أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - الموديل قصة قصيرة















المزيد.....

الموديل قصة قصيرة


محمد عبد الله دالي

الحوار المتمدن-العدد: 3248 - 2011 / 1 / 16 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


ما يميز غرفة الجلوس، الطقم القديم الذي اشترته والدته منذ سنين الذي امتاز بنقوشه وزخارفه التراثية، كان يعتز بأحد مقاعده، ذو المسندين الجميلين، أما ظهر المقعد والذي كان على شكل تاج مشجر، يكسوه قماش احمر اللون مُطَعّم بخيوط ذهبية رائعة .. كان عندما يتكأ يقول كأني ملك، كانت امه تقول له:

- ماما هذا لزواجك، بعد أن تتخرج من الجامعة.
_ إن شاء الله .. وأنتِ سالمة.

لا زال يتخذ من المقعد نفسه، مكاناً للراحة، والتأمل، بعد سنين من وفاة والدته .. وهي آخر ما تبقى له، وبعد أن أخذت الحرب أباه وهو صغير كم تمنى أن يسعدها، ويحقق أملها .؟

أحرقت السيكارة أصابعه، انتبه من ذكرياته، دَفن سيكارته في المطفأة ونهضَ متوجهاً الى المرآة الصدأة المعلقة على الجدار، تأملَ وجهَهُ الشاحب عينان غائرتان، شَعرٌ لم يرَ المشط منذ أيام .. تحسس وجنتيه ، هَمس (كل هذا يهون ما دام القلب طيباً).

رجع الى مقعده .. أَشعل سيكارة ثانية، ملأ فيها رئتيه، ونفث الدخان من فمه وأنفه، أعقبها بسعال متقطع .. رفع سيكارته، مَدَّ يده .. أغمضَ احدى عينيه، نظر اليها .. كأنه يستعد لقياس شيء يريد رسمه .. كما كان يفعل في مرسم الكلية، حفزه هذا الوضع الخاص .. ضرب رأس المقعد بيده نهض متثاقلاً ... اتجه نحو مرسمه ،وبخطى متعبة ... دفع الباب، نسي أنه أغلقه منذ عام فتش أدراج مكتبته ، تراجع عن البحث ، أسعفته الذاكره انه دفع به خلق صورة والده، دس المفتاح بالباب بيد مرتجفة بصعوبة، ولف إلى مرسمه ، اندفعت رائحة الألوان والقماش والخشب المتعفنة، أثارت حواسه، تسمّر وسط المرسم، طأطأ رأسه خجلاً واحتراماً لهذا المكان الفني المقدس لديه والذي أفنى عمره فيه كانت الإضاءة لاتكفي أزاح الستائر، المغطاة بالغبار وخيوط العنكبوت، دخلت أشعة الشمس، معلنة حياة جديدة ، بدأ يدفع بعض الأغطية من بعض الأثاث واللوحات المعلقة ،كان يقف أمام لوحة ... ويعيد قراءة الذكريات التي رُسمت بها .. انتهى به المطاف إلى الحامل الخشبي الذي وضعت عليه الصورة ،وأمامه مقعد خشبي مرتفع لم تطاوعه يده ،رفع الغطاء الأبيض عنها، كل شيء على حاله ،لوحة الألوان وريشة الرسم قد جفت ، وقد انتهى عمرها الزمني ... ومطفأة السكائر، لازالت مليئة بأعقاب سكائرها العفنة استدار وهمّ بالخروج لم تسعفه قوته أن يواجه الموقف ... كاد ان يهرب من المرسم ، أثارت انتباهه زقزقة العصافير، وتغريد بلبل من خلال الشباك استدار متوجهاً إلى مصدر الصوت ،واجهته شجرة التين التي غطاها الغبار ، وجفت أغصانها ،حول نظره إلى قفصٍ من جريد النخيل قرب الشباك كان بيتاً مفتوحاً لبلبله الجميل ، لم ينسَ هذه الغرفة وهذا الشباك واليد التي كان يقف عليها يأكل منها ...
اتجه إلى الشباك ودقق النظر بالطائر الجميل، أشار إليه بيده، أقترب البلبل كانت التفاتاته سريعة، طار مغرداً ودار عدّة دورات كأنّه يحتفل بقدوم صاحبه، اقترب وقف على حافة النافذة، راقصاً ومرحباً ، وقف على كتفه، ألتفت في كل الاتجاهات وكأنه يبحث عن رفيق ثالثٍ لهم، طار إلى قفصه الخالي من الأكل والماء معاتباً حاوره قائلاً :-

- إنك لم تفهمني جيداً ، منْ كانت تحنو عليك وتداعبك وتطعمك ؟ ذهبت ولم تعد أردف قائلاً :-
- دعني اجهز بيتك من الطعام والشراب !

إن هذا المشهد، زاد من حزنه وألمه ... عاد إلى المقعد أمام تلك اللوحة أزاح الستار عنها نظفها، أزال الغبار عنها ... حتى المقعد الذي كانت تجلس عليه، طالته النظافة عادت الحياة لها .

وجه السؤال لبلبله .. سنكمل اللوحة أنا وانت، أمسك بلوحة الألوان وفرشاته، أراد ان يمزج الألوان ، شعر وهو يحاول ترتيب أدواته ان يديه لايقدران على الحركة ، وفقد القدرة على التركيز ..أمسك إطار اللوحة بكلتي يديه ... رمقها بطرف خفي خجلاً منها .. بالرغم من انها لم تكتمل .. الشعر كستنائي اللون وهلالين فوق عينين نرجسيتين ،كانت التفاتت العينين تدل على حوار ما ،كان يجري بينهما ...تحسس بيده الوجنتين اللامعتين كالورد في الربيع، كان قد أكمل الوجه القمري الساطع، اتفق معها على إكمال رسم باقي الجسم في جلسات أخرى تذكر أنها قالت له: (هل تريد ان تكملها بسنتين ؟) قال لها :-

- بودي لو لم تكن بسنه ولا بسنتين لأتمتع بهذا المنظر الجميل ،وأعيش أجمل حلم عرفته، انت كل شيء في حياتي التفت إلى الطائر الوفي قائلاً :-
- ألا ترى إني عاجز عن إكمال الرسم ... كان مصمماً على التسوق وشراء مايلزم لمرسمه محاولاً كسر هذا الحاجز النفسي الأليم .

عاد في المساء .. وألقى بنفسه على مقعده المفضل .. كانت السيكاره هي المعين الوحيد له على التفكير .. بيد انها انهكته وجعلته عاجزاً حتى عن النفس أحياناً ولكنه مدمن عليها .. أخلد إلى النوم وعدّة هواجس تلازمه .

استيقظ على صوت تغريد رفيقه ومجموعة من العصافير، معلنة يوم جديد، لملم أشياءه، وأفطر على قدح من الشاي وحبات من الزيتون، شاركه البلبل فطوره البائس، نهض مستعيناً بمقعده المفضل مصمماً على وضع اللمسات الأخيرة على الصورة، أمسك بلوحة الألوان، مزج عليها عدة ألوان وحاول ان يوازن بين اطيافها، اختلطت عليه، ماعاد يميزها بشكل جيد، عاد مة أخرى لترتيب أفكاره، رفع رأسه إلى اللوحة ،.. هل تسعفه ذاكرته ؟ وهل يسيطر على دموعه ؟ تماسك تسمرت عيناه على المقعد الخشبي المرتفع الذي كانت تجلس عليه التفت إلى البلبل وهو يقف على حامل الصورة قائلاً :-
- لايمكن ان انساها .. أبدأ تجلت أمامه وهو في قمة التأمل كأنّه في صومعة العباده، التقت روحه بروحها .. رآها صورة حيّة أمامه لاحت على وجهه ابتسامة الرضى ... سألها :-
- أيتها الحبيبة اتفقنا ان نكمل الصورة بقي الفم، والقلب، ألا تذكرين ؟ كانت يده وهو يتحدث توازن بين تدرج الألوان ركز عينيه على فمها .. وعلى تلك الرضاب الوردية .. وهي تحاوره قائلةً:-
- إنك مغرم بالعيون والشفاه ؟
- الشفاه تنقل ماتقوله العيون بصمت، ولغة العيون أبلغ وأدق تعبيراً .. العيون تملك سر الحياة ، باستطاعتها ان تنفذ إلى القلب بدون استئذان، والشفاه تنقل ما في القلب، إنكِ سر حياتي أيتها الريحانية، إنكِ ملهمتي ... يقطع تفكيره تغريد صديقه الوفي يلتفت له قائلاً :-
- ألاترى من تحبك وهي جالسة بهيبتها وجاذبيتها، يعود يضرب بفرشاته وهي تنقل الألوان إلى اللوحة، ويتحدث مع الصورة الماثلة في خياله وهو في قمة التأمل :-
- أراك تبتسمين ... لن يسرقوا البسمة من شفاهك الضاحكة المرحة حتى لو سرقوا كل الدنيا ... ستبقى شفاهك تهتف للحياة. أكمل الوجه ورسم بدقة متناهية على الجهة اليسرى من الصدر وردة الرازقي التي تحبها ... مما أوهم صديقه البلبل بمداعبتها ، بمنقاره الوردي الجميل، وهو ينظر في كل اتجاه.
يتكأ بعد تعب التأمل، وكأن الصورة تنبض بالحياة، ولاينقصها إلاّ الحديث نظر إلى صديقه .. قائلاً:-
- هذا هو ثالثنا .. هذه اليد التي كنت تقف عليها، وتأكل من أناملها يطأطأ البلبل رأسه الملون، محدقاً في الصورة، ولسان حاله يقول (لاحول ولاقوة )..!!
- أتدري ياصديقي، إنها فارقتناإلى الأبد ... عثروا على هذه الوردة التي ملأت عليَّ حياتي ... طافية في أحد الأنهر.. بعد ان سلب الظالمون أجمل وأغلى شيء لديها ..ولكنها ستبقى حيّة بيننا .. وساد بينهما صمت وهما ينظران إلى الصورة بشوقٍ وهي تبتسم للحياة !



#محمد_عبد_الله_دالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثمن قصة قصيرة
- الأختيار قصة قصيرة
- النخيل تموت واقفه قصة قصيره
- العودة الى الضفه قصة فصيرة
- الغروب قصة قصيرة
- أماني على الجدار قصة قصيرة
- القمر والحوت قصة قصيرة
- قصة قصيرة بضاعتهم ردت...!!
- الرجل الذي تكلم اخيراً قصة قصيرة
- احلام بائع
- قصة قصيرة رسالتان من الغربه
- ضحكات لم تكتمل/قصة قصيرة
- بين نقطتين قصة قصيرة
- قصةقصيره
- قصة فصيرة
- مجرد امنيات /قصة قصيرة
- قصة قصيرة/العودة الى الضفة


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد الله دالي - الموديل قصة قصيرة