أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سامح المحاريق - النخب العربية















المزيد.....

النخب العربية


سامح المحاريق

الحوار المتمدن-العدد: 942 - 2004 / 8 / 31 - 11:13
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


(1)

يستلزم الدخول إلى المفردة الأكثر خداعا وسرابية في مفاهيمنا الاجتماعية والثقافية العربية توخي الحذر والتقييم المستمر للاستنتاجات أثناء عملية الكتابة مما يستلزم مسودات عديدة تبدو مثل خرائط لا تؤدي إلى مكان بعينه سوى المزيد من اللا يقين ، ومفهومنا العربي والمحلي بالتالي لما يسمى مجازاً بالنخبة يختلف تماما عن المفهوم الأوروبي لذات المفردة ، ولكن ذلك في حد ذاته لا يعطي ثمة دلالة فالنخبة كمفهوم تتباين من ثقافة إلى أخرى ، ومعظم ما كتب -باستثناء محاولات قليلة- عن النخب العربية من محاولات فهم وتأريخ كتب ضمن المقاييس الأوروبية فأتى تماما مثل محاولة قياس مساحة قطعة من الأرض باستخدام الميزان ، وعدا الاتفاق في خطوط عريضة بين ماهية النخبة لدينا ولديهم فإن طبيعة تكون و عمل واضمحلال هذه النخب ثم رحيلها يختلف بشكل جذري بين الثقافتين.



النخبة هي التعبير الأكثر دقة لعدة مترادفات في اللغة الإنجليزية choice part , flower , dignitaries , elite, cream , top , VIPs تستعمل للتعبير عن المجموعة من الناس التي تقوم بقيادة المجتمع في كافة مستوياته ، وتقابل مفهوم العامة أو الجمهور ، هذا التعبير تقابله في العربية كلمة النخبة التي لا يمكن استبدالها بالصفوة أو أي كلمة قد تمثل ترجمة حرفية لنظيرتها الإنجليزية، وهنا يكمن اختلاف جوهري بين النخبة العربية غيرها ، فالنخب العربية مثلت حالة متفردة جعلتها تحمل بذور الهشاشة والقابلية للفناء من الداخل ، لأنها ببساطة لم تكن معنية على امتدادها التاريخي بقيادة المجتمع بقدر اهتمامها بسوق المجتمع إلى ما يحقق مصالحها الخاصة ، واستغلال ارتباطها الوثيق بالسلطة لتحقيق هذا الهدف ، فالنخب العربية نمت ككيانات طفيلية تترسب وتتعايش عضويا مع السلطة السياسية ، وككافة الطفيليات فهي لا تسعى إلى التأثير بقدر ما تسعى لتأمين استمرارية تزودها بعناصر البقاء والنمو من فضلات السلطة.

والسلطة التاريخية في نمطها العربي لا تتأتى للوجود بدعم من النخبة أو بتواطؤ معها على الأقل ، كون السلطة تأتي لمواقعها من مساحات غياب الوعي وليس حضوره ، والنموذج المملوكي للسلطة يظهر مدى الشقاق بين النخبة التي كانت سائدة قبله وبينه ، فقد أتى المماليك إلى السلطة دون الحاجة إلى دعم شعبي سواء من الخاصة أو العامة ، وبالتالي فقد عمدوا إلى طمس النخبة الهشة تماما وتفصيل نخبة على مقاسهم و أفقهم الضيق أدت إلى بداية السقوط الحضاري بتجلياته المرعبة التي نعايشها ، وتكوين نخب مستعدة لتبديل ولاءاتها بنفس السرعة التي رافقت انتقال السلطة من فريق في المماليك إلى آخر ، وتماما بحسب مزاج الحاكم الجديد مهما اختلفت عما كانت نفس النخبة تعتنقه في ظل سلفه ، فأصبحت النخبة تحتفظ بوجوه ثابتة وأفكار متغيرة بحسب الأهواء والطلب وعلى طرفي ذهب المعز و سيفه.

وبالتالي فقد اعتادت هذه النخب على أن تظل بعيدة عن الناس / العامة ، ومنكفئة على ذاتها ، وفق المقولة التهكمية الخاصة بالأبراج العاجية ، مغتربة وعدوانية تجاه وسطها الاجتماعي الطبيعي ، وفي موقع وسط بين السلطة الحاكمة التي لا تحترمها ولا تعبأ بها ، وبين الجمهور الذي غالبا ما يكرهها ويحملها مسئولية التراجع والتردي .

(2)

النخبة ليست جماعة من الناس ولا يمكن أن تحاط بحدود تبدأ منها أو تنتهي إليها ، فالنخبة مجموعات هلامية من المعرفيين وأصحاب المصالح ورؤوس الأموال والمهنيين والمتعاملين مع مهنة الفكر والأكاديميين، والمنتمين إلى اتجاهات ثقافية ترتكن إلى البعد الاجتماعي وآخرين ، كما أن النخبة ليست طبقة ضمن الهرم الاجتماعي ومن الخطر التعامل مع النخبة على هذا الأساس لأن الطبقة تحتفظ بمقومات تجانس تصب في سعيها المستمر للبقاء ، إلا أن النخبة تمثل شكلا اجتماعيا يخفي وراء هلاميته الظاهرة شبكات معقدة جدا من العلاقات والمصالح و التبادلات ، التي لا يمكن لأحد أن يجزم بفهمه للكيفية التي تعمل بها ..

خصوصية النخب العربية أذابت الفوارق بين المجموعات التي تكون النخب وخلافاتها الفكرية ، فجعلت النخبة حزمة واحدة تتحالف ضمنيا ضد العوام ، الذي يرفضون بالتالي وجود النخب لاعتراضهم على الطريقة التي تبدو لكثير منهم لا أخلاقية في تشكل جزء كبير من النخب السياسية والاقتصادية ، إلى جان شعور الجمهور بالضغينة تجاه تعالي النخب الثقافية ، مع علمها يقينا بمستوى الوعي السائد والمحرك للأحداث في المجتمعات العربية ، ولعل تاريخ الفلسفة العربية والإسلامية يبين بوضوح مدى العزلة التي ذهبت إليها النخب ، فنجد فيلسوفا في حجم ابن رشد يصر دائما على التذكير بما هو للخواص وما هو للعوام من الشأن المعرفي ، وبدت تجربة كتجربة إخوان الصفا في صورتها الاجتماعية أقرب إلى محفل ماسوني منها إلى حركة فكرية تسعى للتغيير والإضافة ، فالانفصام بين العوام والخواص أخذ يتصاعد إلى حد القطيعة التامة منذ البدايات المبكرة للإسلام وبعد وفاة الرسول مباشرة وحتى عصرنا الحالي.

فأحداث سقيفة بني ساعدة أتت بسلطة قريش التي لا تقبل النقض أو النقاش لدى العديد من الفقهاء على مؤسسة الخلافة ، وأتت كذلك بنخبها الطفيلية التي سارعت إلى التحلق حول مؤسسة الخلافة والاغتذاء عليها ، وأدت إلى تدمير مؤسسة الخلافة الراشدة في النهاية ، بنقلها لخلافاتها التي سبقت الاسلام إلى الواجهة ، وشهدت الفترة التي تبعت رحيل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ابتعاداً للنخبة الحقيقة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأسباب تراوحت بين الزهد الشخصي والاحتجاج الفكري ، مفسحة مكانها للنخب الانتهازية التي تفرقت بين تجار بني أمية وشعوبيي اليمن ، والصراع المرير على السلطة ، والذي أدى في النهاية إلى استشهاد عثمان وعلي ، وانتهاء عصر تداول السلطة في الاسلام .

العوام أو جمهور المسلمين رأوا في ذلك كله مجرد صراع على المصالح بين ممثلي العصبيات القبلية التقليدية في مرحلة ما قبل الاسلام ، والتجار الصاعدين بمصالحهم في الأسواق والثروات الجديدة التي أتاحتها الفتوحات الاسلامية ، مما رسخ في فهمهم حقيقة أن تلك النخب لم تكن تتكون منهم ولم تنشأ من أرضية همومهم وبالتالي فهي لا تصلح لتمثيلهم أو قيادتهم .

وبقي دور النخبة يزداد تعقيدا مع وجود الهرم المقلوب من التوزيع للثروات والسلطات ، فلم يكن بإمكانها تمثيل العامة فعلا والعمل لصالحهم لأن ذلك كان سيعزلها عن القمة الممتلئة بالثروة لدى السلطة ، ولم يكن متاحا لها الرهان على العامة لتعديل الأوضاع وذلك لافتقارهم للوعي اللازم للتغيير ، والاحباطات التي تعرضت له ثوراتهم واحتجاجاتهم على مدى التاريخ الاسلامي وخاصة في العصر العباسي ، هذه الظروف هي ما أسست لما يمكنني وصفه ب ( مأزق النخبة ) ..

(3)

حداثة المفهوم لا تعني إنتفاء وجود الظاهرة قبل تكونه ، فنيوتن اكتشف الجاذبية الأرضية كقانون طبيعي مع وجود الظاهرة منذ ابتداء الخليقة ، كما أن النخبة كمفهوم لم تظهر في الأدبيات العالمية قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ومع ذلك بدأت النخب في الظهور قبل الميلاد بآلاف السنين مع تصاعد الأداء الحضاري للانسانية ونشأة الحضارات التي استطاعت أن تراكم الثروات التي تستدعي الحماية والتوسع ، وبالتالي فقد سمحت الحاجة إلى إدارة شئون الثروة والدولة إلى ظهور للنخب التي توزعت بين ثلاث فئات سيطرت على السلطة السياسية ، بتحالفها وتشابك مصالحها ، الملاك والعسكر ورجال الدين ، وقامت الفئة الأخيرة بالدور الأكثر خطورة والمتمثل في احتكار وعي الجمهور ، والتواطؤ مع الحاكم الذي يصعد غالبا من فئة الملاك أو العسكر ، وتحصينه بدعوى الألوهية الغير قابلة للنقض أو النقاش ، وسأجد الكثيرين ممن يدعون الاختلاف معي حول اعتبار الدوائر المحيطة بالسلطان القديم ، نخبا وفق المفهوم العلمي الذي تشكل اوروبيا في أعقاب عصر النهضة ، معبرا عما كانته النخب آنذاك وما أرادت أن تكونه وفق تصورات الفلسفة الاوروبية ، جاءت ذروتها مع نيتشة في تصوره للانسان الأعلي ( السوبر مان ) كنقطة انقلاب دفعت الانسانية برمتها ثمنها الباهظ في الحرب العالمية ، وهذا المفهوم يجعل كل التصورات حول النخب العربية تقع خارج المنهج العلمي ، وتلقي بكل تلك الجهود إلى الخواء ، فالنخب العربية لم تتجاوز حتى الآن الدوائر التي تحددها وتسمح بها السطلة السياسية تحديدا ، مضافا لها سلطة النص الديني من سنوات قليلة فائتة ، وأعني أننا لم نتجاوز نقطة الصفر على التاريخ الميلادي حتى يومنا هذا فيما يخص نخبنا ، لذا فإنني أدعو كل من ينوي الاختلاف أن يؤجل هذه الرغبة ولو قليلا..

وبالمناسبة فقد تجاوز الغرب المفهوم القديم للنخبة مكونا مفهوم ( قادة الرأي ) الممثلين لمصالح فئات المجتمع من صفوة المختصين والقياديين ، يقومون بقيادة الرأي العام بمعناه السياسي لتوجيه السلطة السياسية نحو مصالح الفئات التي يمثلونها وبالتالي مصلحة المجتمع ككل بافتراض وجود الحد الادنى من الانسجام في التصورات بين هذه الفئات ضمن مفهوم الوطن والمواطنة .

(4)

لا أعتبر الجاهلية فترة ظلامية في التاريخ العربي ، فالجاهلية المتأخرة أو ما مال المؤرخون بتحديدها في المائة وخمسين عاما السابقة لظهور الاسلام ، شهدت العديد من المحاولات العربية للنهوض والاستقلال في دويلات صحراوية تتمتع بالسيادة وأنظمة شبه حضارية ، وحتى في الجزء الأكثر تخلفا من جزيرة العربي حينها والممت بمحاذاة ساحل الخليج العربي حتى البحرين فقد قامت القبائل العربية بعدة محاولات للتجمع في كيانات كبيرة تستطيع وقف الغطيان الفارسي ومنافسة حواضر الحجاز وعمان واليمن ، وعلى ذلك فلم تنشأ ثمة نخب عدا تلك التي استطاعت أن تمسك بزمام الزخم التجاري في طريق رحلة الشتاء والصيف بين الشام واليمن في المدينة ومكة وثقيف ، وكان طبيعيا أن تتعالى هذه النخب حتى على أكثر القبائل العربية شوكة ، وبالتالي فقد حملت هذه القبائل الضغينة لأهل الحجاز ، وعبرت عنها في حروب الردة و ثورة الخوارج ، وأصبحت هذه القبائل تتصيد الغصاصات التاريخية لإثارة الشقاق وتهييج الناس ضد قريش على اختلاف بطونها بل وضد مضر بأكملها التي تشرفت بانتماء النبي (سلى الله عليه وسلم ) لها ، واعتزازه بهذا الانتماء ، لذا فيمكنني أن أذكر حادثتين فصلت بينهما سنين كثيرة و تتعلقان بشخص واحد هو الأشعث بن قيس الصحابي رضي الله عنه وأحد أعتى زعماء كندة اليمن قبل الاسلام

الحادثة الأولى تتعلق بقدوم الأشعث على رأس كندة للدخول في الاسلام في ثمانين من قومه دخلوا على الرسول وفي اعتقادهم صلة القرابة بينه وبينهم بين آكل المرار إذ كان العباس بن عبد المطلب وربيعة بن عتبة يدعيان انتماءهما لبني آكل المرار ويقولان ..
( نحن بنوآ كل المرار يعني ينسبان إلى كندة ليعزا في تلك البلاد لأن كندة كانوا ملوكا فاعتقدت كندة أن قريشا منهم لقول عباس وربيعة نحن بنو آكل المرار وهو الحارث بن عمرو بن معاوية ابن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندي ويقال ابن كندة ثم قال رسول الله لهم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ولا ننتفي من أبينا فقال لهم الاشعث بن قيس والله يا معشر كندة لا اسمع رجلا يقولها إلا ضربته بثمانين )
الحادثة الثانية جرت وقت التحكيم بين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية بن ابي سفيان في موقعة النهروان وأنقلها من كتاب وقعة النهروان لعلي بن الحسين الهاشمي ..

( ثم رجع كل فريق الى أصحابه ، وقال الناس . قد رضينا بحكم القرآن . فقال أهل الشام . فأنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص . وقال الأشعث والقرآء ـ الذين صاروا خوارج فيما بعد ـ فانا قد رضينا واخترنا أبا موسى الاشعري . فقال لهم علي (ع) اني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى ان أوليه . فقال الأشعث . وزيد بن حصين ، ومسعر بن فدكي . في عصابة من القرآء . انا لا نرضى الا به ، فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه قال (ع) فانه ليس لي برضاً . وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر . ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك ، قالوا والله لا نبالي أكنت أنت او ابن عباس ، ولا نريد الا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء . ليس الى واحد منكما بادني من الآخر . قال علي (ع) فاني اجعل الأشتر . فقال الأشعث وهل سعر الأرض علينا غير الأشتر . وهل نحن الا في حكم الأشتر . فقال علي (ع) وما حكمه قال . حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد . فأجابه علي (ع) ان معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه . ونظره من عمرو بن العاص . وانه لا يصلح للقرشي الا مثله ، فعليكم بعبدالله بن عباس فارموه به . فان عمرو ألا يعقد عقدة الا حلها عبدالله . ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم امرأ الا نقضه . ولا ينقض امرأ الا أبرمه فقال الأشعث . لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ، ولكن اجعله رجلاً من أهل اليمن . اذ جعلوا من مضر . فقال علي اني أخاف أن يخدع يمنيكم فان عمرواً ليس من الله في شيء اذا كان له في أمر هوى . فقال الأشعث . والله لأن يحكما ببعض ما نكره . وأحدهما من أهل اليمن . أحب الينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان ، فقال علي (ع) فالأحنف بن قيس التميمي فقالوا لا يكون الا أبا موسى . فقال (ع) قد أبيتم الا أبا موسى ؟ قالوا نعم . قال فاصنعوا ما أردتم )

لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ... هذا ما خبأه ابن آكل المرار لقريش وللاسلام طيلة السنين التي فصلت بين الحادثتين ، هذه الأحقاد التي ركمها تراكم السلطة وما تصوره البعض احتكارا للثروة في يد قريش التي شكلت بكليتها نخبة للعرب وسادت بالقرآن لهجتها عليهم ، واعتبروا الزكاة فريضة يؤدونها لهم دون الله ..

لقد سبب ظهور النخبة المستندة على رعاية النص الديني والأسبقية للاسلام هزة في المجتمع العربي، الذي تعود الاذعان لسلطة القبيلة وشيوخها ومنحهم على أصفائيهم ، ولم يستطع أن يهضم فكرة الدولة التى ترعى التوزيع العادل لمكاسبها على كافة أفرادها المتمثلين في جمهور المسلمين ، ولكن ذلك لم يمنع حفنة من الانتهازيين والتجار و أصحاب السلطان القدامى من الصعود بالتحايل على روح الاسلام وتكوين نخبة طفيلية ، أدت بتصرفاتها بعيد تولي عثمان الخلافة إلى مفاقمة الأحقاد وسيادتها على العقلية العربية ، فصدمت جماعة المؤمنين بالهوة بين عصر عمر بن الخطاب وعصر عثمان بن عفان رضي الله عنهما .. فكان مروان بن الحكم مفتاحا لعصر شكلت كل لحظة فيه انقلابا على سابقتها ، ومكنت يزيدا بن معاوية من سرقة روح الاسلام الحقيقة وما استتبع وجود سلطته السياسية من عمليات تزييف هائلة للموروث والتراث الاسلامي الحق ..

هذه النخبة لم تكن طارئة بل كانت نخبة مراوغة وقديمة لم يتمكن الاسلام في صعوده من تقويضها والقضاء عليها وعلى قيمها ، والمفارقة أنها كانت الأكثر استفادة من الاسلام بعد أن كانت الأكثر ضرواة في حربها ضده ، إذ رأته تهديدا لامتيازاتها في مجتمع قريش القديم ، فالنبي (ص) لم يكن ينتمي إلى نخبة قريش وفق المعيار الجاهلي الذي حصر امتياز الانتماء إلى السادة أو النخبة التقليدية للثراء و القدرة على الانفاق ببذخ ، فرأوا أن الدعوة إنما هي موجهة للعبيد وأرقاء الحال والفقراء لمزاحمتهم على الامتيازات والمغانم القبلية ، بدلالة أن أضطلع بها محمد بن عبد الله راعي الضأن اليتيم الفقير ، المنتمي إلى الفرع المنافس في القبيلة ، وورثة عبد المطلب حكيم قريش و زعامتها الروحية ، هذا الاعتراض على رسالة محمد (ص) بدا واضحا في الآية الكريمة (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) والقريتين هما مكة والطائف ، والرجل العظيم في نظرهم واحد من اثنين الوليد بن المغيرة أو كنانة بن عمرو الثقفي أو أي رجل يحمل مواصفات العظمة المتعارف عليها لديهم كعتبة بن ربيعة أو صخر بن حرب ( أبو سفيان ) ، الثراء الواسع والمنعة القبلية ،،

ومما سبق نجد أن القدرة على التلون بألوان السلطة و التبديل الهين والظاهري للقناعات للتعايش مع السلطة ، وبقاء الرغبة في الانقضاض عليها صفة ثانية تضاف إلى بقاء النخب ضمن دوائر السلطة متواطئة ومدجنة في الحالة العربية على الدوام ..



#سامح_المحاريق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكبش
- سراديب السماء ..
- الورقة البيضاء
- السلاسل الحجرية .. موزاييك نصي قلق
- ليل بدونك


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - سامح المحاريق - النخب العربية