أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نذير الماجد - فايدروس















المزيد.....

فايدروس


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 3162 - 2010 / 10 / 22 - 09:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في المحاورات ثمة تواجد كثيف للميثولوجيا بصفتها الأداة المعرفية لأدراك الحقائق الكبرى أو الاقتراب من كل ما هو جوهري أو الارتقاء إلى عالم المثل، وهو عالم لا يمكن سبر أغواره إلا بمجاز تنتجه الأسطورة، فالأسطورة تقنية تفسيرية تنتقل بنا من الفن إلى الطبيعة إلى الماورائيات حيث تربض الحقيقة في عرشها المتعالي جنبا إلى جنب الآلهة، تلك النفوس المجنحة المتحركة بذاتها.

الانتقال من الفن إلى الشبيه أو الظل وصولا إلى الأصل هو ما يسعى إليه التفلسف عند افلاطون مستعينا بالمنهج الديالكتيكي والأسطورة في تداخل وتشابك ينتهي بانحياز كامل لما تقوله الأسطورة التي هي وحدها القادرة على التعبير عن المطلقات أو المثل الافلاطونية. "فصدق المحاكاة يتلخص في التعبير عن الأصل".

وللأسطورة مكان في محاورة فايدروس، فالحوذي والمركبة المجنحة هي أداة لمعرفة النفس والحب والجمال، النفس التي هي مبدأ الحركة، والحب الذي هو استنبات للأجنحة للتعالي والسمو إلى حيث تتحقق مكانة الفيلسوف العاشق والفيلسوف الخطيب والفيلسوف الحكيم.

تتمثل النفس في محاورة الجمهورية في صورة "خيميرا" أو "سولا" وهو كائن خرافي متعدد الوجوه تضيف إليه مخيلة افلاطون صورة ثانية هي الأسد وصورة ثالثة لإنسان لتعكس النفس بأجزائها الثلاث: الشهوية في صورة الخيميرا والغضبية في صورة أسد والعاقلة في صورة الإنسان الذي يصور في فايدرس على هيئة حوذي يقود عربة يجرها حصانان أحدهما طيع والآخر شرس.

ولهذه العربة جناحان: الحدس، أو المعرفة المباشرة، أو الإلهام أو الصوت الشيطاني الداخلي للفيلسوف الذي يمارس المعرفة بوصفها تذكرا ناتجا عن نشاط ديالكتيكي يمارسه العقل، الجناح الآخر. وهنا تقترب الأفلاطونية أكثر من صيغتها المحدثة المطعمة بتأثيرات مورفية، إلا أن لأفلاطون ميزة الفيلسوف المتفرد المنحاز دائما إلى ذاته كمفكر مستقل يفحص الأشياء بطريقة الجدل، ليصل بجهده الذاتي إلى الداخل، إلى الذات المتعالية التي تشكل جمالا باطنيا خالدا.

"أيا أبان العزيز، يا آلهة هذا المكان جميعا، أنعموا علي بجمال النفس الباطني" بهذه العبارة يبدأ افلاطون مناقشته في محاورة فايدروس، لأنه سيتناول فكرة الحب الجديرة بربات الشعر، "متى مس الحب من كان بعيدا عن إلهام ربات الشعر فإنه يحوله فنانا" من هنا كان الموضوع الأساسي في المحاورة إلى جانب فلسفة الجمال هو دراسة الخطابة كفن وأداة معرفية وكل فعل كتابي أو شفهي يقتصر على تمجيد الأسلوب أو الشكل أو اللغة دون إدراك حقائق وكنه الأشياء، ولذلك فإن من أبرز شروط العمل الفني هو التعبير عن الأصل الذي لا يتأتى إلا لمن أتقن فن الديالكتيك بجانبيه معا: التركيب والتحليل، أو التعريف والقسمة، فافلاطون يتجه إلى نقد فن الخطابة وتحديدا من خلال هجومه على الاهتمام بالشكل والمراوحة الأسلوبية والبلاغية التي كانت شائعة عند الخصوم السفسفطائين، ولما كانت الخطابة عند افلاطون هي فن قيادة النفوس فإن الفلسفة بمفهوما الافلاطوني هي الشرط الأبرز لأي عمل فني، فمن دونها يصبح الفن تقليدا مبتذلا أو محاكاة لشيء يحاكي أو يشبه الأصل.

يقول افلاطون في محاورة الجمهورية: الأفكار لدى العامة عن الجمال أو عن الصفات تحلق في فراغ بين الوجود واللاوجود" أو لنقل حتى نتموضع أكثر في محاورة فايدروس، إن الجمال في الحس المشترك يحلق في فراغ بين الجمال واللاجمال، فهو اندماج النفي أو المحو والإثبات، أو مراوحة بين الجمال في وحدته والذي يظل دائما في هوية مع ذاته وبين الجمال في كثرته، والحب هو خاصية الفن بصفته تعبيرا عن الجمال، لكن الحب في فايدروس هوس، شيء مقدس، إلهام من الآلهة كما في المقدمة الممتازة للدكتورة أميرة حلمي مطر، والهوس هو هوس النبوءة لكاهنات أبوللو، أو هوس الصوفي في الطقوس الديونيسوسية، أو هوس ناجم عن إلهام ربات الشعر للشعراء والفنانين، أو هوس الحب وهو أعظمها.

في ساعة الظهيرة ابتهل افلاطون إلى ربات الشعر ذوات الصوت الرخيم لكي يبدأ المناقشة، وقد بدأ مغطى الرأس خجلا حيث سيذم الحب ويهاجم العشاق، الحب والعشق الحسي والأفلاطوني معا، لكنه وقد تراجع ليمتدح الحب فقد كشف عن رأسه تحت الشمس في ذروة الحقيقة حيث لا مكان للظلال الباهتة كالتي تحدث عنها في "أسطورة الكهف".

ولدى انتقاله في الحب من الجمال الحسي إلى العالم المتعالي في سماء المثل والآلهة يقع افلاطون في رعشة الحب والعشق ويسرح في آفاقه البعيدة، فالجسد في الحب الأفلاطوني مجاز لحقيقة أسمى، رمز يشير إلى حالة عشقية تتجاوز الجسد لتصل بنا إلى الشوق الذي يستعيره الدين والفن من الفلسفة حيث يؤسس عليه المشائي والمثالي في آن معا تصوره الميتافيزيقي، فالشوق أو الحب أو القبلة هي رموز تتراوح في حالة واحدة هي الإتحاد بشيء يتجاوز حتى الآلهة.

من هنا تبدو القبلة كما لو كانت ممارسة تعبدية أو اتصال بإله ليس نكدا أو كئيبا يوزع البؤس على العالم، إن تقبيل الثغر الرطب النقي بمادته المائية تقود إلى إدراك شعري بأصل العالم، القبلة هي أصل العالم، أصل من ماء كما تبدى لطاليس الذي قال بأن الماء هو الأصل والينبوع، القبلة والماء والعشق هو ثالوث التكوين، والإله ههنا يتخذ شكل نشوة، سيولة وتمدد أزلي، مثل زيوس الفحل ذو الريش والمحب دائما، والحب هو ابن الإلهة افروديت، أو هو قرينها الأيروس الذي يصنع الجمال، لكن "أيروس ليس إلها ولا بشرا، إنه روح متوسط بين ما هو فان وما هو إلهي" أيروس قيد لكنه يهب الأجنحة للتحليق في فضاء الحقيقة والمثل والحب.

يقول صاحب المأدبة منتشيا: الرجل حين يرى وجها ذا سمة إلهية... أو جسما حسن التكوين، تنتابه الرجفة ويعتريه شعور غامض.. فإذا به يوجه بصره في اتجاه الموضوع الجميل فيقدسه تقديس إله، وإذا لم يخش أن يوصف بأنه في ذروة الهوس فقد يقدم قرابين إلى المحبوب كما لو يقدمها لوثن مقدس لإله. وقد يحدث تغير أثناء إبصاره له نتيجة للرجفة التي تنتابه فيكسوه العرق والحرارة غير الطبيعية لأنه بمجرد أن يتلقى فيض الجمال عن طريق عينيه ينبعث فيه الدفء وينشط نمو الريش فتلين منابته لأن الحرارة تصهر ما كان صلبا يمنع يمنع الريش من البزوغ..... النفس في سالف الأزمان يكسوها الريش... ذلك إذن هو حال من يتجه ببصره نحو جمال الفتية فمن ذلك الجمال يصدر فيض من الجزيئات الصغيرة يسمى من أجل هذا بالاشتهاء وحين تتلقاه النفس تنشط فتدفأ وتستريح من عذابها ويغمرها الفرح والبهجة"

هذا هو الحب عند الناس ولكنه عند هوميروس والآلهة يصبح مدعاة لضحك الفتى الصغير والجميل والذي كان يخاطبه افلاطون في نشوة شيطانية باخية، فالحب "اسمه عند البشر هو الحب ذو الأجنحة، ولكن صدقني إن اسمه عند الخالدين هو المريش بسبب قدرته على إنبات الريش" !!



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا رقص زوربا
- رحيل أركون وبقاء الأركونية
- عبثية أن تكون حيا
- لا تبن لك بيتا
- البغدادي يلقي الضوء ويرحل
- سعودة الحداثة !
- المشروع التغييري والمسكوت عنه: الشيخ الصفار أنموذجا
- حين يكون -جان كالاس- سعوديا !
- التصوف كخطاب تنويري
- التشيع والشيرازي وفلسفة التاريخ *
- عندما يتحول التاريخ إلى دين -3-3-
- عندما يتحول التاريخ إلى دين (2-3)
- عندما يتحول التاريخ إلى دين (1-3)
- ماراثون القطيف وصديقي المتشائم
- تمرين على السياسة الشخبوطية !!
- من اللاهوت إلى علم الأديان: محاولة للفهم
- ما وراء كلمات العريفي
- السيستاني والعريفي والتقيؤ الطائفي
- بين المتدين الأصولي والشامان
- البطولة الزائفة


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نذير الماجد - فايدروس