أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - النظام الدولي و-طبقات- الدول















المزيد.....

النظام الدولي و-طبقات- الدول


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تكرس منظمة الأمم المتحدة، بوجودها ومبادئها، مفهومًا "وهميًا" لنظام دولي مكون من مجموعة دول مستقلة ومتساوية وذات سيادة، تتعاون أو تتنازع في فضاء دولي محكوم بقواعد وقوانين وشرائع وأعراف تهدف إلى أن تضمن لكل منها هويتها ومصالحها وحقوقها. والحال أن هذه صورة خادعة ومزورة لواقع السياسة الدولية لا علاقة لها بما يجري بالفعل. فالعالم يخضع لبنية سياسية واحدة تتموضع كل من الدول فيها بحسب قدراتها وإمكانياتها، في علاقة تفاعل دائم ومتجدد. وهذا يعني أنه لا توجد هناك دولة مشابهة لدولة أخرى في إمكانيات النمو والتقدم. وما يوجد بالفعل هو بنية سياسية دولية تحدد مكانة الدول ومصيرها إلى حد كبير. وإذا أردنا التبسيط هناك طبقات دول كما كان هناك طبقات شعراء. فهناك، داخل هذه البنية الدامجة للجميع في منظومة واحدة، طبقة الدول السيدة التي تتمتع بدرجة كبيرة، ولو نسبية، من المركزية أو الاندماج الداخلي الوطني، وطبقة الدول التابعة والاندماج الوطني إلى حد كبير أو صغير، وهناك أخيرا طبقة من الدول الفاقدة تماما لأي درجة من تمركز السلطة (الوطنية) والسيادة. وكل من هذه الطبقات محكومة بقوانين تطورها الخاصة، لا ينبغي أن نفهم من ذلك أن طبقات الدول، المرتبطة بالمواقع التي تحتلها في فضاء النظام الدولي العام، ثابتة أو جامدة. بالعكس إنها في تحول وتبدل مستمرين، بطيء أحيانًا وسريع أحيانًا أخرى، على نمط التحولات التي تعرفها الخريطة الجيولوجية من تقارب القارات وابتعادها وولادة الهزات والزلازل والانهدامات وتلاشيها. وهي الظروف التي تسمح للفاعلين الواعين، أي للنخب، التي تنجح في استغلال فرص اختلال التوازن الظرفي أو البعيد المدى، لتغيير مصير بلدانها أو تحسين مواقعها على خريطة التحولات الدولية وطبيعة اندراجها في البنية العالمية. والمقصود أن الدولة، ليست كيانا قائمًا بذاته، ولا يمكن أن يفهم تحولها وتطورها بمعزل عن علاقاتها مع الدول الأخرى في إطار النظام الدولي الذي يحكم مسار الدول جميعا، بما في ذلك الدول الكبرى التي تستمد كبرها والدرجة العالية من تمركزها واندماجها الداخلي وسيادتها العالمية، من علاقتها مع من هو تحتها، أي من قدرتها على تحويل غيرها إلى أضعف منها، والحفاظ على علاقات التفوق والسيطرة بوسائل مادية ومعنوية معا. فقوة البعض هي ثمرة ضعف البعض الآخر. والصراع على الاحتفاظ بالسيطرة أو على مواقع السيطرة هو الدافع للاستثمار في التفوق المادي والتقني والعلمي معا بين الدول.
وتترتب على هذه الفرضية التي ترى في الدولة جزءًا من بنية دولية بالأساس حتى في ما يتعلق بوجودها، لا تجسيدًا مباشرا لإرادة شعبية، ولا تعبيرًا عن خصائص أو إمكانيات المجتمعات المدنية أو الثقافات المحلية، نتائج عديدة. أولها وأهمها أن الدول، بعكس ما تشيعه النظرية السياسية السائدة، لا يمكن أن تتطور بطريقة واحدة، ولا تنطوي بنياتها أو أنماط بنياتها الخاصة جميعا على بذور التطور ذاته وفي مقدمه فرص تكوين أمة. وثانيها أن الدول ليست إلا جزئيًا، وفي البلاد الكبرى ذات الاستقلالية الواسعة، تعبير عن إرادة سكانها وتحقيقا لتوازنات داخلية، أما في معظم أصقاع الأرض فهي تابعة في تطورها وفرص نضجها. وثالثها وجود تناقض بنيوي بين منطق اشتغال الدولة ومنطق اشتغال المجتمع، وهو ما تعبر عنه النظرية السياسية بالتمييز بين "ريزون ديتا"، الذي تضعه دائما في موقع الأسبقية لكونه مرتبطا بمتطلبات الحفاظ على وجود الدولة ذاته، وإرادة الأمة وحرياتها التي هي مصدر شرعية الدولة. وهذا التناقض، الذي يزداد أو ينقص حسب الطبقة التي تنتمي اليها الدولة، إلى أن يبلغ أقصاه في البلدان الضعيفة التابعة ويحرم الدولة نفسها من الوجود كدولة أمة ويحولها إلى وكالة خصوصية للنظام العالمي، أو يقضي عليها تماما بسبب الفوضى والنزاعات الدائمة وعدم الاستقرار، هو الذي يفسر ما نعرفه من علاقات عداء وتناقض صارخ أحيانا، في بعض الدول التابعة الصغيرة، بين الحكومات والنخب السائدة التي تعرف أنها لا تضمن مصالحها إلا بالتفاهم مع الدول الكبرى المسيطرة من جهة، والشعوب التي تنزع، من منطق الحرية والاستقلال والسيادة الذي يقوم عليه رسميا النظام العالمي للدولة، إلى تعريف مصالحها الوطنية، بصرف النظر عن ضغط العلاقات الدولية ومحتواها. حتى لتبدو أغلب حكومات البلدان الصغيرة في نظر شعوبها حكومات أجنبية أو "خائنة"، وهي تتردد بالفعل بين موقف التبعية والالتحاق، أو كما نقول اليوم الاعتدال، لتضمن دعم الدول الكبرى، وموقف التمرد ورد الفعل الذي ينطوي عليه النزوع المبالغ فيه للاستقلال وتأكيد السيادة المستحيلة. ويسري هذا الوضع اليوم جزئيًا على بعض الحكومات الأوروبية الوطنية التي تحتاج كي يستقيم أمرها أن توفق بين الإرادة الشعبية الداخلية وحاجات الاندماج أو الاتساق الأوروبي على مستوى سلطة القرار الاتحادية التي يحركها منطق مستقل عن منطق المصالح الوطنية الخاصة بالأعضاء المكونة لها. قد تنجح بعض الدول في انتزاع قسط كبير من السيادة والاستقلال في حقبة ما نتيجة اضطراب يحصل في علاقات القوة داخل النظام العالمي للدول، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب النكسة التي شهدتها السيطرة الغربية، والأوروبية خصوصًا، بعد الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية، ومن قبلها الحرب العالمية الأولى، والنزاعات العنيفة التي احتلت النصف الأول من القرن العشرين بين الدول الكبرى. لكن سرعان ما نجحت الدول المسيطرة بنيويًا، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في امتصاص هامش المبادرة الذي منحته الثورات الوطنية وحركات التحرر من الاستعمار للشعوب والدول الجديدة. وما لبثت بعد زوال الحرب الباردة، وانهيار القوة المناوئة للنظام، حتى أعادت سيطرتها الكاملة، الاقتصادية والسياسية والثقافية على هذه الشعوب، لدرجة زالت فيها من الوجود أو تكاد حركة عدم الانحياز التي كانت تجمع بينها خلال حقبة الاستقلالات القصيرة التي ستبدو، في ما بعد وكأنها بالفعل حقبة استثنائية مسروقة من التاريخ لا جزءًا لا يتجزأ منه.
وفي منطقتنا بدأت الدولة، بوصفها عنصرًا في منظومة دولية، تنمي هذا التعارض بين منطق السيادة الشعبية والسيادة الدولية منذ الاستقلال، بل حتى في عصر الوصاية الأجنبية، بالرغم من خضوعها في تلك الحقبة لنظم تعددية ودستورية انتخابية. وهذا هو الذي يفسر الانقلابات الداخلية التي عرفتها هذه الدول والنزاع الذي ميز علاقات النخب المحلية في ما بينها. وكان له دور كبير في إضعاف شرعية النظم الليبرالية نفسها. بيد أن مقدرة الدولة على مقاومة الإرادة الشعبية وتجاوز النزاعات الداخلية بين النخب السائدة سوف تتضاعف مرات عندما ستتخلص هذه الدولة من النظم والتقاليد التعددية الدستورية، وتفرض نظام الحزب الواحد. ففي مثل هذه الحالة سوف تتحول الدولة إلى لاعب مستقل تماما عن المجتمع، وتدخل مباشرة في لعبة النظام العالمي للدول. وستصبح وظيفتها الرئيسية إخضاع شعوبها بالقوة والعنف لصالح أجندة عالمية، وبالتالي السعي إلى التفاهم مع الدول الكبرى بدل العمل على اكتساب الشعبية من أجل الحفاظ على الوضع القائم وضمان استقرار النظام واستمرار النخب الحاكمة في السلطة والحكم. وسيتسع هامش مبادرة النخب الحاكمة في مواجهة شعوبها بمقدار كسبها التأييد من الخارج وتحسين علاقاتها به وتقاسم المنافع معه. ولن يخفف من ذلك تبني النخب عقائديات اشتراكية أو قومية، بل سوف يعززه بقدر ما يموه منطق العلاقة الجديدة ويبرر الانفراد بالسلطة والقرار.
تشكل الدولة إذن جزء من بنية سياسية عالمية واحدة، هي التي تحدد طبقتها بين الدول، وتخضعها، بوصفها عضوا في منظومة دولية متفاعلة ومتضامنة، لقواعد عمل لا تستطيع أن تتجاوزها، وإذا تجاوزتها دخلت في منطق العصيان، وألبت ضدها النظام الدولي بأكمله، وعلى رأسه الدول الكبرى المسيطرة التي تسهر عليه، وتدافع عنه دفاعا عن مكانتها وموقعها وامتيازاتها.



* مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في "السوربون"



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب ومعركة تحجيم إسرائيل
- إسرائيل والاستيطان
- مفاوضات السلام التي تضمر الحرب
- محنة العراق بين الطائفية والضحالة السياسية
- ساعة الحقيقة وإرادة الحرب
- طريق السياسة المسدود
- لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
- وضع العرب أسوأ مما تقوله التقارير الدولية
- غزة ومصر وسياسات العزل العربية
- هارا كيري فلسطيني
- العلاقات السورية التركية ودرس الديمقراطية
- عودة القرون الوسطى
- العروبة والهوية العربية في القرن الواحد والعشرين
- في صعوبة قيام شراكة عربية
- السودان والمحكمة الجنائية وهدر القانون
- الاستقرار الاجتماعي والأزمة العالمية
- شقاء الوعي العربي
- الأزمة الفلسطينية وضرورة مراجعة الذات
- إسرائيل في طريق مسدود
- إلى جورج ميتشيل: عن صناعة العدوان


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - النظام الدولي و-طبقات- الدول