أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس داخل حسن - نداءات نائية















المزيد.....

نداءات نائية


عباس داخل حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3237 - 2011 / 1 / 5 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


نداءات نائية
قصة قصيرة : عباس داخل حسن

فتحت عيني ببطء مغالبا حرقة وجفافا يبطن جفنيهما فامتد الفضاء شاسعاً نقياً تتخلله بضع سحابات بعيدة تتهاوى نحو الجنوب.كنت ممدداً في جوف القارب الذي نامت اضلاعه الخشبية القاسية بعيداً في اضلاعي الواهنة وثمة نزف قديم متخثر اعلى حاجبي وجانب وجهي . شعرت بعطش شديد فحاولت تحريك يدي. تقلب القارب بهدوء الى الجانبين لفت انتباهي صوت طائر ما انبعث فجأة كان ساكناً في الفضاء محركاً جناحيه بسرعة كبيرة متاهبا للهبوط المباغت. اسود ذو رقبة بيضاء، ليس غرابا، ربما طائر السميجي. هبت نسمة باردة مسحت جبهتي المحطمة فاجتاجز راسي ألم دفين عبق بقوة داخل جمجمتي وادركت لتوي ان القارب كان يتهاوى ببطء بحمله اثر تصاعد الحفيف المتناغم الذي يخلفه حين يخترق البردي.تخالطت في ذهني صور الليلة المنصرمة.صور ظلماء مشوشه لاحداث واشخاص لااتذكر ملامحهم كأنها من زمن سحيق. تذكرت (عزيز) ممدداً بجانبي طوال تلك الليلة وكان يشكو من العطش . كانت نداءاته النائية تصل سمعي من بعيد جداً ولكن ثمة خدر يغرق جسدي ويشده بقوة الى ارضية القارب القاسية يداي كانتا سقيمتين لاتقويان على الحراك لاتقويان على الحراك دورت راسي الى الجانبين بياس علني ارمقه ولكن دون جدوى فتناهى الى سمعي صوته بنبرات واهنة متوسلة (رحيم...ماي)
فأبكي بصمت.فوق في الفضاء الفسيح يخفق ذالك الطائر المجهول بقوة في جناحيه وقد تحول الى مجموعة متشابهة من الطيور مثل سرب مفكك ومافتيء لون السماء الصافية يبض حتى صار ابلق يدمي حدقتي الدامعتين . وتذكرت الصبي الاسير ذا العينين الصغيرتين. خيل الي انه كان ينتحب طوال الليل بحرقة. كان صوته ضعيفاً واهياً ينبعث من زاوية الزورق المعتمة تحت الكتف الخلفي . فكرت بان اترك يديه طلقتين الا انني عدلت عن الفكرة خوفاً من ان يهرب تحت جنح الليل في الحيز المائي المترامي الاطراف وسط مستعمرات البردي الهائلة ، يكفي ان يلقي المرء بنفسه في لجته ليضيع الى الابد . هل يجروء ذلك الصبي على اقتراف هكذا عمل؟ هل فعل ذلك اثناء الليل؟ ستكون اوصاله الان مستقرة في بطون الخنازير الجرباء التي مافتئت تطلق شخيرها الكريه طوال الليل يخالطه نقيق حاد وبعض فحيح كانت ليلة سوداء حالكه لم يشرق خلالها القمر واحتجبت النجوم تماما في قبة الظلمة وضعنا وسط عالم رخو مبهم وسكون ثقيل يشبه الموت ، فقدت عيني اليمنى النظر وانسدل جفنها تثقله لزوجة الدم الراشح الذي سرعان ماتخثر عليه ليغلقه الى الابد . كان الدم الراشح يتكاتف على حاجبي الايسر ليقطر قطرات حارة على عيني وكنت امسحه بكمي المبلول لابطل هالات اللهب المنبعثة من الحدقة الجافة ورغم ذلك لم تكن بي حاجة لان احدق في اللاشيء .انه ليس مجديا النظرفي الظلمة الكثيفة .سوى اصوات انفاس (عزيز) المتتالية تتردد برتابة يخالطها بعض انين بين الحين والاخر ونداءت ذاك الصبي التي لاتفهم مافتئت تتردد ببطء يشبه الهذيان .كنت اغالب النعاس الذي سيقضي عليَ لو تمكن مني اثناء الليل، تذكرت النزف وعيني اليمنى والتخثر ، تذكرت اصابتي ماذا ياترى ذلك الشيء الطائر الذي شج جبهتي عندما تحسستها لم يكن ثمة شيء يستقر هناك سوى جرح فاغر .عندما تمكنا انا وعزيز من جعل مخزن العتاد العائم على خشب (القوق) يطير في الفضاء مشتعلاً لقد تم كل شيء بسرعة مذهلة وحلق الصبي معه الجميع تناثرت اوصالهم المدماة في عمق المياه سوى ذلك الصبي الذي كان الاجدر بي ان اتخلص منه.
رحيم ....ماي
بعيداً متناهيا سمعت ذاك النداء في ساعة مبهمة من الليل وحركت راسي الى الجانبين مستطلعا . تقلب القارب ببطء وارتفع نداء متناهي من الطرف الاخر للزورق تماما من تحت الكتف الخشبي مثل همهة لاافهم معناها.مسحت حاجبي الايسر بكمي المبلل وشعرت بارتياح مؤقت عندما اكتشفت ان ثمة ماء قد تجمع في جوف الزورق كنت اطفو داخله .كانت اطرافي متيبسة تماما عندما حاولت ان أدلق شيئاً منه باتجاههما الا انهما سكتا الان تماماً ولم تعد نداءاتهما المتعبة تتردد، وشعرت بخور عام اجتاحني ونعاس ، هل مات عزيز؟قتله العطش والجراح والنزف ، لابد انه كان ينزف مثلي تماما وتذكرت الاسير هل مات هو الاخر ، انه لم يكن جريحاًولم ينزف دمه! هل قتله العطش والجوع ياترى؟ وتقلب الزورق بأناة وهو ينزلق على صفحة الماء الرائقة وغالبني النعاس وتشبع حاجبي بالدم الذي وصل سيله الى شابي وشفتي ونمت مستسلماً كانت ثمة كلمات تتردد خافته في اذني من بعيد مثل نداءات نائية .كانت تختلط وتتفاوت ونبرات كنت اسمعها طوال الليلة المنصرمة . فحلمت بكرات نارية ملتهبة سرعان ماتنطفىء في المياه المتجمعة في الجوف القاسي
كانت الطيور في الفضاء تتكاثر باستمرار وكانت تحوم حول الزورق بصخب وبعضها دفعته شجاعته للتحليق بارتفاع واطيء لدرجة شعرت بحفيف اجنحه على مقربة من وجهي وعندما حركت ذراعي فزعاً ولى هارباً، كانت قبة السماء بلقاء فاقعة وخزت حدقتي .كانت المياه في جوف الزورق قد وصلت ارنبتي اذني فاغترفت منها بوهن وسكبت على عيني مغالبا بعض حرقة شديدة ، كانت جبهتي متورمة وراس كذلك وعظامي مهروسة متداخلة مع اضلاع الزورق الخشبية وشعرت ببعض صحو فاستطعت ان انهض ظهري المتيبس وادركت انني متعب تماماً وأن الزورق كان يرشح مياهاً طوال الليل حتى قاربت ان تغمر وجه (عزيز) المسجى بسكون وصمت في الوسط .كان لون المياه في الجوف وردي من كثرة ما نزف (عزيز) من دم اثناء الليل وتذكرت الاسير . كان في مكانه تحت الكتف البعيد متكوراً على نفسه وعندما حاولت التحرك باتجاه (عزيز) تمايل الزورق الى الجانبين واندلقت المياه من حافته اليمنى كان الرشح قد تزايد فثقل الزورق حتى قارب على الغطس ورحت اغترف المياه الوردية بكفي بذعروالقي بها خارجاً ولكن دون جدوى فمع كل حركة اقوم بها كان ثمة قليل من المياه يندلق الى الداخل من الحافتين .فقررت في لحظة تخفيف الحمل ، سالقي بالعتاد والاسلحة والخوذ وكل وكل شيء ولكن دون فائدة عندما برز امامي خيار واحد هو ان القي بلاسير الى الماء واحتفظ بجثمان (عزيز) وتحركت باتجاه الطرف الثاني البعيد بهلع محاذراً ميلان الزورق المحتضر. ولكنني قفلت متراجعاً الى الوراء صوب الكتف الخشبي واندلقت المياه ثانية من الحافاة العيا للزورق وسقطت يدي على بندقية (عزيز) المخبأة تحت خشب الكتف بعيداً عن النقيع وسحبتها . كان خلفنا الافق مزموماً بكتل البردي الشعثاء المترامية وفي الاعلى ارتفع نعيق الغربان الهائجة تتبعنا بصخب والى الامام لاحت بضع مرتفعات وكتل داكنة.
ودون ان ادرك ان كان مارأيته حقيقة ام بسبب الدم في عيني ، وجهت فوهة البندقية صوب الغربان واطلقت رشقة واحدة مبتورة تدفق الجمر اثرها ناثراً اشلاء الغربان الناعقة برعب فوق ورفسني الاخمس الخشبي بقوة في صدري الواهن لانكفيء على ظهري وسط الزورق . الذي اندلقت مياه اخرى في جوفه وانقطع النعيق الكريه لفترة وهدأت النداءات الليلة الحارقة وتلاشى الضوء في عيني ونمت بسكون فسمعت من بعيد اصواتاً تقترب كنت انتظرها طوال الليلة الليلة العدائية المنصرمة .



#عباس_داخل_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطاقة تعريف
- سيدي بوزيد يترجل سيداً
- مقامة في الرعبلة العراقية
- ادب قصة قصيرة
- الف ليلة وليلة باللغة الفنلندية


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس داخل حسن - نداءات نائية