أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي المحاريق - الكبش














المزيد.....

الكبش


سامي المحاريق

الحوار المتمدن-العدد: 818 - 2004 / 4 / 28 - 07:16
المحور: الادب والفن
    


مع خطواته الأولى خارج باب السجن العتيد، كان محمد
الأيوبي يتحسس ساعته الجلدية ويقلبها في يديه، كانت
معطلة تماماً، لبسها في يده اليسرى، لم يكن معه مال
كثير، مبلغ صغير استودعه له أخوه أمانات السجن قبل سفره،
ربما سيكفيه لعدة أيام، كان يحس أنه سائر على غير هدى
تجاه شيء لا يعلمه، ولكنه أجل هواجسه ودفعها إلى الخلف،
مع تلذذه بالطقس خارج السجن أحس بجسده يتمدد من تقلصه،
الرطوبة تتقشر عن جسده كطلاء قديم، أحس برائحة جديدة خرج
رائحة العطن من أنفه، جفونه تتراخى لتتقي الشمس الساطعة،
كان يمتص الشمس إلى داخله، أحس بقلبه نبتة تتنفس بالبناء
الضوئي، نظف حذاءه بيديه ونفضهما، كان بنطاله ضيقاً،
انساب إلى شارع قريب من النهر، عب هواء أكثر من حاجته
فكر إلى أين يمضي، في النهاية سيطرق باب عمه المتقاعد لن
يقبله غيره، زوجته حصلت على الطلاق ولم يعد له بيت، لم
يتضايق لم يفسد لحظته كان يعرف ذلك وهو في السجن ليست
مفاجأة، أحس بهذه الهموم من قبل ولكنه الآن لا يفكر إلا
في اصلاح ساعته، مضى ناحية السوق سيجد محلاً لتصليح
الساعات هناك، مضى بين الناس، تطلع إلى مؤخرات النساء
بنهم، ولكنه كان محبطاً، أنقذه محل صغير للساعات فدخله
هارباً من امرأة كان يتبعها، أحس بنظراته تكويها، كان
المحال ضيقاً ولكنه نظيف كما صاحبه الكبير في السن، كان
أصلعاً يرتدي ملابس أنيقة، ويديه كانت جميلة ونظيفة،
أخرج له الساعة طلب منه إصلاحها، تفقد الرجل الساعة
الثمينة باهتمام وتطلع إليه بنظرة غريبة لعله ظن أنه
سرقها، ربما لأنه يرتدي ملابس قديمة وضيقة، ولكن الرجل
مضى يفحص الساعة باهتمام، في دقائق كانت الساعة تعمل
بصوتها الدؤوب، خلع الرجل نظارته السميكة ذات الاطار
الأسود، وجلس على كرسيه المريح، أعطاه أجرته ولكن
الساعاتي ظل محتفظاً بنظرته المرتابة، ضايقه ذلك، تمنى
أن يصرخ فيه، أن يفهمه أنه ليس لصاً، قبل سنوات كان
يرتدي ثياباً أكثر أناقة من ثياب الساعاتي، يمضي إلى
عمله اليومي بوقار، كان ذلك منذ سنين ليست بعيدة، كان
رجلا عصريا محترما، قبل أن يحتل مروان الحكيم كرسي رئيس
مجلس الإدارة، عبث مروان بكل الأنظمة، غير كل شيء فرض
قوانينه الخاصة، قلب الهرم الوظيفي، كان الأيوبي ممن
أخذتهم موجة مروان إلى الأعلى، ولكنه لم يكن يدرك إلى
أين تأخذه تحديداً، بدأت الأمور تتعقد، ربما لم يكن أكفأ
زملائه ولكنه كان أحسنهم نية كما توقع مروان منذ
البداية، لم يطل مكوثه في منصبه الجديد حتى كان مخفوراً
إلى تحقيقات في النيابة العامة، لم يكن يدرك أنه سيذهب
إلى السجن حتى نطق القاضي حكمه في الجلسة الأخيرة بعد أن
ندد ممثل الإدعاء المتحمس بالفساد والفاسدين، في أيامه
الطولية في السجن كانت تأخذه نوبات من الضحك الهستيري
حين يتذكر ارتشافه الصباحي للقهوة في مكتبه، وتوقيعه
المهيب على المعاملات المشبوهة، كان يثير سخرية زملائه
في الزنزانة الكبيرة.
كان قريباً من مبنى الشركة الزجاجي الفاخر المطل على
النهر، يعرف أين مكتب مروان الحكيم، قرر أن يشتري سكيناً
ويصعد لتمزيق كرشه الممتلئ ووجنته المنتفخة، سيمنعه
الحرس على الباب لأنه يرتدي ملابس رثة ولأنهم يعرفونه،
وجه ضربة هائلة إلى عمود الكهرباء فالتفت إليه المارة،
أخذه الغضب احمرت عيناه، قفزت إلى رأسه شياطين كثيره وهو
يمضي مسرعاً إلى محل الساعات الصغير، من يظنه ذلك
الساعاتي الأحمق، لصاً حقيراً تافهاً، كان يحفر الأرض
بخطواته السريعة، رأى يافطة المحل من بعيد، دفع الباب
الزجاجي، رأى الفزع في عيون الساعاتي العجوز الذي انتفض
واقفاً، فأخرجه من خلف مكتبه وأنهال عليه ضرباً كان
وحشياً في تصرفه، والرجل غير قادر حتى على الصراخ تركه
على هامداً على الأرض، ومضى غير عابئ بالرجل، مضى ناحية
النهر ليتأمل الغروب...






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سراديب السماء ..
- الورقة البيضاء
- السلاسل الحجرية .. موزاييك نصي قلق
- ليل بدونك


المزيد.....




- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...
- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...
- في سويسرا متعددة اللغات... التعليم ثنائي اللغة ليس القاعدة  ...
- كيت بلانشيت تتذكر انطلاقتها من مصر في فيلم -كابوريا- من بطول ...
- تظاهرة بانوراما سينما الثورة في الجلفة بطبعتها الثانية


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي المحاريق - الكبش