيتهم الوصول إلى السلطة من القاعدة من خلال السيطرة على قواعد الجيش بتطوعهم فيه كصف ضباط وجنود ، حتى أنهم كانوا خلال عهد الوحدة قد شكلوا نسبة تساوي 45% من صف الضباط في الجيش بالنسبة لمجموع صف الضباط بأجمعهم المتطوعين في الجيش، وهذه الإستراتيجية ساهمت بشكل كبير في وصولهم إلى السلطة عام 1966 على أساس جعل هؤلاء صف الضباط، كضباط بديلين ممن تم تسريحهم من ضباط الفئات الأخرى .

المبحث الثاني
التمايز الاجتماعي
1- الطائفية والعشائرية والإقليمية والعرقية.
2- العوامل الشخصية وخصوصية الشعب.
3- صراع الأجيال.
1- الطائفية والعشائرية والعرقية والإقليمية :
إن عوامل الطائفية والعرقية والعشائرية والإقليمية عوامل مترابطة بشكل كبير مع بعضها البعض، لأن الفرد قد ينتمي لطائفة ما في قبيلة ما في منطقة معينة، إضافة إلى انتمائه لإقليم معين، وقومية معينة، تختلف عن الآخرين، وقد يكون التلاحم الطائفي بين أفراد لا ينتمون لنفس العشيرة أو العرق أو الإقليم، وهكذا بالنسبة للعناصر الأخرى، ومعظم الأقليات الدينية في سوريا لها أقاليم خاصة بها وعشائر خاصة بها وأقاليم أو تجمعات خاصة بها، كما أن الأعراق المختلفة في سوريا معظمها توجد في أقاليم محددة، أو أماكن خاصة بهم، ويبين الجدول (1-3) ( ) نسبة الطوائف الدينية في سوريا :


الجدول (1-3)
يبين الطوائف الدينية والمذهبية في سوريا
الطائفـــــة النسبة المؤيدة لها
المسلمون السنة 75%
المسلمون الشيعة 1%
المسلمون الدروز 3%
المسلمون الإسماعيلية 1%
المسلمون العلويون 11%
المسيحيين 8.5%
اليهــــــود * 0.0005 %
النــــــور 0.0025 %

الجدول (2-3)
يبين الأعراق (القوميات) السورية
العــــرق النسبة المئوية
العــرب ** 78 %
الأكــراد 8.5%
الأرمــن 4%
التركمــان 3%
الشركــس أقل من 1%
كما يبين الجدول ( ) (2-3)، الأقليات العرقية في سوريا بالنسبة للأغلبية العربية، لكن معظم الأكراد والتركمان والشركس من المسلمون السنة، ومعظم أفراد الطائفة اليزيدية من الأكراد، أما الأرمن فكلهم مسيحيين.
وعلى هذا الأساس يشكل المسلمون السنة العرب حوالي 63% من مجموع الأقليات العرقية والدينية والطائفية مجتمعة، فالمجتمع السوري يتميز بظاهرة التجزؤ المجتمعي ( )، بسبب خصوصية تركيبته الجغرافية والبشرية وموقعه الجغرافي على البحر المتوسط، فهناك مجتمع الأرياف التابعة للمدينة، وأخرى لا تتبعها، وهناك أرياف متجانسة المذهب والدين وأخرى مختلفة، فالمجموعات السكانية في الأرياف الجبلية ذات الخصائص المذهبية غير السنية شكلت ممانعة لسلطة المدينة، مثل العلويين، والدروز، واليزيدية، الذين انعزلوا بأنفسهم في الجبال وفق عشائهم الخاصة بهم، ورغم اختلاف بيئإتهم عن البيئات السورية الأخرى، جغرافياً وبشرياً واجتماعياً، إلا أنهم لم ينعزلوا عن كيان الدولة بل اندمجوا فيه.
والجماعات الدينية في سوريا تشكل الإطار الاجتماعي الحقيقي، لأن الديانة ليست موقعاً روحياً فحسب، أو إقرار إيمان داخلي، وإنما هي أساس السلطة الاجتماعية التي تنظم معظم أفعال الحياة الاجتماعية، فهي المحور الذي تدور حوله معظم أفعال الحياة الاجتماعية، فالروابط القائمة، بين مختلف الطوائف الدينية في أرياف سوريا، قائمة على الشك والريبة والصراع بين جماعات سياسية حقيقية، وكل منها تحتفظ بقوة وإصرار على نمط عيشها وتنبذ نمط جارتها، لذلك كانت هذه الروابط بين الطوائف المختلفة ضعيفة جداً، والزيجات المختلطة نادرة، ولا يوجد توافق اجتماعي بينها، فالمذاهب كافة اتخذت مواقف صلبة من بعضها البعض، وكل منها يظهر عداءاً سافراً تجاه الآخر، في حين يزداد التضامن وثوقاً بين أعضاء الجماعة الواحدة، خاصة عندما تواجه تحديات من قبل طوائف أخرى، ويسود الجهل بين المذاهب المتجاورة مع الحذر والخوف والحسد والحقد والاحتقار أحياناً ( ) ، ولكن على عكس الحال في المدن السورية التي كان يسودها التسامح والإخاء بين جميع الطوائف والأديان والأعراق، حتى أن المقيم الأجنبي كان يفخر بأنه من أهل المدينة التي يقيم فيها، بسبب ما يلقاه من تسامح ومروءة وصدق المعاملة والعطف على الفقراء والمحتاجين، وهذا ما جعل سوريا على مر العصور ملجأً للمضطهدين سياسياً ودينياً من الأقاليم المجاورة( ) ، وعلى ذلك فكانت العزلة الجغرافية لبعض هذه الجماعات الدينية المهاجرة والأصلية، في ظل عدم وجود سلطة مركزية قوية، وضعف الاتصال فيما بينها وبين المناطق المدينية، والتسامح العرقي والديني تجاهها، عاملاً على عدم التمازج الثقافي والديني والعرقي( )، ومما ساهم في وجود الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سوريا عدة عوامل أهمها: ( )
1- انتشار الأديان التوحيدية الثلاث والمذاهب التي تفرعت عنها في سوريا.
2- الغزوات السكانية التي تعرضت لها من أكراد ومغول وتتار.
3- الخلافات القومية والعشايرية التي اتخذت طابعاً دينياً قومياً.
4- التدخلات الخارجية خلال وبعد سقوط الدولة العثمانية بداعي حماية الأقليات.
5- عقدة الأقليات التي أكدها جاك ويلرس والتي يقول بأنها: "حساسية مرضية تجعل أي تحرك لجالية مجاورة، تبدو وكأنها خطر محقق أو تحد لهذه الجالية، فتقوم بتوحيد كل مجموعة بالكامل، أمام أدنى هجوم أو تعدي يرتكب ضد أي من أعضائها " .
6- نمو الوعي الفوق وطني سواءاً كان عربياً، أم إسلامياً، أم طبيعياً ...... والولاءات تحت الوطنية أي الإقليمية من طائفية وعشائرية وإقليمية .... على حساب الولاء الوطني للدولة الوطنية، وذلك بعد الاستقلال.
7- اهتمام الطلاب منذ الاستقلال بالسياسة رغم عدم اكتمال وعيهم القومي والثقافي.
8- النزعة الإقليمية للأحزاب السياسية بغض النظر عن أيديولوجيتها السياسية، مثلاً كان معظم أعضاء الحزب الوطني ينتمون لدمشق، ومعظم أعضاء حزب الشعب ينتمون لحلب، ومعظم أعضاء حزب البعث ينتمون للأقليات ... الخ .
وهذه العوامل كانت استمراراً لمؤامرة تقسيم سوريا الطبيعية أي الهلال الخصيب بغرض إقامة دويلات عاجزة عن التطور على واقعها، واستغلال الأوضاع الطائفية والقبلية والعشائرية لإشعال حروب أهلية، كلما اقتضت الحاجة الاستعمارية ذلك، إضافة إلى الاهتمام الخاص بأوضاع الأقليات الدينية والطائفية وإشعارهم باستقلاليتهم عن الوطن الأم، وتشجيعهم لإقامة دول خاصة بهم، إضافة إلى تشجيع الخلافات الإقليمية، واختلاق نزاعات حدودية لتغذية الحقد الإقليمي، حتى يتعرف الشعب على حدود دولته التي رسمت له( ).
وستبين هذه ا لدراسة مدى تأثير كل طائفة أو عرق على الاستقرار السياسي خلال مدة الدراسة، مع تأكيد على الطوائف التي كانت أشد إثارة للنزعات الطائفية، لما لذلك من تأثير على عدم الاستقرار السياسي، وسيكون ترتيبها في هذه الدراسة بحسب أهميتها في إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا.
1- المسلمون العلويون :
يعتقدون بإمامة الإمام علي بن أبي طالب "كرم الله وجهه"( )، وقد ظهروا في القرن العاشر الميلادي، وتبنوا بعض الطقوس الوثنية والمسيحية، ومعظمهم يتركز في تركيا فمنهم الأتراك أو الأكراد أو العرب، رغم أن أصولهم واحدة، ولكن اختلفت لغتهم باختلاف المناطق التي سكنوا فيها، وقد أحدثوا قلاقل كثيرة في تركيا في السنوات 1979، 1980، 1999،( ) ويصل عدد العلويين في تركيا حوالي سبعة ملايين حيث يتسمون بأسماء عديدة منها البكتاشية والقزل باش، وتعني الرأس الأحمر( ).
وتقول إحدى النظريات أنهم قد أتوا إلى سوريا واستقروا في جبال البهراء التي تقع شمال غرب سوريا، وانعزلوا فيها، وقد سماهم الفرنسيون بعد احتلالهم الساحل السوري، باسم العلويون( ) بعد أن كان اسمهم النصيرية ، ويتمركزون في محافظة اللاذقية، بأقضيتها الأربعة (اللاذقية، الحفة، جبلة، القرداحة)، ومحافظة طرطوس باقضيتها الخمسة (طرطوس، بانياس، الشيخ بدر (القدموس)، دريكيش، صافيتا)، ويتواجد قسم منهم في حماه (قضاء مصياف)، وفي بعض قرى حمص (قضاء تلكلخ)، حيث تشكل هذه الأقضية منطقة جغرافية متصلة ثلثي سكانها من العلويين ، حيث استقر قسماً منهم في إيران في خرسان وقسم آخر في تركيا، وقسم في سوريا، ومؤسس مذهبهم هو محمد بن نصير العبيدي النميري من بلاد فارس( ).
وقد كانت لهم علاقة مصاهرة مع الشيخ جنيد وهو الجد الأكبر للشاه الإيراني إسماعيل الصفوي، وعاش معهم فترة طويلة، لذلك كان ولاءهم للصفويين في حربهم ضد العثمانيين، مما حذا بالدولة العثمانية إلى اضطهادهم، وقد حاولت الدولة العثمانية، تسنينهم أي جعلهم سنيين لكنهم رفضوا ذلك، فلم تدخلهم الدولة العثمانية في نظام الملل ولم تعترف بهم كمسلمين أو من أهل الذمة، رغم اعترافها بالدروز والإسماعيلية واليزيدية، لكن تقول نظريات أخرى وترى نيفين مسعد أنهم اشتهروا بالتمرد والدعوات الانفصالية( )، وقد عملت السلطة عام 1973 على استصدار تصريح من 80 شيخ علوي يؤكدون فيها أنهم إحدى الفرق الإسلامية الشيعية، رغم أن بعض فقهاء المسلمين رفض هذه الطائفة واعتبرها غير مسلمة( )، لكن زعيم الشيعة في لبنان موسى الصدر أصدر فتوى تؤكد أنهم إحدى فرق الشيعة ، وقد قام أحد أبناءهم بثورة وهو الشيخ صالح العلي وهو شيخ علوي، فقد تمرد على الفرنسيين، ولكن تمرده كان قد تداخل مع عدائه للإسماعيليين الذين تحالفوا مع الفرنسيين ، وكانت قد أوكلت إليه متصرفية جبال (العلويين) من قبل الملك فيصل وقد دعمه في ثورته قائد ثورة الشمال إبراهيم هانو، واشتراك الكثير من السنة والشيعة والدروز( ) .
وانقسموا بحسب معتقداتهم إلى شمسية، وقمرية (كلازية)، ومرشدية ، ويرى البعض منهم أنهم جاؤوا من مصر عبر خمسة هجرات وأنهم من سلالة الإمام علي، وأنهم كانوا فقراء بسبب مناطقهم الجبلية الوعرة التي لا تسد حاجاتهم، وكان معظمها لزعمائهم، فكانوا حفاة عراة ينامون مع حيواناتهم في بيت واحد( ) ، ويتوزعون على أربعة قبائل رئيسية هي الكلبية، والخياطين، والحدادين، المتاورة( ).
وترتبط فرقتهم بالفرقة المفضلية التي تنتسب إلى المفضل بن عمر الجعفي تلميذ الإمام جعفر الصادق، فعندما بادت المفضلية ظهرت النصيرية بديلة لها ، كما ترتبط فرقتهم بالخطابية، ويقول في ذلك المفضل بن عمر الجعفي، "إن محمد بن نصير قد استنبط من علم أهل البيت واتفق على روايات الهفت والأظلة "( ) ، ويعتقدون أن من عرف الباطن سقط عنه الظاهر من الفرائض وغيرها .
وخلال العهد العثماني، وما قبله، عمدوا إلى غزو المناطق المحيطة بمناطقهم، والتي كانت أكثريتها مسيحيين، مما أضطر المسيحيين للهجرة منها ، وعمدت فرنسا عند إحتلالها لسوريا على إقامة الدولة العلوية وسمتها (دولة جبل العلويين) بمساحة قدرها 6500 كم2( )، لكن تخلوا عنها ورفضوها ووجدوا الاندماج بسوريا عام 1945 ، ويتميزون بالولاء المطلق لمشايخهم ولعائلاتهم وعشائرهم( ) ، وقد كان للتطور التعليمي الذي عظم بعد استقلال سوريا، الدور الأكبر لوصولهم للمدارس العسكرية ومن ثم إلى الجيش ومن ثم إلى السلطة، حيث يعتبرون من أكثر الطوائف التي إنضم أفرادها لجيش الشرق المختلط - الذي أسسته فرنسا زمن الانتداب- بالنسبة لعددها، وتميزوا خلال ذلك الجيش، وفي الحياة العامة , بمساندة بعضهم البعض ( ) وقد قامت إحدى طوائفهم بعصيان مسلح ضد الحكومة الوطنية في عهد الرئيس شكري القوتلي، تمثل بحركة سليمان المرشد الذي ادعى الألوهية ثم شكل عصابات أصبحت تقتل وتنهب وتستولي على أراضي الغير، ثم طالب الحكومة بعدة شروط لوقف عصيانه وهي:
(1) أن يكون في الحكومة السورية وزيراً علوياً.
(2) أن يكون محافظ اللاذقية علوياً.
(3) إطلاق سراح جماعته الذين اعتقلتهم الحكومة بسبب النهب والسلب والقتل، وهددوا إذا لم تفعل الحكومة ذلك سيسعون إلى الانفصال عن سوريا مرة أخرى، وكان المرشدية قبل ذلك قد هددوا في عام 1939، محافظ اللاذقية إحسان الجابري بالقتل، وقد انتهى التمرد باعتقال سليمان المرشد مع إثنين من أشقائه وإعدامهم في 17 ديسمبر 1946 في دمشق، وكان قد قتل زوجته قبل ذلك، وقد شجعه الفرنسيون إبان انتدابهم على سوريا، ولقبوه بالرب، وكانت فرنسا تسلح رجاله، وقد عمل أكرم الحوراني الذي كان ينادي بالإصلاح الزراعي، على استغلال فقرهم واستغلالهم عند ملاك الأراضي، من خلال مطالبته بالاستيلاء على أملاك ملاك الأراضي لتوزيعها عليهم، مما جعل له تياراً شعبياً وسطهم، حيث أعطيت لهم الكثير من الأراضي التي كانوا يشتغلون فيها وخاصة في منطقة الغاب( ).
وقد حاول بعض ضباطهم السيطرة على الحكم من خلال العقيد محمد ناصر( ) عام 1945، ثم حاول تكرارها عام 1950، مما أدى لمقتله على يد رجال المخابرات العسكرية (المكتب الثاني)، ثم شكل غسان جديد تكتلاً علوياً داخل الجيش( )، مما حذا بنائب قائد الأركان عدنان المالكي إلى نقله إلى دمشق مما سبب عداءاً كبيراً بينه وبين غسان جديد، لذلك عمل على التخلص منه ومن الحزب القومي السوري في نفس الوقت حيث كان غسان جديد وأخيه صلاح جديد، وبعض المؤيدين لهما قد انتسبوا لهذا الحزب رغم عدم طائفية الحزب، ولكن لمواجهة المد القومي السوري، حيث كانوا يراهنون على ضرب القومية السورية والعربية، وكان من أعضاء الحزب القومي السوري أيضاً أحد مؤيديهما وهو الرقيب يونس عبدالرحيم الذي قتل عدنان المالكي مع ثلاث عسكريين آخرين هم عبدالمنعم الدبوسي، وفؤاد جديد-شقيق صلاح جديد- وبديع مخلوف، وقد أعدموا جميعاً بعد محاكمتهم، كما تم قتل غسان جديد في لبنان على يد المخابرات العسكرية السورية، لكن بعد أن تسببوا في تحطيم الحزب القومي السوري في سوريا ولوحق أتباعه بسببهم، وهذا ما أكده فيما بعد عصام المحايري من أن بعض أعضاء الحزب قد خانوا مبادئه ونفذوا جريمتهم، ولا علاقة للحزب بذلك.
كما أنهم في ظل حكم الشيشكلي أثار المرشديه فتنة طائفية تمثلت بإدعاء ابن سليمان المرشد الألوهية مثل أبيه، مما حذا بقائد الشرطة العسكرية عبدالحق شحادة إلى قتله( )، فعندما سقط حكم الشيشكلي تخوف عبدالحق شحادة أن تفتح القضية، مما حذا به إلى الاتفاق مع قائد وحدات المدرعات حسين حدة، إلى رفض الاستسلام للمتمردين عقب استقالة الشيشكلي فأيدوا رئاسة مأمون الكزبري الذي كان رئيساً للبرلمان، وتعهد قائد الأركان شوكت شقير بدعم هذا الإجراء، لكن بعد رجوع الرئيس هاشم الأتاسي للرئاسة، فتحت القضية فعلاً، وحكم على عبدالحق شحادة بالإعدام في 11 نوفمبر 1954، لكنه فر خارج البلاد، وقد اجتمع بعد ذلك المرشديون بالابن الآخر لسليمان المرشد الذي ادعى أنه ورث الألوهية عن أخيه، عام 1957 حيث قال لهم: " إن موعد قيام دولتكم قد حان، وإن على الحكومة أن تضرب هؤلاء -الذين قتلوا أخاه- بيد من حديد، وإلا تطور الوضع بشكل خطير "( ) , وقد أثيرت هذه القضية في البرلمان، وأرسلت لجنة برلمانية للتقصي حول هذه الحركة الجديدة، فرأت أن المرشديون يفضلون أن يحكموا من قبل السلطات الإسرائيلية على أن يحكموا من قبل السلطات السورية، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، أن محمد عمران قد رتب تكتلاً طائفياً في الجيش أيام الوحدة ثم أيام الانفصال ثم بعد استيلاء البعث على السلطة حيث عمل مع صلاح جديد على تسريح غير الموالين لهما وذلك على أسس طائفية دون أدنى مؤهلات لذلك( )، لكن بعد تكليف صلاح جديد بقيادة التكتل الطائفي في الجيش حيث عين قائداً للأركان بعد استبعاد زياد الحريري، وأخذ بعد ذلك يعمل من خلال تكتله الطائفي على إبعاد السنة عن المراكز الحساسة وخاصة التي قرب دمشق و يحل محلهم ضباط موالين له وخاصة من طائفته ، كما عمل على استبعاد السنة من دخول الكليات العسكرية والأجهزة الأمنية ، ، حتى وصل عدد الضباط السنة المسرحين إلى 700 ضابط خلال الفترة (1963 – 1966) ، واستولى محمد عمران على قيادة اللواء السبعين المدرع، كل هذا والرئيس أمين الحافظ لم يكن يدري بما كان يدور خلفه من وراء الكواليس، وعندما شعر بذلك، صرح الرئيس أمين الحافظ، "إن الصداقة والروابط الأخرى قوضت الانضباط العسكري بالقوات المسلحة " وقال ميشيل عفلق حول ذلك " بعض أصدقائنا في القوات المسلحة نزلوا إلى الشارع بأسلوب فاشستي وسيطروا على الحزب والأمة ".
ثم عمل محمد عمران الذي استلم وزارة الدفاع على إثارة التوجهات الطائفية، وأخذ ينشرها ودعى إلى التكتل مع الأقليات الدينية الأخرى مثل الدروز والإسماعيلية كونهم من أصول شيعية، فقال " إن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها "، مما حذا بالرئيس أمين الحافظ لإبعاده إلى الخارج كملحق عسكري( ) ، وبسبب ذلك اندلعت المظاهرات في دمشق التي تدين هذا الحكم في 24 يناير 1965، فقمعها الجيش ودخلت الدبابات الجامع الأموي وقتلت 200 فرد، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ أن سبب عزل قائد الأركان زياد الحريري بسبب تصريحه الذي قال فيه عقب انقلاب جاسم علوان وإعدام الـ 30 ضابطاً : " الوحدويون الدموين، البعثيون الدموين، وهم من جبل العلويون"( ) , كما أكد الرئيس أمين الحافظ، أن الأقليات من خلال صلاح جديد قد احتلوا نصف مقاعد مجلس قيادة الثورة عقب انقلاب جاسم علوان، وكانت وراءهم أياد أجنبية، أمريكية، وإسرائيلية، وفرنسية، وبريطانية، أما صلاح جديد فكانت وراءه الشيوعية،
كما أضربت جميع المدن السورية كلها في إبريل 1964 فقمعها الجيش وقتل من سكان حماه أربعين شخصاً، وهدم المسجد الذي أوى إليه المتظاهرون ، وعلى إثر ذلك استقالت حكومة صلاح البيطار، ولم تستطع حكومة سامي الجندي الاستمرار أكثر من يومين بسبب تدخل الجيش ضدها، وبذلك عملوا على العمل على تصديع شرعية الرئيس أمين الحافظ، واستفادوا من ذلك في القيام بانقلابهم في 23 فبراير 1966( )، ليصبح صلاح جديد الرئيس من وراء الكواليس، وليبعد عنه الشبهات حول ماهية الانقلاب الطائفي ، عين الدكتور نور الدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، والدكتور يوسف زعين رئيساً للحكومة، وظل هو ممسكاً بالجيش، وقد أكد ميشيل عفلق أن هذا الانقلاب كان سبباً رئيسياً في كارثة يونيو 1967( )، لذلك تهاوت شرعية نظامهم بعد سقوط الجولان، وقد تمثلت مسؤوليتهم عن ذلك في أنهم تبنوا مواقف متطرفة تجاه إسرائيل من خلال اختلاق صلاح جديد لأزمات ضد إسرائيل فنادى صلاح جديد بحرب تحرير شعبية طويلة الأمد ضد إسرائيل، رغم أن القوة الإسرائيلية تعادل 6 أضعاف القوة العسكرية السورية، وأخذ يقوم من خلال الفلسطينيين بعمليات تخريبية داخل إسرائيل عن طريق الأردن والجبهة السورية، وهذا ما أشعل الموقف وحرك حرب 1967، رغم محاولات الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك تسوية النزاع في 25 ديسمبر 1967، لكن جديد رفض ذلك( )، وبعد الهزيمة تخوف نظام الأتاسي/جديد من المساءلة أمام الجامعة العربية بسبب عدم اشتراكهم بحرب فعلية مع أنهم هم السبب في إشعال الموقف، فرفضوا حضور قمة الخرطوم في 29 أغسطس 1967، مما حذا بالجامعة العربية إلى حرمانهم من المساعدات الاقتصادية.
وبعد تصفية الضباط الدروز من قبل صلاح جديد عقب الانقلابات الدرزية الثلاث ( حمد عبيد، وفهد الشاعر، وسليم حاطوم)، تم تصفية الضباط الإسماعيلية، وأبرزهم رئيس المكتب الثاني عبدالكريم الجندي، وقائد قوات الجبهة، أحمد المير( )، ثم تم تصفية الضباط الحوارنة السنة، عقب الانقلاب الفاشل لأحمد سويداني، ومنهم موسى الزعبي، ومصطفى الحاج علي، بسبب تذمرهم من تسلط صلاح جديد .
وقد تعدت طائفية صلاح جديد المجال العسكري إلى المجال المدني، فبعد مرور سنة على انقلاب البعث العراقي في 8 فبراير 1963 أي في 8 فبراير 1964 والذي كان إحدى أسباب انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، وبالتالي استيلاء البعث على السلطة إثر ذلك، نزل بعض المؤيدين لصلاح جديد من جبال العلويين إلى مدينة بانياس ذات الأغلبية السنية ، وأخذوا يهتفون "البعثية علوية"( ), فتصدى لهم أهل بانياس، وجرت معركة قتل فيها من الجانبين، وعندما انتشر النبأ في بعض القرى المحاذية تجمع جمهور كبير من عشائرهم وتوجهوا إلى مدينة بانياس لقمع الفتنة التي تسبب بها بعض الأفراد ، لكن تدخلت قوى الأمن وأرجعتهم إلى قراهم، وعلى إثر ذلك أضربت المدينة كلها، ولم تصدر السلطات أحكاماً على من قام بالفتنة، رغم أن المادة 15 من دستور حزب البعث العرب الاشتراكي تقول : "الرابطة القومية هي الرابطة الوحيدة في الدول العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة، وتكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية "( ) لكن لم يستطع الحزب إنهاء الفتنة الطائفية بين الطوائف المختلفة( ).
كما أن صلاح جديد جاء بزكي الأرسوزي –المعادي لمؤسس الحزب ميشيل عفلق، والذي نزح من لواء الإسكندرونة وكان قبل ذلك عضواً في عصبة العمل القومي قبل عام 1939، حيث اعتزل السياسة بعد ذلك-، وجعله الأب الروحي لحزب البعث العربي الاشتراكي( )، وعمل أيضاً على محاولة تقويض نظام البعث في العراق فدعم الأكراد ضد نظام أحمد حسن البكر، انطلاقاً من مقولة أن الأرض لا معنى لها مادام الحزب باقياً، والمقصود بالحزب هو حزب بعث صلاح جديد وليس بعث العراق، وقد تأكد ذلك عندما ضبطت الحكومة العراقية أسلحة وأموالاً من سوريا( ).
وبعد الحركة التصحيحية بقيادة وزير الدفاع حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970، وصيرورته رئيساً للجمهورية في 22 فبراير 1971 لم يرى أية معارضة من الجيش أو الحزب أو مجلس الشعب ، بل على العكس تماماً فقد تم تأييده من جميع فئات الشعب لما قدمه من تصحيح للوضع الطائفي الذي سبق عهده ( )
(2) المسلمون السنة :
وهم غالبية الشعب السوري، ويتوزعون على مذاهب السنة الأربعة وللصوفية ( ) مكانة خاصة عندهم، كما أنهم يقدرون علماءهم، ومرتكب المنكرات مكروه ومنبوذ عندهم، وتسودهم روح العطف ( ) على الغريب ويؤثرونه على الأهل والولد، وأكثرهم من العرب، ولا يستطيع المرء التفريق بين المسلم العربي والمسلم من الأعراق الأخرى، كونهم متمازجين مع بعضهم بشكل كبير، حتى أن الكثير من أهل الأعراق الأخرى ذابوا بهم، وظل القليل منهم محافظاً على ثقافته الخاصة به، وقبل تدخل حزب البعث بشكل كبير في الحياة السياسية السورية-بعد سقوط الرئيس أديب الشيشكلي عام 1954- لم تكن هناك أية تفرقة بين الأعراق، فكان منهم الزعماء مثل حسني الزعيم وحسني البرازي، وفوزي سلو وتوفيق نظام الدين وأديب الشيشكلي وغيرهم من الأكراد، أيضاً كان هناك من أصول تركية أمثال سامي الحناوي وخالد العظم، وبشير العظمة، ولكن التشدد في مفهوم القومية التي اتبعها حزب البعث( )، لم يكن مقبولاً عند الشعب السوري لأن هناك قوميات أخرى غير العربية تشكل النسيج السوري المترابط، فالاعتدال بها دون التفريط في خصوصيات الأقليات أو إلغاء التمايزات ، ضروري لأن التشدد والتفريط بخصوصياتها سيدفعها لرد فعل للحفاظ على تراثها اللغوي أو العرقي ، فالخصم الأول للجميع هو التخلف، وليس شيئاً آخر، لأن هذه الأقليات من الممكن أن تثري المجتمع بالكفاءات الرائعة كما كان ذلك في الماضي، وقد أكد الرئيس شكري القوتلي على ضرورة نبذ أي خلافات طائفية أو عرقية حيث قال في خطاب الاستقلال في 17 إبريل 1946:" نحن أمة واحدة لا أقليات ولا أكثريات بيننا"( ), كما أكدت جميع الدساتير السورية أن يكون رئيس الدولة مسلماً بغض النظر عن عرقه، وهذا حق للأكثرية ، وموجود في كل دول العالم الديمقراطية و غير الديموقراطية , فالعرف البريطاني مثلاً يفرض أن يكون رئيس الوزراء بروتستانياً بالرغم من وجود أقليات كاثوليكية، والعكس في فرنسا فالعرف يفرض أن يكون رئيس الجمهورية كاثوليكياً، بالرغم من وجود أقليات بروتستانية، وهذا ينطبق على جميع دول أوربا، وبالنسبة للولايات المتحدة فرغم وجود أقلية كاثوليكية تشكل الربع، إلا أنه لم يحكمها خلال أكثر من مائتي سنة أي رئيس كاثوليكي سوى الرئيس جون كينيدي الذي قتل قبل أن يكمل مدة رئاسته، أي أن وجوده كان شاذاً , لكن ظهر بعض المتشددين قليلاً، الذين رؤوا في ضرورة ارتداء الطالبات للحجاب ومنع الطلاب من الذهاب لدور السينما وغير ذلك، حيث طالب بذلك بعض النواب من التيار الإسلامي في جلسة البرلمان في 24 يوليو 1950، فرد عليهم وزير المعارف (التربية) بأن قوانين الدولة لا تسمح بذلك، ثم طالب النواب بإلغاء حق المرأة بالانتخابات، وأيدهم بذلك عدة أحزاب سياسية غير التيار الديني( ).
وقد أغضب الرئيس حسني الزعيم ، التيار الإسلامي والقومي، عندما عمد إلى تشجيع السفور واستولى على الأوقاف وجعلها ملكاً للدولة، وأقتبس قوانين علمانية، واعتماده على الأقليات الكردية والشركسية في مراكز حساسة في الجيش وتركه الضباط العرب في الجبهة، وخاصة بعد تعيينه لمحسن البرازي رئيساً للوزراء، وهو من أصول كردية( )، فأصبحت الصحف القومية والإسلامية تهاجمه وتنعت سوريا بـ الجمهورية الكردية العسكرية، كما أنه أسخط الشعب بسبب عدم اهتمامه بلواء الإسكندرونة، واستدعائه لقائد أركان الجيش التركي السابق (الجنرال أوربان) لتنظيم الجيش السوري.
وقد كان الضباط السنة على الدوام قبل انقلاب صلاح جديد في 23 فبراير 1966، يشكلون معظم ضباط الجيش بأغلبية ساحقة( ) ، وهذا ما يفسر أن كل الانقلابات الناجحة وغير الناجحة ، وبسبب ما للدين من أثر على الشعب السوري، نص دستور عام 1950 في مادته الثالثة على ( ) :
1- دين رئيس الجمهورية الإسلام.
2- الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع.
(3) حرية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بشعائرها، على ألا يخل ذلك بالنظام العام.
(4) الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية، وتقرر أن يضاف في مقدمة الدستور النص التالي:
" ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام، فإن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومثله العليا، ويعلن الشعب العربي عزمه على توطيد أواصر التعاون، بينه وبين شعوب العالم العربي والإسلامي، وبناء دولته الحديثة على أسس من الأخلاق القومية التي جاء بها الإسلام، والأديان السماوية الأخرى، وعلى مكافحة الإلحاد والتحلل الخلقي".
وقد وافق كافة رجال الدين من الأديان الثلاث والطوائف الإسلامية على ذلك، وقد عملت الكتلة الوطنية برئاسة الرئيس شكري القوتلي على تكريم كل من قاوم الانتداب الفرنسي فعلى سبيل المثال أقاموا في 25 إبريل 1945 حفلة كبرى على شرف الشيخ صالح العلي، وألقيت فيها القصائد المادحة، والخطب، وأطلقوا اسمه على عدد من شوارع المدن السورية، كما أبَّنه البرلمان( )، وفعلوا نفس الشيء بالنسبة لقائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، حيث عمل الرئيس شكري القوتلي على تكريمه بقصر في دمشق( )، كما ألغى القوتلي مخصصات الجمعية الغراء الإسلامية*، مما أثار أعضاءها لكن في ظل حكم الرئيس أديب الشيشكلي عمل على إتباع بعض الإجراءات التي استاءت منها الأقليات الدينية والعرقية الأخرى، رغم أنه كان يهدف بهذه الإجراءات لتحقيق الانسجام في المجتمع والقضاء على العصبيات الدينية والعرقية ومن هذه الإجراءات( ):
1- إلزام أصحاب المحلات العامة باستخدام اللغة العربية في اللافتات.
2- إلزام رجال الدين على مختلف المذاهب والأديان باستخدام اللغة العربية في الأعياد.
3- اشتراطه على جميع المؤسسات الرياضية بتخصيص نصف المقاعد للسنة بشكل دائم.
وقد عمل نظام القوتلي على تشجيع الفلاحين الدروز على تولي المناصب السياسية عام 1945 في جبل الدروز (العرب) ، وعدم استئثارها على عائلة آل الأطرش، مما كان له آثاراً سيئة على ولاء آل الأطرش له، فدفعهم هذا إلى تأييد حسني الزعيم في انقلابه، بنتيجة ما خسروه من نفوذ كانوا يتمتعون به في الجبل، قبل أن يثور الفلاحون (بثورة الشعبيين) ضدهم( ) ، ولم يكن نظام القوتلي يقصد من وراء ذلك سواء إتاحة الفرصة للأكثرية لتشارك في الحياة السياسية، وفي عهد الشيشكلي إبان ضرب جبل العرب ومقتل 66 شخصاً كان الضباط الحمويون -الذين ينتمون لمدينة حماه وهي بلد الرئيس أديب الشيشكلي- قد وقعوا ضد ضرب جبل الدروز، وانتفض الإخوان المسلمين والشيوعيين والأحزاب الأخرى ضد نظام الشيشكلي بسبب ذلك( )، كما اندلعت المظاهرات في كل المدن السورية ضد ضرب الجبل، رغم أنه لم يكن لذلك الضرب أي مظهر طائفي، لكن الديكتاتورية العسكرية الحاكمة واجهت التمرد الدرزي وتوزيع المنشورات ضد حكمها بالعنف.
وفي انتخابات 1954 أعطت المناطق الإسلامية في دمشق أصواتها للدكتور عوض بركات المسيحي الأرثوذكسي، أكثر مما أعطته المناطق المسيحية( )، وتفسير ذلك أن دمشق لا تحب التعصب، فالمرء يمكن أن يكون مؤمناً دون التعصب، الذي يعطل وحدة الوطن ويجعل قيادته مهزوزة الوجود، ويعرض الوطن للأخطار، لذلك قاومت على الدوام المتعصبين وأبعدتهم، وحذت حذوها كل المدن السورية.
وقد كان الرئيس أديب الشيشكلي يرفض العنصرية والطائفية، فكان الجيش يضم كل العناصر والفئات حسب مؤهلاتهم، فكان فهمي سلطان وهو علوي مسؤولاً عن أسراب الطائرات في الجيش، وقد أوفده الشيشكلي مع فريد حيدر، وجميل شقير إلى الخارج، وكانوا من الأقليات، من أجل دورات عسكرية( )، كما كان قائد الأركان شوكت شقير درزياً، وقد ضم مجلس العقداء وهو بمثابة مجلس قيادة ثورة كل الفئات، فكان يضم [ (توفيق نظام الدين (كردي)، محمد ناصر (علوي)، أمين أبوعساف (درزي)، أحمد عبدالكريم عربي (سني) ] وقائد هذا المجلس هو الشيشكلي وهو سني من أصول كردية ، وكان يسعى لتقوية الجيش بتشجيع الانضمام إليه من جميع الفئات.
كما أن قائد المجلس الثوري الأعلى للجيش والقوات المسلحة المقدم عبدالكريم النحلاوي ، آثر إعطاء قيادة الأركان للواء الدرزي، عبدالكريم زهر الدين، وكان يستطيع أن يحتفظ لنفسه بها، أو يسلمها لغيره من أبناء الطائفة السنية( ).
وكما ذكر سابقاً فإن معظم الأكراد من السنة، حيث يتركزون على طول الحدود السورية التركية، وبعضهم يعيش في المدن السورية، دمشق، حلب، حماه ..... الخ لكنهم لا يمثلون وحدة اجتماعية واحدة( )، فمنهم الكرادغ الذين سكنوا سوريا منذ عدة قرون، ومنهم من سكن سوريا في العشرينات وما بعدها، في الجزيرة السورية، إثر الاضطهاد التركي لهم، لكن ضعف شأنهم في الجيش بعد سقوط الشيشكلي، مما حذا بهم إلى تأييد خالد بكداش في انتخابات 1954، بسبب التشدد في موضوع القومية الذي قاده البعث آنذاك، وقد عمل الرئيس ناظم القدسي على إسقاط الجنسية عن الذين هاجروا إلى سوريا إبان الوحدة مع مصر، كما عمل على تعريب المناطق التي سكنوها، مما أثارهم وقد أنشأ الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) في أغسطس 1957، وبما أنه لم يكن له تأثير يذكر على الحياة السياسية في سوريا، لذلك أدرجه الباحث في حقل الصراع الاجتماعي( )، وقد برز منهم قادة عظام أمثال قائد ثورة الشمال إبراهيم هنانو، ووزير دفاع الملك فيصل وهو الشهيد يوسف العظمة، وكان لهم دور كبير في مقاومة الانتداب الفرنسي، كما أنهم انخرطوا في المقاومة المسلحة عندما تهددت أرض الوطن عام 1957، وحزبهم ذو تيارين تيار متشدد يدعي أن أصولهم من سوريا وأنها أرضهم التاريخية، ويرون توحيد كردستان الكبرى، وتيار معتدل يرى أنهم أقلية مهاجرة، وهو يسعى لإصلاح شأنهم، وقد رفضوا فصل الجزيرة السورية عن الوطن الأم، إبان الانتداب الفرنسي، لكن كان للوحدة مع مصر أثراً سيئاً على سوريا، فتشددها تجاه القومية العربية جعلهم ينادون بضرورة أن تكون لهم ثقافتهم الخاصة، وقد شجعتهم سلطة دولة الوحدة على ذلك، رغم اعتقالها بعضهم عام 1960، ثم تعرضوا للاضطهاد والاعتقال إبان حكم نور الدين الأتاسي عام 1968 بسبب مناداتهم بأن يكون لهم وضع خاص كونهم يحملون ثقافة خاصة، وقد طالب خالد بكداش وهو من أصول كردية بضرورة ذوبانهم بالجسم السوري، كما قال الزعيم الكردي لحزب العمال الكردستاني في تركيا عبدالله أوجلان "إن أكراد سوريا جاؤوا من الشمال وعليهم العودة إلى هناك من خلال حزبه"، كما أكد جلال طلباني أنه لا توجد مشكلة كردية في سوريا، وقد أكد عزيز الحاج أنه كان على مر العصور تعايش بينهم وبين العرب ، حتى أن كل زعيم كردي كان يفتخر بأنه من أصل عربي، ويحاول إرجاع أصله إلى سلالة الرسول أو أحد أصحابه( ) رغم أن المؤرخين إختلفوا حول أصولهم أهم آريين أم أتراك أم عرب، لكن يرجح البعض أنهم آريين نتجوا عن إختلاط قبائل راجوس مع القبائل الهندو أوربية( ).
وقد أساء نظام الوحدة بين سوريا ومصر للوحدة الوطنية في سوريا والعراق، حيث عمدت إذاعة صوت العرب على توجيه النداءات الكثيرة للأكراد، على أساس أنها المدافعة عنهم، مما حذا بهم إلى المطالبة بدولة كردية لهم، فتخوف عبدالكريم قاسم في العراق، وعمل لامتصاص نقمتهم على تأييد إقامة حكم ذاتي لهم، بسبب أن أكراد سوريا يميلون لأكراد العراق كونهم نفس الامتداد، وبذلك يتاح له فصل سوريا عن مصر وضمها للعراق، من خلال الأكراد أنفسهم( ) ، كونهم يتوزعون في عشائر مترابطة ومتصلة( )، وقد عمد نظام الوحدة على توزيع أسلحة عليهم في العراق من خلال مصطفى البرازني الذي كان يأتي سراً إلى سوريا، وكان قبل ذلك محسن البرازي الذي عمل على عرقلة بعض الحكومات إبان حكم القوتلي تمهيداً لانقلاب الزعيم*، وبالنسبة للتركمان فهم يشبهون الأتراك خلقة ولغة وعرقاً وقد نزحوا مع الشركس من القوقاز، بسبب الحرب العثمانية الروسية بين عامي (1877 – 1887) ( ) ، واشتغل أكثرهم بالتجارة في ظل الحكومات الوطنية، وتعرب أكثرهم، لكن الأتراك هم من بقايا العثمانيين، وتعرب أكثرهم أيضاً، وشغلوا مناصب مهمة منذ زمن العثمانيين، واستاؤوا كغيرهم لفصل لواء الإسكندرونة عن سوريا، ومنهم سامي الحناوي، خالد العظم، أسعد الكوراني، ولم يكن لهم أي تأثير سيء على الاستقرار السياسي في سوريا، والاختلاف بين التركمان والأتراك، أن الأتراك من أصول فارسية، أما التركمان فهم المغول المتتركين الذين أصبحوا أتراكاً وقد جاؤوا من قيرغستان وامتدوا إلى منشوريا والتركستان ومنغوليا، ومنهم السلاجقة والخوارزمية.
وعلى ذلك فتأثير التيار الديني للطائفة السنية -التي تشكل الأكثرية في النسيج السوري- لم يكن لها دور يذكر على عدم الاستقرار السياسي فحتى التيار الغير الإسلامي كان يرى أن الأخذ بالحضارة وسبل التطور لا يكون بنبذ الإسلام( )، ومثال على ذلك أن الحضارة اليابانية ازدهرت ووصلت إلى آخر ما توصل به العلم رغم أنها حافظت على تراثها الروحي، وهذا ما أكده مورو بيرجر في كتابه العالم العربي اليوم بقوله : " لقد ثبت تاريخياً إن قوة العرب تعني قوة الإسلام "( ).
كما أن التيار الإسلامي عني بشكل كبير بالعروبة، لكنه كان على الدوام يرى أن الفضل الأكبر للإسلام على العرب، كونه هو الذي صنع الأمة العربية جسماً وروحاً، فلولاه لبقي العرب قبائل جاهلية لا تعرف شيئاً عن الثقافة الإنسانية، كونهم كانوا معزولين في الصحراء، ولما كان التاريخ سجل لهم إلا سطوراً تافهة في زوايا مهجورة من صحائفه، فالعروبة ارتبطت بالإسلام بحضارة واحدة وتاريخ واحد، لأن الله قد اختار العرب ليحملوا رسالته، واختار لغتهم لتكون لسان الوحي الإلهي، وبها انتهت صلة الأرض بالسماء، وإن قيادة المسلمين لا تصلح لغير العرب سواءاً كانوا أصليين أو ممن تكلم العربية وفهمها وناصرها واقتنع بالعرب قادة للمسلمين ، مثل الإمام أبي حنيفة، وصلاح الدين الأيوبي، وسيبويه وغيرهم، لأن ينابيع الإسلام لا يمكن أن تكون صافية إذا لم يكن العرب قادة للمسلمين، ولن تكون هناك أية نهضة إسلامية إلا من خلال العرب ليؤدوا واجبهم ورسالتهم الكبرى ويستعيدوا مجدهم، وعلى ذلك يقول أحد المسيحيين وهو إسماعيل مظهر: " العربي النصراني، مسلم بصفاته العربية، والمسلم الهندي أو الفارسي عربي بما في الإسلام من روح العرب" ( ).
فالعرب وإن كانوا أقاموا الحضارات السامية *كلها ، إلا أنهم تعرضوا للاضطهاد والذل على أيدي الفرس والروم، وأبيدت حضاراتهم ولم يعيدها سوى الإسلام، ورسالتهم الخالدة تختلف عن رسائل الأمم الأخرى ومنها حراسة الفضائل ونشرها وتحطيم الرذائل وطي عارها، والإيمان بالله وقمع الإلحاد والعوج، وتسخير موارد الأمة لتحقيق هذه الأهداف، التي بموجبها سيحققون العدل والحرية، واليقين والتقوى، لأن طبيعة الأمة العربية ترفض التمزق، كما أن طبيعة رسالتها ترفض هذا التمزق، وبالنسبة للأقليات العرقية، فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وكذلك الأقليات الدينية شريطة احترام رأي الأكثرية، كما أن الإسلام يدعو للاشتراكية باعتبارها نظام صالح للمجتمع الإنساني بشرط حرية الفرد وكرامته الإنسانية، ويرفض حرب الطبقات، وعلى هذا الأساس فالقومية العربية المعتدلة لا تتعارض مع الإسلام، أما الدعاوى الإلحادية فستكون عامل عدم استقرار في المجتمع السوري كونها لا تتوافق مع طبيعته ، ولهذه الأسباب مجتمعة كانت الكثير من الانتفاضات السنية ضد علمانية نظام البعث في ظل تسلط صلاح جديد على المجتمع والجيش، وهذا ما أشعر الناس أن البعث يرفض في دستوره أن يعترف بأنه لولا الإسلام لما كان هناك اسم للعرب في التاريخ، كما أنه يرفض الاعتراف بالقوميات الأخرى في سوريا، وإضافة لذلك أنه منذ انقلاب عام 1963 ترافق مع الطائفية بكل المعاني في ظل تسلط صلاح جديد على المجتمع من خلال البعث، فكان سبباً في سقوط حكم الأكثرية لصالح الأقلية التي كان يمثلها صلاح جديد ، فسوريا لا تشكل بيئة لنمو الأفكار البعثية في ظل وجود تيار صلاح جديد لأنها مركز للحضارات الأموية والأيوبية والحمدانية وغيرها من الحضارات الإسلامية الأخرى، وفيها مراقد الكثير من الأنبياء والأئمة ، كما أن فيها تقاليد عربية أصلية مندمجة مع تقاليد تركية وكردية يسود فيها روح الولاء لشيخ القبيلة وأعرافها أو لوجيه المدينة أو الحي، أكثر من أي تنظيم آخر، فوجود تيار جديد البعثي في السلطة أو في الحياة السياسية كان عاملاً لعدم استقرار سياسي واجتماعي في سوريا.
3- الدروز:
ويدعون بالموحدين لإيمانهم بوحدانية الله، وظهر مذهبهم في القرن الحادي عشر للميلاد، ويعتبرون الحاكم بأمر الله وهو أحد خلفاء الدولة الفاطمية، أنه تجسيد للذات الإلهية( )، وأن اختفائه مؤقت، ويعتمدون مبدأ السرية في معتقداتهم، وقد انقسموا إلى عقال أي من اضطلع على أمور الدين منهم، وجهال الذين لم يضطلعوا على أمور الدين، ويعترفون بأصولهم الإسلامية، وكان لهم دور كبير في إثراء الأدب العربي، ويؤكد مؤسس مذهبهم حمزة بن علي أنهم ليسوا من الشيعة ولا ينتمون لها بأي صلة، كما يقول أحد زعمائهم وهو كمال جنبلاط: "إن الشريعة الدرزية مأخوذة من القرآن ومن ستة عشر كتاباً مخطوطاً، لا يسمح بالاضطلاع عليها... والدرزية تنهل تعاليمها من الفلسفة اليونانية خصوصاً الأفلاطونية القديمة والمسيحية والبوذية والفرعونية القديمة والإسلام ....... إن شيوخ الطائفة الدرزية كانوا يصلون في المساجد ويصومون ويحجون البيت، لكن هذه الفرائض جميعاً قد رفعت عنهم واستبدلت بها تكاليف أخرى ..... إن الدرزية مرت بالإسلام كمرحلة ثم تجاوزته وأصبحت ديانة مستقلة "( ),
وجاءوا سوريا من لبنان واستوطنوا في جبل حوران منذ 200 سنة، وأصولهم عربية خالصة من قبائل تنوخ أي المناذرة، ويعتقدون بالتناسخ، وخلال الدولة العثمانية أسسوا الدولة المعنية والدولة الشهابية، وتقوم سياستهم على موالاة حاكم الدولة التي هم فيها والخضوع له بشرط عدم تدخله في شؤونهم الداخلية أو أن يظلمهم، وإلا فيخرجون عليه، وتكون الصلة بينهم وبين رأس الدولة هو أمراؤهم ومشايخهم الذين يطيعونهم طاعة عمياء ( ) ، وبسبب عزلتهم حافظوا على عاداتهم وتقاليدهم، وقد أصدر الجامع الأزهر الشريف فتوى في عام 1960بأنهم إحدى الفرق الإسلامية( ) ، كما أن الدولة العثمانية أدخلتهم ضمن نظام الملة باعتبارهم إحدى الفرق الإسلامية ، أيضا مؤسس دينهم حمزة بن علي قال في رسالة الغاية والنصيحة: " يجب عليكم أن تنظروا ما جاء في القرآن وتدبروا معاني حقائقه ", ولهم أيام خاصة يصومون فيها، كما أن لهم مجامع دينية تسمى "جمع"، يصلون فيها يوم الجمعة، لكنهم يعيدون مع المسلمين في العيد الأضحى، وينقسمون لعدة عشائر في سوريا وعددها (32) ويتواجدون في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، أما في سوريا فيتركزون في جبل العرب أي جبل حوران ويطلق عليه أحياناً جبل الدروز كما يتواجدون في الجبل الأعلى قرب حلب، إضافة لبعض الضواحي في دمشق، ويقول مؤسس دينهم حمزة بن علي: " إتبعوا كل أمة أقوى من أمتكم وحافظوا على داخل قلوبكم "( ) ويتميزون بترابطهم الاجتماعي القوى، وخاصيتهم العسكرية، مثل أمين أبو عساف وفضل الله أبو منصور، وشوكت شقير، وعبدالكريم زهر الدين، وحمد عبيد وسليم حاطوم، وفهد الشاعر، وزيد الأطرش، وكان قائد الثورة السورية الكبرى سلطان الأطرش منهم، وكان عضواً في الكتلة الوطنية،( ) وقد أنتسب قسم منهم للأحزاب الراديكالية خاصة القومي السوري والبعث، وعمل صلاح جديد ( ) على استقطابهم لتنفيذ انقلابه الطائفي في فبراير 1966، رغم عدم إدراكهم لماهية هذا الانقلاب إلا بعد فوات الأوان، لذلك عملوا على التحالف مع القيادة القومية التي يمثلها الرئيس أمين الحافظ مرة أخرى لإسقاط حكم صلاح جديد، فكانت انقلاباتهم الثلاث ( حمد عبيد، فهد الشاعر، سلم حاطوم) ضد حكم صلاح جديد، لكن فشلت جميع هذه الانقلابات.
وبما أنهم يمتازون بالترابط العائلي ، فكان اعتقال أقارب سلطان الأطرش من قبل الشيشكلي في مدينة السويداء، قد أثارهم فعملوا لتخليص السجناء بالقوة، مما أدى إلى اصطدامهم مع قوى الأمن في ديسمبر 1953، فتدخل الجيش وقتل منهم حوالي 66 فرداً، ولجأ سلطان الأطرش للأردن( )، لذلك عمل دروز لبنان على التحالف مع قوى المعارضة السورية لإسقاط حكم الشيشكلي، وكان من أسباب معارضتهم للشيشكلي هو الخطأ الذي ارتكب حول عدد الطوائف في سوريا، فجعلت نسبتهم أقل من النسبة الحقيقية مما كان له تأثير سيء عليهم( )، وكانت انتفاضة فلاحيهم ضد آل الأطرش بسبب سيطرة آل الأطرش على المناصب السياسية في جبل العرب ودعم نظام القوتلي لها، مما حذا بآل الأطرش إلى دعم انقلاب حسني الزعيم عام 1949( ).
وما تزال نزعة الثأر متأصلة في نفوسهم كونهم قبائل عربية محافظة على عاداتها وتقاليدها، وهذا ما حذا برئيس الحرس القومي حمد عبيد إلى المشاركة مع عزت جديد في قمع عصيان حماه عام 1964( )، انتقاماً لحادثة جبل العرب التي اشترك فيها ضباط حمويون، ولكن كان هناك بعض المتعصبين من الدروز الذين عملوا عام 1955 على إنشاء ما سمي "بمنظمة الدروز الأحرار" ( )، لكن سلطان الأطرش انتقدها وعمل على تفكيكها من خلال أمراء ومشايخ الدروز كونهم يؤمنون بوحدة سوريا وبالوحدة العربية وبالاعتزاز بالإسلام وهذا ما أكده أمرائهم مثل شكيب وعادل أرسلان وسلطان الأطرش، فكان رفضهم لفصل جبل العرب عن الوطن الأم في عهد الانتداب الفرنسي أكبر دليل على إخلاصهم للوطن .
وقبل سقوط حكم أمين الحافظ في فبراير 1966 تولوا مناصب رفيعة جداً، فعهد الأمير عادل أرسلان بتشكيل حكومة في عهد شكري القوتلي، كما وصل منهم لوزارة الدفاع كل من عبد الغفار الأطرش، وحمد عبيد، وإلى قيادة الأركان كل من شوكت شقير وعبدالكريم زهر الدين، وكان منهم أعضاء في مجلس العقداء في عهد الشيشكلي مثل شوكت شقير وأمين أبوعساف، وأعضاء في مجلس قيادة الثورة عام 1963 ومنهم شبلي العيسمي، كما وصل حمود الشوفي لرئاسة القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1964، لكن تبقى النزعة الطائفية لها مجال خصب عندهم وهذا ما يفسر تدخلهم في النزاع الطائفي في لبنان، أعوام 1958- 1975- 1990( )، أيضاً اصطداماتهم مع البدو منذ الانتداب الفرنسي بسبب تدخلات السلطات الفرنسية في إثارة هذه النزاعات، كون تنظيماتهم وعلاقياتهم الاجتماعية وفق أعرافهم العشائرية مندمجة بالعلاقات العشائرية والدينية والشخصية( ).
(4) الإسماعيلية :
ظهر مذهبهم في القرن الثامن الميلادي، حيث لم يعترفوا بإمامة موسى الكاظم ابن جعفر الصادق وبذلك اختلفوا عن الشيعة الاثني عشرية، لذلك سموا بالشيعة، واهتموا بالرقم (7)، وقد تسموا بعدة تسميات منها الباطنية، والحرمية، الحشاشين، والقرامطة كانوا جزء منهم( )، ويدعون أن لكل شيء ظاهر وباطن، وقد صبغوا جميع الأديان والفلسفات بالصبغة الإسلامية على مذهبهم، مثل "رسائل إخوان الصفا وخلان الوفى"( )، وقد أسس مذهبهم عبدالله المهدي الذي أسس الدولة الفاطمية حيث انطلقت دعوته في منطقة سلمية، وهي من أقضية حماه، وقد امتدت دولتهم لتشمل كل شمال أفريقيا والجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق -عدا بغداد-، وانقسموا إلى نزارية في الشام وإيران، ومستعلية في مصر، وقد اضطهدهم السلاجقة والأيوبيون بسبب تحالفهم مع الصليبيين( )، وإمامهم الحالي هو كريم آغاخان الرابع*، لكن بعضهم لا يعترفون به على أساس أن الإمام مازال غائباً، وينتشرون في سوريا في السلمية والخوابي، والقدموس (الشيخ بدر)، ومصياف.
وقد عملوا على تقويض الدولة العباسية بدعايتهم ومن خلال منظماتهم السرية مستغلين الصراع الطبقي في المجتمع، كما يؤكد أحد دعاتهم وهو عارف تامر أنه كان لهم الدور الأكبر في تفتيت عرى العالم الإسلامي، كما أنهم تعاونوا مع الاستعمار وسهلوا له السيطرة على البلدان الإسلامية، ومعابدهم تسمى "جمعة خانا"، ويخضعون لشيخهم الأكبر الذي له وكلاء في كل منطقة، ولهم تنظيم خاص، ويتلون القرآن في مآتمهم، وكان لهم الدور الأكبر في سقوط بغداد بتحالفهم مع هولاكو حيث كان أحد وزرائه منهم وهو (نصير الدين الطوسي)، وكانوا على عداء دائم مع العلويين، وآخرها حربهم مع الشيخ صالح العلي، ورغم عدم وجود تأثير لهم في عدم الاستقرار السياسي بشكل كبير قبل انقلاب 8 مارس 1963، إلا أن سامي الجندي الذي كان من الوحدويين الناصريين، كانت له لقاءات مع النظام المصري لأجل إسقاط نظام ناظم القدسي، وإقامة تنظيمات سرية من أجل ذلك، كما أن منهم من كان ضمن اللجنة العسكرية البعثية، التي تشكلت في عهد الوحدة مثل عبدالكريم الجندي وأحمد المير، والتي اشتركت في انقلاب 8 مارس 1963 رغم أن تأثيرها كان طفيفاً، إلا أنها زادت أهميتها بعد فشل الانقلاب الناصري بقيادة جاسم علوان في 18 يوليو 1963 ‘إلا أنها لم تستطع الاستمرار أكثر من يومين بسبب أنه كان من الناصريين الذين أصبح لا تأثير لهم في الجيش، -بعد فشل انقلاب جاسم علوان-، ورغم الروح الوطنية التي تمتع بها إلا أنه لم يستطع تغيير شيء من الطائفية التي اعتنقها صلاح جديد في فبراير 1966، حيث اشترك في هذا الانقلاب أحمد المير وعبدالكريم الجندي، وبالنسبة لأحمد المير فقد عين قائداً لقوات الجبهة، وإبان حرب يونيو 1967 انسحب من القتال دون معارك تذكر تاركاً الأسلحة كما هي، حيث استولت عليها إسرائيل بعد احتلالها للجولان، وقد رفع بعد ذلك من رتبة عقيد على رتبة عميد( ) ، أما بالنسبة لعبدالكريم الجندي فقد عين قائداً للمكتب الثاني (المخابرات العسكرية) ، وقام بعمليات رهيبة في تعذيب المعتقلين السياسيين وبعد انتهاء دورهم في تثبيت حكم صلاح جديد ، تخلى عنهم حلفاءهم من اتباع صلاح جديد ، ثم أبعد أحمد المير عن الجيش وعين ملحقا عسكرا في الخارج، ثم أعتقل سامي الجندي، وبذلك انتهى دورهم في الحياة السياسية في سوريا، لكن عمل نظام الرئيس حافظ الأسد فيما بعد على استقطابهم وإعادتهم إلى الحياة السياسية ، من أجل المساهمة في إحراز تقدم في الوحدة الوطنية ، والإبتعاد عن الطائفية ، فدخلوا الأجهزة الأمنية والجيش، مثلهم كثل غيرهم من أبناء الوطن السوري.

(5) الشيعة :
ظهروا بظهور الخلاف بين الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ، وبين معاوية بن أبي سفيان في القرن السابع الميلادي، حيث قالوا بوجوب إمامة الإمام علي بن أبي طالب وأولاده من بعده، وأن ذلك منصوص عليه في القرآن والسنة، وعباداتهم لا تختلف عن أهل السنة، لكن لهم بعض المناسبات الخاصة بهم التي يحتفلون بها، ويقول حولهم ماكونالد، "إن الخلاف بين السنة والشيعة خلاف غير جوهري فهو حول العبادات والمعاملات لكن العقيدة واحدة"( ), ويؤكد الباحث جولد تسيهر أن الشيعة أقرب إلى فقه الشافعية وإن الخلاف حول قضية الإمامة هو خلاف سياسي بحت لا يمت إلى العقيدة بأي صلة، وإن أصحاب الرسول محمد عليه الصلاة والسلام قد اختلفوا فيها، وحارب بعضهم بعضاً بسببها، كما يعتبرهم أحد علماء الأزهر الشريف أنهم المذهب الخامس، وهم مثل السنة يكفرون من يعتقد بتجسيم الخالق، كما أن إمامهم الإمام جعفر الصادق هو أستاذ الإمامين مالك بن أنس وأبي حنيفة النعمان، وقد أكد الإمام جعفر الصادق على ضرورة محاربة الحركات الهدامة التي تدعي الولاء لأهل البيت وتتقول عليهم بما ليس حق، بقوله: "لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة "( ), وينتشرون في سوريا في عدة مناطق في حمص، وحماه وحلب ودمشق حيث لهم بعض الأحياء والقرى، ويتميزون بالولاء المطلق لمجتهديهم، وعلمائهم، ويعتبرون القضاء الحكومي غير شرعي، على أساس الحكم الشرعي، يصدره مرجعهم الأعلى، وقد استقطبتهم جماعة صلاح جديد ، ولم يساهموا في الحياة السياسية أو يؤثروا عليها أو على الاستقرار السياسي فيها، لا سلباً ولا إيجاباً.
(6) اليزيدية:
يقولون بألوهية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ومعتقداتهم مزيج من الرسالات السماوية والوثنية، ومعظمهم من الأكراد، ويمتهنون الرعي والزراعة، وينتشرون في جبال سنجار على الحدود العراقية السورية، وفي الجزيرة السورية( )، ويقدسون إبليس باعتباره أحد الآلهة السبعة عندهم، كما أن لهم كتاب مقدس هو كتاب "الجلوة لأرباب الخلوة"، وكتاب "ومصحف رش"، و كتاب " الخلوة"( ) ، ويعتبرون أن نبيهم هو عدي بن مسافر، ولهم معبد يزورونه يضم رفات، ولهم أقارب في العراق كونهم عشائر موحدة معهم، وهم أقلية صغيرة جداً، لذلك فلا تأثير لهم على الحياة السياسية أو الاستقرار السياسي في سوريا كونهم يحبون الانعزال بشكل كبير، لكن أعطتهم السلطات السورية على الدوام حقوقهم كاملة، وإن كانوا يؤيدون الحزب الكردي (البارتي).
7- النور :
ويدعون كذلك بالقرباط أو الغجر، ولغتهم شبيهة بالهندية، ويشتهروا بالبخل الشديد والتخلف والجهل ، ويضرب بهم المثل في هذه الصفات، ومنهم الفقراء ومنهم الأغنياء، ومنهم من يأكل الجيف، ويسكن أكثرهم في بيوت من الشعر أو الطين، كما يمتهنون صناعات يدوية محتقرة من عامة الشعب مثل صناعة المناخل والغرابيل والطبول والدفوف، من شعر أذناب الخيل والدواب الميت، ويعبدون الإله سيدا، وليس لهم أماكن للعبادة، كما أنهم يسكنون على أطراف بعض المدن، وعددهم قليل جداً، وتشتغل نساؤهم في أحياء الأفراح والرقص والغناء ... ولهم انتشار في كثير من دول العالم، وهم منبوذون من معظم دول العالم كونهم يفضلون التسول و أحيانا الأعمال غير الشرعية على الأعمال الأخرى، وقد منحتهم السلطات في الآونة الأخيرة الجنسية السورية وقدمت لهم جوازات سفر، وأجبرتهم على أداء خدمة العلم، رغم أن الأنظمة قبل 16 نوفمبر 1970 لم تعترف بهم كسوريين، كونهم يتمايزون عن أفراد الشعب السوري بشكل كبير( ).
(8) المسيحيون :
يقسمون إلى أربعة عشرة طائفة مذهبية ( ) ، وقد زاد عددهم في سوريا بعد الحرب العالمية الأولى إلى الضعف، بسبب الاضطهاد التركي لمهاجريهم إلى سوريا، وخاصة الأرمن واليعاقبة، والنساطرة ( )، فرأوا كل الرعاية الشعبية السورية، وقد أدت الوحدة مع مصر إلى نزوح عددا كبيرا منهم من سوريا إلى لبنان فانخفضت نسبتهم من 14% إلى حوالي 9% , وكانت المذابح التي تعرضوا لها من قبل الدروز والبدو عام 1840، بسبب تدخلات خارجية أولاً، وأسباب مادية بحتة ثانياً عقب انتهاء الحملة المصرية على سوريا، كما أن اضطهاد قائد أركان الجيش العراقي بكر صدقي في عام 1933، للنساطرة والأثوريون جعلهم يهاجرون إلى سوريا، وقد شجعتهم السلطات الفرنسية على ذلك رغم أنهم من أصول سورية أصلية، من المناطق التي اغتصبتها تركيا من شمال سوريا، وقيامها بعمليات التطهير العرقي في تلك المناطق، وإن* كانوا في الماضي تحالفوا مع المغول، وأيدوا سقوط بغداد وكانت زوجة هولاكو وزوجة ابنه وزوجة حفيده منهم.
وقد رفضوا مسودة الدستور السوري عام 1950 (قبل تعديلها)، والتي كانت تدعو إلى أن دين الجمهورية السورية هو الإسلام، فعقدوا اجتماعاتهم وطالبوا بتعديل المادة التي تدعو لذلك، وقال مطران حماه ، أغناطيوس حريكة في ذلك: " إننا كثيراً ما كنا نعلن للأجنبي أن لا أقلية في البلاد إلا أقلية الخونة والمارقين، فماذا نقول لهم غداً وقد وجدوا في صلب دستورنا مادة تسجل علينا نحن النصارى أقلية؟ "( )،مما حذا بالبرلمان إلى تعديلها على الفور، حيث قرر بأن يكون دين رئيس الجمهورية هو الإسلام والفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع، وحرية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية ...
ولهم تاريخ مشرف في الجهاد مع المسلمين ضد أعداد الأمة ، فاشتركوا مع صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين، وفي النضال ضد الانتداب الفرنسي، وقدموا الشهداء، فكان منهم جول جمال الذي حاول تدمير إحدى البوارج الفرنسية خلال حرب السويس عام 1956، لكنه استشهد قبل وصوله إليها( )، ومنهم أنطون سعادة زعيم الحزب القومي السوري الذي دفع حياته ثمناً من أجل وحدة سوريا الطبيعية وتقويتها، وميخائيل إليان زعيم الحزب الوطني في حلب والذي ضحى بكل أمواله لأجل وحدة سوريا والعراق، ومنهم نعيم انطاكي وفارس الخوري وكثيرين غيرهم من رموز الوطنية والفداء من أجل الأمة، ويحبون الانصراف للتجارة، والأعمال الاقتصادية والمهن الحرة، وقد قاوموا تفتيت سوريا إلى دويلات عديدة، كما قاوموا فكرة إنشاء لبنان الكبير( )، أو التحالف مع أي كان لإقامة كيان مسيحي في لبنان، مؤكدين على الوحدة الوطنية مع بقية أبناء الشعب السوري، وقد ندد وجهاء الأرمن بالسلطات الفرنسية لاستخدامها أبناءهم ضد الشعب السوري، وأبرقوا إلى المفوضية الفرنسية العليا في بيروت يرجون فيها بعدم استخدام أبناءهم مع سلطات الانتداب، بسبب ما لاقوه من عطف إنساني من الشعب السوري، كما وقفوا موقفاً مشرفاً مع المسلمين ضد ضم لواء الإسكندرونة إلى تركيا، ففتحوا كنائسهم للمسلمين ليصلوا فيها بعد أن منعهم الأتراك من الصلاة في المساجد- إبان وجود اللجنة الدولية المنتدبة من عصبة الأمم خوفاً من التجمع والتظاهر أمامها، لأجل لواء الإسكندرونة-( ).
وتعتبر سوريا هي موطن المسيحية الأصلي ومنها انطلقت المسيحية لتنشر تعاليمها الدينية السمحاء( )، كما أن اللغة الآرامية هي التي تكلم بها السيد المسيح عليه السلام ، وتعتبر الآرامية هي أصل السريانية التي تفرعت عنها العبرية والعربية، كما أنهم حاربوا مع المسلمين في اليرموك، وأهم طوائفهم الـ 14 هي اليونان الأرثوذكس،و اليعاقبة، والروم الأرثوذكس ، والأرمن الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس، والنساطرة، و المارون .. الخ، الأقليات العرقية منهم مثل الأرمن ومدارسهم الخاصة بلغتهم الخاصة، كما أن لهم إصداراتهم الثقافية في مناطقهم، ويتركزون في حلب والقليل في دمشق( ) ، وكان يحق لهم الإنضمام إلى الأحزاب الدينية الإسلامية مثل الإخوان المسلمين والترشح باسمهم، مثل رزق الله انطاكي الذي رشح نفسه ضمن قائمة الإخوان المسلمين في حلب( ), وبسبب مساوئ حكم الوحدة، وتدني شأنهم خلالها أيدوا انقلاب عبدالكريم النحلاوي، ووقعوا على وثيقة الانفصال ، واعتبروها ثورة الوحدة الوطنية في سوريا ضد الانحراف والفساد في النظام المصري( )، وما يؤكد على الوحدة الوطنية في سوريا ضد الانحراف الإلحادي أنه في الانتخابات البرلمانية عام 1954، أعطت المناطق المسيحية في دمشق أكثر أصواتها لزعيم حزب الإخوان المسلمين الدكتور مصطفى السباعي، وصرح مطران المسيحية بذلك جهارة( )، كما أكد رئيس الوزراء فارس الخوري الذي يعتبر حفيد أقدم بروتستاتي سوري يومئذ بقوله: " يمكن تطبيق الإسلام كنظام، دون الحاجة للإعلان عن أنه إسلام، ولا يمكننا مكافحة الشيوعية، مكافحة جدية إلا بالإسلام، ولو خيرت بين الإسلام والشيوعية لاخترت الإسلام "( ), وأوصى قبل وفاته بأن تقرأ آيات من القرآن والإنجيل على جثمانه، فكانت العروبة والإيمان بها قد جعله يصل إلى أعلى المناصب في سوريا من رئاسة البرلمان عدة مرات والحكومة عدة مرات، وكذلك ابنه سهيل الخوري( )، لأنهم آمنوا بالوحدة العربية وبوحدة الشعب السوري والعربي, لذلك فالمسيحيون عامل استقرار سياسي وليس عامل عدم استقرار لأنهم من صلب النسيج السوري وركناً أساسياً من أركانها( ).
9- اليهود :
كان العرب واليهود قبل احتلال فلسطين عام 1948 يعيشون في إخاء وسلام فيما بينهم، حتى أنه كانت عندهم عادة متبعة في أنحاء سوريا هي أن الأولاد الذين يولدون في نفس اليوم يصبحون أخوة فيما بينهم بغض النظر عن ديانتهم( )، وقد شاركوا في النضال الوطني ضد الانتداب الفرنسي مع بقية فئات الشعب السوري ، ويؤمن العرب واليهود أنهم من أصول سامية واحدة وأن جدهم الأكبر هو إبراهيم الخليل، وقد رفض يهود سوريا التسلط الصهيوني عام 1948، وتبرع يهود المغرب بدمائهم لصالح جرحى حرب1967 من العرب( )، وكان لهم ممثل واحد في البرلمان عن دمشق، وآخر عن حلب، عام 1947، وقد حصل يوسف لينادو عام 1936 على أعلى الأصوات في دمشق( )، ويتميزون عن بقية شعوب العالم بأنهم لا يذوبون أو ينصهرون مع أي مجتمع، ففي المجتمع الأمريكي على سبيل المثال ذابت كل القوميات إلا قوميتهم، لأن القومية والدين عندهم شيئاً واحداً ، وفي ذلك يقول ديفيد غوريون : " إن اليهودي يختلف عن الآخرين ، في أنه قد يكون ملحداً ولكنه يظل مع ذلك يهودياً"( ), ويتوزعون في سوريا على عدة طوائف هي( الحخاميون ، القراؤون، السامريون) ( ) وقد انتشر بينهم حزب شهود يهوه ( ) ،لكن بعد مجيء الصهاينة من أوربا عملوا على قطع صلات الأخوة بين العرب واليهود، كما ساهمت جهات خارجية في تشويه اللحمة الوطنية بينهم وبين العرب من خلال بعض الأعمال الإرهابية ( ) ضدهم في دمشق وحلب من خلال منظمة الفداء العربي التي تمولها السعودية ومصر ، لكن وقف رجال دينهم موقفاً مشرفاً عندما أيدوا الحكومة ورجالاتها واعتبروا هذه الأعمال ضدهم لا علاقة للشعب السوري فيها.

• العشائرية
كانت العشائر في سوريا تشكل ربع السكان، وقد خصهم الدستور السوري علم 1928 بمادة للعناية بأمورهم هي المادة رقم 13 التي تقول: " تقوم بشؤون العشائر البدوية إدارة خاصة تحدد وظائفها بقانون يراعي حالتهم الخصوصية" ( )والمقصود بهؤلاء العشائر هم الرحل، الذين عملت الدولة العثمانية من خلال إجراءاتها التنظيمية على الحيلولة دون توطينهم قبل الاستقلال عنها، كما أن معظم أرياف الشعب السوري هم عبارة عن عشائر لكنها غير متنقلة( )، فهناك عشائر العلويين، وعشائر الدروز، وعشائر الأكراد .... الخ، لكن تقل الروح العشائرية في المدن خاصة دمشق وحلب وظلت العشائر البدوية بعد الاستقلال لا تخضع للقوانين المدنية والجزائية التي يسري مفعولها على بقية أبناء الشعب، وكان رؤساء عشائرهم يتفقون فيما بينهم على اختيار نوابهم واقتسام مقاعدهم في البرلمان( )، وكانوا هم يفرضون الضرائب على أفراد عشائرهم، ويمتلكون الأراضي الشاسعة، ولم يخضعوا أفراد قبائلهم لقانون التجنيد الإجباري العام، رغم أن الدولة قد وطنت معظمهم بعد حين من الاستقلال، لكن ظلت الدولة تسمح لهم بامتلاك جميع أنواع الأسلحة دون ترخيص، مما أدى للكثير من الحروب والغزوات فيما بينهم، وقد طلب أكرم الحوراني في البرلمان بضرورة إلغاء هذا القانون وذلك بعد سقوط الشيشكلي، ثم أصدر الرئيس جمال عبدالناصر في 22 فبراير 1959 قانوناً ألغى فيه هذا القانون، مما أدى إلى استياء رؤساء العشائر منه، وهذا مما دفعهم لتأييد انقلاب عبدالكريم النحلاوي عام 1961، وكانت قبل ذلك قد اندلعت عدة حروب بين عدة عشائر مثل حرب بين عشيرتي الحسنة ونعيم عام 1946، وبسبب قانون العشائر قتل طراد الملحم شيخ الحسنة، بعد أن حاول الاعتداء على أكرم الحوراني في البرلمان حيث شهر مسدسه ضده في جلسة 10 يناير 1946، ورغم أن الروح العشائرية في المعاملات التجارية بين أبناء دمشق وباقي المدن، كونها تتمسك بالتقاليد، والشعائر الدينية، إلا أن ذلك لم يؤثر على عدم الاستقرار السياسي فيها، بخلاف الوضع بالنسبة لعشائرية صلاح جديد ، فكان الخلاف ( ) بين صلاح جديد وحافظ الأسد من أسبابه أن حافظ الأسد كان يرفض العشائرية أما صلاح جديد فكان يبدي أتباعه من قبيلة الحدادين، فعمل على تقريب خاصته، مما حذا باللواء حافظ الأسد بعد حرب 1967 باعتباره وزيراً للدفاع، على القيام بجملة تنقلات أهمها نقل شقيق صلاح جديد وهو عزت جديد من قيادة اللواء السبعين المدرع والمرابط في قطنا قرب دمشق، ثم عمل على إبعاد مؤيدي صلاح جديد وأهمهم عبدالكريم الجندي، ثم أبعد أحمد المير، مما حذا بصلاح جديد أن يقوم بتشكيل قوة الصاعقة لإضعاف قوة حافظ الأسد العسكرية وظل مسيطراً على المكتب الثاني ، مما حذا باللواء حافظ الأسد إلى القيام بالحركة التصحيحية في 16 نوفمبر 1970 ومن ثم التقليل من العشائرية في الجيش( ).
الإقليمية :
إن الإقليمية في سوريا كانت لها تأثير كبير على عدم الاستقرار في سوريا ، خاصة ممن امتهن السياسة وجعلها سلماً وطريقاً لوصوله إلى الحكم، فكان يعتمد على إقليمه أو مدينته، لأنه يرى فيها السند الذي يعتمد عليه، وقد يكون بعضهم يفضل الإقليمية بغض النظر عن الدين أو الطائفية كما فعل الحوراني الذي كان يعتمد على أتباعه في القرى المحيطة في حماه، وخاصة الأقليات الدينية ( )، كما عمل الحوراني على إسقاط الحكومات والأنظمة من خلال الانقلابات التي خطط لها أو أيدها، وتشمل معظم الانقلابات العسكرية، وكانت إستراتيجيته في ذلك هو اعتماده الأساسي على الجيش، وبسبب هذه التدخلات الإقليمية للحوراني وجماعته من ضباط حماه بالذات مثل الشيشكلي، وعبدالحميد السراج، وخليل كلاس وبهيج كلاس، ونخلة كلاس، وعبدالغني قنوت، ومصطفى حمدون، وعدنان حمدون، وعبدالكريم زهور، وزياد الحريري، ومحمد الصوفي وغيرهم، ممن ساهموا في الانقلابات السورية أو في إسقاط الحكومات والوقوف في وجه الأكثرية من حزب الشعب أو الوطني، وخاصة في موضوع الوحدة العربية، كون الحوراني ومؤيديه يتسمون بالإقليمية وهذا ما أكده الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، كل ذلك دعى أحد أعضاء حزب الشعب، للقول في البرلمان: " لقد أصبحت حياتنا جحيماً لا يطاق، إن لدي اقتراحاً يخلصنا مما نحن فيه، هو أن نمنح مدينة حماه، استقلالاً ذاتياً كإمارة موناكو أو اللوكسومبورغ".
كما أن خيانة عبدالكريم زهر الدين – الذي جعله قائد الانقلاب عبدالكريم النحلاوي عام 1961، قائداً للأركان – لعبد الكريم النحلاوي في مؤتمر حمص عام 1962 واتفاقه مع المعارضة ضده، مما أدى لنقله للخارجية وتسفيره للخارج، وهذا جعل الضباط الشوام لا يتحركوا إبان انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 كون عبدالكريم النحلاوي من دمشق ( ) ، كما أن عصيان دمشق عام 1962 بقيادة العقيد محمود عودة كان ضد تسفير النحلاوي( )، أيضاً كان انقلاب صلاح جديد في 23 فبراير 1966 مؤثراً عند سكان حلب بالدرجة الأولى( )، وكذلك الموالين لأمين الحافظ في غرب سوريا حيث وقعت صدامات في حلب وسيطر الموالون لأمين الحافظ على محطة الإذاعة *، كما حدثت مظاهرات في حماه، قمعها مصطفى طلاس، وأيضاً في دير الزور وقعت مواجهات بين الموالين لأمين الحافظ ومؤيدي الانقلاب الجديد.
وكان من أسباب الخلاف ** بين محمد عمران من جهة وصلاح جديد من جهة أخرى، أن محمد عمران من علويي الغاب (قضاء حماه)، أما صلاح فهو من علويي الساحل ، كما أن من أسباب الخلاف بين الحزب الوطني وحزب الشعب وهما الحزبان الرئيسيان في كل العهود الديموقراطية في سوريا، أن حزب الشعب معظمه يمثل حلب، والحزب الوطني معظمه يمثل دمشق، وقد ظهر الخلاف حول مسودة الدستور عام 1950 في المادة الخامسة منه التي تقول: " إن دمشق عاصمة الدولة على ألا يكون ذلك قطعاً"( ) ، ففسر المعارضون لحزب الشعب الذي كان على وشك توقيع الاتفاق حول الوحدة العراقية السورية، أن الهدف هو نقل العاصمة لبغداد أو لحلب في حالة الوحدة مع العراق.
وإبان عهد الوحدة تزمر الشعب السوري من استهتار الفئة الحاكمة بالقاهرة، وضعف شأنها بسبب أن العاصمة أصبحت القاهرة، لذلك قرر عبدالناصر في المراحل النهائية للوحدة أن تكون إقامته في دمشق لمدة 4 أشهر مقابل 8 أشهر في القاهرة.
كما تذمر السوريون من تسلط قيادات من النظام المصري على سوريا، فعندما نشب الصراع بين وزير الداخلية عبدالحميد السراج وهو سوري، وبين عبدالحكيم عامر (وهو مصري) حيث عينه عبدالناصر حاكماً على سوريا نيابة عنه، لذلك وقف جميع الضباط السوريين وأعضاء الاتحاد القومي والنقابات في سوريا إلى جانب السراج( )، وجرت محاولات للتظاهر والإضراب، مما حذا بعبدالناصر إلى إنهاء دور السراج في سوريا كوزير للداخلية ورئيس للاتحاد القومي في سوريا، وعمل على إدماج الاتحاد القومي السوري بالمصري، ودمج المخابرات السورية مع المصرية تحت رئاسة وزير الداخلية المصري عباس رضوان، ثم عمل عبدالحكيم عامر على تسريح ونقل مؤيدي السراج الذي عينه عبدالناصر نائباً له مما حذا بالسراج إلى الاستقالة في 22 سبتمبر 1961 احتجاجاً على إجراءات عبدالحكيم عامر بحق مؤيديه، كما انزعج الحوراني ، وصلاح البيطار من جعل عبدالحكيم عامر حاكماً عاماً لسوريا، مما حذا بهم وبالوزراء السوريين إلى الاستقالة( )، وفي ذلك يقول عبدالناصر حول فشل الوحدة : ، " إن الخطأ في الوحدة هو استغلال الإقليمية، وظهر استغلال الإقليمية أول ما ظهر من بعث سوريا "( ).
لكن تجدر الإشارة هنا إلى القول إن بعض الضباط المصريين كانوا إقليميين إلى أبعد مدى، ولم يكن وجودهم في سوريا سوى وجود استغلالي كما أنهم أصبحوا وكأنهم حكاماً لسوريا على غرار الاستعمار، ولم ينتهي الأمر عند إقليمية السوريين فيما بينهم أو بين السوريين والمصريين إبان الوحدة، بل تعدى ذلك إلى النازحين الفلسطينيين الذين جاءوا سوريا بعد عام 1948، حيث رأوا في الوحدة مع مصر أفضلية لهم في الوقوع تحت حكم السوريين، لذلك آثروا معاداة انقلاب عبدالكريم النحلاوي والمناداة بعودة الوحدة مع مصر، بالرغم مما فيها من إجحاف ومساوئ على الشعب السوري، لذلك فقد اشتركوا في انقلاب 8 مارس 1963 من خلال ضباطهم في الجيش السوري، كما شاركوا في المظاهرات المؤيدة للوحدة مع مصر، وكان بعضهم من مؤيدي صلاح جديد.
ورغم ذلك كله تبقى الديمقراطية أهم عامل للقضاء على الإقليمية من خلال توزيع المقاعد على الأقاليم في البرلمان، إضافة لتوزيع المناصب بدون استبعاد رجال أي إقليم كونهم أصحاب أرض واحدة ووطن واحد وشعب واحد، ويبقى العدو الرئيسي لهم هو التخلف كما ذكر سابقاً والذي يفرز كل المساوئ ويفتت الوطن والشعب.
2- العوامل الشخصية وخصوصية الشعب :
1- العوامل الشخصية :
إن للعوامل الشخصية تأثيراً كبيراً على الاستقرار السياسي، لأن الروابط الشخصية تساهم في عدم وجود كفاءات قادرة على تطور المجتمع في جميع المجالات، وخاصة في المجال السياسي، وكان لهذه العوامل تأثيراً كبيراً على عدم الاستقرار السياسي في سوريا منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1943، وهي ما تزال ماثلة حتى تاريخ كتابة هذه السطور، فعندما كلف جميل مردم بك في 28 ديسمبر 1948 في تشكيل حكومة، استبعد خالد العظم وميخائيل إليان، من الحكم مما أثارهما فعملا لحجب الثقة عن الحكومة، واستعمال الصحف ضد هذه الحكومة( )، كما أن اعتماد جميل مردم بك في حكومته على أشخاص من غير ذوي الكفاءات الكاملة أسخط النواب في البرلمان، فغاب عن يمين الرئاسة لشكري القوتلي عام 1947، -إضافة لكسب ثقتها في البرلمان-، 48 نائب دون إخطار سابق، وكان أبرز الغائبين زعيم حزب الشعب رشدي الكيخيا، وعضو الحزب القومي السوري وحزب الشباب أكرم الحوراني، مما كان لذلك أثراً سيئاً على شرعية النظام.
كما كان ارتباط الرئيس شكري القوتلي بعلاقات تجارية مع أسرة آل سعود في المملكة العربية السعودية، حيث كان آل القوتلي يعملون كوكلاء تجاريين لهم في دمشق، لذلك كان شكري القوتلي مؤيداً لنهج آل سعود والتقارب معهم وتفضيلهم على التقارب مع العراق، كما ساعد في دعم الحكومة السعودية بتجنيده لمساعدين للملك عبدالعزيز مثل يوسف ياسين الذي تولى منصب مستشار الملك للشؤون الخارجية( )، وهذا أثار حزب الشعب المؤيد للتقارب مع العراق، وساهم في انقلاب حسني الزعيم، وتأييد سامي الحناوي لحسني الزعيم في انقلابه، وقد استغل هذا الوضع أكرم الحوراني الذي كان والده أيام الحكم العثماني من كبار الملاك، حيث فشل في الترشح للبرلمان العثماني، بسبب عدم مساندة وجهاء حماه له في ذلك، وقد بدد ثروته كلها أحد أعمام أكرم الحوراني( ) ، لذلك عمل الحوراني على تشكيل عصابة مسلحة من قطاع الطرق، وأخذ يحث الفلاحين على ملاك الأراضي وحرق محاصيلهم ورفض العمل، حتى أن أحد الملاك قال عنه: " لو كان في مقدوره أن يشرب دمائنا ويأكل لحومنا لفعل ذلك" ولم يتوقف حقد الحوراني على الملاك في الشارع بل تعداه إلى البرلمان، فكان يقاطع النائب في البرلمان عبدالرحمن العظم عندما يتكلم في البرلمان، وينتقد جميع آرائه بكل عصبية ، كما حدث في جلسة 7 فبراير 1949( )، كما أنه بسبب حقده على شكري القوتلي أخذ يحرض ضباط الجيش على شكري القوتلي والإساءة إليه، حيث أكد الرئيس شكري ذلك( )، ولم يكن رفض الحوراني اغتيال الرئيس أديب الشيشكلي الذي اتخذه قادة البعث عام 1953، سوى لتخوفه من عمليات انتقامية قد تتعرض لها عائلته في حماه، إضافة لتخوفه من سيطرة قائد المكتب الثاني إبراهيم الحسيني على الرئاسة( )، وهو على عداء مع الحوراني، وكان عداء الحوراني للوحدة بين سوريا والعراق، أنه كان يكره العائلة الهاشمية منذ صغره وخاصة الملك فيصل الأول بالدرجة الأولى، رغم أن الشعب السوري كله كان مع الملك فيصل، حتى أنه حين وفاته أطفأت جميع المدن السورية أنوارها حزناً عليه( )، وتعدى ذلك إلى حقده على جميع المسؤولين الوطنيين والعمل لإثارة المشاكل التافهة ليحط من مكانتهم دون أدنى أدب أو تهذيب أو لباقة( )، وللوصول للسلطة عمل على تشجيع أقربائه في المدرسة العسكرية، حتى يتخرجوا فيما بعد ويكونوا طوع بنانه، فكان منهم عدنان حمدون ومصطفى حمدون، وزياد الحريري حتى أن الشيشكلي كان قريبه( )، وهذا ما يفسر تأثيره على معظم الانقلابات في سوريا، أو تأثيره في إسقاط الحكومات بتأثير الجيش ورغم مناداته بالإصلاح الزراعي والعدالة الاجتماعية ، إلا أنه استغل وضعه مع قريبه أديب الشيشكلي، وأصبح أقاربه يغتصبون أراضي الغير ويسجلونها بأسمائهم كما فعل أخوه واصل الحوراني( )، وقد ورد ذلك عام 1951 للبرلمان، إلا أن البرلمان أحال الشكوى إلى دائرة التفتيش العامة، بسبب تسلط الحوراني على الجيش، وبسبب اشتراك الحوراني بانقلاب حسني الزعيم فهو الذي كتب البيان الأول للانقلاب، وأصبح الحوراني مستشاره الخاص، وأصبح أصدقاء الحوراني وهما أديب الشيشكلي الذي أصبح مديراً للشرطة والأمن العام، كما أصبح بهيج كلاس نائباً لحسني الزعيم( )، وحتى منتصف الخمسينات كانت نساء سوريا لا يبالين بالانتخابات البرلمانية كثيراً، مما حذا بالحوراني إلى بعث زوجته الدمشقية نزيهة الحمصي، للعمل على الاستفادة من الأصوات النسائية في دمشق لصالح صلاح البيطار وهو مرشح حزب البعث، وبالفعل نجح بسبب ذلك( )، وعقب تولي شكري القوتلي لمقاليد الحكم وفق انتخابات 1954، استاء الحوراني من ذلك، لذلك عمل على تدخل الجيش في الحكم تمهيداً لإسقاطه، وبالفعل كان تآمره مع عفيف البرزي في انقلاب 1958، وفرض الوحدة بين سوريا ومصر لصالح النظام المصري( )، وعمل إبان الوحدة على تنفيذ الإصلاح الزراعي بواسطة قريبه مصطفى حمدون *الذي عين وزيراً للإصلاح الزراعي فقام بعمليات عدائية تمثل دوافع الحقد والانتقام من أعداء الحوراني وهم ملاك الأراضي في سوريا ، كما اقترح على الرئيس عبدالناصر أن يكون مصطفى حمدون قائداً للجيش الأول، خاصة أن عبدالحميد السراج كان حليفه ومؤيداً له، وبذلك يتاح له حكم سوريا، كما أنه كان عالماً بموعد انقلاب 8 مارس 1963 من خلال قريبه زياد الحريري( )، وبسبب أن قادة الانقلاب لم يعطوه أي مجال للحكم فقد عادى الحكم فعمل أمين الحافظ على سجنه حتى أواخر 1965( ) ، وبسبب حقده على الرئيس أمين الحافظ، لم يقف في وجه الانقلاب الطائفي في فبراير 1966، حيث كان قد بعث له صلاح جديد من خلال موفده الضابط الفلسطيني مجاهد سمعان عند خروجه من السجن للاستماع لنصائحه حول انقلاب عسكري يطيح بأمين الحافظ ، ورغم ما لهذا الانقلاب من خطورة طائفية إلا أن الحوراني، لم يحذر الرئيس أمين الحافظ من ذلك الانقلاب.
ولم يقتصر الأمر على الحوراني في إثارة عدم الاستقرار في سوريا بل تعداه إلى بعض وجوه السياسة الآخرين كون الزعامات في سوريا محلية وليست قطرية، فلا يتقيد الحاكم أو الزعيم بحزبه بقدر تقيده بمنطقته ومعارفه( )، ورغم ذلك فإن أي وزير أو مسؤول قبل انقلاب مارس 1963 كان يتصف بالعلم الغزير والثقافة العالية والأمانة والاستقامة ماعدا الشواذ أمثال الحوراني ومصطفى حمدون وغيرهم ممن كانوا يؤثرون مصلحتهم الشخصية على مصلحة الوطن، فقد استقال في 8 مارس 1949 وزير الداخلية عادل العظمة بسبب عدم مصادقة البرلمان على توحيد قوى الأمن حتى يستطيع التحرك من خلالها، مما حذا بأخيه نبيه العظمة إلى الاستقالة من رئاسة الحزب الوطني( )، كما كان إهمال رئيس الحكومة خالد العظم عام 1949 لقائد الأركان حسني الزعيم واحتقاره له، خاصة عندما كان يزوره في مكتبه، فيجعله ينتظر طويلاً كأي مواطن آخر، مما كان يؤثر على نفسية حسني الزعيم( )، وقد أيد عدنان المالكي انقلاب حسني الزعيم ، وسعى لعدم مجيء شكري القوتلي قبل مقتله عام 1954( )، بسبب أنه كان يكره شكري القوتلي لمسائل شخصية تتعلق بخلافات على أرض زراعية في ضواحي دمشق، حيث كانت مزرعة الرئيس شكري القوتلي بجوار مزرعة عائلة المالكي، ولم يكن مقتل المالكي نفسه، إلا بسبب عامل آخر وهو خلافه مع اللواء ( ) شوكت شقير الذي كان قائداً للأركان وكان المالكي نائبه ، ويتخوف من عدنان المالكي كونه القائد الحقيقي للجيش وكله يأتمر بأمره، فكان مقتله عام 1954 ذو فائدة لشوكت شقير الذي قد يكون له يد في ذلك، خاصة أن شقير كان على علاقة طيبة بالسفير المصري محمود رياض، باعتبار أن النظام المصري كان يرغب في عودة شكري القوتلي إلى السلطة كونه ضد فكرة الهلال الخصيب، وكان المالكي العقبة الرئيسية لتحقيق ذلك( )، وخاصة أن قادة البعث من الحواراني والبيطار وغيرهم كانوا على علاقة طيبة مع السفير المصري أيضاً وكانوا يعادون الوحدة مع العراق أو التقارب معه، لذلك فإن مقتل المالكي ذي فائدة لهم لأن المالكي عمل على تعيين ضباط مناهضين للبعث في الأركان مثل أحمد عبدالكريم وأمين النفوري، وشكل مجلس قيادة الثورة على الطراز المصري ليستأصل العناصر الغير موالية له( )، بسبب أنه اعتبر أن البعث مسؤول عن فشل أخوه رياض المالكي في انتخابات 1954، وكان من العناصر الغير موالية له والتي نقلها من الجيش غسان جديد - بسبب تكوينه تكتل طائفي نصيري في الجيش-، وتهديده لزعيم الحزب القومي السوري جورج عبدالمسيح بتسليمه للحكومة اللبنانية، التي حكمت عليه بالإعدام، وكان خلافه مع جورج عبدالمسيح أن أعضاء حزبه في الجيش كانوا يقتادون بأمره ويحترمونه أكثر من غيره مثل عدنان المالكي، كون جورج عبدالمسيح هو زعماً للحزب القومي السوري، فرأى عدنان المالكي أن ذلك يسيء للضباط في الجيش، كما أنه بعد مقتل المالكي تقسم الجيش إلى حوالي 20 فئة، وهذا ما كان له فائدة لمصر، حيث أصبحت العداوات الشخصية في أوجها بين زعماء الفئات المتناحرة في الجيش التي تشكلت بعد مقتل المالكي، حيث أصبح الجيش مجموعة أجنحة متصارعة، كل منها تخشى الأخرى أكثر مما تخشى العدو الخارجي، مما أضعف الجيش الرسمي إلى حد أن كل وحدة فيه كانت تتصرف كجيش مستقل( )، وهذا ما حذا بمعظم رؤساء هذه الكتل إلى تأييد عفيف البرزي في الذهاب لمصر وفرض الوحدة بقوة الجيش ، بدون أية شروط أو مشاورات مع السياسيين حول هذه الرحلة.
أيضاً عقب انقلاب حسني الزعيم استدان أحد التجار مبلغ نصف مليون ليرة، وهو وهبة الحريري، الذي وصلت ديونه إلى 6 ملايين ليرة للدولة، فكان بحاجة لحل البرلمان باعتباره بحاجة لحكومة تكفله وتساعده دون رقيب أو حسيب، وكان على علاقة بنذير فنصة( )، وكان هذا المبلغ قد أخذ سلفة من وزارة الدفاع وفي ظل حكم الزعيم عمل رئيس وزرائه محسن البرازي على إقصاء الحوراني من موضعه كمستشار للزعيم، بسبب العداوة بين الحوراني وآل البرازي في حماه، مما أثار الحوراني( )، أيضاً عمل على نقل أسعد طلس وهو عديل لسامي الحناوي، من منصبه كأمين عام لوزارة الخارجية، مما أثار الزعيم سامي الحناوي من هذا العمل، وكان لذلك أثراً كبيراً على انقلاب سامي الحناوي فيما بعد( )، لكن بعد الانقلاب الأول لأديب الشيشكلي ضد سامي الحناوي عمل على قتل سامي الحناوي عن طريق أحد أقارب رئيس الوزراء الذي أعدمه سامي الحناوي، لأن الشيشكلي كان قريب لعائلة البرازي( )، وكان لشخصية الرئيس أديب الشيشكلي دوراً في استجابته لإنذار المعارضة ضده كونه كان يكره سفك الدماء، وتخوفه من انقسام الجيش الذي بناه على أحسن طراز، وتفضيله الخروج حياً من الحكم ويستفيد مما جمعه من أموال على أن يقامر بحياته( )، لكن بعد ذلك اغتاله في البرازيل -حيث هاجر لهناك- أحد الدروز وهو نواف غزالة بسبب خلافات شخصية معه، وقال في المحكمة أنه اغتاله انتقاماً لضرب جبل الدروز، حتى يخفف عنه الحكم( )، لكن قام ابن أديب الشيشكلي وهو خالد الشيشكلي بقتل نواف غزالة في سوق الحمدية في دمشق، رغم أن قائد الأركان في عهد الرئيس أديب الشيشكلي شوكت شقير وهو درزي من لبنان، هو الذي حذره من أن هناك تمرد سيقوم به جبل الدروز وسيعم أنحاء البلاد، قبل عدة أشهر من ذلك التمرد( )، وعندما حمل البرلمان السوري -بعد حرب فلسطين-وزير الدفاع السوري أحمد الشرباتي بسبب الأداء الضعيف للجيش السوري في هذه الحرب، فاشتبك أحمد الشرباتي مع أحد نواب البرلمان، وكان ذلك الشجار سبباً في سقوط حكومة جميل مردم بك عام 1948( )، أيضاً كان الخلاف الشخصي بين عبدالحكيم عامر وعبدالحميد السراج في سوريا، حيث كان عبدالحكيم عامر مقرباً من عبدالناصر، وبسبب ذلك نقله السراج من سوريا إلى مصر، وجعله نائباً له، مما حذا بعبدالحكيم عامر إلى تصفية جماعة السراج في سوريا، فاستاء السراج من ذلك واستقال من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية وذهب إلى سوريا، لينتقم من عبدالحكيم عامر من خلال انقلاب يطيح بالوحدة ( ) ، وبعد انقلاب 18 يوليو 1963 ظهر الخلاف( ) بين وزير الدفاع محمد عمران وقائد الأركان صلاح جديد الذي عمل على السيطرة على الجيش من خلال مؤيديه في الجيش، فعين المقدم أحمد المير قائداً للواء السبعين والمقدم عبدالكريم الجندي آمراً لسلاح الإشارة فتذمر محمد عمران من ذلك، واستقال من وزارة الدفاع ومن منصب نائب رئيس الوزراء، ونقل إلى الخارج كملحق عسكري، مما حذا بصلاح جديد إلى تصفية جماعته، مستغلاً وجوده في الخارج.
وفي أعقاب انقلاب النحلاوي عام 1961 ظهرت الخلافات الشخصية بين قادة الانقلاب وكلهم من دمشق، مما مهد لتفكك الجيش وانقسامه، وإثارة عدم الاستقرار الحكومي، مما مهد لانقلاب 8 مارس 1963( )، وبعد هذا الانقلاب أخذ صلاح جديد يعمل من أجل انقلابه الطائفي( ) ، من خلال سماته الشخصية التي تتسم بالانتهازية واستغلال وتسعير الفتن والحقد واللؤم، وكرهه لجميع من ليس من طائفته، ونفاقه، لكنه كان يستعمل التقية في معاملاته مع الآخرين، ثم عمل على استغلال القوى المدنية والعسكرية والطائفية، لكسب ثقة الرئيس أمين الحافظ، كما عمل من وراء الستار على تعيين كل أقاربه في الجيش والوظائف المدنية المهمة، وقد ساهمت كل الإذاعات الغربية بالتستر عليه وتجنيبه مسؤولية الأزمات، في سوريا، حيث أن حملاتهم على نظام أمين الحافظ لم تكن تتناوله، مع أنه كان المسؤول الأول عن وجود الطائفية في سوريا، باعتماده عليها وتنظيمها بين أبناء طائفته ، وجعلهم يشكلون جمعيات طائفية على أساسها، رغم تستره بالماركسية ستاراً لطائفيته، مما جعل بقية الطوائف في سوريا تنفر منه، وعندما نبهه رئيس الوزراء السوري سامي الجندي على خطورة ذلك على الوطن والطائفة نفسها، فأجابه صلاح جديد، "لو فعلنا لسحقنا المشايخ " ، وبعد انقلابه في فبراير 1966، عمل على توريط مصر بحرب يونيو 1967 كونه كان يكره الرئيس عبدالناصر ويعتبره مسؤولاً عن قتل أخيه غسان جديد، وقبل ذلك كان قد عمل على إفشال برنامج الوحدة مع مصر والعراق فيما عرف بالوحدة الثلاثية، ثم عمل بعد ذلك على إفشال الوحدة العراقية السورية.
مما سبق يتبين أن العوامل الشخصية كان لها تأثيرها الكبير على وجود عدم الاستقرار السياسي في سوريا خلال مدة الدراسة، لكن يرى البعض أن هذه العوامل قلت بعد انقلاب حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970 حيث أبعد معظم أقارب صلاح جديد في الجيش وقل انتشار المحسوبية والمحابات في العلاقات الاجتماعية بشكل كبير( ).

خصوصية الشعب السوري :
تعتبر دمشق أول مدينة في التاريخ، وأكثر بقاع الأرض عامرة بالأحداث( ) ، فهي بوابة العالم ومفتاحه، وتتميز بأنها استطاعت على الدوام استيعاب جميع الفاتحين وطبعهم بطابعها وأعطت الإمبراطورية الرومانية الكثير من الأباطرة مثل فيليب العربي وكاراكلا، وكان أول مشرع في التاريخ هو حمورابي التي كانت دمشق أهم حواضره، وفيها تأسس القانون الروماني، وكانت أول كتابة في التاريخ هي أبجدية أوغاربت، وكان العرب الساميون من عموريون وكنعانيون وكلدان وبابليون وأشوريون وأراميون وعبرانيون، قد أقاموا فيها حضارات عظيمة، كما أقاموا بعض الدول في ظل الدولة الفارسية والرومانية مثل تدمر والبتراء والحيرة، وكانت منازل لآل غسان في الشرق وآل المنذر اللخميون في الغرب، ولم يصبح الإسلام في أوج عظمته إلا حينما حملت دمشق رايته، وتاريخ قرطاجة القديم دليلاً على رفعة حضارتها الغابرة، فهم وصلوا إلى العالم الجديد منذ القرن التاسع قبل الميلاد( )، وكانت هي أساس حضارة الأندلس التي اعتمد كولومبس على خرائطها في الوصول إلى العالم الجديد، وما كان لامبراطوريتي البرتغال وأسبانيا أن تقوما في القرن الخامس عشر لولا حضارة الأندلس التي ورثوها بعد سقوط غرناطة 1492، وما أحرقوه من كتب فيها تزيد عن المليون كتاب( ) ، شاهد على تقدمها وازدهارها، وما كان لحضارة الغرب أن تقوم لولا أنها اعتمدت على الكتب العربية، والكفاءات العلمية من اليهود الذين نهلوا من علوم الأندلس وكان عصرهم الذهبي فيها، وظلت دمشق قلب العروبة النابض من المحيط إلى الخليج، فكانت في العصر الحديث موئلاً لكل أحرار العرب، مثل علال الفاسي، وأحمد بلفريح والأمير عبدالقادر الجزائري، والحبيب بورقيبة، وأحمد الشرف ، ونالوا كل ترحيب شعبي ورسمي وكل دعم لهم، قبل أن تستقل بلدانهم، وظلت دمشق مؤثراً حقيقاً يتأثر العرب بكل ما جاء منها، كونهم يرون فيها صدى الأصالة وأرستقراطية الفكر، وما كان لفكرة القومية العربية أي شأن إلا حينما حملت دمشق رايتها، لكنها رفضت على الدوام قبول البعث وتحول رفضها إلى استحالة استمراره على الدوام.
هذا التاريخ الحافل لدمشق ظل يراود مخيلتها على الدوام، وظلت مقر آمال العرب ومركز سوريا الطبيعية، وظل مجتمعها يمثل المثل العليا بسائر المجتمعات التي حولها، وظلت تحتفظ بتراثها الشرقي مما جعلها نبراساً لسائر الوطن العربي، وظل شعبها يفضل الموت على أن يعيش ذليلاً، فهو الذي جعل الملك فيصل الأول يرضخ لرغبة الشعب في إعلان الحرب على الفرنسيين رغم استحالة النصر، حيث قال الملك فيصل في ذلك : " أنا أفضل الموت جندياً شريفاً على اعتلاء العرش ذليلاً" ( ) فظلت ترفض حدود سايكس بيكو وكل ما جرى عليها من تعديلات، وعمل سياسيوها على الدوام للتأكيد على وحدة سوريا الطبيعية، فكان هذا الهدف هو أساس نضالها ضد الانتداب، لذلك عمل الكثير منهم من أجل مشروع الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى ( ) ، لكن ظهر من بينهم اتجاه لا واقعي تمثل في الهروب إلى الأمام من خلال برنامج مثالي طوباوي غير منطقي يطالب بوحدة الأقطار العربية كافة، بدون المرور بأي مرحلة جزئية، إضافة إلى عدم تحديده لأي إستراتيجية لتحقيق هذا الهدف، كما عمل ذلك بسمارك عندما وحد ألمانيا، أو كما عمل غاليباردي عندما وحد إيطاليا، لكن ظلت سوريا على الدوام تعتبر أن ما سلخ منها من زاغوس إلى طوروس وغيرها من المناطق التي سلختها تركيا أو إيران، أو ما انفصل عنها مكوناً دولاً جزئية، لم تعترف بها، وظلت تدرج لواء الإسكندرونة ضمن حدودها وتطالب بالأجزاء الأخرى( )، وهذا ما سبب لسوريا الكثير من المشاكل الداخلية فيها وساهم في عدم استقرارها السياسي بسبب مطالبة الشعب على الدوام بضرورة استعاده الأجزاء المسلوخة منها ( )، وتحقيق وحدتها الطبيعية، أو وحدة الوطن العربي ككل، وقد تأثر الشعب السوري بالبرلمانية، التي لم تكن وليدة استقلال سوريا عن الدولة العثمانية، وإنما كان لهم مندوباً في البرلمان العثماني الذي تشكل منذ عام 1908، كما أنهم في العهد الفيصلي شكلوا نظام برلماني على الطريقة الأمريكية، وكان أول دستور لسوريا بعد الاستقلال عن الدولة العثمانية عام 1920( )، وعرفت سوريا الانتخابات البرلمانية منذ عام 1936، لذلك كانت سوريا ترفض الديكتاتوريات العسكرية على الدوام وتعمل لإسقاطها بكل السبل، ولم تعترف على الإطلاق بالمجالس التي يقيمها العسكريون ولا بالأحزاب التي ينشؤوها، حتى أن البعض وصف الشعب السوري بميله إلى العنف في الصرع الداخلي، لكن تسامح الشعب مع بعضه البعض كان ينهي الخلافات ويحقن الدماء، مهما بلغت شدة التهديدات( ) ، كما أن هذا الشعب لم يعترف بكل الإشاعات التي كانت تطلقها الديكتاتوريات العسكرية، رغم ما حاولوه من إثارة الشائعات، وتجنيد العملاء، إضافة إلى ما حاولته الدول الأجنبية بهذا الصدد، لكن لابد أن ذلك كان له تأثيراً في ظل عصور التخلف والجهل التي كانت في ظل الدولة العثمانية إضافة إلى ما رسخه الانتداب الفرنسي من انقسامات في جسم المجتمع السوري، ورغم ذلك ظلت المجتمعات السورية تعتبر نفسها جزءاً من الوطن الأم( ).
وقد وصفها العديد من السياسيين في العالم ليبينوا بعض خصوصيات هذا الشعب، فقال المندوب السامي الفرنسي المسيو بيو: " إن السوريون شعب أعطى الأباطرة لروما، والآباء للكنيسة، وقدم خلفاءهم أعظم الخدمات للمسلمين، لكنهم لا يجتمعون دون تحفظ حول شخص أو عقيدة أو فكرة، فالأديان والمذاهب والطوائف، عندهم تشكل موزاييك غريبة، حيث معظم الأديان والمذاهب والطوائف موجودة فيها"( ).
ويقول الجنرال شارل ديغول: " إن سوريا أقدم البلاد التي وعاها التاريخ، وكانت بسبب شعوبها تضع العالم دائماً أمام مشاكل حساسة، وإن سوريا مؤلفة من أقاليم متميزة بعضها عن بعض، آهلة بمجموعات من السكان مختلفين جداً، بعضهم عن بعض ويمارسون ديانات مختلفة"( ). ويقول جمال عبدالناصر : " إن سوريا قلب العروبة النابض، وحاملة راية القومية العربية، والمنادية بها، وهي التي تفاعلت مع العرب على الدوام"( ) يقول المستشرق الفرنسي جاك برك : " أحبكم أيها السوريون، لأنكم كالفرنسيين ، في شطحاتكم العاطفية ونتعاتكم الخيالية "( ) .
لكن بالرغم من بعض التمايزات في هذا الشعب إلا أن هناك سمات مشتركة آمن بها الشعب السوري ككل، فآمن بالوحدة السورية وبالوحدة العراقية السورية (الهلال الخصيب) وبالوحدة العربية وبالوحدة الإسلامية، فجميع تياراتها بلا استثناء كانت مع الوحدة لذلك آمنوا بمحبة الرئيس هاشم الأتاسي الذي طالما عمل لوحدة سوريا والعراق، كما آمنوا بالرئيس ناظم القدسي كرمز وطني أصيل لهذه الوحدة أيضاً، وآمنوا برمز الوحدة الوطنية ورمز استقلال سوريا الرئيس شكري القوتلي، وأعزوا قادة الثورات السورية مثل سلطان الأطرش، وإبراهيم هنانو، وعبدالرحمن الشهبندر ، وصالح العلي وغيرهم، وقبل كل شيء آمنوا بالملك فيصل ملكاً على سوريا بأسرها، وآمنوا بالزعيم أنطون سعادة، كرمز من رموز الوحدة السورية، وآمنوا بتواضع الرؤساء الديمقراطيين أمثال شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وناظم القدسي( )، ورفضوا دعاة الانفصال والواقفين ضد وحدتها مثل الرؤساء حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وغيرهما، هذه الطبيعة والخصوصية لشعب سوريا جعلت المؤامرات عليه كبيرة، وهذا ما ساهم مساهمة كبيرة في عدم استقراره السياسي، مما حذا بونستون تشرشل إلى القول، " إن سوريا لا تعرف كيف تحكم نفسها ولا تدع أحداً يحكمها ".
صراع الأجيال :
إن صراع الأجيال في سوريا خلال فترة الدراسة كان له دوراً مهماً على صعيد عدم الاستقرار السياسي فيها، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك حيث أنها كانت ممتدة خلال جل فترة الدراسة، وإن كان تأثيرها خلال بعض الفترات المتفرقة من مدة الدراسة أقل من مدد أخرى، فعلى سبيل المثال كان الحوراني يطمح إلى السلطة وكانت تراوده روح الشباب والقوة فكان من مواليد 1911( )، أيضاً الشيشكلي الذي كان ميلاده عام 1910، فكان الانقلاب الأول لحسني الزعيم والذي اشتركا فيه بشكل أكبر من غيرهما، من أسبابه ميلهما إلى السلطة وتسلمها، كما أن الحوراني نفسه هو الذي أوحى لقائد الجيش سامي الحناوي في 25 نوفمبر 1949، بضرورة تسريح اللواء عبدالله عطفة من الجيش، ليمهد الطريق أمام أتباعه الذين كان يشجعهم على الدخول في المدارس العسكرية، ليكونوا تابعين له فيما بعد ويصل من خلالهم إلى السلطة، أمثال عبدالحميد السراج، ومصطفى حمدون، وعبدالغني قنوت، وعدنان حمدون، وزياد الحريري، ومحمد الصوفي، وغيرهم، وكان السراج ذو الميلاد 1925 يطمح إلى السلطة بعد اشتراكه في ثلاث انقلابات عسكرية، فسعى للتقارب مع عبدالناصر قبيل الوحدة مما جعله الحاكم المطلق على سوريا إبان الوحدة وعمره لم يكن يتجاوز الثلاثة والثلاثين سنة، وعندما تقلصت سلطته بفعل عبدالناصر واستيائه من عزل عبدالحكيم عامر لبعض أتباعه في سوريا، قرر الانتقام من خلال انقلاب يطيح بالوحدة، فكان يخطط لذلك الانقلاب لولا أن قام به المقدم عبدالكريم النحلاوي الذي كان أيضاً يطمح إلى السلطة وعمره لم يكن يتجاوز الخمسة والثلاثين سنة، كما حاول عدنان المالكي الذي كان أقوى شخصية في الجيش بعد سقوط الشيشكلي، أن يكون له دور في الحياة السياسية، فقام بانقلابه العسكري الأول ضد الشيشكلي عام 1952، ثم كان القائد الحقيقي من وراء الستار في الانقلاب ضد الشيشكلي عام 1954، وبعدها سيطر على الجيش، فكان استياء اللواء شوكت شقير الذي كان قائداً للأركان بسبب طموحات عدنان المالكي وهذا كان من أسباب مقتله إضافة إلى منافسة أقرانه في الجيش أمثال غسان جديد ومصطفى حمدون وغيرهم في الجيش، لكن باغتياله انقسم الجيش أكثر من 20 فئة بعد مقتله.
وكان الشيشكلي إبان حكمه قد عمل على تمييز الضباط الشباب فأكرمهم وأعزهم، ولم يميز فيما بينهم، فكانوا ينتمون لجميع فئات المجتمع السوري دون أدنى تمييز، فكان مجلس العقداء يضم ضابطين درزيين وآخر علوي، وآخر كردي، وأحدهم كان عربي( ) هذا مما أثار الحوراني الذي كان يواليه بعض الضباط الكبار، وهذا جعل بقية الضباط الكبار تحذره ولم تعد تثق به، بسبب ما حدث لأقرانهم من تصفيات، إضافة إلى أن إبعاده وسجنه لبعض السياسيين الكبار والذين لهم أقارب أو مؤيدين من الضباط الصغار ساهم في الانقلاب ضده، فكان معظم الضباط الذين نفذوا الانقلاب ضد الشيشكلي عام 1954، وعصيان قطنا عام 1956، ينتمون لجيل الشباب الذين أرسلوا للتدريب في الخارج إبان حكم الشيشكلي، وقفزوا بسرعة فوق سلم الرتب العسكرية وكان معظمهم من جماعة الحوراني( ).
وكان أكثر من نصف قادة الكتل العسكرية من جيل الشباب والذين أيدوا اللواء عفيف البرزي في انقلابه عام 1958 لفرض الوحدة مع مصر بقوة الجيش، وكذلك كان معظم القادة الدماشقة الذي قاموا بانقلاب عبدالكريم النحلاوي ينتمون لجبل الشباب، خاصة أن قائدهم نفسه كان في منتصف العقد الرابع من عمره، وكذلك كان معظم قادة انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 من جيل الشباب الذين تقل أعمارهم عن متوسط أعمار ضباط الجيوش النظامية الأجنبية، وكانوا متميزين بانخفاض مستواهم التعليمي عن مستوى الصفوة السياسية المدنية، التي كانت سائدة قبل ذلك( )، حيث أخذ هؤلاء الشباب يبعدون خصومهم السياسيين، معتمدين على الولاء الطائفي في تعييناتهم للآخرين، معتبرين أنفسهم أداة التغيير الاجتماعي والمدافعين عن الوطن، وهذا مما كان له آثاراً سلبية كثيرة على المجتمع والشعب، والاستقرار السياسي في سوريا، فكانت اللجنة العسكرية التي تشكلت من عدد من الشباب منهم (أحمد المير، صلاح جديد، حافظ الأسد ، عبدالكريم الجندي، حمد عبيد، صلاح الضللي، عبدالغني إبراهيم، محمد رباح الطول، محمد عمران،)، قد شكلت الجناح العسكري لحزب البعث سابقاً خلال الوحدة، وبسبب تجمعاتهم السرية إبان الوحدة تعرضوا للنقل إلى مصر، وكانوا قد وصفوا قادة البعث بالانتهازية بسبب حلهم للحزب، فكانت روح الشباب التي تراودهم عاملاً مسبباً لعدم الاستقرار ، وخاصة بعد نقلهم إلى مصر وتكليفهم بأعمال روتينية وغير مهمة عسكرياً، حتى أن بعضهم لم تكن أية وحدة عسكرية أو مسؤولية محددة، وكان تشكيلهم لهذه اللجنة على أساس أن الجيش أصبح تحت قيادة معادين للوطن، وأنه يجب توحيد موقفهم وممارسة الضغط من خلال الحوراني والبيطار ووزراء البعث الآخرين، لتعديل مسار الوحدة، وبعد الانفصال أظهروا أنفسهم على أساس أنهم الكتلة الأساسية للبعث باعتبارهم أن التنظيم المدني أصبح أقل فعالية من التنظيم العسكري، خاصة أن لهم أتباعاً في صفوف المتطوعين من صف الضباط ( ) ، يستطيعون توجيههم حسب ما يرتئون، فكانت التصفيات الكثيرة للضباط المحترفين عقب انقلاب صلاح جديد بشكل خاص عام 1966 سبباً مهماً في هزيمة يونيو 1967، وفي انخفاض أداء الجيش بشكل كبير أيضاً.






المبحث الثالث
العامل الاقتصادي والطبقي والصراع الحزبي
أ- العامل الاقتصادي والطبقي :
إن ارتباط العامل الاقتصادي بالصراع الطبقي في المجتمع يجعل تأثيرهما على الاستقرار السياسي متشابكاً، ومن غير المعقول فصل هذين الجزأين عن بعضهما كونهما شيئاً واحداً، لأن التوازن في الاقتصاد فقط هو الذي يحافظ على الاستقرار السياسي في المجتمع، فزيادة الاقتصاد (الدخل القومي)، أو نقصانه لابد أنه سيؤثر على الصراع الطبقي وبالتالي سيساهم في عدم الاستقرار السياسي في المجتمع.
فسوريا قبل استقلالها لم تكن فيها طبقة عاملة كبيرة بسبب قلة التصنيع، ولم يكن للعمال تشريعات كافية لحمايتهم من البطالة وصيانة حقوقهم، مما جعلهم يعانون مرارة الفقر مثلهم مثل بقية أفراد المجتمع من الطبقة الدنيا( )، وكان بعض البرجوازيين يمانع من انتسابهم لنقابات العمالية، أما الفلاحين فكان المرابين وأصحاب الحوانيت يستغلون حاجتهم بفوائد عالية، وقد يضطرون بسبب سوء الموسم إلى الذهاب للمدينة والعمل فيها، وفي غيابهم كان بعض الملاك يستغلون أرضهم، وقد أحدث ذلك فجوة بين الريف والمدينة حيث أصبح أهل الريف ينظرون إلى أهل المدينة على أنهم مترفين ومستغلين( ) ، رغم أن خصائص أهل المدن كما يؤكد ابن خلدون تختلف عن أهل الريف في كثير من الأشياء، من حيث أحوالهم المعيشية والسكن والبناء وتشبه هذه الحالة ما تنظر إليه شعوب العالم المتخلف إلى شعوب العالم المتحضر، فمنذ العهد العثماني كان النظام الطبقي موجوداً حيث كان هناك ثلاث طبقات هي( ):
1- طبقة الحكام ومعاونيهم ورؤساء الدين والعلماء.
2- طبقة الأسر العريقة وأصحاب المهن اليدوية المختلفة.
3- طبقة العمال والخدم.
وظلت نسبة المشتغلين بالزراعة تشكل حوالي 70% من السكان مقابل 1% في الصناعة، أما الآخرون فكانوا يشتغلون بالمهن الحرة، لكن تقلصت الملكية الكبيرة التي تزيد عن المائة هكتار بعد الاستقلال من 60% إلى 29%،وزادت نسبة الطبقة المتوسطة التي تمتلك عشرة هكتار فما فوق من 19% إلى 33% ، أما الصغيرة فظلت على حالها وهي تقل عن عشرة هكتارات، وقد شجعت السلطات في عهد الانتداب توظيف رؤوس الأموال الأجنبية وتشجيع نمو الرأسمال التجاري بتوظيفه للأموال في كل المجالات، من أجل ربط سوريا بالسوق الأجنبية وبالرأسمالية العالمية، وإغراقها بالمنتجات الأجنبية( )، لكن خلال الحرب العالمية الثانية تطورت الصناعة السورية بسبب نمو حاجة جيوش الحلفاء لها، وزادت قوتها بعد الاستقلال، فتشكلت سبع شركات صناعية مساهمة برأسمال وطني قدره تسعة عشرة مليون ليرة و46 مصنعاً ، وكان تطور الصناعة قد أدى لتطور الزراعة لاعتماد الصناعة على الزراعة، وبذلك كان يعمل النظام بعد الاستقلال على بناء الاقتصاد بشكل منتظم، بالرغم من خروج سوريا بعد الاستقلال مباشرة منهكة اقتصادياً، ورغم ما حدث من تطور صناعي وزراعي إلا أن الأحزاب الراديكالية والصحافة كلفوا الحكومة فوق طاقتها، كما عمل الحوراني على معاداة النظام ورجال الحكومات على أساس أن هدفه تحقيق العدالة الاجتماعية، رغم أنها كانت سائدة إلى حد بعيد باستثناء بعض الحالات الشاذة، حيث وصف الحوراني أعداءه من ملاك الأراضي بالرجعية والعمالة والخيانة، فكان أول من أطلق كلمة رجعية وتقدمية في المجتمع السوري ليحدث شرخاً اجتماعياً في جسم المجتمع بشقيه المدني والعسكري، وكان حثه لمقربيه على الانتساب للجيش ولحزبه بحيث أصبح له مراكز قوة في الجيش يأتمرون بأمره مخالفين بذلك كل الأعراف الدستورية، بما فيها قسم يمين الولاء للدستور، فكان هدفه أن يجعل الجيش سلماً لوصوله إلى السلطة( ).
وبعد الاستقلال سمح النظام للتنظيم النقابي أن يكون ذا شقين مستقلين، إحداهما للعمال وآخر لأرباب العمل، بعد أن كان قبل ذلك مندمجاً مع بعضه عمالاً وأرباب عمل في نفس الوقت، ثم أقر دستور 1950 حق العمل لجميع المواطنين، وألزم الدولة بتوفيره للجميع وضمانه من أجل توجيه الاقتصاد الوطني ونهوضه، كما أقر قانون العمل، مثل الساعات، والتعويض، والتأمين، وغير ذلك، كما أقر الوسيلة المناسبة للمطالبة بحقوقهم، وأقر التنظيم النقابي، معتبراً النقابات شخصية قانونية اعتبارية، لها حق في الاجتماع والتظاهر السلمي، لكن خلال فترة الوحدة مع مصر ضعف دورهم، فصدر مرسوم يقتضي بـ : " لا يجوز للنقابات الاشتعال بالمسائل السياسية والدينية "( ) ، كما صدر مرسوم آخر يقضي، بأنه من حق وزير الشؤون الاجتماعية والعمل حل النقابة في حالة التحريض على قلب نظام الحكم أو كراهيته أو الازدراء به...، ولكن النظام الذي ساد بعد مارس 1963 عمل على دمج هذه النقابات ضمن النظام السياسي، بحيث تصبح مقيدة به وتخضع لقراراته، وربطها بحزب البعث، حيث أن جميع رؤساءها وقياداتها في مختلف المستويات أعضاء عاملين في حزب البعث، وكان لهذه النقابات دور كبير قبل مارس 1963 في النضال ضد الديكتاتوريات العسكرية، ومعظم قياداتها كانت مرتبطة بالأحزاب.
لكن كان هناك عائق ساهم في الشقاق بين الريف والمدينة تمثل بحصول أعيان المدينة في بعض الحالات على مقاعد أهل الريف، من خلال تحالفهم مع أعيان الريف الذين كانوا يعطونهم التنازلات على حساب أبناء مناطقهم، ورغم ذلك كان باستطاعة الفلاحين وصغار الكسبة الضغط على السلطة لإقصائهم عند الضرورة( ) ، بسبب أن السلطة في معظم فترة ما قبل عام 1963 كانت ديمقراطية، لكن محاباتها أحياناً لأصدقاء المسؤولين على حساب الفلاحين وصغار الكسبة، ولد رد فعل عند هؤلاء تمثل بدخولهم في الأحزاب الراديكالية والجيش ليسقطوه وليحلوا محله حكماً ديكتاتورياً صارماً، خاصة بعد انقلاب 23 فبراير 1966، بالرغم من أن هؤلاء الفلاحين كانت تنتشر في مناطقهم نفسها الملكيات الصغيرة والمتوسطة( )، وكانوا في معظمهم من الأقليات الدينية، ويخضع فلاحيهم لأسيادهم من نفس الطائفة في جبل العلويين، أما في المناطق الأخرى التي كانت مملوكة للسنة خاصة، فكانوا يخضعون لهم باعتبارهم جاءوا من مناطقهم للشغل في مناطق أخرى غير مناطقهم، وكان يفضلهم ملاك الأراضي في هذه المناطق ، كما أن رؤساء عشائرهم ومشايخهم من نفس الطائفة كانوا ذوي ملكيات كبيرة، وكانوا يجمعون منهم الضرائب وأجور الزواج والهدايا ويخضعونهم للسخرة، لكن بعد تطبيق قانون الإصلاح الزراعي في ظل الوحدة، وبعده، حصلوا على أراضي الملاك الكبار ، وكان الهدف من الإصلاح الزراعي في سوريا هو تجريد الطبقات المهيمنة من امتيازاتها الاقتصادية وعزلها سياسياً تمهيداً لتصفيتها، وإقامة علاقة بين النظام ومن سيستفيدون من هذه التجربة (في ظل حكم الوحدة) ( ) ، حيث جعلت سوريا تجربة للإصلاح الزراعي، ولم يحصل مثل هذا الأمر في مصر حيث حدث بشكل تدريجي على عكس سوريا التي أخذت الأرض من أصحابها مباشرة، كما أن نظام الوحدة لم يصفي الإقطاع في مصر، فظل أكثرهم يتمتعون بمراكز مهمة في الدولة، وأعاد لهم أراضيهم بعد هزيمة يونيو 1967، وزادت قوتهم في ظل حكم أنور السادات، لكن في سوريا اعتلى مكانهم طبقة المندوبين الذين شكلوا حاجزاً بين الشعب والنظام الحاكم، بالرغم من أن ملاك الأراضي في سوريا قد حصلوا على أراضيهم خلال العهد العثماني بطرق شرعية، فوزعت عليهم أراضي صغيرة مقابل خدماتهم في إدارات الدولة ليستثمروها، كما وزعت على غيرهم من الفلاحين( ) ، لكن أعيان الدولة زادوا على أراضيهم من خلال شرائهم أراضي من غيرهم من الفلاحين، حتى أن الملاك الكبير منهم كان يملك أكثر من (40) سند طابو، وهذا حق شرعي له، وكان شراءهم لهذه الأراضي بسبب استثمارهم لأراضي الريف، وقد شجعتهم الدولة العثمانية على ذلك من خلال تعاملها مع هؤلاء الملاك في جباية الضرائب، حيث كان من الأسهل لها التعامل مع ذوي الملكيات الكبيرة أكثر من الصغيرة، كما أن الملاك الصغار لم يستطيعوا منافسة الإنتاج الكبير للملاك الكبار، فباعوا أراضيهم بأسعار زهيدة، ثم أخذوا يعملون في خدمة طبقة الملاك الكبار على شكل شراكة، فكان رأس المال كله من أراض وبذار وسماد وضرائب وما إلى ذلك، من المالك أما العمل والحراسة فمن الفلاح لقاء ربع المحصول، حيث كان الفلاح يسمى بالمرابع بالاصطلاح الزراعي ، وكان لكل مالك عدداً كبيراً من المرابعين، أما في مجال الصناعة، فكان عمال الصناعة أيضاً غير قادرين على منافسة المنتجات الأجنبية المستوردة، بسبب رخصها وقلة تكاليفها، فتركوا مشاغلهم الخاصة والتحقوا بسوق العمل عند المستثمرين الصناعيين الذين أحدثوا مع أقرانهم الأرستقراطيين الزراعيين قفزة في مجال سوق العمل والصناعة والزراعة بشكل لم يسبق له مثيل في دول الشرق الأوسط منذ عام 1838 ( ).
لكن عند إصدار قانون الإصلاح الزراعي عام 1959 بضغط الحوراني وأعوانه ممن ينتمون إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة، بإلحاحهم على الرئيس عبدالناصر ليصدر هذا القانون، بسبب حسدهم وحقدهم وليس بسبب ميلهم لإنصاف الفلاح وتطبيق قانون الإصلاح الزراعي، والدليل على ذلك أنهم وجهوا الموظفين إلى إعطاء المالك من الأرض ليس كما يختار من الأرض ( كما نص قانون الإصلاح الزراعي نفسه)، وإنما أعطوه حسب ما يريدونه هم، كما صادروا أدواتهم الزراعية وشهروا بهم في الإذاعة ليحطوا من قدرهم، رغم كون أكثرهم من أبطال استقلال سوريا والذين وقفوا في وجه الديكتاتوريات العسكرية، مثل الرئيس الجليل هاشم الأتاسي، ورئيس البرلمان رشدي الكيخيا، وغيرهم، فكان الرئيس هاشم الأتاسي على سبيل المثال يمتلك أراض صخرية، يستصلحها حسب إمكانياته، وكان الخبراء المصريين الذين جاءوا إلى سوريا قبل الوحدة، ومنهم وزير الإصلاح الزراعي المركزي سيد مرعي، قد أكدوا أنه من الخطأ تطبيق الإصلاح الزراعي في سوريا لأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيها لا يتطلب ذلك، حيث الزراعة في سوريا تشكل الركن الأساسي للاقتصاد السوري، ومعظمها بعلية وليست مروية كمصر، وإن من ضروراتها أن تكون الملكية واسعة، لأن الملكية الصغيرة لا تفي بدخل صاحبها ولا تقوى الاقتصاد القومي، كما أن صاحب الأرض في سوريا يستثمرها ولا يؤجرها مثل الحالة في مصر، فالإنتاج الزراعي لـ 300 هكتار بعلي في سوريا، أقل من إنتاج 80 هكتار مروي في مصر، كما نص قانون الإصلاح الزراعي، في مجال توزيع الأراضي في سوريا ومصر، حتى أن 80 هكتار مروي في سوريا أقل إنتاجية من 80 هكتار مروي في مصر، وإنتاجها لا يعتبر إنتاجاً معتبراً، إضافة إلى أن ما يطرأ على الأراضي من ظروف طبيعية تؤدي إلى تقليص الإنتاج، وإن معظم من أعطيت لهم أراضي من الفلاحين أصبحوا يؤجرونها ، وبذلك أصبحوا مستهلكين بعد أن كانوا منتجين قبل ذلك، كما تملك مهاجرون من خارج البلاد مثل النساطرة والأشوريين، أراض أخذت من العشائر العربية في الجزيرة السورية، وهذا يتنافى مع القومية العربية التي يدعيها النظام.
وقد أدى هذا الإجراء العنيف إلى جعل الملاك يتركون الاستثمار الزراعي، ويتوجهون للاستثمار الصناعي أو التجاري، وهاجر قسم كبير منهم من البلاد إلى الخارج، وأغلبهم من ذوي المؤهلات العالية، ففقدت البلاد خبراتهم، كما أن معظم الأراضي التي أستولي عليها لم توزع على الفلاحين بل بقيت بيد الدولة، التي أهملتها وحولتها إلى أراض قاحلة، ولم تدفع لأحد ممن أخذت أراضيهم أي تعويض خلافاً لما نص عليه قانون الإصلاح الزراعي.
وبعد انقلاب 8 مارس 1963، ازداد مدى الاستيلاء على الأراضي، وقامت حكومة صلاح البيطار( ) بإنشاء سد الفرات مستعينه بالسوفييت في ذلك، رغم أنه لم يكن له أية فائدة للحصول على الكهرباء لأن 90% من كهرباء سوريا معتمدة على النفط، كما لم يكن له أية فائدة في استصلاح الأراضي رغم ما صاحب إنشائه من دعاية واسعة، فقد أتلف 300 ألف هكتار من أجود الأراضي الزراعية مقابل استصلاح 600 ألف هكتار ، التي لا تجدي زراعتها بسبب الملح، ولم تستطع الحكومة التخلص من مشكلة ملوحة التربة، زد على ذلك أن معظم الأراضي التي أستولي عليها بعد انقلاب مارس 1963، ثم بعد انقلاب فبراير 1966 قد أخذت من الملاك( )، وأعطيت للفلاحين من الأقليات الدينية بشكل خاص، وكذلك المنشآت الصناعية والتجارية، مما كان لذلك آثاراً مدمرة فحدث الصدام الطائفي في عام 1963 في حمص، وفي 1964 في بانياس وحماه ، لكن تجدر الإشارة إلى أن حكومات ما قبل الوحدة كانت تنفذ الإصلاح الزراعي منذ الاستقلال، ولكن بشكل تدريجي على أساس الملكية الصغيرة والمتوسطة، بحيث لا يمضي أكثر من جيلين أي ما يعادل 66 سنة حتى يكون قد اكتمل، بشكله النهائي، وهذا ما أكده دستور 1950 حيث نصت مادته الـ 22 على ما يلي: " لإقامة علاقة اجتماعية عادلة بين المواطنين، يسن تشريع خاص يتضمن حداً أعلى لحيازة الأرض تصرفاً أو استثماراً، بحسب المناطق على أساس تشجيع الملكية الصغيرة والمتوسطة، من دون أن يكون له مفعول رجعي"، ولو ظل هذا القانون يطبق، لما حدثت الرشاوي ولا وسائل الانتقام كما حدث بالفعل نتيجة قانون الإصلاح الزراعي منذ عام 1959.
وكان إصدار قرارات التأميم في يوليو 1961 بتأميم المصارف والشركات الصناعية، بحجة أن هذه الشركات يمتلك أسهمها في مصر سوريون ولبنانيون ويهود وغيرهم، بالرغم من أن النظام كان يؤكد نظرياً أن كل ما هو عربي لا يعد أجنبياً( )، كما أن السوريون جزءاً من الجمهورية العربية المتحدة، والوضع في سوريا يختلف تماماً عن الوضع في مصر، لأن هذه المؤسسات في سوريا مملوكة فقط للسوريين، ويشترك فيها حتى صغار الكسبة من خلال أسهمها، وكان لها دوراً كبيراً في تشجيع الاستثمار الوطني، وزيادة الاقتصاد القومي، وبالنسبة للمصارف فإن رأسمالها مرتبط بالمراكز الرئيسية في الخارج، أما بالنسبة للصحف فكان تأميمها قد عمل على عدم القدرة في إمكانية الكشف عن الأخطاء في الإدارة، وتوعية الشعب وفضح المخالفين، وأصبحت، رهينة بيد الحكومة تعلن ما ترضى عنه السلطة، وكان التأميم الذي اتبع بعد انقلاب 8 مارس 1963، قد توسع ليشمل المؤسسات الصناعية والتجارية الصغيرة، ووصل الحقد بأقطاب البعث إلى تسريح محامي المؤسسات المؤممة، والتشهير بهم في الإذاعة من خلال التهجم عليهم بالتهم الكاذبة، مثل نعيم الانطاكي أحد رموز الوطنية في سوريا، وهرب بنتيجة ذلك أكثر من مليار ليرة سورية من رؤوس الأموال، وزاد التأميم بعد انقلاب 23 فبراير 1966 حتى شمل المعامل الفردية، فازدادت أعداد العاطلين عن العمل، وانخفض الإنتاج بشكل بلغ أقل من عشرين ضعف عما كان قبل ذلك، كما أن ازدياد تخفيض أراضي الملاك عما كان من قبل، جعل الأحقاد المحلية هي قانون الإصلاح الزراعي، فكان حزب البعث أقرب إلى حزب شيوعي مع استعمال كلمة قوميين كادحين بدلاً من البروليتاريا( ).
ويرى البعض أن الطبقة العليا في المجتمع ، والتي يعيش معظم أعضائها في المدن الكبرى بثرواتهم ومراكزهم من خلال سيطرتهم على المال والصناعة والتجارة، واعتمادهم على الملكيات الزراعية الكبيرة، إضافة لتأثرهم بالغرب، وتشكيلهم لمعظم نواب البرلمانات( )، لكن عدم استطاعة هذه الطبقة على ردم الهوة بين طبقتهم والطبقة المتوسطة والدنيا، وبالتالي لم تستطع هذه البرلمانات تحقيق رغبات الشعب السوري بشكل كامل، رغم أن معظمهم هؤلاء النواب من ذوي التاريخ الوطني المشرف، وعلى يدهم تحقق استقلال سوريا، لكن كان نقص خبرتهم وكفاءتهم الإدارية، إضافية لعدم قدرتهم على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وعدم قدرتهم على تحقيق التضامن العربي كبديل لسد عجز نظام حكمهم عن كبح جماح الصهيونية عن فلسطين، مما ولد الأحزاب اليسارية الراديكالية، التي أخذت تنادي بالصراع الطبقي القائم في المجتمع بنظرها، بالرغم من أن كل الدساتير التي سادت خلال هذه الفترة كانت تتضمن حماية العمال وتشجيع الملكيات الصغيرة والمتوسطة، وتعيين حد أعلى لحيازة الأرض، كما أعطت هذه الدساتير حق تأميم كل مؤسسة أو مشروع يتعلق بالمصلحة العامة، مقابل تعويض عادل، وهذا ما أكده رئيس الحزب الوطني عام 1962 عندما أثار اليساريون من خلال الحوراني موضوع الصراع الطبقي في البرلمان، حيث قال في ذلك :
" يجب إبقاء الطبقة الفوقية حيث هي، لا أن تنزل هذه الطبقة إلى تحت، مع إمكانية الحد من استثمارها بوضع مشاريع وقوانين تفرض قيوداً على الأرباح بضرائب تصاعدية تصل إلى 70، 80، 90 في المائة على الأرباح، لا قيوداً مقيدة توضع على رؤوس الأموال، وهذه الضرائب التصاعدية على الأرباح،لا قيوداً مقيدة توضع على رؤوس الأموال، وهذه الضرائب التصاعدية يمكن إنفاقها على الطبقة التحتية في خدمات عامة كالصحة والتدريس والتعليم، وتكافؤ الفرص ميسوراً بذلك للطبقة التحية، حيث تمشي متدرجة إلى فوق، ويمكن بالتالي أن تكون متدرجة، وئيدة إلى أن تتقارب مع الطبقة الفوقية، لا أن تلتقي هي والأخرى، ولا وجود للإقطاع، كما أن القيود المقيدة للاقتصاد هي ضرر وضرار لعامة البلاد وكافة المواطنين أصحاب رؤوس الأموال، والصناع والعمال أيضاً، ويجب أن يكون الاقتصاد خالصاً من كل قيد يقيده، فالعدل والواجب الوطني، يحتمان بلا تردد إلغاء قوانين التأميم، لأن التأميم قد أضعف القوى الإنتاجية، وأوقف حركة العمل في البلاد، وأبعد الناس عن رغبة الاشتراك أو المساهمة في الصناعة أو التجارة أو الزراعة، ويجب أن يكون التعاون صادقاً ووثيقاً بين صاحب الأرض والفلاح وبين صاحب المال والعامل وبين جميع الطبقات"( ) .

وكان قبل ذلك قد أكد هذا الرأي الرئيس شكري القوتلي في مارس 1943 عندما زار حماه، فقام جماعة الحوراني برفع لافتات ضد ملاك الأراضي والأعيان، مما حذا بالرئيس شكري القوتلي إلى القول:
" في هذه المدينة توجد طبقة يقال لها طبقة الذوات وأنا من هذه الطبقة، أنا من الذوات وعائلتي من أقدم العائلات، وأنا من أصحاب الأملاك وأرباب الأراضي، وهناك طبقة أخرى تقول أنها من الشعب، وأنا أيضاً من الشعب، وقد أمضيت عشرات الأعوام مناضلاً في سبيل الشعب، إنني أعلم معنى الفكرة التي يعتنقها كل ذات من الذوات، كما أعلم ماهية الفكرة التي يعتنقها كل رجل يقول إنه من الشعب، لكن اسمحوا لي أن أضع هذه الأمور في مواضعها، إنني على استعداد لأن أضحي بأولادي وبعائلتي في سبيل الوطن"( ).
ورغم ذلك ظل الحوراني معارضاً لكل الأنظمة التي لا تسعى للإصلاح الزراعي الفوري( )، وقد كسب تأييد وتعاطف بعض الفلاحين، كونه كان ينتمي لحركة الأشقياء الشعبية التي كانت تفرض الخوة على الأثرياء، رغم أن الحزب الشيوعي نفسه لم يكن يدعو للإصلاح الزراعي في ذلك الوقت، كما لم يكن يدعو للتأميم، على أساس أن هدفه هو تشجيع وزيادة الاقتصاد من خلال المشاريع الواسعة، رغم أن الهدف الأساسي من تصريحاته هذه هو وصول بعض أعضائه إلى البرلمان( )، لأنه كان يدرك أن النظام الطبقي من صميم الحياة الاجتماعية السورية في تلك الفترة، مثل اقتصاد جبل العرب، وغيره( )، ولم تكن حركة الشعبيين في جبل العرب عام 1945 ضد آل الأطرش الذين يتولون كافة المناصب السياسية الدرزية، في جبل العرب والتي كانت ثورتهم هذه بعد ثورة العامية عام 1886 سوى دليلاً على الصراع الطبقي، فاعترف آل الأطرش بحق الفلاحين في التملك في أعقاب ثورة العامية، أما في ثورة الشعبيين فقد تنازل آل الأطرش عن المناصب السياسية لصالح الشعبيين الذين شجعهم الرئيس شكري القوتلي، حيث أيدوا فيما بعد انقلاب حسني الزعيم.
كما ظل الحوراني يحرض الفلاحين الأكراد في يونيو عام 1947 ضد زعمائهم من ملاك الأراضي الواسعة، مما أدى إلى مصادمات قتل على إثرها حوالي 30 شخصاً( )، ثم أثار في أكتوبر عام 1948 قضية بين الريف والمدينة، حيث رأى أن القرى التي يسكنها العلويون لا تحظى بالرعاية الكافية مثل بقية المدن السورية، على أمل ولاء هذه الطائفة له، لكن كان لطائفة المراشدة دور في إحداث الإخلال بالأمن من قبل جماعة سليمان المرشد عام 1945، وتواكب نشاطها مع إضراب عمال مرفأ اللاذقية عام 1945 بتشجيع من الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، لذلك عمل محافظ اللاذقية آنذاك عادل العظمة على تشكيل جمعية تضم جميع الطوائف وتوزيع أراضي أملاك الدولة والخالية على الفلاحين الذين لا أرض لهم( )، ثم قام الحوراني بعد سقوط سامي الحناوي، بتنظيم كتائب مسلحة مدعومة من الجيش ضد الملاك الكبار( )، وصارت هذه الكتائب تتدخل في كل قضية بين الملاك وفلاحيهم في كل أنحاء سوريا، ثم أصدرت الحكومة عام 1950 قراراً للعمل بالتعرفة الموحدة ( )، مما حذا بأرباب العمل في دمشق إلى إغلاق معاملهم، وهذا أدى بقضاة الدولة كلهم إلى المطالبة برفع أجورهم، وعلى ذلك فكانت الشعلة التي أوقدها الحوراني قد أثرت سلباً على جميع المصالح الاقتصادية في الدولة.
لكن بعد الانقلاب الثاني للشيشكلي عام 1951، عمل على وضع رقابة على خروج الأموال في البلاد وأمم بعض الشركات الأجنبية، وألزم الشركات الأجنبية التي لها فروع في البلاد أن يكون ممثلوها في سوريا من الموظفين ورفع الضريبة على الدخول إلى نسب عالية وصلت إلى 36% لتحطيم قواعد الاقتصاد الحر الذي كان سائداً في سوريا، ثم أصدر في يناير 1952 قانوناً بتحديد الملكية الزراعية في المستقبل، وإعطاء الفلاحين المستأجرين للأراضي نسبة أعلى من المحصول، حيث كان المالك يأخذ 75% من المحصول بينما الفلاح المستأجر يأخذ 25%، فأخذ وفق قانون الشيشكلي، نصف المحصول أي 50% ( ) ، لذلك ازدهرت الزراعة والصناعة بشكل لم يحصل في كل تاريخ سوريا حتى الآن، حين استصلحت الأراضي واستثمر مشروع الغاب، وازدهرت صناعة النسيج، ووضع حجر الأساس لموقع معرض دمشق الدولي، وأمم الحافلات وكهرباء دمشق، وألغى امتياز حصر التبغ والتنباك، وألحقها بوزارة المالية، كما أنشأ شركة سورية مساهمة لإنشاء واستثمار مرفأ اللاذقية، وتوسعت في عهده المدن بشكل كبير( )، لكن في أواخر 1953 ضعف الاقتصاد قليلاً مما قوى من المعارضة، خاصة أن عدد المثقفين زاد في عهده، وتوسع الجيش السوري بشكل كبير، وبسبب وجود الحوراني في المسرح السياسي عمل على عقد الاجتماعات الفلاحية عام 1951، في حلب ، حيث شجعهم على المطالبة بالإصلاح الزراعي الفوري، ثم قام بحملة عنف وإرهاب ضد ملاك الأراضي في يناير عام 1952، وكان يستطيع الاستغناء عن ذلك من خلال استطاعته توطين فقراء الفلاحين في مشاريع الري الخاصة بالدولة، والتي ازدادت في عهد الشيشكلي بشكل كبير، لكنه عمل على منع تشغيل رأس المال هناك، باعتباره كان وزيراً للزراعة، مما منع استفادة الفلاحين المستوطنين هناك من أي فائدة( )، وعمل في يونيو 1951 على مهاجمة حكومة خالد العظم من خلال حزبه الجديد العربي الاشتراكي، على أساس أن الحكومة لم تغير في مشروعها عن الحكومة السابقة، ولم تحقق الإصلاح الزراعي مباشرة، فعمل على التمهيد لإضراب موظفي الدولة في سائر المحافظات السورية ثم حثهم على المطالبة بزيادة الأجور فأسقط الحكومة، بسبب عدم قدرتها على تحمل هذه الأعباء، فكانت ردة فعل ملاك الأراضي على تجاوزات الحوراني، أن قاموا بالاجتماع في معرة النعمان في خريف 1951، وعقدوا مؤتمراً لهم فرد، الحوراني بعقد مؤتمر فلاحي آخر في سبتمبر عام 1951، أخذ ينادي بنزع ملكية أصحاب الأملاك الكبيرة، وألقى خطاباً فيهم جاء فيه : " أيها الاشتراكيون، يا رفاق الجهاد، سنوات عديدة مرت علينا ونحن في جهاد مستميت، نحارب على جبهات عدة، ضد الصهيوني والأجنبي والإقطاعي"( ) ، ثم اختلف الحوراني مع الشيشكلي حول موضوع الإصلاح الزراعي بسبب أن الشيشكلي لم ينفذ الإصلاح الزراعي كما يريده الحوراني، رغم أنه أصدر مرسوم قانون الإصلاح الزراعي رقم 96، الذي قضى بتوزيع خمسة ملايين هكتار من أراضي الدولة على الفلاحين، وتوطين مليون أسرة فلاحية، ثم أصدر مرسوماً آخر حول ذلك جاء فيه : " إذا تبينت أن أملاك الدولة من الأراضي لا تكفي لتنفيذ أهداف القانون الأخير، فإن الحكومة ستلجأ إلى إصدار قانون خاص يقتطع أجزاء من ملكية أصحاب الأراضي الكبيرة لتوزيعها على الفلاحين"( ) ، وكانت هذه الإصلاحات قد توافقت مع الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة، والتي كانت تأمل تحقيق إصلاحات اجتماعية داخلية، حيث كان الشيشكلي قد وعد السفير الأمريكي بها، وبسبب الخلاف بين الحوراني والشيشكلي، وضع الشيشكلي، الحوراني في الإقامة الجبرية أواخر 1952، وأغلق صحيفة حزبه العربي الاشتراكي، وكانت تسمى الحرية، وبعد سقوط حكم الششيشكلي عام 1954، تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً، خاصة في ظل حكومة سعيد الغزي ( ) عام 1954، مما حذا بعمال الغزل والنسيج للمطالبة بزيادة أجورهم وتحديد ساعات العمل والاعتراف بحقهم في الانتساب للنقابات، مما حذا بأرباب العمل أن قاموا بإضراب شامل في 24 يوليو 1954 استمر يومين، في دمشق وحلب، مما حذا بالبرلمان إلى الموافقة على تعديل قانون 1946 الذي يعطي الحق للبرلمان في إقرار ما إذا كان إضراب العمال شرعياً أم لا، ثم حدث إضراب آخر في 30 يونيو 1954 لتحديد ساعات العمل، فتأجلت الانتخابات نتيجة لذلك شهراً كاملاً، وبسبب إضرابات عمال شركات النفط الإنكليزية العراقية، وأرامكو، زادت هذه الشركات أرباح الحكومة من الخطوط المارة بسوريا.
وفي أغسطس 1956 قام جماعة الحوراني من بعثيي حماه، بالاشتباك مع جماعة الحزب القومي السوري الذي ينتمي إليه بعض الملاك ومنهم آل العظم( )، وبضغط الحوراني، أصدرت حكومة صبري العسلي في أواخر ديسمبر 1956 قانوناً بمنع تهجير الفلاحين من الأراضي التي يشتغلون فيها، رغم أنهم كانوا عمالاً زراعيين ليس أكثر، فكان ذلك تمهيداً للاستيلاء على أراضي الملاك وتوزيعها على الفلاحين وأكثرهم من الأقليات الدينية ، رغم معارضة البرلمان التدخل في أملاك الدولة وتوزيعها على الفلاحين، مما حذا بالبعث في يونيو 1955 إلى التهديد باستقالة النواب من البرلمان( )، ثم نظم اليسار في فبراير 1956 مظاهرات عمالية في حلب، تطالب بإلغاء مرسوم الشيشكلي رقم (243) الذي يمنع العمال من الانتساب للأحزاب السياسية، وأعلنوا الإضراب العام، وأصيب ثلاثة عشر بجراح، ثم وقعت اشتباكات بين أنصار البعث من الفلاحين وكبار الملاك أسفرت عن 32 جريح.
كما قام الحوراني باستغلال عدم الاستقرار السياسي بعد سقوط الشيشكلي منذ عام 1954، لإثارة الفلاحين ضد الملاك، فقام بإقامة مهرجان الشيخ بدر عام 1954، ثم مهرجان آخر في الشيخ بدر نفسها أواخر 1957، وفي كلا الاجتماعين اجتمع أكثر من 20 ألف فلاح معظمهم من الأقليات الدينية( )، تحت رعاية عم أكرم الحوراني الذي كان محافظاً للاذقية، ويدعى مصطفى الحوراني، وكان هدف المهرجان تأكيد قوة حزب البعث، وتوسيع نطاق الانتساب إليه، والدعاية له، أمام منافسيه، سواءاً في انتخابات 1954، أو في الانتخابات البلدية، ثم قام بمهرجان محردة عام 1954 وحضره أكثر من 35 ألف فلاح معظمهم من الأقليات، وحرض فيه الفلاحين على الملاك، ويلاحظ من هذه المهرجانات أنها كلها قد قامت في مناطق الأقليات.
وبسبب إصدار عبدالناصر لقرارات التأميم عام 1961، اعترض وزير الاقتصاد في الإقليم السوري حسني الصواف، على أساس اختلاف الأوضاع في سوريا عن مصر، باعتبار أن ذلك سيؤدي إلى الحد من نشاط القطاع الخاص السوري، مما أدى لإقالته من منصبه ( ) ، كما أدى تأميم المصارف والشركات المساهمة والشركة الخماسية المتعددة النشاطات، إلى أضرار كبيرة بالاقتصاد السوري، كونه يقوم أساساً على التجارة منذ القدم، كما كان إصدار قانون الإصلاح الزراعي في 27 سبتمبر 1958، واستيلاء الدولة على 586 ألف هكتار من أصل 8.5 مليون هكتار، حيث شمل الإصلاح 3240 مالك يملكون 94 ألف هكتار مروري، ومليون وأربعمائة ألف هكتار بعلي، لكن لم توزع الدولة على الفلاحين سوى (116) ألف هكتار ، وبقى القسم الآخر دون استثمار( )، كما لم يستطع الفلاحين الذين أخذوا الأراضي بموجب الإصلاح الزراعي، من استثمار الأراضي المعطاة لهم، كما لم تستطع الحكومة مساعدتهم، حيث أعطيت لكل واحد مساحة قدرها ثمانية هكتارات مروي أو ثلاثين هكتار بعلي، وكانت نسبة الأراضي التي شملها الإصلاح تشكل 29% بينما الملكيات الصغيرة 15% والمتوسطة 33%، وللدولة 22%، لم يشملها الإصلاح الزراعي، وأثبتت الوقائع العملية أن الإصلاح الزراعي قد أرجع سوريا خطواط كبيرة إلى الوراء، بالرغم من كل ما ادعاه الحوراني عن فوائده، فكان من أهم الآثار السلبية لتطبيقه خلال الوحدة: ( )
1- كان تطبيقه مماثلاً لما تم في مصر، بحيث لم يأخذ خصائص الأوضاع السورية، وخصوبة التربة في سوريا.
2- لم يحصل على الأراضي المستولى عليها سوى ثلث الفلاحين أما الباقين فقد حرموا من هذا الحق.
3- قاطع الملاك لجان مصادرة الأراضي، واتجهوا للمحاكم، وفكوا أجهزة الضخ في الأراضي المروية، وحولوها لأراضي بعلية ليتمكنوا من أن يحتفظوا لأنفسهم بمساحة أكبر من الأراضي، فتقلصت رقعة الأرض المروية في سوريا بشكل كبير، ومن ثم تقلصت رقعة الأرض الزراعية في سوريا كلها بشكل عام.
إضافة لما حدث من جفاف خلال سنوات الوحدة الثلاث، ونزوح الفلاحين للعمل في المدن أو في الدول المجاورة، فكان المواطن السوري لأول مرة يهاجر من سوريا طلباً للرزق منذ الحرب العالمية الأولى، وأصبحت سوريا تستورد ما كانت تصدره من القمح والشعير وغيرها من المنتجات الزراعية، وحلت الاحتكارات المصرية محل شركاء سوريا التجاريين السابقين لبنان والعراق وفرنسا ....، وأصبحت سوريا مضطرة إلى استيراد كميات كبيرة من السلع المصرية الرديئة مقابل صادراتها الجيدة( )، كما استمر السوريون يدفعون رسوم جمركية على صادراتهم من مصر كما كانوا قبل الوحدة، وانخفض سعر الليرة أمام الجنيه المصري، رغم أنها كانت أضعاف قيمته، واستغلال بعض المسؤولين المصريين في سوريا لموارد الإقليم السوري إضافة إلى مساوئ البيروقراطية المصرية العقيمة التي أعاقت تنفيذ القرارات الاتحادية، مما أدى إلى انتشار البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة، وكانت هذه الأشياء من أسباب استقالة الوزراء السوريون من الحكومة المركزية، ويحدد أحد هؤلاء الوزراء وهو أحمد عبدالكريم أن أسباب استقالتهم كانت: ( )
1- قرار تنظيم الاستيراد الذي أقره المجلس التنفيذي السوري ورفض عبدالناصر التوقيع عليه، والتهجم على هذا القرار والمسؤولين السوريين من قبل النظام الحاكم.
2- قانون العمل الموحد الذي يلغي الحرية النقابية، وتسلط المباحث والاتحاد القومي على النقابات.
3- تأخير بعض المشروعات الأخرى كتعديل الاتفاقية مع شركة التايلاين وعرقلة تنفيذ الاتفاقية التنموية الاقتصادية مع الاتحاد السوفياتي.
4- التدخلات في لبنان، وإنفاق الأموال الطائلة على هذا التدخل، دون عرض الموضوع على الوزراء السوريين، وحصر قضايا مشاكل لبنان على عبدالحميد السراج، والذي عين وزيراً للداخلية ومسؤولاً للمخابرات والاتحاد القومي.
5- عدم وجود وزير للصناعة من السوريين، وتركيز منح الرخص بإقامة المصانع الجديدة في القاهرة.
6- عدم إرسال البعثات الدراسية للدول الاشتراكية، واستدعاء من كانوا يدرسون فيها.
7- التمييز بين المعلمين السوريين والمصريين، وتوظيف المعلمين المصريين في سوريا على حساب المعلمين السوريين فيها.
8- عزل سوريا تماماً عن الأقطار المحيطة بها بشكل خاص، وعن العالم بشكل عام، مما أدى لإغلاق الكثير من الأسواق العربية في وجه المنتجات والصناعات السورية، وانقطاع الصلات الفكرية تماماً مع هذه الأقطار.
وقد أدت استقالة الوزراء السوريون في الحكومة المركزية إلى إحداث خللاً في الحكومة بحيث أصبح معدل الوزراء السوريين في الحكومة 1/7 رغم أن عدد سكان سوريا يقترب من ثلث عدد سكان مصر( )، وكان لذلك تأثيراً سيئاً على الشعب السوري ، لذلك بعد وقوع الانفصال بقيادة المقدم عبدالكريم النحلاوي في 28 سبتمبر 1961، أيد الانفصال معظم وجوه المجتمع السوري، وطالبت حكومة معروف الدواليبي علم 1962 بإلغاء قانون الإصلاح الزراعي وإعادة الأراضي المستولى عليها لأصحابها وأيد البرلمان هذا القرار، وبسبب ذلك عمل النظام المصري على تشويه صورة رئيس الحكومة ونعته بالمرتشي من قبل النظام العراقي( ) ، وكان لذلك تأثيره على العقيد عبدالكريم النحلاوي، مما حذا به إلى القيام بانقلابه الثاني في عام 1962، وبعد ذلك تشكلت حكومة بشير العظمة وانقسم أعضاءها بين مؤيد ومعارض للإصلاح الزراعي والتأميم ، الذي تم خلال الوحدة بشرط تعويض المتضررين ( ) ، وبعد تشكيل خالد العظم دعت إلى إبقاء ما تم من إصلاح زراعي وتأميمي مقابل تعويض المتضررين وفتح صفحة جديدة في العلاقات الاجتماعية،ورغم ذلك اشتدت هجمات البعث وطالبوا بتأميم الشركات الصغيرة، مثل ما فعل هاني الفكيكي عضو القيادة القطرية لحزب البعث العراقي حيث قام في عام 1962 بزيارة مدينة السويداء، ودعى لإضراب ضد شركة كهرباء خاصة تعود لصغار المساهمين وتتقاضى أسعاراً معينة مقابل خدماتها، واشترك الطلاب في هذه الإضرابات، مما حذا بالنظام أن يقوم بحملة اعتقالات واسعة( )، ومهما يكن من أمر الإصلاح الزراعي أو التأميم ومهما كانت الأسباب في اللجوء إليهما ، فإن هذا لا يبرر اللجوء إلى وسائل سرقة أموال الناس لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين ومثله في ذلك مثل الوصول والسعي إلى الرقي والتقدم باعتباره غاية شريفة لكن لا يبررها سلك طريق الرشوة والسمسرة، لكن في الأنظمة العسكرية والديكتاتورية يعمدون إلى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وهو مبدأ ميكافيلي، تلجأ إليه هذه النظم سواءاً كانت يمينية كالنازية أو الفاشية أو يسارية كالشيوعية، ولكن تبقى الحقيقة أنه لا يمكن تحقيق الغاية إلا بوسائل شريفة، لأن الوسائل السيئة لن تؤدي إلى غايات شريفة مهما حاول المرء ذلك.
وقد اتبعت حكومة الوحدة الوطنية لخالد العظم عام 1962 والذي سيطر حزب الأكثرية (الشعب) على أكثر الحقائب بالنسبة للأحزاب الأخرى، وبدأ الوضع يستقر خاصة بعد أن حددت الحكومة ماهية الأسس التي سيكون عليها المستقبل الاقتصادي والسياسي والتنموي لسوريا، بعد خطاب رئيس الحكومة خالد العظم في 21 ديسمبر 1962، وإزالة كل العوائق التي تكبل الاقتصاد السوري ونموه، وبالتالي عقدت الفعاليات الاقتصادية مؤتمراً لها في حلب بتاريخ 19 نوفمبر 1962، وأصبح من المأمول فيه عودة رؤوس الأموال التي هربت في زمن الوحدة إلى الخارج، وتحسن الاقتصاد فزاد الدخل القومي 350 مليون ليرة وأصبح في أقل من سنة مليارين وسبعمائة وخمسون مليون ليرة، بسبب ما أصاب الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري من تحسن، وزادت قوة النقد السوري، وحدث استقرار اقتصادي ،لكن ثمة نظرية تقول إن زيادة الدخل القومي في الدولة ستؤدي إلى حدوث عدم استقرار سياسي، وهذا ما حدث بالفعل بعد النشاط الاقتصادي الكثيف قبل انقلاب زياد الحريري في8 مارس 1963، وهذا مما ساهم في الانقلاب نفسه، وخاصة بعد وصول البعث إلى السلطة بعد انقلاب أمين الحافظ في 7 أغسطس 1963، فاتخذ نظام أمين الحافظ مراسيم وقوانين تأميم للشركات المساهمة الصناعية والزراعية التي عادت بعد الانفصال إلى مواقعها، مما أدى لاندلاع إضراب عام واشتباكات دامية، وأصدر النظام أحكاماً بإعدام 400 شخص لكنه لم ينفذ الحكم فيهم بعد تدخل الرئيس أمين الحافظ، ومصادرة ممتلكات اثنين وعشرين تاجراً، وتسعة وستين مخزناً من مخازن سوق الحميدية التي تقدر كل واحدة منها بملايين الليرات، كما عمد النظام إلى إنهاء الإضراب بالقوة بتحطيمه لأقفال المتاجر المغلقة بالمطرقة، ثم عمد النظام إلى تنظيم مظاهرة مؤيدة للتأميم ، وهذا ما يحدث عادة في الأنظمة العسكرية الديكتاتورية، وخطب أمين الحافظ في المظاهرات قائلاً: " سنسحقهم، سنقتلهم باسم الشعب، لقد قتلوا من جنودنا، وجرحوا ضباطاً، وقتلوا من العمال، وسنعمل السيوف قريباً في رقابهم .... ستسحقون هؤلاء المتآمرين بأحذيتكم"( )،وبسبب ما اقترفه النظام بحق الشعب أضرب المحامون في كل أنحاء سوريا، فخطب الرئيس أمين الحافظ موجهاً خطابه لهم : " إنهم سينالون عقاباً حتى يتعلموا كيف يكون الحق، وكيف يكون الوقوف إلى جانب الحق "( ) ، ثم حمل على المواطنين والإخوان المسلمين ووصفهم بالعملاء، فاندلعت الصدامات المسلحة في إبريل 1964 بسبب الاستيلاء على الأراضي وقامت مظاهرات( )، في حلب ودمشق وحمص وحماه، ضد إجراءات النظام، لكن نظام أمين الحافظ أخمد المظاهرات بكل عنف، بعد أن فشل في جميع الخطط الاقتصادية التي اتبعها، وحدث إفلاس اقتصادي كبير، وتقلص الإنتاج الصناعي، وانخفاض قيمة الأسهم، وتسريح عشرات آلاف العمال، وهروب معظم رؤوس الأموال إلى الخارج ويقدر بـ 600 مليون ليرة، بين عامي ( 1963 و 1965)، فاستغل قائد الأركان صلاح جديد هذه التناقضات وعمل للسيطرة على الجيش والحزب، كما دعم زعيم الحزب الشيوعي خالد بكداش هذه الإجراءات، وعندما رأت القيادة القومية لحزب البعث، ما أصاب الاقتصاد السوري بسببها عمدت إلى إلغاء قوانين التأميم والإصلاح الزراعي وتشجيع الاستثمار، والعودة للسوق الحرة، حيث طالب رئيس الوزراء صلاح الدين البيطار بالاشتراكية على النمط الغربي، بدلاً من الشيوعية، مما حذا بالاتجاه اليساري في حزب البعث بالتعاون مع الشيوعيين لتنظيم مظاهرات، احتجاجاً على قرارات الحكومة،وكان لهذا مساهمة في انقلاب صلاح جديد في 23 فبراير 1966، فكانت محاولة العودة بالنظام إلى وضع ما قبل 8 مارس 1963 مستحيلاً بالنسبة له بعد أن فرض الرقابة على رؤوس الأموال، وأغلق المصارف الحرة، وأمم البنوك، ومصارف التأمين الاجتماعي، وتقليص الملكية الزراعية إلى 35 هكتار فقط بعد أن كانت في زمن الوحدة 80 هكتار من الأراضي المروية ، وتأميم الشركات، وقرارات نظام الرقابة على الصرف، تلك الإجراءات التي أدت إلى انخفاض مستوى تطور الاقتصاد الصناعي والزراعي وسوء أوضاع العمال والفلاحين بشكل كبير، وهجرة الفلاحين للمدن من أجل العمل، وانخفاض رواتب العمال، وانتشار البطالة، وتكدس البضائع والمنتوجات في مستودعات التجار لعدم وجود أسواق لها، وتجميد التجارة الداخلية بشكل كبير، وهجرة مائة ألف مواطن إلى خارج البلاد، بحثاً عن العمل، خاصة بعد أن أصدرت حكومة صلاح البيطار قوانين تأميم الشركات الخاصة بكل أنواعها مثل القانون رقم 129 القاضي بحق الدولة تأميم أي مؤسسة تراها مناسبة، وهذا ما يفسر سقوط الحكومات التي شكلها البيطار أو التي تشكلت في ظل حكم الرئيس أمين الحافظ.
وبعد سقوط نظام أمين الحافظ إثر انقلاب صلاح جديد في فبراير 1966، أخذ يدعي أنه سيقوم بخطة تنموية أهدافها معاداة الرأسمالية والإمبريالية العالمية، وتعبئة قوى الشعب الفلاحية والعمالية للقيام بثورة علمية تحل محل الأيديولوجيا القومية أي تطبيق الاشتراكية العلمية الماركسية( )، لكن في حقيقة الأمر لم يكن هناك أي وجود للسلطة العمالية والفلاحين في ظل هذه الإجراءات، لأن تطور رأسمالية الدولة في ظل هذا النظام اتجه نحو رأسمالية تابعة استنزافية غير تنموية تنهب بلدانها بالتعاون، والتنسيق مع الرأسمالية العالمية في الخارج والتي تكفل استمرارها باعتبارها جزءاً من شروط إعادة إنتاجها على الصعيد المحلي والعالمي، حيث أصبحت السلطة منذ ذلك الوقت سلطة دولة مرسملة، في مجتمع غير رأسمالي تتبع النظام العالمي، وتمنع تقدم المجتمع نحو ثورة رأسمالية تامة على النمط الغربي، كما تمنعه في نفس الوقت من الاتجاه نحو نظام شيوعي على النمط السوفياتي أو الصيني أو الكوبي، فسيطر جزء من الطبقة الوسطى وهي الطبقة العسكرية على المجتمع مسخرة الطبقة البرجوازية لخدمة مصالحها من خلال اندماجها بها، بينما بقيت الطبقة العمالية كما هي وازدادت بشكل كبير، من خلال سيطرة نمط الإنتاج الثانوي التابع عليها، والذي يتحدد إنتاجاها بحاجات نمط الإنتاج العالمي، من خلال سعيه لخلق شروط رأسمالية مناسبة من أجل إعادة إنتاجه في البلدان التابعة له، ومنها سوريا في ظل نظام الأتاسي/ جديد وما بعده، والتي أصبحت ترتبط بنمط إنتاج سياسي كومبرادوري، طبقته السياسية، هي السائدة والمهيمنة على الدولة، وهي نفسها الدولة المرتبطة بالخارج بشكل جذري، وبالتالي فإن هذا النمط من الإنتاج سيعيد إنتاج نفسه مادامت الرأسمالية العالمية بحاجة إليه، وما دامت آليات إعادة إنتاجه موجودة بصورة أساسية، وتخضع لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، ويكون دور القوانين الاقتصادية فيها ثانوي مساعد فقط ، وعلى هذا الأساس ظهر الصراع بين تيار اللواء صلاح جديد وتيار اللواء حافظ الأسد الذي بدأت قوته بعد تعيينه وزيراً للدفاع وآمراً لسلاح الجو( )، فكان صلاح جديد يرى إعطاء الطبقة الوسطى السياسية الحق في المشاركة ببعض القرارات في السلطة من خلال الهيئات الحزبية المختلفة، لكن رأى الأسد خلاف ذلك على اعتبار أن سوريا في حالة حرب مع إسرائيل لذلك فقد رأى ضرورة بقاء طبقة الدولة العليا هي المقررة للسلطة، ولها وحدها حق اتخاذ القرارات على كافة المستويات، ومهمة الطبقة الوسطى هو تقديم الكوادر المنفذة لقرارات الطبقة العليا، ولا يحق لها الاعتراض عليها مهما كانت صفتها، بالرغم من أن حافظ الأسد وصلاح جديد كلاهما من نفس الطبقة الوسطى التي تحالفت مع الطبقة الوسطى المدينية، وسيطرت على وسائل الإنتاج الزراعي والصناعي وانفصلت عن مجتمعها وارتبطت بالسلطة، وتحولت لطبقة سياسية سلطوية تدين بدورها وثرواتها، وصعودها للسلطة التي تملكها، لكن هذه السلطة انتمى إليها حافظ الأسد وصلاح جديد من موقفين مختلفين هما:
1- تيار صلاح جديد، ينظر إلى الأصول الاجتماعية التي أتت منها طبقته السياسية، ويحاول إجبار طبقته على الوقوف عند حد التطور الذي وصلت إليه، بحيث يحاول منعها من استكمال تطورها نحو طبقة دولة تمتلك سلطة مرسملة وتابعة بشكل أكبر.
2- تيار حافظ الأسد، يرى ضرورة تطور الطبقة الوسطى السياسية إلى طبقة منفصلة عن الدولة، بمتابعة تطورها إلى طبقة دولة تمتلك سلطة مرسملة وتابعة، من خلال إنتاج جهاز هو جهاز إعادة إنتاجها، وعليه يتوقف استقرارها واستمرارها( ) .
لكن ضغط تيار صلاح جديد للعمل على تغيير هيكلية الإدارة البيروقراطية بحيث تمتلئ من أتباعه فكلف صلاح جديد، أحد المسؤولين في البعث وهو اللواء خالد الجندي ، بتشكيل ما سمي بالكتائب العمالية المسلحة، وهي عبارة عن عناصر عسكرية من اللواء السبعين المدرع، ونزلوا إلى الشوارع رافعين شعار تصفية أعداد الثورة، فعملوا على طرد معظم الموظفين من وظائفهم ، بحجة أنهم برجوازيين، وخطب فيهم خالد الجندي قائلاً: " لقد طردناهم، وحجزنا حريتهم فاضطروا لتقديم استقالاتهم، وقدموا ضمانات بأنهم لن يحاولوا العودة إلى أعمالهم، ومن يخالف فسوف يتعرض لعقوبة الإعدام "( ) ، وكان الهدف من ذلك ملء هذه الشواغر بأتباعه من نفس الطائفة الدينية ( ) ، بعد ازدياد الهجرة من قراهم إلى المدن، مما كان لذلك مضاعفات اقتصادية وديموغرافية سيئة، وناقلة معها التناقضات الاجتماعية والطائفية في الريف، وهذا ما يفسر ارتباط الديمقراطية بالقوى المدينية، وعسكرة المدن بالريفيين الذين وجدوا الانتساب إلى الجيش الطريقة المثلى والأسرع للارتقاء في السلم الاجتماعي والسياسي وللانتقال من العموميات إلى الخصوصيات، رغم أن البرلمانات كانت على الدوام تنقد ذلك النظام الاجتماعي، الذي كان سائداً، وتعتمد على صوت الناخبين المدينيين والريفيين لتصل إلى البرلمان والحكم، لكن الريفي العسكري الذي ادعى أنه يحمل مشروعاً قومياً صادقاً، عمل على حل الديمقراطيات وإبعاد الأحزاب والتنكيل بها، كونه يؤمن بإخضاع الآخر، ولا يرضى بالمجادلة، فألغى المؤسسات الموجودة في النظام القديم، تلك التي كانت تميزها المنافسة الحرة لمستقبل البلاد وموضوعاتها، بصوت عال ومسموع، لكنها أصبحت في ظل حكم الريفي العسكري، ساكنة هادئة، وتفسير ذلك أن الريفي** يحب أن يرى الناس كلهم على شكل ولون وصوت وهدف واحد هو الصوت والهدف واللون والشكل والذي يحدده، مصوراً أن الإقطاع الذي كان يضربهم بالكرباج (رغم أن هذه الحالة كانت نادرة جداً ولم توجد في المجتمع السوري كظاهرة عامة مثل مصر)، يمثل تلك الطبقة.
فأصبح العسكري هو الذي يضرب المدنيين في فروع الأمن والجيش بدون أدنى رحمة، ونسي أن المدينة هي التي قادت البلاد نحو الاستقلال، وأن معظم عملاء فرنسا كانوا من الريفيين، خاصة الأقليات الدينية، الذين كانوا يقمعون الشعب بالتعاون مع سلطات الانتداب، ولم يكن الخراب والفساد الذي أصاب الاقتصاد والإدارة والتعليم والقضاء والجيش سوى بسبب وصول هؤلاء الريفيين إلى السلطة، حتى أن العمل الأدبي تحول في ظل حكمهم إلى شعارات سياسية صيغت لتردد من قبل الجماهيري فقط .
وبعد أن استكمل صلاح جديد تطبيق الإصلاح الزراعي والتأميم حتى شمل المشروعات الفردية والخاصة، حدثت البطالة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ سوريا، وشلت حركة التصنيع والزراعة، ورغم الإدعاء بالاشتراكية إلا أن النظام استمر بمعاملاته التجارية مع الدول الغربية بشكل أكبر بكثير من الدول الشيوعية وعملت السلطة على تشجيع البرجوازية الخدمية الغير منتجة، والغير قادرة على حل مشكلة البطالة، فكانت السلطة يمينية عملياً لكنها يسارية قولاً، بتشجيعها وتعاونها مع البرجوازية الخدمية، ومحاربتها البرجوازية الصناعية والزراعية المنتجة، ومصادرة أملاكها بالرغم من أنها كانت تعمل على خدمة الاقتصاد، والشعب والدولة، وهذا أدى إلى تدني مستوى المعيشة بشكل كبير، وازدياد البطالة، مما حذا بهؤلاء الذين لا عمل لهم إلى الانخراط في العمل داخل أجهزة القمع من جيش وشرطة وغيرها وبالتالي تعزيز سلطة النظام القمعية.
وهكذا تحول التأميم والإصلاح الزراعي إلى سببين لانخفاض إنتاجية الزراعة وتحويل الصناعة من ميزة إلى عبء على كاهل الاقتصاد الوطني، نتيجة للأعباء التي ألقتها على عاتقها الإدارة الجديدة التابعة للدولة، والتي تجهل أصول العمل الإداري ( )، وتعيشه بمعايير سياسية، فتضخم الجهاز الإداري غير المنتج على حساب العمل المنتج من خلال زيادة العلاقات المتشعبة في ظلها بشكل كبير، فكان الهدف من الإصلاح الزراعي والتأميم من خلال هذا التحليل هو الوصول إلى رسملة الدولة، وإعادة بنية المجتمع وفق تمايز طبقي هو إنشاء مجتمعان في الدولة هما : ( )
1- مجتمع سياسي يتكون من السلطة وطبقاتها المحدثة.
2- مجتمع اجتماعي قوامه المجتمع القديم بطبقاته المفككة المفتقرة إلى وعي سياسي خاص بها وتغيرات سياسية متبلورة تمثلها، وهذا أدى إلى احتواء أكبر عدد ممكن في صفوف الدولة، وأجهزتها وإداراتها ومعاملها، لشل حركة القوى التي تهددها، وهي قوى المجتمع الحقيقية وطبقاتها العاملة، فكان الهدف هو تعطيل الطاقات الداخلية، وليس تفعيلها، زد على ذلك إخضاعها لرقابة دائمة ترصد حركاتها وسكناتها، وتبلور وعيها السلطوي المعادي لمجتمعها وترسم دورها بطريقة تخضعها في خدمة قيادة السلطة.
وبعد الحركة التصحيحية بقيادة اللواء حافظ الأسد من خلال عام 1970 ، عمل على تصحيح ما خلفة النظام السابق من مساوء ، لكن ظهرت الطبقة العليا من جديد والتي أصبحت تمثل 3% من السكان أما الطبقة المتوسطة فأصبحت تمثل 50%، والطبقة السفلي 47%، وازدادت الفوارق الطبقية بشكل كبير( ).
ويبقى الصراع الطبقي عاملاً مهماً أثر على الاستقرار السياسي في سوريا منذ الاستقلال وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، رغم أنه في بداية كل عهد ديكتاتوري لابد أن يكون أفضل من المراحل التي تأتي بعد ذلك، فعلى سبيل المثال قام حسني الزعيم بتخفيض أسعار المواد الغذائية، ورفع رواتب العسكريين والمدنيين، لكنه ما أن استقر بالحكم حتى فرض ضرائب جديدة ووضع دخل البلاد في خدمة الجيش( ) .
وتبقى المشكلة الرئيسية للمجتمع السوري للتقليل من الهوة بين الطبقات وتقليل حدة الصراع الطبقي، بإيجاد تنمية اقتصادية حقيقية على أسس موضوعية تراعي خصوصيات المجتمع السوري، ولاشك أن تجربة الديمقراطية قد أثبتت على الدوام نجاعتها في تحقيق هذا الهدف بالرغم مما أصابها من نكسات على أيدي الديكتاتوريات العسكرية حيث سيطرت طبقة تشكل 3% من مجموع السكان على معظم موارد المجتمع، وزادت الطبقة السفلي في المجتمع إلى حدود النصف( )، وهذا ما يفسر ازدياد هجرة أفراد الشعب السوري إلى الخارج في ظل غلاء المعيشة خلال هذا الحكم إلى درجة لم يصلها أي مجتمع آخر، إضافة إلى البطالة التي وصلت إلى درجة كبيرة( ).
2- الحزبية والصراع الحزبي :
ظهرت أول حركة حزبية في سوريا عام 1883 في الكلية اليسوعية في بيروت عام 1883، ثم ظهرت جمعية الإخاء العثماني 1908 في الأستانة، ثم المنتدى الأدبي 1909 في الأستانة، ثم الجمعية العربية الفتاة، والجمعية القحطانية وجمعية بيروت الإصلاحية، ومؤتمر باريس العربي، وجمعية العهد، وكلها في العهد العثماني( )، ثم ظهرت جمعيات أخرى في العهد الفيصلي 1918 مثل جمعية العهد السورية، واللجنة الوطنية العليا، في دمشق 1918، وحزب الاتحاد السوري، وحزب الاستقلال العربي، وغيرها من الأحزاب الكثيرة الأخرى، واتسمت هذه الأحزاب أنها كانت تضم أعضاء من جميع مناطق الهلال الخصيب (سوريا الطبيعية)، وفي عهد الانتداب الفرنسي ظهرت عدة أحزاب أهمها حزب الشعب 1920، والحزب الحديدي 1922، وحزب الوحدة، والكتلة الوطنية في 26 يونيو 1926، وعصبة العمل القومي، والجبهة الوطنية المتحدة 1935، والهيئة الشعبية 1938، فكانت سوريا زاخرة بالتجارب الحزبية بشكل أكبر بكثير من أي منطقة أخرى في الشرق الأوسط، وتميزت السمات الرئيسية لهذه الأحزاب ما قبل الاستقلال، أنها كانت امتداداً للتأثيرات الفكرية التي تأثر بها المثقفون الذين تلقوا علومهم في الغرب، فبعضهم كان يمثل صيغة الديمقراطية الغربية، وأخرى كانت تمثل صيغة الديمقراطية البرجوازية وأخرى كانت تمثل الفاشية أو متأثرة بها أو بالشيوعية، أو الاشتراكية المعتدلة، فمعظمها لم يمثل الواقع الذي انطلقوا منه، بل كان ما تأثروا به هو الأساس، فكان الطابع النسبي المقلد هو الطابع الذي غلب على هذه الأحزاب، وقد مرت دول الهلال الخصيب ومنها سوريا، بموجات متزايدة من الصراع خلال هذه الفترة من متطلبات ومواقف ومصالح مختلفة، وهيمنة الطابع الإقليمي عليها، حيث ركزت على تحقيق الاستقلال السياسي ضمن حدود الدولة التي حددتها اتفاقية سايكس بيكو، لكن ظهر شعور بالتعاطف والتضامن بين الحركات الإقليمية في الدول المجاورة، إضافة إلى تنامي الشعور القومي الذي اقترن بالوعي القومي الأرستقراطي، وسيطرة الطبقة العليا في المجتمع على قيادات الأحزاب والمنظمات السياسية، رغم بروز طبقة وسطى من خلال بعض المثقفين والضباط وغيرهم، فبرز دورهم بشكل أكبر ودعوتهم للتغيير الاجتماعي في ظل إهمال الطبقة العليا لذلك، كما كان للتنوع العرقي والديني في سوريا أثراً في وجود هذه الأحزاب.
ويرى عز الدين دياب في دراسة أجراها على أحد المجتمعات السورية وهو مجتمع مدينة حماه -التي كانت أكثر المدن السورية رفداً للسياسيين والعسكريين الذين ساهموا في عدم الاستقرار في سوريا قبل انقلاب 23 فبراير- أن الحياة السياسية لأعضاء الأحزاب فيها تميزت بعدة سمات هي( ):
1- الانتماء إلى الأحزاب، كان يتم بدوافع وغايات عائلية.
2- أغلب أفراد الأسر والعائلات، كانوا يعطون أصواتهم إلى القائمة الانتخابية التي يختارها وجهاء رؤساء الأسر التي تتكون منها العائلة.
3- الصراع بين المناطق وبين العائلات له تأثير على توجيه الأصوات الانتخابية تجاه الأحزاب، بناء على آلية الصراع بين هذه الاتجاهات وموقع الأحزاب.
4- مصالح العائلات وجاهها وقوتها المعنوية تشكل الخلفية الثقافية للانتماء والولاء معاً.
5- العشائر بكاملها تساند الحزب التي ينتمي إليه المرشح، فإذا اختلف رئيس العشيرة مع رئيس الحزب، فهذا يعني أن سائر أفراد العشيرة يختلفون مع الحزب، ويبتعدون عنه، لذلك كانت تسبق الانتخابات الكثير من المساومات بين الأحزاب، وقادة العشائر في المحافظات التي تتواجد فيها العشائر.
6- الولاءات المذهبية والأثنية، كان لها دورها وتأثيرها في الانتساب للأحزاب.
7- كلما كان النظام مستبداً، كلما تكاثرت ظاهرة الانسحابات الجماعية، على أسس عائلية ومنهجية وجهوية.
8- معارضة شيخ العشيرة أو العائلة أو الحي تقود إلى معارضة العشيرة أو العائلة أو الحي وكل من يتبعها.
ويرى الباحث أن هذه العناصر تنطبق على الأقليات الدينية والمذهبية أكثر مما تنطبق على المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص، بالرغم من تأثير الوجاهة والعائلة على الحياة السياسية فيها.
وأهم الأحزاب السياسية التي ظهرت بعد الاستقلال أو كانت موجودة منذ ما قبل الاستقلال لكنها استمرت بعد الاستقلال خلال فترة الدراسة، ومدى مساهمة كل واحد منها في عدم الاستقرار السياسي في سوريا خلال مدة الدراسة:
1- الحزب الوطني:
تضمنت المادة الثانية من دستوره على توحيد الأقاليم المجزأة عن سوريا( )، وكان قد تشكل في عام 1948 برئاسة نبيه العظمة، بعد انحلال الكتلة الوطنية إلى الحزبين الرئيسيين وهما الشعب والوطن، وقد انتسب إليه معظم سياسي دمشق، دعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع جميع الدول على قدم المساواة، والعمل على تحرير البلاد العربية المستعمرة، وضرورة استثمار مرافق البلاد وزيادة إنتاجها مع الاستفادة من رأس المال الأجنبي والخبرة الأجنبية بحيث لا تمس مصلحة واستقلال الوطن وتقدمه، وكان أهم رموز هذا الحزب الرئيس شكري القوتلي ، ورئيس الحكومة فارس الخوري، ولطفي الحفار، وميخائيل اليان، وغيرهم وكان هذا الحزب يمثل تجار دمشق مقابل حزب الشعب الذي يمثل تجار الشمال خاصة حلب، وقد أيد الحزب تعديل الدستور لإعادة انتخاب الرئيس شكري القوتلي لفترة رئاسية جديدة( ) ، رغم أن الرئيس شكري كان يرفض ذلك، وقد اتهم حسني الزعيم عقب انقلابه بأن هذا الحزب قد فضل مصالح أعضائه على مصالح الشعب، وكان سبباً في عدم الاستقرار الحكومي، وأنه لم يحدث التنمية الاقتصادية المطلوبة في البلاد مما حذا بزعماء الحزب الوطني إلى الموافقة على الإطاحة بحسني الزعيم وتنفيذ اتحاد سوريا والعراق( ) ، حيث أصدر الحزب بعد الانقلاب الذي قام به سامي الحناوي بياناً في العاشر من سبتمبر عام 1949 جاء فيه : " أصبح ثابتاً أن سوريا ليست بمقدورها وحدها أن تقف في وجه الزعازع التي تتهددها، ولابد لها من اتحاد سليم، يضمن السيادة القومية على الوجه الأرقى"( ) ، كما أصدر الحزب قراراً بتعديل منهاج الحزب لتحقيق هذه الوحدة بغض النظر عن شكل الحكم جمهوري أم ملكي فجاء في التعديل من البيان، " يرى الحزب أن نظام الحكم الجمهوري، هو النظام الذي يلائم روح الشعب ويفي بحاجاته، وينسجم مع الأهداف القومية"( ). إلى البيان التالي : " يرى الحزب أن شكل الحكم يترك لاختيار الأمة بحسب ما ترتئ أنه من مصحتها ومصلحة الأمة العربية"( ) ، لكن بعد انقلاب الشيشكلي عام 1949 سحب الحزب تصريحه الداعي للوحدة وعاد ليؤكد إخلاصه للجمهورية( )، ثم عمل عام 1950 على التحالف مع الحزب التعاوني الاشتراكي، ضد حزب الشعب الداعي لوحدة سوريا والعراق، وقاد المظاهرات من أجل ذلك، وألقيت قنبلة في البرلمان في 26 يونيو 1950، اتهم فيها الحزب الوطني، ثم تحالف الحزب الوطني مع حزب البعث ضد حزب الشعب، الذي تشكلت حكومة من خلاله ناظم القدسي عام 1951 ، والتي كانت تدعو للوحدة مع العراق، وقد أيد قرارهم الحزب العربي الاشتراكي، الذي وصف هذه الوحدة بأنها وحدة مع الاستعمار.
وفي اجتماع رئيس الحكومة فارس الخوري وهو عضو في حزب الشعب، مع ممثلي الجامعة العربية في مصر بتاريخ 11 ديسمبر 1954، لم يوافق على إدانة حلف بغداد كما أرادت حكومة القاهرة حيث صرح فارس الخوري قائلاً: " إن الحلف العراقي إذا لم ينفعنا لن يضرنا" ، مما أثار زعماء البعث الذين وصفوا رئيس الحكومة بالعمالة للغرب، والتواطؤ مع نوري السعيد وطالبوا بمحاكمته بتهمة مخالفة الدستور من خلال عدة أمور هي( ):
1- إنكار وزير خارجيته فيضي الأتاسي وجود مقررات مدونة بمؤتمر الجامعة العربية المنعقد في نوفمبر 1954 والذي جمع وزراء الخارجية العرب.
2- إنكار إقرار المؤتمر لمبدأ التعاون مع الغرب.
3- عدم تقيد رئيس الوزراء فارس الخوري بما التزم به أمام لجنة الشؤون الخارجية بمناهضة حلف بغدد.
لكن القوتلي أعلن من منفاه في مصر عن شجبه للأحلاف الغربية والمساعدات العسكرية وحلف بغداد، واتهم حزب الشعب باستغلال الحكم على حساب الحزب الوطني، فاستغل الموقف حزب البعث الذي أغرى عضو الحزب الوطني صبري العسلي على تشكيل حكومة برئاسته، كما عمل على إثارة فتنة بين زعيمي الحزب الوطني في دمشق (صبري العسلي)، وفي حلب (ميخائيل إليان) ، لإضعاف الحزب، ثم عمل على الضغط من خلال الجيش لإسقاط حكومة فارس الخوري، وبعد الاطاحة بها، شكل الحكومة صبري العسلي متحالفاً مع كتلة المستقلين* المؤيدة لليسار في البرلمان بقيادة خالد العظم، وبسبب هذه السياسة للحزب الوطني، أعلن لطفي الحفار وبدوي الجبل وسهيل الخوري الانسحاب من الحزب الوطني، بسبب اعتراضهم على ذلك، وبعد نجاح الرئيس شكري القوتلي بالرئاسة، سلم الرئيس السابق هاشم الأتاسي مقاليد الرئاسة لشكري القوتلي، وطبقاً للتقاليد البرلمانية الدستوري، سقطت حكومة صبري العسلي مقدمة استقالتها للرئيس الجديد( ).
وتجدر الإشارة إلى أن انسحاب الزعماء الثلاث من الحزب الوطني قد ساهم في سقوط حكومة فارس الخوري، حيث استقال منها وزيرين بسبب ذلك بسبب اعتراضهم على قانون العفو العام الذي أقره البرلمان، برفض تنزيل عقوبة الإعدام إلى السجن المؤبد، لأن بعض مؤيديهم كانوا محكومين بها ( ) ، وكان عدم اشتراك حزب الأغلبية (حزب الشعب) ، في حكومة صبري العسلي في 13 فبراير 1955 قد جعلها تسقط في نفس اليوم الذي تشكلت فيه، فشكل الحكومة سعيد الغزي من أكثرية من حزب الشعب، ونالت ثقة البرلمان( )، لكن البعث شكك بها ونظم مظاهرات ضدها، واعتدي على الوزير رزق الله أنطاكي الذي كان وزيراً للاقتصاد، بحجة أن الحكومة باعت قمح لفرنسا التي تحتل الجزائر، رغم أن القمح السوري من النوع القاسي الذي أكثر ما يصلح للمعكرونة أو البسكويت، وباستطاعة فرنسا شراء غيره من دول أخرى، ثم تم الاعتداء على وزير المعارف، فسقطت حكومة سعيد الغزي، مما حذا بالرئيس شكري القوتلي إلى الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة صبري العسلي في يوليو 1956، لكنها لم تستطع تحقيق مطالب اليسار، فسقطت الحكومة، رغم أن اليمين السوري كان يشكل الأكثرية المطلقة في الشارع وفي البرلمان كون طبيعة الشعب السوري ترفض اليسار بشكل مطلق، لكن تتسم هذه الأكثرية بالجمود، بعكس اليسار الذي كان منظماً تنظيماً دقيقاً ومدعوماً من جهات خارجية، وقد كان انقسام الحزب الوطني خلال فترة حكومة فارس الخوري إلى تيارين هما:( )
1- كتلة لطفي الحفار التي تدعو للوحدة مع العراق كمخرج للأزمات السورية.
2- كتلة صبري العسلي التي تؤيد الحياد،
وفي يوليو 1956 سقطت حكومة سعد الغزي بسبب الصراع الحزبي في البرلمان بين التيار اليميني الذي يقوده لطفي الحفار، والتيار اليساري بقيادة البعث( )، فضغط البعث من خلال الجيش على عدم إتاحة الفرصة للطفي الحفار ليشكل الحكومة، فشكلها صبري العسلي وهو من الحزب الوطني ، لكنه أذعن لليسار بحيث سمح لثلاثة من اليسار بكسب حقائب مهمة هي صلاح البيطار للخارجية، وخليل كلاس للاقتصاد، وخالد العظم للدفاع، وبهذه الحكومة انتهت الحقبة الديمقراطية للجمهورية الديمقراطية الثالثة، حيث ألغيت الأحزاب بعد ذلك في عهد الوحدة، ثم عادت بعد انقلاب عبدالكريم النحلاوي، عام 1961، وشارك الحزب الوطني في تلك الحكومات، وكان مؤيداً لإلغاء الإصلاح الزراعي والتأميم، كما صرح رئيس الحزب الوطني بذلك، مما ساهم في عدم الاستقرار الحكومي بسبب تدخل اليسار ضد إلغاء الإصلاح الزراعي والتأميم، وكان لهذا التناقض بين اليمين واليسار أثراً في انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، حيث ألغيت الأحزاب السياسية تماماً ماعدا حزب البعث الذي أصبح بعد ذلك الحزب الوحيد ثم الحزب القائد بعد الحركة التصحيحية بقيادة اللواء حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970.
2- حزب الشعب:
أسس في بيروت في شهر أغسطس 1948، وقد دعى في برنامجه إلى الوحدة العربية وبدايتها الوحدة مع العراق، لمجابهة التهديد الخارجي( )، وكان مؤسسي الحزب هما رشدي الكيخيا وناظم القدسي وأيضاً دعى إلى مقاومة النفوذ الأجنبي والفصل بين السلطات وعدم طغيان إحداهما على الأخرى، وضرورة التعامل بالمثل في السياسة الخارجية السورية مع استراتيجية المصلحة المتقابلة، ورفع إنتاجية العامل والفلاح وضمان حقوقهم، وتحديد الملكية وفق تدرج مستقبلي.
وقد شن الحزب في عهد القوتلي عام 1948 حملة قوية ضد الحكومة بسبب تردي أداء الجيش في حرب 1948، وطالب بالوحدة مع العراق والأردن، كما ندد بسوء استعمال السلطة، وطالب بالتحقيق في نتائج حرب 1948 مع الضباط والسياسيين السوريين، وبضرورة تخفيض أسعار المواد الغذائية الأساسية( )، ثم تحالف مع حزب البعث ضد نظام القوتلي حول الفساد الذي طال بعض إدارات الدولة من محسوبية ورشاوي، مثل إنفاق وزير المعارف الدكتور منير العجلاني عدة ملايين من أموال الدولة لتشكيل حزب جديد، وتلاعب الدكتور حسني سبح رئيس الجامعة السورية بأموال الجامعة( )، وتهاون الرئيس شكري القوتلي مع من سرقوا من أموال الإعاشة (التموين) والميرة والدفاع، وعلى هذا الأساس أيد الحزب انقلاب حسني الزعيم( ) ، خاصة بعد أن أبدى حسني الزعيم الرغبة للتقارب مع العراق في بداية عهده، كما عمل الحزب على العمل لإسقاط حكومة جميل مردم بك عام 1946، حيث وقع 65 نائباً في البرلمان على وثيقة لإسقاطها، لكن لم تستطع تحقيق الأغلبية المطلوبة وهو الثلثين، مما أدى إلى فشل المحاولة( ).
لكن بعد أن عمل حسني الزعيم على الابتعاد عن العراق، عمد حزب الشعب إلى التلاقي مع النظام العراقي لتشكيل حكومة مؤقتة يكون مقرها العراق ضد حسني الزعيم، وقد لاقى هذا الموقف تأييد عدداً من ضباط الجيش خاصة بعد أن نشط اليسار ضد حسني الزعيم( )، بعد أن فشلت كل محاولات حزب الشعب لدعوة حسني الزعيم إلى إعادة الأمور إلى سابق عهدها، وانسحاب الجيش إلى ثكناته، والذي كان بنتيجته أن أبعد حسني الزعيم حزب الشعب عن الحياة السياسية، حيث استقال عضو حزب الشعب فيضي الأتاسي من حكومة حسني الزعيم بعد ثلاثة أيام من تشكيلها( )، كل هذه الأمور جعلت الحزب يتعاون مع سامي الحناوي من أجل الوحدة مع العراق، كونه يعتبر أن العراق هو العمق الإستراتيجي لسوريا، وكون حزب الشعب كان يمثل المصالح التجارية الحلبية والشمالية، وإن فصل سوريا عن العراق قد أقام الحواجز التجارية والحدود السياسية التي خنقت سوريا، إضافة لمواجهة التهديدات الخارجية( )، وكان يرى رئيس حزب الشعب رشدي الكيخيا، أن المعاهدة العراقية البريطانية لا تمنع قيام الاتحاد بين سوريا والعراق( )، وبعد تشكيل حكومة هاشم الأتاسي ثم ناظم القدسي عام 1949، وتحديد موعد إقرار بيان الوحدة مع العراق، قام الشيشكلي ليلة يوم التصويت بانقلابه عام 1949، فسقطت حكومة ناظم القدسي، وكان سقوط سامي الحناوي من قيادة الجيش، قد جعل لجيش بقيادة الشيشكلي/ من وراء الستار/ ضد الوحدة مع العراق ، وبسبب ضعف الحكومة أمام الجيش اقترح رئيس الحكومة ناظم القدسي، مشروعاً قدمه للجامعة العربية كان الغرض منه إقامة اتحاد شامل بين الدول العربية، من خلال تطوير نظام جامعة الدول العربية، تمهيداً لاتحاد فعلي بينها( )، وكان من أسباب تقديمه لهذا المشروع أن قادة حزب الشعب كانت لهم آراء مختلفة حول مشروع الهلال الخصيب، فكان زعيمي الحزب على خلاف بإستراتيجية الوحدة مع العراق ، حيث رأى رشدي الكيخيا أن شكل الحكم لا يهم لأن الوحدة أهم، بينما رأى ناظم القدسي ضرورة عدم التضحية بالنظام الجمهوري، مؤكداً على اتحاد جمركي بين البلدين وبرلمان فيدرالي يمثل البلدين( ).
كما عمل حزب الشعب من خلال وزير الخارجية فيضي الأتاسي الذي كان عضواً في حكومة حسن الحكيم، لإسقاط الحكومة، وذلك بالتعاون مع رئيس البرلمان آنذاك ناظم القدسي، كون حزب الشعب هو حزب الأغلبية بعد سقوط شكري القوتلي 1949 وحتى سقوط ناظم القدسي عام 1963، فعمل الحزب على التنديد بالمذكرة التي قدمها قناصل الدول الغربية حول مشروع الدفاع الشرق أوسطي فلم يتح المجال لرئيس الحكومة حسن الحكيم على الرد، كما لم يعرضها وزير الخارجية على الحكومة قبل ذلك لمناقشتها، واتهم رئيس الحكومة أنه يؤيد ضمنياً المذكرة، مما حذا برئيس الحكومة إلى الاستقالة، فحدثت أزمة حكومية استمرت تسعة عشر يوماً، حيث نظم حزب الشعب المظاهرات بالتعاون مع اليسار، فاستقال رشاد برمدا عضو حزب الشعب ووزير الداخلية بسبب تدخل الجيش، ثم اتخذ الحزب في اجتماعه بتاريخ 12 نوفمبر 1950، عدة قرارات هي( ):
1- الموافقة على استقالة وزير الداخلية.
2- الموافقة على استلام الحكم وتحمل مسؤولية السياسة الخارجية والسياسة الداخلية.
3- العمل على البدء باستلام الحكم وتطبيق الدستور نصاً وروحاً.
4- إذا لم يستقل رئيس الحكومة (نهائياً) في موعد أقصاه ظهر ذلك اليوم، يدعو حزب الشعب وزرائه الأربعة للاستقالة.
مما أضطر رئيس الحكومة أن يستقيل بعد الأزمة الحكومية، وكان قبل ذلك قد ساهم حزب الشعب في إسقاط حكومة خالد العظم عام 1950، بعد أن استقال وزير الخارجية فيضي الأتاسي، بسبب عدم التجانس في الحكومة، إضافة إلى تسرب آراء الحكومة وقراراتها إلى الصحف قبل إقرارها( ) ، ثم اتهمتها بالرضى عن النشاط الاستعماري الذي يقوم به بنك سوريا المرتبط بفرنسا، وبتشجيع استغلال الشعب السوري من قبل المستثمرين، ثم عمل على حث 175 ألف موظف حكومي للمطالبة بزيادة أجورهم ورفع مستوى معيشتهم، فتوقفت الاتصالات السلكية واللاسلكية، وانفصلت سوريا عن العالم الخارجي( ).
وعلى إثر سقوط حكومة حسن الحكيم في نوفمبر 1951 كلف الرئيس هاشم الأتاسي، عضو حزب الشعب معروف الدواليبي، بتشكيل الحكومة ونتيجة مواقف هذه الحكومة، قام الشيشكلي بانقلابه عام 1951 وعمل على اعتقال ناظم القدسي في 20 يناير 1952، بعد أن اعتقل معروف الدواليبي، وأعضاء الحكومة، وحل البرلمان( )، وبما أن حزب الشعب يمثل الأغلبية فله تيار شعبي لا يضاهيه به أي حزب آخر ، فرغم أن الشيشكلي حل الأحزاب إلا أنها أصبحت تعمل في الخفاء، حيث اشترك حزب الشعب في 20 يوليو 1963 مع رؤساء الأحزاب وكبار المستقلين، بتقديم بيان إلى الرئيس أديب الشيشكلي بدعوته لإطلاق الحريات وإقامة حياة دستورية في البلاد، ثم عقد مؤتمر حمص في 4 يوليو 1953 برئاسة هاشم الأتاسي( ) ، ضم جميع سياسيي البلاد البارزين، من أجل تلك الأهداف، وأعلن الجميع عدم شرعية انتخاب الشيشكلي ووقعوا بياناً حول ذلك، وعلى إثر ذلك اندلعت المظاهرات الطلابية في المدن السورية، ووزعت المنشورات، وصدرت بيانات تدين التظلم، مما حذا بالشيشكلي في 27 يناير 1954 أن يقوم باعتقالات عديدة شملت أعضاء حزب الشعب، وأهمهم رشدي الكيخيا، والدكتور ناظم القدسي، وفيضي الأتاسي، والدكتورعدنان الأتاسي، ....... وسياسيي الأحزاب الأخرى، ومنهم صبري العسلي، وصلاح البيطار، ميشيل عفلق، وأكرم الحوراني، وحسن الأطرش، والدكتور مصطفى السباعي، ...... وكان الشيشكلي منذ انقلابه الثاني 1951 يتهم حزب الأغلبية المطلقة (الشعب)، أنه المسؤول عن عدم الاستقرار الحكومي والأزمات الوزارية، وأنه لا يمثل الشعب، وأن هدفه القضاء على استقلال سوريا بضمها للعراق، وتحطيم جيشها، بانشاء عرش جديد فيها( )، فكان عداء حزب الشعب للشيشكلي ومعارضة حكمه من أهم الأسباب في سقوط الشيشكلي، خاصة أن من قادة الانقلاب كان فيصل الأتاسي وهو قائد المنطقة الوسطى وقريب للرئيس هاشم الأتاسي وعضواً في حزب الشعب، إضافة لآخرين في المناطق الأخرى، زد على ذلك أن الشيشكلي اتصف بعدائه للتقارب مع العراق بشتى السبل.
وبعد سقوط الشيشكلي عام 1954 حاول عضو حزب الشعب ووزير الدفاع معروف الدواليبي في حكومة صبري العسلي 1954، إبعاد الجيش عن التدخل في السياسة، لكن البعث استخدم نفوذه في الجيش لمنع ذلك، حيث نظم الإضرابات والمظاهرات الطلابية والعمالية والفلاحية، وأصبح يسيء للمسؤولين السياسيين، ويتدخل في وزارة التموين والإعاشة، فسقطت الحكومة في يونيو 1954( ) ، كما كان سقوط حكومة فارس الخوري بعد ذلك بسبب عدم قدرتها على التوفيق بين الحزبين الرئيسين الوطني والشعب، وخلافاتها مع اليسار( )، مما حذا برئيس حزب الشعب رشدي الكيخيا أن ينقد تصرفات حزب البعث على أساس أنه اكتسب قوته ونفوذه من خلال الجيش، وقد عمل السفير المصري، محمود رياض على إقناع رشدي الكيخيا بلقاء الرئيس عبدالناصر من أجل الوحدة السورية المصرية، كون رشدي الكيخيا ذو ميول قومية وحدوية، وقد أيد في البرلمان الوحدة مع مصر( )، وبعد الوحدة ألغيت جميع الأحزاب السياسية، لكن ظل أعضاء حزب الشعب مؤمنين بمبادئه، حيث أنهم بعد الانفصال عن دولة الوحدة من خلال انقلاب النحلاوي عام 1961، وقيام حكم ما بعد الوحدة، ترشح للرئاسة ناظم القدسي، وكسب حزب الشعب مرة أخرى أغلبية الأصوات في البرلمان الجديد، وقد عمل حزب الشعب على محاولة إلغاء إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي، خاصة أنه ظل يمثل التيار المسيطر، لكن بسبب الدعاية المصرية واليسارية لهذه الإجراءات، قبلت الحكومات وآخرها حكومة خالد العظم بهذه الإجراءات، مقابل التعويض العادل، كما ظل الحزب محافظاً على منهجه في الوحدة مع العراق، خاصة بعد اللقاء بين الرئيسين ناظم القدسي وعبدالكريم قاسم، ومحاولة إحياء مشروعا لهلال الخصيب، لكن كان انقلاب 8 مارس 1963 قد فتت جميع الآمال والمشاريع التي كان يسعى إليها حزب الشعب، بعد أن ألغيت الحياة الحزبية في البلاد في ظل سيطرة نظام الحزب الواحد المدعوم بالجيش.

3- حزب الإخوان المسلمين والجبهة الإسلامية:
أسسه الشيخ حسن البنا في مصر عام 1928، وقد دعى إلى العودة لمصادر الإسلام الأساسية ومعاداة المذاهب الأجنبية الأصل، وخاصة الشيوعية وأهم أهدافه هي( ) :
- شرح دعوة القرآن الكريم وعرضها بما يوافق روح العصر.
- تقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية كافة وحسم الخلافات بينها.
- العمل على إقامة الدولة الإسلامية وفقاً لأحكام الإسلام
- المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية والسلام العالمي ومناصرة التعاون العالمي.
- العمل لتحرير المسلمين من النفوذ الأجنبي.
- المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية والسلام العالمي ومناصرة التعاون العالمي.
- العمل لتحرير المسلمين من النفوذ الأجنبي.
وقد انتقلت دعوتهم إلى سوريا عن طريق الدكتور مصطفى السباعي عام 1932 وحددت أهدافها في سوريا عام 1947 بـ :
- تحرير الأمة العربية وتوحيدها والحفاظ على عقيدتها الإسلامية.
- إصلاح المجتمع ومحاربة التفرقة بين الطوائف والأديان.
- إصلاح جهاز الدولة بتنفيذ القوانين دون محاباة.
وقد عمل الحزب على النضال ضد الانتداب الفرنسي، وشكل في حرب فلسطين كتائب الإخوان، كما اعتقلت السلطات الفرنسية مصطفى السباعي عدة مرات ( ) ، وكان من أعضائه البارزين الدكتور معروف الدواليبي الذي تولى الحكومة عدة مرات، وتعتبر دعواتهم هذه رداً على الدعاوي اليهودية الإسرائيلية التي تؤكد أنه لا يوجد في العرف العبري اختلاف بين الأمة والدين حيث الأمة والدين والعقيدة شيئاً واحداً( ) ، كما أكد ذلك ديفيد بن غوريون بقوله: " إن على إسرائيل أن تتمسك بمبادئ أنبياء العبرانيين القدماء"( ) ، وقد أثار
حسني الزعيم لدى انقلابه استياء حزب الإخوان، من خلال دعوته إلى حل ممتلكات الأوقاف، وخيانته لأنطون سعادة التي اعتبرها الحزب لا تتوافق مع تقاليد الإسلام وأخلاقه( )، رغم أن وزير الخارجية في عهد حسني الزعيم وهو الأمير عادل أرسلان قد أيد التيار الإسلامي وخاصة جمعية شباب محمد، وهي فرع من الحزب، باعتبارها تعمل لمصلحة الوطن وعادى الشيوعية التي اعتبرها ضد القومية العربية ودعوة طارئة في المجتمع السوري( )، وبسبب مواقف حسني الزعيم العلمانية المتطرفة، أيد حزب الإخوان انقلاب سامي الحناوي عام 1949، وبنتيجة خلافات الحزب مع الحوراني، استقال الحوراني من حكومة هاشم الأتاسي عام 1949، وبعد الانقلاب الأول للشيشكلي 1949 اشترك الحزب الذي التحم مع الجمعيات الإسلامية مكوناً ما سمي بالجبهة الإسلامية الاشتراكية بزعامة محمد المبارك الذي أصبح وزيراً للزراعة في حكومة حسن الحكيم عام 1950( )، ودعى إلى المظاهرات ضد الحكومة احتجاجاً على مذكرة الدول الغربية التي قدمت إلى مصر حول مشروع الدفاع الشرق أوسطي( )، وفي 12 مارس 1950 صرح الدكتور معروف الدواليبي بتصريح يدعو للابتعاد عن الغرب لتأييده إسرائيل ضد العرب فقال في ذلك : " نعتزم التوجه إلى المعسكر الشرقي، إذا لم ينصفنا الديمقراطيون ...... ونجيب الذين يقولون، إن المعسكر الشرقي هو عدونا،متى كان المعسكر الغربي صديقاً لنا، إننا سنربط أنفسنا بروسيا ولو كانت الشيطان نفسه"( ).
وقد وقف الإخوان المسلمين ضد ديكتاتورية الشيشكلي، وشاركوا في مؤتمر حمص 1953، واعتقل العديد من قيادييهم، وعقب تنازل الرئيس أديب الشيشكلي عن الرئاسة وتولي مأمون الكزبري، تدخلوا ضد النظام الجديد ودخلوا البرلمان وأجبروا رئيس البرلمان سعيد إسحق على حل البرلمان، وهاجموا الإذاعة، فكانت مساهمتهم فعالة في الإطاحة بنظام الشيشكلي.
وإثر محاولة اغتيال عبدالناصر عام 1954، واتهام جماعة الإخوان المسلمين في مصر بذلك، واضطهادهم، لجأ بعضهم إلى سوريا وعقدوا مؤتمراً ضم مندوبين عن العراق والأردن والسودان، لمقاومة سياسة عبدالناصر، وعبروا عن ذلك في صحيفتهم المنار التي كانت لها عدة فروع، كما أدت أحكام الإعدام التي أصدرها عبدالناصر بحق المتهمين ومنهم زعيم حزب الإخوان في مصر حسن الهضيبي، إلى اندلاع المظاهرات في كل أنحاء سوريا وقد اشترك حزب البعث فيها، لكن أكد الدكتور مصطفى السباعي أن البعث لم يكن مخلصاً في موقفه، وإنما أراد أن يركب الموجة الشعبية فقط، والدليل على ذلك أن أكرم الحوراني كان يعتبر الحركات الدينية هي معادية للشعب وحليفة للاستعمار ويجب تحطيمها بكل السبل( ).
واشترك الحزب في الانتخابات البرلمانية عام1954، وحصل على عدد من المقاعد في البرلمان، وكان يضم بين أعضائه، عدداً من الأقليات منها المسيحيين الذين ترشحوا باسم الحزب مثل رزق الله أنطاكي، ذو التاريخ النضالي الكبير، وهو من الطائفية الأرثوذكسية الأرمنية، لكنهم وقفوا موقفاً محايداً من الوحدة ومن الانفصال( ) ، وظل التيار الإسلامي على مدار تاريخ سوريا ذو شعبية واسعة ( ).
وقد تحالف الإخوان فيما بعد مع المقدم عبدالكريم النحلاوي ذي الميول الإخوانية حيث مهد لهم الطريق للمنافسة على الحكم بعد الانفصال ، من خلال الانتخابات النيابية ، حيث وصل بعضهم إليها في انتخابات 1961( )، حتى أن بعض المناطق المسيحية كانت تصوت لصالح الإخوان، لكن ظل حزب الاشتراكيين العرب وهم جماعة الحوراني الذين انفصلوا عن حزب البعث قد تأثروا بسبب ذلك ، فحدثت اشتباكات بين حزب الإخوان وحزب الاشتراكيين العرب( )، وفي أعقاب انقلاب البعث العراقي في 8 فبراير 1963 استقال الوزراء الإخوان من حكومة خالد العظم بعد أن استقال الوزراء الاشتراكيون ، حيث اشترط الرئيس ناظم القدسي لقبول استقالة الاشتراكيين أن يستقبل الإخوان لتبقى الحكومة حيادية( )، مما أثار الإخوان ضد نظام القدسي، وأيدوا انقلاب النحلاوي الثالث عام 1963، ثم أيدوا انقلاب 8 مارس 1963، مما جعل الرئيس لؤي الأتاسي أن يسمح لجريدة الإخوان (المنار)، بمتابعة الصدور، رغم إلغائه لكافة صحف الأحزاب الأخرى، إضافة للأحزاب ماعدا حزب الإخوان المسلمين، وعلى إثر التوجهات الإلحادية التي بدأ يطلقها النظام خاصة بعد انقلاب جاسم علوان في 18 يوليو 1963 وسيطرة البعث على مقاليد السلطة، حيث بدأ نظام أمين الحافظ يهاجم حزب الإخوان ويعتبره ضد الوحدة العربية وأنه يثير التعصب الديني والطائفية( )، رغم أن العكس هو الصحيح حيث أن صلاح جديد ومحمد عمران أصبحا يستغلان حزب البعث من أجل طائفتهم متحالفين في ذلك مع الأقليات الدينية والطائفية الأخرى لجعلها حصان طروادة يتمكنوا من خلالها للوصول للسلطة، وبسبب ازدراء البعض للمشاعر الإسلامية عام 1964 تدخل حزب الإخوان في حماه ضد نظام أمين الحافظ ( ) ، مما حذا بالنظام إلى ضرب المدينة من خلال الحرس القومي بقيادة حمد عبيد وعزت جديد شقيق صلاح جديد باعتباره رمزاً من رموز الطائفية في سوريا، وعلى إثر أحداث حماه بلغت حصيلة القتلى 40 شخصاً من جماعة مروان حديد، وفي 22 ديسمبر 1965 أعلنت مساجد دمشق رفضها لإجراءات التأميم ودعت للجهاد المقدس ضد النظام ، وبدأ تنظيم طلائع محمد التي يشرف عليها الإخوان المسلمين، وأعلن تجار دمشق الإضراب على إجراءات التأميم تضامناً مع طلائع محمد، مما حذا بالنظام إلى تنظيم مظاهرات اشترك فيها الشيوعيون، ثم قام باعتقالات ضد التجار وتأميم جميع أسواق ومكاتب وشركات التجار الخارجية( ).
وحدث التمييز الطائفي منذ انقلاب صلاح جديد عام 1966( )، رغم أن المجتمع السوري لم يعرف قبل ذلك على الإطلاق حركات إسلامية لم تعترف بالأقليات ولا توافق على منحهم حقوق سياسية ومدنية كثيرة مثلهم مثل الأكثرية، ولا أدل على ذلك، أن أحد رموز الوطنية في سوريا والذي وصل إلى رئاسة الحكومة وهو فارس الخوري الذي ينتمي للمسيحيين أكثر من أي مسؤول آخر، والأمير عادل أرسلان، وهو من الطائفة الدرزية، الذي عهدت له رئاسة الوزراء، وأيضاً عبدالكريم زهر الدين الذي كان قائداً لأركان الجيش السوري وغيرهم من الأقليات، لكن الاضطهاد الذي أصاب الأكثرية السنية في ظل حكم صلاح جديد، جعل أحد قادة حزب الإخوان وهو سعيد حوى يطالب بتنحيتهم عن كل وظائف الدولة في سوريا وهذا ما جعله يجنح إلى الطائفية رداً على طائفية صلاح جديد.

4- الحزب الشيوعي:
كان للشيوعيين الفرنسيين دور كبير في وصول الأفكار الشيوعية إلى سوريا، خلال فترة الانتداب التي تشكل خلالها هذا الحزب في سوريا ولبنان تحت راية حزب واحد، وذلك بعد اندماج حزب سبارتاكوس الذي تشكل عام 1925 وكان حزباً معظمه من الأرمن، مع حزب الشعب اللبناني، فشكلا الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان عام 1928، وكان أول رئيس لهذا الحزب هو فؤاد الشمالي ثم أصبح في عام 1932، خالد بكداش زعيماً لهذا الحزب بعمر لا يتجاوز العشرين سنة( )، وكان شعاره الحرية والخبز، وكان قد تحالف مع الحزب الشيوعي للمستوطنين اليهود في فلسطين، ثم وقف ضد المحور في الحرب العالمية الثانية بعد قرار هتلر باجتياح روسيا عام 1941، لكنه ظل على مدار وجوده في سوريا بعيداً عن صميم الشعب السوري، وقد انشق هذا الحزب إلى جزأين بعد استقلال سوريا ولبنان عام 1943، إحداهما في سوريا والآخر في لبنان( ).
وحدد أهدافه في سوريا بـ ( ) :
1- العمل لاستقلال وسيادة سوريا التامة وتحريرها الكامل.
2- المحافظة على نظامها الجمهوري الديمقراطي.
3- التضامن مع البلاد العربية لاستكمال تحررها وتوثيق الروابط بينها.
4- بسط السيادة الوطنية على المؤسسات الأجنبية.
5- تأمين الحريات الديمقراطية.
6- رفع مستوى البلاد الاقتصادي بحماية المنتجين.
7- معالجة البطالة وحماية العمال بوضع تشريع خاص بهم.
8- تحرير الفلاح من البؤس وتوزيع الضرائب توزيعاً عادلاً.
واتسم الحزب بعدائه للحزب القومي السوري حيث وصفه بالفاشية وبالتعاون مع النازية، وقد حدث تصادم بينهما في 2 نوفمبر 1945، كما اتسم أيضاً بالعداوة لحزب الإخوان المسلمين حيث اتهمه بالعمالة للإنكليز( ) ، كما عمل على التنسيق مع الحزب الكردي الديمقراطي البارتي الذي أسسه الملا مصطفى البرازي في روسيا علم 1945، وأنشأ له فروعاً في سوريا والعراق وتركيا وإيران، وأخذ ينشر المطبوعات والمجلات الخاصة، وقد نصت المادة 21 من حزب البارتي بما يلي : " السعي لمساندة إخواننا الأكراد أينما كانوا في نضالهم من أجل استكمال حرياتهم وحقوقهم القومية ...." ( ) كما أكد أنهم لا يسعون لأي تقارب مع العرب سوى بقدر التقارب مع الأقليات الأخرى، وهذا ما يفسر تقارب الحزب الشيوعي السوري مع تيار صلاح جديد وخاصة بعد استيلائه على الحكم في فبراير 1966، بالرغم من أن البيان الشيوعي عام 1848 ينص على " إن الدستور والأخلاق والدين، كلها خديعة برجوازية وهي تتستر وراءها من أجل مطامعها"( )، وعلى هذا الأساس أصبح لهم /في عهد صلاح جديد ونور الدين الأتاسي/.
وقد ندد الرئيس حسني الزعيم بالشيوعية واعتبرها مناهضة للقومية العربية حيث قال في ذلك :" إننا قوميون قبل كل شيء "( ) مما حذا بالشيوعيين إلى توزيع منشورات لإسقاط حكم حسني الزعيم، فرد النظام على ذلك باعتقال المئات منهم، وفي أعقاب انقلاب سامي الحناوي وزع الحزب في أكتوبر 1949 منشورات ضد الوحدة بين سوريا والعراق جاء فيها: " يسقط مخطط الوحدة السورية العراقية، مخطط عملاء الإمبريالية ومخطط العبودية والحرب"( ) ، وقد أيد الحوراني ذلك فشن حملة في اللجنة التأسيسية ضد وحدة سوريا والعراق.
ثم نشط الحزب في أعقاب انقلاب أديب الشيشكلي عام 1949 ثم عام 1951 فأخذ يصدر صحيفة نضال الجماهير بشكل سري، ويوزعها على أعضائه، الذين سماهم أنصار السلام، ثم أخذ يصدر صحيفة السلام، وقد عارضوا زيارة وزير المستعمرات البريطانية الجنرال بريان روبرتسون إلى سوريا، وقاموا بتنظيم مظاهرات ضد ذلك، ثم قاموا بتنظيم مظاهرات ضد تقارب حكومة خالد العظم مع الولايات المتحدة الأمريكية، فسقطت الحكومة ( ) ، ثم انضموا إلى مؤتمر حمص للإطاحة بالشيشكلي عام 1953، وشاركوا مع الإخوان المسلمين في مهاجمة البرلمان عقب تولي مأمون الكزبري لمنصب الرئاسة بعد تنازل الرئيس أديب الشيشكلي عنها في 25 فبراير 1954، كما هاجموا معهم الإذاعة، وبالتالي في إسقاط نظام الشيشكلي، وبذلك أصبحت لهم قوة كبيرة بعد سقوط الشيشكلي، رغم أنه كاد ينتهي عام 1947، عندما أيد تقسيم فلسطين ، حيث أثار الرأي العام ضده، فقامت مظاهرات ضده وهاجمت مكاتبه، وهرب بكداش إلى خارج البلاد، وتفسير ذلك أنه يستمد أوامره من الحزب الشيوعي السوفياتي بما يعرف بالشيوعية العالمية (الكومترن).
وقد ظل هذا الحزب حليفاً قوياً لحزب البعث منذ عام 1947 وحتى عام 1957 حث أخذ البعث يبتعد عنه في بداية عام 1958، بنتيجة ازدياد قوة الشيوعيين في سوريا، خاصة بعد أن استغل مع حزب البعث، مقتل عدنان المالكي، والمساهمة الجدية في تصفية الحزب القومي السوري في البرلمان والشارع، بعد صعود أول نائب شيوعي في الشرق الأوسط إلى البرلمان عقب انتخابات 1954 في سوريا، وأخذ يصدر صحيفة النور، وكانت فترته الذهبية بين 1957 وبين 1958، حيث ارتبطت سوريا بالاتحاد السوفياتي بشكل كبير وكان من المقرر أن تجري الانتخابات البلدية في خريف 1957( ) ، ومن المؤكد أن يسيطر عليها الشيوعيون، لكن البعث أخذ يؤجلها أسبوعاً وراء آخر، حتى ألغيت أواخر عام 1957، كما كان الشيوعيون يضغطون لحل البرلمان القائم وانتخاب برلمان جديد في ربيع 1958، بحيث يسيطرون على مقاعده، قبل انتهاء مدة البرلمان القديم بعدة شهور، على أساس أن بعض النواب تركوا البرلمان بنتيجة تورطهم في المؤامرات المختلفة، لكن هدفهم الخفي كان وصولهم للسلطة عن طريق البرلمان، رغم تظاهرهم بالقومية والوطنية والدعوة للانتقام للمالكي، إضافة إلى اثارتهم للمشكلات التافهة، في طريقهم لإرباك البرلمان وحله، مثل اتهام خالد بكداش الحكومة في جلسة 29 مايو 1957 من أن موازنة الدولة لعام 1957 تمثل مصالح الاستعمار، فكان التحالف البعثي الشيوعي سبباً لانهيار كثير من الحكومات في فترة ما بعد الشيشكلي وحتى الوحدة مع مصر عام 1958( ) ، وفي ذلك يقول خالد بكداش عام 1956 "نحن الشيوعيون نمد أيدينا لكل الأحزاب والتيارات السياسية وبشكل خاص حزب البعث "( ).
وفي إطار التحرك الشيوعي في سوريا والشرق الأوسط عموماً رأى وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دلاس ما يلي : ( )
1- إنعاش مفهوم منظمة الدفاع الشرق أوسطي القديم.
2- تسخير عبدالناصر لصالح الغرب من خلال جعله قائد للوطن العربي ولو بشكل نظري، لوقف التوسع الشيوعي وذلك باعطائه الحوافز المادية والمساعدات.
وكانت استراتيجيتهم في ذلك استغلال أخطاء النظام المصري إضافة لعملائهم في مجلس قيادة الثورة المصري، وهذا ما يفسر التدخل المؤيد مع بعض العناصر المشبوهة وخاصة عناصر من حزب البعث الذين ارتبط بعضهم بعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الاختراق الأمريكي الكبير لمجلس قيادة الثورة المصري، فخلال هذه الفترة وجد البعث نفسه على مفترق طرق هي: ( )
1- الاستسلام للشيوعية وأن تصبح سوريا دولة تدور في فلك السوفييت.
2- الاستسلام لحزب الأغلبية وهو حزب الشعب الذي سيجرها للوحدة مع العراق، وهذا لا يتوافق مع الاستراتيجية الأمريكية ولا مع الاستراتيجية المصرية، إضافة لتخوف عناصر حزب البعث من فقدان مراكزهم في الجيش والدولة، فكان انقلاب اللواء عفيف البرزي بدعم البعث من أجل الوحدة مع مصر، رغم رفض الحزب الشيوعي لهذه الوحدة، حيث تغيب خالد بكداش عن حضور جلسة البرلمان لتأييد الوحدة عام 1958، وسافر خالد بكداش إلى خارج البلاد معلناً رفضه حل الحزب الشيوعي بعد اشتراط عبدالناصر حل جميع الأحزاب ثم صرح بكداش في ذلك : " إننا نرحب بالوحدة، إذا ضمنت حرية الأحزاب، ونلعنها إذا خنقت حريتها في سوريا كما خنقتها في مصر"( ).
وفي ظل الوحدة أصبح أي نقد للنظام ممنوع، وسيؤدي بصاحبه إلى الاتهام بالشيوعية، فعندما قام قائد الجيش الأول الفريق عفيف البرزي بإجراء بعض التنقلات، اتهم أنه شيوعي وأن هدفه تعيين الموالين له ذوي الميول الشيوعية( ) ، وعندما انتقد وزير الصحة في الحكومة المركزية بشير العظمة الحكومة التي جعلت تكاليف الإقليم السوري بالنسبة للجيش أعلى بعدة أضعاف من ميزانية الإقليم المصري، اتهم بالشيوعية أيضاً، وغيرهم من المسؤولين السوريين، كما أنشأ عبدالحميد السراج في الإقليم السوري جهاز مخابرات لمكافحة الحزبية والحزبيين في كل أنحاء سوريا، ثم ابتدأ بالشيوعيين، فاعتقل المئات منهم، وعذب الشيوعيين بشكل كبير ومات بعضهم تحت التعذيب، وأذيب بعضهم بالأسيد، مثل زعيم الحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، إضافة إلى بعض اليساريين مثل بيير شدرفيان وهو أرمني من حلب، وهذا ما أثار الرأي العام في سوريا( ) ، وقد اشتد النظام ضدهم بعد خطاب خالد بكداش في بكين بتاريخ 28 سبتمبر 1959 بمناسبة العيد العاشر للثورة الصينية، حيث تهجم على نظام حكم الوحدة بديكتاتوريته وتعسفه وتأثيره السلبي على اقتصاد سوريا في جميع المجالات ، حيث قال في ذلك:
" إن شعب الجمهورية العربية المتحدة، يقاسي اليوم نظاماً ديكتاتورياً إرهابياً، تطبق فيه الأساليب الفاشية ضد جميع القوى الوطنية الديمقراطية، إن في سجون مصر وسوريا اليوم ألوفاً من المواطنين من شيوعيين وديمقراطيين، وشباب، يقاسون ألوان التعذيب الوحشي، ومن بينهم المواطن العربي أمين اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني الرفيق فرج الله الحلو، الذي اختطفته المباحث في دمشق، إن السياسة التي طبقتها طغمة بنك مصر في سوريا منذ الوحدة، أدت إلى خراب الاقتصاد السوري وهبوط الإنتاج الزراعي والصناعي وركود التجارة وانتشار البطالة، وغلاء المعيشة، وتعاني سوريا اليوم نظاماً من الاستبداد والفوضى لم تعرفه في كل تاريخها الحديث، وهذا الذي يجري في سوريا اليوم يريد عبدالناصر تطبيقه في العراق ولبنان، وسائر البلدان العربية، ولكن مصير هذه السياسة هو الفشل المحتوم" ( ).

وبعد سقوط نظام الوحدة عقب انقلاب النحلاوي عام 1961، حاول الحزب الشيوعي استعادة مركزه في الجيش والحياة السياسية، لكن معاداة قائد الانقلاب للشيوعية، جعلته لا يقوى على المنافسة، ولم يستطع الفوز بأي مقعد في انتخابات 1961، لكن في نفس الوقت عمل الشيوعيون على تأييد التيار الاشتراكي المعادي لإلغاء إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي، كما ساهموا بعدم استقرار النظام بتوزيعهم للمنشورات وإثارتهم للمظاهرات في ظل حرية التعبير التي سادت خلال فترة حكم الرئيس ناظم القدسي، لكنهم وإن كانوا قد أيدوا حزب البعث بعد استيلائه على الحكم خاصة بعد فشل انقلاب جاسم علوان في يوليو 1963، من خلال إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي، حيث اتهموا زعماء حزب البعث في سوريا والعراق بالعمالة للاستعمار، فيؤكد منشور سري للحزب الشيوعي في يناير 1964 على ذلك بقوله: " إن سياسة البعث في سوريا والعراق لم تكن إلا سياسة مدروسة رسمها وخططها عملاء للاستعمار مندسون في قيادة البعث أمثال ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وعلي صالح السعدي وزمرتهم"( ) .
وكما ذكر سابقاً أخذ نظام الأتاسي/جديد يتقارب مع الحزب الشيوعي والاتحاد السوفياتي مستغلاً الأيديولوجية الماركسية، لتثبيت الطائفية في البلاد من خلال إضعاف أي نزعة مذهبية أو عرقية سوى الطائفة النصيرية في الخفاء، وأصبح إشراكهم في الحكم كبيراً، حيث يؤكد الرئيس أمين الحافظ أن صلاح جديد، كان وراءه الشيوعية السوفياتية( )، وأن الحكم الذي ساد بعد سقوط نظام أمين الحافظ كان باتفاق المعسكرين على رأس وعناصر تلك الأنظمة.

5- الحزب القومي السوري :
أسسه أنطون سعادة في بيروت عام 1932، وطالب باستقلال سوريا ووحدة أجزائها المنفصلة، وهي العراق والأردن ولبنان وفلسطين وشبه جزيرة سيناء وقبرص( ) ، إضافة للأجزاء المغتصبة من قبل تركيا وإيران، وذلك تحت راية واحدة هي راية الأمة السورية، وإلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمال، وصيانة مصلحة الأمة والدولة، وإعداد جش قوي يكون ذو قوة في تقرير مصير الأمة والوطن وإيجاد نهضة قوية تكفل تحقيق مبادئه وتؤدي إلى الاستقلال مع إيجاد جبهة عربية واحدة، وقد استمد الكثير من الأحزاب السورية من برنامج وأهداف هذا الحزب في دساتيرهم مثل حزب الشباب الذي أسسه عثمان الحوراني أيضاً ، حزب العربي الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني عام 1951، بعد أن انفصل عن الحزب القومي السوري عام 1949 عقب انقلاب سامي الحناوي، وتأييده للوحدة مع العراق، حيث وقف الحوراني سداً منيعاً ضد الوحدة مع العراق، والدليل على ذلك أن الحوراني كان حتى 1949 يعمل ضمن أهداف الحزب القومي السوري ، فكان يثير على الدوام قضية لواء الإسكندرونة، ووحدة سوريا الطبيعية، وقد اتهم الحكومة عام 1949 بالتقصير في قضية لواء الإسكندرونة، وأنها قد تخاذلت في حرب فلسطين، كما أنه طالب في البرلمان إبان التصويت للموافقة على جامعة الدول العربية عام 1945، بأن يكون لسوريا حقها في توحيد أجزائها بغض النظر عن انتسابها للجامعة العربية( )، وكان الحوراني لسان هذا الحزب في حماه منذ عام 1936، وحتى انقلاب سامي الحناوي 1949( ).
وحول غاية الحزب فهو يرى أن بعث النهضة القومية الاجتماعية السورية سيكفل تحقيق مبادئه، وسيعيد للأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيتاً لسيادتها، وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، وقد أسس جريدة النهضة( )، وعملت الحكومة اللبنانية برئاسة رياض الصلح على التآمر على هذا الحزب من خلال حزب الكتائب اللبناني الذي يرأسه بيير الجميل، فهاجم حزب الكتائب مكاتب الحزب، وأحرق مطابعه، مما أعطى الفرصة للحكومة اللبنانية للتدخل ضد الحزب القومي السوري وملاحقة أعضاءه في يونيو 1949، فأيد حسني الزعيم، أنطون سعادة في ثورة ضد النظام اللبناني بهدف إسقاطه، بسبب تخوف حسني الزعيم من رياض الصلح خشية أن يعمل ضده, باعتباره كان صديقاً للقوتلي، وعلى إثر فشل الثورة التي أعلنها أنطون سعادة لجأ أنطون سعادة إلى سوريا، فطالبت الحكومة اللبنانية بتسليمه إليها، كما ضغطت فرنسا ومصر وبريطانيا، على حسني الزعيم لتسليمه، فسلمه إليها، وأعدمته خلال 24 ساعة، مما أثار ضباط الجيش الذين كان قسماً كبيراً منهم أعضاء في الحزب القومي السوري، مثل أديب الشيشكلي وفضل الله أبومنصور، وصلاح الشيشكلي، وزيد الأطرش وغيرهم، رغم أن السلطات السورية ادعت أن السلطات اللبنانية قد اعتقلته داخل الأراضي اللبنانية وليس في سوريا، فتولى زعامة الحزب بعد ذلك جورج عبدالمسيح الذي أقسم بأنه سينتقم من المتآمرين، كما اشتدت نقمة الشعب السوري على جريمة حسني الزعيم هذه، وكان إبعاد بعض أعضاء هذا الحزب من قبل حسني الزعيم عن مناصبهم التي تولوها عقب انقلابه، قد أثار النقمة بشكل أكبر وكان منهم الحوراني والشيشكلي، مما حذا بالحوراني إلى الاتصال بزعيم الدروز حسن الأطرش لتأييد انقلاب ضد حسني الزعيم، خاصة أن بعض ضباط الجيش من الدروز كانوا أعضاء في الحزب القومي السوري، وأن أكرم الحوراني هو أول من سعى لإنشاء خلايا بالجيش لصالح الحزب القومي السوري أولاً، ثم لصالح نفسه وحزبه الجديد العربي الاشتراكي ثانياً، ثم البعث في المرحلة النهائية( ).
وبعد انقلاب الحناوي ،ضغط الحزب القومي السوري على الحناوي لعودة الشيشكلي إلى موقعة العسكري كونه عضواً فيه، وتسليمه قيادة أقوى ألوية الجيش وهو اللواء الأول الذي تحول فيما بعد إلى اللواء السبعين المدرع، إضافة إلى ما كان هناك من صداقة بين آل الحناوي وآل الشيشكلي( )، وقد أيد الحزب سعي الرئيس هاشم الأتاسي لوحدة سوريا والعراق، وبعد انقلاب الشيشكلي عام 1949، استمر الحزب في دعواته الاتحادية حتى قيام الشيشكلي بانقلابه الثاني، وحله لجميع الأحزاب ماعدا الحزب القومي السوري كونه كان ينتمي إليه، رغم أن الشيشكلي عمل على عدم إتاحة الفرصة لهذا الحزب من أن يصل للسلطة، وأسس بدلاً منه حركة التحرير التي جعلها تسيطر على البرلمان الذي أقامه، ولم يمنح هذا الحزب سوى مقعد واحد، وعلى إثر إنشاء الحوراني للحزب العربي الاشتراكي أخذ يحارب منافسيه وخاصة الحزب القومي السوري، فقام بتصادمات كبيرة معه حيث وصف الحوراني هذا الحزب بالنازية والعمالة وأنه يريد تحطيم سوريا( )، بالرغم من التاريخ النضالي لهذا الحزب في عهد الانتداب الفرنسي حيث سجن أنطون سعادة عدة مرات، وحكم عليه غيابياً بالإعدام، ومصادرة السلطات الفرنسية لكتاب " نشوء الأمم " وهو يمثل مبادئ الحزب ولم تفرج عنه حتى تاريخ كتابة هذه السطور،إضافة إلى نضالهم في فلسطين منذ ثورة 1936 وحرب 1948 واستشهاد الكثير منهم، في حرب لبنان 1982حيث كانوا في مقدمة الشهداء مثل (سناء محيدلي، وزهرة ابو عساف، وعمار الأعسر ....) ولم يكن إعدام أنطون سعادة إلا أنه فكر بالأسلوب الثوري لتوحيد سوريا الطبيعية، وهذا لا يتفق مع الإدارة الاستعمارية لأن اتفاقية سايكس بيكو حسب وجهة نظرها، هي أفضل بكثير من مشروعه الذي يتضمن تحرير فلسطين ذاتها( )، كما أن أنطون سعادة نفسه كان أشد السياسيين تمسكاً بالعروبة وفق استراتيجية علمية منطقية فيقول في ذلك : "نحن العرب قبل غيرنا، نحن جبهة العالم العربي، وصدره، وترسه، ومصدر الإشعاع الفكري في العالم العربي كله" ( )، كما يقول أيضاً " إن عدو لبنان من يحاول فصله عن أمه سوريا" ، وحول رأيه في العلمانية يقول : " إن القضاء على التعصب الديني، ومحو لغة الحزبية الدينية، يكون بالاتجاه إلى الأرض، وترابط جبالها، وسهولها، بأنهارها، وإلى الشعب بنسيجه الدموي، وتفاعله اليومي، في الحياة مع الأرض، بإدراك أن الحزبية الدينية تصرفنا عن واقع الوطن وتشوه حقيقة الأمة"( ) ، فكان إدراكه للعلمانية ، في عدم إلغاء أو نفي الدين أو التجرد من أحكامه التي ترتفع بالإنسان نحو الكمال، مثل تعلم الصدق والمحبة والأخوة الإنسانية، والصفح عند الإساءة، والعطف على الضعيف والفقير واحترام حقوق الآخرين، ومراعاة القوانين والأنظمة التي تصدرها الدولة، وهذا يتحقق بدون أن تتحكم العقيدة الدينية في سياسة الدولة التي قد تتبدل مع الأيام، ومع الظروف، فإقحام الدين في السياسة يبث روح التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فالأفضل أن يحتفظ بما للدين من حرمة وقدسية ثابتة الأركان، ويترك للسياسة مجالها الدينوي الواسع المتقلب تبعاً للظروف، وبذلك يجتمع في البلد الواحد الدين والسياسة ويسير كل منهما في مجراه الطبيعي( ).
وهذا ما يفسر دخول بعض الأعضاء المتعصبة التي ترفض الخروج من طائفيتها إلى هذا الحزب بغرض تقويضه من الداخل، مثل غسان جديد، الذي كان يقود تكتلاً طائفياً في الجيش بغض النظر عن انتسابه للحزب، وأيضاً أخوه صلاح جديد الذي كان مهندساً للطائفية في سوريا بعد ذلك ، وبعد تدمير هذا الحزب في سوريا عقب قرار اغتيال المالكي الذي نظمه غسان جديد مع مجموعة طائفية من داخل الحزب ومن ثم اغتياله ، وقد أفاد الحزب القومي السوري أن قرار اغتيال المالكي عام 1955 قد اتخذه غسان جديد دون أخذ رأي الحزب، كما اتهم أحد قادة الحزب وهو عصام المحايري من أن بعض أعضاء الحزب ممن خانوا مبادئ الحزب، هم متورطين في اغتيال المالكي وأنه يشجبها( ) .
وصعد حزب البعث بعد مقتل المالكي في 22 إبريل 1954 حملته على الحزب القومي السوري، مدعياً أنه يخطط للاستيلاء على السلطة وأنه يسعى لإقامة الديكتاتورية العسكرية، وأنه عميل للغرب، فمنعته السلطات في سوريا، وصادرت أملاكه بموجب المرسوم رقم /7 مايو 1955/، وقدم للمحاكمة 75 شخصية مدنية و 25 ضابطاً عسكرياً، وحكم بالإعدام على منفذي العملية وإتهم آخرون حيث حكم بالإعدام على غسان جديد، وبديع مخوف، ويونس عبدالرحيم، وفؤاد جديد، وعبدالمنعم الدبوسي( )، وبعد ذلك انسحب صلاح جديد من الحزب، وكون مع بعض الضباط إبان الوحدة ما سمي باللجنة العسكرية البعثية حيث صار عضواً فيها، ثم أصبح قائدها بعد انقلاب 18 يوليو1963 وأصبح يبث بسموم الطائفية في الجيش إلى أن سيطر على الحكم في عام 1966، وحول بذلك حزب البعث لصالح طائفته.
وقد اشترك الحزب في عملية التيه في أكتوبر 1956 للإطاحة بالنظام، وكان من أهم رموزه صلاح الشيشكلي وجورج عبدالمسيح، حيث كان يعارض التوجهات الشيوعية للنظام، والتقارب مع مصر والابتعاد عن العراق، لكن أدى فشل هذه العملية إلى سيطرة الحوراني وخالد العظم، وعبدالحميد السراج، وخالد بكداش على الحكم، وبعد انقلاب عفيف البرزي عام 1958، رفض الحزب الوحدة السورية المصرية، فقال في جريدته النهار بتاريخ 21 فبراير 1958، " إن الوحدة بين مصر وسوريا، اصطناعية، ووضع الشام المتردي هو الذي أنتج هذه الوحدة، ولن يستطيع البعثيون أن يجدوا فيما أقدموا عليه إنقاذاً لهم"( ) .
وظل المكتب الثاني خلال حقبة ما بعد الشيشكلي وحتى الوحدة يدفع مبلغ 300 ألف ليرة سورية شهرياً، لتقوية ونشر دعاية مناهضة للحزب القومي السوري، رغم انتقال مقر الحزب إلى لبنان بعد مقتل المالكي، لكن ظل له مؤيدين في سوريا، خاصة أن قادته انتقلوا إلى لبنان، وأخذوا يبثون دعواهم ضد نظام الوحدة الذي ساهم في تخريب الاقتصاد السوري والعلاقات السورية مع المجال الحيوي لها( )، لكن بعد الانفصال عاد الحزب القومي السوري إلى نشاطه في سوريا إلى نشاطه في سوريا وفاز عدد من أعضائه في البرلمان ومنهم عصام المحايري، خاصة بعد ارتفاع الآمال بالوحدة السورية العراقية عقب لقاء الرئيس ناظم القدسي مع الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم، لكن انقلابي البعث في كل من سوريا والعراق أعاق ذلك، واتخذ النظام الجديد قراراً بمنع الأحزاب، وما يؤكد أن صلاح جديد وزمرته كانوا أعداء للحزب القومي السوري أنه لم يسمح به على الإطلاق.

6- حزب البعث العربي الاشتراكي :
تشكل في 7 إبريل 1947 حيث عقد مؤتمره التأسيسي برئاسة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وحدد أهدافه بـ [ وحدة حرية اشتراكية ]، ويقول هذا الحزب بأنه حزب قومي وأن شعاره هو أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وأن أهدافه على حسب قوله هي الإيمان بالقومية العربية ووحدة الأمة العربية وحريتها وأن لهذه الأمة شخصيتها الحية القابلة للتجدد والانبعاث ويتميز انبعاثها مع مدى حرية الفرد ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية، وأن للبلاد رسالة خالدة تظهر بأشكال متجددة، ومتكاملة في مراحل التاريخ المختلفة، وهي ترمي إلى تجديد القيم الإنسانية، وحفز التقدم البشري وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم، كما أن الشعب هو مصدر السيادة والسلطة، والاشتراكية ضرورية لأنها من صميم القومية العربية فهي تحقق للعرب إمكاناتهم على أن تكون مستمدة من روح العرب وحاجاتهم الاجتماعية ونهضتهم الحديثة، وضرورة إيجاد نظام اقتصادي عادل ومعقول يحول دون الأحقاد والنزاعات الداخلية، ودون استثمار طبقة لأخرى، بحيث تكون الاشتراكية خادمة للقومية العربية، وعنصراً هاماً من عناصرها، كما أنه حزب انقلابي لا يدعو للإصلاح والتطور كوسيلة لتصحيح الأوضاع الفاسدة في البلاد ، بل بالنضال لتحقيق الانقلاب الشامل ( العسكري، الاقتصادي، الاجتماعي ....) ( ) .
وقد توافقت أيديولوجية الحزب العربي الاشتراكي برئاسة أكرم الحوراني الذي كان عضواً في الحزب القومي السوري وحزب الشباب في نفس الوقت، ثم ترك الحزب القومي السوري كما ذكر سابقاً، في أعقاب انقلاب سامي الحناوي ودعواته الوحدوية مع العراق، فشكل عام 1951، الحزب العربي الاشتراكي الذي التحم مع حزب البعث العربي برئاسة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، تحت راية حزب واحد سمي حزب البعث العربي الاشتراكي ، عام 1952 في لبنان، ويتميز الحوراني بعدة سمات جعلته الشخصية الأولى في إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا قبل انقلاب 1966 بقيادة صلاح جديد( )، ومن هذه السمات تشكيكه في رموز الاستقلال السوري والوطنية السورية، فكل من يعارض أو لا يؤيد أفكاره هو خائن أو عميل أو مرتشي بنظره، ولم يسلم من عسفه سوى أتباعه المقربين( )، وقد وصفته السفارة الأمريكية في دمشق في تقرير لها بأنه : "انتهازي، صاحب الفتنة، متعطش للسلطة، معد انقلابات، متآمر على النظام" ( ) ، كما يقول أحد أتباعه عنه وهو نخلة كلاس : "طوال عمره النيابي، فإن الحوراني لم يحظ بأكثرية الأصوات في المدينة" وهذا يدل على أن قوته فقط في الريف، كما قال عنه باتريك سيل : "الحوراني لا مبدأ له، يتسم بالعدوانية من أجل السلطة" ويقول عنه أنتوني ناتنج :"لم يكن صاحب مباديء أو ولاءات راسخة، بل هدفه أن يكون مع الجانب الفائز دائماً، وكان يعتمد على الجيش في أي تغيير سياسي في سوريا، حيث كانت علاقته بالجيش منذ 1941" ( ) وهذا ما جعل حزب البعث حزباً تآمرياً قبل كل شيء( ).
وتعتبر الفترة ما بين انفصال الحوراني عن الحزب القومي السوري عام 1949 والتحامه بعد ذلك عام 1951 بالبعث العربي، فترة تتبع بشكل غير مباشر حزب البعث العربي، كون الزعماء الثلاث الحوراني والعفلق والبيطار كانوا ذوي أهداف متناسقة في مجال الحياة السياسية خلال جل فترة الدراسة، وقد تميز البعث بالتناقض بين دستوره ومقرراته وسياساته، فعلى سبيل المثال دعى إلى وحدة اتحادية تستند إلى واقع الفوارق الإقليمية، لكنه أصدر أحكاماً تؤدي إلى زيادة الفوارق الإقليمية وتعميقها، وهذا ما يفسر سياسته منذ نشأته وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما أعلن مجلس النواب الليبي موافقته على قانون دمج ولايات ليبيا الثلاثة، "طرابلس، وبرقة، وفزان"، معاً ضمن دولة مركزية في إبريل 1963، ندد حزب البعث بذلك وقالت صحيفة البعث في عددها الـ 45 بتاريخ 15 إبريل 1963 "ليبيا تعود القهقري للمركزية"( ) فالبعث تمنى ألا يحصل اندماج على أساس بقاء كل جزء له سلطاته الخاصة، معتبراً أن توحيد ليبيا مركزياً هو تقهقراً إلى الوراء، وهذا يفسر معاداته لوحدة سوريا والعراق فيما يسمى بمشروع الهلال الخصيب، ووحدتها مع الأردن فيما يسمى بمشروع سوريا الكبرى، وهو الذي ندد بقرار عبدالكريم قاسم ضم الكويت للعراق عقب استقلالها عن بريطانيا عام 1960 ، ودعمه لحركة ظفار المنادية بالانفصال عن سلطنة عمان، كما أن قادة البعث تميزوا في كل فتراتهم بالطعن في بعضهم البعض متهمين بعضهم بالعمالة للخارج( )، وتميزوا بالفلسفة الغامضة البعيدة عن الموضوعية، والتي لا تحمل أي استراتيجية علمية لكيفية تحقيق الأهداف، إضافة لاحتقارهم للآخرين ممن ليسوا بعثيين، ونعتهم بالخيانة ( ) ، زد على ذلك الانفصال الدائم لأجنحة البعث، مكوناً على الدوام أجنحة متنافرة، مثل جناح عفلق الخيالي الفلسفي الغيبي، وجناح الحوراني الانتهازي الميكافيللي اللاأخلاقي، وجناح صالح السعدي الاندفاعي، وجناح الركابي الدموي، وجناح صلاح البيطار الإصلاحي، ثم انقسامه إلى جناحين يميني عراقي ويساري سوري واليسار السوري انقسم لتيارين يمين اليسار، ويسار اليسار، وهكذا... وكل واحد لا يعترف بشرعية الآخر( ).
ومؤسسي البعث ميشيل عفلق وصلاح البيطار، كانا في باريس بين (1929 – 1934)، يدرسان هناك وقد انتسبا للحزب الشيوعي الفرنسي، وكانا متأثرين بالنزعة الفردية، وعدم الاكتراث بالمبادئ الأخلاقية( )، وبرنامجهم لا يحوي أي ذكر للعقيدة الدينية وخاصة الإسلام الذي كان له الدور الأكبر في بعث الأمة العربية من الانحطاط إلى السيطرة العالمية( )، كما يتسم بتجاهله وجود أي قومية أخرى غير القومية العربية في المجتمع، فهو يعتبر أن الأكراد من أصول عربية على غرار دعوة أتاتورك أن الأكراد من أصول تركية( )، ومنذ نشأته حتى توليه الحكم لم يكن يتجاوز عدد أعضائه 200 عضو أكثرهم من الطلاب( )، وتقول المادة الحادية عشرة من دستوره: "يجلي عن الوطن العربي كل داع إلى تكتل عنصري يناهض العرب أو منضم إليه"( )وحول استراتيجية البعث وعلاقته مع الآخرين يقول ميشيل عفلق: " إن مقاومة الأفكار الهدامة لا تقتصر على مناقشتها، ودحضها، بل تملي تصفية المؤمنين بها والداعين إليها"( ) .
لذلك لم يتقبل الشعب السوري حزب البعث ونفر منه، فلم ينتسب إليه سوى طلاب الأقليات ، ولم تكن تتجاوز أعمارهم الثلاثين، أي أن معظمهم غير ناضج سياسياً ( )، وقد بدأ البعث بتهجمه على نظام الرئيس شكري القوتلي، واتهامه بالرجعية والتهجم عليه بأفظع التهم ثم شدد هجومه قبل انقلاب حسني الزعيم، مما حذا بالنظام إلى اعتقال ميشيل عفلق وسجنه في20 سبتمبر 1948 ثم اشترك البعث في انقلاب حسني الزعيم من خلال التمهيد للانقلاب وقد جعل الرئيس حسني الزعيم، زعيم البعث ميشيل عفلق، أحد مستشاريه( )، ثم أصدر البعث بياناً جاء فيه: " إن الشعب العربي في سوريا، بل وفي أقطار العرب، لا يقنع من الانقلاب أن يكون نهاية عهد أسود، فحسب، بل يريد أن يجد فيه نقطة انطلاق نحو حياة جديدة وديمقراطية" ( ).
لكن بسبب تفضيل حسني الزعيم للأجانب وتقربه من الغرب، وانبهاره به، واتباعه أساليب التغريب، مما ساهم في وجود فجوة بينه وبين البعث ثم اتهمه ( ) بعدم احترام الدستور، وكبت الحريات، وإلغاء الأحزاب، وتوقيع اتفاقيتي التابلاين والنقد مع الغرب، وأصدر بياناً حول ذلك جاء فيه( ):
1- عدم شرعية أي عقد أبرم في هذه الفترة، ولم يكن صادراً عن السلطة التشريعية المنتخبة.
2- معارضته لأي دستور لا يصدر عن مجلس تأسيسي منتخب انتخاباً حراً.
3- مطالبته بتشكيل حكومة ترضى عنها الأحزاب التي مثلت المعارضة في العهد السابق.
مما حذا بالرئيس حسني الزعيم إلى سجن ميشيل عفلق وبعض البعثيين، فقام ميشيل عفلق ببعث رسالة لحسني الزعيم يستجديه فيها ويقرر اعتزال العمل السياسي، معتبر نظام حسني الزعيم هو النظام الأمثل، كما طالب أعضاء الحزب بالانصياع لأوامره وقراراته، كونه يمثل المنهج الأمثل، وبعد انقلاب سامي الحناوي، وإشراقة ضوء الوحدة مع العراق، عارض البعث هذه الوحدة ( )، بحجة تمسكه بالنظام الجمهوري، بالرغم أن دستور البعث عام 1947 قال بالنظام الدستوري النيابي، ولم يعين شكل الحكم، باعتبار أن الوحدة ترتفع على شكل الحكم، ثم بدأ يقدم شروطاً تجعل الوحدة مستحيلة، منها تحقيق الاشتراكية، وإزالة الإقطاع، وتعديل المعاهدة العراقية البريطانية، ولم يدرك البعث أن النظام الجمهوري إذا كان ديكتاتورياً أشد على الشعب من النظام الملكي، كما أن النظام الملكي، إن كان دستورياً وبرلمانياً، أفضل بكثير من نظام جمهوري لا تحدد فيه سلطة الحاكم، وفق برلمان منتخباً انتخاباً حراً، وتبقى الوحدة بين قطرين شقيقين ترتفع وتسمو على أي شكل للحكم لأن الشعب سيبقى ولكن النظام لا يستمر إلى الأبد، وفي ذلك يقول برنارد لويس في كتابه (العرب والشرق الأوسط): " النظام الجمهوري يعني في الشرق الأوسط، دولة لا يحكمها ملك ولا صلة لاصطلاح الجمهورية بالطريقة التي وصل بها رئيس الدولة إلى منصب الرئاسة، ولا بالطريقة التي يخرج منها، ولا علاقة لكلمة جمهورية بنظام حكم تمثيلي نيابي ولا بديمقراطية نيابية"( ) .
ثم عارض البعث مع الحوراني مسودة الدستور الجديد في ديسمبر 1949، بحجة أن النص لم يحدد أن يكون رئيس الدولة هو رئيساً للجمهورية ووصفه المشروع بأنه، رجعي يهدف لوصول وصي العراق عبدالإله إلى عرش سوريا، ثم شكل الحوراني لجنة برلمانية سماها اللجنة البرلمانية الجمهورية، لمعارضة الوحدة مع العراق( ) ، وكان للحوراني الدور الأكبر لتحريض الضباط ضد قائد الجيش سامي الحناوي ولدعم الانقلاب الأول للشيشكلي، لكن الحكومات التي أتت ما بين انقلابي الشيشكلي الأول والثاني كان معظمها يسعى للوحدة مع العراق لذلك سعى الحوراني إلى إثارة عدم الاستقرار فيها، ففي 26 يوليو 1950 ألقيت قنبلة يدوية على مبنى البرلمان ذو الأكثرية من حزب الشعب المؤيد للوحدة مع العراق( ) ، خاصة بعد تشكيل حكومة ناظم القدسي التي لم يدخلها الحوراني، وبعد فشل الحوراني في تدبير انقلاب عسكري في مايو 1950، عمل من خلال أتباعه على إلقاء قنبلة في دار الحكومة ثم دار البرلمان، ثم حدث انفجار في مستودع النفط للشركة البريطانية العراقية، في يوليو 1950 قتل على إثره حوالي 100 شخص سوري، فسقطت حكومة خالد العظم( )، ثم عمل على إثارة الفتنة بين الحزبين الرئيسيين الشعب والوطني، وعندما صرح رئيس الحكومة حسن الحكيم في 4 نوفمبر 1950، بأنه لن يجاري الشارع ولن يعرض سوريا للخطر من أجل شعبية رخيصة، مما حذا بالحوراني إلى تنظيم مظاهرات ضد الحكومة نعتت رئيسها بكلمات نابية، وقد أيده حزب البعث على ذلك ضد البرلمان عام 1950 على أساس أنه امتداداً لحزب الشعب الرجعي بنظرهم، وبعد توتر العلاقات بين الحوراني والشيشكلي بعد انقلابه الثاني عام 1951، بالرغم من أنه أيد الانقلاب في بداية عهده، لكن بسبب تفرد الشيشكلي بالحكم وإبعاده للحوراني عن المسرح السياسي، عمل الحوراني على إسقاط الشيشكلي، وقد أصدر البعث - بعد انتخاب الشيشكلي رئيساً للجمهورية، وتشكيل برلمان جديد – بياناً جاء فيه:( )
- ضرورة إزاحة صاحب الانقلاب وإقصاء الجيش عن السياسة.
- محاربة كل محاولة لعقد الصلح مع إسرائيل.
- إقامة حكم نيابي شعبي سليم.
- مقاومة كل ارتباط مع الاستعمار الغربي والصهيوني، والإصرار لإبقاء البلاد العربية على الحياد في الصراع الدولي الناشيء.
وقد أيد الحوراني ضرورة الاستعانة بالجيش للسيطرة على الحكم، فكان هو حلقة الوصل بين ضباط الانقلاب ضد الشيشكلي وحزب البعث للإطاحة بالشيشكلي( ) ، وكان البعث قد قام قبلاً بتحريض طلاب الجامعة والمدارس الثانوية، في ديسمبر 1953 لإحداث إضرابات ومظاهرات، رداً على عرض مسرحية في مدرسة أمريكية في حلب تؤذي المشاعر العربية، فقمعها النظام بعنف ثم أضرب المحامون وأرسلوا برقيات احتجاج للرئيس أديب الشيشكلي بسبب أعمال الحكومة ضد الطلاب، ثم وزعت منشورات في ديسمبر 1954 في جميع المدن السورية، تدعو لإسقاط الشيشكلي( )، ويؤكد الحوراني أنه لولا اندماج حزب البعث العربي مع حزب العربي الاشتراكي خلال حقبة الشيشكلي، لكان حزب البعث قد انتهى بشكل نهائي، حيث هرب قادة البعث إلى لبنان ودمجوا الحزبين ضمن حزب واحد، وأخذت الصحف اللبنانية تنشر مقالاتهم التي يتهمون فيها الشيشكلي ببيع سوريا وفلسطين، وأنه رمز الديكتاتورية والفساد، كما أخذوا يبعثون أتباعهم لضرب مكاتب حركة التحرير، وهي الحزب الذي شكله الشيشكلي ليتخذ منه متكاءاً لحكمه، وأخذوا يلقون القنابل، ويثيرون عدم الاستقرار في نظام الشيشكلي( ).
وبعد سقوط نظام الشيشكلي في فبراير 1954 عمل البعث على محاولة السيطرة على الحكم، فحاول جعل الحوراني وزيراً للداخلية في حكومة صبري العسلي، لكن رفض الحزب الوطني ذلك( )، مما حذا بالبعث أن يتهم الحكومة بالرجعية وأن الانتخابات التي ستجريها ستكون غير شرعية، ونظم مظاهرات ضدها وضد أي تقارب لها مع العراق، فسقطت الحكومة، وبسبب رغبة الحوراني في استمرار حال عدم الاستقرار الحكومي، رفض تكليف الرئيس هاشم الأتاسي له بتشكيل الحكومة على أساس أن البعث لايمكنه أن يشكل الأغلبية فيها( )، وقد اعترف الحوراني بأن سبب إسقاط البعث لحكومة صبري العسلي عام 1954 هو بسبب تشويهها للبعث على أنه ملحد وكافر وذلك من خلال مؤيديها، فكانت استراتيجية البعث لإسقاطها هو بنعت الحزبين الرئيسيين بالرجعية، وإثارة الفتنة بينهما( ).
ثم عمل البعث لإبعاد شوكت شقير عن قيادة الأركان كونه كان حيادياً ولم يدعمهم، ورفضه لإعدام أعضاء الحزب القومي السوري( )، ثم أتى البعث بقائد أركان جديد هو توفيق نظام الدين، والذي لا طموح سياسي له، وأخذ يدعو للتقارب مع مصر، وحث طلاب الجامعة لتوقيع عريضة وقع عليها 3000 طالب وقدمت إلى البرمان، حيث طالبت هذه الوثيقة حكومة صبري العسلي في يونيو 1956، بالوحدة مع مصر، خاصة بعد أن ساهم البعث في تدمير الحزب القومي السوري بعد مقتل عدنان المالكي، حيث وجه التهم له بالعمالة والخيانة، وكانت المحاكمات التي أجريت ضد أعضاء الحزب القومي السوري من وحي البعث وإلهامه، خاصة بالذين ليس لهم دعوى بذلك( ) ، ثم عمل على إسقاط حكومة سعيد الغزي في يونيو 1956 حيث نظم الطلاب وحثهم على مهاجمة وزارة الاقتصاد، احتجاجاً على تصدير الحبوب لفرنسا، ولم ينسحب الطلاب حتى استقالت الحكومة، ورغم ذلك لم يستطع البعث الوصول إلى السلطة ولم يستطع أن يكسب تأييداً جماهيرياً بين فئات الشعب السوري، لكنه استطاع إسقاط الحكومات ( العسلي، الغزي، الخوري ) عامي 1954- 1955، تحت صراع اليمين واليسار، فكان التقارب مع مصر والوحدة معها استراتيجية من استراتيجيات البعث للسيطرة على الحكم في سوريا( ) بعد فشله في انتخابات 1954 حيث حصل التيار اليميني (التعاوني الاشتراكي والقومي السوري والإخوان المسلمين والشعب والوطني ) على 63 مقعداً، بينما حصل اليسار على 23 مقعداً ويمثله ( البعث والشيوعي ) أما المستقلين فحصلوا على 64 مقعداً( ) ، وهذا يفسر فوز شكري القوتلي الذي يمثل اليمين على مرشح اليسار المستقل خالد العظم، بأغلبية أكثر من ثلثي أعضاء البرلمان، وهذا مما أثار البعث، الذي سعى إلى إسقاط الرئيس شكري القوتلي( ) ، فعمل على تمزيق التحالف اليميني الذي يمثله الشعب والوطني والكتلة الحرة في البرلمان بزعامة الدكتور منير العجلاني( )، فتحالف البعث مع زعيم الكتلة اليسارية خالد العظم، ثم أقنع خالد العظم بأن يسعى لجذب عضوين من الحزب الوطني والانضمام للبعث على أساس تأييده لهم، وبنتيجة ذلك سقطت حكومة سعيد الغزي المحايدة، ثم عمل نواب البعث على الانسحاب من البرلمان بحجة رفضهم لقانون العشائر على اعتبار أنه قانون رجعي، مما حذا بالبرلمان إلى تأجيل البت في هذا الموضوع( )، ورغم كل هذه الجهود ظل اليمين هو المسيطر على الساحة الشعبية مما حذا بالبعث إلى العمل من أجل إقرار الانقلابات العسكرية تمهيداً لأي انقلاب جديد يقومون به، فقد قال صلاح الدين البيطار في إحدى جلسات البرلمان عام 1954:
" متى كان الحكم المستقر مبنياً على أكثرية نيابية، الحكم أيها السادة يقوم على أكثرية شعبية لا أكثرية برلمانية، وإن الانقلابات العسكرية التي حدثت، وكان البرلمان الوزاري قد هاجمها، يجب أن نعلم جميعاً بأنها ليست فقط من فعل المغامرين، وأنها لم تنشأ عن شهوة أو جنون المغامر، لأن أي مغامر كان لا يمكن أن يقلب الأوضاع ما لم يجد في الشعب تجاوباً، وما لم يجد رغبة في التخلص من الحكم الذي أخذ على عاتقه أمر التخلص منه، والانقلاب ظاهرة سلبية للحكم الديمقراطي الأجوف الذي لا نزال نصر على إبقاء البلاد فيه، ليس فيما أقول أية مبالغة، فمن منا لم ينتعش عندما أقدم حسني الزعيم على انقلابه "( )
وقد استغل قادة البعث العدوان الثلاثي على مصر في أغسطس 1956 بعدما أمم عبدالناصر قناة السويس في 26 يوليو 1956، ودعوته للوحدة مع سوريا، لتوثيق العلاقات مع السفير المصري محمود رياض، والابتعاد عن الشيوعية قليلاً( )، وإيقاف الانتخابات البلدية التي كان من المفترض أن تجرى في نوفمبر 1957، وكل ذلك تمهيداً للوحدة مع مصر التي كان البعث يأمل منها الحصول على السلطة في سوريا، بعد فشل عملية التيه التي قادها الشيشكلي عام 1956 لإسقاط النظام، وبالتالي أبعد بموجبها بعض أعضاء البرلمان لتورطهم فيها وكلهم من مؤيدي التقارب مع العراق، وعلى هذا الأساس جرت الانتخابات التكميلية، وعمل الحوراني على الاتفاق مع الشيخ أحمد كفتارو الذي كان يطمح لتولي مركز الإفتاء العام في سوريا، على تأييد مرشح البعث رياض المالكي في هذه الانتخابات ضد مرشح الإخوان المسلمين الدكتور مصطفى السباعي( ).
وبسبب سياسة البعث التقارب مع مصر عام 1956 بعد تخريبه لأنابيب النفط التابعة للشركة البريطانية العراقية المارة بسوريا، وتنظيمه المظاهرات والإضرابات لعمال الشركات الأجنبية السورية، فأدى إلى شل حركة البلاد الاقتصادية، وأنسحب بعض أعضاء حزب البعث منه، وحدثت اشتباكات في السويداء في أغسطس عام 1956 بين أعضاء الحزب القومي السوري بقيادة زيد الأطرش، مع أعضاء من حزب البعث بقيادة قريبه منصور الأطرش ( )، وبسبب زيادة ضغط البعث على البرلمان والحكومة عام 1957، من أجل الوحدة مع مصر، قرر رئيس الحكومة صبري العسلي، الذهاب لمصر في 5 يونيو 1957 لبحث مشروع الوحدة، على أسس مدروسة ، وبعد يومين صرح رئيس البرلمان أكرم الحوراني –حيث وصل لمنصبه بفعل تأييد الجيش- في صحيفة البعث قائلاً: " إن سوريا في خطر وعليها أن تسعى للوحدة مع مصر، لدعم قدرة البلاد في مواجهة الهجوم الوشيك"( ) .
وبسبب وصول الحوراني لرئاسة البرلمان في 14 أكتوبر 1957 رغم أن حزبه لا يمثل الأغلبية، مما حذا بزعيم حزب الأغلبية البرلمانية (حزب الشعب) رشدي الكيخيا، إلى الاستقالة من البرلمان، لكن لم تقبل استقالته، وظلت معلقة( )، وهكذا سيطر اليسار على أركان الدولة مع أنهم لا يشكلون سوى أقلية برلمانية وشعبية وعسكرية، فأصبح الحوراني رئيساً للبرلمان، وصلاح الدين البيطار وزيراً للخارجية، وعفيف البرزي قائداً للأركان، وخالد العظم رئيساً للكتلة اليسارية داخل البرلمان ووزيراً للدفاع، وعبدالحميد السراج رئيساً للمكتب الثاني، وبدأ التحالف اليساري يتصدع بنتيجة الخلافات بين حزبي البعث والشيوعي على إجراء الانتخابات البلدية، وأيضاً خلافاته مع خالد العظم لنفس السبب( )، أيضاً انقسام البعث ضمنياً إلى تيارين تيار عفلق والبيطار وتيار الحوراني( ).
وفي بداية الوحدة التي قامت بفعل تحالف البعث مع السفير محمود المصري رياض والملحق العسكري المصري في السفارة المصرية، عبدالمحسن أبو النور مع قائد الأركان عفيف البرزي وفرضها على الرئيس شكري القوتلي عام 1958، وحل قادة البعث الحزب دون التشاور مع أعضائه، رغم معرفتهم المسبقة أن عبدالناصر سينقل تجربة مصر إلى سوريا بمؤسساته المعروفة، لكن طموحهم لاستلام الحكم في سوريا كان فوق كل شيء، على أساس ظنهم أن عبدالناصر سيوكل إليهم حكم الإقليم السوري، أو سيعهد إليهم برئاسة الاتحاد القومي، كما أنه لولا الوحدة لتمزق حزب البعث العربي الاشتراكي ولانتهى من الساحة السياسية بعد السياسية العقيمة التي نتجت بسبب تدخلاته في الحياة السياسية السورية خلال هذه الفترة مما جعل عدم تأييده من قبل جميع فئات الشعب السوري( )، وبعد الوحدة عمل عبدالناصر على إعطاء البعث خمسة حقائب وزارية وجعل أحدهم وهو أكرم الحوراني نائباً له على الدور الذي قاموا به لإحداث الوحدة بالشروط المصرية، ثم عمل النظام الجديد على نقل تجربة الاتحاد القومي إلى سوريا فنص دستور 1958: " يكون المواطنون اتحادا قومياً للعمل على تحقيق الأهداف القومية ولحث الجهود لبناء الأمة بناءاً سليماً من النواحي السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، وتبين طريقة تكوين هذا الاتحاد بقرار من رئيس الجمهورية "( ) ، وقد أريد من هذا الاتحاد أن يكون بديلاً للأحزاب على غرار حركة التحرير في عهد الشيشكلي، لكنه كان يخضع لمقررات الرئيس، وكان الغرض من إنشائه هو نفي وجود معارضة للحكم، على أساس أنه يضم جميع الطبقات والفئات في المجتمع، فهو يمثل الإدارة المباشرة بين الحاكم والمحكوم، وهو مفتوح للجميع، وقد حصل البعث في انتخابات الاتحاد القومي عام 1959 على 3% من الأصوات فقط ( ) ، وقبل أن يعلن عبدالناصر مرسوم حل الأحزاب والمنظمات السياسية في سوريا في مارس 1958، كان حزب البعث قد نقل مقر قيادته إلى بيروت وأخذ يصدر من هناك صحيفة الصحيفة، وقد انقسم البعث خلال الوحدة إلى ثلاث تيارات هي : ( )
1- الناصريون الذين اعتبروا أن الوحدة هي غاية الحزب.
2- المستقلون عن الحزب وهم الذين تركوا الحزب.
3- الرافضون لقرار حل الحزب، الذين تشكل من بعضهم اللجنة العسكرية البعثية* بسبب إبعاد أعضائها إلى مصر دون عمل ودون مراكز على عكس المصريين الذين جاءوا إلى سوريا، كما عمل صلاح الدين البيطار على إعادة تشكيل الحزب في سوريا بشكل سري عام 1960، والدليل على أن البعث لم يحل نفسه ، أنه قد فصل عبدالله الريماوي من الحزب على أساس علاقته بعبدالحميد السراج، في المؤتمر القومي الثالث، وكان يشغل الريماوي رئاسة القيادة القطرية في الأردن، كما فصل الأمين القطري للحزب في العراق، فؤاد الركابي الذي قام بمحاولة اغتيال لعبدالكريم قاسم، حيث ادعت القيادة عدم إقرارها لذلك ففصلته، وكلاهما فصلا خلال عهد الوحدة( ).
وبسبب عدم إتاحة الفرصة للبعثيين أن تكون لهم اليد الطولى في النظام الجديد، حيث ضعفت قوتهم العسكرية نتيجة نقل عبدالناصر لمعظمهم إلى المناصب المدنية، مما حذا بالبعث إلى إثارة عدم الاستقرار السياسي، بفضح الأخطاء والإجراءات التعسفية للنظام وإثارة النزعة القطرية ما دفع بعبدالناصر أن يتهجم عليهم وقال بأنه سيدوسهم بالأقدام( )، وكان استياء ميشيل عفلق من عبدالناصر بسبب أن زيارته لمصر لم تقابل بحرارة، إضافة إلى اختلافه مع عبدالناصر حول مشروع تحويل نهر الأردن، لذلك عمل على محاولة تدبير انقلاب عسكري ضده من خلال اتفاقه مع مساعد المشير عبدالحكيم عامر وهو العقيد داوود عويس، لكن الخطة كشفت فهرب عفلق إلى لبنان ، ولم يرجع إلا بعد سقوط الوحدة إثر انقلاب عبدالكريم النحلاوي عام 1961، وكان قبل ذلك قد خطط مصطفى حمدون الذي كان أحد أتباع أكرم الحوراني، في نهاية عام 1958 للإطاحة بعبدالناصر، لكن الحوراني رفض ذلك، حيث اقترح الحوراني والبيطار والعفلق على عبدالناصر تشكيل قيادة جماعية، تتألف منهم لأجل حكم الإقليم السوري، لكن عبدالناصر أجابهم: " ليكن معلوماً بأنه لا يمكن تغيير أسلوبي في العمل ..... ولن يسمح لأحد يتجاوز حدوده ....... ومن لا يعجبه فليتقدم بالاستقالة "( ) ، كما كانت نتائج الاتحاد القومي وسقوط البعث فيها بحصوله على أقل النسب، ضمن الانتخابات الفردية، حيث أتهم قادة البعث نظام الوحدة بتزوير الانتخابات( )، كل هذه الأشياء جعلت الوزراء البعثيون يستقيلون من الحكومة المركزية والحكومة القطرية ( الإقليمية )** وهم (عبدالغني قنوت، مصطفى حمدون، جمال الصوفي، صلاح البيطار، رياض المالكي)، ونائبه أكرم الحوراني ( ) الذي كان يلح على عبدالناصر، لعدم إصدار عفو عن السجناء السياسيين السوريين الذين حكموا قبل الوحدة، وهذا ما أكده عبدالناصر نفسه، وعلى هذا الأساس كانت الوحدة ( ) حركة وصولية لإنقاذ الوضع الداخلي لحزب البعث في سوريا بسبب فشله في إكتساب ثقة الجماهير التي أخذت تقاومه قبل الوحدة، ولولا مؤامرة البعث على النظام الديمقراطي في سوريا لما قبل أي حزب أو سياسي بشروط مصر في الوحدة على الاطلاق، فكان البعث سبباً في توريط سوريا بوحدة غير مدروسة هيمنت مصر خلالها على سوريا بشكل كان أشبه بإحتلال دولة لأخرى، وهذا ما حذا بقادة البعث أن يؤيدوا حركة المقدم عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، فوقع الحوراني والبيطار على وثيقة الانفصال وقال عفلق في ذلك "الانفصال شر لابد منه"( ) وكان هناك تنسيق مع قادة الانقلاب( ) وجرت انتخابات برلمانية في سوريا عام 1961، وسقط صلاح الدين البيطار، أمام منافسه عضو الحزب القومي السوري عصام المحايري، مما حذا بالبيطار إلى الإساءة لأهل مدينة دمشق واتهام الانتخابات بأنها مزورة( )، وأخذ البعث يبث الدعايات والمقالات والمنشورات التي تندد بالنظام والحكومات المتعاقبة (بشير العظمة، خالد العظم)، وأصبح البعث يهاجم كل الذين أيدوا الانفصال وخاصة الرئيس ناظم القدسي، رغم أن معظم البعثيين قد أيدوا الانفصال ، وتشكل تيار من خلال البعث لكنه انفصل عنه سمي بالناصريون ( )، الذين دعوا لإعادة الوحدة مع مصر على ما كانت عليه، وقادوا المظاهرات ضد النظام.
وفي المؤتمر الخامس للحزب عام 1962 عمل الحوراني على إبعاد المحامين عن الحزب على أساس أنهم يخططون لإعادة بناء الحزب على أسس جديدة، مما حذا بقيادة الحزب لطرده من الحزب في 22 سبتمبر 1962( )، كما قرر تسليم صلاح جديد قيادة اللجنة العسكرية البعثية بدلاً من محمد عمران، وكان قائد لانقلاب قد سرح ثلاث وستين ضابطاً أكثرهم من جماعة الحوراني، والبعث، بشكل عام، ولم يعترض البرلمان على ذلك، وكان منهم حافظ الأسد، وصلاح جديد، وجاسم علوان، مما حذا بالضباط المسرحيين أن يعدوا العدة للإطاحة بالنظام على أن يكون قائدهم العقيد أمين الحافظ، لكن التحركات المشبوهة له، جعلت النظام يقرر نقله ملحقاً عسكرياً، إلى الأرجنتين، لكن ظل على علاقة معهم وينسق للانقلاب المزمع القيام به، وقد جرى تنسق بين البعث وعبدالناصر على الانقلاب عن طريق، أحد الناصريين وهو سامي الجندي، ووافق عبدالناصر على تنفيذ الانقلاب وعلى بيانه الأول قبل إذاعته، وهذا ما أحدث فيما بعد تمرد جاسم علوان في حلب وبدر الأعسر في حمص ولؤي الأتاسي في دير الزور عام 1962 عقب الانقلاب الثاني لعبدالكريم النحلاوي، والذي بنتيجته عقد مؤتمر حمص.
ورغم انقسام البعث أواخر عام 1962 والذي لم يكن يضم سوى 75 عضواً منهم 25 عضواً في القيادة، قبل انضمام اللجنة العسكرية للتنظيم، ليصبح بعد ذلك تيارين هما:( ) التيار اليميني وهو حليف القيادة القومية ويمثله محمد عمران، والتيار اليساري وهو حلف القيادة القطرية ويمثله صلاح جديد ، لكن كان هناك ثمة انقسامات أخرى موجودة هي: ( )
1- جماعة عفلق والبيطار.
2- جماعة الحوراني الذين سموا أنفسهم بالاشتراكيون العرب مشكلين حزباً جديداً.
3- جماعة الوحدويون الاشتراكيون وسموا أنفسهم بالناصريون على أساس ولاءهم لعبدالناصر.
4- جماعة سامي صوفان.
5- اللجنة العسكرية البعثية بقيادة محمد عمران.
6- الجماعات المتفرقة التي لم تحل نفسها أثناء الوحدة.
ثم عمل البعث الموالي للقيادة القومية على استقطاب العميد زياد الحريري، الذي كان قائداً لقوات الجبهة، والعقيد لؤي الأتاسي، الذي كان ملحقاً عسكرياً في الولايات المتحدة، فقام النظام باعتقال لؤي الأتاسي وزجه بالسجن، ثم استقطبوا العميد محمد الصوفي وكان يشتغل قائد اللواء الخامس، وخططوا لعمليات اغتيالات قبل وبعد الانقلاب، وتخوفاً منهم، من أتباع العقيد عبدالكلايم النحلاوي، عمدوا إلى استقطاب النحلاوي في 11 يناير 1963 واتفقوا معه على انقلاب يقوده هو، لكنهم تخلوا عنه، بل وأفشلوه من خلال تدخل زياد الحريري ضده، مما حذا أن تصبح جماعة النحلاوي في السجن، وبذلك ضمن البعث عدم وجود منافسين له في الجيش( ) ، وقد تواكب ذلك مع قيام الناصريين بإثارة الاضطرابات والمظاهرات قبيل انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، معلنين معارضتهم للانتخابات المفترض القيام بها في منتصف 1963 ( ) بعد أن أعلن رئيس الحكومة خالد العظم- بعد نيل حكومته ثقة البرلمان في سبتمبر 1962-، عن حل البرلمان القديم وإجراء انتخابات برلمانية جديدة خلال عام واحد، مع تعويض المالكين للأراضي وأصحاب المصالح الذين تضرروا بالتأميم والإصلاح الزراعي، لكن البعث والناصريين شنوا هجومهم عليها واعتبروها رجعية وضد الحركات الديمقراطية، مما حذا بالحكومات إلى منع نشاط حزب البعث ومنع صحيفته "البعث" من الصدور، وحكم على صلاح البيطار بالسجن لمدة شهر، كما منعت جريدة الوحدة الناطقة باسم الناصريين ذوي الأصول البعثية، وزادت مظاهرات البعث والناصريون مطابين بالوحدة الفورية، مما حذا بالنظام إلى اعتقال البعض منهم، وقد تواكب ذلك مع استقالة الوزراء الاشتراكيين الثلاث مع اثنين من الإخوان المسلمين وواحد من حزب الشعب، عقب انقلاب البعث في العراق( )، وكان ميشيل عفلق والحوراني على علم وتنسيق في هذا الانقلاب، حيث أكد ميشيل عفلق أن اللجنة العسكرية البعثية في سوريا مستعدة لمساعدة الانقلابيين، وأن انقلاب سوريا وشيك،كما أن التشكيلة الوزارية برئاسة البيطار موجودة( )، وبالفعل ما هو إلا شهر واحد حتى قام زياد الحريري بانقلابه مع الضباط الناصريين والمستقلين حيث كان زياد الحريري ولؤي الأتاسي الذي كان في السجن، وحدويان مستقلان، أما محمد الصوفي، وراشد القطني، وفواز محارب وجاسم علوان، ومحمد الجراح فناصريين، و كانوا أساس الانقلاب( ) ، أما ضباط البعث وخاصة اللجنة العسكرية فكان دورها ثانوياً، وقد استغل البعث الخلاف بين المستقلين المحايدين، والناصريين، فانضم أولاً للناصريين الذين انتصروا على المحايدين، ثم قاموا بعد ذلك بتصفية الناصريين إثر انقلاب جاسم علوان في 18 يوليو 1963، حيث فشل الانقلاب، وبذلك أبعد الناصريون والمحايدون المستقلون عن الحكم، وانفرد البعث بالسلطة، ثم انشق البعث إلى تيارين إحداهما يساري ويمثل القيادة القطرية برئاسة حمود الشوفي ويميني وتمثله القيادة القومية، وهذا الانقسام أدى لإتاحة الفرصة لسيطرة بعض الطائفيين من أتباع محمد عمران وصلاح جديد على بعض المراكز المهمة في الحزب والجيش ، على أساس أنهم يمثلون الطبقة الفلاحية، فتحالف هؤلاء بعد ذلك مع بعض ضباط الأقليات الأخرى لتنفيذ انقلاب 23 إبريل 1966، كما ظهرت مع انقلاب 8 مارس 1963 تيارات متعددة كل منها تدعي أحقيتها في قيادة المجتمع والدولة وهذه التيارات هي: ( )
1- القوميون العرب الذين نشأوا في أحضان الجامعة الأمريكية في بيروت التي استغلت عواطفهم لتحقيق مخططات الغرب.
2- الجبهة المتحدة التي تمشي مع التيار المنتصر دائماً.
3- الاتحاد الاشتراكي، وهم عملاء النظام المصري.
إضافة للبعث والناصريون الذين كان معظمهم من الطلاب وصف الضباط الذين لم يكتمل وعيهم السياسي أو الثقافي.
وبعد انقلابي البعث في العراق وسوريا أصدرت القيادة القومية لحزب البعث البيان التالي: " نريد أن نكون في سوريا والعراق الحزب الحاكم لا حزب الحاكم "( ) ، لكن الحوراني عارض النظام الجديد بقيادة حزبه الجديد ، مما حذا بالنظام إلى اعتقاله واتهامه بالجاسوسية.
وكان أول خلاف نشأ بين البعثيين والناصريين عام 1963 في حكومة صلاح البيطار الأولى، حيث كان الخلاف حول عدد المقاعد في الحكومة، فاندلعت المظاهرات ضد البعث ووصلت إلى القصر الجمهوري فقمعهم الرئيس لؤي الأتاسي( )، خاصة بعد أن أصدرت حكومة صلاح الدين البيطارعام 1963 حكماً على 140 مواطناً سورياً بالحرمان من الحقوق المدنية وال سياسية بتهمة مساهمتهم في انقلاب النحلاوي عام 1961 وأهمهم (عبدالكريم النحلاوي، أكرم الحوراني، معروف الدواليبي، مأمون الكزبري .....)( ) ، وعندما شكل سامي الجندي الحكومة في 10 مايو 1963، حدث الخلاف بن الناصريين والبعثيين على عدد المقاعد فسقطت الحكومة بعد ثلاثة أيام من تشكيلها، فعاد البعث وشكلها من خلال صلاح الدين البيطار، وأبعد عنها كل الناصريين، وشغل فيها أمين الحافظ منصب وزير الداخلية ونائب رئيس الحكومة( )، وكان هذا هو سبب انقلاب جاسم علوان في 18 يوليو 1963 ، والذي أتاح للبعث –بعد فشله- الانفراد في السلطة، ثم حاول البعث استقطاب زياد الحريري لضمه للبعث لكنه رفض، لذلك عملوا على بعثه بمهمة للخارج، وبعد خروجه، عملوا على تصفية مؤيديه، فحينما رجع سرحوه من الجيش، وقد أكد محمود رياض أن هدف قيادة البعث في سوريا والعراق كان الوحدة للتخلص من القوى الوحدوية والسيطرة عل كلا القطرين ( ) ، من خلال اعتمادهم أسلوب التصفية تجاه منافسيهم، وبسبب سياسة البعث بحق انقلابيي 18 يوليو 1963، وتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثين ضابطاً، ندد الرئيس لؤي الأتاسي بذلك، مما حذا بنائبه أمين الحافظ للانقلاب عليه في27 يوليو 1963، وقد تميزت فترة حكم الرئيس أمين الحافظ بالاضطرابات فحدثت صدامات بين طلاب بعثيين وطلاب أكراد في حلب صيف 1964، ثم حدثت صدامات بين طلاب بعثيين وناصريين( )، حيث أصبحت كلمة بعثي في سوريا تعني عند الشعب السوري الوشاة وكتبة التقارير والجلادون والقتلة والخونة والمنافقين والانتهازيين، وأصبح الشعب في عذاب شديد وفقد القدرة على المقاومة بسبب تخوفه من هذا النظام وجبروته، فأي نقد يعني المعاناة والسجن والموت( )، لكن رغم ذلك حدثت مواجهات عديدة بين الشعب والنظام، ففي 7 فبراير 1964 قام طالب بعثي في حماه وكتب على جدار مدرسة عثمان الحوراني" لا حكم إلا للبعث "( )، فشتم طالب آخر البعث وكتب " لا حكم إلا لله "، فاعتقلت السلطات الطالب الآخر، وقام وزير التربية والتعليم شبلي العيسمي بنقل مدرسي الدين من المدرسة، فأضربت المدينة كلها، واشتركت في الإضراب جميع فئات المجتمع، فتدخل الجيش وضرب البيوت والمساجد، وقتل 40 شخص، ولم يتنهي القصف إلا بتدخل الرئيس أمين الحافظ في 16 نوفمبر 1964 وعلى إثر ذلك قال أمين الحافظ: " نحن نقول للمتآمرين ومن خلفهم، ما هي إلا أياماً قليلة حتى نسحقهم ومن معهم، وسيعلم المتآمرون أي منقلب ينقلبون "( ) .
وعلى إثر مشكلة حماه الأولى أعلنت دمشق وحلب وحمص واللاذقية وباقي المدن السورية، الإضراب العام، واستمر الإضراب ثلاثة أيام، فتدخل الحرس القومي بقيادة حمد عبيد وقتل 80 شخصاً في دمشق وحطم أبواب المخازن والحوانيت، وأصدر الرئيس أمين الحافظ خمسة مراسيم في 3 إبريل 1964 فيها الكثير من الظلم والعسف وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية، مما حذا بالجبهة الوطنية الديمقراطية التي تشكلت لمعارضة حزب البعث بعد انقلابه وصرحت بما يلي: " إن حزب البعث قد خلق الفتنة الطائفية في البلاد، واستغل جيشه العقائدي بتهديم الجوامع على المصلين وسحق المواطنين الأشراف الذين كانوا دائماً حرباً على المستعمر"( ) .
كما عمل البعث السوري على رفض الوحدة العراقية السورية عام 1963 بعد التقارب السوري العراقي بحجة أنهم يريدون وحدة كلية لجميع الدول العربية، وكان ذلك وسيلة لتمييع قضية الوحدوية وإذابتها في مهدها، فكان لهم ما أرادوا عندما سقط البعث العراقي نهاية عام 1963( ) ، مما حذا برئيس الحرس القومي العراقي علي صالح السعدي إلى القول:" لقد جاء البعث إلى الحكم بقطار أمريكي"( ) ، فكان قبوله الاعتراف بالكويت وترسيم الحدود معها دليلاً على علاقة ذلك بالولايات المتحدة وبريطانيا، وبما أن حزب البعث من سماته الأساسية التناقض الداخلي فقد انقسم إلى 6 كتل متناقضة كل منها يعادي الآخر بطريقة غير مباشرة خلال حكم الرئيس أمين الحافظ وهذه الكتل هي: ( )
1- تكتل القيادة القومية ويمثلها عفلق والبيطار.
2- تكتل صلاح جديد الطائفي وقد أيده بعض الضباط من الأقليات الدينية مثل أحمد المير وعبدالكريم الجندي.
3- تكتل محمد عمران الطائفي العلوي، ويسعى ظاهرياً للوحدة مع مصر على أساس أنه ناصري.
4- تكتل القيادة القطرية ويمثلها نورالدين الأتاسي، ويوسف زعين، وإبراهيم ماخوس وهي مؤيدة لصلاح جديد الذي يتظاهر بالماركسية لتثبيت الطائفية في الحكم.
5- تكتل سليم حاطوم الطائفي الدرزي، ويمثله حمد عبيد، وفهد الشاعر، ومنصور الأطرش، وشبلي العسيمي.
6- تكتل أمين الحافظ الطائفي السني، لكنه يخضع لقرارات القيادة القومية.
وقد حاولت القيادة القطرية استدراج الرئيس أمين الحافظ إلى صفها، لكنه رفض ذلك، وقد طرد الأمين العام للقيادة القطرية لحزب البعث في سوريا حمود الشوفي، ورئيس الحرس القومي العراقي علي صالح السعدي، من الحزب في المؤتمر القومي السادس، ونعتوا بالرجعية والانتهازية( )، لكن ظل الرئيس أمين الحافظ يخضع لقرارات القيادة القومية، بينما صلاح جديد الذي عين قائداً للأركان بعد فشل انقلاب جاسم علوان، ظل يخضع للقيادة القطرية، وعلى ذلك رأى أمين الحافظ ضرورة عدم خوض أي معركة مع إسرائيل بدون الاستعداد عسكرياً ومادياً لذلك، في ظل عدم التوازن معها، لكن صلاح جديد أخذ يبعث فدائيين تابعين لمنظمة فتح الفلسطينية، للقيام بعمليات داخل إسرائيل، بدون علم الرئيس أمين الحافظ، لكن عند علم الرئيس أمين الحافظ بذلك، حدث الصراع بين القيادة القطرية والقيادة القومية، فحلت القيادة القطرية، وشكل الحكومة صلاح الدين البيطار في 22 ديسمبر 1966 وأخرج منها جميع الموالين للقيادة القطرية المنحلة، التي يؤيدها صلاح جديد وهم ( نور الدين الأتاسي، جميل شيا، فايز الجاسم )، لكن انقسام القيادة القومية على نفسها إلى كتل جعلت قراراتها غير مرنة، وهذه الكتل هي( ):
1- جماعة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار.
2- جماعة أمين الحافظ العسكريين.
3- جماعة إبراهيم ماخوس المتواطيء مع صلاح جديد والقيادة القطرية المنحلة.
وفي 27 ديسمبر عين الرئيس أمين الحافظ ثلاثة في مجلس الرئاسة التي تشكل كبديل عن اللجنة العسكرية وهم شبلي العيسمي وأحمد الخطيب وعبدالفتاح البوشي، ثم أصدر وزير الدفاع محمد عمران، قراراً بتسريح عدداً من الضباط وهم سليم حاطوم، وعزت جديد، وأحمد سويداني، وإقصاء (30) عضواً بمن فيهم أعضاء القيادة القطرية المنحلة، وأصبح مجلس قيادة الثورة، ذو أكثر يمينية ثم صدر مرسوم بتسريح نسبة كبيرة من الضباط اليساريين وإبعادهم للخارج، ثم صدر مرسوم آخر في 21 فبراير 1966 بنفي كل من سليم حاطوم وعزت جديد وأحمد سويداني إلى خارج البلاد، لكن صلاح جديد رفض ذلك على أساس أنهم من مؤيديه، واتفق مع سليم حاطوم على تنفيذ انقلاب 23 فبراير 1966، فضربوا القصر الجمهوري بالمدافع وكان عدد القتلى والجرحى كبيراً، وبالتالي أصبحت القيادة القطرية المنحلة هي نفسها مجلس قيادة الثورة، وعين نورالدين الأتاسي رئيساً له، ورئيساً للجمهورية كما كلف يوسف زعين بتشكيل الحكومة، وأصبح كل من صلاح جديد وعبدالكريم الجندي، ويوسف زعين، وحافظ الأسد، أعضاء في مجلس قيادة الثورة، وأكد النظام الجديد على الإشتراكية العلمية كمنهج اقتصادي سياسي للنظام، كما أعلن الرئيس نور الدين الأتاسي عن حرب شاملة ضد إسرائيل، مما أدى لعمليات انتقامية من جانب إسرائيل( )، رغم أن مقررات الجامعة العربية عام 1964 دعت إلى تجنب أي عمليات عسكرية تجاه إسرائيل، حتى لا تعطى إسرائيل فرصة لشن هجمات انتقامية ضد الدول العربية، لكن نظام الأتاسي الذي يسيره صلاح جديد من وراء الستار، لم يقبل ذلك وصرح بتصريحات عدائية ودعم العمليات الفدائية ضد إسرائيل من خلال سوريا، وهذا ما تم من خلال تصريحات الرئيس نور الدين الأتاسي ورئيس الحكومة يوسف زعين، مثل التصريح الذي أدلى به الرئيس نور الدين الأتاسي قبل حرب يونيو 1967 وقال فيه: "سنطعم الأسطول السادس لأسماك المتوسط"( ) ويؤكد نائب الرئيس حسني الزعيم وهو بهيج كلاس ، أن هذه الاستراتيجية لصلاح جديد كانت بعد أن اتفق وكلاء صلاح جديد مع وكلاء إسرائيل على تسليم الجولان لإسرائيل( )، وبعد هزيمة النظام في حرب يونيو 1967 عاش النظام انهيار قوته العسكرية، وفر القسم الأكبر من الطبقة الحاكمة من دمشق ونقل احتياطي الذهب والعملات الصعبة، ومقر بعض الصحف إلى حلب، وتوزع المسؤولون في الحزب والدولة على بعض المدن السورية بذريعة تنظيم المقاومة الشعبية، وتعبئة الطاقات لحرب شعبية طويلة الأمد، مما أحدث فراغاً في السلطة وأجهزة الأمن( )، مما حذا بالرئيس نور الدين الأتاسي إلى القول عقب الهزيمة:" إن الهدف الأول للعدوان الاستعماري الصهيوني على الوطن العربي هو التصدي لمسيرة الثورة العربية، وإسقاط الأنظمة التقدمية"( ).
وعمل صلاح جديد من وراء الستارعلى جعل زكي الأرسوزي –وهو من نفس طائفته- الأب الروحي للحزب، رغم أنه يتسم بالإلحاد، ويستشهد أحياناً بالإنجيل، ويعيب على كل إنسان متأثر بالقرآن، ويرى الجاهلية مثله الأعلى ويسميها المرحلة العربية الذهبية، إضافة لتأثره بالفرق الباطنية ، وتفضيله الكلام بالفرنسية ووصفه لكل سياسيي وحكام سوريا بالخونة، باعتباره ذو نزعة هدامة للمجتمع( )، وكان قد ترك العمل السياسي منذ عام 1944، رغم أنه من لواء الإسكندرونة إلا أنه أصبح يتدخل في نسيج المجتمع السوري ليحدث شرخاً في المجتمع، فأخذ يشبه الأكراد بالجرذان، وبذلك خالف ميشيل عفلق الذي اعتبر الأكراد من أصول عربية وإن كل من سكن الوطن العربي فهو عربي ( )، رغم أن عفلق أعلن في 11 مارس 1970، أنه يؤيد الأكراد وضرورة إعادة الاعتبار لهم، ورغم تأييد العراق للبيان إلا أن النظام السوري ندد بالبيان، واعتبره لصالح إقامة إسرائيل ثانية على جزءاً من الأرض العربية، وبعد الانقلاب البعثي الثاني في العراق في 17 يوليو 1968، الذي كان من صنع الولايات المتحدة وبريطانيا، باعتبار أن قادة الانقلاب وهم أحمد حسن البكر وصدام حسين وحردان التكريتي كانوا على اتصال مع السفارة الأمريكية للإطاحة بنظام عبدالرحمن عارف، بسبب محاولته إقامة اتفاقيات نفطية مع فرنسا تحد من الامتيازات الأمريكية والبريطانية( ) وبعد ذلك أصبح النظامان السوري والعراقي على عداء تام، حيث أثبتت نظرية الضد النوعي في تجارب الهلال الخصيب، أنها أفضل الأسلحة لمنع الوحدة وإبعاد خطرها، بعد فشل القوى اليمينية والشيوعية في كل من سوريا والعراق لإعاقة الوحدة، بينما نجحت الحركات القومية، كالبعث والقوميون العرب، الذين تسكن في أعماقهم نظرية المؤامرة، وتواطؤ الآخرين المخالفين لهم ضدهم( )، وهذا ما أكده صلاح الدين البيطار عقب انقلاب صلاح جديد في فبراير 1923 بقوله: " لقد تأكد لنا أنه لم يعد هناك ثورة ولا ثورية، بل الجهالة والجاهلية التي تفهم الثورة على أنها قمع الشعب بالدبابات والمدافع والمخابرات والسجون والضرب والإرهاب والتعذيب"( ) ، كما أكد ذلك أيضاً علي صالح السعدي بعد طرده من الحزب في المؤتمر القومي السادس مع حمود الشوفي، بقوله: " لقد انتهى حزب البعث تاريخياً وموضوعياً "( ) ، إضافة إلى محاولات القيادة القطرية في عهد الرئيس أمين الحافظ التآمر على القيادة القومية، فعمل صلاح جديد على اجتذاب أمين الحافظ لصفهم مما حذا بالرئيس أمين الحافظ إلى الرد عليه قائلاً " أرفض أن أكون واجهة إلا للحزب "( ) ، وهذا يؤكد مقولة أن الحزب كان حزباً تآمرياً وأن قياداته كانت مصلحية وغير جديرة بحكم الشعب، وقد انقسم البعث السوري في ظل حكم نور الدين الأتاسي، إلى تيارين بعد هزيمة حرب 1967( )، فكان التيار الأول يميني ويمثله حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع خلال هذه الفترة ، والتيار الثاني كان تيار صلاح جديد، اليساري الماركسي، مع استبدال كلمة البروليتاريا بكلمة القوميون، وحدث الصراع بين التيارين، فرأى الأسد ضرورة التقارب مع السعودية ومصر للحصول على الفوائد الاقتصادية والحماية العسكرية خارجياً، وتحويل السلطة إلى أمنية وعسكرية داخلياً، لكن كان رأي صلاح جديد ضرورة توسيع أجهزة الأمن مع إعداد جيش شعبي يعتمد على الفلاحين والعمال، لكن صلاح جديد رأى أن رأي حافظ الأسد سيؤدي لتصفية الحزب، وسيشكل ضرراً للجيش كما سيحرك الشعب ضدهم، وكان صلاح جديد قد ترك الجيش ليتفرغ للحزب، وهذا ما أدى لزيادة قوة الأسد أمام تيار جديد، أيضاً كان الأسد يرى ضرورة قبول قرار الأمم المتحدة رقم (242) ورفض الحرب الشعبية، وإقامة جبهة من الأحزاب المؤيدة للسلطة، والاعتراف بوجودها ولو نظرياً مع إقامة جبهة من الأحزاب الداعمة للسلطة والاعتراف بوجودها ، مع إقامة هيئة تمثيلية مثل مجلس شعب ، وانتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب من خلال الاستفتاء، وإصدار دستور للبلاد ، والتقارب مع الولايات المتحدة، وأولوية تسليح الجيش على التنمية الداخلية، وأولوية الجيش على الحزب باعتباره حامي للنظام ، بحيث يكون الحزب تابعاً للجيش باعتباره سر وجوده،لكن صلاح جديد رفض القرار 242، ورأى ضرورة معاداة الأنظمة الرجعية العربية بنظره أي الغير اشتراكية، وضرورة الحرب الشعبية، والموافقة على إقامة جبهة وطنية تقدمية بشرط رفض الأحزاب اليمينية أو البرجوازية أو الدينية باعتبارهم يمثلون الرجعية، وأولوية الحزب على الجيش على افتراض أن سبب هزيمة 1967 كان بسبب عزل الحزب عن الجيش والشعب، فرأى ضرورة قيادة الحزب للشعب وللجيش أي للدولة بشكل عام، وليس قيادة الجيش للدولة، وبذلك على حسب رأيه يبتعد النظام عن الديكتاتورية، وبسبب هذا الصراع قام حافظ الأسد بانقلابه الأول الذي أبعد فيه رئيس المكتب الثاني عبدالكريم الجندي، ومن ثم أبعد أحمد المير وكلاهما من جماعة صلاح جديد ومؤيديه، ثم تحالف الأسد مع غرف التجارة والصناعة التي أعلنت وقوفها إلى جانبه بعد أن وعدها بإدخالها في السلطة، كما وعد الشيوعيين بإشراكهم بالسلطة من خلال الجبهة الوطنية التقدمية التي سيقيمها، ووعد الناصريين بتوحيد مصر وسوريا، ووعد الإخوان المسلمين بتحسين علاقاته مع الدول الإسلامية ورجال الدين وإدخالهم في السلطة، ووعد السوفييت والأمريكان بأنه سيقبل بقرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 242 وسينفذها بشكل كامل، وأنه سيلحق المقاومة الفلسطينية بالجيش السوري لكبح جماحها، كما وعد الشعب السوري والمؤسسات الديمقراطية بأنه سيعيد الحريات السياسية والاقتصادية، وسينهي الطائفية، وعلى هذا الأساس قوبل انقلابه في 16 نوفمبر 1970 بتأييد شعبي كبير، خاصة بعد أن اتجه للوحدة مع مصر وليبيا والسودان، وتقربه من الشيوعيين والإخوان المسلمين والبعثيين من مؤيدي القيادة القومية التي يتبعها الرئيس أمين الحافظ، وتقربه من الدول العربية اليمينية، وإنهائه لعزلة سوريا .......الخ، وتعيينه لأحد البعثيين وهو أحمد الخطيب رئيساً للجمهورية من خلال مجلس الشعب ( ) ، لكن هذا لا ينكر أن مقاليد السلطة كانت بيد رئيس الوزراء حافظ الأسد الذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية وأصبح الشخصية الأولى والنهائية في تنفيذ القرار ، وهذا ما أكده وزير الإعلام أحمد اسكندر أحمد بقوله: " إن حافظ الأسد عندما يجتمع مع أعضاء حزب البعث يكون هو الشخصية المسيطرة ويكون القرار النهائي له" ( ).
7- الحزب التعاوني الاشتراكي :
أسسه فيصل العسلي عام 1948 ويهدف إلى الوحدة العربية والإسلامية من خلال تأسيس جيش قوي قادر على ذلك، مع إنشاء المزارع التعاونية، والاهتمام بالتصنيع لرفع المستوى المعاشي للشعب، وتأميم المرافق العامة بما يضمن الفائدة للمالك والدولة بصيانة حق المالك ومصادرة التملك غير المشروع، ومعظم برنامج الحزب مستمد من مبادئ وأهداف الحزب القومي السوري( ).
وقد كان لهذا الحزب دوراً في الحياة السياسية السورية، فقد وجه زعيم الحزب فيصل العسلي ، هجوماً لاذعاً في البرلمان على حسني الزعيم متهماً إياه بالفساد، ونظم حملة لتخفيض رواتب الجيش، مما حذا بحسني الزعيم بعد انقلابه إلى اعتقال فيصل العسلي في سجن المزة، حتى قيام سامي الحناوي بانقلابه، فأطلق سراحه، وقد أيد الحزب الوحدة مع العراق التي دعى إليها حزب الشعب، ونال بعض المقاعد في برلمان 1950، لكن بعد الانقلاب الثاني للشيشكلي 1951، قام باعتقال بعض السياسيين خاصة عام 1953، ومنهم فيصل العسلي، نتيجة معارضته لديكتاتورية الشيشكلي( )، وبعد سقوط الشيشكلي دعى الحزب إلى التقارب مع العراق، لكن أثار ذلك معارضة الحوراني للحزب الذي اتهمه بالفاشية، خاصة أن الحزب اكتسب تأييد الرئيس شكري القوتلي له، وقد نال في انتخابات 1954 مقعدين في البرلمان، أي ضعفي مقاعد الحزب الشيوعي، وهذا يدل على أنه كان ذو تأييد شعبي أكثر بكثير من الحزب الشيوعي، لكن حل الأحزاب بنتيجة الوحدة مع مصر في أعقاب انقلاب عفيف البرزي عام 1958، جعل أعضاء الحزب تتفرق عنه، بعد حله، حتى أنه بعد الانفصال على إثر انقلاب النحلاوي عام 1961، لم يحصل على مقاعد في البرلمان الجديد عام 1961 وانتهى بشكل نهائي في أعقاب قرار مجلس قيادة الثورة بقيادة الرئيس لؤي الأتاسي، بحل جميع الأحزاب السياسية، وبذلك انتهى الحزب وابتعد عن الساحة السياسية، عام 1963.
فتأثير هذا الحزب كان ضعيفاً في إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا، باستثناء فترة ما قبل انقلاب حسني الزعيم.

8- حركة التحرير العربي:
أسسها الرئيس أديب الشيشكلي ليحكم من خلالها، متخذاً منها سنداً شعبياً لحكمه بعد أن حل جمع الأحزاب في 6 إبريل 1952 في سوريا، وقد نادت بوحدة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، مع احترام حق الملكة الفردية وحق الدولة في تأميم ما تريد عند الضرورة، وضرورة الإصلاح الزراعي من خلال التعاونيات الزراعية مع التعويض العادل، وإتباع استراتيجية الضرائب التصاعدية، وفيما يخص السياسة الخارجية رأت أن تكون المصلحة السورية فوق كل اعتبار مع العمل على تحرير الشعوب العربية، ونبذ كل أشكال الاستعمار، والعمل على تحقيق السلام في العالم( ) ، وقد قال عنها الرئيس أديب الششكلي : " إن حركة التحرير العربي ليست حزباً جديداً يضاف إلى قائمة الأحزاب القديمة ليشوش الأمة، ويجزأ قواها، إنه محاولة صادقة مخلصة لجميع العناصر الطيبة من جميع الأحزاب، والطبقات لصهرهم في قالب واحد قوي، قادر كلياً على استعادة ثقة الأمة، وإعطاء البلد صوتاً يصغى إليه ويحترم"( ) ، ويلاحظ أنها استمدت معظم أفكارها من أفكار الحزب القومي السوري كون أديب الشيشكلي كان عضواً في الحزب القومي السوري، وقد سيطرت على البرلمان الذي شكله الشيشكلي فكانت أغلبية المقاعد من نصيبها بينما لم يمنح الحزب القومي السوري سوى مقعداً واحداً، لكن رغم ذلك ظل الشيشكلي موالياً للحزب القومي السوري، وكان أحد قادة الحزب وهو عصام المحايري من مرافقي الشيشكلي، وقد وعده بأن يجعل من سوريا بروسيا العرب وقلعتهم الفولاذية، التي ستنطلق منها شعلة الحرية لكل أنحاء الوطن العربي، وقد حدثت صدامات بينها وبين حزب البعث الذي أخذ يضرب مكاتبه بالقنابل والمفرقعات إبان حكم الشيشكلي، كما حدثت اشتباكات عديدة بين جماعة الحوراني وأعضاء من حركة التحرير، خلال هذه الفترة، لكن بعد سقوط حكم الشيشكلي عام 1954، سقطت معه هذه الحركة.
وسادت أعضاء هذه الجماعة الكثير من الاضطرابات، بعد الانقسامات التي حدثت في صفوف حكومة صبري العسلي عام 1954، حيث طالبتهم الحكومة برد الرواتب التي تقاضوها خلال فترة حكم الشيشكلي، مما حذا بهؤلاء الأعضاء على تشكيل حركة التحرير مرة أخرى، والضغط على الحكومة، مما كان لذلك أثراً على سقوط الحكومة في يوليو 1954، وبعد ذلك نشأت صدامات بين أعضاء حركة التحرير وأعضاء حزب البعث ( ) في معرة النعمان عام 1954، بنتيجة إثارة حزب البعث للاضطرابات بين عمال النسيج، وقد اعتقل على إثر ذلك 35 شخصاً من الطرفين ، وبعد سقوط الحكم الديمقراطي عقب انقلاب عفيف البرزي عام 1958 حلت حركة التحرير مع باقي الأحزاب، ولم ترجع بعد سقوط حكم الوحدة عام 1961، وبذلك انتهى دورها على الساحة السياسية قبل غيرها( ).
كانت تلك هي الأحزاب الرئيسية التي كان لها تأثيرها على عدم الاستقرار السياسي خلا مدة الدراسة، لكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أحزاب غيرها بل كانت هناك بعض الأحزاب الصغيرة التي لم يكن لها أي دور في المسرح السياسي، أو كانت أحزاباً مرحلية نشأت وفق ظروف معينة وانتهت بانتهاء هذه الظروف.

















الفصل الثاني
العوامل الخارجية المؤدية
لعدم الاستقرار السياسي
المبحث الأول
تدخلات المعسكر الراسمالي
( الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا )
(1) الولايات المتحدة الأمريكية:
بدأ تدخل الولايات المتحدة في سوريا، كأول منطقة في الشرق الأوسط بدأتها تدخلاتها، وكان ذلك سنة 1865 ، لكنها إقتصرت على إرسال البعثات العلمية الإنجيلية وفتح المدارس في جبال العلويين، بدون أخذ أي مقابل من السكان ، ورغم ما أصاب مدرسي هذه البعثات على يد بعض المسلحين إلا أنها استمرت في فتحه( )ا، وبعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى التي بدأت عام 1914 وإنتهائها بانتصار الحلفاء، قررت عصبة الأمم الانتداب على منطقة الهلال الخصيب التي قسمت وفق إتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا، وقد بعثت عصبة الأمم لجنة أمريكية سميت لجنة كراين عام 1920 للتعرف على رغبات السكان، على أساس اختيارهم للدولة المنتدبة التي يفضلونها على غيرها، وقد رأى معظم السكان أن يكون الاستقلال النهائي مع رفض إتفاقية سايكس بيكو، وإذا لم يكن هناك بد من الانتداب، فتفضيل الولايات المتحدة على غيرها من الدول باعتبارها صاحبة رسالة في العالم تستند دوافعها على وحدانية البشر وريادة دورها العالمي، ولها تجارب في ذلك، فقد استقلت عن بريطانيا ووحدت أراضيها، وتقدمت في جميع العلوم، وأصبحت من أغنى دول العالم, فعشية الحرب العالمية الأولى كان دخلها يساوي دخل بقية دول العالم مجتمعة، لكن كان دخول الفرنسيين دمشق إثر معركة ميسلون، وقضائهم على استقلال سوريا، وإبعادهم الملك فيصل عن سوريا، له أثره في نفسية الشعب السوري الذي كان يرى تدخل الولايات المتحدة بعد أن أعلن الرئيس ولسون مبادئه الأربعة عشر( ).

ولدى دخول الولايات المتحدة الحرب ضد المحور، أيد الكثير من السياسيين ومنهم الرئيس شكري القوتلي الحرب على المحور، بل وأعلن الرئيس شكري الحرب على المحور عام 1945 عن سوريا ولبنان، وكان هذا الإعلان سبباً في دخولها مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945، والمشاركة في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، حيث أيدت الولايات المتحدة خروج القوات البريطانية والفرنسية عن سوريا، مما كان له تأثيراً إيجابياً على الشعب السوري تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد خروج القوات الأجنبية عن سوريا في إبريل 1946، رفض الرئيس شكري القوتلي إتفاقية التابلاين وهي عبارة عن شركة الأنابيب البترولية المارة من السعودية إلى البحر المتوسط عبر سوريا، وتتبع شركة أرامكو، الأمريكية السعودية، كما رفض قرار الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل الذي أصدرته الأمم المتحدة، وسلك مسلكاً متشدداً تجاه إسرائيل برفضه إجراء أية تسوية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، وطالب بلواء الإسكندرونة( )، وفي نفس هذا الوقت كانت نظرة الولايات المتحدة بقيادة الرئيس هاري ترومان، إلى سوريا، داخل إطار استراتيجتها الإقليمية، بوصفها تمثل قلب الشرق الأوسط، وخطوط البترول المارة بها، وطرقها الجوية الإستراتيجية، وضخامة كمية النفط والغاز فيها( ) إضافة للموارد الأخرى. وأهمية الإحتكارات الأمريكية فيها، ودورها الرئيسي في الأزمات السياسية بسبب موقعها كمدخل لشرق المتوسط، ونشاطها الكبير حكومة وشعباً في الشؤون السياسية والثقافية للعالم العربي، فكانت المشكلات التي نتجت عن إحتلال فلسطين، مثل مشكلات ترسيم الحدود، وموقفها من اللاجئين فيها منذ عام 1947، فكان الهدف من هذا التدخل هو تنصيب ديكتاتور أطلقت عليه ديكتاتور جمهورية الموز، وسمة هذا الديكتاتور هي عدائه للشيوعية، ورغبته بالسلام مع إسرائيل، ويحقق مصالحها الاقتصادية، وكان حسني الزعيم هو الرجل المطلوب لذلك ، فعمل على ما يلي:

• عقد إتفاقية الهدنة مع إسرائيل.
• قبل المساعدات الأمريكية والتي رفضها نظام شكري القوتلي.
• حسن العلاقات مع تركيا حليفة الغرب.
• عمل على تحطيم الشيوعية والقوى اليسارية في سوريا.
• صدق على إمتياز شركة أرامكو القاضي بأن تقوم شركة التايلاين بنقل النفط السعودي إلى البحر المتوسط.

وهذا ما أكده مسؤول المخابرات الأمريكية السي أي إيه في دمشق في كتابه لعبة الأمم بقوله: " إنتهينا إلى نتيجتين بخصوص سوريا، فهي مقبلة إما على ثورة دموية مسلحة يقودها الانتهازيون الإشتراكيون، أو حركة عسكرية بدعم سري منا ..... وبالطبع كنا مع خيارنا..... كان انقلاب الزعيم من إعدادنا وتنظيمنا ..... وقد حافظ الانقلاب كما رسمنا له، على صيغة سورية بحتة أمام الجميع "( ) ، وبالفعل قامت المخابرات الأمريكية بالتخطيط لهذا الانقلاب في السفارة الأمريكية في دمشق، وتحت توجيهها، ثم قتلته بواسطة سامي الحناوي بعد أن تمرد على أوامرها، كما كان حسني الزعيم على علاقة جيدة مع الملحق العسكري الأمريكي قبيل الانقلاب، وعشية الانقلاب طاف حسني الزعيم مع السفير الأمريكي في شوارع دمشق على متن سيارة مكشوفة، إضافة لعلاقته بالسي أي إيه، وقد برر مايلز كوبلاند هذا الانقلاب بأنه كان ضرورياً من أجل الديمقراطية في سوريا بحيث تكون مبنية على الإرادة الشعبية، وإلا فإن فوضى ثورة شعبية قد تطيح بالنظام الحاكم، وتنشيء ديكتاتورية قاسية( )، لذلك كانت الولايات المتحدة وحلفائها فرنسا وبريطانيا قد قرروا عدم بيع السلاح لسوريا قبيل حرب 1948، لإدراكهم ما سيؤول إليه تردى أداء الجيش السوري على نفسية الشعب السوري الذي يعتبر أن جيشه قادر على توحيد أجزاء الوطن السوري( ).

كما استفادت الولايات المتحدة وحلفاءها بجعل حسني الزعيم يخون زعيم الحزب القومي السوري أنطون سعادة، بسبب أيديولوجية هذا الحزب التي رأتها ستزعزع الحكومات الموالية لها مثل حكومة رياض الصلح في لبنان، والحكومات التركية والمصرية والإسرائيلية، باعتبارها ترفض إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وضم لواء الاسكندرونة إلى تركيا، وسيناء إلى مصر، ومن الممكن تقبلها من قبل الشعب السوري باعتبارها تمثل طبيعته وخصوصيته، إضافة لعمليتها ومنطقيتها وواقعيتها بالنسبة للكثيرين ( )، خاصة بعد أن روَّج الحزب القومي السوري بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن خلق دولة إسرائيل. بالرغم من أن المساعدات السوفياتية إضافة للدول الشيوعية كان أكبر من مساعدة الغرب لإنشاء هذه الدولة.
ولم يثبت أي علاقة للولايات المتحدة في انقلاب سامي الحناوي، بل على العكس عملت على استخدام عملائها لإيقاف نهجه باعتباره مؤيداً لمشروع الهلال الخصيب، وتسخيره الجيش لتحقيق هذا المطلب الشعبي، بعد فوز حزب الشعب بأغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية، وهذا ما أكده وزير خارجية الولايات المتحدة (دين أشيسون) ( ) ، خاصة أن الشيشكلي كان على علاقة بـ مايلز كوبلاند، فكان انقلابه الأول في مصلحة الولايات المتحدة بعد أن نشط اليسار في مقاومة مشروع التابلاين واعتباره مشروع إمبريالي ( ) ، كما كان الشيشكلي قد أكد إستعداده لقبول السلام مع إسرائيل، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والتفاوض لإجراء إتفاقية دفاع مشترك مع تركيا، والسعي للتوصل إلى إتفاقية مع الولايات المتحدة، بشأن المساعدات العسكرية، بعد أن رفض الرئيس هاشم الأتاسي مشروع النقطة الرابعة الذي أطلقه الرئيس هاري ترومان ومفاده: "إمداد الدول الأقل نمواً بالمساعدات التكنولوجية، والعسكرية وفي إطار دعم هذه الدول وتقويتها اقتصادياً، لتتمكن من مواجهة واستئصال النفوذ السوفياتي الشيوعي"( ) ، إضافة لرفض نظام هاشم الأتاسي الإشتراك في مشروع القيادة الشرق أوسطية التي لمحت إليه الدول الغربية، ومما يدل على علاقة الولايات المتحدة بانقلاب الشيشكلي أن أول حكومة بعد انقلابه وهي حكومة خالد العظم قامت بحملة اعتقالات واسعة للشيوعيين بعد قيامهم بمظاهرات إحتجاجاً على التدخل الأمريكي في كوريا عام 1950( ). كما أن الولايات المتحدة قد أصدرت في 29 مايو 1990، بالإتفاق مع بريطانيا وفرنسا الإعلان الثلاثي الذي تضمن تعهد هذه الدول الثلاثة بتأمين الوجود الإسرائيلي، وبتحقيق التوازن في سباق التسلح بين الدول العربية من جهة، وإسرائيل من الجهة المقابلة، والتعهد بالتصدي لأي محاولة لتعديل الوضع القائم / تعديل إتفاقية سايكس بيكو/ أو تغيير في الحدود التي أرستها إتفاقية الهدنة بين العرب وإسرائيل عام 1949، وقد زاد أعداد رجال السفارة الأمريكية في دمشق عقب الانقلاب الأول للشيشكلي، كما زاد عدد رجال الأعمال الأمريكيين في سوريا، ووقعت سوريا عدداً من الإتفاقيات التجارية مع الشركات الأمريكية مثل شركة باكتيل، وشركة نفط العراق البريطانية...، خاصة وأن الحكومات التي تشكلت خلال هذه الفترة كلها يمينية إضافة للرئيس هاشم الأتاسي ذي النزعة اليمينية( ).
وعندما شكل معروف الدواليبي في نوفمبر 1951 حكومة أعلنت أنها ستتبنى الحياد، وستشتري السلاح من الدول الشيوعية لكسر الاحتكار الغربي، ومعارضة تدخل الجيش في السياسة، وأن رئيس الوزراء نفسه سيتولى وزارة الدفاع إضافة لرئاسة الحكومة، ونادت بالإصلاحات الإشتراكية، كما رفضت المساعدات الأمريكية المشروطة بتوطين مليون فلسطيني في سوريا، وتفضيلها للسوفييت على الأمريكان إن تعلق الأمر بمسألة اللاجئين وبالتنازلات لإسرائيل، وهذا أدى إلى استياء الولايات المتحدة التي وصفت رئيس الحكومة بأنه أكبر زعيم عربي معاد للأمريكان، ولهذا السبب كان تأييدها لأديب الشيشكلي في انقلابه بعد 24 ساعة من تشكيل حكومة الدواليبي، حيث اتهم الشيشكلي حزب الشعب بالعمل لبيع سوريا وتخريب جيشها وإعادة الملكية، وسلم الشيشكلي السلطتين التشريعية والتنفيذية للزعيم فوزي سلو، على أن يساعده الأمناء العامون بدلاً من الوزراء( ) ، وبعد برهة من الزمن رشح نفسه للرئاسة ، وفق استفتاء في 9 يوليو 1953 وفاز في 11 يوليو 1953. وكان أول المهنئين له السفير الأمريكي في دمشق، ثم قام الشيشكلي بإجراء انتخابات في
9 أكتوبر 1953 فازت فيها /حركة التحرير/ بمعظم مقاعد البرلمان، أي بـ 72 مقعد من أصل 82 مقعد، ومقعد واحد فقط للحزب القومي السوري، وتسعة للمستقلين( )، وكان ابتعاد الشيشكلي عن الغرب بعد تسلمه مقاليد الحكم، خاصة عندما عقد في 24 مايو 1953 معاهدة مع نظام محمد مصدق الإيراني القومي، وأعلن تضامنه مع إيران ضد مخططات الغرب، ومناهضة حركة التحرير التي أنشأها للغرب، واشتراطه على التعاون مع الغرب من خلال أسس عادلة، ورفضه لمشروع النقطة الرابعة، ومطالبته بزيادة المخصصات المقدمة لسوريا من شركة البترول العراقية البريطانية التي تمر أنابيبها عبر سوريا، إلى نسبة 45 بالمائة من الأرباح، واعتباره أن المساعدات الأمريكية المقدمة لسوريا غير كافية، ورفضه لمشروع الدفاع الشرق أوسطي. وتهديده لإسرائيل بإلقائها بالبحر في ظل تأسيسه لجيش قوي متقدم على أحسن طراز، وإصراره على أن تحل الولايات المتحدة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مع ضرورة تدويل القدس، وترسيم الحدود، وجعل نصف الميزانية السورية تصرف على الجيش السوري، وتصاعد القرارات المناهضة للغرب وللصهيونية في عهده، ومعاداة الأحزاب له، وإصابته بجنون العظمة بعد أن جعل الاقتصاد السوري أحسن اقتصاديات الشرق الأوسط، كل هذه الأشياء قللت من إعتمادها عليه ومهدت السبيل لسقوطه في 25 فبراير 1954( ).
وبعد سقوطه ازداد النشاط الشيوعي في سوريا، لذلك قررت الولايات المتحدة تنفيذ نظرية دلاس على سوريا، تلك النظرية التي تتعلق بمفهوم الحزام الإستراتيجي الجنوبي ومؤداه : " فصل مسؤولية الدفاع الإقليمي عن مسألة الصراع الإسرائيلي أو الصراعات العربية العربية، من خلال مفهوم الردع الشامل عبر قواعد إقليمية هامة، يشن منها الهجوم على مراكز القوة السوفياتية مع التعاون مع القواعد الإقليمية ضد هذه القواعد"( )
، مما حذا بالقواعد اليسارية والشيوعية إلى زيادة نفوذها من خلال إدعائها بأن الولايات المتحدة تدعم اليمين المحافظ الممثل بحزب الشعب ذي الأغلبية البرلمانية، وتشويه صورته وصورةالحزب الوطني، خاصة بعد سقوط نظام محمد مصدق في إيران عام 1953 ومقتله على يد الانقلابيين، من خلال الجنرال زاهيدي، إضافة إلى انقلاب غواتمالا، وكلا الانقلابين، إيران وغواتمالا كانا بفعل المخابرات الأمريكية، وهذا أدى لزيادة قوة اليسار في المؤسسات السورية وخاصة المؤسسة العسكرية رغم أن اليمين ظل صاحب الشارع وصاحب الأغلبية في كل شيء يتعلق بالحياه السياسية السورية، لكن هذه الأغلبية ظلت أغلبية مجزأة غير منتظمة بعكس المعارضة اليسارية التي تتسم بالدقة والتنظيم الجيد( )، لذلك عملت الولايات المتحدة على الدخول في بعض المؤامرات الانقلابية تمهيداً لجر سوريا إلى الوحدة مع مصر، كون مصر مخترقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وتكون فائدة الولايات المتحدة من ذلك ابتعاد سوريا عن العراق أولاً والشيوعية ثانياً، لذلك عملت على اللعب بعدة أوراق فكانت تلعب مع المعارضة اليمينية من جهة، وتلعب مع القوى اليسارية القومية من جهة أخرى، وما يؤكد ذلك أن جميع محاولاتها الانقلابية سواءاً التي دخلت فيها بمفردها أو مع دول أخرى لاسقاط النظام، وإقامة حكم موال لها بشكل ظاهري وواضح، بائت بالفشل، كما أن الوحدة بين سوريا ومصر، حققت لها القضاء على الشيوعية في الدول المجاورة لسوريا، إضافة لسوريا نفسها، لذلك عملت الولايات المتحدة على تأكيد الدور المصري المعادي لبريطانيا وفرنسا في المنطقة، كما ضغطت اقتصادياً وتموينياً (النفط) على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لوقف العدوان الثلاثي على مصر في أغسطس 1956 ( ) وأكد على دورها في ذلك الرئيس جمال عبدالناصر بقوله: " إن الولايات المتحدة تبقى الصديق الوحيد لمصر بعد اشتراك فرنسا وبريطانيا في العدوان "( ) ، خاصة أن الولايات المتحدة كان لها الدور الأكبر في سقوط عرش الملك فاروق، وأن السفير الأمريكي هو الذي نصح الملك فاروق بالاستسلام على أساس تخوفه أن يسقط الحكم المصري بيد الإخوان المسلمين أو الشيوعيين، وما كان من علاقة لبعض أعضاء قيادة الثورة المصرية مع الولايات المتحدة ويعملون جواسيس لها مثل علي صبري وسامي شرف وغيرهما ( ).
ج

ومما أثار اليسار السوري أن الولايات المتحدة بعثت إلى سوريا في يونيو 1954 برئيس المخابرات العسكرية الأمريكية الجنرال تروده، مما حذا باليسار إلى المطالبة بتغيير وزير الدفاع معروف الدواليبي والضغط على الرئيس هاشم الأتاسي لرفض المساعدات الأجنبية، وضرورة رفع المستوى المعيشي، وتحقيق إصلاحات ديموقراطية، ويبرز التناقض في هذه الآراء أنه لا يمكن رفع المستوى المعيشي إن لم تقبل المساعدات الأمريكية، وهنا يتبين دور اليسار في تحقيق الإستراتيجية الأمريكية بشكل غير مباشر، وبالفعل أدى ذلك لسقوط الحكومة في يونيو 1954، فكانت بعض المحاولات الانقلابية التي تدخلت فيها الولايات المتحدة وأفشلتها في نفس الوقت، باعتبار أن عندها عملاء في الطرفين، /المعارضة والحكومة/، في نفس الوقت، بالرغم من دعوة السفير الأمريكي في دمشق على الدوام، بوضع حد للنشاط الشيوعي في سوريا، الذي كان يؤيده اليسار القومي بشكل ظاهري ( ) ، ومن أهم هذه المحاولات، خطة ألفا وتسمى أحياناً عملية التيه أو عملية الانتشار( )، وكانت عام 1956 حيث اجتمعت لجنة أمريكية بريطانية عراقية، لتدارس مخطط انقلاب عسكري، فقدمت الولايات المتحدة قسماً من الأسلحة للمتآمرين، كما قدم العراق قسماً آخر، إضافة إلى بعض الأموال، والرشاوي لبعض السياسيين، كما صرف زعيم الحزب الوطني في حلب ميخائيل إليان معظم ثروته لإنجاح الخطة التي ستكون نتائجها وحدة العراق وسوريا، وفي أكتوبر 1956 حشد العراق قسماً من قواته على الحدود الأردنية السورية بهدف دعم الانقلابيين، لكن كشفت المؤامرة نهاية 1956، خاصة أن من بين المتآمرين كان محمد معروف وله علاقة قوية بالسي أي إيه وكان يقود تكتلاً طائفياً في الجيش( )، إضافة إلى أن غسان جديد الذي كان يقود تكتلاً عسكرياً طائفياً في الجيش، وهرب إلى لبنان بعد تورطه في قتل عدنان المالكي، حيث طرد من الحزب القومي السوري، بعد ضلوعه في هذه المؤامرة، كما أشارت صحيفة المنار التابعة لحزب الإخوان المسلمين في الحادي عشر من إبريل من عام 1957، أن الحوراني وعفلق اجتمعا بالسفير الأمريكي لمدة ساعة، وهذا يثبت أن للولايات المتحدة عملاء في كلا الطرفين، المعارضة والحكومة، وبعد فشل الخطة السابقة وازدياد المد الشيوعي إثرها، أعلن آلن دلاس رئيس المخابرات المركزية الأمريكية السي أي إيه، أنه لا توجد قيادة حقيقية في سوريا، وعلى الولايات المتحدة أن تبدأ بخطة أخرى، فكانت خطة أوين التي اشترك فيها الشيشكلي، وإبراهيم الحسيني الذي كان ملحقاً عسكرياً في إيطاليا، عام 1957، لكن كشفت الخطة أيضاً، وعلى إثر فشلها وتورط مسؤولين في السفارة الأمريكية فيها، أعلنت الحكومة السورية أن هوارد ستون ( مسؤول السي أي إيه في السفارة الأمريكية، وخبير انقلابات عسكرية، باعتباره نفذ عدداً من الانقلابات العسكرية وآخرها انقلاب زاهيدي ضد محمد مصدق في إيران)، شخصاً غير مرغوب فيه، إضافة إلى فرانك جيتون وهو مستشار السفير الأمريكي، ووضع الملحق العسكري الأمريكي بدمشق روبرت مالوري تحت المراقبة الشديدة، فردت الولايات المتحدة بطرد السفير السوري من واشنطن، ويرى الباحث أن هذه الإجراءات الروتينية غير مهمة مادامت الإستراتيجية الأمريكية تتحقق بشكل صحيح ومفيد بالنسبة لها ( ).
وفي يناير 1957، أعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور، عن مشروعه الذي سمي بمشروع أيزنهاور، والذي إتهم فيه الإتحاد السوفياتي برغبته في السيطرة على العالم من خلال نشره للشيوعية، وإن محور إهتمامه في الشرق الأوسط لهذا الغرض، كما رأى وزير خارجيته جون فوستر دلاس أن الولايات المتحدة تنظر إلى الدول المتخلفة، على أنها غير قادرة على المجابهة أمام الدول الكبرى، وأنها لابد أن تقع في شرك الشيوعية السوفياتية، وأنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تتدخل لتضمن استقلال هذه الدول، وعلى هذا الأساس خول الكونجرس الأمريكي، الرئيس أيزنهاور إقامة نظام دفاعي من خلال بعض الدول الشرق أوسطية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لوقف المد السوفياتي الذي يتهددها، وقد اشتركت عدة دول فيه أهمها العراق، وتركيا، ولبنان، فأرسلت الولايات المتحدة سكرتير وزير خارجيتها لوي هندرسون، إلى تركيا، وقابل كل من رئيس الحكومة التركية عدنان مندريس وملك العراق فيصل الصغير، وملك الأردن، حسين بن طلال، في أغسطس 1997، ثم قابل، رئيس لبنان كميل شمعون، بعد ذلك صرح هندرسون قائلاً:"إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم الدعم الملائم لجيران سوريا المسلمين في حالة تعرضهم للإنتهاكات السورية "( ) ، وبما أن السي أي إيه مخترقة لمجلس قيادة الثورة المصرية، كما يؤكد ذلك مايلز كوبلاند، فقد تدخلت مصر وأعلنت شجبها للتدخل الأمريكي في الشئون العربية، وإن ما ستقدمه من مساعدات هو عبارة عن رشوة للأقطار المشتركة معها في الحرب الباردة لتقويض القومية العربية، رغم أن مصر نفسها كانت منذ انقلاب محمد نجيب وحتى تاريخ كتابة هذه السطور تتلقى المساعدات الأمريكية، وبسبب هذه السياسة المصرية تجاه مشروع أيزنهاور، توترت العلاقات المصرية العراقية، باعتبار أن العراق ولبنان أيدا المشروع، وكانت مصر قد تكفلت بالقضاء على المد الشيوعي في سوريا والعراق، وهذا أفسح المجال لها لتلقي المساعدات الأمريكية حيث منحتها الولايات المتحدة قرضاً من خلال صندوق النقد الدولي، لبناء السد العالي، ومن المعلوم أن هذه المساعدات تقع ضمن الإستراتيجية الأمريكية التي تقول: " إننا نستخدم برامجنا الاقتصادية والعسكرية، لدعم القائمين فعلاً أو نأتي بالنظام الذي يقدم وعداً بدعمنا"( ) ، لذلك ركزت الولايات المتحدة على دعم دور الزعيم الفرد الموالي لها باعتباره أقدر على معالجة الآثار المحلية والإقليمية المترتبة على سياسته، وحين يسقط هذا الزعيم فإن الولايات المتحدة، تركب موجه السخط النابعة من الشعب ضد نظام الحكم السابق، فكان استراتيجية الولايات المتحدة لإيقاف المد الشيوعي في سوريا، إضافة لإستراتيجياتها السالفة الذكر، بشن حرب سرية بالوكالة من خلال مؤيدي وعملاء حلفائها مثل أكرم الحوراني وعبدالحميد السراج وعفيف البرزي، وما يدل على ذلك، أنه عندما زار الصحفي الأمريكي، جوزيف ألسوب، سوريا في مايو عام 1956، تنبأ بأن عبدالحميد السراج سيكون الديكتاتور العسكري الجديد لسوريا، وستخضع السلطة السياسية في سوريا للزعامة السياسية المصرية، وأموال الرشاوي السعودية، وموهبة التنظيم الشيوعية، وقد تحققق حدثه بالفعل( ).


وقد دعت بريطانيا لإقامة حلف بغداد عام 1955 لسببين هما:
1- كونه سيكون سلاح عسكري ضد الإتحاد السوفياتي.
2- أداة سياسية للقوة البريطانية والعراقية في العالم العربي، بعد أن فقدت بريطانيا مصر في أعقاب حركة محمد نجيب في 23 يوليو 1952.

لكن الولايات المتحدة عارضت هذا الحلف بشكل خفي، بسبب رغبتها في أن تحل محلها ومحل فرنسا في الشرق الأوسط والعالم بشكل عام، وقد أدركت بريطانيا ذلك ولكنها آمنت بعدم قدرتها على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، فآثرت الانصياع وراءها، وكانت الولايات المتحدة، ضمن إستراتيجتها لتقويض الحلف، أن دخلت في اللجنة العسكرية لهذا الحلف في مارس 1957، حيث بدت وكأنها تريد مهاجمة سوريا، على أساس أن هذا الإنضمام يتيح لها بالإتفاق مع دول الحلف على مهاجمة سوريا، بحجة أنها تهدد أمن المنطقة، خاصة بعد أن اقترب الأسطول السادس من الشواطيء السورية، وتمركز قوات تركية على الحدود السورية، لكن كل ذلك كان لجعل سوريا تقترب من مصر وتبتعد عن العراق تمهيداً، لتحطيمها والسيطرة عليها، وإدخالها ضمن متطلبات السوق الرأسمالية العالمية الذي تقوده الولايات المتحدة، لأنه لا فائدة للولايات المتحدة بالتدخل العسكري في سوريا، باعتبار أن ذلك سيفسح المجال لزيادة التدخل البريطاني في المنطقة، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة، التي ترغب بالانفراد بالسيطرة، وتقويض أي قوى منافسة لها في المنطقة، إضافة لما سببه هذا الحلف من عدم استقرار حكومي في سوريا منذ قيامه عام 1954 وحتى الوحدة مع مصر عام 1958، لكن هذا لا يعني أن هذا الحلف هو وحده التي أثار تدخل الولايات المتحدة في سوريا، لأن تدخلها ازداد أكثر مع سقوط الشيشكلي منذ عام 1954، خاصة عندما قبلت سوريا بالصين لتشارك في معرض دمشق الدولي، حيث إحتجت الولايات المتحدة على قبول سوريا لمشاركة الصين الشعبية، باعتبارها لا تعترف بها في ذلك الوقت، فكان هذا الإحتجاج قد أثار مشاعر الشعب السوري الذي طالب بطرد السفير الأمريكي من دمشق( )، أيضاً كان رفض الحكومات السورية المتعاقبة لمبدأ أيزنهاور ، فقامت البضائع الأمريكية بمضاربة البضائع السورية في أوربا، وفسخت المصانع التركية والعراقية المعتمدة على القطن السوري عقودها مع سوريا، كما قاطعت معظم الدول المرتبطة بالولايات المتحدة، معرض دمشق الدولي، وأعلنت شركة نفط العراق الإنكلوأمريكية، تقليص إنتاجها، ووقف العمل في بناء أكبر خطوط النفط عبرها، وطردت آلاف العمال السوريين، كما رفض البنك الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة وحلفاءها، القروض إلى سوريا أو التعامل معها( )، فكان كبح جماح الوحش اليساري الذي صنعته الولايات المتحدة من خلال ما يسمى بالأحزاب القومية العربية، خاصة حزب البعث، من خلال سيطرة الولايات المتحدة على الدولة ذاتها من خلال النظام المصري المخترق من قبلها، وما يؤكد ذلك أنه في نهاية عام 1957 زار الموفد الأمريكي نورمان توماس سوريا، والتقى بالحوراني، قائلاً إنه: إتفق مع عبدالناصر، على حل مشكلة تزايد السكان في مصر، وإن الهلال الخصيب يواجه مشكلة نقص السكان، وقد أيد الحوراني هذا الرأى على أساس أنه سيزيد من فرص التنمية في سوريا باستيطان أعداد كبيرة من المصريين في سوريا، وكان لهذا الموفد الدور الأول في استئناف المساعدات والقروض الأمريكية لمصر، بعد لقائه بعبد الناصر، كما أن هذا الموفد قد أيد الوحدة المصرية السورية، وكان قد زار مع مرافقيه مكتب حزب البعث في دمشق وألقى محاضرة ، وكان لإستراتيجيتها (مصر) هذه النجاح،بعد التخلص من القوى اليمينية التي لا تواكب سياستها أو تجميدها وتعطيل حركتها من خلال الإستراتيجيات التي اتبعها حزب البعث ضد كلا الحزبين الرئيسيين الشعب والوطني، بإثارته للفتن داخلهما، كما تبين في الفصل السابق( ) ، أما دور الولايات المتحدة في التخلص من الحزب القومي السوري، وهو أخطر الأحزاب اليمينية، المعارضة لسياستها، فكان بسبب الشرارة التي أوقدها زعيم الحزب القومي السوري جورج عبدالمسيح، برفضه لجميع العروض التي عرضها عليه الموفد الأمريكي باراكس عام 1953، ثم رفض قيادة الحزب عام 1955 لأي تعاون مع الولايات المتحدة ، مما حذا بالمحلق العسكري الأمريكي بدمشق (ستيفنس)أن يخطط للقضاء على الحزب القومي السوري بمساعدة السفير المصري محمود رياض، ورئيس المكتب الثاني عبدالحميد السراج، وقائد الأركان شوكت شقير المهدد بالتسريح من قيادة الأركان باعتبار أن عدنان المالكي البديل الأفضل، فاستغلوا التوتر بين المالكي وبعض أعضاء الحزب المندسين فيه لتقويضه، وخاصة مجموعة غسان جديد، الذين نفذوا جريمتهم، فكانت الفائدة لشقير والسراج ومحمود رياض والبعث هو التخلص من المالكي، وتخلصت المخابرات الأمريكية من الحزب القومي السوري، في سوريا( ) ، ، وكون الحزب القومي السوري يهدد وجود الطائفية التي كان يؤمنبها غسان جديد التي يؤمنون بها بشكل مطلق، ، ثم عملت الولايات المتحدة على التخلص من باقي القوى اليمينية التي قد تعترض قيام الوحدة بين سوريا ومصر، حيث شجعت بعضها للقيام بانقلاب، ثم كشفت المؤامرة من خلال عملائها أيضاً، فكان انقلاب المقدم هشام العظم بالإتفاق مع السي أي إيه، في إبريل 1957، لكن تم الكشف عن العملية قبل بدء التنفيذ( ).
وبعد قيام الوحدة ، في مارس 1958، اتهم قادة البعث، وخاصة الحوراني، بأن عبدالناصر متآمر على الشعب السوري والفلسطيني، وأنه مرتبط بالولايات المتحدة( )، على أساس أن الرئيس محمد نجيب طلب مساعدة من الإتحاد السوفياتي عام 1953، واعترض على البند الرابع من اتفاقية الجلاء في أكتوبر 1954، المتعلق بالسماح لبريطانيا باستخدام قاعدة قناة السويس، في حالة حدوث اعتداء سوفياتي على تركيا أو أي دولة في الشرق الأوسط، وكانت موافقته لهذا البند ستجعل مصر تحصل على وعد بالجلاء وتقديم المساعدات الأمريكية التي تقدر بـ 20 مليون دولار، إضافة إلى 20 مليون دولار أخرى كمساعدات عسكرية، وأن الولايات المتحدة من خلال السي أي إيه قد أبعدته لهذا السبب وعقدت اتفاقية بنفس الشروط مع القيادة المصرية الجديدة بعده( ) ، كما أن نظام الوحدة قد أثار مشكلة الأكراد في سوريا بغية إشغال الشعب العراقي والسوري عن الوحدة بينهما، وفي سبيل تحقيق مصالح الغرب باسم القومية والإنسانية( )، فالغرب هو الذي أنشأ لهم المنظمات والمكاتب الكثيرة في كافة أنحاء أوربا، وهذا يتوافق مع الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط الرامية إلى تقسيمه إلى كانتونات طائفية وعرقية ( ).
وبعد الانفصال عن دولة الوحدة إثر انقلاب عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، أكد أحد أعضاء السفارة الأمريكية في بيروت وهو المستر لودار، لعضو القيادة القطرية لحزب البعث الأردني جمال الشاعر أن الولايات المتحدة، ساهمت في انقلاب الانفصال لأن النظام المصري تجاوز حدوده، وأنها سترد له اعتباره بانقلاب مضاد يقوم به البعثيون. كما أكد ذلك أيضاً زعيم حزب الوحديون الاشتراكيون جمال الأتاسي، مؤكداً على علاقة الحوراني مع الولايات المتحدة لاسقاط الوحدة ( ).
أما النظام الذي ساد بعد سقوط الوحدة وهو نظام ناظم القدسي فقد اتسم بمعاداته للسياسة الأمريكية، لأن مصر كانت الكابح لموقف سوريا بالنسبة لقضية فلسطين، وقضية تحويل نهر الأردن. لذلك عملت الولايات المتحدة وإسرائيل على اسقاط هذا الوضع في سوريا. فكان عصيان جاسم علوان في حلب عام 1962 من تحريض القنصلية الأمريكية، إضافة لعلاقة النظام المصري به فقد وزعت القنصلية الأمريكية في حلب صور جمال عبدالناصر على المتظاهرين، وهذا ما حذا برئيس الحكومة خالد العظم إلى المطالبة بطرد القنصل الأمريكي، فرد السفير الأمريكي في دمشق، بأنه لو حدث هذا فإن الولايات المتحدة سترد بقوة، وما يؤكد على دور الولايات المتحدة لاسقاط الوضع القائم في سوريا إبان حكم ناظم القدسي ، ما أكده أحد المسؤولين الأمريكيين لأحد أعضاء الوفد السوري والذي زار الولايات المتحدة عام 1962 بقوله:"إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تؤيد أي نظام في العالم الثالث ما لم يكن فيه قائد الجيش ورئيس المخابرات على إتفاق تام مع الولايات المتحدة "( ) ، وكان تصريح رئيس الحكومة خالد العظم للسفير الأمريكي عقب تشكيل حكومته قد أثار الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث قال : " إننا لا نخدعكم بالقول المستحب عندكم، فلا نعدكم بما يعدكم به غيرنا، فنحن لا نقبل الصلح مع إسرائيل، ولا تحويل نهر الأردن، ولا توطين اللاجئين الفلسطينيين، ولكننا لن نقوم بهجوم على إسرائيل"( ) ، وبسبب ذلك عملت الولايات المتحدة، منذ سقوط الوحدة على الضغط على البنك الدولي للحيلولة دون إقراض سوريا، التي تسلمت خزينة فارغة بعد سقوط الوحدة ( )، إضافة لما استولت عليه أجهزة الأمن المصرية من المشاريع والمصانع والراسمال لبعض السوريين واللبنانيين المتواجدين في مصر، وبعضهم كان موجود فيها منذ عقود طويلة، ووضع مدير البنك الدولي شروطاً كثيرة تهدد استقلال سوريا، مما أدى لرفض الحكومة هذه الشروط.
وبعد انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، تتالت على النظام الجديد القروض والمعونات بمبالغ ضخمة أكثر من المطلوب بحيث بلغت 40 مليون دولار، وهذا ما يؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن راضية عن حكم ناظم القدسي، لذلك مهدت لانقلاب زياد الحريري، من خلال انقلاب مبدئي في العراق في 8 فبراير 1963، الذي كان من تدبير السي أي إيه، وهذا ما أكده علي صالح السعدي، حيث كانت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار على علاقة مع المخابرات الأمريكية، إضافة لدور ميشيل عفلق بعد ذلك في إسقاط البعث العراقي في أواخر 1963 خوفاً من الوحدة بين البعثين السوري والعراقي باعتبار أن القيادة القومية واحدة، فدعم عبدالسلام عارف وأيده في انقلابه على علي صالح السعدي وهاني الفكيكي وغيرهم من أعضاء القيادة القطرية البعثية العراقية، كما كان صلاح الدين البيطار وزياد الحريري على صلة بالسي أي إيه من خلال فريد دانيال وهو شقيق عاطف دانيال الذي كان على علاقة بالسي أي إيه منذ عهد الوحدة إضافة لعلاقته الحميمة بميشيل عفلق( ).
كما قام نظام البعث بعد 1963 بعقد إتفاقيتين مع الشركات الأمريكية النفطية، مما حذا بالحوراني أن يفضح هاتين الإتفاقيتين من خلال حزبه الجديد وهو الاشتراكيون العرب، حيث وزع صورة وثيقة البترول التي تؤكد أن النظام الجديد قد سلم موارد البترول السورية للشركات الأمريكية، مما حذا بنظام أمين الحافظ إلى زجهم في السجن حتى أكتوبر 1965، حتى أن السفير الأمريكي في بيروت (أرمان ماير) قال بعد انقلابي البعث في سوريا والعراق: " إن من حق حكومتي أن تؤيد حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق، لما أظهره من شجاعة في مكافحة الشيوعية، ومن هنا كان اعتراف الولايات المتحدة السريع بنظام الحكم الجديد في كل من سوريا والعراق بعد الانقلابين الأخيرين، وتسلم البعث الحكم في لبلدين المتجاورين، ودعم سياسة الحكومتين السورية والعراقية التي ترمي لمكافحة الشيوعية "( ) كما أكد مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم هذه الحقيقة بقوله: " إن المخابرات الأمريكية مطالبة بخلق تيارات أكثر تطرفاً وتقدمية في الساحة العربية"( ) ، وعلى ذلك فلم تجد الولايات المتحدة حزباً أكثر تطرفاً من حزب البعث لتوصله إلى سدة الحكم ثم ليتفتت بذلك إلى عدة أجنحة يصل أشدها تطرفاً وهو التيار الماركسي الذي يؤيده صلاح جديد، وذلك عقب انقلاب 23 فبراير 1966. وقد أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، أن اتفاق المعسكرين الشيوعي والرأسمالي هو الذي عين الرؤساء بعد انقلاب صلاح جديد في 23 فبراير 1966( )، والدليل على ذلك أنه رغم التطرف الظاهري ( )، لنظام الحكم الذي ساد في عهد (الأتاسي/الجديد) وعدم إستعداده لخوض أي معركة مع إسرائيل في ظل الفرق الشاسع بين الطرفين لصالح إسرائيل، إلا أن النظام خاض الحرب في يونيو 1967 وهزم، وأحتلت الجولان بدون قتال يذكر، وكانت الولايات المتحدة قد أكدت لوزير الدفاع الإسرائيلي قبيل الحرب أن إسرائيل سوف تكسب الحرب بسهولة، وفي مدة قصيرة، وحدث ما توقعته الولايات المتحدة، ورغم إلحاحها الظاهري على مشروع القرار 242 في 22 نوفمبر 1967 إلا أن النظام لم يقبل به بسبب تطرف النظام بدون مبرر، وقد أكد السفير السوري في مدريد العقيد دريد المفتي أن النظام عمل من خلال وزير الخارجية إبراهيم ماخوس، على حث إسبانيا للتدخل لدى الولايات المتحدة لقبول نتائج حرب 1967، حيث سلم وزير خارجية إسبانيا بعد ذلك للسفير السوري في مدريد المذكرة التالية:
" تهدي وزارة الخارجية الحكومة الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية بمدريد، وترجو أن تعلمها أنها قامت بناءاً على رغبة الحكومة السورية بالإتصال بالجهات الأمريكية المختصة، لإعلامها برغبة سوريا في المحافظة على الحالة الراهنة الناجمة عن حرب حزيران (يونيو) سنة 1967... وتود إعلامها أنها نتيجة لتلك الإتصالات، تؤكد الحكومة الأمريكية أن ما تطلبه الحكومة السورية ممكن، إذا حافظت سوريا على هدوء المنطقة، وسمحت لسكان الجولان بالهجرة للاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري، وتعهدت بعدم قيام نشاطات تخريبية من ناحيتها، تعكر الوضع الراهن "( ) .


وقد نفذت الحكومة السورية بالفعل ما طلب منها، وعلى ذلك كانت هدية نظام الأتاسي/جديد، للولايات المتحدة ،وإسرائيل هو تدمير الجيش السوري بالتسريحات أولاً وبالهزيمة ثانياً، والانسحاب من الجولان وتوريط مصر التي خسرت سيناء وقطاع غزة، وأيضاً الأردن التي خسرت الضفة الغربية، بهذه الحرب دون أن يتخذ النظام تدابير وقائية أو أن يقوم بحرب فعلية، كما أن الولايات المتحدة قد دعمت إسرائيل بحوالي 200 طائرة سكاي وفانتوم، ولم يستطع النظام استعادة هيبته، رغم تصريحاته التي أخذ يطلقها ليدفع عن نفسه محنة اللاشرعية الملازمة لنظامه منذ البداية وزادت حدتها عقب هزيمة 1967، مما دفعه لخوض حرب استنزاف بدأت عام 1969، ثم رفض مبادرة روجرز في 9 ديسمبر 1969 لحل النزاع العربي الإسرائيلي برغم قبول إسرائيل وعبدالناصر لها في يونيو 1970، حيث ندد النظام بالمبادرة وحرض عليها الفلسطينيين، مما حذا بإسرائيل ومصر إلى رفضها بسببه، رغم أنه كان الأولى بهذا النظام أن يأخذ ويطالب لكن المنهج اللاعقلاني الذي اتبعه كان يملي عليه التطرف في كل شيء، ومن المؤكد أن تطرفه هذا لم يكن بدافع ذاتي بل بتأثيرات خارجية، لأنه لا يعقل أن يرفض نظام منافع ذاتية، في ظل وضعه المتردي والذي في ظله إستحالة تحقيق أي إنجاز أو نصر( ) ، وهذا ما ساهم في نجاح الحركة التصحيحية بقيادة وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد حيث أسقط النظام السابق وأبعد جماعة جديد عن السلطة ، واتع سياسة أكث واقعية ، وهذا ما جعله ينجح في سياسته الخارجية أكثر ممن سبقه من الرؤساء .

2- بريطانيا :
لبريطانيا دور كبير في إثارة الأزمات ورسم كيان المنطقة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، فلها الدور الأول في سلخ عربستان العراقية عن جسم العراق وضمه لإيران عام 1925( )، وكانت هي المحرك للحرب العالمية الأولى، وعقد ثم تنفيذ إتفاقية سايكس بيكو عام 1916، إضافة لإتفاقيات أخرى مع الدول المنتصرة في الحرب الكونية الأولى لوضع الصيغة النهائية لتقسيم منطقة الهلال الخصيب ووعد بلفور، وسلخ لواء الإسكندرونة عن سوريا، إضافة لمنطقة كيلكية، وقد نصت المادة 22 حول الانتخابات على دول الهلال الخصيب التي قسمت بموجب معاهدة سايكس بيكو على ما يلي : " إلى أن تصل الشعوب التي كانت تحت الحكم التركي إلى درجة من التطور والرقي، تحولها أن تكون دولاً مستقلة, تعمل على إرشادها بعض الدول الكبرى في تنظيم أحوالها حتى تستطيع وحدها بعد فترة من الزمن أن تحكم نفسها وتدير شؤونها "( ) .
وكانت بريطانيا أولى الدول التي دخلت سوريا بعد هزيمة الدولة العثمانية عام 1917، وقد خرجت منها عام 1920 بناءاً على مؤتمر سان ريمو في إيطاليا عام 1920، والذي وضع الصيغة النهائية لاتفاقية سايكس بيكو مدخلاً في صلبه جزيرة قبرص باعتبارها جزءاً من المنطقة، وبخروج القوات البريطانية دخلت القوات الفرنسية دمشق عام 1920، لتنفيذ مقررات سايكس بيكو وسان ريمو، ولم يقتصر دخولها على تلك الفترة، بل تعداه إلى مرحلة الحرب الكونية الثانية، فعقب فشل حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، والتي اشترك فيها الثوار السوريين ودعمت بالأموال السورية، كان دخول بريطانيا العراق ثم سوريا، وظلت في سوريا حتى الجلاء في عام 1946 حيث جلت معها الجيوش الفرنسية، لكن كان للقوات البريطانية دور في وقف العدوان الفرنسي على مدينة دمشق عام 1945، بالرغم من دورها السلبي مع فرنسا في استغلال قضية الأكراد لتمزيق وحدة الشعب السوري، إضافة لدورها السلبي قديماً في إثارة الطائفية خلال العهد العثماني، وكان سبب إثارة هذه المشكلات بسبب أهمية سوريا لبريطانيا( )، فمنذ دخول بريطانيا سوريا تراءت لها أحلام الحروب الصليبية، وهزيمة ملكها ريتشارد قلب الأسد، وهذا ما عبر عنه قائد الجيوش البريطانية عند دخوله سوريا حيث قال أمام قبر صلاح الدين الأيوبي:" الآن انتهت الحروب الصليبية يا صلاح الدين "( ) وقال أيضاً: "نحن جئنا لنكمل عمل الصليبيين"( )، كما قال مخطط الحرب العالمية الأولى المعروف بلورانس العرب أو ملك العرب غير المتوج واسمه توماس لورانس: " من دمشق تحكم المنطقة العربية، لذلك يجب أن نحكم دمشق مباشرة إذا أمكن، وإلا فبواسطة حكومة من الأصدقاء شريطة أن تكون حكومة غير إسلامية، وذلك يعني انتصارنا في أي حرب تخوضها"( )، وهذا يفسر هزيمة سوريا بعد سقوط حكم الرئيس أمين الحافظ، حيث هزمت سوريا في حرب يونيو 1967 ، بينما لم تهزم قبل ذلك بل انتصرت في حرب 1948، وعام 1951، وعام 1962، كما يقول توماس لورانس أيضاً: " إذاً شئنا السلام في جنوبي سوريا (الأردن وفلسطين)، والسيطرة على جنوبي بلاد ما بين النهرين، وجميع المدن المقدسة (الحجاز)، فيجب أن تحكم دمشق مباشرة، أو عن طريق حكومة صديقة غير إسلامية"( )، وقد اتبعت بريطانيا وحليفتها فرنسا استراتيجية إضعاف سوريا والعراق، من خلال عدة خطط منها ألا يكون لهما سواحل كبيرة على البحار لخنقهما وإبعادهما عن أي نهضة حضارية، وأيضاً لتكريس انفصالهما واستمرار انفصال الأجزاء المنسلخة عنهما مثل الكويت، لبنان، الأردن، فلسطين .... الخ( ) ، وكان لها ذلك من خلال مؤامرة إنشاء الجامعة العربية من خلال وزير خارجيتها أنتوني إيدن عام 1942، بعد أن فرضت على الملك فاروق عميلها المعروف مصطفى النحاس باشا رئيساً للحكومة، وبه أسست الجامعة العربية، ووقع على ميثاقها في مارس 1945 وكان هدفها من ذلك إيقاف وحدة سوريا الطبيعية من خلال مشروع الهلال الخصيب( )، وكان هذا منهاج الأسرة الهاشمية في العراق، فبريطانيا لم تكن تقبل بأي وحدة عراقية سورية، ولو أنها أرادت وحدتها لكانت تستطيع ذلك بسهولة كونها كانت في سوريا قبل 1920، وبعد 1941 حتى الجلاء عام 1946، إضافة لما لها من علاقة وثيقة مع العشائر العربية المتواجدة في سوريا، إلا أنها عملت على الدوام على عدم دمج أفراد المنطقة الواحدة إضافة لمعارضتها لمشروع سوريا الكبرى الذي وضعه الأمير عبدالله /أمير شرقي الأردن/، ودعى إليه، ثم أصبح يطرح مشاريع الوحدة مع سوريا أو العراق، بما يهدد الإعلان الثلاثي الذي أقرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، هو الإبقاء وعلى وضع المنطقة كما هو( )، لهذا عملت على التخلص منه من خلال أحد عملائها، وهذا ما أكده قائد الجيش الأردني السابق علي أبو نوار، كما أنها أصدرت بياناً بعد انقلاب حسني الزعيم عام 1949، ترفض فيه مشروع سوريا الكبرى ، يكمن السبب المادي لأهمية سوريا بالنسبة لبريطانيا، فيما أوضحه الباحث الإنكليزي باتريك سيل بقوله:
" إن من يقود الشرق الأوسط لابد له من السيطرة على سوريا، بسبب موقع سوريا الإستراتيجي، فهي تشرف على الممرات الشمالية الشرقية الموصلة إلى مصر، وعلى الطريق بين العراق والبحر المتوسط، وعلى شمال الجزيرة العربية، والحدود الشمالية للعالم العربي وهي رأس الحركة القومية العربية، وقلبها، منذ بداية القرن العشرين، وهي منبع الأفكار السياسية والمولدة لها، ومرتع الأحلام والتصورات الوطنية الكثيرة، فمعظم المبادئ والتيارات السياسية في العالم العربي ولدت في سوريا، وكانت حلب قبل سايكس بيكو، مركز إدارة الشؤون التجارية للأناضول، وكليكيا، والموصل، وبغداد، وفارس، وكانت الموانيء القائمة على البحر المتوسط تلعب دوراً في خدمة المناطق الداخلية، أما حمص وحماه فكانتا، تمدان القبائل البدوية والحماد السوري بالمؤن"( ) .


وبرغم العلاقات الودية التي سادت بين سوريا وبريطانيا عقب استقلال سوريا في 7 أغسطس 1943، خاصة عقب تدخلها عسكرياً ضد فرنسا عندما قصفت دمشق بالمدافع عام 1945، إضافة إلى نصيحة ونستون تشرشل للرئيس شكري القوتلي بإعلان الحرب على المحور في عام 1945، حتى يتسنى لها حضور مؤتمر سان فرنسيسكو في فبراير 1945، فرأس الوفد السوري آنذاك فارس الخوري( )، إلا أن بريطانيا كان لها جواسيسها في سوريا في نفس الوقت، مثل المستر لينغ والخبير فوكس ( )، كما عملت على خلق المحور المصري السعودي لمجابهة واستبعاد وحدة سوريا والعراق من خلال مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى، وكان لهذين المشروعين الكثير من الآثار السلبية على استقرار الحكومات والأنظمة التي تدعو إليهما، سواءاً في سوريا أم في العراق( )، لذلك كانت استراتيجية الرئيس شكري القوتلي للحفاظ على الاستقرار الوزاري في نظامه، هو إتباع طريق الحياد، خاصة أنه كان على علاقة شخصية بأسرة آل سعود، وكانت بريطانيا راضية عن هذا الوضع، لذلك فقد عارضت انقلاب حسني الزعيم, حيث كانت على دراية تامة به، حتى أنها بعثت للرئيس شكري القوتلي تحذره من انقلاب محتمل سيقوم به حسني الزعيم، مما حذا بالقوتلي إلى استدعاء حسني الزعيم ليتأكد منه حول هذا الأمر، لكن حسني الزعيم استنكر هذه التهمة وأكد
على ولاءه المطلق للرئيس شكري القوتلي، الذي استبعد أن يقوم حسني الزعيم بهذا العمل( )، وما يؤكد على عدم رغبة بريطانيا بهذا الانقلاب أن كل الاتفاقيات التي عقدها الزعيم لا تدخل ضمن مصالح بريطانيا في المنطقة، ولكنها ساهمت في إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا قبل انقلاب حسني الزعيم، لكن إثارتها كانت غير مباشرة، حيث امتنعت شركتها (ABC) العاملة في العراق عن توزيع الكاز والبنزين باعتبار أنه لم تكن ثمة مصفات للنفط في سوريا، وذلك بقصد الضغط على سوريا لقبول تمديد خط كركوك بانياس، والضغط على الجيش السوري إبان حرب 1948 في فلسطين، لمنعه من مساعدة القوات المصرية التي كان الجيش الإسرائيلي يكيل لها الضربات في النقب( )، وكان لذلك أثراً سيئاً على الشعب السوري الذي قام بالمظاهرات التي شملت مختلف المدن السورية، كما لم يثبت أن يكون لها أي دور في انقلاب سامي الحناوي بالرغم من التهم التي وجهت إليها حول ذلك، كونها تعارض مشروع الهلال الخصيب، وأي مشاريع وحدوية أخرى في المنطقة، خاصة أن انقلاب سامي الحناوي دعى للوحدة مع العراق.
لكن بعد انقلاب الشيشكلي عام 1949، أدركت بريطانيا أن وجودها بات مهدداً في المنطقة أمام تعاظم نفوذ الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي فيها، خاصة بعد أن قوبلت زيارة قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط الجنرال بريان روبرتسون، إلى المنطقة بالاستياء، في فبراير 1951( )، حيث قاد اليسار المظاهرات الكبيرة ضد زيارته، وقد صرح روبرتسون خلال زيارته لسوريا بتصريح جاء فيه:
" إن بريطانيا في حاجة إلى سوريا كرباط ودي بين القوات البريطانية المرابطة في قناة السويس، والمراكز الأمامية في العراق المحاذية للحدود السوفياتية"( )، وبعد هذه الزيادة التقى المسؤولون العسكريون البريطانيون، مع نظرائهم الأمريكيون في مالطا، وتبع هذه الزيارة مباشرة، زيارة لمساعد وزير الخارجية الأمريكية، فزاد ضغط اليسار على الحكومة التي يرأسها حسن الحكيم، مما ساهم في سقوطها، فشكل الحكومة خالد العظم عام 1950 وأعلنت الحكومة رفضها لمساعدات النقطة الرابعة، ودعت للحياد، وبسبب أنها لا تمثل الأكثرية البرلمانية سقطت، ثم جاءت حكومات تدعو للوحدة مع العراق، لكن اليسار تدخل ضد هذه الوحدة، بداعي ان هذه الوحدة، ستجعل عبد الإله ملكاً على سوريا، خاصة أن الوصي عبدالإله كان مكروهاً من الشعب السوري، بسبب اعدام المربع الذهبي وهم القادة الأربعة في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، كما أن البعض كان متخوفاً من علاقات نوري السعيد ببريطانيا( ).
وبسبب زيادة قوة الجيش السوري في عهد الشيشكلي، وزيادة الشركات الغربية الاستثمارية في سوريا، عمل الشيشكلي على استقدام مدربين غربيين للتدريس في المدارس العسكرية، إضافة للمدربين العرب( )، وكان من بين هؤلاء المدربين طومسون الذي كان يدرب في مدرسة الطيران ( )، وقد أصبح هذا المدرب فيما بعد وزيراً للشؤون الخارجية في بريطانيا، وكان خلال مدة تدريبه في سوريا مسؤولاً عن هذه المدرسة، وكان له مساعدان هما فهمي سلطان وفيصل ناصيف( ).

وبعد سقوط الشيشكلي في نهاية فبراير 1954، وسيطرة اليسار على الجيش في سوريا، وازدياد التدخل الشيوعي في الشؤون السورية، تخوفت بريطانيا من هذا الوضع في سوريا بإدراكها أن هذه الحمى ستصل العراق حتماً، رغم محاولة الرئيس شكري القوتلي التقليل من مخاوفها. حيث أرسل للسفير البريطاني في دمشق في نوفمبر 1955، يؤكد له أنه مصمم على دحر الشيوعية واليسار والأفكار اليسارية التي يشيعها البعث، وخطته في ذلك تقوم على ما يلي( ):
1- عين مدير المدرسة العسكرية من اليمين الموالي له بغية إبعاد الضباط اليساريين عن الترشيح للمدرسة.
2- زار الجبهة، وأكد أن مهمة الجيش هي الدفاع عن الوطن، وعدم الإنخراط بالسياسة.
3- تحالف مع حزب الشعب.
4- استقل زعيم إتحاد نقابات العمل المعتدل وزملاءه وشجعهم على المزيد من النشاط ضد اليسار.
ورغم ذلك ظلت بريطانيا تشك في قدرة اليمين على التغلب على الشيوعية، مدركة أن اليسار هو المسيطر على الجيش من خلال بعض الضباط وأبرزهم عفيف البزري، وعبدالحميد السراح، ومصطفى حمدون، وغيرهم، لذلك عمدت لإقامة حلف دفاعي يقي العراق من خطر الشيوعية التي تهدد مصالحها في العراق والأردن ومصر، وكان ذلك هو حلف بغداد عام 1954، وكان لهذا الحلف تأثير سلبي على الاستقرار السياسي في سوريا، حيث سقطت حكومة فارس الخوري عام 1954 بسبب عدم إدانتها له، من خلال اليسار الذي تدخل ضدها عبر الجيش، وبالرغم من عدم تأثيره السلبي على المصالح السورية، كونه يدعم اليمين المحافظ أمام الخطر الشيوعي، لكن كان هدف الولايات المتحدة من خلال عملائها تقويض هذا الحلف رغم اشتراكها في لجنته العسكرية، فقام اليسار ممثلاً بالبعث والشيوعي والكتلة اليسارية المستقلة في البرلمان بقيادة خالد العظم، بالتنديد به، كما عمل النظام المصري على التنديد به، على أساس أنه ضد الوحدة العربية، والأهداف القومية، بالرغم من أن النظام المصري أكثر أنظمة العالم التي قاومت فكرة مشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى، وضم الكويت للعراق، وغير ذلك من هذه المحاولات، لكن كان لحلف بغداد فيما بعد تأثيراً على النظام العراقي نفسه، حيث أدى إلى تقويضه من خلال حركة عبدالكريم قاسم اليسارية عام 1958، وبذلك انتهت مصالح بريطانيا في العراق بعد مصر عقب تأميم قناة السويس عام 1956، وما سببه عدوانها مع فرنسا وإسرائيل، على تقوية اليسار في سوريا، خاصة في ظل عملية التيه التي اشتركت فيها مع العراق والولايات المتحدة لإسقاط النظام السوري من خلال انقلاب عسكري، مستغلة دعاة الوحدة مع العراق، في نوفمبر 1956 مثل أعضاء من أحزاب الشعب والوطني والقومي السوري، وبعض المستقلين، لكن كشف العملية قبل تنفيذها( ), قد جعل العلاقات شاسعة بينها وبين الحكومات السورية المتعاقبة، خاصة بعد أن نسف عبدالحميد السراج ، أنابيب النفط المارة بسوريا والتابعة للشركة البريطانية، خلال العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956، ولم تعد حكومة صبري العسلي العلاقات مع بريطانيا أو تسمح لها بإعادة تصليح ما خربه الإنفجار إلا بعد موافقتها على عدة شروط هي: ( )

1- تعويض مصر عن خسائرها بنتيجة العدوان الثلاثي على مصر.
2- الاعتراف بحق مصر في تأميم قناة السويس.
3- تسوية جميع المشكلات العالقة.

خاصة أن هذا العدوان، سبب متاعب جمة للنظام بسبب المظاهرات الشعبية ضد العدوان الثلاثي على مصر، وكان إدراك بريطانيا أنها لا تستطيع مجابهة الولايات المتحدة في المنطقة، قد جعلها تؤثر السير وراءها، فكان اشتراكها في المؤامرة البعثية في العراق، لاسقاط عبدالكريم قاسم عام 1963 حيث إعترف النظام الجديد بالكويت، وكان لهذا الانقلاب أثره السيء على سوريا، وتسبب بانقلاب 8 مارس 1963، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر أن بريطانيا بقي لها عملاءها في سوريا( )،والذي كان نتيجته سقوط نظام أمين الحافظ، وعدم الاستقرار بعد ذلك الذي انتهى بوصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا بعد الحركة التصحيحية في نوفمبر 1970.

3: فرنسا
كان لفرنسا أسوء الأثر في تحطيم سوريا، إبان الانتداب الفرنسي على سوريا، والذي ابتدأ منذ سقوط النظام الفيصلي، عام 1920، حيث عملت فرنسا على إقامة ما يسمى بلبنان الكبير مقتطعة أجزاءاً من المحافظات المحيطة بمتصرفيه جبل لبنان، لتقيم ما سمي فيما بعد بدولة لبنان، إضافة إلى إقامتها لدولة جبل العلويين، ودولة جبل الدروز، ودولة حلب التي كان من أجزائها لواء الإسكندرونة الذي حكم بشكل مباشر من قبلها، وهكذا اشتركت فرنسا بتقسيمين لسوريا، فالتقسيم الأول الذي شمل كل منطقة سوريا الطبيعية (الهلال الخصيب)، والتقسيم الثاني، الذي شمل تقسيم سوريا لتقطيعها إلى دويلات قزمية ومنها لبنان، إضافة لتسليمها لواء الموصل لبريطانيا مقابل أخذها لواء ديرالزور، وتسليمها كليكيا لتركيا، لكن تجدر الإشارة إلى أن دولة حلب لم تستمر سوى أربعة سنوات منفصلة عن دمشق، وظلت دولة جبل الدروز حتى عام 1940، بينما جبل العلويين حتى عام 1944، مع استمرار لبنان منفصلاً عن الوطن الأم حتى تاريخ كتابة هذه السطور( )، لكن أخطر إثر إثرته فرنسا على سوريا كان هو تسليمها لواء الإسكندرونة عام 1939، على إثر توقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، حيث ادعت تركيا أن الإدارة التي كانت مفروضة على لواء الإسكندرونة هي لفرنسا حسب قرار عصبة الأمم، وليس لسوريا التي أصبحت لها إدارة مستقلة نظرياً، وبالمقابل رغبت فرنسا في وقوف تركيا إلى جانبهما في الحرب الوشيكة مع المحور، ودفعت لها أموالاً مقابل ذلك أيضاً، وعلى هذا الأساس تنازلت لتركيا عن اللواء، وكان دور بريطانيا في هذه المؤامرة، أنها حثت تركيا على مطالبتها بلواء الإسكندرونة بسبب تخوفها أن يصبح لفرنسا موقع جغرافي استراتيجي (جيوبولوتيكي). على البحر المتوسط ينافس بريطانيا، بالرغم من أن صك الانتداب لا يجيز لها التنازل عن أي أراض سورية، مع تعهدها بالدفاع عنها( ).
وعملت فرنسا على تفتيت الوحدة الوطنية في سوريا بإثارتها للطائفية منذ تعيين جورج بيكو عام 1914 قنصلاً عاماً على متصرفية جبل لبنان( )، إضافة إلى مؤامراتها في ظل الدولة العثمانية منذ القرن التاسع عشر( )، وخلال فترة الانتداب على سوريا أخذت تمنح الأكراد الكثير من الأراضي، رغم أنهم كان الكثير منهم مهاجرين من تركيا بسبب الاضطهاد التركي لهم، وكان سبب إعطائها الأراضي لهم لمقاومة الحركة الاستقلالية في سوريا بقيادة الكتلة الوطنية التي يقودها شكري القوتلي وهاشم الأتاسي( ) ، كما ساهمت فرنسا في تطوير نظام الإقطاع القبلي بدل إدخالها إلى السوق الراسمالية العالمية، فتحول الملاك والتجار إلى وكلاء محليين للبضائع الأجنبية المصنعة، مما أثر سلباً على الحرفيين والصناع الصغار بسبب منافسة المنتجات المستوردة( ) ، ومن تأثيرات الانتداب فيما بعد استقلال سوريا، أنها ولدت عند بعض أبطال استقلال سوريا، الإلتصاق بالمؤسسات الجمهورية، وبعاصمتهم دمشق بعد أن تحول مركز القومية العربية إلى بغداد بعد رحيل الملك فيصل إليها، فتميزت سوريا بذلك عن الممالك المجاورة لها في العراق والأردن( ) ، كما ظل النفوذ الفرنسي قوياً في الأوساط العسكرية السورية، لأن الكثير منهم كان في جيش الشرق المختلط الذي أسسته في ظل الانتداب، فأصحاب الانقلابات العسكرية الأربعة الأولى في سوريا كانوا في هذا الجيش، حتى أن صاحب أول انقلاب عسكري في سوريا والشرق الأوسط حسني الزعيم، كان يفضل التكلم بالفرنسية على العربية، كما كان تجهيز الجيش السوري بالأسلحة الفرنسية، وليس بمقدوره طلب قطع غيار إلا من فرنسا( ).
وقد أيدت فرنسا انقلاب الزعيم وحثت الدول الأخرى على الاعتراف بحكمه، وكان السفير الفرنسي يتصل به يومياً، ووعدت فرنسا بالدفاع عن حكمه لو تعرض للخطر، خاصة بعد أن تعهدت الولايات المتحدة بالاعتراف بحكمه وأنها ضد أي تغيير في خارطة المنطقة ( ) ، وكانت فرنسا من بين الأوساط الغربية التي ضغطت لدفع حسني الزعيم، لتسليم أنطون سعادة إلى السلطات اللبنانية في السابع من يوليو 1949 حيث أعدم بعد أربع وعشرين ساعة، بعد محاكمة صورية، وهذا مما أثار الشعب السوري ( )، زد على ذلك أن فرنسا نفسها قد ساهمت في تهيئة الجو لانقلاب حسني الزعيم، فعملت على تجميد الودائع والأرصدة السورية في البنوك الفرنسية، وعدم إتاحة المجال لاستقلال العملة السورية عن العملة الفرنسية، ما حذا برئيس الحكومة خالد العظم أن يقترح في البرلمان عام 1948، /عند مناقشة ميزانية الدولة/، تخفيض رواتب الضباط وتسريح قسماً منهم، وتخفيض نفقات الجيش( )، كما أنه كان لفرنسا علاقات اقتصادية وثقافية في سوريا استمرت لما بعد الاستقلال، إضافة لعلاقاتها مع السياسيين السوريين، الذين تربوا على الجهاز الإداري الموروث عن الإدارة الفرنسية، وما فيه من قوانين فاسدة، استغلها بعض الانتهازيين لتحطيم هيبة الدولة ( ) ، فكان سقوط حكومة سعدالله الجابري عام 1946، بسبب إثارة أحد عملائها لقضية النقد السوري حيث رفعت ضماناتها عنه، وكان هذا العميل هو عقلة القطامي، الذي كان نائباً لجبل العرب في البرلمان، وكان يلعب بالحكومة وبالجبل معاً( )، كما أنه مما يدل على أن لفرنسا علاقة بانقلاب الزعيم أنه وقع بعد انقلابه مباشرة على اتفاقية النقد مع فرنسا والتي رفضتها الحكومة السابقة( ).
أيضاً عمل الزعيم على السمسرة بتجارة الأسلحة مع فرنسا بواسطة عديله نذير فنصة، وقد استاءت فرنسا من انقلاب سامي الحناوي ودعوته لمشروع الوحدة مع العراق، بسبب مصالحها في لبنان، حيث يعتبرها الكثير من أبناء الطائفة المارونية بأنها الأم الحنون، لذلك عملت لاسقاط سامي الحناوي( ) ، برشوة بعض الصحف لكي لا تتعرض لسياسات فرنسا في وقوفها ضد الوحدة السورية العراقية( ) ، كما عملت على استخدام نفوذها بين ضباط الجيش لإسقاط سامي الحناوي عن قيادة الجيش، فكان قادة الانقلاب ضده من الموالين لها، أيضاً عملت على تأخير الاتفاق الاقتصادي بين سوريا والعراق، والذي كان جاهزاً في البرلمان، من خلال شركة البنك السورية الموالية لها( ) ، واتفقت مع السعودية ومصر لإنجاح خططها وتدخلاتها معهم في سوريا، لأن بلاط الملك فاروق كان مخترقاً من قبل عملائها الذين كانوا يعملون لصالحها ولصالح سياستها، وهذا ما حذا بها لتأييد انقلاب أديب الشيشكلي عام 1949 مباشرة، ومما يدل على أن الشيشكلي والحوراني كانا على اتفاق مع فرنسا هو أن الصحف السورية في إبريل 1951، أصبحت تتحدث عن مساويء السياسة الإنكليزية القديمة، ولم تكن تذكرها من قبل أي في حينها، على اعتبار أنها صارت تذكرها بعد أن أصبح مصرف سوريا ولبنان "الفرنسي" يوزع الرشاوي على الناس باسم فرنسا، كما أن الصحف الفرنسية ( ) أصبحت تصف الشيشكلي بأنه بطل استقلال سوريا، لأنه أوقف الوحدة مع العراق في نفس اليوم الذي كان مقرراً فيه التصويت عليها في البرلمان، وأنه أعاد لها بعض نفوذها( ).
ولم تكتف فرنسا بالمساهمة في اسقاط سامي الحناوي بل عملت على تقويض النظام والحكومات المؤيدة للوحدة مع العراق، من خلال مساهمتها في اسقاط الحكومات التي شكلها حزب الأغلبية المطلقة في البرلمان وهو حزب الشعب، وهذا ما أكده رئيس الحكومة ناظم القدسي عام 1950 باتهامه لفرنسا عن مسؤوليتها في سقوط حكومته بقوله: "
لقد وجدوا أنهم لا يمكن أن يتحملوا كوننا نعمل من أجل الوحدة العربية، وكانوا يخشون أيضاً أن نعمل على انتزاع بنك سوريا ولبنان من سيطرة فرنسا، إن حكومتي هي أول من أمم المشروعات الأجنبية في الشرق الأوسط، لقد استولينا على شركات المياه والكهرباء الافرنسية في حلب، وشركة الكهرباء الافرنسية في حمص، وشركات الكهرباء و النقل الإنكليزية في دمشق، وإدارة حصر التبع الافرنسية، فاعتقد الفرنسيون من ثم أن لدينا بالنسبة للبنك خططاً مماثلة"( ) .
وعندما قام الشيشكلي بانقلابه الثاني في نوفمبر 1951، اعترفت فرنسا وتركيا وبريطانيا مباشرة بالنظام الجديد، وأصبح نظام الشيشكلي يتقارب مع فرنسا( ) ، واخترقت الشركات الفرنسية للاقتصاد السوري، فعلى سبيل المثال في 8 نوفمبر 1951، تحولت شركة حاييم ناثاينيل التي يترأسها أحد اليهود الفرنسيين، إلى شركة سورية باسم شركة الزيدي، بعد أن دفع مديرها للنائب جميل الشماط رشوة حتى يتوسط أكرم الحوراني بعملية التمويل( )، وبسبب تخوف فرنسا من التقارب العراقي السوري بعد لقاء الرئيس أديب الشيشكلي مع رئيس الحكومة العراقية نوري السعيد في يونيو 1952، واجتماع الموفد العراقي لبحث الوحدة بين سوريا والعراق مع وزير الخارجية السوري ظافر الرفاعي، في نفس الشهر، عملت على دعم المناهضين للوحدة العراقية السورية( ).
وبعد سقوط الشيشكلي عام 1954 استمرت فرنسا في سياستها القديمة بوقف أي تقارب سوري عراقي، فعارضت حلف بغداد ( )، كما ساهمت من خلال عملائها بالضغط على سوريا لجعلها ترفضه، وكان لذلك أثراً كبيراً في إثارة تركيا التي حشدت قواتها على الحدود السورية في مارس 1955، كما أن فرنسا رفضت تزويد سوريا بالأسلحة منذ عام 1954 بحجة الدعم السوري للثورة الجزائرية، لكن كان تدخلها في العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956 قد أبعد سوريا عنها وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها، خاصة بعد خطفها للطائرة التي تقل زعماء الثورة الجزائرية، فاندلعت المظاهرات في سوريا أمام السفارة الفرنسية في دمشق، والقنصلية الفرنسية في حلب، وأحرقت مدرستان كاثوليكيتان، فرنسيتان، ومدرسة علمانية فرنسية أخرى في حلب( ) ، وكان تلكؤ أجهزة الأمن في إيقاف هذه المظاهرات ظاهراً للعيان، لأن هذه الحوادث كانت بتدبير النظام المصري وعملائه، خاصة عبدالحميد السراج الذي أصدر أوامره بعدم التعرض لهذه المظاهرات، رغم أن وزير الداخلية أحمد قنبر أمر بإطلاق النار على المتظاهرين لكن لم يستجب ضباط الأمن لأوامره( ).
وعملت فرنسا إبان الوحدة على تقويض هذه الوحدة بسبب ما أصاب مصالحها في سوريا ولبنان بسببها، وضياع هيبتها في الجزائر ومصر، فإعترفت بحركة عبدالكريم النحلاوي بعد فترة وجيزة من قيامها، رغم أن الجنرال شارل ديغول عمل منذ عام 1958 على تحسين العلاقة بين فرنسا وسوريا وأوقف بيع الأسلحة الفرنسية لإسرائيل، لكن تجدر الإشارة إلى أنها ظلت لها عملاء في سوريا، يعملون لصالحها، وإن كان دورهم قد قل نتيجة إزدياد نفوذ الدولتين العظميين في سوريا، خاصة بعد انقلاب زياد الحريري في 8مارس 1963 لكن كان لفرنسا ( ) دورها في وقف العدوان الإسرائيلي في حرب 1967 فلولاها لكان من الممكن لإسرائيل إحتلال المزيد من الأراضي التي احتلتها( ).






المبحث الثاني
تدخلات المعسكر الشيوعي
الإتحاد السوفياتي والدول الدائرة في فلكه:
لا يمكن على الإطلاق أن تنفصل السياسة الخارجية للدول الشيوعية الدائرة في فلك الإتحاد السوفياتي السابق عن السياسة الخارجية للإتحاد السوفياتي السابق، فلم تستطع المجر عام 1956 الخروج من هذه الدائرة حيث تم سحق حكومتها من قبل الجيش السوفياتي مباشرة وقتل رئيس حكومتها أمري ناجي، أيضاً تدخل الإتحاد السوفياتي عام 1968 عندما أخذت تشيكوسلوفاكيا تبتعد عن المنهج الشيوعي، فكانت دبابات الجيش السوفياتي لها بالمرصاد، وأعلن إثر ذلك برجنيف عن مبدأه المشهور الذي دعى فيه لإمكانية تدخل الجيش الأحمر في أي دولة تدور في فلكه، فيما لو ابتعدت عن منهجه وسياسته، وهو ما عرف بمبدأ برجنيف، وعلى هذا الأساس فإن تدخلات الإتحاد السوفياتي مترابطة ومتواكبة بشكل مطلق مع تدخل الدول الشيوعية بحق الدول المتخلفة، إضافة لدول المعسكر الآخر، فللكتلة الشيوعية الأثر الأكبر في هجرة اليهود لفلسطين، ونقل الأسلحة لإسرائيل عبر الموانيء اليوغسلافية والرومانية( ) ، كما أن السوفييت كانوا يشجعون التطلعات الكردية، وساعدوا في إقامة جمهورية مهباد إبان إحتلالهم لإيران خلال الحرب العالمية الثانية، ومنذ الثورة الإشتراكية البلشفية في روسيا عام 1917، وحتى سقوط الإتحاد السوفياتي( ) ، كان النظام الروسي ومن بعده السوفياتي يتبع سياسة مؤيدة لإسرائيل، سواءاً بشكل ظاهري أم بشكل غير مباشر، والسبب في ذلك يعود لعدة أمور منها, أنه كان عدد أعضاء اليهود في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي سبعة أعضاء من أصل أربع وعشرين عضو، بالرغم من أن عددهم بالنسبة لباقي السكان لا يتجاوز 1.1 بالمائة، كما بلغ عدد الأعضاء اليهود في مجلس المفوضين (الوزراء)، سبعة أعضاء من أصل سبعة وعشرون عضواً، وبلغ عددهم في مجلس السوفييت الأعلى سبع وأربعون عضواً، عام 1947( )، رغم أن اليهودي يظل مؤمناً بيهوديته حتى وإن ادعى الماركسية أو الإلحاد، كما أكد ذلك ديفيد بن غوريون( ).
وفي إطار الحرب الباردة التي كانت بين المعسكرين عشية الحرب الكورية، كان للاتحاد السوفياتي تدخلاته في الشرق الأوسط من خلال الأحزاب الشيوعية الموجود في البلدان الشرق أوسطية( ) ، إضافة لهدفه في القضاء على القوميات، لأن الحزب الشيوعي هو وسيلته لذلك، إضافة لأهدافه في الوصول إلى المياه الدافئة( ) ، لذلك سعى لإنشاء وطن كردي موال له، فقد عاش مصطفى البرزاني ثلاثة عشر سنة في روسيا، حصل خلالها على رتبة جنرال في الجيش الأحمر، ويعتبره أكراد سوريا والعراق قائدهم، بسبب تبنيه للقومية الكردية، لذلك كان السوفييت يدعمون على الدوام التمردات الكردية باسم الإنسانية وتقرير المصير، وقد حاول بعد الحرب العالمية الثانية تحسين صورته ، مع الشعب السوري واللبناني من خلال ممارسته حق الفيتو في مجلس الأمن، بعد أن طلبت الولايات المتحدة خروج القوات الإنكليزية والفرنسية من سوريا، ولبنان، عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدون أن تطلب تحديد المدة، حيث طالب الإتحاد السوفياتي بضرورة تحديد تاريخ الجلاء، وهذا ما قررته الأكثرية في مجلس الأمن فتم الجلاء في 16 إبريل 1946 وعن لبنان في 31 ديسمبر 1946( ).
ورغم فقدان شعبية الإتحاد السوفياتي في سوريا، إثر تأييده لتقسيم فلسطين عام 1946، إلا أنه استمر في مراميه، لكسب مناطق نفوذ له في الشرق الأوسط وخاصة سوريا، فكان هذا التدخل إحدى الأسباب الرئيسية لانقلاب حسني الزعيم عام 1949، الذي دعمته الولايات المتحدة لتبعد الخطر السياسي عن سوريا, حيث تعهد الرئيس حسني الزعيم بأنه سيسعى لتدمير أية دعاية شيوعية هدامة، وسيشن حرباً ضدها، فقام باضطهاد الشيوعيين( )، وحذا حذوه فيما بعد الشيشكلي بعد انقلابه الأول، وبنتيجة اندلاع الحرب الكورية عام 1951، أعلن رئيس الحكومة معروف الدواليبي، أن الطريقة الوحيدة لمنع حرب عالمية ثالثة هي بتوقيع ميثاق عدم اعتداء مع الإتحاد السوفياتي، ثم دعى إلى نبذ الأحلاف وإلى استيراد السلاح من الإتحاد السوفياتي، فكانت قراراته هي إحدى أسباب انقلاب الشيشكلي في ديسمبر 1951، كون الشيشكلي موالياً للغرب( ).
وبعد سقوط الشيشكلي في عام 1954 ازداد التدخل السوفياتي في سوريا وازداد تقارب الحكومات مع الإتحاد السوفياتي في سوريا( )، حيث زادت المشتريات السورية من الإتحاد السوفياتي خمسة أضعاف ما كانت علبه قبل ذلك أي خلال سنتي (1954 – 1958)، فقد اشترت سوريا دبابات تشيكية عام 1954، ثم اشترت عام 1955 دبابات (ت52)، حتى وصلت مشترياتها من تشيكوسلوفاكيا وحدها بين عامي (1954-1957)، إلى حوالي 100 مليون جنيه استرليني ( ) ، وقد أكد تقرير أمريكي أن حكومة صبري العسلي عام 1956 قد رهنت سوريا للإتحاد السوفياتي، مقابل السلاح الذي أخذته، باعتبارها لم تدفع ثمنه، رغم ما قاله رئيس المكتب الثاني عبدالحميد السراج أن الحكومة دفعت ثمنه من احتياطي سوريا في الخارج( ) ، ولم تدرك الحكومات التي عملت على التقارب مع الإتحاد السوفياتي، أن الإتحاد السوفياتي قد وافق في ديسمبر 1954 على تصدير النفط لإسرائيل وفق اتفاقية اقتصادية بينهما، رغم أن اليسار كان يريد الابتعاد عن الغرب باعتباره يدعم إسرائيل، ويضغط على الحكومات خاصة حكومة صبري العسلي لهذا السبب( ) ، وما كان ذلك يمكن أن يحصل لولا نفوذ البعث في الجيش، واختلافات الأحزاب المحافظة، وظهور أقلية يسارية في البرلمان، إضافة إلى الدعاية السوفياتية، والشيوعية، حيث سمحت حكومة صبري العسلي عام 1956 بتوزيع الصحف الشيوعية، وعرض أدبيات الفكر الشيوعي علناً، كما دخل الإتحاد السوفياتي عام 1954 في معرض دمشق الدولي، ولم تدخله الولايات المتحدة وبريطانيا، ثم إتبع الإتحاد السوفياتي استراتيجية توثيق صلاته السياسية والاقتصادية والثقافية في سوريا( ) ، تمهيداً لربطها به بشكل مطلق من خلال ما يلي: ( )
1- دعوات موجهة إلى رجال الفكر والسياسة والدين لزيارة الإتحاد السوفياتي.
2- منح أحد كبار رجال الدين في سوريا، جائزة ستالين للسلام.
3- تقديم وزراء الدول الشيوعية في أوربا عروض تجارية مغرية لربط الأوساط التجارية السورية بالاقتصاديات الشيوعية.
4- التركيز السوفياتي الإذاعي على سوريا.
5- مشاركة الإتحاد السوفياتي في معرض دمشق الدولي بأوسع وأضخم الأقسام، لجذب الزائرين، بمعداته الآلية وصناعاته الضخمة، إضافة لآلاف الكتب الشيوعية بجميع اللغات وبأثمان زهيدة.
وقد فاز خالد بكداش في انتخابات عام 1954 كأول شيوعي يصل إلى البرلمان في الشرق الأوسط، ثم عمل الإتحاد السوفياتي على ربط سوريا خلال الفترة (1957-1958) من خلال ما يلي:
1- قروض مالية لا تستطيع وفاءها.
2- صفقات الأسلحة الضخمة ومشاريع عمرانية واقتصادية تنفذ بواسطة خبراء دول شيوعية وعن طريقهم.
3- البعثات العسكرية إلى روسيا.
4- البعثات الثقافية والعلمية والطلابية وغيرها.
5- محاولة فرض اللغة الروسية، كإحدى اللغات الرسمية في المدارس السورية والجيش.
6- انسايق العديد من المثقفين والسياسيين والشباب والفلاحين، خلف الحزب الشيوعي السوري.

وعمل الإتحاد السوفياتي على ركوب الموجة الشعبية في سوريا التي اتسمت بالمد القومي عقب سقوط محمد نجيب وإعتلاء عبدالناصر كرسي الرئاسة عام 1954، رغم إدراكه أن انقلاب محمد نجيب كان من تدبير الولايات المتحدة، فأصدر الحزب الشيوعي بياناً عام 1956، اعتبر فيه القومية العربية أنها حركة تقدمية تاريخية ( )، رغم أن مباديء الماركسية تقول عكس ذلك، وكان قد أصدر بياناً في إبريل 1955، تعهد فيه بالدفاع عن دول الشرق الأوسط التي تتعرض لضغوط من جانب الغرب، تجبرها على الانضمام للتحالفات الغربية، على أساس حرصه على حماية حريتها واستقلالها( ) ، وفي 16 إبريل 1955 دخلت سوريا كتلة عدم الإنحياز وشاركت في مؤتمر باندونغ ووقعت على مبادئه الخمسة، كما أنه اتخذ موقفاً مؤيداً لمصر إبان العدوان الثلاثي على مصر، عندما زاره الرئيس شكري القوتلي، واجتمع مع كبار المسؤولين السوفييت، ومن ضمنهم برجنيف الذي تعهد بالوقوف إلى جانب سوريا ومصر ضد أي تعد عليهما، كما تم الاتفاق مع وزير الدفاع خالد العظم على تزويد سوريا بكل ما تحتاجه من السلاح( ) ، وبالفعل فقد وصل سوريا عدة أسراب من طائرات الميج السوفياتية، وقد صرح الرئيس شكري القوتلي لدى عودته من موسكو في نوفمبر 1956 بتصريح قال فيه : " إن آلاف المسلمين السوفييت قد أعلنوا استعدادهم للمجيء إلى الشرق الأوسط، لكي يخلصوا الأرض المقدسة، من المعتدين والمستعمرين"( ) ولاشك أن هذا التصريح فيه بعض المبالغة، ولكن كان ضرورياً في ذلك الوقت لرفع معنويات الشعب السوري أمام ازدياد الهجمات الغربية والشرقية، وصراع المحاور الإقليمية على سوريا.

كما جاءت برقية من موسكو أذاعتها وكالة رويتر للأنباء تقول أن الإتحاد السوفياتي قرر السماح لمائة ألف مسلم من الإتحاد السوفياتي للتطوع إلى جانب القوات السورية والمصرية، لمواجهة أي عدوان عليهما، وأعلن الماريشال السوفياتي بولغانين تحذيره لفرنسا وبريطانيا، أن عدوانهما على مصر قد يقود إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، كما أكد رئيس الوزراء الصيني شوان لا أن الصين مستعدة لإرسال عشة ملايين صيني لمقاومة العدوان الثلاثي على مصر ، ولاشك أن كل ذلك نوع من الدعايات الشيوعية السوفياتية لكسب مؤيدين لسياسته في سوريا، خاصة وأنه قدم قرضاً لسوريا بمبلغ 400 مليون ليرة سورية، إضافة إلى مساعداته في تطوير صناعة النفط السورية، وبعث ضابطاً كبيراً ليساعده في تنظيم الأجهزة الأمنية( ) ،وزار وزير خارجيته شبيلوف سوريا في يوليو 1956، وأعلن عن دعم الإتحاد السوفياتي لسوريا مادياً (اقتصادياً)، وسياسياً في كل الهيئات الدولية( )، كما وقعت سوريا مع الإتحاد السوفياتي في أغسطس 1956 اتفاقية ثقافية، وفتحت وكالة للأنباء تابعة للسوفييت، في دمشق، في أكتوبر 1956، وازداد حجم الإتفاقيات الاقتصادية بين سوريا والدول الشيوعية، حتى أن الشركات التشيكوسلوفاكية أخذت تزايد على الشركات الغربية في معامل
تكرير البترول، وبدأت شركة تشيكوسلوفاكية بإنشاء مصفاة للنفط في حمص، كما عقد وزير الدفاع خالد العظم اتفاقية مع الإتحاد السوفياتي في موسكو، لإصلاح ميناء اللاذقية وإعداده لرسو السفن الكبيرة( ) ، حتى يقل اعتماد سوريا على الموانيء اللبنانية، إضافة لتعهد الإتحاد السوفياتي بتقديم المساعدات المالية والفنية لاستصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الجزيرة السورية، وتزويد سوريا بالجرارات، كما أبدى استعداده لمسانده سوريا، إذا تعرضت لأي اعتداء من جانب تركيا بعد أن رفضت سوريا مبدأ أيزنهاور مما حذا بتركيا بتأييد الولايات المتحدة إلى التهديد باجتياح سوريا، وهذا أدى بالإتحاد السوفياتي إلى التهديد باجتياح تركيا، إذا تعرضت سوريا للخطر، وهدد بضربها بالأسلحة النووية، وبالفعل قامت وحدات الأسطول السوفياتي بزيارة ميناء اللاذقية من 19 سبتمبر وحتى 2 أكتوبر 1957، وأجرت مناورات عسكرية قرب السواحل السورية( ) ، وعلى إثر ذلك تراجعت الولايات المتحدة عن حث تركيا عن تهديداتها لسوريا، وأعلن وزير خارجية الولايات المتحدة جون فوستر دلاس، أنه لا ضرورة لتطبيق مبدأ أيزنهاور على سوريا، وأن الولايات المتحدة ستسلك المسلك الدبلوماسي معها وحين انتهت الأزمة في نهاية سبتمبر 1957، أعلنت مصر في 13 أكتوبر أنها سترسل قوات مصرية لمساعدة سوريا، لمواجهة التهديدات التركية التي تتعرض لها سوريا، لكنها كانت قوات رمزية لا تزيد عن ألفي مقاتل، بينما كانت القوات التركية تزيد عن (35) ألف مقاتل، ولكن هدفت مصر من إرسال هذه القوات لتقوية التيار الموالي لمصر في سوريا، كما قام وزير الدفاع خالد العظم عام 1957 بزيارة موسكو وعقد إتفاقية تركزت على: ( )

1- أن يقوم السوفييت بتقديم قرض طويل الأجل لسوريا من أجل التنمية.
2- شراء الإتحاد السوفياتي لفائض الإنتاج الزراعي السوري، بعد أن قرر الغرب تقليص علاقاته الاقتصادية، مع سوريا، بسبب رفضها مبدأ أيزنهاور، فأعلن الإتحاد السوفياتي أنه سيشتري 300 ألف طن من القمح السوري، كما تدخلت مصر وأقرت إتفاقية اقتصادية مع سوريا وإيطاليا.
3- عقد إتفاقية عسكرية سرية.
مما جعل الولايات المتحدة تعلن عن عدم قدرتها على تحمل وجود تابع سوفياتي في قلب الشرق الأوسط، وفي ظل هذا الوضع أعلن اليسار ممثلاً بالحوراني والعظم، تأييدهم للسوفييت، وأخذ الحزب الشيوعي يعمل على تقويض الأحزاب المحافظة واليمينية، خاصة بعد أن تم تقويض الحزب القومي السوري عام 1955، فهاجم خالد بكداش في يونيو 1957، حزب الشعب في البرلمان، متهماً إياه بالعمالة للغرب، ودافع عن الإتحاد السوفياتي، مما حذا بزعيم حزب الشعب رشدي الكيخيا للرد عليه بأنه ينشر الفوضى والفساد وأنه باع البلاد للسوفييت، كما عمل البعث على تصفية الضباط غير اليساريين من الجيش، فأقيل توفيق نظام الدين الموالي للرئيس شكري القوتلي، وتم تعيين عفيف البرزي اليساري قائداً لاركان بدلاً عنه، ثم تم إحتلال ثلاث نواب يساريين وواحد من العشائر، بعد رفع الحصانة البرلمانة عن أربعة من النواب عقب كشف عملية التيه أو ما تسمى بالانتشار( ).
وكان رد الإتحاد السوفياتي على مشروع أيزنهاور بخطة مضادة سميت بخطة شبيلوف في مارس 1957، تلك الخطة الموجهة ضد الولايات المتحدة وحلفاءها، وتنص على حل سلمي لنزاعات الشرق الأوسط وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه المنطقة، وإلغاء الأحلاف العسكرية، وأي تزويد بالأسلحة ، وتحييد الشرق الأوسط، وتحديد مناطق نفوذ للإتحاد السوفياتي معترف بها من قبل الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة رفضت أن يكون للإتحاد السوفياتي أي مناطق نفوذ في الشرق الأوسط، وعلى إثر ذلك تحولت سوريا إلى دولة شبه تابعة للسوفييت، وبما أن الولايات المتحدة لها عملاء في جميع الأطراف، وخاصة اليسار السوري الممثل بالحوراني والعفلق والسراج وغيرهم، من خلال ولائهم للنظام المصري المخترق من قبل الولايات المتحدة، إضافة لارتباطاتهم السرية معها، لذلك فضلت الولايات المتحدة السيطرة على سوريا وإبعاد الخطر الشيوعي عنها من خلال ربطها بالنظام المصري، وعلى هذا الأساس أيدت الوحدة مع مصر، بعد أن دفعت البعث المسيطر على الجيش من خلال أتباع الحوراني لتأجيل الانتخابات البلدية ومن ثم إلغاءها، وإفساح المجال لانقلاب عفيف البرزي عام 1958، قبل بضعة أشهر من الانتخابات البرلمانية الجديدة، التي كانت ستبعد اليسار البعثي نهائياً عن المشاركة في السلطة( ).
وفي ظل الوحدة مع مصر عام 1958، تضاءلت علاقات سوريا/ التي أصبحت الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة/، مع الإتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية، وأعيد الطلاب الدارسون في البلدان الشيوعية إلى سوريا، ولوحق الشيوعيون في سوريا من خلال مخابرات عبدالحميد السراج، وعذب قسماً منهم حتى الموت، وساءت علاقات عبدالناصر مع الإتحاد السوفياتي، إثر تدخل السراج ضد الجمهورية العراقية برئاسة عبدالكريم قاسم، الذي تقارب مع السوفييت عقب انقلابه على الحكم الملكي في يوليو 1958، كما أنه تقارب مع الحزب الشيوعي العراقي لدعم حكمه في الداخل، ومحاولات السراج تقويض نظام عبدالكريم قاسم في العراق من خلال ثورة عبدالوهاب الشواف عام 1959، إضافة لمحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم عدة مرات، وملاحقته الشيوعيين في لبنان، وقتل وتذويب زعيم الحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو بالأسيد، وإتهامه للشيوعيين ببيع البلاد للإتحاد السوفياتي، كما نظم السراج المظاهرات الصاخبة ضد عبدالكريم قاسم، وأعلن السراج أنه تلقى آلاف البرقيات التي تدعو لإعلان الجهاد المقدس لتحرير العراق من الشيوعية، ونظم حرب دعائية كبيرة، وسادت اضطرابات كبيرة في سوريا ضد النظام الجديد في بغداد، كل هذه الأشياء جعلت الإتحاد السوفياتي يؤيد انقلاب عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، ويعلن اعترافه بالنظام الجديد في سوريا، حيث عمل في ظل نظام ناظم القدسي على تقوية الدعاية، الشيوعية مرة أخرى لكن لم تجد لها أي تجاوب من قبل الشعب السوري، حتى أن عبدالكريم قاسم في العراق أخذ بعد عام 1961 يبتعد عن الشيوعية، واضطهد الشيوعيين في العراق( ).
وبعد انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، ومن ثم انقلاب جاسم علوان في يوليو 1963، وسيطرة البعث على السلطة في سوريا، انقسم البعث بعدها إلى تيارين تيار مؤيد للماركسية وهو الذي تقوده القيادة القطرية لحزب البعث ويؤيدها صلاح جديد، وأمينها حمود الشوفي، وعلى أساسها تشكلت حكومة يوسف زعين في 23 يونيو 1965، حيث أصبح يوسف زعين الأمين القطرى لحزب البعث السوري بعد طرد حمود الشوفي من الحزب في المؤتمر السادس للحزب، وقد طالبت حكومة زعين بالتعاون مع الإتحاد السوفياتي، وقام وزير الدفاع حمد عبيد الموالي لها بتسريح ثلاثة ضباط موالين للتيار اليميني الذي تمثله القيادة القومية والتي ينتمي إليها الرئيس أمين الحافظ، مما حذا بالقيادة القومية إلى عزل القيادة القطرية في 23 دبيسمبر عام 1965، وتشكيل لجنة من أنصار ميشيل عفلق لتقوم بمهام القيادة القطرية مؤقتاً( )، وهذا أدى برئيس الحكومة يوسف زعين إلى الاستقالة إحتجاجاً على ذلك، وكان ذلك من الأسباب التي دفعت صلاح جديد للقيام بانقلابه في 23 فبراير 1966، وقد دعم الإتحاد السوفياتي هذا الانقلاب واعترف بالنظام الجديد مباشرة، وقدم له المساعدات، كما حث وزير الخارجية السوفياتية الجديد كوسجين، عبدالناصر على تأييد النظام الجديد في سوريا( ) ، وأكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر، الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، أن صلاح جديد كان وراءه الإتحاد السوفياتي، كما زار رئيس وزراء الصين (شوان لاي) سوريا في صيف 1966، واجتمع مع الرئيس نور الدين الأتاسي، حاثاً إياه على الابتعاد عن الإتحاد السوفياتي ومصر في إطار الخلاف الصيني/السوفياتي( ) ، حيث تعهد بأن الصين ستقدم للنظام الجديد كل ما يحتاجه من مساعدة مقابل ذلك، لكن الأتاسي رفض ذلك العرض واستمر بولائه للسوفييت، ووقع صلاح جديد في أوائل 1967 باعتباره الأمين العام المساعد لحزب البعث السوري، مع عضو المكتب السياسي للجنة المركزية في الإتحاد السوفياتي إتفاقية بين البلدين وأعلنا فيها ما يلي : " يشجب الخربان قطعاً دسائس الإمبريالية والرجعية في الوطن العربي، وسائر الأعمال الهدامة ضد الدول العربية التقدمية، والسياسة العدوانية التي تتبعها الصهيونية، ويعلن الحزبان تأييدهما الكامل لنضال عرب فلسطين من أجل حقوقهم المشروعة التي لا تتجزأ " ( ) ، كما صرح الإتحاد السوفياتي إبان زيارة رئيس الحكومة العراقية عبدالرحمن البزاز له في أغسطس 1967 بما يلي : " يستنكر الإتحاد السوفياتي استفزازات إسرائيل ضد الدول العربية، وخاصة الجمهورية العربية السورية، تلك الاستفزازات التي تكررت في الآونة الأخيرة والتي تشكل خطراً على قضية السلام"( ) .
وعمل الإتحاد السوفياتي على عكس ما صرح به حيث عمل على توريط سوريا ومصر بحرب يونيو 1967، فقد أعلم السفير السوفياتي في القاهرة، الرئيس جمال عبدالناصر، بأن إسرائيل تخطط للهجوم على سوريا، وكان هدفه من ذلك ما يلي( ):
1- أن تسرع مصر بسحب قواتها من اليمن لتحركها بإتجاه إسرائيل، وبالتالي إفساح المجال أمام النفوذ السوفياتي في اليمن الجنوبي.
2- أن تؤدي المساندة المصرية للنظام السوري الجديد (الأتاسي/جديد)، إلى تدعيم موقفه الداخلي، بسبب تصاعد الاضطرابات في سوريا عقب سقوط الرئيس أمين الحافظ، وإشغال الولايات المتحدة بهذه المشكلة، بعد أن بدت خسائرها واضحة في فيتنام، خاصة وأن مصر وسوريا قد وقعتا في نوفمبر 1967 على ميثاق الدفاع المشترك الذي انضمت إليه الأردن والعراق فيما بعد.
وبعد سحب القوات المصرية إلى سيناء، وإغلاق مضائق تيران إثر المزايدات السورية على عبدالناصر،حيث إتهمه النظام السوري بالتقاعس عن حل قضية فلسطين، وحله للممرات المصرية للسفن الإسرائيلية، وبعد ذلك أعلم السفير السوفياتي في القاهرة عبدالناصر بأن إسرائيل لن تكون البادئة في الحرب، رغم أنها هي التي بدأت الحرب في اليوم التالي على كلام السفير السوفياتي، وتقاعس السوفييت عن دعم العرب خلال هذه الحرب، ما حذا بالدول العربية إلى التنديد بالإتحاد السوفياتي كونه لم يف بالتزاماته تجاه العرب( ) ، كما وعد بذلك على أساس أنه سيقف إلى جانب العرب ضد إسرائيل، لذلك عمل السوفييت بعد الحرب على تحسين صورتهم في العالم العربي بتعويض كل من سوريا ومصر عن 80% من خسائرهما خلال الحرب ( )، وتنديدهم بعمليات الإحتلال التي قامت بها إسرائيل، وطردها للسكان العرب من الجولان، مع تأكيده على الاعتراف الكامل بحقها بالوجود، لكن كانت الأسلحة التي قدمها السوفييت لمصر وسوريا، عبارة عن أسلحة دفاعية، وليست هجومية، ورغم ذلك استطاعت أن تكسب ولاء نظامي سوريا ومصر، حتى وصل عدد خبراتها في مصر وحدها إلى 20 ألف خبير، لكنهم جعلوا هذه الأسلحة تحت تصرف خبراءهم، وعملوا على تقليل كميات الذخائر وقطع الغيار التي تحصل عليها مصر وسوريا، حتى لا يتاح لها شن أي حرب هجومية ضد إسرائيل، وعملوا على السعي لإبقاء حالة اللاحرب واللاسلم، لأن ذلك يضمن لهم حالة عدم الاستقرار في المنطقة، بما يضمن ولاء سوريا ومصر والعراق، ويقلل تكاليف الحرب من سلاح وأموال فيما لو حدثت، ويقلل أيضاً من فرصة مواجهة سوفياتية أمريكية بسبب حرب قد تحدث، لهذه الأسباب عملوا على إفشال أي تسوية سياسية في المنطقة، فلم يرحبوا بمبادرة روجرز عام 1969، وسعوا للدعاية ضدها، وضد عبدالناصر بسبب قبوله لها، رغم أنهم كانوا قد قطعوا علاقاتهم مع إسرائيل بعد حرب 1967( )، لكنهم لم يعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية حتى عام 1968 ( )، ولم يفتحوا لها مكتباً في الإتحاد السوفياتي، ورفضوا تدريب أتباعهم على أراضيهم، وكانوا عام 1966 قد رفضوا مقابلة أي مسؤول منها، ورغم الهزيمة الساحقة لمصر وسوريا والأردن والعراق، إلا أن هذه الأنظمة أخذت تزايد بشكل غير واقعي لتبرير هزيمتها، فقد خطب عبدالناصر عقب الهزيمة قائلاً: " إن العدو يريد اغتيال الثورة، لقد أخذ الأرض لكن الثورة باقية، .......... كنا ننتظرهم من الغرب فأتوا من الشرق " ( ) ، لكن هذا لا يبرر مسؤولية هذه الأنظمة وخاصة الجانب السوري في هذه الهزيمة وكان هذا من الأسباب التي دفعت وزير الدفاع السوري اللواء حاظ الأسد ليقوم بالحركة التصحيحية ويتبع سياسة خارجية أكثر واقعية .


المبحث الثالث
أثر التدخلات الإقليمية
تركيا ، إسرائيل ، مصر ، السعودية
، العراق ،الأردن ، لبنان
1- تركيــا:
بعد معركة مرج دابق عام 1916، سيطر العثمانيون على معظم أرجاء الوطن العربي، مبعدينه مسافة أربعمائة سنة عن الحضارة الإنسانية، فساد التخلف والجهل وتناقص السكان فيه، في ذات الوقت الذي بدأت الحضارة الأوربية ولادتها معتمدة على ما نقلته من بغداد والشام إبان الغزو الصليبي للمنطقة العربية( )، خاصة بعد سقوط آخر إمارات الأندلس وهي غرناطة عام 1492، وعندما ضعفت الدولة العثمانية وقوى الإتجاه العلماني والقومي في تركيا بسبب تأثره بعصر القوميات في أوربا، الذي بدأ بعد الثورة الفرنسية عام 1789، فقامت في الدولة العثمانية جمعية الإتحاد والترقي في إبريل 1908، ثم نفذت انقلابها على النظام العثماني، وسيطر الإتجاه القومي على أرجاء الامبراطورية، ثم عمل الانقلابيون على تتريك قوميات الامبراطورية من خلال إتجاه جمال باشا، مما كان لذلك ردة فعل عند القوميات الأخرى داخل الامبراطورية، وخاصة العرب الذين يحفلون بتاريخ مجيد يضاهي تاريخ أي امبراطورية عظيمة في العالم، لذلك رؤوا أن الحفاظ على كيانهم وقوميتهم يقوم من خلال اعتراف الدولة بهم كقومية لها كيانها المستقل داخل الدولة العثمانية، فوقفوا أمام النزعة الطورانية التي نادت بأفضلية الترك على العرب، ثم جاء إعدام الشهداء في دمشق وبيروت في السادس من مايو عام 1916، إثر اكتشاف قائد الجيش الرابع العثماني جمال باشا، لوثيقة تدينهم بالتعاون مع الحلفاء ضد الدولة العثمانية، ومن المعلوم أنه في حالة الحرب تنفذ الأحكام بشكل عرفي، فكان لذلك أثره على الشعب العربي، حيث إهتزت مشاعره لتلك الحادثة، وهذا أدى لاندلاع شرارة الثورة العربية الكبرى عام 1916 بقيادة والي الحجاز الشريف حسين بن علي، الذي كان قد نسق مع بريطانيا من خلال ما عرف بمراسلات حسين مكماهون، الذي كان سفيراً لبريطانيا في مصر، وكانت هذه المراسلات من خلال الجاسوس الإنكليزي توماس لورانس المعروف بلورانس العرب، فوعدته بريطانيا بإقامة الدولة العربية في المشرق العربي كله الذي يشمل شبه الجزيرة العربية، والهلال الخصيب، وأن يكون هو وأولاده من بعده ملوكاً عليها، لكن خيانة الحلفاء للشريف حسين من خلال إتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، قد جعل وعودها في مهب الريح، وعندما عمد الشريف حسين إلى تذكيرها بخيانتها له، عمدت إلى نفيه إلى قبرص عام 1925، وأقامت عرشاً آخر في الجزيرة العربية، ونفذت اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور( ).
والأتراك شعوب فارسية هاجرت من شمال إيران إلى الأناضول منذ حوالي 1000 سنة أي في القرن العاشر الميلادي، ولغتهم خليط من الفارسية 40%، والعربية 40% ولغة خاصة بهم 20%، فلا علاقة لهم بالأرض الموجودين عليها، لكنهم عمدوا منذ القرن التاسع عشر على تغيير الأسس التي تقوم عليها الدولة العثمانية، بمحاولة جعلها دولة قومية، وخاصة بعد صعود مصطفى كمال أتاتورك إلى سدة الرئاسة بعد انقلابه على السلطان العثماني محمد رشاد عام 1924، وقد أيده الحلفاء على ذلك فتواطئ مصطفى كمال أتاتورك مع الجنرال غورو، بأن يهزم جيش غورو أمام أتاتورك، وتسقط كليكيا بيد الأتراك، والدليل على هذا التواطؤ أنه في هذه المعركة لم يحدث أي أسرى أو قتلى في كلا الجيشين، رغم أن قوات غورو تزيد عن المائة ألف، ورغم أن أتاتورك هزم أمام قوات الملك فيصل بقيادة نوري باشا السعيد عام 1918، فسلمت كليكيا للأتراك بعد أن استلمها الفرنسيون من بريطانيا بعد أن حررها نوري السعيد، عداك عن ذلك أنه إثر هزيمة الدولة العثمانية أمام الحلفاء ظلت محتفظة بمناطق تابعة لسوريا مثل عينتاب ومرعش وأضنة وسروح وروم القلق، وبيرة حبك، والزيتونة، ويارزجق، وأندربن، وبيلان، وديار بكر وغيرها من المناطق الأخرى( ).
وعلى إثر الانتداب الفرنسي لسوريا حدثت مشكلة توزيع المياه بين سوريا وتركيا، فوضع بروتوكول منذ عام 1930 حدد فيه قواعد لاستخدام مياه نهر دجلة وضمان حقوق طريق في هذا النهر وفق أسس عادلة( ) ، ثم عقدت اتفاقية ثلاثية بين سوريا والعراق وتركيا لتقاسم مياه نهري دجلة والفرات ( ) ، وبعد ذلك عينت الحدود بين تركيا وسوريا ( ) ، بموجب معاهدة لوزان عام1932، واعتبر لواء الإسكندرونة جزءاً من سوريا، كما أن المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، شملت لواء الإسكندرونة، والتي بموجبها قررت فرنسا منح سوريا استقلالها، لكن تدخلت تركيا ضد ضم لواء الإسكندرونة لسوريا، الذي حدد فرنسا وضعاً خاصاً له بعد عام 1924، أي بعد فصله عن حلب وإنضمام حلب لدمشق، وبناءاً على ذلك تشكلت لجنة من الخبراء داخل عصبة الأمم، وقد وجدت هذه اللجنة أن الأتراك عبارة عن أقلية من السكان، لكن تواطأت فرنسا مع تركيا، فسمحت فرنسا بدخول قوات عسكرية تركية لتشرف على الانتخابات في اللواء، ولتعرض نتائجها على عصبة الأمم للموافقة على ذلك، فكان التآمر البريطاني الفرنسي مع بعض الدول داخل عصبة الأمم، لقبول نتائج الانتخابات التي قامت تحت حراب الأتراك وتآمر الفرنسيين، فقررت عصبة الأمم استقلال الإسكندرونة عام 1937، وتجريده من الصبغة العسكرية، مع ضمانات خاصة للسكان الأتراك فيه، ثم ألفت تركيا معاهدة الصداقة التركية السورية التي أبرمتها مع سوريا عام 1926، لأنها تشمل سوريا بلوائها، وعقدت إتفاقية مع فرنسا في الثالث من يونيو عام 1938، جاء فيها خضوع لواء الإسكندرونة، ثم جرى استفتاء في الخامس من يونيو 1938 تحت سيطرة القوات التركية، فحصل الأتراك على 22 مقعداً مقابل ستة عشر للسوريين، وعلى إثر ذلك أعلنت استقلال اللواء تحت اسم جمهورية هاتاي، وفي الثالث والعشرين من يوليو عام 1939، تم توقيع معاهدة جديدة بين فرنسا وتركيا تم بموجبها ضم لواء الإسكندرونة بصورة نهائية
لتركيا مقابل وقوف تركيا إلى جانب فرنسا في الحرب ضد المحور، وعلى إثر اغتصاب اللواء عام 1939، نزح حوالي خمسون ألف من سكانه إلى سوريا، ليحافظوا على جنسيتهم السورية، تاركين أملاكهم هناك على أمل عودتهم إليها بعد استرجاع اللواء، لكن تضمنت المعاهدة التركية الفرنسية في عام 1939 القاضية بتنازل فرنسا لتركيا عن لواء الإسكندرونة، عن نص في مادتها الرابعة يقوم على إعطاء الأشخاص الذين ينزحون منه مهلة ثمانية عشرة شهراً لتصفية أملاكهم، وألا يحق لهم نقل أثمانها إلا عن طريق البنك التركي، ودفع ثلثها رسوماً للحكومة التركية، ثم عمدوا بطريقة ملتوية لمنع شراء عقارات السوريين، إلى أن إنقضت مهلة الثمانية عشر شهراً، وكانت تركيا قد عمدت إلى نفس الأسلوب في المناطق الأخرى التي ضمتها من قبل، ثم أدخلت هذه الأملاك في عداد أملاك الدولة لتغيب أصحابها عنها وبرغم وجود وكلاء لأصحاب هذه الأراضي، لكن تركيا لم تعترف بهم، ثم جاءت بمستوطنين أتراكاً من الأناضول إلى هذه المناطق، مما حذا بالحكومات السورية المتعاقبة أن تتخذ نفس الأسلوب بحق الأتراك الذين لهم أملاك في سوريا، وتجدر الاشارة إلى أن سبب نزوح بعض سكان اللواء منه إثر ضمه إلى تركيا بسبب ما عرف عن النظام التركي من عمليات تطهير عرقي، فحتى الأكراد اضطهدوا في تركيا، وهاجر قسم كبير منهم إلى سوريا والعراق، إضافة إلى الأرمن، منذ بداية العشرينات، والدليل على ذلك أن تركيا عملت حال ضمها للإسكندرونة إلى اضطهاد أهل اللواء وملئت سجونها بهم بمجرد تكلمهم العربية( ).

وتكمن أهمية اللواء بالنسبة لسوريا والعراق أنه المرفأ الطبيعي لشمال سوريا والعراق على البحر المتوسط، فقد أكدت دائرة المعارف البريطانية حول أهميته بقولها :" إن خليج الإسكندرونة مرفأ العراق الطبيعي "( ) ، وفيه مفاتيح الشرق العربي، حيث شهد التاريخ أعظم معاركه فيه، ويقول رئيس الوزراء البريطاني دزرائيلي حول أهميته : " إن مصير العالم سيقرره يوماً ما مرفأ الإسكندرونة الذي تشير إليه قبرص بأصبعها"( ) .

وقد استمرت المشاكل حول أملاك السوريين في الإسكندرونة وكليكيا، بعد الاستقلال، وتوترت العلاقات التركية السورية عشية الاستقلال فاندلعت المظاهرات في نوفمبر 1946 تطالب بعودة لواء الإسكندرونة، وتدعو الحكومة السورية إلى عرض قضية لواء الإسكندرونة على مجلس الأمن بعد أن أصبحت سوريا عضواً فيه وذلك بعد الحرب العالمية الثاني( )ة، فقام رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد بدور الوساطة بين تركيا وسوريا، لذا عقد اتفاق تركي سوري تم بموجبه موافقة تركيا بعدم إعلان سوريا اعترافها الرسمي باحتلال تركيا للواء الإسكندرونة، مقابل تعهد الحكومة السورية بعدم إثارة مشكلة اللواء( )،كما عملت تركيا على التصويت في الأمم المتحدة في نوفمبر 1947 إلى جانب قرارتقسيم فلسطين واعترفت بإسرائيل في مارس 1949( ) ، وأخذت صحفها تشن حملاتها ضد سوريا بتأثير ارتباطاتها بالصهاينة( )، لأن الحكومات السورية استمرت بالعمل من أجل استرداد لواء الإسكندرونة، وسجلت قضية لواء الإسكندرونة ، كأول قضية من قضايا الوطن العربي في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن عام 1945( )، وكان لهذه الأسباب أثراً في اعتراف تركيا مباشرة بحسني الزعيم عقب انقلابه في مارس 1949، وتحسنت علاقتها معه بشكل كبير، وكان السفير التركي من أوائل السفراء الذين زاروا حسني الزعيم عشية انقلابه( )، متناسياً قضية لواء الإسكندرونة، فقد صرح لجريدة الأهرام المصرية بما يلي: " إن قضية لواء الإسكندرونة، أصبحت قضية ثانوية، وإن بقاء هذه المنطقة في أيدي الأتراك أو إعادتها إلى سوريا أمر ثانوي، مادام الشعبان على أتم إتفاق ومادامت مصالحهما واحدة"( )، وقد أطلع حسني الزعيم لقائد الأركان التركي السابق (أورباني) على أسرار الدولة والجيش عندما عينه مدردباً للجيش السوري( )، على أساس أن مثله الأعلى هو مصطفى كمال أتاتورك( )،رغم أن أتاتورك قد وصف الإسلام بأنه أحكام ونظريات شيخ عربي، وقد تبرأ منه،وجعل الإجازة يوم الأحد بدل الجمعة، وألغى الكتابة بالخط العربي، والحروف العربية، وعمل على استئصال كل ماله صلة بالإسلام شكلاً ومضموناً، لذلك كان رأي حسني الزعيم بأتاتورك قد أثار التيار الديني والقومي ضده( ) ، لكن بعد سقوطه واعتلاء سامي الحناوي قيادة الجيش، ودعمه للوحدة مع العراق، استاءت تركيا، فعملت على التقارب مع الغرب للوقوف ضد التوجهات القومية العربية، فأيدت مشروع ترومان، ثم إنضمت إلى حلف شمال الأطلسي عام 1951، وأيدت مشروع دفاع الشرق الأوسط عام 1950، لهذه الأسباب تقاربت مع أديب الشيشكلي بعد انقلابه الأول والثاني، على اعتبار موالاته للغرب، لكن بسقوطه عام 1954، وازدياد المد القومي في سوريا، ازداد تقارب تركيا مع الغرب بشكل أكبر، فانضمت إلى حلف بغداد عام 1955، وكانت قد وقعت مع إسرائيل معاهدة تعاون عسكري مشترك، يضمن بموجبها عدم اعتداء عليها من أية دولة من دول الشرق الأوسط، والرد عليها إن حدث ذلك، لكن ضغط رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد على تركيا قبل التوقيع على حلف بغداد جعلها تلغي تحالفها مع إسرائيل، ثم أنها أدانت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 باعتبارها موالية للسياسة الأمريكية( ).

وبمناسبة ذكرى اغتصاب لواء الإسكندرونة عام 1959، أضربت جميع المدن السورية، كما اندلعت المظاهرات ضد سياسة الأحلاف والصلح مع إسرائيل، حيث توافقت هذه الحادثة الأليمة على الشعب السوري، مع ذكرى تقسيم فلسطين( ) ، وأمام مواجهة المد القومي في سوريا، عمدت تركيا من خلال ملحقها العسكري في دمشق بمؤامرة لتغيير قائد الأركان السوري شوكت شقير الموالي لمصر والسعودية وتعيين اللواء أنور بنود أو سعيد حبي مكانه( ).
وقد رأت مصر أن حلف بغداد الذي وقعته تركيا والعراق في 25 فبراير 1955 من خلال رئيسي وزراء الدولتين وهما عدنان مندريس ونوري السعيد، سيجر معه الأردن وسوريا ولبنان، وسيعزل مصر، لذلك عملت مصر على التنديد به واتهامه بأنه ضد القومية العربية، وقد ساعدتها السعودية على ذلك خوفاً من التوسع الهاشمي، من خلال اجتماع الجامعة العربية في يناير 1954، لكن سوريا رفضت التنديد به، وهذا ما حذا باليسار لاسقاط الحكومة السورية التي يرأسها فارس الخوري( ) ، وضغط من أجل عقد الميثاق الثلاثي بين سوريا ومصدر والسعودية، وهذا ما أثار تركيا التي وجهت إنذاراً إلى سوريا في الثالث عشر من مارس عام 1955 باعتبارها أن هذا الميثاق هو عمل عدواني( ) ، وإزاء معاداة سوريا لمبدأ أيزنهاور عام 1957، قامت بحشد قواتها على الحدود مع سوريا (حوالي 35ألف جندي)، وذلك بتشجيع من الولايات المتحدة، مما حذا بعبدالحميد السراج أن يقوم في الرابع من مايو من عام 1957 بتشكيل مجلس قيادة ثورة جديد بدل القديم، وجعل قيادة هذا المجلس لقائد الأركان عفيف البرزي وأدخل فيه الحوراني وخالد العظم وأمين النفوري، وأصبح هذا المجلس يتدخل في السياسة الخارجية للحكومة( )، وقد أيدت مصر هذا الإجراء، باعتباره يقود إلى الوحدة مع مصر من خلال سيطرة القيادة المصرية على سوريا، خاصة بعد إرسالها لقواتها الرمزية إلى سوريا، بعد إنتهاء الأزمة والتي لا تزيد عن ألفي مقاتل، في أكتوبر 1957 رغم أن الأزمة انتهت منذ سبتمبر 1957( ) ، وقد أيدت تركيا الوحدة بين سوريا ومصر كونها تبعد سوريا عن الشيوعية، خاصة أن سوريا قد جهزت خلال أزمتها مع تركيا ما سمي بالجيش الشعبي، حيث وزعت آلاف قطع الأسلحة على الشعب، واندلعت المظاهرات المنددة بهذه الحشود، وقدمت سوريا شكوى للأمم المتحدة في 22 أكتوبر 1957، بسبب هذه الحشود، وخلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر ، شكلت تركيا وإيران وإسرائيل منظمة ترايدنت عام 1958 وهي عبارة عن تحالف بين الموساد والسافاك، والمخابرات التركية، وقد أثبتت الملفات بعد حركة روح الله الخميني عام 1978 أن هذه المنظمة قد نفذت عمليات كثيرة في سوريا والعراق ولبنان، فيما عرف بالرمح الثلاثي( )، أيضاً من خلال الوحدة ازدادت مطالبة الشعب السوري بلواء الإسكندرونة، مما حذا برئيس بلدية ولاية الإسكندرونة جمال كوريل إلى التصريح في التاسع والعشرين من يوليو عام 1960 قائلاً: " إن أية محاولة سورية للاندماج مع هاتاي لابد أن تقود إلى الحرب "( ) ، وكانت تركيا قد تأثرت سلباً بالوحدة على أساس أنها حولتها لدولة ثانوية أمام جمهورية أكبر، خاصة أن نظام الوحدة أخذ يلعب بورقة الأكراد في المنطقة، ويشجعهم على مطالبهم الانفصالية، مما كان له تأثير سلبي على النظام التركي ، حيث سقط النظام بانقلاب عسكري عام 1960 وأعدم رئيس الحكومة التركية عدنان مندريس( )، وتخوفاً من زعزعة استقرارها، عملت تركيا على التمهيد لإسقاط الوحدة معتمدة على التناقضات الداخلية في سوريا خلال الوحدة، ثم أيدت انقلاب عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، فكانت الدولة الثانية بعد الأردن التي تعترف بالنظام الجديد، كما أنها حركت أسطولها عشية الانقلاب إلى قرب السواحل السورية لمواجهة أي قوة مصرية
قد تأتي، وكان هذا سبباً لتعزيز العلاقات بين تركيا وسوريا التي ساءت بنتيجة الوحدة بشكل كبير( ) ، لكن لم تلبث العلاقات خلال حكم الرئيس ناظم القدسي أن ساءت أيضاً بعد مطالبة رئيس الحكومة بشير العظمة عام 1962 بضرورة عودة لواء الإسكندرونة إلى سوريا، وعدم الاعتراف بضمه إلى تركيا( ).
وبعد انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 ومن ثم وصول البعث إلى السلطة بشكل منفرد بعد فشل انقلاب جاسم علوان في يوليو 1963. تحسنت العلاقات مع تركيا، بسبب تخوف نظام البعث أن تثير تركيا عدم الاستقرار الداخلي في ظل وضع البعث المتردي في السلطة ، وخاصة بعد انقلاب صلاح جديد عام 1966 الذي عمل على التقار مع تركيا رغم أن أطماع تركيا في الأراضي السورية والعراقية ما تزال مستمرة وأكبر دليل على ذلك أن الرئيس التركي سليمان ديميريل، طالب عام 1995، بضم محافظة الموصل العراقية إلى تركيا، إضافة لما قامت به وتقوم به تركيا من إنقاص لمنسوبي دجلة والفرات مخترقة بذلك كل القوانين الدولية حيال ذلك.
2- إسرائيل
لم يكن قيام دولة إسرائيل في جنوبي سوريا أي في فلسطين مفاجئاً لدول العالم فقد كانت الامبراطوريات الحديثة كروسيا والنمسا والمجر، وبروسيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، ترغب في قيامها وكل لها أسبابها الخاصة، إضافة للاختراق الصهيوني في كل هذه الامبراطوريات، فاستخدمت الصهيونية ، معاهد الاستشراق الشيوعية التي يسيطر عليها الصهاينة اليهود( )، كما استخدمت اختراقها للامبراطورية البريطانية، لتنفيذ مخطط إقامة هذه الدولة، مستغلة مشاعر اليهود الذين ولدوا خارج فلسطين، وترعرعوا خارجها، حيث يشعرون أن إسرائيل هي وطنهم الأصلي، ولهذا السبب كانوا يعزلون أنفسهم عن الآخرين في كوبتسات خاصة بهم، باعتبارهم حاملين لأول رسالة سماوية إلى العالم، تلك الرسالة التي ترفض التعصب وتدعو للإخاء العالمي كبقية الأديان السماوية، لكن منهج الصهيونية يدعو للعنصرية ويبتعد عن الأخوة العالمية( ) ، ولهذا السبب ظهر الكثير من الكتاب اليهود الذين رفضوا منهج الصهيونية، مثل (موشي مينوهين)، في كتابه، "إنحطاط اليهود في عصرنا" حيث يقول فيه: " إن اليهودية التي بشر بها الأنبياء هي يهودية التسامح لا يهودية النابالم، إن القوميون ليسوا يهوداً، ولا تربطني بهم صلة لأنهم فقدوا كل شعور بالأخلاق اليهودية وبالمثل الإنسانية"( ) .
ورغم أن اليهود يعتبرون أقرب الشعوب للعرب كونهم من العرق السامي الذي ينتمي إليه العرب ، إضافة أن قسما من اليهود هم من نسل إسحق ابن إبراهيم، وأيضاً قسماً من العرب وهم العرب المستعربة الذين ينتمي إليهم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، هم من نسل اسماعيل بن إبراهيم، فإبراهيم عليه السلام هو الجد الأكبر لكليهما، ورغم ما أتاحه العرب لليهود إبان الدولة الأموية والعباسية، واشراكهم في بناء حضارة الأندلس التي اجتمع فيها معظم يهود أوربا، إلا أن هذا كله لم يمنعهم من التحالف مع الغرب الأوربي لتقويض الامبراطورية العثمانية والمشاركة في تقسيم الأرض العربية، فقد اشتركت شبكة التجسس اليهودية نيلي في الحرب العالمية الأولى وقدمت معلومات ثمينة للقوات البريطانية عن تحركات الجيشين التركي والألماني، حيث تعتبر هذه الشبكة هي أم جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، فكانت هدية الحلفاء لليهود بعد انتصارهم، هو تقديم فلسطين لهم على طبق من فضة، بعد أن وعدتهم خلال الحرب بوعد وزير خارجيتها بلفور عام 1917، وبعد الحرب العالمية الثانية وافقت الدولتان العظميان، الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، من خلال مجلس الأمن على مشروع تقسيم فلسطين بين العرب واليهود في 29 نوفمبر 1947، ولم تحرك الجامعة العربية ساكناً إزاء هذه القضية، سوى ببعثها لجيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، رغم أن هذا الجيش غير مؤهل وغير مكتمل وغير قادر على تحرير فلسطين( ) ، وبالفعل فقد أبيد هذا الجيش بشكل نهائي في بداية حرب فلسطين، بالرغم من تطوع عدداً من( ) نواب البرلمان السوري وعددهم 30 نائباً في هذا الجيش لكن البرلمان اختار اثنين فقط هما عبدالسلام العجيلي وأكرم الحوراني، حيث انضما إلى فوج اليرموك الذي يقوده أديب الشيشكلي، لكن الشيشكلي والحوراني غادرا أرض المعركة وعادا لدمشق قبل نهاية المعركة بحجة تقديم موقف للبرلمان، حول سير المعركة، حيث عقد البرلمان جلسة استثنائية بسببهما.
وعلى إثر انسحاب القوات البريطانية من فلسطين، وإقامة دولة إسرائيل عام 1948 دخلت الجيوش العربية، المصرية، والعراقية، والأردنية، والسورية، واللبنانية، إضافة لجماعات متفرقة من دول عربية أخرى انضموا إلى هذه الجيوش، وقد هزمت جميع هذه الجيوش ماعدا الجيش السوري الذي احتل بعض المناطق الإستراتيجية بالرغم من صعوبة المناطق التي قاتل بها( ) ، ورفض اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، التي وقعتها جميع الدول العربية، ومنذ سقوط فلسطين أصبحت قضيتها قميص عثمان في الصراع على السلطة والتسلط في سوريا، وبقية الدول العربية، وأصبحت الثغرة التي يخترق من خلالها إلى الشعب الغزو الفكري تحت شعار الثورية، وحرب التحرير ليعود الاستعمار إلى مناطقه بقوة أكبر مما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية، من خلال الاستغلال والتبعية( )، فكان من تداعيات هزيمة الدول العربية، في هذه الحرب قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين أوهمتهم الأنظمة العربية بأن يخرجوا منها قبل الحرب بداعي إرجاعهم إليها بعد تحرير فلسطين, لكن هزيمة هذه الأنظمة جعلتهم يظلون خارجاً( ) ، كما أن انتصار إسرائيل في هذه الحرب جعلها تبدل من قرار التقسيم بحيث أصبحت مساحتها 20.7 ألف كم2 بدلاً من 14 ألف كم2، كما في قرار التقسيم عام 1947( ) ، وكانت أسباب تأثر سوريا بشكل خاص حيال هذه القضية كون الشعب السوري يؤمن أن فلسطين جزءاً من سوريا التي لابد من توحيد أجزائها تحت كيان واحد، وإن خسارة فلسطين موجهة لسوريا نفسها كونها محور الشرق الأوسط وبروسيا العرب، وإن إعادة توحيد هذه الأجزاء هو الخطوة الأولى أمام الوحدة العربية المنشودة، فكان تآمر بعض المسؤولين السوريين حيال هذه القضية، إحدى الأسباب التي مهدت لانقلاب حسني الزعيم بما أحدثه من زعزعة للاستقرار الداخلي في سوري( ) ا، وكانت خطة وزير الدفاع أحمد الشرباتي الفاشلة والخاطئة، وانسحابه من الحكومة بعد خمسة أيام من بدأ الحرب دليلاً على خيانته، خاصة وأنه كان له شريك يهودي في تجارته وهو من عائلة طوطح اليهودية السورية، إضافة إلى أنه كان وكيلاً لإحدى الشركات الأمريكية التي تبيع السيارات، وقد ثبت استلامه من مدير الاقتصاد لخمسة سيارات كانت مطلوبة لأشخاص معروفين( ) ، إضافة إلى خيانة المقدم فؤاد مردم بك ابن أخ رئيس الحكومة جميل مردم بك، الذي تسبب بوقوع شحنة الأسلحة القادمة لسوريا عبر إيطاليا في أيدي الإسرائيليين، بعد كشف الشحنة لجاسوسة تشيكوسلوفاكية يهودية اسمها بلماس، حيث كان على علاقة معها( )، إضافة إلى أن حسني الزعيم نفسه كان على علاقة بإسرائيل قبل انقلابه، حيث عرض خلال حرب 1948 على إسرائيل بأنه يستطيع اقناع الحكومة السورية بالتخلي عن الحرب، وتغيير سياستها تجاه إسرائيل مقابل مليون دولار تدفعها إسرائيل له( ) ، بعد أن عزم الرئيس شكري القوتلي منذ بداية التدخل الصهيوني في فلسطين، على تدمير الدعوة الصهيونية ودعمه المطلق للتوجهات الوحدوية، فكان رفضه منذ البداية لقرار التقسيم في عام 1947، كما فرض خلال سنين حكمه قانوناً ينص على مقاطعة التجمعات اليهودية، ومنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين عبر سوريا، وحرك الجيش السوري في أكتوبر عام 1947 على طول الحدود مع فلسطين، كما قام بتهريب السلاح للفلسطينيين عبر سوريا، وجهر المتطوعين إلى فلسطين، وساهم في تشكيل جيش الإنقاذ( ) ، وكان حسني البرازي الذى تولى رئاسة الحكومة قبل الاستقلال، عميلاً للوكالة اليهودية والموساد الإسرائيلي، وله زياراته الخاصة لإسرائيل، وقد فكر خلال حرب فلسطين عام 1948، بالاطاحة بنظام شكري القوتلي، على أساس قيام إسرائيل بإثارة مشكلات على الحدود السورية الإسرائيلية، ثم يقوم هو بالاستيلاء على السلطة بسهولة، وقد وعد إسرائيل أنه إذ ما استولى على السلطة، فإنه سيقوم بعقد إتفاقية سلام مع إسرائيل، وترسيم الحدود معها، لكن إسرائيل رفضت ذلك، باعتبار أن الظروف غير مواتية لذلك( ).
وقد أ كد رئيس الوزراء محسن البرازي في مذكراته، أن مجيء حسني الزعيم إلى الحكم، ارتبط بتوقيع معاهدة رودوس التي أنهت الحرب بين العرب وإسرائيل عام ( ) 1949*، وقد نصت الاتفاقية على مناطق معزولة السلاح، وهي ثلاثة مناطق، لكن لم يتفق الطرفان عندما وقعا الإتفاقية في 20 يونيو 1949، بقيادة الزعيم فوزي سلو عن الجانب السوري، مع رئيس الوفد الإسرائيلي مردخاي مخلف ، على من سيكون مسؤولاً عن هذه المناطق، مما جعل اتفاق السلام معرض لهزات عنيفة بعد ذلك، فحدثت صدامات من أجلها بين الجانبين ، لأن هذه المناطق تحتوي على ثلاث مصادر للمياه، تنبع من خارج الأراضي الإسرائيلية، وبسبب ذلك تقرر ترتيب لقاءات بين الوفدين السوري والإسرائيلي، فكان الوفد السوري بقيادة قائد الفوج الثامن غسان جديد الذي كان يصطحب معه أخوه صلاح جديد لحضور هذه الاجتماعات( )، وقد باركت الولايات المتحدة اتفاقية الهدنة بين إسرائيل وسوريا، وقدم وزير خارجية إسرائيل آنذاك موشي شاريت، للكنيست الإسرائيلي، إتفاقية الهدنة، وقال حولها:
" لقد استغرقت المفاوضات مع سوريا، وحدها ثلاثة أشهر ونصف، وإن الصعوبة الرئيسية في هذه المفاوضات، أن الجيش السوري كان الوحيد من بين الجيوش النازية التي إحتلت منطقة هامة * من إسرائيل، ولا تنحصر أهمية هذه المنطقة في مساحة تلك الأراضي، وإنما أهميتها من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية، والزراعية، وإن الجيش السوري لم ينسحب من المنطقة لأنه غلب، ولكن لأن الحكومة السورية رضيت بواسطة الأمم المتحدة"( ).
وكان حسني الزعيم قد اقترح معاهدة سلام مع إسرائيل وتبادل السفراء وعلاقات وثيقة، مقابل ضم الشريط الحدودي الذي إحتله الجيش السوري في حرب 1948، لكن رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية ديفيد بن غوريون ذلك، مما حذا بحسني الزعيم إلى اقتراح مقابلة ديفيد بن غوريون، وقبوله بتوطين 25 ألف لاجيء فلسطيني في سوري( )، لكن بن غوريون أصر على انسحاب مسبق، فرفع الزعيم عرضه إلى 300 ألف لاجيء فلسطيني، لكنه التزم بالانسحاب من الشريط الحدودي شريطة نزعه كلياً من السلاح، كما قام حسني الزعيم بمؤامرة بالإتفاق مع رياض الصلح الذي كان عميلاً للصهيونية وعلى اجتماع دائم معهم، معلناً استعداده للاعتراف بالحقوق القومية لليهود في فلسطين، وأنه سيقنع الفلسطينيين بذلك، وكانت هذه المؤامرة هي إعدام زعيم الحزب القومي السوري أنطون سعادة، الذي رفض الاعتراف بإسرائيل( )، وبعد سقوط حسني الزعيم إثر انقلاب سامي الحناوي وتصاعد المد الوحدوي مع العراق بدعم قائد الجيش سامي الحناوي، والرئيس هاشم الأتاسي، ورئيس اللجنة التأسيسية رشدي الكيخيا، صرحت إسرائيل أنها ترفض أي إتحاد بين سوريا والعراق لأن ذلك سيؤدي إلى حدوث خلل بتوازن الشرق الأوسط بنظرها، وأنها لن تقبل به، مما حذا بدعاة الوحدة مع العراق إلى السعي بشكل أكبر للوحدة بغض النظر عن شكل الحكم، لكن كان انقلاب الشيشكلي عام 1949 في يوم التصويت في البرلمان على قرار الوحدة( ) ، فصرحت إسرائيل عقب الانقلاب بأنها تعارض أي تدخل عراقي أو أردني في شؤون سوريا وأنها ستتخذ التدابير التي تراها ضرورية لو حصل ذلك( ) ، وفي ظل حكم هاشم الأتاسي في بداية 1951 حدثت مظاهرات واضرابات في سوريا مطالبة بعودة فلسطين والأردن والإسكندرونة، في محاولة من اليسار لإبعاد خطر الوحدة السورية العراقية التي كان يسعى إليها الرئيس هاشم الأتاسي( ).
لكن بعد انقلاب الشيشكلي عام 1951، حدثت عدة مشاكل بسبب مشروع تجفيف بحيرة الحولة على الحدود مع إسرائيل، وظهر الخلاف حول موضوع السيادة في المناطق المنزوعة السلاح، وزاد عدم الثقة بين الجانبين السوري والإسرائيلي عام 1951، وخاصة بعد المحادثات بين الجانبين بشأن الأسرى، ومحاولة إسرائيل أن يكون لها السيطرة الكاملة على منطقة الحولة، ونهر الأردن، ومنطقة بحيرة طبريا، لكن سوريا لم توافق، مما حذا بأديب الشيشكلي أن يقوم بإجراء محادثات سرية مع الولايات المتحدة حتى منتصف عام 1953، مؤكداً أنه مستعد للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، وإنهاء التوتر الدائم مع إسرائيل، وأنه مستعد لاستيعاب نصف مليون لاجيء فلسطيني وعرض برنامجه هذا على الرئيس الأمريكي جونسون، مما حذا بالرئيس الأمريكي أن يعلن عن برنامج أمريكي سمي بمشروع جونسون الذي عرض فيه حلاً لقضية الحدود السورية الإسرائيلية بحيث يكون لإسرائيل حق استغلال 375 مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن مقابل 45 مليون متر مكعب لسوريا من مياه نهر اليرموك( )، لكن الرئيس أديب الشيشكلي رفض المشروع وعارض تحويل نهر الأردن إلى صحراء النقب على أساس أن التوازن العسكري سيكون لصالح إسرائيل نتيجة للتغيير الطبوغرافي في المنطقة، وسيؤثر ذلك سلباً على سوريا، وهدد باستخدام القوة وتحويل نهر بانياس والحاصباني وهما رافدي نهر الأردن، إلى سوريا، وقد وقعت بالفعل حوادث عنف بين المستوطنين الإسرائيليين، والعرب المقيمين على طول الحدود، بين عامي (1952-1953) ( ) ، وخلال المواجهات بين سوريا وإسرائيل منذ عام 1951، احتلت سوريا منطقة تل المظلة الإستراتيجية على الحدود مع إسرائيل، عندما حاولت إسرائيل الاستيلاء على 60 ألف دونم قرب منطقة الحولة، ولم تستطع إسرائيل استرجاع هذه المناطق رغم كثرة القتلى( ).
كما حاولت إسرائيل التدخل في أحداث جبل العرب عام 1953، مستغلة الموقف في سوريا، حيث وافق ديفيد بن غوريون على ذلك، لكن تخوفه من هزيمة قد تحدث، جعله يتراجع، مؤثراً العمل بعد سقوط الشيشكلي، على عملية تحويل نهر الأردن( ) ، فبعد اغتيال عدنان المالكي عام 1955، وتفكك الجيش السوري إلى كتل متنافرة، استغلت إسرائيل هذا الوضع وبدأت بضرب المراكز السورية في بحيرة طبريا وقتلت 56 سوري، وأسرت ثلاثين، رداً على الإتفاقية المشتركة بين مصر وسوريا عام 1955، ثم قامت عام 1956 بنقل موقع تحويل نهر الأردن إلى شمالي غرب بحيرة طبريا عام 1956( ) ، وخلال المدة ما بين سقوط الشيشكلي والوحدة مع مصر، التقى حسني البرازي في صيف عام 1955 بمسؤولين إسرائيليين في سويسرا في يوليو عام 1955، وطلب المساعدة في الحصول على دعم أمريكي لخطته الساعية لتشكيل نظام موال للغرب في سوريا، لكن المسؤولين الإسرائيليين أخبروه أن الأمريكيين هم من يخطط لهذا الأمر( ) ، ثم التقى الشيشكلي في 21 يوليو 1956 في جنيف مع دبلوماسي اسرئيلي وأخبره أن الانقلاب المفترض القيام به بين (19-20) يوليو، والذي كان من المفترض أن تشترك فيه إسرائيل بشكل غير مباشر بإثارة العمليات على الحدود، سوف يؤجل بسبب حرب السويس، وما يقصده الشيشكلي هو عملية الانتشار أو التية * ، أيضاً خلال هذه الفترة عارضت إسرائيل دخول سوريا حلف بغداد لأن دخولها سيعطيها مناعة لمواجهة إسرائيل بشكل أكبر، لذلك عملت على شن هجوم صاروخي في قطاع غزة الذي كان تحت الحماية المصرية، وقتلت أربعين جندياً مصرياً، مما أدى لتطور الموقف لصالح اليسار في سوريا وأيضاً لصالح مصر، حيث ساهم في دفعها بإتجاه الوحدة معها( ).
وخلال الوحدة حاول قادة الإقليم السوري إتخاذ إجراء بوقف عملية التحويل لنهر الأردن بالقوة، إلا أن عبدالناصر رفض ذلك، على أساس عدم القدرة العسكرية أمام إسرائيل، باعتبار أن الجمهورية العربية المتحدة تجابه خطراً آخر هو خطر الشيوعية في العراق( ) ، خاصة أن عبدالكريم قاسم له علاقة باتفاقية ترايدنت( ) ، ولم يستطع نظام الوحدة إيقاف عملية استيطان اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذي وصل عددهم في يونيو 1961، إلى 118 ألف في سوريا، وفي لبنان إلى 140 ألف، وفي غزة إلى 261 ألف، وفي الأردن إلى 630 ألف، حيث ازدادت مشكلتهم، كما لم يستطع نظام الوحدة حل هذه المشكلة، حتى أن نظام الوحدة لم يستطع وقف الاعتداءات الإسرائيلية، مثلما كانت سوريا قبل إعلان الوحدة، فعلى سبيل المثال في مارس 1958، أي قبيل إعلان الوحدة، ردت القوات السورية على الضرب الإسرائيلي لبعض القرى السورية الحدودية، فكانت مواقف نظام الوحدة من إسرائيل إحدى أسباب استقالة الوزراء السوريين من الحكومة المركزية في عهد الوحدة( ).
وبعد سقوط نظام الوحدة في سوريا إثر انقلاب النحلاوي في سبتمبر 1961 استغلت إسرائيل التوترات السياسية في عهد الرئيس ناظم القدسي وصعدت هجومها على سوريا، وقد أدان مجلس الأمن هذه الأعمال في إبريل 1962( ) ، وأثبت الجيش السوري قدرته على وقف العدوان، حيث أكد قائد الأركان السوري الفريق عبدالكريم زهرالدين ، أنه بالرغم من الخلافات والانقسامات والانقلابات التي حدثت في الجيش والحكومة، بنتيجة التدخلات الخارجية واختلاف وجهات النظر، فقد صد الجيش السوري الهجوم الإسرائيلي الذي حاول إحتلال المنطقة المحايدة عام 1962، وهزم الجيش الإسرائيلي في معركة تل النيرب وقتل فيها حوالي أربعمائة جندي إسرئيلي( )، إضافة إلى خسائر مادية وعتاد وأسلحة أخرى، وعرضت المدرعات الإسرائيلية المدمرة في ساحة المرجة بدمشق وبعد انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 تطورت الأحداث لصالح إسرائيل، كون هذا الانقلاب كان مخترقاً من قبل الموساد الإسرائيلي( ) ، وهذا ما أكده السفير السوري في العراق نزار حمدون، الذي أختطف بعد ذلك في لبنان، وقد شارك ضباط قلسطينيين في هذا الانقلاب بسبب تردي وضع اللاجئين الفلسطينيين ورغبتهم بإعادة الوحدة على ما كانت عليه ( )، وما يدل على الاختراق الإسرائيلي لهذا الانقلاب، أن المحكمة العسكرية في عهد الرئيس أمين الحافظ أصدرت حكماً باعدام إحدى عشرة متهماً بالتجسس لصالح إسرائيل في الثلاثين من مارس 1964 ثم أصدرت حكماً آخر في 20 فبراير 1965 علي معين الحاكمي وفرحان الأتاسي لنفس السبب ( )، وكان المؤتمر القومي الخامس لحزب البعث العربي الاشتراكي *قد عقد في منزل فرحان الأتاسي، لكن أخطر الجواسيس الذين أمسكهم نظام أمين الحافظ هو ( إلياهو كوهين) الذي عرف بـ كامل أمين ثابت، وكان هذا الجاسوس قد تعرف على أحد المغتربين السوريين في الأرجنتين عام 1961، الذي بدوره عرفه على الملحق العسكري في السفارة السورية في الأرجنتين وهو العقيد أمين الحافظ، وقام هذا الجاسوس بزيارة الجبهة ثلاث مرات، كما تعرف على الرموز المهمة في المجتمع السوري، وكان الكثير منهم يمدونه بالمعلومات، رغم أن نظام أمين الحافظ إدعى أن كوهين قد تعرف على أكثر من أربعمائة شخصية سورية، قبل انقلاب الثامن من مارس عام 1963، وأنه بعد هذا الانقلاب لم يتعرف على أحد، وأن المعلومات التي حصل عليها كانت رمزية وغير مهمة، وأنه لم يقم بزيارة الجبهة، لكن بعد سقوط الرئيس أمين الحافظ في 23 فبراير 1966، صرح قائد الأركان الجديد وهو اللواء أحمد سويداني أن المعلومات التي حصل عليها كوهين كانت تتضمن ما يلي:
1- معلومات عن القوات المسلحة السورية بالتفصيل.
2- معلومات عن رجال سوريا وكل ما له علاقة بهم وبتصرفاتهم.
3- معلومات اقتصادية وزراعية وتجارية.
4- معلومات عن التحويل الاشتراكي إضافة لمعلومات عربية عامة.
رغم أن الرئيس أمين الحافظ أكد في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، أن نظام الأتاسي جديد بالتعاون مع النظام المصري الذي كان على عداء مع نظام أمين الحافظ، عملاً على تشويه صورة الرئيس أمين الحافظ، على أساس أنه كان على علاقة تامة به، وهذا ما أكده المذيع في إذاعة صوت العرب المصرية، وهو غسان كنفاني، على أساس أن ذلك بسبب العداء بين النظام المصري والسوري في ذلك الوقت، لكن كان تأثير وجود كوهين خلال مدة ما قبل كشفه، خطيراً على الحياة السياسية في سوريا، كون النعرات الطائفية ازدادت في سوريا ( ) ، فهذا يعني أن هذه النعرات التي قادها محمد عمران وصلاح جديد، كانت لهم علاقة به، خاصة وأنه ألقى محاضرات في مكاتب حزب البعث في سوريا، أيضاً تم تهريب جثته في عهد نظام الأتاسي/ جديد عبر لبنان إلى إسرائيل، خاصة أن الرأى العام في إسرائيل قد تأثر لاعدامه في مايو 1965، ويؤكد البروفسور إيتمار رابينوفيتش الأستاذ في جامعة تل أبيب للشؤون السورية حول الاختراق الإسرائيلي لأجهزة الدولة السورية خلال حكم البعث بقوله: " لقد عمل إزري وقلمان على عدة أصعدة في القضية السورية، وقد جرى بعض هذه النشاطات والعمليات عبر وسطاء، والذين وعدوا بتزويد الإسرائيليين بضباط وسياسيين وقبائل وطوائف أقليات للتنفيذ"( )، وقد استغلت إسرائيل الأحداث التي سادت بعد انقلاب جاسم علوان في يوليو 1963، حيث قامت باعتداءات على الحدود السورية في المنطقة المحايدة، لاستكمال مشروع تحويل نهر الأردن، وخرقت طائراتها الأجواء السورية، كما حدثت اشتباكات على الحدود، وتحول الأمر للأمم المتحدة، لكن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب إسرائيل، بينما وقف الإتحاد السوفياتي إلى جانب سوريا، مما حذا بسوريا والعراق إلى إعلان الوحدة الاقتصادية والعسكرية بينهما في الثامن من أكتوبر عام 1963( ) ، وهذا ما دفع وزيرة الخارجية الإسرائيلية غولدا مائير أن تلقى خطاباً في مستعمرة (عين غيف) الحدودية مع سوريا عام 1965، حملت فيه على البرجوازية السورية باعتبارها معادية لإسرائيل بسعيها للوحدة مع العراق، وهذا ما حذا بحزب البعث المخترق من قبل إسرائيل، على تحطيم هذه البرجوازية، مما أدى لانهيار النهضة السورية على كافة المستويات، والإساءة للاقتصاد السوري، واستبدالها بطبقة طفيلية همها جمع المال من خلال مراكزها بالحزب والجيش وهذا ينطبق بشكل أكبر على نظام (الأتاسي جديد) ( ).
كما عمل نظام الأتاسي/ جديد على افتعال أزمات مع إسرائيل لإبقاء الجيش منشغلاً، وتحويل الأنظار عن إخفاقات النظام في كل المجالات، ومحاولة الظهور بمظهر القوى الذي يرفض كل التسويات، وطالب أمين الحافظ في القمة التي عقدت في القاهرة عام 1964 بشن حرب شاملة ضد إسرائيل، واتخذ قرار بتحويل منابع نهر الأردن إلى الأراضي السورية، وتأسيس قيادة عسكرية مشتركة بإدارة مصرية، وخلق كيان فلسطيني، لكن عمل قائد الأركان صلاح جديد على دعم العمليات الانتحارية الفلسطينية والقيام بمهمات داخل إسرائيل، دون علم الرئيس أمين الحافظ، بهدف إيقاف أي تسوية مع إسرائيل( ) ، وهذا ما جعل إسرائيل تؤيد انقلاب صلاح جديد عام 1966( ) ، الذي عمل على استكمال الإستراتيجية الإسرائيلية بتوريط مصر والأردن بحرب يونيو 1967 التي هزمت فيها الجيوش العربية وإحتلت سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة، والجولان، ولأول مرة في تاريخ الجيش السوري يهزم أمام إسرائيل( ) ، حيث دمرت إسرائيل ثلثي سلاح الجو السوري، وأصبح طريقها إلى دمشق مفتوحاً لولا تدخل الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي، رغم أن إسرائيل قررت في العاشر من يونيو عام 1967 الانسحاب الكامل من كل الأراضي التي إحتلتها مقابل عدم تحويل نهر الأردن، إلا أن النظام السوري رفض ذلك مما حذا بإسرائيل إلى رفض مبادرتها، ورفض القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 242 في (22) نوفمبر 1967، وقررت بناء مستوطنات في الجولان في أكتوبر 1968، ثم أدى رفض مبادرة روجرز إلى رفض إسرائيل لها أيضاً ، وهذا أدى إلى ازدياد الاستياء الشعبي من نظام الأتاسي جديد الذي عمل على اتباع سياسة متطرفة أكثر من خلال دعم المنظمات الفلسطينية، في صراعها مع إسرائيل، وإعلان ما يسمى بالحرب الشعبية ضد إسرائيل ، للتغطية عن إخفاقاته ومساوئه( ) ، ولم يدرك هذا النظام أن سياسته المتطرفة هي التي أدت إلى إحتلال الجولان ذي الأهمية الإستراتيجية كونه يؤمن تدفق المياه العربية إليها باعتبارها تمثل نحوي ثلثي مصادر المياه الإسرائيلية من بحيرة طبريا -(610) مليون متر مكعب من المياه، أي ثلث حاجة إسرائيل المائية، و500 مليون متر مكعب سنوياً من نهر الأردن- إضافة إلى (300) مليون متر مكعب من مصادر أخرى، كما أن إسرائيل لم تكن تستطيع التحكم في الأراضي المنخفضة قبل إحتلال الجولان، لأن القوات السورية فيها كانت تشكل تهديداً مستمراً لإسرائيل ومستوطناتها، إضافة لأهمية الجولان الطبوغرافية التي تمكن إسرائيل من جمع معلومات استخباراتية أرضية، ومراقبة الأراضي السورية، ويحول دون تمكن السوريين من جمع المعلومات الأرضية الكافية، كما أن الجولان تشكل حاجزاً طبيعياً مع الأراضي السورية، كونها عبارة عن مرتفعات، وبالتالي أصبحت دمشق هي المعرضة للخطر كون دمشق تبعد ستين كيلو متراً عنها، كما أن مساهمة النظام في دفع معظم سكان الجولان السنة من الهجرة منها ويقدر عددهم بمائة ألف( ) ، كان لمصلحة إسرائيل التي كانت تنوي إقامة دولة درزية تشكل حاجزاً مع سوريا، لكن الدروز رفضوا إقامتها، ولم يدرك نظام الأتاسي/جديد مساويء معاداته للدول العربية المجاورة، وضرورة الوحدة مع هذه الأقطار المتجاورة بعد تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي ليفي أشكول عقب هزيمة يونيو 1967 بقوله: " إن إسرائيل ترفض قيام أي وحدة أو إتحاد بين الأقطار العربية المتجاورة"( ) وهذا ما دفع أيضاً قائد حرب يونيو 1967 ضد العرب موشيه ديان إلى القول: " إن إسرائيل تكرر استراتيجيتها مع العرب لأنهم لا يقرؤون ولا يعقلون"( ).
ولم يدرك هذا النظام أن إسرائيل ليست وحدها في المعركة كما أكد ذلك الكاتب الفرنسي بيير ديستريا في كتابه "من السويس إلى العقبة" أن إسرائيل هي فرع من فروع شركة أمريكية عالمية وليست دولة بالمعنى الحقيقي، ولم يدرك هذا النظام أن مبدأ "خذ وطالب" هو المبدأ الأمثل في التعامل مع إسرائيل، وهذا ما أثبتته التجارب اللاحقة، فأخذ منذ صيف 1968 يدعم المنظمات الفدائية في الأردن ( )، ويحرضهم على إسقاط نظام الملك حسين على أساس أنه الخطوة الأولى لتحرير فلسطين بحسب ادعاءات هذا النظام، ويشجعهم على العمليات الارهابية مثل خطف الطائرات المدنية، وهذا ما حذا في النهاية إلى تصادمهم مع الجيش الأردني والذي أدى إلى ما عرف بمذبحه أيلول الأسود، ورغم أن النظام أرسل قواته بقيادة وزير الدفاع حافظ الأسد لدعم الفدائيين. إلا أن حافظ الأسد رفض إرسال تغطية جوية، باعتباره آمراً لسلاح الجو، مما أدى لتدمير المدرعات السورية من خلال الجيش الأردني والدعم الخفي الإسرائيلي للأردن، مما حذا بصلاح جديد إلى الدعوة لمحاكمة حافظ الأسد، بسبب مسؤوليته عن هذه الهزيمة للجيش السوري، فعقدت القيادة القطرية لحزب البعث السوري إجتمعاً وقررت محاكمته وعزله من مهامه، وهذا ما حذا به إلى الانقلاب في 16 نوفمبر 1970، إضافة إلى تحمل البعث العراقي جزءاً من مسؤولية المذبحة، على اعتبار ارتباط ميشيل عفلق والرئيس العراقي أحمد حسن البكر بإسرائيل، وهذا ما حذا بالجيش العراقي لعدم التدخل( ).
ورغم قبول حافظ الأسد ( ) القرار 242 قبل قيامه بالحركة التصحيحية ، إلا أن إسرائيل لم ترض به، فظل قبوله لا فائدة منه، حتى بعد قيام حرب أكتوبر عام 1973 حيث انتهت المعركة باجتياح الجيش الإسرائيلي لحوالي أربعين قرية سورية، ووصولها إلى بعد خمس وعشرين ميل عن دمشق، وأكد الرئيس الأمريكي نيكسون عندما زار سوريا مع وزير خارجيته هنري كيسنجر، أن فصل القوات هو التسوية النهائية لحرب أكتوبر، وإن سوريا قد خسرت الحرب، وأساس الحل هو قوة إسرائيل وليس عدالة القضية السورية( ) ، لكن تدخل كيسنجر جعل إسرائيل تتنازل عن 50كم2 من الأجزاء التي إحتلتها خلال حرب 1967، أي من أصل 1250كم2، علماً أن المساحة الاجمالية للجولان هي 1860كم2، وعندما أدرك الرئيس الأسد أن من الصعوبة تحقيق النصر على إسرائيل لذلك أعلن عام 1977 عن استعداده لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل مع تبادل تجاري وحرية تنقل بين البلدين، مقابل انسحاب إسرائيل من الجولان ، لكنرفضت إسرائيل ذلك ( ).
وفي ديسمبر 1981 ضمت إسرائيل الجولان رسمياً لأراضيها، لكن بسب ظروف تلك المرحلة لم يتحرك الجيش السوري ضد هذا الضم، مع أن القانون الدولي كان ومايزال يعطي سوريا الحق في تحريره ولو بالقوة( )،لكن يرى ديفيد بولدرستون أن الاعتراف السوري بإسرائيل يبقى هو الأهم كون سوريا تتحكم في المنافذ البرية بين أوربا والأردن والسعودية والخليج، لتصبح إسرائيل جزءاً من المنطقة ومعترفاً بها رسمياً( ).
3- مصر:
اعتمدت الصهيونية في إقامة إسرائيل على تأييد الدول الكبرى لها، إضافة إلى بعض القادة العرب أمثال رئيس وزراء مصر، اسماعيل صدقي، والأمير عبدالله، ملك شرقي الأردن، رغم وقوف بعض القادة العرب ضد قيامها، وأهمهم الرئيس شكري القوتلي الذي كان مناهضاً للصهيونية، وتفسير عدم اكتراث مصر في إقامة دولة إسرائيل، في بداية عهدها ( )، أن البعض من أبناء الشعب المصري المتأثر بالنزعة الفرعونية ينظر لنفسه أنه ليس من جنس العرب على أساس أن العرب عبارة عن بدو متخلفين، ويجب الحذر منهم والتعالي عليهم( ) ، لذلك عمل هؤلاء على الطعن بالقومية العربية، ووصف أهدافها بالحقيرة، وذات نوازع شيطانية مثل الكاتب المصري محمد فريد، وأنكر بعض هؤلاء أن تكون هناك مسألة عربية على الإطلاق، ويرى البعض منهم أن الحضارة الفرعونية هي التي تمثله، لكن ادعائهم للقومية العربية بعد ذلك كان من أجل إجهاض أي اتحاد بين سوريا والعراق أو الأردن، من خلال مشروعي سوريا الكبرى أول الهلال الخصيب، لأن ذلك يجعلها دولة ثانوية أمام القوة الإتحادية لسوريا الطبيعية( ) ، بخلاف الشعب السوري الذي يعتبر أكثر الشعوب إحساساً بالعروبة، لذلك عمل النظام المالكي المصري عندما أسست الجامعة العربية على تعميق الانقسام، بحيث يكرس ميثاق الجامعة العربية الانفصال بين الدول العربية، فالمادة السابعة من ميثاق الجامعة العربية تقول : " إن ما يقرره المجلس بالإجماع يكون ملزماً لجميع الدول المشتركة في الجامعة، وما يقرره بالأكثرية، يكون ملزماً لم يقبله"( )، حتى أن أمناء الجامعة العربية كان معظمهم مصريون، ويعملون لصالح النظام المصري ضمن الجامعة العربية، وليس من أجل الدول العربية الأخرى، فالنقراشي باشا عميل الإنكليز، كان رئيساً لحزب الوفد ذي التوجهات المصرية الخالصة البعيدة عن العروبة، وعبدالرحمن عزام كان يقول: " نحن مصريون أولاً" ويقول أيضاً "لا نستطيع أن نترك سوريا تفعل كما تشاء بنفسها لأن الإستراتيجية الطبيعية لنا تقتضي أن تعيش سوريا في ساحتنا الحيوية"( ) ولم يدرك أن مصر هي نفسها كانت تعيش في الساحة الحيوية لبريطانيا، ولم يدرك أن تعبيره هو تعبير استفزازي، ضد دولة مستقلة وغير مرتبطة بمعاهدة تحد من استقلالها بخلاف مصر، وأن هذه الدولة تسعى لتوحيد أجزائها مع بعضها، كما وصف الدول العربية المحيطة بمصر بمجموعة أصفار وأنهم جيران وليسوا دول شقيقة، ووصف مصر بأنها مركز إشعاع حضاري عالمي، وهذا تعبير لا يمت للواقع بأي صلة، ويقول أيضاً فكري أباظة : "نحن مصريون قدماء لا شيء غير ذلك"( ) وقد سخرت الصحف المصرية من مشروع القدسي الذي قدمه للجامعة العربية، والذي دعى فيه إلى إتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي بين الدول العربية جمعاء بتغيير ميثاق الجامعة العربية، حتى أن ثورة سعد زغلول عام 1919 لم تكن تدعو للوحدة العربية بل رفعت شعار مصر للمصريين، ونادى بعض المصريين بأنهم لا ينتمون للعروبة، وضرورة تفضيلهم للعامية المصرية على أساس تمثيلها لهم، ورفض القومية العربية، وضرورة الحياد بين العرب وإسرائيل( ) ، وهذا ما يفسر معارضة بعض الأنظمة المصرية للوحدة السورية ، من أجل الحفاظ على الوضع القائم بشكل دول صغيرة مستقلة ، وقد أكد أحد أعضاء الوفد السوري في مباحثات الجامعة العربية، الأسباب التي دعت مصر لتأسيس الجامعة العربية بقوله : " لقد لحظنا بإهتمام ودهشة الصراع ما بين فاروق والنحاس، وقد أدركنا أن همها الوحيد من إنشاء الجامعة كان من أجل وضعهم داخل مصر، وليس من أجل العرب، ولكننا أغمضنا عيوننا على ما رأيناه، فقد كنا سعداء بأن مصر، مهما كانت الدوافع أخذت تعتبر نفسها جزءاً من العالم العربي"( ) .
وقد كان النظام الملكي المصري راضياً عن حكم الرئيس شكري القوتلي باعتباره إلتزم سياسة الحياد بين محوري العراق من جهة والسعودية ومصر من جهة أخرى، حيث كانت العراق تسعى للوحدة من خلال مشروع الهلال الخصيب( ) ، أما نظامي السعودية ومصر فكانتا تعارضان المشروع، إضافة لمشروع الأردن، الداعي لوحدة سوريا الكبرى، لهذا السبب فقد استاءت مصر من انقلاب حسني الزعيم عام 1949، حيث أرسل الملك فاروق، الأمين العام لجامعة العربية عبدالرحمن عزام، لسوريا، ليرتب له لقاءاً في القاهرة في 27 إبريل 1949، بعد أن أعلن حسني الزعيم نيته إقامة وحدة عسكرية مع العراق، وعلى إثر الزيارة، أعلن حسني الزعيم رفضه للتقارب مع العراق، مقابل اعتراف الملك فاروق بحكمه، وكان الملك فاروق قبل ذلك قد حث رئيس الحكومة اللبنانية رياض الصلح من أجل العمل لاسقاط حسني الزعيم، لكن بعد ابتعاد سوريا عن العراق، حث الملك فاروق، الرئيس حسني الزعيم على تسليم زعيم الحزب القومي السوري، للسلطات اللبنانية، بسبب دعواته لوحدة الهلال الخصيب، ورفضه لإتفاقيات الهدنة التي وقعتها الدول العربية مع إسرائيل، ووصلت العلاقات بين حسني الزعيم والملك فاروق إلى درجة أن الرئيس حسني الزعيم أصبح يحتفل بعيد جلوس الملك فاروق على العرش( ) ، وعقب انقلاب سامي الحناوي واعدامه لحسني الزعيم، أعلن الملك فاروق الحداد ثلاثة أيام في مصر، وعارض نظام هاشم الأتاسي، ووصفت الصحافة المصرية الحكم السوري بالدموي، خاصة بعد الدعوات الوحدوية مع العراق التي دعى إليها قائد الجيش سامي الحناوي، والرئيس هاشم الأتاسي، لذلك عمل الملحق العسكري المصري في دمشق جمال حماد، على حث الضباط السوريين على معارضة الإتحاد مع العراق على أساس أنهم سيفقدون مراكزهم ، وهذا ما ساهم في انقلاب أديب الشيشكلي في ديسمبر 1949( ) ، حيث أيدت مصر الانقلاب مباشرة، كما صرح ناطق رسمي مصري " إن الانقلاب كان متوقعاً في أي لحظة"( )، وبسبب تخوفها من حدوث استقرار سياسي في سوريا شكلت مصر كتائب الفداء العربي الارهابية، وعملت لعودة الرئيس شكري القوتلي كونه حيادياً، وإن الشيشكلي ذي ميول قومية سورية باعتباره كان عضواً في الحزب القومي السوري، كما عمل النظام المصري من خلال عملائها على محاولة قتل الصحفي البريطاني ستير لينغ في دمشق باعتبار عملها هذا سيعيق الانتخابات البرلمانية في سوريا عام 1950 ( ) رغم أنها عقب انقلاب الشيشكلي قدمت لسوريا قرضاً بدون فوائد قدره ستة ملايين دولار و20 طائرة عسكرية، ووعدت بخمسة ملايين جنيه استرليني أخرى إذا تعهدت حكومة خالد العظم بالحياد، أي بعدم التقارب مع العراق، وكان رفضها لمشروع دفاع الشرق الأوسط الذي يهدف لتدويل قناة السويس، وجعلها عضواً في تحالف قيادة الشرق الأوسط، ، قد جعل اليسار يندد بهذا المشروع ويدعو حكومة حسن الحكيم لرفضه، وبعد الانقلاب الثاني للشيشكلي عام 1951، أيدت مصر أيضاً هذا الانقلاب، وبعد انقلاب محمد نجيب في مصر في يوليو1952، أيد الشيشكلي هذه الحركة مباشرة، وزار مصر وتبادل التهاني مع الرئيس محمد نجيب، وتوطدت العلاقات بين النظامين السوري والمصري( ).
لكن بعد سقوط الشيشكلي عام 1954 حدث شيء مشابه في مصر فتم إبعاد الرئيس محمد نجيب عن الحكم وتولي رئيس وزرائه جمال عبدالناصر للرئاسة، مما حذا بمؤيدي الرئيس محمد نجيب، وغالبيتهم من الإخوان المسلمين، أن يرفضوا ذلك، فكانت حادثة المنشية في الاسكندرية التي حاول فيها البعض اغتيال عبدالناصر، واتهم الإخوان المسلمين بها، فعمل النظام المصري على التنكيل بهم، وقررت المحكمة إعدام قسماً منهم، وعلى إثر أحكام الإعدام اندلعت المظاهرات في كل أنحاء سوريا تندد بالنظام المصري، خاصة أن اللواء علي نجيب أخو الرئيس محمد نجيب كان سفيراً لمصر في سوريا، وكان الملحق العسكري المصري في دمشق محمود أبو الفتوح ينتمي للأخوان المسلمين، مما حذا بعضو مجلس قيادة الثورة المصري، أنور السادات أن يقول للسفير السوري في القاهرة نجيب الأرمنازي، إن ما حدث في سوريا سيسبب لها مشاكل كثيرة ، خاصة بعد أن أسقط النظام المصري الجنسية عن اللاجئين المصريين الإخوانيين إلى سوريا، ولهذه الأسباب بعث النظام المصري بضابطي مخابرات مصريين هما محمود رياض وعين سفيراً لمصر في سوريا، وعبدالمحسن أبو النور الذي عين ملحقاً عسكرياً في سوريا، وبدءا في تفتيت النظام السوري وإثارة عدم الاستقرار فيه وجعله تابعاً للنظام المصري، من خلال إجراءاتهما المخابراتية المكثفة، وبدأت إذاعة صوت العرب تبث إلى سوريا لمدة أربعة ساعات يومياً رغم أنها كانت في زمن الرئيس محمد نجيب تبث لمدة نصف ساعة فقط ، وقد اتهم وزير الدفاع السوري معروف الدواليبي، عام 1954، أن النظام المصري حرض قائد الأركان شوكت شقير على التدخل في السياسة، لكن النظام المصري أنكر هذه التهمة استمر في إتباع السياسة المصرية القديمة بمعاداة الوحدة بين سوريا والعراق، وقال عبدالناصر عام 1954 حول ذلك" : " كيف تتحد سوريا بالعراق المرتبط ببريطانيا بمعاهدة تنتقص من استقلاله، وكذلك تتحد بالأردن الذي هو في وضع يشبه وضع العراق"( ) ثم صرح في نفس العام بالتصريح التالي ، " لا يجوز لأي قطر عربي أن يتدخل في الشؤون الداخلية لقطر عربي آخر "( )، كما عمل محمود رياض على الاتصال بعبدالحميد السراج وأكرم الحوراني، فأصبح الحوراني يستشيره في كل شيء، والسراج يعمل بتوجيهاته( ) ، وأصبح النظام المصري يبث دعايته عبر صوت العرب، وشكل أجهزة أخرى لذلك، وهي الإدارة العربية بوزارة الخارجية، والمخابرات العامة، وكل ذلك بقصد الترويج لنفسه، مستغلاً معاداته لصالح الاستعمار القديم فرنسا وبريطانيا( ) ، ومستغلاً طبيعة الشعب المصري المعتاد على تقديس حكامه منذ عصر الفراعنة وحتى الآن، كونه شعباً مسالماً، لا يحدث التغيير في نظامه بدون العامل الخارجي، وعلى ذلك يقول أنتوني أيدن "إن المصريين معتادون على تأليه حكامهم فهم يعتبرون الزعيم إله ومنقذ للشعب"( ) ، فالشعب المصري هو شعباً من الفلاحين الذين تحول ولاءهم من الباشوات إلى زعماء ثورتهم الجديدة، إضافة إلى أن المواطن المصري لا يستطيع أن يتحمل أي نقد من الغير مصري، لأي فرد من أعضاء نظامه، معتبراً أن هذا العمل هو الوطنية الحقيقية، وأما ثوراته* فلم تكن دمويه ، وإنما الكثير منها عبارة عن مظاهرات في ظل حكم ديمقراطي شكلي في عهد ما قبل انقلاب محمد نجيب، فلم يصدف أن قامت في مصر ثورة دموية مسلحة، على غرار الثورات السورية، لكن حركة الإخوان المسلمين في مصر أعطت للمصريين بعض المرونة في النقد ، لكن هذه المرونة أجهضت بالحكم العسكري، ولم تستطع هذه الحركة أن تصل للسلطة، رغم أنها ولدت في مصر، ووصلت في دول أخرى خارج مصر، وبذلك يختلف الشعب المصري عن الشعب السوري باعتبار أن الشعب السوري متكبراً، لا يجتمع على رئيس معين، واتسامه بالثورية وقد عاش ديمقراطية الماضي منذ دخول الأمير فيصل إلى سوريا، ولكل واحد فيه رأي خاص بالمستقبل، لذلك فقد كان صعباً على النظام المصري أن يقنع الشعب السوري ويجعله يجمع على رأي موحد، خاصة بعد أن أعدت الولايات المتحدة وبريطانيا مبادرة سلام سرية بين مصر وإسرائيل عام 1954 تتضمن عدم اعتداء بين البلدين، على أن تتبعها بقية الدول العربية( ) ، ثم عملت الدعاية المصرية على العمل لإسقاط حكومة فارس الخوري عام 1954، كونها لم تندد بحلف بغداد، في اجتماع الجامعة العربية الذي دعت إليه مصر( ) ، ثم وقعت مصر وسوريا حلف عسكري في أكتوبر 1955 وأنشئت لجنة مشتركة، وهيئة دفاع مشترك بقيادة عبدالحكيم عامر، وقد انضمت السعودية لهذه الاتفاقية، لكن ظلت هذه الاتفاقية حبراً على ورق( ) ، ثم زادت مصر من نشاطاتها المخابراتية لتصفية العناصر الموالية للإتحاد مع العراق في سوريا وملاحقتهم في لبنان، والأردن( ) ، فنددت بحكومة صبري العسلي عام 1955 عندما أعلن عن إمكانية دخول حلف بغداد، واجتماعه السري في لبنان مع رئيس الحكومة العراقية فاضل الجمالي بشأن تحقيق مشروع الهلال الخصيب، لذلك عمل اليسار على إسقاطها( ).
كما عملت إسرائيل في محاولة منها لتثبت هشاشة التحالف الثلاثي ، فقامت بمهاجمة المواقع السورية في منطقة الكرسي وأبوتايهة، وقتلت سبعة وثلاثين جندياً وجرحت آخرين، ولم تتدخل مصر رغم حصولها على أسلحة من الإتحاد السوفياتي( ) ، رغم أن سوريا وضعت كل قواتها تحت تصرف القيادة المصرية إبان العدوان الثلاثي على مصر في 1 نوفمبر 1956 وقطعت علاقتها مع فرنسا وبريطانيا، وأيدت قرار الأمم المتحدة بوقف العدوان عن مصر، واندلعت المظاهرات تأييداً لمصر( )، واجتمعت القوى السياسية في 20 نوفمبر 1956 لتوحيد الموقف تجاه العدوان، واتفق محمود رياض مع السراج لضرب محطات ضخ البترول التابعة للشركة العراقية الإنكليزية (ABC) ، وأعلن أنه تم ذلك بفعل المقاومة الشعبية، وعندما حاولت بريطانيا بعد إنتهاء الحرب لصالحها، اشترطت سوريا، انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية من مصر، واستمر الإصلاح عدة أشهر، وحاول الرئيس شكري القوتلي دخول الحرب لكن رفض النظام المصري ذلك على أساس ضمان جانباً سليماً من القوات العربية في حالة أي طاريء( ) ، وأصبحت الإذاعة السورية تصدر البلاغات الرسمية المصرية بعد أن تبلغ على الهاتف من مصر، وذلك بعد أن دمر العدوان الإذاعة المصرية، وأوقف العمال السوريون في محطات ضخ البترول الضخ على الساحل السوري واللبناني( ) ، رغم أن توفيق الحكيم يقول حول تأميم القناة عام 1956 في كتابه عودة الوعي: " كان من الممكن أن تعود القناة لمصر بعد عشر سنوات، بدون دفع قيمة أسهم الشركة الإنكليزية الفرنسية، فأممها ودفع لهم قيمة الأسهم "( ).
ولاستكمال سيطرة النظام المصري على النظام السوري عمل على تقوية وضع حزب البعث الموالي له وضرب القوى السياسية التي لا تؤيد سياستها والتي تقبل بحلف بغداد، لذلك عمل على نعته ـ (حلف بغداد) ـ بأنه ضد مصالح الأمة العربية كونه ـ بحسب رأيه ـ يقيد الأمة العربية، ويضعف النضال العربي، ويشتت القوى العربية، ويحول دون تحقيق أهدافها، وأنه مؤامرة غربية ضد العرب ويعتبر تنازلاً عن وجود العرب( ) ، وليثبت النظام المصري أن أهدافه هي نفس أهداف البعث أصدر في 20 يوليو 1955 بياناً يطالب فيه بالقضاء على الاستعمار والإقطاع وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعلى إثر ذلك اجتمع محمود رياض، مع شوكت شقير، وبارك الحوراني هذا اللقاء، ثم عمل هؤلاء على تحطيم الحزب القومي السوري، الذي يدعو لوحدة الهلال الخصيب إضافة إلى سيناء، من خلال التآمر على قتل عدنان المالكي باتهام الحزب القومي السوري فيه، فيكونوا قد حققوا عدة أهداف بضربه واحدة، فتم تشتيت الجيش السوري إلى كتل متناثرة ، وتصفية الحزب القومي السوري من سوريا، من خلال تحالفها مع غسان جديد وكتلته الطائفية، وصعود البعث وكسبه أوراق أكثر داخل الحلبة السياسية، وتفكيكه للتجمع الوطني بحكومة الوحدة الوطنية التي شكلها سعيد الغزي، وإقامة جبهة بعثية يدور في فلكها الموالون لمصر ، وما يؤكد تورط السفير المصري بهذه الجريمة أنه كان قد أصر على حضور المالكي لمباراة كرة القدم بين فريقي الجيش السوري وفريق السواحل المصري، رغم أنه كان ذاهباً لخطيبته في لبنان، وكان السراج قد استلم منذ عدة أسابيع رئاسة المكتب الثاني، وجمع كل المعلومات عن الحزب القومي السوري، وتم اعتقال جميع أعضاء الحزب خلال أربعة ساعات فقط، فلو كان يريد الحزب بالفعل اغتياله لما نقل مقر قيادته من بيروت إلى دمشق حيث السراج موجود، ولكان قتله في لبنان وهو يزور خطيبته، حيث كان دائم الزيارة لها، كما أن غسان جديد نفذ جريمته بدون توكيل من الحزب، فتورط بعض أعضاء الأعضاء في الحزب لا يدين الحزب، ، فكان اغتيال المالكي قد ساعد النظام المصري على تثبيت مكاسبه في سوريا.
ثم شكل قائد الأركان عفيف البزري الذي دعمه النظام المصري أواخر 1956 مجلس قيادة ثورة، حيث أن النظام المصري كان يسعى بشكل غير علني للوحدة مع سوريا، وباستراتيجية النفس الطويلة، مركزاً جهده على الجيش ومستغلاً المناداة بالقومية العربية، من خلال احتواء سوريا من خلاله، نظراً لاختلاف النظامين وطبيعة البلدين( ) ، لهذا السبب كان قيام محمود رياض وعبد المحسن أبو النور لعلاقات قوية مع قادة الكتل العسكرية بعد مقتل المالكي ، وبعد سقوط حكومة سعيد الغزي ، شكل الحكومة صبري العسلي في نوفمبر 1956 حيث عملت هذه الحكومة، على إبعاد الجبهة الدستورية الحرة برئاسة الدكتور منير العجلاني بسبب دعواتها الوحدوية مع العراق، وعملت على التقارب من اليسار الموالي لمصر، كما قام الرئيس شكري القوتلي بعد انتخابه عام 1955، بإحياء المعاهدة السورية المصرية السعودية، ووقع معاهدة عسكرية مع مصر( )، مما حذا بمصر والسعودية إلى توقيع اتفاقية في القاهرة في يناير 1957 تعهدت فيها الدولتان بدفع 12 مليون جنيه مصري للأردن سنوياً، لإخراجها من المعاهدة البريطانية وتعويضها عن المساعدات البريطانية ( ) ، ثم اتفق محمود رياض مع الحوراني على تحجيم دور شكري القوتلي من خلال انقلاب عسكري عام 1957 وهو ما عرف بعصيان قطنا، وكانت ترى القيادة المصرية ضرورة استكمال العصيان إلى انقلاب يطيح بشكري القوتلي، لكن كان رضوخ النظام لمطالب الانقلابين بإيقاف التنقلات التي قررها النظام قد أوقف العصيان( ).
وكان إرسال مصر لقواتها الرمزية بعد إنتهاء الأزمة مع تركيا عام 1957 قد دعم موقف عبدالحكيم عامر كقائد للقوات السورية والمصرية، وتقليل نفوذ قائد الأركان السوري عفيف البرزي الذي لم يكن عبدالناصر يثق به، إضافة لدعم موقف الحوراني، أمام حزب الشعب( )، كما أن الدعاية المصرية قامت بالتهويل من التهديد التركي، وأن قواتها الرمزية هي السبب في عدم مهاجمة سوريا، وتحت تأثير الجيش صار الحوراني رئيساً للبرلمان السوري في الرابع عشر من أكتوبر 1957، ودعى مباشرة مجلس الأمة المصري برئاسة أنور السادات للتصويت على إتحاد فيدرالي بين سوريا ومصر في الثامن عشر من نوفمبر 1957( ) ، وبعد ذلك بشهرين قام عفيف البرزي بانقلابه في 12 يناير 1958 من خلال ذهاب وفد الضباط برئاسته، وعرض مشروع الوحدة على مصر، بعد أن رفض مجلس النواب السوري بأكمله باستثناء البعثيون على قرار الإتحاد مع مصر بسبب أن الوحدة سيتدخل فيها البعث، باعتبار أن الشعب السوري يؤيد الإتحاد الفيدرالي مع احتفاظ كل بلد بقوانينه وتشريعاته التي تلائمه، وكان هذا رأي شكري القوتلي، وخالد العظم، وصبري العسلي، فكان سعي البعث للوحدة على اعتبار أنهم أقلية لا تأييد شعبي لهم، لذلك رؤوا السيطرة على سوريا من خلال الوحدة مع مصر( ) ، فلم يكن انقلاب عفيف البرزي إلا من خلال الإتفاق مع أكرم الحوراني، ومحمود رياض، وعبدالمحسن أبو النور، وميشيل عفلق، وصلاح الدين البيطار، ولم يستطع الرئيس شكري القوتلي، أن يعارض ما قرره الضباط، مما اضطره لإيفاد وزير خارجيته صلاح الدين البيطار لبحث الأمر بشكل رسمي( ) ، لكن البيطار فوض القيادة المصرية بعمل الترتيبات التي ترتأيها بشأن الوحدة، ولو أن الرئيس شكري رفض ما قرره الضباط، لأوعزت القيادة المصرية لعملائها للقيام بانقلاب عسكري مباشرة، وستتهم الرئيس شكري القوتلي ورئيس الحكومة صبري العسلي، ووزير الدفاع خالد العظم، بالخيانة والانفصالية، وقد اشترطت القيادة المصرية عدة شروط هي ( ):
1- عدم تدخل الجيش بالسياسة.
2- حل الأحزاب .
3- حل البرلمان السوري على اعتبار أنه لا يوجد برلمان في مصر.
4- منح الثقة الكاملة لعبدالناصر وإطلاق يده في سوريا.
5- دمج جميع القوى السياسية في منظمة الإتحاد القومي، حيث ظنها قادة البعث أنها طريقهم لحكم سوريا ونشر أيدولوجيتهم.
لكن كان ذلك بالنسبة للوطنيين السوريين تدميراً لاستقلال سوريا، الذين ناضلوا من أجله طيلة حياتهم، وهذا ما أكده أحد أعضاء البعث وهو جلال السيد وهو من الذين رفضوا هذه السياسة، بقوله:
" كان هناك دافع وحدوي أصيل لدى العرب السوريين، لكنه لم يكن فريداً وحيداً، فإلى جانبه دوافع أشد دفعاً وثقلاً، فالعسكريون شعروا بعدم قدرتهم على تسيير دفة الصراع كتلة واحدة، والمدنيون أفلسوا في إدارة الدولة، وتنافرت الأحزاب، وتباعدت النظريات ومدت الشيوعية برأسها مهددة أطراف القطر بالاجتياح. وكانت الوحدة مع مصر هي مخرج البعث الوحيد للخروج من المسرح بعزة وكرامة لذلك سرعان ما قبل شروط عبدالناصر بحل الأحزاب السورية"( ) .
ج

وكان عبد الناصر قد قال لصلاح البيطار حول الوحدة: " إما وحدة كاملة وفق الشروط المبلغة إلى الضباط أو لا شيء على الإطلاق "( )، رغم إدعاء النظام المصري بعد ذلك أنه كان يريد الوحدة على مراحل ووفق قواعد محددة، وهكذا فقد إتسمت مفاوضات الوحدة المصرية السورية بالخصائص التالية : ( )
1- تمت بمبادرة سورية وتحفظات مصرية.
2- تمت في ظروف حرجة داخلياً وخارجية وفي وقت قصير جداً.
3- قامت في بيئة معادية، حيث نظرت إليها النظم العربية المحيطة بنظرة عدائية.
وقد أكد وزير الدفاع خالد العظم أن مصر ما كانت لتقيل بإتحاد فيدرالي أو أي نظام آخر لا يضمن لها السيطرة الكلية على الحكم والانفراد به، كما برر ميشيل عفلق عمل البعثيين هذا بقوله: " نحن مقتنعون بأنه ليس بالإمكان إقامة وحدة بدون مصر، لا لأنها تشبه بروسيا في العالم العربي، وتستطيع توحيدها بالقوة، أو لأن الأقطار الأخرى لا تصلح نقطة اجتذاب للوحدة، ولكن لأننا رأينا مصر قادرة على عرقلة أي حركة وحدوية تسير بدونها " ( )، وعلى هذا الأساس عقد اجتماع في القاهرة في 31 يناير 1958 ضم الرئيس شكري القوتلي والرئيس جمال عبدالناصر، ووقعا على البيان المشترك في الأول من فبراير 1958 ثم جرى استفتاء في البلدين على الوحدة وانتخاب عبدالناصر، وفاز بنسبة 99.9 وأيد الوحدة في 21 فبراير 1958.
وخلال الوحدة كان تأثير مصر على الاستقرار السياسي في سوريا سلبياً إلى أبعد مدى، فقد سلح النظام الأكراد وأنشأ لهم برامج خاصة تبث من صوت العرب، وحرضهم في العراق وتركيا، وعملت الصحف على تشجيع التمردات الكردية ضد النظام العراقي برئاسة عبدالكريم قاسم( ) ، وعمل أيضاً على إقصاء معظم الضباط الأكراد من الجيش السوري، حتى يشعرهم أنهم فئة مختلفة عن بقية الشعب السوري، كما أحال الكثير من المعلمين وأساتذة الجامعات الأكراد إلى التقاعد. لنفس السبب، وأغلق مدارسهم، وملأ السجون بهم
على اعتبار أن النظام الجديد قد استلم أجهزة المخابرات والداخلية، وعمل على بث روح الفتنة والتفرقة بين الجماعات المتلاحمة في سوريا، وعادى الإتحاد الهاشمي بين الأردن والعراق ووصفه بأنه مشروع استعماري، وعمل على إسقاطه، من خلال عميله في سوريا عبدالحميد السراج، لتحويل سوريا لدولة مخابراتية، وتشويه صورة الرئيس شكري القوتلي، وأصبح السراج الحاكم المطلق في سوريا، فهو رئيساً لأجهزة الأمن والمخابرات والإتحاد القومي والداخلية والجهاز الإداري في المحافظات والإعلام والإذاعة، خاصة بعد أن أصدر عبدالناصر في أكتوبر 1958 قانون الطواريء في الإقليم السوري ( ) ، مما أتاح للسراج أن يقمع أي معارضة في سوريا، وزاد عدد فروع المخابرات عن ستة أفرع، وهذا جعله يقوم بتسريح أكفأ الضباط ولم يبق سوى الأقل جدارة، وأصبح بعض الضباط المصريون يسيؤون معاملة الضباط السوريين، ونقل الكثير من الضباط السوريين إلى مصر بدون عمل( ) ، وقد أكد كل من زياد الحريري ولؤي الأتاسي هذه الحقيقة، كما لم يسمح النظام للبرجوازية السورية بالوصول للسوق المصرية، وعمل على تمصير الاقتصاد السوري، كما سيطرت البيروقراطية المصرية، واستحوذ المصريون على المناصب الرئيسية في سوريا، واستغلوا الاقتصاد السوري لصالحهم ، خاصة بعد إدعاء النظام أن سوريا كانت فقيرة قبل الوحدة وخزانتها فارغة، ويدعي محمود رياض أن الخطة كانت بتهجير خمسون ألف مصري فقط، وأن شكري القوتلي كان يؤيد فكرة التوطين، رغم أن ذلك لم يثبت على الإطلاق( ).
وبسبب السراج وعملياته القذرة تم المساهمة في اسقاط النظام الهاشمي في العراق، وكان الملحق العسكري المصري في بغداد يعمل على التآمر لإغتيال مسؤولين عراقيين، وقد طرد من العراق نتيجة لذلك، لكن هذا لم يمنع من استكمال المؤامرة لاسقاط النظام الهاشمي، وتفجير الحرب الأهلية في لبنان، ومحاولة اسقاط النظام الهاشمي في الأردن، وهذا ما أثار السخط الشعبي ضد نظام الوحدة، خاصة بعد ثورة عبدالوهاب الشواف في العراق والتي كانت بدعم السراج( )، ورغم محاولة قيادة نظام الوحدة، التقليل من مآسي الشعب السوري بسبب السراج بإصدارها في 21 أكتوبر 1959 قراراً بتعيين عبدالحكيم عامر للإشراف على شؤون الإقليم السوري نيابة عن عبدالناصر، إلا أن ذلك أثار الوزراء البعثيون، وخاصة نائب الرئيس عبدالناصر، وهو أكرم الحوراني، بعد أن أجبر كل من نائب الرئيس جمال عبدالناصر وهو صبري العسلي، وقائد الجيش الأول الفريق عفيف البرزي، والوزير رياض المالكي، على الاستقالة، وهذا ما دفع من تبقى من وزراء بعثيين وغيرهم مع أكرم الحوراني للإستقالة( ) ، ويبرز أحد الوزراء السوريين أسباب استقالة الوزراء السوريين لعدة أسباب أهمها: ( )
1- إغلاق بعض الصحف السورية.
2- الزيارات المفاجئة من موظفي الرئاسة، وطلبهم عقد اجتماعات بحضورهم ومناقشاتهم للوزراء السوريين، بحجة نقل توجيهات القيادة.
3- تأخير بعض المشروعات المعروضة، كتعديل الإتفاقية مع شركة التابلاين، وعرقلة تنفيذ الإتفاقية مع الإتحاد السوفياتي للتنمية الاقتصادية.
4- إصدار مشروع اختصاصات محمود رياض، ومطالبته بمرور كافة القرارات عليه بل واحتفاظه ببعضها، وإعادته بعض المشروعات للمجلس التنفيذي، وقد أعيدت فعلاً بعض المشروعات بسبب رفضه التوقيع عليها.
5- عدم الموافقة على اقتراحات الوزارات بتسريح بعض الموظفين أو إحالتهم إلى التقاعد.
6- عدم السماح برسم سياسة سوريا في ظل الوضع الإقليمي في العراق والأردن ولبنان، وما جرى من أحداث عقب حركة يوليو 1958 في العراق، ودخول القوات البريطانية إلى الأردن، والأمريكية إلى لبنان.
7- الانتقاص من كرامة الوزراء السوريين من قبل أجهزة الأمن والمخابرات ، مما أثار الناس ضدهم، فأصبحوا موضع اسهتزاء عليهم.
8- حصر الرئاسة ووزارات الدولة لشؤون الرئاسة والدفاع والخارجية للمصريين.
9- شيوع الخرافات والدجل ومجالس تحضير الأرواح في الإقليم السوري، بسبب تشجيع النظام سراً لذلك، فكان معظم الوزراء المركزيين يمارسون جلسات تحضير الأرواح، وقد أكد ذلك عدداً من الوزراء السوريين مثل رياض المالكي، وفاخر الكيالي.
10- اقتصار عبدالناصر في مشاورات مع بعض السياسيين وإهمال الآخرين وهذا يتنافى مع طبيعة الشعب السوري الذي يفضل الاجتماعات الموسعة( ).
وهكذا أصبح الوزراء المصريون هم أصحاب السلطة الحقيقية والأساسية، كما أصبح وكلاء الوزراء السوريون وهم من المصريين، هم من يسير أمور الوزارات، ولم يستطع الوزراء السوريون الاتصال برئيس الدولة، إلا بعد عدة أشهر من الطلب لذلك، ولم يحصل أي اندماج للقوات العسكرية السورية مع المصرية، فبقي كل إقليم لوحده، وقد سيطر الضباط المصريون على الإقليم السوري، كل هذا أثار الرأي العام في سوريا ضد التسلط المصري، خاصة أن السياسة الخارجية للدولة أصبحت محصورة بعبدالناصر ومجلسه الاستشاري، كما أكد بطرس غالي ( )، وكما أكد ذلك أيضاً أحد الوزراء السوريين وهو بشير العظمة منذ أول يوم ذهب فيه إلى مكتبه بالوزارة، قائلاً:
" أفهمني مدير المكتب بعد ذلك بأن التقاليد لابد وأن تراعى، فالوزير لا يحضر لوزارته قبل الحادية عشر، إذا توفر لديه وقت لذلك، إخفاء وحجب الملوك والوزراء والأمراء عن الأنظار إجراءات لها ضرورتها، لتبقى صورة القادة في خيال الجماهير أقرب إلى صورة الالهة والأئمة نقية طاهرة، لم تعرف سوريا في تاريخها الحديث الملكية والحاشية والبلاط والحجاب، كان شكري القوتلي رئيس الجمهورية، يسكن في شقة مستأجرة عادية جداً، في حي الجسر الأبيض وحارسه شرطي يداوم نهاراً فقط... قضينا شهوراً عديدة، بل سنتين تقريباً من دون عمل ولا مسؤولية محددة، كنا نتبادل الزيارات بين المكاتب ونستقبل كل طارق، وإذا إشتد بي الضيق والضجر بعد قراءة الصحف والمجلات، وبعد إيجاد الحلول للكلمات المتقاطعة، أدفع الباب هائماً، أحاول الإنطلاق في حدود القفص الذهبي، فأقصد مكاتب الزملاء الأصدقاء، أحمد عبدالكريم، وأمين النفوري، وغرفهم لصيقة بمكتبي، لقد جمعتنا الزمالة والجوار، واكتشاف ميولاً مشتركة في البحث عن الكتابة والتعليق والثرثرة، وفي استعراض شؤون أوسع من الدائرة الخانقة الضيقة لحياتنا اليومية"(3).

ولم تكن صلاحيات نواب الرئيس سوى رمزية، ويستطيع أن يسلبها منهم متى شاء، كما أنه أي الرئيس أبقى المجلس التنفيذي لسوريا بدون رئيس، بينما هو نفسه تولى رئاسة المجلس التنفيذي لإقليم مصر، وما يؤكد هشاشة المجلس التنفيذي لإقليم سوريا، أنه عندما اعترض على قرارات التأميم التي أصدرها عبدالناصر في يوليو 1961، أصدر عبدالناصر أوامره بإلغاء المجلس التنفيذي السوري على الفور، فكان ذلك الإلغاء هو إلغاء للشخصية السورية، واستغناءاً عن الوزارات السورية( ) ، وأما الإتحاد القومي فهو كما يقول أنور السادات: "إنه ليس نظام الحزب الواحد ولا نظام ائتلاف الأحزاب، إن الفروق بين الإتحاد القومي وبين الحزب الواحد فروق جوهرية"( )، هذا من الناحية النظرية لكنه عملياً ليس له أي مضمون في تسيير سياسة الدولة.
ورغم محاولة النظام الحاكم ( ) التخفيف من حدة مآسي الناس في ظل الوحدة باعتبار أن الكثيرين رؤوا أنها لم تكن سوى إحتلال مصري لسوريا، وأنها كانت على حساب الحكومات الديمقراطية، فارتفع سخط الشعب السوري والاستياء، ضد كل ما هو مصري، خاصة بعد الأفواج المصرية التي صارت تأتي لسوريا بشكل كبير، ومحاولتهم تغيير الأحوال في سوريا، دون أدنى فهم لطبيعة الشعب لسوري، وظروفه وتاريخه، بسبب سذاجة البعثيين الذين كان لهم الدور الأكبر فيها، فعمل لذلك عمل النظام الحاكم في 16 أغسطس عام 1960 على توحيد المجلس التنفيذي السوري مع المصري، وأعطي أربعة عشرة وزيراً سورياً مقابل واحداً وعشرين مصرياً، وجعل القاهرة ودمشق عاصمتين دوريتين بحيث تكون مدة إقامة الرئيس في القاهرة ثمانية أشهر وفي دمشق أربعة أشهر، وإيجاد حكومة موحدة، وتعيين نور الدين كحالة وعبدالحميد السراج نواباً للرئيس، وإغلاق مكاتب المباحث وختمها بالشمع الأحمر، ونقل ضباط السراج إلى مصر، فحقد السراج على عبدالناصر بشكل كبير، وتنازل عن منصبه الجديد، وذهب إلى سوريا لتنفيذ انقلابه، لكن عندما شعر عبدالكريم النحلاوي بذلك تخوف من أن تعود إجراءات السراج القاسية، فكان ذلك من الأسباب التي ساهمت في دفعه للانقلاب في 28 سبتمبر 1961، وما يدل أن السراج كان ينوي الانقلاب أن إتباعه رفعوا صوره وشعاراته، متوقعين أنه هو صاحب الانقلاب، مما حذا بقائد الانقلاب عبدالكريم النحلاوي أن يصدر أوامره باعتقالهم واعتقاله معهم، رغم تأييد السراج للنحلاوي في انقلابه( ).
وقد كان استهتار رأس النظام الحاكم برجال سوريا الأوائل مثل هاشم الأتاسي، وفارس الخوري، ورشدي الكيخيا، وسلطان الأطرش، وغيرهم، على اعتبار أنه لم يتنفقدهم ولم يزورهم بالرغم من زياراته لبعض الشخصيات ممن لا تاريخ وطني لها، إضافة لتشهير أسماءهم بالإذاعة عقب إصدار قوانين الإصلاح الزراعي، وإلصاق التهم بهم، وكل من هؤلاء له تأييد شعبي واسع، لذلك فمعظمهم أيد انقلاب النحلاوي، ومنهم الحوراني، صبري العسلي، صلاح الدين البيطار، بشير العظمة، سهيل الخوري، رشيد الكيخيا، ناظم القدسي، عبدالرحمن الكيلاني، أحمد أبو صالح، خليل كلاس، سلطان الأطرش، شكري القوتلي، أمين النفوري، وغيرهم، أما ميشيل عفلق فقال "الانفصال شر لابد منه"( ) .
وبالرغم أن قائد الانقلاب لم يكن يهدف إلى الانفصال، بل كان يهدف إلى تصحيح أخطاء النظام، لذلك عمل النحلاوي عى مفاوضة عبدالناصر لحل الخلاف، وتوصلا لبعض البنود وهي :( )
1- إعادة قسماً من الضباط المصريين إلى مصر، مع عودة قسماً من الضباط السوريين إلى سوريا.
2- إسناد مهام دقيقة للضباط السوريين في مصر بذات الفعالية الممنوحة للضباط المصريين في سوريا.
3- إصدار بلاغ عن ضباط الحركة لإنهاء الأوضاع الاستثنائية من خلال البلاغ رقم (9).
4- إصدار بلاغ من عبدالحكيم عامر بطي صفحة الماضي، وعدم المساءلة في المستقبل.
لكن عندما اتصل عبدالحكيم عامر، قال له عبدالناصر: "إزاي توافق، يا عامر، سنطبق الخطة"( ) ، وكان أحد معاوني عبدالكريم النحلاوي يتنصت على المكالمة، مما حذا بالنحلاوي، إلى إصدار البلاغ رقم عشرة، الذي ألغى بموجبه البلاغ رقم تسعة، وأعلن الانفصال رسمياً، فكان هذا جرحاً أصاب عبدالناصر، لذلك عمل كل جهده لمحاولة عودة سوريا صاغرة إلى قبضته دون قيد أو شرط، رغم اعترافه بخطأ النظام بحق سوريا، باعتباره لم يعطها الوقت الكافي، وإعطائه السراج صلاحيات أضرت بالوحدة، وبالرغم من عدم اكتراث الكثير من القادة المصريين بالانفصال، ما عدا المستفيد منهم( ) إلا أن الدعاية المصرية أخذت ، تعمل ضد سوريا كما أخذت تكيل المؤامرات على سوريا من خلال السفارة المصرية في لبنان، بواسطة السفير عبدالحميد غلاب، الذي أخذ ينشر الشائعات من خلال عملائه، وأخذ بتوزيع المنشورات التحريضية ضد المسؤولين السوريين ، ويبعث عملائه للإعتداء عليهم ، وإلقاء المتفجرات، وتوزيع رسائل التهديد، ووضع مخططات الاغتيالات، وتسليح العملاء والتسللات إلى سوريا عبر لبنان، حتى أن رئيس الحكومة السورية بشير العظمة تلقى تهديداً بالقتل، من قبل أحد العملاء، رداً على بيان رئيس الحكومة بالدعوة للوحدة مع مصر على أسس جديدة( )، بالرغم أن رئيس الحكومة معروف الدواليبي سمح للصحف المصرية عام 1962 بالدخول إلى سوريا، رغم قيام النظام المصري بتأميم جميع مشاريع السوريين واللبنانيين الذين كانوا يقيمون عقوداً طويلة في مصر وسلبهم أموالهم، وأخذ النظام المصري يهاجم النظام البرلماني السوري والليبرالية الاقتصادية، ويشجع اللجنة العسكرية البعثية سرا( )، وبسبب دعم العملاء من قبل النظام المصري، لإحداث انقلابات عسكرية وفتن داخلية، اشتكت سوريا إلى الجامعة العربية في 22 أغسطس 1969 فهددت مصر بالانسحاب من الجامعة العربية ، ونعتها بأنها صيغة استعمارية بعد ثبوت الأدلة على النظام المصري لإدانتها، ثم أثارت قضية الدندشي التي كانت عبارة عن فبركة مصرية للطعن في البرلمان السوري بتوريط رئيس البرلمان مأمون الكزبري فيها( ) ، وقد أرسل النحلاوي وفداً إلى مصر عام 1962 برئاسة المقدم زهير عقل للإتفاق على بعض الأمور وهي : ( )
1- وقف المهاترات الإذاعية فوراً.
2- الاعتراف بالوضع الحاضر في سوريا ليصار إلى الإنتقال إلى معالجة عودة الوحدة على أسس جديدة.
3- عقد اتفاق عسكري مشترك بين سوريا ومصر، لتطبيق الخطط العسكرية الموضوعة أثناء الوحدة.
4- تصفية الأمور الإدارية المتعلقة بين مصر وسوريا من أسلحة وغيرها.
لكن النظام المصري عمل على اتهام قادة الانقلاب بأنهم مرتشون ، وعمل أيضاً على إثارة الفتنة بينهم، وإثارة فتنة بين المدنيين وبين قادة الانقلاب، ولاسيما مأمون الكزبري الذي لم يثبت أي دليل يدينه أو يدين أحداً من أعضاء الحكومة، أو الضباط الذين إتهموا بالعمالة للمخابرات الأمريكية، فظل هؤلاء لا يملكون ثروات طائلة كما إدعى النظام المصري بذلك، رغم تأكيد الرئيس ناظم القدسي أن مصر هي نفسها كانت ترفض الوحدة بعد انقلاب النحلاوي، وتعمل سراً لإسقاط نظامه، كما عملت السفارة المصرية في بيروت على رشوة الصحف اللبنانية للعمل ضد النظام السوري، وتحطيم هيبة الدولة بتشويه صورة أعضاء الحكومة، وشتمهم( ) ، وعندما ألح النحلاوي على ضرورة إعادة الوحدة مع مصر، اشترط عبدالناصر عليه أن يكون هو رئيساً لسوريا، وإلغاء البرلمان والحكومة، وكان النظام المصري متصلاً بحركتين أخريين هما حركة بدر الأعسر في حمص، وحركة جاسم علوان في حلب، لتفتيت الجيش السوري وإحداث حرب أهلية، وعلى إثر ذلك قام النحلاوي بانقلابه الثاني عام 1962، وقام تمرد جاسم علوان في حلب، وتمرد بدر الأعسر في حمص، وخوفاً على إنقسام الجيش، رأى النحلاوي قبول مؤتمر حمص للتفاهم على حل يرضي جميع الأطراف، ورغم ذلك قام جاسم علوان بانقلاب آخر بعد مؤتمر حمص، وحرض على إطلاق مظاهرات ضد النظام ، ثم حدث إضراب عمال النسيج في حلب في 7 يوليو 1962، مطالبين بعودة الوحدة، مما حذا بالحكومة إلى اعتقال محرضي الاضراب وجاسم علوان معهم ، وحينما رفع ناظم القدسي الأحكام العرفية( ) , حيث كان قد استمر في إعلانها بسبب عملاء النظام المصري ولمدة عدة أشهر مما أدى ذلك إلى نشاط عملاء النظام المصري، والذين تسببوا قبل ذلك بإسقاط حكومة بشير العظمة في 17 سبتمبر 1962 بسبب انقسام الرأى حول قضية الوحدة مع مصر، وعلى ذلك كان رفع الأحكام العرفية خطأً كبيراً( )، لأن عملاء النظام المصري تحالفوا مع البعث لإحداث انقلاب يطيح بالنظام وهذا ما ساهم فعلاً في انقلاب زياد الحريري بتحالف مستقلين وعملاء للنظام المصري، وقادة البعث، في 8 مارس 1963، وكانت مصر على علم تام بالانقلاب لذلك أوعزت إلى لاجئين فلسطينيين للقيام بمظاهرات أعدتها لإظهار الابتهاج بالانقلاب، وكان لهذه المظاهرات تأثيراً إيجابيا ًعلى الانقلاب الجديد الذي انتخب الفريق لؤي الأتاسي رئيساً للجمهورية ولمجلس قيادة الثورة، والذي عمل بدوره على الإتصال بقادة انقلاب العراق وبعبدالناصر، لعقد الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، في 17 إبريل 1963( )، وبسبب محاولات البعثيين الحصول على المراكز القيادية بالجيش والدولة، حدث الخلاف بين الوحدويين والمستقلين من جهة وبين البعث من جهة ثانية، مما حذا بالوحدوين الناصريون إلى القيام بانقلابهم بقيادة جاسم علوان في يوليو 1962، وكان هذا الانقلاب على علاقة تامة بمصر، وبسبب ما قام به البعث من إعدامات وتنكيل بالوحدويين الناصريين، توترت العلاقات بينهم وبين مصر( )، فصرح عبدالناصر في 22 يوليو 1963:
" إن الجمهورية العربية المتحدة، لا تعتبر نفسها مرتبطة أو ملزمة بأي اتفاق مع الحكومة السورية الحاضرة، لأن حكم البعث حكم فاشستي متسلط ودموي، وهو حكم المشانق وحمامات الدم... إن قيادة البعث وقعت وثيقة الانفصال ثم دخلت الانتخابات في العهد الانفصالي فخسرت المعركة، أما سبب بكاء البيطار، فليس الندم على توقيع وثيقة الانفصال، ولكن لأن البعث خسر في الانتخابات، وإن الأيام أثبتت أن سياسة البعث مجرد أساليب ملتوية رخيصة قائمة على المساومات، وإن قيادة البعث أرادت اقتسام مناطق النفوذ فتسيطر هي هناك، وتكون لنا منطقة نفوذنا"( ) .
وقال أيضاً : "إننا لا نعتبر الجمهورية العربية المتحدة مرتبطة بأي وحدة في الهدف مع النظام الفاشستي القائم في سوريا، يستحيل علينا التعاون مع نظام قائم على الغدر والخيانة، بعيداً عن الإنسانية، متصف باللاأخلاقية، إن قبولنا يعتبر خيانة لقضية الوحدة العربية وللشعب السوري"( )، فيرد عليه ميشيل عفلق "إن السياسة التي إتبعتها البيروقراطية الإقليمية واللاعقلانية التي تحكم القاهرة، كانت مع الأسف الشديد، نسخة عن سياسة الأجهزة التي تحكم القاهرة قبل عام 1952، أي سياسة إقليمية توسعية قصيرة النظر، تخطط وتعمل لاضعاف الأقطار العربية لتبقى هى المتفوقة والمسيطرة" ( )، وظلت العلاقة متوترة بين نظام أمين الحافظ والنظام المصري، واستمرت الحملات الإعلامية بينهما، وفي أثناء زيارة الرئيس أمين الحافظ للقاهرة عام 1964 في اجتماع الجامعة العربية، عمد النظام المصري إلى محادثات سرية مع أحد أعضاء الوفد السوري وهو محمد عمران، والذي كان له دوراً كبيراً في إثارة الطائفية في الجيش، كما عمد النظام المصري على تشويه صورة الرئيس أمين الحافظ باختلاق شائعات تحط من شخصية الرئيس أمين الحافظ، على أساس علاقته بالجاسوس الإسرائيلي إلياهو كوهين، حيث يقول هادي البكار الذي كان يعمل في إذاعة صوت العرب في كتابه "أسرار سياسية وعربية": "إننا أنا وغسان كنفاني لفقنا حكاية زيارة كوهين للجبهة السورية لحرمان نظام البيطار من شرف اكتشافه"( ) .
وبعد ذلك أيدت مصر انقلاب صلاح جديد في 23 مارس 1966، واعترفت بالنظام الجديد، ووقعت في الثالث من نوفمبر عام 1966 معاهدة الدفاع المشترك والتمثيل الدبلوماسي بينهما، وإعترفت بانفصال القطرين، ثم أخذ نظام نور الدين الأتاسي، يزايد على النظام المصري وينتقده لدفعه للحرب مع إسرائيل( ) ، حيث انتقد قضية تحويل نهر الأردن التي أقرها مؤتمر القمة العربية عام 1965، على أساس أنه عمل على الدعوة لتأجيل تحويل روافد الأردن، حتى تستطيع تأمين الحماية الكافية من الطيران الإسرائيلي. فوصف النظام المصري بالاستكانة، وقد أ كد الملك حسين أن نظام الأتاسي جديد، مخترق بشكل كامل من قبل الجواسيس والعملاء المتواطئين مع جهات معادية للعرب، وهدفهم إشعال الموقف على الجبهة السورية لتوريط مصر في حرب غير مستعدة لها، وخاصة العمالة للإتحاد السوفياتي، وهكذا استدرجت مصر إلى الفخ الذي نصبه لها نظام الأتاسي جديد، بالتعاون مع الإتحاد السوفياتي، فطلب عبدالناصر انسحاب قوات الطواريء الدولية من سيناء ثم خطب أمام مجلس الأمة المصري في 29 مايو 1967 قائلاً: " لقد باتت استعداداتنا كاملة، ونحن الآن مهيأون لمواجهة إسرائيل ... لقد أصبحنا قادرين على معالجة قضية فلسطين بأكملها .... وسوف نقرر نحن وليس هم زمان المعركة ومكانها"( ) ، وكانت نتيجة الحرب هزيمة الجيوش العربية بأكملها، فقرر مجلس الأمن في السابع من يوليو1967، وقف القتال، وقد وافقت الأردن ومصر في الثامن من يونيو، أما سوريا ففي التاسع من نفس الشهر، لكن النظام السوري قد أعلن سقوط الجولان قبل سقوطها بـ 24 ساعة، أي في العاشر من يونيو 1967 وبرر النظام عمله بأنه يقصد من ذلك حث السوفييت على التدخل لصالح سوريا، لأن إحتلال القنيطرة يعني الطريق إلى دمشق أصبح مفتوحاً، وهذا ما حث إسرائيل في الحادي عشر من يونيو 1967 على إحتلالها بالفعل، وبعد ذلك أعلنت إسرائيل عن قبولها بوقف إطلاق النار بعد تدخل الدولتين العظمتين ثم أيدت مصر الحركة التصحيحية بقيادةوزير الدفاع اللواء حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970، خاصة بعد أن شكل حكومة نصفها من الناصريين ونصفها الآخر من البعثيين، وقام بعد عشرة أيام من حركته بزيارة القاهرة، لتأكيد التعاون بين البلدين، ثم تولى رئاسة الجمهورية فيما بعد( ).

4- العراق
إن ما يربط العراق بسوريا هو ما يربط أي جزأين أو منطقتين من جزء واحد أو منطقة واحدة ، ليس بينهما أي حواجز طبيعية أو بشرية، لذلك فأي حدث في إحداهما لابد أن يتأثر به الجزء الآخر أو الأجزاء الأخرى في كل منطقة الهلال الخصيب، ولم يحدث أي انفصال بين هذين الجزأين منذ أقدم الحضارات، فاشتراكهما بحضارة واحدة، بدءاً من الحضارة السومرية وحتى نهاية الدولة العثمانية، وبين هذين العصرين موجات من الساميين العرب، الذين شكلوا حضاراتها وفرضوا لغتهم وكيانهم عليها ولم تستطع كل الغارات الخارجية أن تذيب هذا الشعب بل ذابت نفسها فيه، وبالتالي كان الفصل بين هذين الجزأين وفق معاهدة سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا، هو فصل تعسفي غير منطقي هدفه تحطيم أمل العرب في استعادة مكانتهم بين أمم العالم المتحضر، ورغم ذلك لم يقبل شعبي القطرين بهذه الإتفاقية، فكان المجلس الاستشاري للملك فيصل الأول يضم أعضاء من كل مناطق الهلال الخصيب وخاصة الجانب العراقي مثل نوري باشا السعيد، وطه باشا الهاشمي، وياسين باشا الهاشمي، وغيرهم، حتى أن نوري السعيد كان قائداً لقوات الأمير فيصل الذي حرر حلب وهزم أتاتورك شمالي سوريا، كما أنه كان من قرارات المؤتمر السوري عام 1920 بند ينص على استقلال سوريا والعراق وايجاد الإتحاد بينهما، وظلت العلاقات بين هذين الجزأين كبيرة بالرغم من انتداب العراق من قبل بريطانيا، وانتداب سوريا من قبل فرنسا، حتى أن العراق أمد الثورة السورية الكبرى عام 1925، بمعونات سرية، وجعل العراق ملجأاً للهاربين من قمع الانتداب الفرنسي، كما ضغطت العراق على بريطانيا عام 1936 لحملها على العمل لخدمة الوفد السوري المفاوض في باريس آنذاك، وكانت الأموال العراقية تسدد لمصاريف الوفد السوري المفاوض بشكل كامل، كما أمدت سوريا ثورة رشيد عالي الكيلاني بالرجال والسلاح والمال، وكان فشلها فيما بعد، قد أدى لإحتلال الإنكليز لكلا القطرين سوريا والعراق منذ عام 1941، ولولا تدخل بريطانيا لوقف العدوان الفرنسي على دمشق عام 1945، لتدخل الجيش العراقي لذلك( ) ، وللأسرة الهاشمية مكانة خاصة عند الشعب السوري، خاصة الملك فيصل الأول وابنه غازي وحفيده فيصل الصغير ، أيضاً كان نوري السعيد له الدور الكبير في حصول سوريا على استقلالها في السابع من أغسطس 1943، وكان لسان سوريا لدى مصطفى النحاس باشا حول قضية سوريا ولبنان، ولسانهم عند الإنكليز، وظل الشعب السوري يحتفل بعيد جلوس الملك فيصلعلى العرش حتى منتصف الخمسينات، كما كانت مصاريف الوفد الفلسطيني بقيادة أمين الحسيني على نفقة العراق، حتى أن نوري السعيد كلفه بترأس وفداً عراقياً إلى الولايات المتحدة لمعالجة قضية فلسطين( ) ، وكانت معظم الحركات السياسية وتنظيماتها في سوريا لها فروع في العراق والعكس صحيح، إضافة إلى تشابك القبائل في كلا الجزأين، وما يشكله مرفأ الإسكندرونة الذي يعتبر مرفأ شمال سوريا والعراق، هذه الأشياء وغيرها، جعلت الوحدة بين العراق وسوريا، محببة إلى كل سوري وعراقي، فلم تكن بينهما أي حدود قبل سايكس بيكو، فالتنقل بين مدينة وأخرى كان لا يواجه أية قيود، حتى أن قادة الأحزاب السياسية في كلا القطرين ظلت تربطهم الصلات القوية بعد الاستقلال في سوريا وفي العراق، مما جعل مشروع الهلال الخصيب يستهوي معظم سكان القطرين، باعتباره الطريق إلى الوحدة العربية الكبرى، وباعتباره يجمع بين أقطار بينها من الروابط ما يجعل الإتحاد بينهما طبيعياً، وكان لكل هذه الروابط، أن يقوم ذلك المشروع بعد استقلال سوريا المبدئي عام 1941 عند دخول قوات فرنسا الحرة بقيادة الجنرال كاترو مع الإنكليز إليها( ) ، وقد عرف هذا المشروع بالكتاب الأزرق ( )، و قدمه رئيس وزراء العراق نوري السعيد في أواخر 1942، إلى وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد كيس، لذا تخوفت بريطانيا من هذا المشروع، وأوعزت إلى عميلها مصطفى النحاس باشا بعد أن فرضته على الملك فاروق بالقوة، ليشكل الحكومة ويعمل على الحيلولة دون تنفيذ هذا المشروع، من خلال تأسيس ما يسمى بجامعة الدول العربية، التي تهيمن عليها مصر، ووقع ميثاقها في 22 مارس 1945، وقد قام مشروع الهلال الخصيب على مرحلتين هما: ( )
1- المرحلة الأولى :
توحيد سوريا ولبنان وفلسطين والأردن في دولة واحدة، ويقرر الشعب في هذه الأقطار شكل الحكم فيها جمهوري أو ملكي، رئاسي أم غير ذلك، مع منح الأقلية اليهودية في فلسطين شبه استقلال ذاتي بضمانات دولية،و توفير الحماية اللازمة للمسيحيين في لبنان.

2- المرحلة الثانية:
ربط سوريا الكبرى الموحدة التي تجمع هذه الأقطار بعد قيامها، بالقطر العراقي لتشكيل سوريا الطبيعية أو الهلال الخصيب، بحيث تصبح هذه الدولة نواة إتحادية لدول أخرى، وفق مشيئتها من خلال جامعة تقوم على مجلس دائم تنضم إليه الدول العربية الأعضاء، ويرأسه أحد الحكام العرب المنتخب بأسلوب ترضى به الدول المعنية، ويكون المجلس مسؤولاً عن الدفاع الخارجي، والنقد والمواصلات والجمارك وحماية الأقليات، وقد رأى البعض أنه لو تحققت وحدة الهلال الخصيب سيؤدي ذلك إلى توحيد المشرق العربي كله، وبروز قوة إقليمية تتحدى بامكانياتها المالية والاقتصادية والجيوبولوتيكية، مصالح الدول العظمى في قلب الشرق الأوسط، وهذا سيؤهلها لتوحيد المنطقة العربية بأكملها، وبالتالي بروز قوة عظمى، تنافس الدول العظمى في العالم( ).
لكن عودة الوصي عبدالإله لتسلم العراق بعد فشل ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، بعد أن وضع رشيد عالي الكيلاني ابن عم الملك(الشريف ناصر) وصياً على الملك فيصل الصغير بدلاً من عبد الإله, وذلك بعد استيلائه على الحكم في العراق بدعم الإنكليز له، فكان هذا السبب قد جعل الشعب السوري كارهاً للوصي عبدالإله الذي عاد بحراب الإنكليز وصياً على عرش العراق، إضافة إلى مستشاره نوري السعيد الذي تولى عدة مرات رئاسة الحكومة في العراق، وزاد من كرهه للوصي، إعدامه لأحد الأقطاب الأربعة في ثورة رشيد عالي الكيلاني، وهو صلاح الدين الصباغ وهو سوري من دمشق، حيث ظلت جثته معلقة ثلاثة أيام نزولاً عند رغبة الوصي، بعد أن سلمته تركيا للعراق عقب الحرب العالمية الثانية، لذلك استغل معارضي مشروع الهلال الخصيب هذه الحادثة لمعارضة المشروع ووسمه بالعمالة والخيانة( ) ، بالرغم من أن المادة الثانية من الدستور السوري لعام 1928 تقول: " إن البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية وحدة سياسية لا تتجزأ، ولا عبرة لكل تجزئة طرأت عليها منذ نهاية الحرب العالمية "( ) ، وعقب إعلان الاستقلال في أغسطس 1943، زادت دعاوي دعاة الوحدة مع العراق، فقال أحد النواب وهو حلمي الأتاسي عام 1945:" يجب ألا يبلغ التمسك بالنظام الجمهوري حداً يقف في وجه توحيد البلاد ويكون حائلاً دون توسيع نظامها وضم شملها ضمن حدودها الطبيعية"( ) ، وقد وافق البرلمان السوري في جلسة 31 مارس 1945، على ميثاق الجامعة العربية، بشرط احتفاظ سوريا بحقها في تحقيق وحدتها الطبيعية، بغض النظر عن رأي الجامعة العربية، وكان الحوراني أول المنادين بذلك، وهذا إن دل فهو يدل أنه كان ما يزال يعمل لصالح الحزب القومي السوري، ومن أجل هذه الوحدة اندلعت المظاهرات في حلب وقادها حزب الشعب، تطالب بالوحدة الفورية بين سوريا والعراق، لكن قمعها قائد الجيش حسني الزعيم - بعد حرب فلسطين 1948-، وكان قبل ذلك قد عمل رئيس الحكومة السورية عام 1946 سعدالله الجابري ، على بحث مشروع اتفاق مبدئي كخطوة أولى نحو مشروع الهلال الخصيب، من خلال توحيد الجمارك والمواصلات( )، لكن المشروع أوقف بسبب رشوة السعودية لبعض أعضاء الحكومة، وبعد انقلاب حسني الزعيم دعى قائد الانقلاب إلى اتحاد سياسي وعسكري مع العراق بعد لقائه بوزير الخارجية العراقي جمال بابان، وضرورة تنسيق الخطط المشتركة بين البلدين ضد أي عدوان محتمل، لكن رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد رفض إقامة أي حلف عسكري إلا بشروط هي( ):
1- إنشاء قواعد للجيش العراقي في سوريا.
2- إعادة الوضع الدستوري إلى سوريا قبل النظر في الإتحاد الفيدرالي.
3- عدم تدخل الجامعة العربية في شؤون سوريا كونها أداة بيد مصر.
ثم التقى نوري السعيد في إبريل 1949 في دمشق مع حسني الزعيم، وذلك، بعد أن زار وزير خارجية سوريا الأمير عادل أرسلان ، العراق برفقة صبري العسلي، ثم وقع نوري السعيد وحسني الزعيم إتفاقية عسكرية واقتصادية، واتفق معه على العمل من أجل وحدة القطرين( )، لكن تبين أن كل هذه التحركات من قبل حسني الزعيم كانت لتثبيت وضعه الداخلي، حيث ما أن استقر بالحكم حتى نقض الاتفاقية وحرك قواته على حدود العراق، متهماً العراق بحشد قواته على الحدود السورية، وبسبب ذلك اتفق العراق مع صبري العسلي على القضاء على حسني الزعيم، وتوقيع اتفاق بين سوريا والعراق، بدعم من الحزب الوطني في سوريا، خاصة بعد اعتلاء حسني الزعيم منصب الرئاسة وفق استفتاء شعبي، وتعيينه لمحسن البرازي الموالي لفرنسا والمعادي للوحدة مع العراق رئيسا للوزراء( )، لذلك عمل على إبعاد أسعد طلس عن أمانة وزارة الخارجية كونه موالياً للعراق، وهذا العمل أثار قائد اللواء الأول الزعيم سامي الحناوي –عديل أسعد طلس- بعد أن تقارب حسني الزعيم مع مصر حيث حثه الملك فاروق على معاداة مشروعي الهلال الخصيب و سوريا الكبرى، إضافة لعمله في إثارة العراق ضده، بدعوته للقائد العراقي رشيد عالي الكيلاني الذي كان يقيم في السعودية، ودعمه لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة في سوريا وموالية لحسني الزعيم، تعمل من أجل اسقاط الحكم الهاشمي في العراق، لذلك عملت العراق على اسقاط حسني الزعيم، من خلال قائد اللواء الأول سامي الحناوي ذي العلاقة بالسفير العراقي في دمشق( )، وكانت الدوافع الأساسية لهذا الانقلاب بقيادة سامي الحناوي هي: ( )
1- تمهيد الأجواء السياسية التي يقوم بها حزب الشعب لقبول الرأى العام فكرة الوحدة مع العراق، عبر انتخابات تشريعية، ودستورية ينص على ذلك صراحة.
2- تركيز أوضاع الجيش، بما يضمن تسريح المعارضين لهذه الفكرة.
3- تنسيق السياسة الخارجية بين سوريا والعراق لإتقاء أي هجوم مصري أو سعودي يهدف لتدمير الإتحاد.
4- تحريك رجال الصحافة والفكر وزعماء العشائر والأحياء لتأييد فكرة الوحدة مع العراق.
5- اعتماد الدكتور أسعد طلس كمعتمد دبلوماسي دائم في بغداد، حيث يعمل كضابط ارتباط بين دمشق وبغداد، وإعتماد الدكتور عدنان الأتاسي نجل الرئيس هاشم الأتاسي كسفير في العراق لدى سوريا، ثم دعى قائد المجلس العسكري الأعلى الزعيم سامي الحناوي، هاشم الأتاسي وسلمه السلطتين التشريعية والتنفيذية وعهد إليه بتشكيل حكومة كونه الراعي الروحي لحزب الشعب المؤيد للوحدة مع العراق( ) ، وقد اشترك الحوراني وعفلق بهذه الحكومة، لكن عندما دعت الحكومة للوحدة مع العراق استقالا منها، وهنا يلاحظ أن الحوراني غير سياسته ومواقفه من وحدة سوريا الطبيعية، وهذا دليل أنه انسحب من الحزب القومي السوري، وأصبح معارضاً له وللوحدة مع العراق، ورغم فوز حزب الشعب في الجمعية التأسيسية بـ 51 صوتاً مقابل 115، وهذا دليل على أن أكثرية النواب مع الوحدة مع العراق، خاصة بعد أن عين الوصي عبدالإله, علي جودت الأيوبي رئيساً للحكومة، بدلاً من نوري السعيد ذي الميول البريطانية، كما عين أحد أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المعارض في العراق، في الحكومة العراقية، لإغراء اليسار السوري بذلك، بعد رفع الحظر عن الأحزاب باستثناء الحزب الشيوعي والحزب التعاوني الاشتراكي وذلك بعد، الانقلاب مباشرة بمرسوم من سامي الحناوي( ) .
وفي الخامس من أكتوبر 1949 جاء الوصي عبدالإله والملك فيصل الصغير إلى سوريا، وقد استقبلها الرئيس هاشم الأتاسي وقائد الجيش سامي الحناوي، وفارس الخوري وصبري العسلي، وهكذا أيدت جميع الأحزاب وخاصة الحزبين الرئيسيين الوطني والشعب الوحدة مع العراق، ما عدا حزبي البعث والشيوعي، وبالمقابل أيدت الأحزاب العراقية ذلك، خاصة بعد أن قام نوري السعيد بإنشاء حزب الإتحاد الدستوري في نوفمبر 1949، الذي يهدف بالدرجة الأولى للوحدة مع سوريا( ) ، وحاول نوري السعيد إقناع الحوراني بهذه الوحدة، لكنه أخذ يعارضها علناً وأعلن ذلك بقوله: " إذا ما بقيت شعارات الوحدة السورية العراقية التي يرفعها حزب الشعب ماضية في صعودها، فإنها ستصبح عاملاً من عوامل التشويش والفوضى وعدم الاستقرار في سوريا "( ) ، لكن قدم العراق للحوراني رشوة بمبلغ خمسة ملايين جنيه استرليني ليتغيب عن جلسة البرلمان التي كان من المفترض أن تصوت في 24 ديسمبر 1949 على قرار الوحدة، لكن الحوراني رفض ذلك، وأعلن أن موضوع الإتحاد مع العراق، هو مؤامرة انكليزية موجهة ضد سوريا، واشترط شروطاً تعجيزية للموافقة( ) ، ثم عمل على إقناع بعض الضباط بضرورة تأييد الانقلاب الذي يقوده الشيشكلي، فعلى سبيل المثال قال لفضل الله أبو منصور: " أنتم الوحيدين القادرين على إنقاذ البلاد، وإنهاء حالة التردي القائمة.. سيسجل التاريخ لكم إنجازكم المجيد هذا، أما إذا ترددتم وحتى لعدة أيام، فإن فرصة الإنقاذ هذه ستضيع إلى الأبد، وسيدخل جيش استعماري إلى سوريا، وراء ستارة الجيش العراقي العربي، ولن يكون أمامنا إلا الذل والمهانة مرة أخرى" ( ).
وكان نوري السعيد قد كلف موسى الشابندر لبحث قضية الوحدة بين سوريا والعراق وتسريعها لكن استمرت الدعاية المغرضة التي كان يطلقها معارضي الوحدة مع العراق وأبرزهم الحوراني، وميشيل عفلق، وخالد بكداش على أساس أن هدف هذه الوحدة هو ضم سوريا إلى العراق، وإيجاد عرش جديد للأمير عبدالإله، وتوسيع النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط( ) ، رغم أن هدف نوري السعيد لم يكن سوى مصلحة سوريا والعراق، وأن يتم الإتحاد بينهما برضى الفريقين من خلال البرلمان، ولا يهم أن يبقى النظام الجمهوري في سوريا والملكي في العراق على حالهما، بحيث يشكل مجلس الاتحاد من وزراء الخارجية والمالية والدفاع للحكومتين، وأن يرأس الاتحاد كل من ملك العراق، ورئيس سوريا، بالتعاون، حسب المدة التي يتفق عليها عند وضع أسس الإتحاد وفروعه، وكان كل ذلك تعليمات خطية لموسى الشابندر من نوري السعيد نفسه، أما بالنسبة للمعاهدة البريطانية العراقية، فبالرغم من محدودية تأثيرها فإنها لا تشمل سوريا بأي حال من الأحوال، ومهما كانت شروط الإتحاد، وقد أبدى كل من الرئيس هاشم الأتاسي ورئيس اللجنة التأسيسية رشدي الكيخيا، وأمين وزارة الخارجية أسعد طلس، و رئيس الوزراء الأسبق حسني البرازي، وعدداً كبيراً آخر من السياسيين، رغبتهم في هذه الوحدة، والتقوا مع موسى الشابندر للإتفاق على صيغة الوحدة في 5 ديسمبر 1949، لكن وجود بعض الانتهازيين الذين طلبوا رشاوي مقابل قبولهم، إضافة لخطأ القيادة العراقية ببعثها وفوداً إلى سوريا تلتقي مع الجانب المؤيد للوحدة، وترفض الالتقاء بالمعارضين لاقناعهم بها، فعلى سبيل المثال كان من الممكن إقناع رئيس حزب الإخوان المسلمين الدكتور مصطفى السباعي من خلال قريبه السفير العراقي في دمشق عبدالكريم السباعي. لكن كان قيام انقلاب الشيشكلي في 24 ديسمبر 1949، واعتقاله لقائد الجيش سامي الحناوي، وهروب أسعد طلس إلى السفارة العراقية، وسقوط حكومة ناظم القدسي، قد أعاد الوحدة خاصة أن يوم الانقلاب كان هو يوم التصويت على الوحدة في البرلمان، وبعد انقلاب الشيشكلي عام 1949 ، ادعى الشيشكلي والحوراني أن قائد الجيش سامي الحناوي كان يريد بيع البلاد لنوري السعيد والوصي عبدالإله، وعلى إثر الانقلاب سقطت حكومة علي جودت الأيوبي في العراق، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة توفيق السويدي في إبريل 1950، حيث أدخلت في منهاجها مشروع الإتحاد الفيدرالي مع سوريا، وأعلن رئيسها أن الشعبين السوري والعراقي يشعران بحاجة ماسة للوحدة( )، لكن تدخل النظام المصري من خلال الجامعة العربية لوقف الوحدة، فابتدع ما سمي بمشروع الضمان الجماعي، الذي من بنوده تعهد الدول العربية بعدم إبرام أي اتفاقية دولية لا تتفق مع مشروع الضمان الجماعي، والهدف هو سد الطريق على الوحدة السورية العراقية، لتحتفظ مصر لنفسها بالريادة كأقوى دولة عربية بمحافظتها على الوضع الراهن، من خلال إحتوائها للعراق وسوريا وإعادة تأكيد مبدأ استقلال كل دولة، لكن رغم ذلك استمرت دعوات حزب الشعب للوحدة مع العراق، وقد صرح السفير العراقي في دمشق حول ذلك داعماً لموقف حزب الشعب بقوله: " إن الخطوة الأولى هي جمع تلك البلدان التي ترتبط تاريخياً وجغرافياً ولها مصالح مشتركة"( )، ومما زاد من شعبية الهاشميين في سوريا أنه عندما تجددت الاشتباكات على الحدود السورية الإسرائيلية، مما حذا بالجامعة العربية في الرابع عشر من مايو 1951 إلى إصدار قرار بإمكانية تدخل العراق ومصر لمساعدة سوريا، لكن مصر لم ترسل أي قوات لسوريا، بينما قام نوري السعيد بإرسال قوات عراقية على الفور إلى سوريا، وصرح في 16 مايو 1951 حول ذلك بقوله: " في هذه اللحظة التي أتحدث فيها إليكم، تكون مدفعيتنا المضادة للطائرات في طريقها إلى سوريا، لتساعدها ضد اعتداء الطيران الصهيوني، إن وحداتنا ومدفعيتنا ومحاربينا هي تحت تصرف قادة سوريا ما دعت الحاجة لذلك"( ) ، فهنا تأكد للشعب السوري أن دعوات الشيشكلي والحوراني لا أساس لها من الصحة، خاصة أن العراق قد ازداد إنتاجه النفطي خال الفترة (1950-1954) من 6 مليون طن سنوياً إلى 30 مليون طن سنوياً، وعلى ذلك فلا مصلحة لبريطانيا بالوحدة السورية العراقية حتى لا تكسب عداوة مصر والسعودية وإسرائيل وفرنسا، وعداك عن تخوفها من انتقال مشاكل سوريا إلى العراق، فهدفها لم يكن سوى سلامة أنابيب شركة أي بي سي الإنكلوعراقية التي تصب في البحر، ولاشيء غير ذلك، أما العراق فهو ليس بحاجة لموارد سورية ولا يوجد عنده فائض من السكان يريد توطينه( ).
وبسبب ازدياد الدعوات الوحدوية في سوريا، عمد الشيشكلي والحوراني على العمل لاسقاط الحكم الهاشمي في العراق بدعم رئيس الأمن العراقي العقيد علي خالد للقيام بانقلاب عسكري في 14 فبراير 1950 لكن فشل الانقلاب، وسقطت حكومة مزاحم الباجه جي وأعلنت الحكومة العراقية، إغلاق الحدود مع سوريا( ) ، ورداً على ذلك شكل الحوراني في البرلمان كتلة الجمهوريين الأحرار ضد كتلة حزب الشعب للوقوف ضد التصويت على الوحدة في البرلمان، لكنه خفف من حدة لهجته تجاه الوحدة مع العراق بعد قبوله رشوة عراقية في 20 إبريل 1950، وقبوله الوحدة مع العراق بشرط أن يصبح رئيساً للحكومة الوحدوية، ومن ثم رئيساً لسوريا ( )، لكنه بعد ذلك عاد وصار يرفض هذه الوحدة حتى قام الشيشكلي في التاسع والعشرين من نوفمبر 1951 بانقلابه الثاني، وأيد الحوراني هذا الانقلاب، مما حذا بالعراق الى العمل لاسقاط الشيشكلي من خلال أصدقائها في سوريا مثل صبري العسلي، وعدنان الأتاسي، وغيرهم. لأن الشيشكلي قد عطل بانقلابه مسيرة الوحدة مع العراق، ثم تحالف العراق مع قائد المنطقة الوسطى (محمود شوكت). ومع شيخ قبيلة طيء (عبدالرزاق الحسو)، ومع محافظ دمشق (رشدي الحامد) ( )، وكان الشيشكلي قد برر معارضته لمشروع الهلال الخصيب على أساس أن هدفه الوحدة العربية الشاملة، وأن يجعل سوريا هي بروسيا العرب التي ستعمل على تحرير العالم العربي كله، ووحدته( ) ، لكن نوري السعيد رفض الاعتراف بحكمه مما حذا بالشيشكلي إلى التقارب مع السعودية ومصر في عهد محمد نجيب فأيد حركة محمد نجيب في 23 يوليو 1952، لكن بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي في سوريا التي سادت بعد انقلاب الشيشكلي الثاني 1951، عمد رئيس الحكومة العراقية فاضل الجمالي على استغلال ذلك بإشاعة الديمقراطية في العراق وذلك بسماحه بتشكيل أحزاب جديدة، وتأمين الحريات الديمقراطية، وقال في مؤتمر صحفي:" إن دعوة العراق للإتحاد تحمل في طياتها هدماً للكثير من الآراء والنظريات القائمة التي تقف حجر عثرة في سبيل الإتحاد، وإن الغاية منها هي التفاهم على أسلوب تدريجي يبدأ بين دولتين فأكثر ثم تنضم إليها بقية الدول العربية، وإن هذا الإتحاد هو لخير الشعوب العربية لا لمصالح خاصة عائلية أو لزعامات معينة"( )، ثم أبدى العراق إستعداده لتمويل جيش عربي من عائدات النفط العراقية، لكن الحوراني، اعتبر هذه الخطوات هي خطوات استعمارية بإيحاء من الإنكليز، وأوعزت مصر والسعودية للشيشكلي ليرفض العرض، مما حذا بالعراق إلى تأييد آراء الجبهة الوطنية التي جمعت جميع القوى السياسية في البلاد بعد اجتماعها في منزل أكرم الحوراني عام 1953، حيث قرروا ما يلي: " إن أركان الجبهة قرروا انطلاق الثورة المسلحة من جبل الدروز، على أن تعم البلاد جميعها، وسيشترك رؤساء العشائر مع الجبل بإشعال الثورة، وإن العراق أبدى استعداده لدعم هذه الثورة بالمال والسلاح والرجال "( ) ، لكن الحوراني رفض ذلك على الفور على أساس أن ذلك قد يدفع لفتنة الوحدة مع العراق، وهي حسب نظره مشروع استعماري، ورغم ذلك استمر الملحق العسكري العراقي في دمشق (عبدالمطلب الأمين) في الإتصال مع السياسيين المعارضين، وتوزيع الأموال والمساعدات للصحف المناوءة للشيشكلي، وقد أيد هاشم الأتاسي تحرك العراق عسكرياً لاسقاط نظام الشيشكلي، لكن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتا السماح للعراق بالتدخل العسكري لتحقيق الوحدة بالقوة ، رغم موافقة الكثير من الوحدويين ورغبتهم في ذلك، حيث كانوا يرون أن المظهر الخارجي لرأس الدولة سواءاً كان ملكياً أم رئاسياً، يحسمه جوهر النظام السياسي، فمن الممكن أن يكون الملك ديمقراطياً، ورئيس الجمهورية ديكتاتورياً، فعلى سبيل المثال، كان الدستور السوري لعام 1920 يحد من صلاحيات الملك ويجعل حكمه رمزياً، والحكم الرسمي لمجلس النواب، بخلاف دستور حسني الزعيم الذي أعطاه صلاحيات مطلقة( ).
كما عمل العراق على تشجيع العشائر البدوية، على الحدود السورية لإثارة عدم الاستقرار في سوريا، وساعد العقيد محمد صفا بتشكيل حكومة سوريا الحرة، وأيده الكثير من اللاجئين السوريين الذين لجؤوا إلى العراق وانضموا لهذه الحكومة( ) ، وأصبحت لها إذاعتها ونشاطاتها السرية، وأيضاً حث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي (صادق البصام) رئيس الحكومة العراقية فاضل الجمالي، على طلب عقد جلسة عاجلة لجامعة الدول العربية، إبان مشكلة جبل العرب عام 1954 في سوريا، باعتبار أن القضية السورية ليست مسألة داخلية، بل هي مسألة تهم كل الدول العربية( ) ، مما حذا بالحكومة السورية أن تطالب بإبعاد الملحق العسكري العراقي في 4 فبراير 1954 وإتهامه بالقيام بأعمال ضد النظام منها رشوة بعض السياسيين، خاصة بعد اكتشاف الحكومة أن الدروز حصلوا على أسلحة من العراق، واصطدموا مع قوات الدرك وقتلوا أربعة منهم واعتقلوا , 190 , فردَ الجيش بقصف مدفعي وجوي، ولجأ سلطان الأطرش -الذي أيد التمرد- إلى الأردن( ).
وعلى إثر الإطاحة بالشيشكلي في 25 فبراير 1925، وازدياد التدخل الشيوعي في سوريا خشي العراق من إنتقال عدوى الشيوعية إلى العراق، مما حذا به إلى تأييد قيام حلف دفاعي ضد الشيوعية، وقال نوري السعيد عند زيارته لمصر في الرابع عشر من سبتمبر 1954، موضحاً أهداف الحلف: " إنني لا أستطيع أن أعتمد على العرب في الدفاع عن بلادي ... إن الطريقة الوحيدة للدفاع، هي في عقد تحالف مع الغرب"( ) فأهداف نوري السعيد في عقد هذا الحلف وفق التحليل المنهجي له هي: ( )
1- التزود بالسلاح المحظور على الدول المشتركة في حرب فلسطين 1948 ضد إسرائيل.
2- سبيل لدول الهلال الخصيب لمواجهة التهديد الإسرائيلي.
3- أن يصبح العراق هو سيد النظام الإقليمي.
لكن مصر والسعودية عارضتا هذا الحلف، على أساس أنه ضد القومية العربية، كما عارضته فرنسا على أساس أنه صيغة أخرى للهلال الخصيب، على اعتبار أن هذا الحلف مع الدول الإسلامية مثل إيران وتركيا وباكستان سيؤدي إلى حصول العراق على السلاح( ) ، وسيجعل هذه الدول تنضم إلى العرب في نزاعها مع إسرائيل، لكن هذا الحلف قد فكك كلمة العرب، بسبب الدعاية المصرية التي شوهت صورة نوري السعيد ذي التاريخ العربي المشرف و الذي كثيراً ما سمع منه قوله "إنني أرغب في عمل شيء لقضية فلسطين، قبل أن أموت"( ), لكنه- أي الحلف- لم يمس القضية العربية بأي سوء، ولم يسبب لها أي ضرر، فكان من ضرورات العراق الجغرافية، لأن العراق كان على الدوام العامل الأول من أجل العروبة، فلا يعد خيانة الاشتراك في حلف بغداد المعادي للشيوعية، التي تريد اجتياح العالم العربي، لكن مع استمرار العراق بالمحاولة لإقامة نظام موال له في سوريا، عمل في عام 1954 على تشجيع العقيد محمد صفا للقيام بانقلاب عسكري لكنه فشل( ) ، فعمل العراق على الإتصال برئيس الحكومة صبري العسلي سراً عام 1954، من أجل تأييد تدخل عسكري عراقي، وعندما علم الحوراني بذلك عمل على الإتصال مع الشيوعيين لاسقاط الحكومة بعد ثلاثة أيام من لقاء (صبري العسلي وفاضل الجمالي) في بيروت بتاريخ 11 يوليو 1954( ) ، لكن هذا التقارب مع الغرب لم يثن نوري السعيد عن دوره الوطني تجاه الأمة العربية , فعشية العدوان الثلاثي على مصر صرح نوري السعيد بقوله: "إما أن يصبح العالم العربي شيوعياً، أو أن تحل قضية فلسطين على أساس مقترحات الأمم المتحدة لعام 1947"( ) ، حتى أن الحوراني عندما زار العراق مع وفد سوري عام 1956 قال: " على الرغم من شعورنا المعادي لنظام الحكم، فقد كنا نشعر بقرابة فكرية ونفسية بالاختلاط معهم، أكثر مما نشعر به عند حلفائنا، مصر والسعودية"( ) ، رغم أنه كان قد اتهم قبل ذلك حكومة صبري العسلي عام 1955، بأهدافها لتحقيق مشروع الهلال الخصيب، وعمل على إسقاطها( ).
وبازدياد سيطرة اليسار في سوريا، عمل العراق على إسقاط النظام من خلال إتصاله ببعض السياسيين وأبرزهم الرئيس السابق أديب الشيشكلي مع بعض الضباط، واشترك في هذه العملية بريطانيا والولايات المتحدة، وقد عرفت هذه العملية بخطة الانتشار( ) ، وبدأت في مارس 1956، لكنها فشلت باكتشاف المكتب الثاني لها. قبل البدء بها من خلال شحنة الأسلحة الآتية من العراق إلى جبل العرب، التي فضحت العملية، رغم اشتراك الملحق العسكري العراقي في دمشق صالح السامرائي، الذي كان على إتصال مباشر بنائب قائد الأركان غازي الداغستاني، وكشفت الخطة في 23 نوفمبر 1956، ثم وجهت الاتهامات لنوري السعيد، وحكم بالاعدام على 18 متهماً في فبراير 1957 مع أحكام أخرى للآخرين، رغم تنديد معظم الوطنيين لأحكام الاعدام باعتبار أن السعي من أجل الوحدة مع العراق لا يعد خيانة، وأن التاريخ النضالي لنوري السعيد يشفع له ذلك، ورغم فشل هذه العملية إلا أن نوري السعيد لم ييأس من استمرار المحاولات لتحقيق الوحدة مع سوريا ففي ربيع 1957 استدعى اللواء غازي الداغستاني وأطلعه على خطة انقلاب في سوريا، مدعوم بهجوم عسكري عراقي، وأعطيت هذه العملية اسم عملية نصر، وكان لزعيم الحزب الوطني في حلب ميخائيل إليان الدور الأول فيها، لكن فشلت الخطة أيضاً.
وقد كان من أسباب الأزمة الوزارية عام 1956 في ظل حكومة سعيد الغزي هو الخلاف بين المؤيدين للتقارب مع العراق، وبين المؤيدين للتقارب مع مصر، وانتهت الأزمة بسقوطها، وتشكيل حكومة قومية برئاسة صبري العسلي في 16 يونيو 1956( ) ، ثم تشكلت في ديسمبر 1957 الجبهة الوطنية البرلمانيةوعلى رأسها الحوراني وخالد العظم وأعلنت عداءها للغرب ولحلف بغداد ولمبدأ أيزنهاور الذي أيده العراق( ) ، وخلال هذه الفترة نشط عملاء النظام المصري خاصة السراج ، الذي حاول عام 1957 اغتيال نوري السعيد من خلال أحد عملائه وهو عبدالهادي فذو، لكن فشلت المحاولة، ثم أدخل متفجرات وأسلحة إلى العراق وألغموا إحدى سيارات الرئاسة، لكن فشلت المحاولة أيضاً ثم حاول السراج في بداية 1958 اغتيال نوري السعيد عن طريق عبدالهادي الفكيكي، لكن فشلت المحاولة وهرب إلى دمشق وأصبح يشرف على إذاعة صوت العراق الحر في بداية الوحدة بين مصر وسوريا في مارس 1958 ( ) ، حيث رد العراق على الوحدة بين مصر وسوريا بالاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن في 14 فبراير 1958، وأخذ فاضل الجمالي يهاجم هذه الوحدة باعتبارها غير طبيعية وغير عملية، لأن مشروع الهلال الخصيب هو الأفضل( ) ، وقد عملت الحكومة العراقية في ظل الاتحاد الهاشمي على الضغط على سوريا في ظل الجمهورية العربية المتحدة، من خلال الحدود مع الأردن، لحملها على إيقاف مساندتها لقوى المعارضة اللبنانية، على أنه كان يتم ذلك بدعوى مساندة العراق لنظام الملك حسين في إطار الإتحاد الهاشمي بينها الذي يربط العراق بالأردن، وكان الهدف من ذلك عزل سوريا عن مصر، بالضغط عليها لتحقيق مشروع الهلال الخصيب وفق استراتيجية العزل، إضافة إلى أن طريق البترول العراقي، أصبح تحت رحمة النظام الجديد الذي تقوده مصر، والمعادي للعراق، وهذا ما حذا بنوري السعيد إلى المطالبة بإقرار تقسيم فلسطين، وفتح طريق بحرية للعراق عبر الأردن إلى حيفا ، لكن الولايات المتحدة، رفضت هذا التحرك العراقي، وأعلنت أن هذه الأسلحة التي بحوزة العراق، لا يمكن استخدامها إلا بموافقة الولايات المتحدة، وأنها لا توافق على ذلك في الوقت الحاضر، فعملت على استمالة الضابطين المكلفين بالذهاب إلى الأردن للسبب السالف الذكر، وشجعتهما على القيام بانقلاب عسكري ضد الحكم الملكي وإعلان الجمهورية في 14 يوليو 1958، وكان هذان الضابطان هما عبدالكريم قاسم، وعبدالسلام عارف، ورغم محاولة السعودية حث الولايات المتحدة على القيام بانقلاب مضاد( ) ، لكن الولايات المتحدة رفضت ذلك وأعلنت على الفور اعترافها بالنظام الجديد في العراق، كما اعترف به الإتحاد السوفياتي مباشرة، ولم تتدخل تركيا رغم أنها عضو في حلف بغداد الذي يسمح لها بالتدخل، كما لم يتدخل الأردن رغم أن ارتباطه بالإتحاد الهاشمي يفرض عليه التدخل، حيث أعلن النظام الجديد في بداية عام 1959 تخليه عن حلف بغداد ومبدأ أيزنهاور، وظهر إتجاه يميل إلى الإتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة يقوده عبدالسلام عارف، وإتجاه آخر يميل إلى إتحاد فيدرالي معها، على اعتبار أن هذا الانقلاب كان بسبب إثارة التنظيمات الشيوعية والبعثية في العراق، وقد حصل البعث على منصب وزاري من خلال فؤاد الركابي، وكان يشغل الأمين القطري لحزب البعث العراقي، لكن بعد ذلك تخوف عبدالكريم قاسم من عبدالسلام عارف، وعمل على عزله وسجنه، بتهمة التآمر عليه، ثم عمل على اضطهاد البعثيين والقوميين والإنحياز بإتجاه الشيوعيين، وهذا أثار نظام الحكم في الجمهورية العربية المتحدة، وحمله لاسقاط عبدالكريم قاسم، فعمل السراج على القيام بانقلاب في العراق عن طريق قائد حامية الموصل عبدالوهاب الشواف في 8 مارس 1959، وأمدهم بالسلاح وبمحطة إذاعة متنقلة عبر سوريا، لكن تدخل سلاح الجو العراقي أفشل الانقلاب ( ) ، وفي نهاية عهده عمل عبدالكريم قاسم على اضطهاد الشيوعيين وإلغاء حزبهم والتقارب مع الغرب، كما عمل على محاولة ضم الكويت عقب استقلالها عن بريطانياعام 1960، لكن تدخل بريطانيا مرة أخرى، وتأييد عبدالناصر لاستقلال الكويت، واستنكاره ضمها للعراق، وبعثه قوات لحمايتها من ضم العراق لها، إضافة إلى رفض القيادة القومية لحزب البعث لقرار الضم، وتأكيد ضرورة احترام إرادة البلدين، قد أضعف نظام عبدالكريم قاسم وقلل من شعبيته، ومما تجدر الإشارة إليه أن انقلاب 14 يوليو 1958كان بسبب تأثر الشعب العراقي بالوحدة بين سوريا ومصر، وتأييد جميع القوى السياسية في العراق لها، متمنية انضمام العراق لها، لكن كان رأي النظام الملكي في العراق، أن هذه الوحدة موجهة ضده، وأن الوحدة الطبيعية لسوريا هي مع العراق، وليس مع مصر، لذلك عملت على تحسين علاقاتها مع السعودية، وأقامت الإتحاد الهاشمي، لكن هذا لم ينجيها من الانقلاب الذي كانت قيادة الجمهورية العربية المتحدة، والقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي على عام تام فيه، وكان فؤاد الركابي همزة الوصل مع الجيش خاصة عبدالسلام عارف، ورفعت الحاج سري، وأصبح عبدالسلام عارف , المعبر عن أفكار هذه الحركة( ).
لكن بعد إبعاد عبدالسلام عارف، عمل نظام الجمهورية العربية المتحدة على التحالف معه، وأخبر مسؤول المخابرات في سفارة الجمهورية العربية المتحدة (وهو عامر عبدالله) في بغداد، الحكومة العراقية بهذا التحالف مما حذا بنظام الجمهورية العربية المتحدة، إلى اختطافه من بغداد إلى القاهرة واعدامه مباشرة ، ثم حاول البعث العراقي اغتيال عبدالكريم قاسم كجزأ من عملية انقلابية كاملة، بالتنسيق مع حازم جواد الذي كان لاجئاً في سوريا مع القيادة القومية البعثية السورية والمكتب الثاني، كما عمل البعث على تهريب السلاح عبر الحدود إلى العراق من خلال العقيد أمين الحافظ، وقد كانت مجموعة الاغتيال من قبل مجموعة بعثية من ضمنها صدام حسين التكريتي، لكن فشل العملية أدى لمقتل أحد المشتركين في العملية وهروب الباقين إلى دمشق( ) ، وبعد فشل حركة عبدالوهاب الشواف في الموصل، حيث كان يأمل أهلها (الموصل) الوحدة بين سوريا والعراق، ووصول الثائرين إلى سوريا، قامت مظاهرة كبرى جمعت مئات الآلاف لتشييع جنازة الرائد محمد سعيد شهاب، وكان يتقدم هذه المظاهرة رجال الدين الذين أخذوا ينادون بثورة إسلامية ضد حكم عبدالكريم قاسم والشيوعية، كما كلف عبدالناصر كل من السراج، ومصطفى حمدون، وطعمة العودة الله، بتزويد القبائل البدوية في الجزيرة السورية بالسلاح، تمهيداً لغزو العراق، وتجدر الإشارة هنا إلى القول، أن رئيس الشرطة العسكرية العقيد رفعت الحاج سري، ورئيس المخابرات العقيد ناظم الطبقجلي، كان من المفترض أن يتحركا مع حركة الشواف، الذي استعجل الحركة، فعندما حاولا الهرب، أذاعت إذاعة صوت العرب عن علاقتهما بثورة الشواف، مما حذا بعبدالكريم قاسم إلى اعدامهما على الفور، وهكذا استمر عدم الثقة بين النظامين في سوريا والعراق طوال عهد الوحدة بين سوريا ومصر، على أسوء ما مر بهما خلال معظم علاقاتهما مع بعضهما( ) ، لكن بعد سقوط الوحدة إثر انقلاب عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، تحسنت العلاقات بين النظامين، وأيد النظام العراقي، النظام الجديد في سوريا، واجتمع الرئيس عبدالكريم قاسم مع الرئيس الدكتور ناظم القدسي في مارس 1962 –عند لقائهما في الرطبة (جنوب العراق)- على إقامة لجنة عسكرية مشتركة ومجلس اقتصادي مشترك، وانتهاج سياسة خارجية موحدة( ) ، وصرح الرئيس عبدالكريم قاسم حول امكانية إحياء مشروع الهلال الخصيب وكان مستعداً أن يقدم مصلحة سوريا على مصلحة العراق، في مواجهة المخططات التركية ضد سوريا والعراق، وكان أشد اندفاعاً للتلاقي مع المسؤولين السوريين، لأجل مصلحة البلدين( ) ، كما أعلن رئيس الحكومة بشير العظمة عن عزمه إقامة إتحاد فيدرالي مع مصر بشرط دخول العراق فيه( ) .
وفي أوائل عام 1963، اجتمعت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في بيروت، وضمت بعثيين من سوريا والعراق، ودرسوا سبل الإطاحة بنظامي القدسي في سوريا، وقاسم في العراق، وعلى إثر ذلك تشكلت لجنة سرية لتنفيذ هذه الخطة، من خلال الإتصال بعدد من الضباط، حيث كانت الخطة إطاحة النظامين في يوم واحد، أو في أقرب وقت ممكن ( ) ، لكنبعد أن قام انقلاب البعث في العراق، حاول الرئيس ناظم القدسي التقرب من قادة انقلاب العراق على أساس التعايش السلمي بين النظامين، لكن البعث العراقي عمل على محاصرة سوريا في الخارج من خلال القوات العراقية في الخارج، ونشطت جماعة ميشيل عفلق واللجنة العسكرية في الداخل ، وبما أن النظام العراقي الجديد رفع شعار الوحدة مع مصر، فقد أيده عملاء النظام المصري، وبعض المستقلين، واستغل ميشيل عفلق الموقف وبدأ يشن هجومه على نظام الحكم في سوريا متهماً إياه بأنه حكم بوليسي ورجعي، وقد آزره نظام الحكم الجديد في العراق، فقد صرح رئيس الحرس القومي علي صالح السعدي في 23 فبراير 1963 بما يلي : " إن نواة أي إتحاد بين الدول العربية، يجب أن تكون عن طريق قيام إتحاد بين سوريا والعراق أولاً "( ) ، وهذا أثار دعاة الوحدة بين سوريا والعراق، من جماعة حزب الشعب وهو الحزب المسيطر على الدوام شعبياً وبرلمانياً في كل العهود الديمقراطية سواءاً أكان رئيس الحكومة من حزب الشعب أم مستقل( )، كما أشار الرئيس عبدالسلام عارف أن العراق يسعى للتعاون مع سوريا في جميع المجالات، وهذا ما أكده أيضاً وزير خارجية العراق في 13 فبراير 1963، وبالفعل فقد توجه ميشيل عفلق في السابع عشر من فبراير 1963 إلى العراق مع وفد لبحث أمر الوحدة، مما حذا بحكومة خالد العظم إلى دعوة العراق لتشكيل إتحاد فيدرالي بين سوريا والعراق( ) ، لكن البعث العراقي عمل على إسقاط نظام الحكم في سوريا، من خلال إتصالهم مع اللجنة العسكرية في سوريا، والقيادة القومية، التي جندت بعض المتآمرين من العسكريين في قيادة الجيش، كما أصدر وزير الدفاع العراقي عشية انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، أمراً بوضع القوات المسلحة العراقية غرب الفرات، بالتأهب، وأن تكون تحت تصرف القيادة السورية الجديدة( ).
وبعد نجاح الانقلاب السوري، سافر رئيس الحرس القومي علي صالح السعدي على رأس وفد للتهنئة، والتقى بالقيادة القومية وباللجنة العسكرية، ثم عقد في 11 مارس 1963 مؤتمراً صحفياً أكد فيه أن هناك مشروعاً لوحدة سوريا والعراق ومصر، وبالفعل حدثت الوحدة الثلاثية بينهم، لكنها عقب انقلاب جاسم علوان في سوريا في 18 يوليو 1963، انهار الإتحاد الثلاثي بينهم، بعد سيطرة البعث على الحكم وإبعاد الناصريين والمستقلين، خاصة بعد انقلاب أمين الحافظ في السابع من أكتوبر 1963 وإبعاده للرئيس لؤي الأتاسي ، وتنحيته عن رئاسة مجلس قيادة الثورة، لكن هذا أدى إلى حدوث تقارب سوري عراقي بعد انعقاد المؤتمر القومي السادس لحزب البعث من 3 إلى 25 أكتوبر 1963 حيث أعلنت الوحدة العسكرية بين سوريا والعراق، واتهم أمين الحافظ الناصريين بأنهم أرادوا إبعاد العراق عن سوريا ، وبالفعل دخل جيش سوري إلى العراق لتثبيت حكم البعث في العراق وقمع التمرد الكردي في شمال العراق، وبحثت القيادة القومية في المؤتمر الوحدة بين سوريا والعراق( ) ، لكن حال انقلاب عبدالسلام عارف دون حدوث هذه الوحدة بين البلدين، وقد دعمت مصر هذا الانقلاب وأيدته، حيث كان من المفترض أن يكون اسم الجمهورية الوليدة باسم الجمهورية العربية الديمقراطية الشعبية، وأن يكون لها عاصمة واحدة، وعلم واحد، وكان من أسباب سقوط البعث العراقي، هو تحالف ميشيل عفلق مع أحمد حسن البكر وطاهر يحيى ورشيد مصلح السامرائي الذي أعدم نهاية السبعينات بتهمة التجسس لصالح السي أي إيه، وآخرون غيرهم، من أجل إيقاف هذه الوحدة، بتعاون ميشيل عفلق مع عبدالسلام عارف، فاعتقل علي صالح السعدي وهاني الفكيكي وغيرهم وسفروا إلى الخارج، وتولى القيادة القطرية للبعث العراقي أحمد حسن البكر، وبذلك صفي أعضاء القيادة القطرية المؤيدين للوحدة مع سوريا، ثم قام ميشيل عفلق بالتآمر مع عبدالسلام عارف لتصفية البعث في العراق في المرحلة الثانية، من خلال إنهاء قواعد الحزب والحرس القومي، بالتعاون مع ضباط من خارج حزب البعث، وهم جماعة القوميين العرب الذين ينتمي إليهم عبدالسلام عارف، كما طلب ميشيل عفلق من بقايا البعثيين في العراق على تأييد العهد الجديد بقيادة عبدالسلام عارف، وإيقاف المهاترات الإعلامية بين قيادتي البعث القطريتين في سوريا والعراق، كما أصدر بياناً من دمشق بعد عودته من بغداد إلى جميع البعثيين العراقيين بالتعاون مع عبدالسلام عارف وحكومته وسماها حركة تصحيحية( ) ، كما اعترف البعث العراقي في الرابع من أكتوبر عام 1963 بالكويت كدولة مستقلة ، وهكذا أدى البعث العراقي قبل سقوطه الأول مهمته وهي تدعيم قيام انقلاب سوريا، وتأمينه حتى مرحلته النهائية بانقلاب جاسم علوان في 18 يوليو 1963، ومن ثم انقلاب أمين الحافظ في 7 أكتوبر 1963 والاعتراف بالكويت ، وكان سقوط البعث العراقي قد أدى إلى اشتداد النزاع بين فصائل حزب البعث السوري، وتدخلت اللجنة العسكرية برئاسة صلاح جديد لصالح اليسار الشيوعي، ضد الإتجاه اليميني الذي ينتمي إليه الرئيس أمين الحافظ، ثم توترت العلاقة بين نظامي أمين الحافظ وعبدالسلام عارف( ) ، وتهجم عبدالسلام عارف على النظام السوري قائلاً " إنهم حاقدون على العروبة والإسلام، وعملاء للصهيونية والاستعمار، وهم ينفذون مخططاتهم الإلحادية بقيادة ميشيل عفلق الملحد" ( )، مما حذا بالنظام السوري لتدبير مؤامرة مع بعث العراق بقيادة أحمد حسن البكر وصدام حسين التكريتي لاغتيال عبدالسلام عارف، وهي ما عرفت بمؤامرة سبتمبر 1965، على أساس قصف مطار بغداد، لكن انكشفت المؤامرة وحوكم صدام حسين ورفاقه، وأعلن أحمد حسن البكر اعتزاله السياسة( )، لكن أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي بثته قناة الجزيرة، أن عبدالسلام عارف تعاون مع النظام المصري لاسقاط البعث السوري بإثارة فتنة طائفية في المدن السورية عام 1964 والتي قمعها النظام السوري بعنف في مدينة حماه( ).
وبعد سقوط نظام أمين الحافظ في انقلاب 23 فبراير 1966، عمل النظام الجديد من خلال الرئيس نور الدين الأتاسي ونائبه صلاح جديد على إثارة مشكلات خارجية، لتثبيت وضعهم المهزوز داخلياً، فورطوا مصر والعراق والأردن، إضافة إلى سوريا بحرب يونيو 1967، وقد أكد شبلي العيسمي أن الهزيمة ما كانت يمكن أن تقع لولا صلاح جديد الذي عمل على إفشال الميثاق الثلاثي بين سوريا والعراق ومصر عام 1963، وتسريحه لأكفأ ضباط الجيش السوري، ودوره المباشر في الهزيمة( ) ، كما أن الاختلاف الطائفي بين قيادتي النظامين السني في العراق والعلوي من خلال صلاح جديد في سوريا بعد انقلابه قد زاد هوة المسافة بين البلدين( ).

لكن بعد استلام البعث في العراق للسلطة العراقية عام 1968 من خلال انقلاب أحمد حسن البكر على عبدالرحمن عارف الذي صعد للرئاسة بعد اغتيال البعث لعبدالسلام عارف عام 1966، بتفجير الطائرة التي تقله إلى إحدى المدن العراقية، بيد أن نظام البعث العراقي الجديد رفض الاعتراف بالبعث السوري، خاصة بعد تأييد القيادة القومية بقيادة ميشيل عفلق للبعث العراقي على حساب البعث السوري، مما حذا بالبعث السوري إلى عدم الاعتراف بالبعث في العراق، وأصبح حزب البعث بجناحيه العراقي والسوري عامل تفريق
بين الشعبين الشقيقين في سوريا والعراق( ) ، ولم يدرك البعث بجناحيه أن أول اجتماع للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947 ضمت أعضاء من منطقة الهلال الخصيب فقط( ).

وقد استغل كل من نظامي الأتاسي /جديد في سوريا، والبكر في العراق، الأكراد، ضد بعضها البعض، حتى أن مصطفى البرازي تدخل لدى الرئيس نور الدين الأتاسي لإطلاق سراح السجناء السياسيين الأكراد السوريين، باعتبار أن أكراد سوريا هم العمق الإستراتيجي لأكراد العراق( ) ، ثم أخذ نظام أحمد حسن البكر يصرف 990 ألف دينار عراقي شهرياً، للإطاحة بنظام نورالدين الأتاسي في سوريا( ).

وقد دعم نظام البكر وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد في وصوله إلى السلطة، فقد كان الأسد يلتقي بفؤاد شبيب، خلال صراعه على السلطة مع صلاح جديد، حيث وعده الأسد بتقارب سوريا مع العراق بعد انقلابه، استناداً إلى التاريخ المشترك لحزب البعث في سوريا والعراق، والنضال الموحد ضد العدو المشترك( )،، لكن رغم محاولة النظامين الوحدة عام 1979 واتفاقهما على بنودها، بعد لقاء أحمد حسن البكر وحافظ الأسد، إلا أن النظامين بعد وصول صدام حسين إلى السلطة في العراق إتهما بعضهما البعض بالتآمر وتجنيد المؤيدين للسيطرة على دولة الوحدة وهذا ما حذا بصدام حسين الى قيامه باعدام مؤيدي النظام السوري وخاصة عضو القيادة القطية عبد الخالق السامرائي وبالمقابل قام النظام السوري بسلسلة اعتقلات لمؤيدي النظام العراقي الجديد، ومنذ ذلك الوقت والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين العراق وسوريا حتى إعادتها بعد إحتلال العراق عام 2003.

5- السعودية:
ترتبط بعض القبائل الموجودة في سوريا بفروع لها في السعودية مثل قبيلة عنزة والرولا وغيرهما من القبائل، لكن بعد دخول الفرنسيين سوريا عام 1920 وسقوط عرش الملك فيصل، قلت العلاقات بين الحجاز -حيث قائد الثورة العربية الكبرى ووالد الملك فيصل/ الشريف حسين بن علي/- وبين سوريا، وازداد الانقطاع أكثر بعد سقوط عرش الهاشميين في الحجاز على يد عبدالعزيز آل سعود، خاصة وأن آل سعود يتبنون نشر المذهب الوهابي الذي ليس له أي تأييد يذكر في سوريا، بسبب تاريخهم في ظل الدولة العثمانية عند إحتلالهم لدمشق وحلب وبغداد، ومحاولة نشر مذهبهم بالقوة، حتى قضى عليهم محمد علي باشا ودمر عاصمتهم الدرعية، لكن بعد استيلائهم على معظم شبه الجزيرة العربية وتكوينهم الدولة السعودية وعاصمتها الرياض، ظل تخوفهم من الهاشميين الذين يحكمون العراق والأردن، ويحاولون تكوين دولة قوية بالوحدة مع سوريا، سواءاً كان ذلك في مشروع سوريا الكبرى أو مشروع الهلال الخصيب، لذلك عملوا كل جهدهم بالإتفاق من حليفهم التقليدي المعادي أيضاً لهذين المشروعين وهو مصر، على العمل لتقويض أي محاولة وحدوية من خلال الأموال السعودية التي يغذيها النفط، والخبرة المصرية، وكان وسيلة السعودية إضافة للرشاوي، استغلالها للعلاقات بين بعض عشائرها والعشائر السورية التي ترتبط برباط القرابة، إضافة إلى علاقتها التجارية مع بعض الأسر مثل أسرة شكري القوتلي، حيث كان آل القوتلي وكلاء تجاريين لآل سعود في سوريا( ) ، وكانوا راضين عن حياد الرئيس شكري القوتلي تجاه هذين المشروعين لكن بعد انقلاب حسني الزعيم عام 1949، وعقده الإتفاقية العسكرية والاقتصادية مع العراق عام 1949، أخبر الملك عبدالعزيز آل سعود السفير العراقي في السعودية، أن عقد الاتفاقية هو عملاً عدوانياً موجهاً للمملكة العربية السعودية ومصر، وكان السبب هو تخوفه أن يحكم أعداءه الهاشميون المنطقة الممتدة ما بين الخليج والبحر المتوسط، لذلك عمل على دق إسفين بين سوريا والعراق من خلال دفع الرشاوي لبعض السياسيين والضباط، حتى أن الأسعار في سوق الذهب بدمشق في ذلك الوقت، أصبحت تعلن عند وصول طائرة ابن سعود إلى دمشق، محملة بالأموال التي توزع على السياسيين لوقف الوحدة مع العراق أو حتى التقارب معه( ) ، وعلى هذا الأساس كانت نتيجة زيارة حسني الزعيم لمصر في نفس الشهر الذي عقد فيه الإتفاقية مع العراق، ونقضه لها في 26 إبريل، رافضاً مشروعي الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى، وأغلق الحدود مع الأردن، وندد بالملك عبدالله، وبنظام الحكم في العراق، مما حذا بالسعودية ومصر أن تعترفا بنظامه على إثر ذلك، وقد أكد وزير الدفاع العراقي طه الهاشمي أن السعودية ومصر وإسرائيل قاموا بدعاية واسعة وصرفوا مبالغ ضخمة ضد فكرة الإتحاد السوري العراقي( ) ، ورفضت مصر والسعودية من خلال الجامعة العربية عام 1949، مشروعي الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى وعارضوه علناً( ).

وفي أعقاب انقلاب سامي الحناوي، واندفاع الحكومة على إثره للوحدة مع العراق، عملت السعودية على رشوة بعض الضباط لإيقاف الوحدة السورية العراقية ( )، وعملت على إثارة النعرات العشائرية في سوريا، وسعت بالتعاون مع النظام المصري لبث دعاية أساسها أن إسرائيل تدعم الإتحاد بين سوريا والعراق، وهكذا ساهمت السعودية في إحداث الاضطرابات في سوريا، وكان لذلك أثره في انقلاب أديب الشيشكلي عام 1949، لكن السعودية لم تكتف بذلك بل ساهمت أيضاً في إثارة الاضطرابات بعد استمرار الحكومات السورية بالسعي للوحدة مع العراق، فأوعزت إلى عملائها من بعض رؤساء العشائر لإحداث فتنة في البرلمان على أساس أن مقاعد العشائر ألغيت في قانون الانتخاب الجديد لعام 1950( ) ، ثم عملت من خلال الجامعة العربية مع مصر على معارضة مشروع الهلال الخصيب عام 1950، مما حذا برئيس الحكومة السورية ناظم القدسي إلى التهديد بانسحاب سوريا من الجامعة العربية، فسعت السعودية مع مصر في الجامعة العربية لطرح فكرة جديدة هي معاهدة الضمان الجماعي، ليوقفوا مشروع الهلال الخصيب، وأي خطوة وحدوية لسوريا مع العراق( ) ، وكانت وسيلتهم في ذلك هي قائد الجيش /من وراء الستار/ أديب الشيشكلي الذي كان ألعوبة فرنسية سعودية مصرية، حيث ظل يلعب في الخفاء بعد انقلابه الأول، لإيقاف أي خطوة وحدوية بين سوريا والعراق، عندما استمرت دعوات الوحدة بين سوريا والعراق من قبل الجمعية التأسيسية برئاسة رشدي الكيخيا، لذلك عمل على المساهمة في عدم الاستقرار في الحكومات لدفعها إلى الإستقالة أي إسقاطها( ) ، فعندما شكل الحكومة حسن الحكيم ـ ذي الميول الهاشمية، ـ عام 1950، مما حذا بالسعودية إلى دعوة الشيشكلي لزيارتها في 20 يوليو 1950، وأعطته قرضاً لسوريا، مقابل منعه لأي دعوات وحدوية تعمل لها الحكومة، وعندما شكل معروف الدواليبي الحكومة وهو مؤيد للوحدة مع العراق كونه من حزب الشعب( )، مما حذا بالشيشكلي أن يقوم بانقلابه الثاني عام 1951، وكانت هدية مصر والسعودية له هي 100 ألف دولار، رغم دعم الشيشكلي قبلاً لحكومة خالد العظم الحيادية عام 1950، والتي دعمتها السعودية بمبلغ 6 ملايين دولار( ) ، وبسبب حكم الشيشكلي المعادي للوحدة العراقية السورية هرب الكثير من الضباط إلى العراق( )، مما حذا بالسعودية ومصر إلى بذل الدعايات لصالح حكمه ضد الدعوات الوحدوية مع العراق، فازداد ميل الشيشكلي للسعودية، ومعاداته للعراق، وهذا دفعه لشل أعمال السفارة العراقية، حتى اقتربت العلاقات السورية العراقية من الانقطاع بسبب تخريبه لأي علاقات جديدة، مع العراق، حتى أن الرئيس فوزي سلو الموالي لقائد الجيش أديب الشيشكلي، دعى جميع السفراء على مائدته في رمضان عام 1952، ولم يدعو السفير العراقي، مما حذا بوزير الخارجية العراقي (شاكر الوادي)، أن يدعو جميع السفراء والقناصل على مائدته في رمضان، دون أن يدعوا السفير السوري، كما عملت السعودية في صيف 1953 على توزيع الأموال (الرشاوي) في سوريا، لمواجهة حركة محمد صفا، الذي شكل من خلال الضباط الفارين إلى العراق حكومة سوريا الحرة، فوزعت حوالي 300 ألف ليرة سورية للموالين للشيشكلي لإطالة مقاومتهم( ).
كما عملت السعودية قبل ذلك في ظل حكم الرئيس هاشم الأتاسي بعد الانقلاب الأول للشيشكلي، على تشكيل منظمة ارهابية والتي تشكلت بالأموال السعودية والمخابرات المصرية، وقد سميت هذه المنظمة بمنظمة كتائب الفداء العربي، للعمل على إرجاع القوتلي الذي يعتبر صاحب مبدأ أكثر من الشيشكلي، بسبب تخوفها من الشيشكلي على اعتباره كان في الحزب القومي السوري الذي يؤيد وحدة الهلال الخصيب، فتخوفت من أن يغير آرائه( ) ، وعلى هذا الأساس ذهب وفد من أعضاء الحزب الوطني في السابع عشر من أكتوبر 1949 برئاسة عادل العظمة إلى مصر حيث إقامة القوتلي، لإقناعه بالعودة إلى سوريا، فكانت مساهمة السعودية كبيرة في إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا، بسبب قيام هذه المنظمة الارهابية بأعمال إرهابية داخل سوريا، فعملوا لنسف الكنيست اليهودي في دمشق، ومحاولة قتل الكولونيل سترلينع، وهو مدرب انكليزي في المدرسة العسكرية في سوريا، وقاموا أيضاً بنسف مدرسة الأليانس في لبنان، وإلقاء قنبلة على السفارة البريطانية والسفارة الأمريكية بدمشق، ووضع ألغام في الحي اليهودي في دمشق، وتفجير مبنى الإغاثة الدولية في دمشق، ومحاولة قتل الشيشكلي تمهيداً لعودة القوتلي، وقد سمت هذه المنظمة نفسها اسماً حركياً هو "حركة القوميين العرب"( ).

وفي اطار محاولة الشيشكلي لتحقيق الأهداف السعودية اجتمع في أغسطس 1951 مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل آل سعود واتفقا على منع ضم الأردن إلى العراق، على أساس أن ذلك الضم سيكبل سوريا، ولكن رغم ذلك اشتدت المعارضة ضد الشيشكلي( ) بالرغم من كل المحاولات السعودية لاستمرار حكمه، حتى سقط في 25 فبراير 1954 وإلتجأ في 28 فبراير 1954 إلى السفارة السعودية في بيروت، واستلم الرئاسة بعده رئيس البرلمان مأمون الكزبري – حسب ما ينص الدستور الذي وضعه الشيشكلي، على أساس أن رئيس مجلس الأمة يحل محل الرئيس في حالة حدوث فراغ رئاسي( ) - لكن تحالف الإخوان المسلمين مع الشيوعيين لإسقاط البقية الباقية من حكمه، ثم لجأ على إثر ذلك (سقوط الشيشكلي) رئيس المكتب الثاني إبراهيم الحسيني إلى السعودية، وكوفيء بأنه أصبح مسؤولاً للمخابرات السعودية، وهذا المنصب لا يمكن أن تمنحه السعودية لأي كان إلا بموافقة الولايات المتحدة عليه، وعلى ذلك يتبين حجم التبعية السعودية للولايات المتحدة الأمريكية( ) ، وبعد سقوط الشيشكلي ساد حكم يعادي التقارب مع الغرب، فبرز حلف بغداد، المعادي للسيطرة الشيوعية على المنطقة، لكن السعودية عارضت هذا الحلف بسبب تخوفها من ازدياد النفوذ الهاشمي العراقي، وهذا برأيها يهدد السعودية، وعارضت إسرائيل أيضاً هذا الحلف لنفس السبب، حتى أن الولايات المتحدة التي دعت إليه لم تدخله، وهذا يفسر أن سياستها من هذا الحلف هو تصديع جبهة العالم العربي( ) ، وهكذا استمرت الأموال السعودية لجميع الفئات المعارضة للوحدة مع العراق خاصة الشيوعيين، فساهمت السعودية في إسقاط حكومة فارس الخوري التي رفضت التنديد بحلف بغداد في مصر، فقد أنفقت السعودية مبلغ (600) ألف ليرة سورية، من أجل ذلك، وهذا ساهم في سقوطها في مارس 1954( ) ، فتشكلت على إثرها حكومة صبري العسلي ، الذي أثر الابتعاد عن العراق والإقتراب من مصر والسعودية، بعد أن دفعت السعودية قروضاً لسوريا مقابل ذلك، وخاصة بعد أن دخلت في المعاهدة المصرية السورية، ومجلس الدفاع المشترك، اللذين ظلتا حبراً على ورق( ).

لكن ازدياد النفوذ المصري في سوريا، بحيث أصبحت قوة إقليمية مؤثرة قد تهدد استقرار العرش السعودي، فأثار ذلك السعودية التي حاولت إرجاع التوازن الشرق أوسطي، بتأييدها مع العراق ولبنان لمشروع أيزنهاور عام 1957( ) ، ثم عملت على الدعوة لوحدة إسلامية بهدف دعم حكم القوتلي الذي يؤمن بسياسة الحياد مع جميع المحاور، والذي يرتبط معها أكثر من أي مسؤول آخر، وكان هدفها من دعم القوتلي هو إيجاد توازن مع حزب الشعب المؤيد للعراق ومع حزب البعث الموالي لمصر، ومع الحزب الشيوعي والكتلة اليسارية في البرلمان الموالية للإتحاد السوفياتي( ) ، رغم أنها كانت تؤيد سياسة التقارب مع مصر عقب تسلم محمود رياض لمهام السفارة المصرية في دمشق، وكانت تؤيده أيضاً، على إبعاد سوريا عن العراق بتوجيهها نحو مصر( ) ، وكانت وسيلتها رشوة الصحف والسياسيين لذلك، خاصة حكومة صبري العسلي عام 1956 ، وفي إطار جهودها لإحداث عدم الاستقرار السياسي في ظل هذا التقارب المصري السوري( )، والذي وصل إلى درجة التبعية السورية لمصر، عملت السعودية في إبريل من عام 1957 على التدخل في سوريا لإثارة النعرات الطائفة بين المسلمين والطائفة المرشدية العلوية( ) ، من خلال أحد عملائها في البرلمان، وهو عزيز عباد، وعلى إثر هذا التطرف الطائفي تشكلت منظمة طائفة درزية هي منظمة الدروز الأحرار، التي أخذت توزع بيانات سرية، مما حذا بسلطان باشا الأطرش لنقد هذا العمل والمساهمة في تفكيكها.
وهكذا توترت العلاقات بين السعودية ومصر بسبب الهيمنة المصرية على سوريا، التي انتهجها اليسار الذي يقوده حزب البعث، فإتهم الملك سعود أن عبدالناصر دبر محاولة لاغتياله في عام 1957 وأن المتهم قد أقر باعترافه( ) ، كما كشف عبدالحميد السراج مؤامرة لاغتيال عبدالناصر من قبل الملك سعود، الذي دفع مليوني جنيه استرليني مقدماً، وقد أظهرها بالوثائق، كما عرض على السراج من قبل السعودية مبالغ طائلة مقابل إيقاف التقارب المصري السوري والوحدة بين سوريا ومصر( ).
وبعد أن تمت الوحدة السورية المصرية عام 1958، عملت السعودية على التحالف مع الأردن لاسقاط الوحدة، فمولت محطات إذاعية مناهضة لهذه الوحدة، وبدأت من خلالها تحرض الشعب السوري على الثورة ضد نظام الوحدة( ) ، وبعد انقلاب عبدالكريم النحلاوي في عام 1961، أيدت السعودية الانقلاب مباشرة، لينتقم الملك سعود من فضيحة رشوة المليوني جنيه استرليني (خاصة من عبدالحميد السراج) ( ).
وبسبب حرب اليمن اتجهت إهتمامات السعودية منذ عام 1962 إلى اليمن وقلت تدخلاتها في سوريا، وبعد خمس سنوات من هذه الحرب أي عام 1967، عملت السعودية على العمل من أجل إبعاد مصر عن اليمن من خلال الملك فيصل الذي حل محل أخيه بسبب الفضائح المالية وخاصة شيك المليوني جنيه استرليني، فعمل الملك الجديد على تشجيع الحرب على إسرائيل عام 1967، من خلال سوريا، على اعتبار أن العرب يملكون سلاح النفط الذي به يستطيعون الضغط من أجل قضية فلسطين، وقد أيد نظام الأتاسي /جديد هذه الدعوة، رغم أنه وخاصة عقب انقلاب صلاح جديد كان يزايد على النظام الملكي السعودي ويتهمه بالرجعية والعمالة، واستمرت دعوته حتى سقوطه في أعقاب الحركة التصحيحية بقيادة اللواء حافظ الأسد عام1970، فكان دور السعودية في التمهيد لحرب يونيو1967 كبيراً جداً ( ).
6- الأردن:
في أعقاب اتفاقية سايكس بيكو 1916 ، حددت منطقة جنوب سوريا ضمن الانتداب البريطاني، وفي 24 مارس 1921 وصل وزير الدفاع البريطاني، ونستون تشرشل إلى القدس، واجتمع مع الأمير عبدالله بن الحسين، بحضور لورانس العرب، والمندوب السامي على فلسطين التي تشمل الأردن وتم الاتفاق على شطر القسم الشرقي من فلسطين وتسميته إمارة شرقي الأردن ( )، الذي لم يكن يسكنه سوى 220 ألف ساكن معظمهم من البدو الرحل، المتنقلين ضمن بادية الشام، وكانت أهمية هذا الجزء أنه خطاً لسكة حديد الشام الحجاز، وقد جعل منه الأمير عبدالله موقعاً استرتيجياً لاستعادة الحجاز من آل سعود الذين استولوا عليها عام 1925 من أخيه الملك علي بن الحسين ، وللحصول على حكم سوريا( ) ، وهذا ما حذا به إلى التساهل مع الصهاينة في موضوع الهجرة والحكم الذاتي لقاء دعم مشاريعه من قبل الإنكليز، الذين عارضوا هذه المشاريع( ).
وبقى الأردن جزءاً من الهلال الخصيب رغم الانتداب البريطاني عليه، بسبب إرتباط حكوماته المتعاقبة بالأجزاء الأخرى من الهلال الخصيب، فكان أول رئيس حكومة أردنية هو رشيد طليع من لبنان، ثم حكومة مظهر رسلان وهو من سوريا، ثم حكومة علي رضا الركابي، وهو من العراق، والذي كان رئيس الحكومة السورية في عهد الملك فيصل في سوريا، وكانت تضم كل هذه الحكومات أعضاء من الهلال الخصيب( ).
كما أن الأمير عبدالله قد عمد إلى استراتيجية مشروعه الذي سماه مشروع سوريا الكبرى، باعتباره الوسيلة الوحيدة لإنهاء عزلة الأردن، من خلال دمجها بسوريا، وأن يكون هو على عرشها، ويقوم مشروعه هذا على: ( )
1- إعادة توحيد سوريا تحت قيادة الأمير عبدالله.
2- حل مشكلة اليهود في فلسطين بمنحهم استقلالاً ذاتياً إدارياً.
3- يبدأ التوحيد بإتحاد سوريا وشرقي الأردن، ثم تنضم إليه لبنان وفلسطين لتشكيل إتحاداً على نمط الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن بريطانيا رفضت هذا المشروع، بالرغم من حصول الأردن على بعض الاستقلال عن بريطانيا في 28 مارس 1948، مما حذا بالأمير عبدالله أن يجعل هذا المشروع في 11 نوفمبر 1948 جزءاً من السياسة الخارجية الأردنية، وقد قال الأمير عبدالله في ذلك: " ليس هناك من سوريا كبرى أو صغرى، فهناك فقط بلد يحده البحر المتوسط غرباً، وتركيا شمالاً، والعراق شرقاً، والحجاز جنوباً، وهذا البلد يشكل سوريا "( ) ، ثم أردف قائلاً : " كل أمرئ يدرك أن الجامعة العربية لم تكن أكثر من لعبة نظمها النحاس باشا لغاياته هو "( ) ، وقد أيد الرئيس شكري القوتلي هذا المشروع، وصرح أمام البرلمان في فبراير 1945 قائلاً: " أما موضوع سوريا الكبرى، فقد جاهرنا ونجاهر برأينا بأننا نرحب به، ترحيباً لا محاباة فيه، وهو أن تكون سوريا الكبرى جمهورية عاصمتها دمشق"( ).
وعلى ذلك فكان تأييد الرئيس شكري القوتلي للمشروع، مقابل عدم التنازل عنها كجمهورية، وهذا ما أساء للعلاقات بين الأمير عبدالله والرئيس شكري، الذي تخوف من السيطرة الإنكليزية على سوريا على غرار الأردن، من خلال سيطرتها على الجيش، لكن الأمير عبدالله عمل من خلال مؤيدي مشروعه في سوريا على تشكيل حزباً سياسياً، مدعوماً من الأمير عبدالله هو "منظمة إتحاد الأحرار"، الذي أخذ يدعو لمشروع سوريا الكبرى( ) ، والتنديد بنظام شكري القوتلي، مما حذا بالنظام إلى اعتقال بعض أعضاء الحزب ورئيسه فهمي المحايري ،وبعد حرب فلسطين عام 1948 وهزيمة العرب فيها خسر الأمير عبدالله الكثير من مؤيديه في سوريا، بسبب ما كان للأمير عبدالله من دور ساهم في هذه الهزيمة، فلم يعد يجرؤ أحداً من الضباط على المجاهرة برغبته في مشروع سوريا الكبرى، رغم استمرار النظام الأردني برغبته في ذلك حيث صرحت الحكومة الأردنية عام 1949 أنها تعتبر هذا المشروع من الأهداف الوطنية( ) ، رغم استمرار موالاة زعماء جبل العرب (الدروز) للأمير عبدالله ، خاصة بعد تورط النظام السوري من خلال جميل مردم بك في إثارة فلاحي الدروز ضد زعمائهم، وكان لهذه الحادثة دوراً كبيراً في تأييد زعماء الدروز لانقلاب حسني الزعيم فيما بعد( )، وقد كان الأمير عبدالله يعتمد في كسب ولاء هؤلاء الزعماء على توزيع الأموال والألقاب في جبل الدروز من أجل تأييد مشروعه، والعمل من أجله بزعزعة استقرار الحكومة، فقد قبض الأمير حسن الأطرش مبلغ (6000) جنيه استرليني منه، في فندق السان جورج في بيروت من أجل ذلك( ).
وبسبب ما كان من ارتباط الأردن ببريطانيا ، فقد كان الأمير عبدالله على علم بانقلاب حسني الزعيم قبل أن يقع، لكن توترت بعد ذلك علاقته بحسني الزعيم، بسبب رفضه لهذا المشروع، وهذا ما أساء أيضاً علاقته بزعماء الدروز، الموالين للأمير عبدالله، إضافة للذين ينتمون للحزب القومي السوري، خاصة بعد خيانة حسني الزعيم لأنطون سعادة، وكان لهذه الأسباب دوراً كبيراً في انقلاب سامي الحناوي، الذي أيده الأردن بشكل كبير، ووجد فيه أملاً لتحقيق مشروع سوريا الكبرى، لكن بسبب انحياز سامي الحناوي لمشروع الهلال الخصيب توترت علاقته بالأردن، فلم يكترث في انقلاب الشيشكلي عام 1949( )، حيث دعى الأمير عبدالله إلى مشروع سوريا في أعقاب هذا الانقلاب وصرح حول ذلك قائلاً: " إن سوريا فريسة عدم الاستقرار والفوضى، ولن يعود إليها النظام إلا بالإتحاد مع الأردن، لأن هذا الإتحاد هو طريق الحق والعدالة"( ) ، وفي السابع من إبريل 1952 التقى الرئيس فوزي سلو وقائد الأركان أديب الشيشكلي مع الملك طلال بن عبدالله، وبحثواً أمر الإتحاد بين سوريا والأردن، على أن يكون الملك طلال، هو ملك الأردن وسوريا، وأن يكون فوزي سلو نائباً للملك، لكن الحوراني ندد بهذا القرار ووسمه بأنه مشروع استعماري، رغم أن الشيشكلي كان قد رفض هذا المشروع من قبل بعد انقلابه الأول عام 1949( )، بسبب الدعاوي الوحدوية لمشروعي الهلال الخصيب وسوريا الكبرى، في عهد الرئيس هاشم الأتاسي عام 1951، وقد طالب البرلمان السوري في يوليو 1951 بضرورة ضم الأردن إلى سوريا، على اعتبار أنها تشكل أهم منطقة عسكرية بين جميع البلدان العربية، ونقطة الإتصال بين جميع دول الهلال الخصيب، ومفتاح الجزيرة العربية وسيناء، وهي أقصر الطرق بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، وأنها تعيش على الإعانات البريطانية، التي لا يمكن أن تعيش بدونها باعتبارها بلداً جرداء لا يمكن أن تكون وحدة اقتصادية قائمة بذاتها، فهي ليست سوى جزءاً من سوريا، وعلى هذا فكان قبول الشيشكلي مع الرئيس فوزي سلو للمشروع بعد ذلك هو أن شخصية الملك طلال كانت ضعيفة، فكان أملهما في استغلال هذا الضعف لصالحهما ( ) ، لكن هذا لم يقبل به قائد الجيش الأردني كلوب باشا/وهو انكليزي/، فكان لذلك أثره في عزل الملك طلال ، وتسلم ابنه حسين للعرش عام 1953 بتأييد كلوب باشا، وهذا أدى لاساءة العلاقة بين نظام الشيشكلي مع النظام الجديد في الأردن، لذلك فقد استغل كلوب باشا ، حادثة جبل العرب (الدروز) عام 1954، وأرسل إلى سطان الأطرش يطلب تدخله، وعرضت بعض القبائل المؤيدة للأردن، ولاءها لسلطان الأطرش ضد الشيشكلي مثل هايل سرور شيخ المساعيد( ).
وبعد سقوط الشيشكلي عام 1954، ازداد التدخل السوري في الأردن، بسبب اليسار الذي عمل على زعزعة الأوضاع السياسية المستقرة في الأردن، خاصة أن بعض ضباط الجيش السوري كانوا على علاقة مع نظرائهم في الأردن، وتحديداً بعد إقالة كلوب باشا من قبل الملك حسين، وتعيين علي أبو نوار مكانه، فقد كان في عهد كلوب باشا عدد آمري الوحدات في الجيش الأردني خمسون ضابطاً، منهم ست وأربعون من الإنكليز، وفي ظل قيادة علي أبو نوار أصبح الجيش الأردني كله أردنيين، وقد كان لإبعاد كلوب باشا، أسباباً كثيرة، وهي أن الولايات المتحدة كانت تعمل على إبعاد بريطانيا عن المنطقة من خلال عملائها في الشرق الأوسط وخاصة النظام المصري الذي بدأ يتدخل بعد سقوط الشيشكلي في سوريا، ومن المعلوم به، أن أي حدث في سوريا لابد أن يتأثر به الأردن، فازدياد المد القومي في سوريا، أدى لاندلاع أعمال عنف واضطرابات في الجيش الأردني، فكان لذلك دور كبير في إقالة كلوب باشا، وتشكيل حكومة أردنية يسارية برئاسة سليمان النابلسي، التي شجبت مشروع أيزنهاور( ) ، وعملت لإقامة علاقات مع الإتحاد السوفياتي، مما حذا بالملك حسين إلى حلها وتطهير الجيش من الشيوعيين، وإعلان الأحكام العرفية في الأردن، وقبول المساعدات الأمريكية، وهذا أدى لتوتر علاقته مع مصر وسوريا، حتى أن رئيس المكتب الثاني عبدالحميد السراج أكد لجمال الشاعر وجورج ـ حبش ـ حيث كان جمال الشاعر عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث الأردني وجورج حبش رئيس المنظمة الفلسطينية اليسارية أنه سيستمر في دعم المؤامرات للإطاحة بالنظام الملكي في الأردن، وكانت إحدى هذه المؤامرات المحاولة الانقلابية التي قادها اللواء علي أبو نوار ضد الملك حسين في مايو 1957، وكان فشلها قد جعل علي أبو نوار يلجأ إلى سوريا، بعد اعتقال 22 ضابطاً، وبسبب ذلك طلبت الحكومة الأردنية من سوريا الانسحاب من الأردن في 23 مايو 1957 –حيث دخل الجيش السوري عقب اندلاع حرب السويس 1956 ( )، كما خرج الأردن من معاهدة الدفاع المشترك التي وقعت مع سوريا ومصر والسعودية والأردن، وكان لذلك أثراً في إنهيارها، إضافة لذلك أن السراج خلال حرب السويس 1956 نسف خط البترول العراقي المار بالأردن إلى حيفا( ).
وخلال عهد الوحدة بين سوريا ومصر، شهدت العلاقات بين الإقليم السوري والأردن أشد توترها، فقد أعلن عن اكتشاف متسللين إلى الأردن، ومن الأردن إلى سوريا، للقيام بعمليات تخريبية، وقد وجه الإتهام لسوريا في عملية تفجير مبنى مجلس الوزراء الأردني عام 1959، الذي أدى لمصرع رئيس الحكومة هزاع المجالي المعارض للتدخلات في الأردن، مما حذا بالنظام الأردني إلى تشجيع التمرد على حكم الوحدة، من خلال البث الإذاعي ضدها، حيث اشتركت الأردن والسعودية بتمويل محطة إذاعية لذلك، كما ذكر سابقاً( )، وكان المقدم حيدر الكزبري قائد قوات البادية، قد قابل الملك حسين قبيل اشتراكه في انقلاب عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961( ) ، لكن عملت الدعاية المصرية على اتهامه بأنه أخذ رشوة من الملك حسين مع مجموعة أخرى مثل فيصل سري الدين وأخويه، ورئيس البرلمان السوري بعد الانفصال، الدكتور مأمون الكريزي، مما تسبب في إقالته عن رئاسة البرلمان، وعن رئاسة الحكومة قبل ذلك، وهذا ما ساهم في تشجيع عملاء النظام المصري، والمستقلين الوحدويين، إلى القيام بانقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، ومن ثم سقوط الناصريين على يد البعث في انقلاب جاسم علوان في يوليو 1963، فسادت علاقات متوترة في ظل البعث، مع الأردن والدول العربية الملكية، حيث إتهمها البعث بالرجعية، وزادت الهوة في ظل نظام الأتاسي جديد، بعد انقلاب صلاح جديد في فبراير 1966، الذي عمل على إتهام النظام الأردني بالعمالة والرجعية وأساء لعلاقات سوريا مع الأردن، التي وصلت إلى مرحلة تهديد استقرار الأردن، من خلال العمليات الإرهابية التي عمد النظام السوري إلى تنفيذها( ) ، من داخل الأراضي الأردنية، مستعيناً بمزايداته على القضية الفلسطينية ومعتمداً على الفلسطينيين الموجودين في الأردن في تحقيق أهدافه، من خلال حرب عصابات داخل إسرائيل، ثم عمد إلى قصف المستوطنات الإسرائيلية مما حذا بإسرائيل للرد في السابع من إبريل عام 1967، وكان كل ذلك تمهيداً لحرب 5 يونيو 1967 ( ) ، حيث أضطر الملك حسين إلى تأييد خطواط عبدالناصرخوفاً من الضغوط الداخلية عليه، ودخل معاهدة الدفاع المشترك مع مصر وسوريا في 3 يونيو 1967 ودخلها العراق في اليوم التالي، وبالتالي كان نظام الأتاسي جديد سبباً مباشر في توريط هذه الدول /من ضمنها الأردن/ في هذه الحرب وخسارة الضفة الغربية من الأردن( ).
ورغم ذلك استمرت مزايداته على النظام الأردني ففي الرابع من ديسمبر 1969 قدم وزير الخارجية الأمريكي روجرز خطته من أجل السلام مع إسرائيل، والتي تشمل انسحاب إسرائيل من المناطق التي إحتلتها مع ضمان أمن حدودها، حيث أن عبدالناصر قد أعلن قبوله بها في 23 يونيو 1970 وكذلك الملك حسين، وياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وجورج حبش، لكن المنظمات الفلسطينية المدعومة من قبل سوريا والعراق رفضت الخطة واعتبرت من يقبلها خائناً، ثم قامت هذه المنظمات بعمليات إرهابية ضد طائرات سويسرية وإنكليزية وأمريكية في مطار الأردن، واصطدموا مع الجيش الأردني في 15 سبتمبر 1970، مما أدى لإحداث ما عرف بأيلول الأسود، التي قتل فيها حوالي 35000 شخص، ولم تتوقف إلا بعد تدخل عبدالناصر لدى الملك حسين( ) ، وكان خلال هذه الأحداث قد دخل الجيش السوري لمساعدة الفلسطينيين ضد الملك حسين وإسقاط العرش الهاشمي، لكن عدم تغطية المدرعات بغطاء جوي أدى لتدميرها من قبل القوات الأردنية، وهذا حذا وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد للقيام بالحركة التصحيحية في 16 نوفمبر 1970، وبعد ذلك استمرت العلاقات الأردنية السورية يشوبها عدم الثقة لعدة أسباب مختلفة، ولم يعد أي ذكر لمشروع سوريا الكبرى في ظل نظام الأسد.

7- لبنان :
كان جبل لبنان قبل أحداث 1860، إحدى متصرفيات الساحل السوري، لكن اندلاع هذه الأحداث في دمشق وجبل لبنان، وفق مؤامرة من بعض الدول خاصة بريطانيا، جعل الدول العظمى في ذلك الوقت تتدخل، وأكبر تدخل كان من جانب فرنسا بداعي حمايتها للأقلية المارونية الكاثوليكية، وقد ضغطت هذه الدول على الدولة العثمانية، للاعتراف باستقلال إداري لجبل لبنان، بموجب نظام مؤقت وقعته تلك الدول وأقرته عام 1864، وقد شمل جبل لبنان المنصوص عليه وفق ذلك النظام، أقضية كل من (الكورة، و البترون، وكسروان، والمتن، والشوف، وجزين، وزحلة)، لكن ظل متصرف جبل لبنان(المكان) تابع لولاية دمشق، وظل متصرفه (المسؤول عنه)تابع لوالي دمشق( ).
ثم جاءت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، التي عملت على جعل لبنان جزءاً منفصلاً عن سوريا، بالرغم من أن الانتداب على كليهما واحد وهو الانتداب الفرنسي، وقد ترافق التجزؤ العملي لسوريا إلى عدة دويلات إقليمية وطائفية، مع إقامة دولة لبنان الكبير، عندما إحتل الجنرال غورو بيروت، حيث عمل على إقامة ما سمي بلبنان الكبير باقتطاع أجزاء من المحافظات المجاورة والتابعة لولايات الشام، فقد ضم بيروت وصيدا ومرجعيون وجبل عامل، وطرابلس، إضافة إلى الأقضية الأربعة وهي المينا والقلمون والضنية وعكار ثم فصلت عن ولاية دمشق الأقضية الأربعة، البقاع، وبعلبك، وحاصبيا، وراشيا، وضمت جميعها للمتصرفية، وبذلك أنشئ غورو ما سمي بلبنان الكبير وهو لبنان الموجود حالياً( ).
وقد استاء سكان المناطق التي انفصلت عن ولايات الشام لتنضم لمتصرفية جبل لبنان، حيث أعلنت طرابلس رفضها لذلك، وأعلن جميع المسلمون بجميع طوائفهم. والذين يزيدون عن نصف سكان ما سمي بلبنان الكبير، على عدم تأييدهم لسن الدستور اللبناني، الذين يفصلهم عن الوطن الأم سوريا، كما طالب أكثر المسيحيين من غير المارونيين بالالتحاق بسوريا، حتى أنهم ظلوا يطالبون بالاندماج بسوريا بعد تشكيل البرلمان، ولم يقبل بقيام لبنان الكبير سوى أقلية بسيطة من الطائفة المارونية، لأن أكثريتها كانت ترى أن يكون لها منطقتها الخاصة المرتبطة مباشرة بفرنسا على غرار موناكو، حتى أن المؤتمر السوري الذي عقد في يونيو 1919 ضم نواباً عن جميع مناطق لبنان، كما اندلعت مظاهرات وحوادث سبتمبر عام 1919 في لبنان ضد فصل مناطق عن الولايات السورية وضمها لمتصرفية جبل لبنان.
وبعد استقلال لبنان وسوريا عن فرنسا رسمياً عام 1943 تحالف بشارة الخوري، الذي يمثل الطائفة المارونية مع رياض الصلح الذي يمثل الطائفة المسلمة السنية، على اعتبار أن هاتين الطائفتين هما الأكثر عدداً وكرسا الطائفية بالميثاق الوطني اللبناني لعام 1943، وأكدا فيه على رفض أي إتحاد مع الدول العربية والمقصود بذلك سوريا، رغم رفض المسلمين وأكثر المسيحيين لذلك الميثاق( ) .
وقد كان من أهداف تأسيس الجامعة العربية، هو من أجل تقويض الوحدة السورية، سواءا بمشروع سوريا الكبرى، أو الهلال الخصيب، أو الدواعي الأخرى التي نادت بالضم بجميع الطرق الممكنة لتحقيق وحدة سوريا، فكانت قرارات الجامعة تدعو لربط الأقطار العربية برباط هش من خلال منظمة شكلية، وخلق اعتراف سوريا باستقلال لبنان، وقد بارك إنشاءها كلاً من الإنكليز والفرنسيين، فلم تقبل فرنسا باستقلال لبنان إلا بعد اعتراف سوريا بلبنان، وقد ضغط مندوبو جامعة الدول العربية على الوفد السوري من أجل هذا الاعتراف، لكن اشترطت سوريا لقبول ذلك أن تحترم مصالح سوريا بشكل رئيس فيها، وألا تكون لبنان قاعدة لقوة أجنبية تهدف لبسط نفوذها على سوريا، فكانت الجامعة العربية تمثل أشد العراقيل لتحقيق الوحدة السورية أولاً والوحدة العربية ثانياً، من خلال نواتها سوريا الكبرى أو سوريا الطبيعية (الهلال الخصيب)، رغم أن نواب البرلمان السوري، كانوا قد نددوا بالسلطات الفرنسية لدى اعتقالها الرئيس اللبناني بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح وغيرهم، من السياسيين عام 1943، وذلك قبل إعلان استقلال سوريا ولبنان، حيث أكد النواب السوريون أن لبنان جزءاً لا يتجزأ من سوريا، وأن ما يمس أبنائه يمس كل أبناء المجتمع في سوريا كونهم جزء منهم، وعلى هذا الأساس اندلعت المظاهرات في كل أنحاء سوريا تؤكد هذه الحقيقة، ولم يتخلف اللبنانيون قبل ذلك عن نداء الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش عام 1925، فقد اشتركوا فيها في جميع مناطقهم، وأيضاً اشتركوا في الإضراب الستيني عام 1936، واشترك القائد اللبناني فوزي القاوقجي في جميع الثورات السورية والعراقية والفلسطينية، كما اشترك أنطون سعادة بها أيضاً، واعتقل عدة مرات من أجل ذلك، وبعد إعلان استقلال لبنان وسوريا عام 1943، لم تعد سوريا تطالب بأي مناطق لبنانية اقتطعت من سوريا لتشكيل ما سمي بلبنان الكبير، على اعتبار أنها تعتبر أن كل لبنان جزءاً من سوريا، كون هذين الجزأين اشتركا في كل مراحل التاريخ حتى في ظل الانتداب الفرنسي، فكان جيش الشرق الذي أسسته فرنسا يتألف من لبنانيين وسوريين( ) ، ومما يؤخذ على معظم أبناء الطائفة المارونية أنهم يدعون أن فرنسا هي الأم الحنون، حتى وصل بالبعض منهم إلى الإدعاء أنهم من أصول فرنسية، وجاؤوا إلى لبنان مع حملاتها الصليبية في القرون الوسطى، لذلك فهم يتفرنسون، رغم أنهم جاؤوا من منطقة حماه، وكانت تسمى مناطقهم مارمارون، و لهذه الأسباب فهم آثروا توطيد علاقتهم مع اليهود، على السوريون رافضين ما عمل من أجله أنطون سعادة بإقامة سوريا الطبيعية، من خلال مباديء حزبه( ) ، فكان بنتيجة ذلك أن قاوم معظم المارونيون الحزب القومي السوري، من خلال حزبهم الطائفي وهو حزب الكتائب ذو العلاقة الوطيدة بالغرب وبإسرائيل، وليتسببوا وفق مؤامراتهم المحاكة مع حكومة رياض الصلح، ذو العلاقة الوطيدة، أيضاً مع إسرائيل، في ضرب وحرق مكاتب الحزب، ولتتدخل الحكومة اللبنانية مباشرة لصالحهم، ولتلاحق أنطون سعادة وحزبه القومي السوري، ثم لتتحالف مع حسني الزعيم الماسوني، على القضاء على أنطون سعادة، حيث سلمته للحكومة اللبنانية التي أعدمته وفق محاكمة صورية بعد 24 ساعة فقط، وكان لهذا العمل أثره في سقوط نظام حسني الزعيم واعدامه، كون الكثير من الانقلابيين كانوا من جماعة الحزب القومي السوري، خاصة بعد اندلاع المظاهرات في جميع أنحاء سوريا تندد بغدر حسني الزعيم بأنطون سعادة ، وتهتف بعبارة " يازعيم يا غدار بدنا نشويك بالنار"( ).
ثم قاومت الحكومة اللبنانية مساعي الحكومات السورية في عهد سامي الحناوي، وهاشم الأتاسي، من أجل وحدة سوريا والعراق، واستمرت في ذلك بعد انقلاب الشيشكلي عام 1949، الذي عمل على مقاومة هذا المشروع ، ولكن ذلك لم يشفع له من أن يصبح لبنان بؤرة توتر في عهده، خاصة بعد استلامه الحكم مباشرة عام 1952، حيث أصبحت الصحف اللبنانية تندد به وتدعوه بالدكتاتور، وزادت من حدتها بعد هروب ثلاثي البعث، "الحوراني والعفلق والبيطار"( )، إلى لبنان معارضين لحكم الشيشكلي، مما حذا بالشيشكلي إلى مطالبته بهم، لكن لبنان رفض ذلك، لكن بعد ذلك رأى النظام اللبناني في رحيلهم عنه, لمخالفتهم بنود حق اللجوء السياسي فرحلوا إلى إيطاليا، ورغم ذلك استمرت بعض الصحف اللبنانية في الترويج لاسقاط حكمه، خاصة بعد أحداث جبل الدروز ، حيث قام دروز لبنان بعقد مؤتمراً صحفياً لهم في بيروت، ليطلعوا الرأى العام العالمي، والصليب الأحمر على مذبحة الدروز السوريين، الذين قتل منهم 66 فرداً، وهاجم كمال جنبلاط، النظام السوري، مما حذا بنظام الشيشكلي إلى إغلاق الحدود مع لبنان في فبراير 1954( ).
لكن بعد سقوط نظام الشيشكلي عام 1954، أصبح لبنان بؤرة للعديد من المؤامرات لاسقاط الحكم في سوريا، فكانت عملية التيه أو الانتشار بقيادة أديب الشيشكلي عام 1956، ثم عملية النصر عام 1957 ومحورها ميخائيل إليان، وكان تأييد الرئيس اللبناني كميل شمعون لمبدأ أيزنهاور، وقبوله به، وقد أثار الخلاف بين لبنان وسوريا التي سيطر عليها اليسار بقيادة الحوراني والعظم، فأصبحت السفارات الغربية في بيروت مركزاً للمحاولات الانقلابية، التي أصبحت تبدأ بتجنيد العملاء المعارضين، ثم تبدأ حملات إعلامية ضخمة، بغرض خلق بلبلة، وتشكيك في السياسة السورية، ثم تجنيد في القوات المسلحة السورية، رغم فشل معظمها خلال فترة ما بين سقوط الشيشكلي وبين الوحدة مع مصر، إلا أنها أحدثت زعزعة في النظام وإن كان بشكل غير مباشر، وكان معدل المحولات الانقلابية هو انقلابين في السنة( ).
وبسبب تخوف النظام الحاكم في سوريا بعد الوحدة مع مصر عام 1958، من تأثر الوضع الديمقراطي في لبنان بالوضع الديكتاتوري في ظل نظام الوحدة، عمل نظام الوحدة، على إثارة الحرب الطائفية عام 1958( ) ، خاصة بعد محاولة كميل شمعون تعديل الدستور بعد الانتخابات النيابية، لإعادة انتخابه مرة أخرى، وهذا أدى لمعارضة التيار القومي العربي في لبنان، المعادي للغرب فاجتمعت المعارضة في الخامس من مايو عام 1958، واتفقوا على معارضة هذا التعديل، وكانوا مدعومين من قبل الجمهورية العربية المتحدة من خلال الإقليم السوري، رغم أن كميل شمعون كان مدعوماً من قبل السي أي إيه، عن طريق السفير الأمريكي في لبنان، إذاً فالولايات المتحدة كانت تلعب بورقتي المعارضة والحكومة، ومن ثم المفاضلة بينهما لتصعيد من تراه محققاً لمصالحها بشكل أكبر على المدى البعيد، فاندلعت الشرارة الأولى باغتيال النائب اللبناني نسيب المتني، الذي كان معارضاً، وهذا أدى لاندلاع المواجهات بين الحكومة والمعارضة التي وصلتها أسلحة من سوريا، فطلب كميل شمعون تدخل الولايات المتحدة، لأن موافقته على مبدأ أيزنهاور تجيز له طلب التدخل، فتدخل الأسطول السادس الأمريكي، لكن الولايات المتحدة حثت الرئيس كميل شمعون على التخلي عن الرئاسة، وإجراء انتخابات جديدة، فاز بها قائد الجيش فؤاد شهاب، المؤيد من قبل المعارضة( ).
وبعد سقوط حكم الوحدة في سوريا عقب انقلاب عبدالكريم النحلاوي في سبتمبر 1961، عارض معظم مسلمي لبنان الحكم الذي جاء بعده في ظل نظام الرئيس ناظم القدسي، باعتبار أنهم كانوا يرون بالحكم الناصري طريقاً يوصلهم إلى الحقوق التي يطالبون بها، فأخذت الصحف اللبنانية تنشر مقالات تدعو للثورة على نظام القدسي في سوريا، وتدعمها السفارة المصرية من أجل ذلك( ) ، كما عمل كمال جنبلاط ذو الأصول الكردية على دعم الأكراد في شمال سوريا، إضافة لما كانت تقوم به حكومة الكويت عن طريقه هو، وهذا سبب إرباكاً كبيراً لنظام ناظم القدسي، وساهم في سقوطه بعد ذلك، في انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963 ، لكن بعد استلام البعث السلطة عام 1963، استمرت بيروت محوراً لزعزعة الاستقرار السياسي في سوريا، خاصة بعد لجوء رؤوس اليمين البعثي بقيادة ميشيل عفلق إليها، مثل البيطار والرئيس أمين الحافظ حيث بدأ التنديد من خلالها بنظام الحكم في سوريا، وذلك بعد انقلاب صلاح جديد عام 1966( ) ، وبعد تسلم حافظ الأسد السلطة عام 1971 إثر الحركة التصحيحية في نوفمبر 1970، عمل إيقاف الحرب الأهلية فيها منذ دخول الجيش السوري لبنان عام 1975 بتأييد الجامعة العربية .
مما سبق نستنتج أن عدم الاستقرار السياسي الذي ساد سوريا خلال الفترة (1943-1971) لم يكن بفعل مؤثرات داخلية فحسب بل كان للعوامل الخارجية الدور الأكبر في استغلال تناقضات المجتمع السوري لإحداث عدم الاستقرار السياسي في سوريا ، وكانت هذه العوامل تمثل الدول التي لها مصلحة في إثارة عدم الاستقرار السياسي في سوريا بغية تحقيق مصالحها ، وخاصة أن هذه الفترة تمثل أوج الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي ، إضافة لإستغلال حلفائهما في المنطقة لأجل ذلك .






المراجــع المستخدمة في البحث
• الكتب :
1- إبراهيم، سعد الدين، "كيسنجر وصراع الشرق الأوسط"،( بيروت: دار الطليعة ، 1975).
2- إبراهيم، سعد الدين، "مصر تراجع نفسها"، ( القاهرة : دار المستقبل الجديدة ، 1983).
3- أبو دبوس، رجب، "القاموس السياسي"، (طرابلس: المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر، 1988).
4- أبو عزة، محمد، "الانقلابات العسكرية في سوريا"، ( بيروت : المنارة ، ب ت ن).
5- أبي عاد، ناجي وميشيل جريتون، "النزاع وعدم الإستقرار في الشرق الأوسط"، ترجمة : محمد نجار، (عمان : الأهلية للنشر والتوزيع، 1999).
6- أحمد، أحمد يونس، "الصراعات العربية العربية 1945-1981"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997).
7- الأحواز، هدية جبهة تحرير عربستان، "عروبة الأحواز وخرافات حكام إيران"، (بغداد: مطبعة الحوادث، 1975).
8- أرسلان، عادل، "مذكرات الأمير عادل أرسلان"، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1964).
9- الأرمنازي، نجيب، "عشر سنوات في الدبلوماسية "، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1964).
10- أسبر، أمين، "تطور النظم السياسية في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، 1984).
11- إسماعيل، محمود، "فرق الشيعة بين التفكير السياسي والنفي الديني"، (القاهرة: سينا للنشر، 1995).
12- الأمين، حسن، "سراب الاستقلال في بلاد الشام 1918-1920"، (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 1998).
13- أمين، سمير، "الطبقة والأمة في التاريخ وفي المرحلة الإمبريالية"، ترجمة هنري عبودي، (بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1980).
14- أمين، سمير، "القومية وصراع الطبقات"، ترجمة : كميل داغر، (بيروت: دار ابن رشد، 1978).
15- الأنصاري، محمد جابر وآخرون، "النزاعات الأهلية العربية : العوامل الداخلية والخارجية"، ( بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية، 1997).
16- الأنصاري، محمد جابر، "تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية"، ط2، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1996).
17- أوين، جونثان، "أكرم الحوراني"، ترجمة وفاء الحوراني، (بيروت: دار المعارف ، د ت ن).
18- أيتين، برونو، "عبد القادر الجزائري"، ترجمة ميشيل خوري، (دمشق: دار عطية للنشر، 1997).
19- أيوب، سامي، "الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان 1922-1958"، (بيروت: دار الحرية للطباعة والنشر والتوزيع، 1968).
20- باشميل، محمد أحمد، "العرب في الشام قبل الإسلام"،( بيروت: دار الفكر ، 1973).
21- البرازي، تمام، "العراق وأمريكا 1983-1990"، (القاهرة: مكتبة مدبولي ، 1990).
22- البرازي، تمام، "ملفات المعارضة السورية"، (القاهرة: مكتبة مدبولي).
23- برتس، فولكر، "نظام الصراع في الشرق الأوسط"،(بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1997).
24- برجنسكي، زبغينيو، "بين عصرين، أمريكا والعصر التكنتروني"، ترجمة : محجوب عمر، (بيروت: دار الطليعة، 1980).
25- بغدادي، عبد السلام إبراهيم، "الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في أفريقيا"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1993).
26- البكار، عبد الهادي، "أسرار سياسية عربية"، (القاهرة، دار الخيال، د ت ن).
27- بكداش، خالد، "خاد بكداش"، (بيروت: دار الطليعة الجديدة، د ت ن ).
28- بلاك، أيان وبيتي موريس،"حروب إسرائيل السرية: تاريخ الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية"،ترجمة : عماد جولان وعبد الرحيم الغرار، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1992).
29- بن خضراء، ظافر، "سوريا واللاجئون الفلسطينيون العرب المقيمون"،(دمشق: دار الفارابي، د ت ن).
30- بوداغوفا، بيير، "الصراع في سوريا 1945، 1966"، ترجمة ماجد علاء الدين وأنيس المتني، (دمشق: دار المعرفة، 1987).
31- بولدرستون، ديفيد، "طريقة من دمشق"، ترجمة: واصف الطاهر،(القاهرة: دار الآفاق العربية، 1996).
32- بولو، أليس، "دمشق تحت القنابل"، (بيروت: دار دانية للنشر، د ت ن).
33- بيرة، جورج، "المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في سوريا"، (القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ودار الأمين للنشر والتوزيع، 1995).
34- بيريس، شمعون، "الشرق الأوسط الجديد"، ط2، ترجمة دار الجليل، (عمان، دار الجليل، 1994).
35- بيريس، شمعون، "مستقبل إسرائيل: حوارات أجراها معه روبرت ليتل "، ترجمة محمد نجار، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 2000).
36- البيطار، صلاح الدين، "السياسة العربية بين المبدأ والتطبيق"، (بيروت: دار الطليعة، 1960).
37- بينروز، أديث وائي، إيف، "العراق: دراسة في علاقات الخارجية وتطوراته الداخلية1915 – 1975"، ترجمة: عبدالمجيد حسيب القيسي، (بيروت: دار الملتقى، 1989).
38- التكريتي، حردان، "مذكرات وزير الدفاع العراقي الأسبق حردان التكريتي"، (طرابلس: المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، 1983).
39- توري، جوردون، "السياسة السورية والعسكريون من 1945 إلى 1985"، (بيروت: دار الجماهير، د ت ن).
40- توفلر، الفن، "تحول السلطة بين العنف والثروة والمعرفة"، ترجمة: فتحي حمدين شتوان ونبيل عثمان، (طرابلس: د م ن ، 1996).
41- تيزيني، طيب، "حول مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث"، (دمشق: دار دمشق للطباعة والنشر، د ت ن).
42- ثابت، عادل، "النظم السياسية"، (الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة للنشر، 1999).
43- الجابري، محمد عابد، "فكر ابن خلدون: العصبية والدولة"، ط6، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1994).
44- جعفر، قاسم محمد، "سوريا والإتحاد السوفياتي"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1986).
45- الجعفي، المفضل بن عمر، "الهفت والأظلة"، تحقيق: عارف تامر، (بيروت: دار المشرق، 1986).
46- جمعة، سعد، "مجتمع الكراهية"، (عمان، الأهلية للنشر والتوزيع والإعلان، 2000).
47- الجندي، سامي، "البعث"، (بيروت، دار النهار للنشر، 1969).
48- الجندي، سامي، "كسرة خبز"، (بيروت: دار النهار للنشر، 1970)
49- الجندي، سامي، "من السفارة إلى السجن"، (بيروت: دار النهار للنشر، 1970).
50- الحاج، عزيز، "القضية الكردية في العشرينات"، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1984).
51- حامد، حسن، "صالح العلي ثائراً وشاعراً"، (دمشق: منشورات دار الثقافة، 1973 بمصر، 1960).
52- حسبن، محمود، "الصراع الطبقي في مصر من 1945 إلى 1970"، (بيروت: دار الطليعة، 1971).
53- حسن، حمدي عبد الرحمن، "العسكريون والحكم في أفريقيا"، (القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، 1996).
54- الحصري، أبو خلدون ساطع، "الإقليمية: جذورها وبذورها"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).
55- الحصري، أبو خلدون ساطع، "العروبة أولاً"، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).
56- الحصري، أبو خلدون ساطع، "العروبة بين دعاتها ومعارضيها"، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).
57- الحصري، أبو خلدون ساطع، "حول الوحدة الثقافية وبذورها"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).
58- الحصري، أبو خلدون ساطع، "دفاع عن العروبة"، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985).
59- الحكيم، حسن، "خبراتي في الحكم"، (عمان: إدارة مجلة الشريعة، 1978).
60- الحكيم، حسن، "مذكرات: صفحات من تاريخ سوريا الحديث، 1920 – 1958"، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1965).
61- الحكيم، يوسف، "بيروت، ولبنان في عهد آل عثمان"، ط2، (بيروت: دار النهار للنشر، 1980).
62- الحكيم، يوسف، "سوريا والعهد الفيصلي"، ط2، (بيروت: دار النهار للنشر، 1980).
63- حمدان، مصطفى رام، "مذكرات مصطفى رام حمدان، شاهد على أحاث سورية وعربية"، (دمشق: دار طلاس، 1999).
64- الحناوي، فارس قاسم، "صراع بين الحرية والاستبداد"،(دمشق: دار علاء الدين، 2000).
65- الحوراني، أكرم، "مذكرات أكرم الحوراني"، 4أجزاء، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2000).
66- حومد، أسعد، "محنة العرب في الأندلس"، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980).
67- الخاني ،عبدالله فكري، "جهاد شكري القوتلي في سبيل الاستقلال والوحدة"، (بيروت: دار النفائس لطباعة والنشر، 2004).
68- الخاني، عبد الله فكري، "الدبلوماسية السورية في عقدين، (1959، 1989)، (بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر، 2004).
69- خليفة، عبد الرحمن، "أيديولوجية الصراع السياسي"، (القاهرة: دار المعرفة الجامعية، 1999).
70- خليل، محمد، "الطائفية والنظام الدستوري في لبنان"، (بيروت: الدار الجامعية، 1995).
71- خوري، كوليت، "أوراق فارس الخوري: أيام لا تنسى"، (بيروت: دار الغد، 1964).
72- خوري، نبيل، "آخر النهار"، ( لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1998).
73- الخير، هاني، "أديب الشيشكلي: صاحب الانقلاب الثالث في سوريا، البداية والنهاية"، (دمشق: مكتبة الشرق الجديدة).
74- الخير، هاني، "نساء وعشيقات في حياة مشاهير سوريا"، (دمشق : مكتبة الشرق الجديدة ، د ت ن).
75- دباغ، صلاح، "الإتحاد السوفياتي وقضية فلسطين"، (بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية - مركز الأبحاث-، 1968).
76- دلاس، ألن، "كنت رئيساً للسي أي إيه"، ترجمة: مصطفى الفقير، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1989).
77- دوفرجيه، موريس "في الديكتاتورية"، ترجمة: هشام متولي، (بيروت: منشورات عويدات، 1989).
78- دياب، عز الدين، "أكرم الحوراني كما أعرفه"، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، 1998).
79- دياب، عز الدين، "التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي"، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993).
80- رابين، اسحق، "مذكرات"، ترجمة: دار الجليل، (عمان: دار الجليل للنشر، 1993).
81- راثمل، أندرو، "الصراع السري على سوريا 1947-1961"، ترجمة: محمد نجار، (عمان: الأهلية للنشر والتوزيع، 1997).
82- راسخ، إيمان، "البعث العربي الاشتراكي"، ط4، (بغداد: دار الحرية، 1977).
83- الرزاز، منيف، "التجربة المرة"، (بيروت: د د ن ، 1967).
84- الرزاز، منيف، "الحرية ومشكلاتها في البلدان المختلفة"، (بيروت: دار العلم للملايين، 1965).
85- الرزاز، منيف، "معالم الحياة العربية الجديدة"، ط4، (بيروت: دار العلم للملايين، 1960).
86- روندو، بيير، "مستقبل الشرق الأوسط"، ترجمة نجدة هاجر وسعيد الغز، (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1959).
87- رياض، محمود، "البحث عن السلام والصراع في الشرق الأوسط، 1948-1978"، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981).
88- رياض، محمود، "مذكرات محمود رياض"، جزأين، (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1986).
89- الريس، منير، "سوريا بين عهدين"،( د م ن ، د ت ن).
90- الزاقوت، عطا الله، "العادات والتقاليد في جبل العرب"، (دمشق: منشورات دار علاء الدين، 2000).
91- زكريا، أحمد وصفي، "الريف السوري"، (دمشق: دار البيانات، 1955).
92- زكريا، غسان، "في سجون البعث"، (بيروت: دار ايبلا ، د ت ن).
93- زهر الدين، عبد الكريم، "مذكرات"، (بيروت: دار الإتحاد للنشر، 1968).
94- زود هوف، هابنكة، "معذرة كولومبس لست أول من اكتشف أمريكا"، ترجمة: حسين عمران، (الرياض: مكتبة العبيكان، 2001).
95- زين، نور الدين، "الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان"، (بيروت: دار النهار، 1971).
96- س بلانك، أ "الفاشية قديماً وحديثاً"، ترجمة محمود شفيق الشعبان، (دمشق: دار دمشق للطباعة والنشر، 1984).
97- سعيد، عبد المنعم، "العرب ودول الجوار الجغرافي"، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1987).
98- سلامة، غسان وآخرون، "الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي"، جزأين، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1989).
99- سلامة، غسان، "المجتمع والدولة في المشرق العربي المعاصر"، ط2، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999).
100- سلطان، علي، "تاريخ سوريا"، (دمشق: دار طلاس للدراسات والنشر، 1987).
101- السمان، مطيع، "وطن وعسكر"، (بيروت: بيسان للنشر والتوزيع، 1995).
102- سيكربية، بيير، "الجغرافية السياسية والجغرافية الإستراتيجية"، (دمشق: الأهالي للطباعة والنشر، 1988).
103- سيل، باتريك، "الصراع على سوريا: دراسة للسياسة العربية 1945 – 1958"، ترجمة: سمير عبده ومحمود فلاحة، (بيروت: دار الكلمة للنشر، 1980).
104- سيل، باتريك، "حافظ الأسد"، (دمشق: المؤسسة العامة للدراسات والنشر، 1985).
105- الشابندر، موسى، "ذكريات بغدادية: العراق بين الاحتلال والاستقلال"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1993).
106- شاحاك، إسرائيل، "الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود"، ترجمة: حسن خضر، (القاهرة: سينا للنشر، 1994).
107- شارون، أرييل، "مذكرات أرييل شارون"، ترجمة: أنطون عبيد، (بيروت: مكتبة بيسان، 1992).
108- الشاعر، جمال، "سياسي يتذكر"، (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر).
109- شاكر، أمين، "مذكرات"، (القاهرة، دار الخيال، 1999).
110- شامير، اسحق، "مذكرات اسحق شامير"، (عمان: دار الجليل، 1994).
111- شرف الدين، تقي، "النصيرية: دراسة تحليلية"، (بيروت،د د ن، 1983).
112- شريدة، محمد، "شخصيات إسرائيلية"، (بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية للبحوث والتوثيق، 1995).
113- الشلق، زهير، "من أوراق الانتداب"، (بيروت، دار النفائس، 1989).
114- شمبش، علي محمد، "العلوم السياسية"، ط2، (بنغازي: مكتبة الأنوار العلمية، 1996).
115- صادق، محمود، "حوار حول سوريا" ، (لندن: دار عكاظ، 1993).
116- صالح، عطا محمد وفوزي أحمد تيم، "النظم السياسية العربية المعاصرة"، جزأين، (بنغازي: منشورات جامعة قاريونس، 1988).
117- الصباغ، سليمان، "التجسس الأمريكي على دمشق"، (دمشق: دار الإيمان ، د ت ن).
118- الصباغ، سليمان، "محاكمة كوهين"، (دمشق: منشورات الدار الحديثة، د ت ن).
119- الصباغ، سليمان،:مذكرات ضابط عربي في جيش الانتداب الفرنسي"، (دمشق : مطبعة كرم، 1978).
120- الصفدي، مطاع، "التجربة الناصرية والتجربة الثالثة"، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العلمية العربية العليا، 1973).
121- الصفدي، مطاع، "حزب البعث مأساة المولد ومأساة النهاية"، (بيروت: د م ن ، 1991).
122- طليع، أمين، "أصل الموحدين الدروز"، (بيروت: منشورات عويدات، 1991).
123- الطنطاوي،علي، "دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها"، (دمشق: منشورات دار الفكر، 1959).
124- عبد الكريم، أحمد "أضواء على تجربة الوحدة"، (دمشق: مكتبة أطلس، 1963).
125- عبد النبي، ناجي، "سوريا وصراع الاستقطاب"، (دمشق: دار ابن عربي ، د ت ن).
126- عبد الواحد، حسين، "عبدة الشيطان على ضفاف النيل"، (القاهرة: مركز الحضارة العربية، 1997).
127- عبده، سمير، "حدث ذات مرة في سوريا"، (دمشق: منشورات دار علاء الدين، 2000).
128- العجيلي، عبد السلام، "ذكريات أيام السياسة"، ج2، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).
129- العريني، السيد الباز، "المماليك"، (القاهرة: جامعة القاهرة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1997).
130- العشي، محمد سهيل، "فجر الاستقلال في سوريا: منعطف خطير في تاريخها"، (بيروت: دار النفائس، 1999).
131- العظم، خالد، "مذكرات"، (بيروت: الدار المتحدة للنشر، 1973).
132- العظمة، بشير، "جيل الهزيمة بين الوحدة والانفصال: مذكرات بشير العظمة"، (لندن: دار رياض الريس للكتب والنشر، 1991).
133- عفلق، ميشيل، "في سبيل البعث"، (بيروت: دار الطليعة، 1959).
134- عفلق، ميشيل، "نقطة البداية"، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1971).
135- العقاد، صلاح، "المشرق العربي 1985-1958: العراق، سوريا، لبنان"، (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية ومطبعة الرسالة، 1966).
136- علوي، حسن، "العراق: دولة المنظمة السرية"، (لندن: د د ن ، 1992).
137- عمران، محمود سعيد، "تاريخ الحروب الصليبية 1095-1291"، (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1999).
138- العودات، هيثم، "انتفاضة العامية الفلاحية في جبل العرب"، (دمشق، د ت ن ، 1979).
139- العيسمي، شبلي، "الوحدة العربية من خلال التجربة"، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1971).
140- عيسى، حامد محمود، "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1992).
141- عيسى، حبيب، "السقوط الأخير للإقليميين في الوطن العربي"، (بيروت: دار المسيرة، 1978).
142- غالب، مصطفى، "تاريخ الدعوة الإسماعيلية"، ط2، (بيروت: دار الأندلس، 1965).
143- غالب، مصطفى، "سنان راشد الدين: شيخ الجبل الثالث"، (بيروت: دار اليقظة العربية، ودار منشورات حمد، 1967).
144- غانم، روبير كوبرا، "من إسرائيل إلى دمشق"، (بيروت، د د ن ، مكتبة المؤلف).
145- غريش، آلان ، ودومنيك فيدال، "الخليج مفاتيح لفهم حرب معلنة"، ترجمة: إبراهيم العريس، (بيروت: دار قرطبة للنشر والتوثيق والأبحاث ، 1994).
146- الغزالي، محمد، "الإسلام والاستبداد السياسي"، (القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1997).
147- الغزالي، محمد، "الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية"، (القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1998).
148- الغزالي، محمد، "حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي"، (القاهرة: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، 1998).
149- غليون، "المسألة الطائفية من الدولة إلى القبيلة"، (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1990).
150- غليون، برهان، "المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات"، (بيروت: دار الطليعة، 1979).
151- فان دام، نيقولاس، "الصراع على السلطة في سوريا: الطائفية والإقليمية والعشائرية في السياسة 1961-1995"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).
152- الفرجاني، محمد، "فارس الخوري وأيام لا تنسى"، (بيروت: دار الغد، 1964).
153- الفكيكي، هاني، "أوكار الهزيمة: تجربتي في حزب البعث العراقي"" (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1993).
154- فنصة، بشير، "النكبات والمغامرات: تاريخ ما أهمله التاريخ من أسرار الانقلابات العسكرية في سوريا"، (دمشق: دار يعرب، 1996).
155- فنصة، نذير، "أيام حسني الزعيم: 137 يوم هزت سوريا"، ط2،(بيروت: دار الآفاق الجديدة،1983)
156- فهمي، عبد السلام عبد العزيز، "تاريخ الدولة المغولية في إيران"، (القاهرة: دار المعارف، 1981).
157- فوزي، محمود، "حرب أكتوبر 1973: دراسة ودروس"، (طرابلس: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، 1996).
158- القاسم، صالح محمود، "الديمقراطية والحرب في الشرق الأوسط خلال الفترة 1945-1989"، (أبو ظبي: مركز الإمارات العربية المتحدة، 1999).
159- قاسمية، خيرية، "الرعيل العربي الأول: حياة وأوراق نبيه وعادل العظمة"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1991).
160- القصاب، نجاة، "صانعوا الجلاء في سوريا"، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1999).
161- قلعة جي، عبدالفتاح رواس، "حلب القديمة والحديثة"، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1989).
162- القوتلي، شكري، "خطب الرئيس شكري القوتلي، رئيس الجمهورية السورية، خلال عامين من رئاسته، من أيلول 1955 إلى أيلول 1957"، (الفجيرة: مكتبة الفجيرة الوطنية، 2001).
163- القوتلي، شكري، "شكري القوتلي يخاطب أمته : مختارات من خطبه وبياناته"، ط2، (الفجيرة : مكتبة الفجيرة الوطنية، 2001).
164- كاوتسكي، جون، "التحولات السياسية في البلدان المتخلفة"، ترجمة: جمال نعيم عون، (بيروت: دار الحقيقة، 1980).
165- كشك، محمد جلال، "ثورة يوليو الأمريكية: علاقة عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية،(القاهرة: 1988).
166- كلير، مايكل، "تصدير القمح: أمريكا وراء الأنظمة الاستبدادية"، (بيروت، دار ابن رشد للطباعة والنشر، 1994).
167- كوبلاند، مايلز، "لعبة الأمم"، ترجمة: مروان خير،( بيروت: د د ن ، 1970).
168- كوثراني، وجيه، "بلاد الشام: السكان، الاقتصاد والسياسة الفرنسية في القرن العشرين"، (طرابلس: معهد الإنماء العربي، 1980).
169- الكوراني، أسعد، "ذكرات وخواطر مما رأيت وسمعت وفعلت"، (لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 2000).
170- كوزيشكن، فلايديمير، "المخابرات السوفياتية من الداخل"، ترجمة ونشر: شركة أورينتال هاوس للخدمات الإعلامية، (قبرص،د د ن ، 1991).
171- الكيلاني، راشد، "مذكرات راشد الكيلاني عسكرياً ودبلوماسياً"، (دمشق: منشورات دار الثقافة، 1990).
172- الكيلاني، مؤيد، "محافظة حماة"، (دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1964).
173- لوبون، غوستاف،"سيكولوجية الجماهير"، ط2، ترجمة : هاشم صالح،(بيروت: دار الساقي، 1997).
174- لورانس، هنري، "اللعبة الكبرى: المشرق العربي والأطماع الدولية"، ط2، (بنغازي: دار الكتب الوطنية، 1993).
175- م م، "الخديعة الكبرى"، (لجنة البحوث والتوثيق بالطريقة العزمية ، 2004).
176- م.م، "الخديعة الكبرى"، ( م م ، لجنة البحوث والتوثيق بالطريقة العزمية، 2004).
177- م.م، "المالكي رجل وقضية"، (دمشق: منشورات الفرع الثقافي العسكري، 1965).
178- م.م، "المسلمون في سوريا والإرهاب النصيري"، (بيروت: دار الأنصار ، د ت ن).
179- مؤنس، حسين، "كيف نفهم اليهود"، (القاهرة: دار الرشاد، 1997).
180- مار، فيبي ووليم لويس (تحرير)، "امتطاء النمر: تحدي الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة"، ترجمة : عبد الله جمعة الحاج، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 1995).
181- ماعوز، موشيه وآخرون، "الجولان بين الحرب والسلام"، ترجمة: أحمد أبو هدية، (بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق ، 2001).
182- ماعوز، موشيه، "سوريا وإسرائيل: من الحرب إلى صناعة السلام"، ترجمة: لينا وهيب، (عمان: دار الجليل للنشر، 1998).
183- المالكي، رياض، "ذكريات على درب الكفاح والهزيمة"، (دمشق: مطبعة الثبات، 1973).
184- المحايري، فهمي، "يوميات الانفصال"، (دمشق: دار الرشيد ،د ت ن).
185- المدني، سليمان، "محاكمة رجال الانفصال"، (بيروت: دار دانية للطباعة والنشر، د ت ن).
186- المدني، سليمان، "هؤلاء حكموا سوريا"، (بيروت: دار المنارة للنشر، د ت ن).
187- مسعد، نيفين عبد المنعم وعبدالعاطي محمد أحمد، "السياسة الخارجية للحركات الإسلامية"، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 2000).
188- مسعد، نيفين عبد المنعم وعبدالعاطي محمد أحمد، "تجربة التعددية السياسية في مصر"، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة، 2000).
189- مسعد، نيفين عبد المنعم، "الأقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي"، (القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة، 1988).
190- المسلط، صالح هواش، "صفحات منسية من نضال الجزيرة السورية"، (دمشق: منشورات دار علاء الدين، 2001).
191- مصطفى، أمين، "العلاقات الأمريكية الصهيونية"، (بيروت: دار الهادي، 1993).
192- معروف، محمد، "أيام عشتها: الانقلابات العسكرية وأسرارها في سوريا، 1949 – 1969"، (بيروت: رياض الريس لكتب والنشر، 2003 ).
193- المغيربي، محمد زاهي، (تحرير)، "التنمية السياسية والسياسة المقارنة : قراءات مختارة"، (بنغازي: منشورات جامعة قاريونس، 1998).
194- الملوحي، عدنان، "أكرم الحوراني: عراب الانقلابات في سوريا"، (دمشق: دار دمشق ودار طارق بن زياد).
195- الملوحي، عدنان، "قصة الانقلابات في سوريا"، (دمشق: دار طارق بن زياد ، د ت ن).
196- المنجد، صلاح الدين، "مدينة دمشق"، (بيروت: دار الكتاب الجديد، 1967).
197- منجونة، فاروق، "ثلاثية الوطن الحائر"، (دمشق: دار البردي للنشر، د ت ن).
198- منصور، ممدوح محمود مصطفى، "الصراع الأمريكي السوفياتي في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1995).
199- ناتنج، أنتوني، "ناصر"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993).
200- نصر الدين، إبراهيم، "الاندماج الوطني في أفريقيا: نموذج نيجريا"، (القاهرة: مركز دراسات المستقبل الإفريقي، 1997).
201- نعمة، كاظم هاشم، "إستراتيجيات الهيمنة الأمريكية 1924-1989"، (طرابلس: أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية، 2000).
202- النعيمي، أحمد، "تركيا والوطن العربي"، (طرابلس: أكاديمية الدراسات العليا والبحوث الاقتصادية، 1998).
203- النقيب، خلدون حسن، "الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر"، ط2، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996).
204- النقيب، خلدون حسن، "في البدء كان الصراع"، (بيروت: دار الساقي، 1997).
205- النكدي، عارف، "التعريف بمحافظة السويداء"، (دمشق، 1967).
206- نكديمون، شلومو، "الموساد في العراق ودول الجوار"، ترجمة : بدر عقيلي، (عمان: دار الجليل،1997).
207- نكسون ، ريتشارد، "الحرب الحقيقية: مذكرات الرئيس نيكسون"، ترجمة: سهيل زكار، (دمشق: دار حسان للطباعة والنشر، 1983).
208- نور الدين، محمد، "تركيا الجمهورية الحائرة"، (بيروت: مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1998).
209- النونو، مطيع، "من اغتال الوحدة المصرية السورية"، (بيروت: عويدات للطباعة والنشر، 2004).
210- هلال، محمد طلب، "دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية والاجتماعية والسياسية (وثيقة)، (بيروت: دار كاوا للنشر والتوزيع، 2001).
211- الهواري، عادل مختار، "الصفوة السياسية في الشرق الأوسط"، (القاهرة: مكتبة نهضة الشرق، 1984).
212- هوبسباوم، أريك، "الأمم والنزعة القومية"، ترجمة: عدنان حسن، (دمشق وبيروت: دار المدى للثقافة، 1999).
213- هويدي، أمين، "العسكر والأمن في الشرق الأوسط: تأثيرهما على التنمية والديمقراطية"، (بيروت: دار الشرق، 1991).
214- هيكل، محمد حسنين، "سنوات الغليان"، (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1988).
215- هيكل، محمد حسنين، "ما الذي جرى في سوريا"، (القاهرة: دار الخيال، 1962).
216- وصفي، عاطف أمين، "المجتمع العربي"، ط3، (القاهرة: دار المعارف بمصر،1969).
217- وليش، ديفيد، "سوريا وأمريكا"، (ليما سول (قبرص) :، دار الملتقى للطباعة والنشر، 1985).
218- وهبان، أحمد، "الصراعات العرقية واستقرار العالم المعاصر"، (الإسكندرونة: دار الجامعة الجديدة للنشر، 1999).
219- وودورد، بوب، "القادة"، (بيروت: سيد زانترناشونال، 1991).
220- وودورد، بوب، "الهدف، الشرق الأوسط: الحروب السرية للمخابرات المركزية الأمريكية"، ترجمة : سامي الرزار، (القاهرة:د د ن ، 1990).
221- ووديز، جاك، "الجيوش والسياسة"، ترجمة : عبد الحميد عبد الله، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1982).
222- يسن، السيد، "الشخصية العربية بين مفهوم الذات ومفهوم الآخر"، ط2، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1999).
223- اليونس، عبد اللطيف، "شكري القوتلي: تاريخ أمة في حياة رجل"، (القاهرة: دار المعارف، 1999).

• الرسائل العلمية:
1- محمد بشير الصيد، "الحكم وإشكالية الاستقرار السياسي: دراسة مقارنة بين النظامين الفرنسي والليبي"، رسالة ماجستير غير منشورة، (طرابلس، أكاديمية الدراسات العليا، 1998).
2- محسن، أحمد نحال، "صنع القرار في السياسة الخارجية السورية، 1985، 1995"، رسالة ماجستير غير منشورة، (طرابلس، أكاديمية الدراسات العليا، 1999).
3- خالد محمد العابد، "العسكريون والحكم في سوريا من 1949 حتى 1958"، رسالة ماجستير غير منشورة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، (القاهرة، جامعة القاهرة، 1981) .
• مراجع من شبكة المعلومات (إنترنت) :




1. www.Aljazeera.net
2. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/quwatli_inifisal.htm
3. http://airss-forum.com/Details.asp?id=119564
4. Http: // him. Rtedband. net / dccls / atefisaboni-brlmain.htm /
5. httm://www.Beirutletter.com/cu/ture/cult 82 . htm/
6. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/quwatli_jalaa.htm
7. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/march_8.htm
8. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/23_feb.htm
9. Www. Asharqa/ arabi.org/center/rijal/salah.htm.
10. www.moqatel.com/ mokate/ data/ behoth/ siasia/ hezb-bath/mokatel1-1-2.htm
11. www. Damascus- online.com/Arabic/history/doc/ quwatli- jala. Htm
12. http://www.aohrs.org/modules.php?name=News&file=article&sid=416
13. http.//mabet.50.megs.com/eleienth- issu/ memories5a. htm
14. www.syiagate.com/ nihadsirees/ joridah/ mak-002.htm/
15. http://www.asharqalarbi.org.uk/center/rigal-antwan.htm/
16. http://www.ssmp.info/theneus/daily/maklat/michilelsalee3/michelsbe/Baynasaadehw3alfaq.htm/
17. http://www.souriana.com.modiles/news.Article.php?stozyid=422
18. http://www.thefreesjria.org
19. http://www.alwafd.org/fromd/ special-deta.php?id-SPC-39
20. http://www.souriana.com/nodules/ newsArticle.p.hp? storyid= 422
21. http://www.ishamonline.net/Arabic/history/orticleos.shtm/
22. httm://www.soiriana.com/modulesBD/news/Article. Plip? Storyid=422
23. http://www.aohrs.org/modules.php?name=News&file=article&sid=415
24. http://www.aohrs.org/modules.php?name=News&file=article&sid=168
25. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/uar2.htm
26. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/defense.htm
27. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/242.htm
28. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/quwatli_jalaa.htm
29. http://www.damascus-online.com/Arabic/history/doc/nasser_infisal.htm



#عزو_محمد_عبد_القادر_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوحدة الوطنية خلال فترة البعث الأولى 1963وتداعياتها خلال ال ...
- العلاقات السعودية المصرية قي عهد الملك سعود
- حول العلاقات السعودية المصرية
- مقترح بحث عن موضوع الوحدة الوطنية في ظل حكم حزب البعث العربي ...
- المساعدات العربية للدول الإفريقية
- الجامعةالعربية ودورها في المساعدات الاقتصادية لإفريقيا
- المصالح الاقتصادية المشتركة بين العرب والأفارقة
- دراسات أفروعربية
- حول التُجّارِ الصوماليينِ في مجتمعِ جنوب إفريقيا
- ثقافة العنف بين الشباب
- العدوان على غزة : خريطة الحدث والدلالات الحضارية
- تداعيات الأزمة الاقتصادية في مصر وسبل حلها
- العلاقة بين الوحدة الوطنية والحزبية
- العوامل المؤثرة على الوحدة الوطنية
- محددات الوحدة الوطنية في الفكر السياسي الحديث (الجزء الثاني ...
- مفهوم الحزبية والنظام الحزبي (الأحادي، الثنائي، التعددي)
- محددات الوحدة الوطنية في الفكر السياسي الحديث (الجزء الأول )
- تأثير الانترنت على ثقافة الشباب العربي
- مفهوم الوحدة الوطنية قديماً وحديثاً
- الدور القومي للمناضل أحمد الشريف في المقاومة الليبية


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزو محمد عبد القادر ناجي - العوامل الداخلية والخارجية المؤدية إلى عدم الاستقرار السياسي في سوريا (1943-1971)