أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الصالح - هل من الممكن عصرنة الدين ؟















المزيد.....

هل من الممكن عصرنة الدين ؟


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 11:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تدور منذ فترة نقاشات حول إمكانية عصرنة الدين وهل من الممكن التقدم نحو الحداثة والرقي والحضارة في ظله ؟ عصرنة الدين معناها مواكبة الدين للعصر والتغير حسب متطلباته. العصرنة في أيامنا هذه تعني الحداثة وفتح الأبواب للتفكير العقلاني والإعتماد على العقل وليس النقل من أجل تطور المجتمع الحضاري. العصرنة هي عكس الجمود.
الدين ظاهرة مميزة للجنس البشري منذ تكونه، وسمة متأصلة في النفس الإنسانية، يسعى الإنسان من خلالها للسمو نحو ما يراه مطلقا. و لقد حدث خلط بين ظاهرتين، الظاهرة الدينية والتي هي ظاهرة أصيلة في الجنس البشري وبين المؤسسة الدينية التي هي ظاهرة مستحدثة وغير أصيلة ومفروضة على الجنس البشري. يقول وليم جيمس في كتابه( التجربة الدينية) بأن الدين هو الأحاسيس والخبرات التي تعرض للأفراد في عزلتهم، وما تقود إليه من تصرفات. وتتعلق هذه الأحاسيس والخبرات بنوع من العلاقة، يشعر الفرد بها بينه وبين ما يعتبره مقدسا وإلهيا.
أما رودولف أوتو، وهو لاهوتي ألماني ومن رواد الباحثين في تاريخ وفيمنولوجيا الدين فيقول في كتابه "المقدس، 1917 " أن القدسي قد فقد معناه الأولي وتحول إلى جملة من التشريعات الأخلاقية والسلوكية. أما الحالة الأصلية للوعي بالقدسي فتجربة انفعالية غير عقلية هي أساس الدين. وتنطوي هذه التجربة على مجابهة مع قوى لا تنتمي إلى هذا العالم، تعطي إحساسا مزدوجا بالخوف والإنجذاب معا. وإن الإنقياد إيجابيا إلى هذه التجربة فكرا وعملا هو الذي يكون الدين. ويطلق أوتو عل الإحساس بهذا الآخر المختلف كليا تعبير " الإحساس النيوميني" المشتقة من كلمة نيومن والتي تعني تجلي الألوهية." ثم يقول، أن الدين جزء لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية، وبينما تكون التعبيرات الظاهرية عن الدين عرضة للتغير والتبدل مع الزمن،فإن التكوين السيكولوجي الذي يجعل الدين ممكنا عند الإنسان ثابت لا يتغير."

الأديان "السماوية" على إختلافها واختلاف فروعها تحولت إلى مؤسسات دينية ذات شروط عضوية صارمة تتكون من لوائح الممنوع والحرام والشعائر الدينية المقننة وابتعدت عن التجارب الروحية إلا في التجارب الصوفية التي حولت الإيمان من دائرة الظاهر إلى دائرة الباطن. وحتى التجارب الصوفيية قد تحولت مع الزمن إلى شعوذات وبدلا من المؤسسة الدينية ظهرت طبقة من المدعين بانهم أولياء الله، ولقد أصبح للولي الصوفي قدرة على التلاعب بمريديه والسيطرة عليهم.
لقد سيطرت المؤسسات الدينية على الأديان حتى أصبحت هذه المؤسسات هي الدين بذاته. لذلك وفي أطر المؤسسات الدينية فإن الأديان غير قابلة في الجوهر للعصرنة أو التغيير، فلا الديانة اليهودية ولا المسيحية تعصرنتا ولا الدين الإسلامي في إطار مؤسسته قابل للعصرنة والتغيير ومجاراة الحداثة. قد تتغير بعض الظواهر والأشكال ولكن جوهر الدوغمة القائمة عليه لن تتغير.

المسيحيون الغربيون تعصرنوا أما ديانتهم فلا. فالديانة المسيحية منذ عصر الإمبراطور قسطنطين والمجمع نيقية لا تزال تحكمها حقيقتها الإلهية المطلقة المبنية على أن الله نزل إلى الأرض وتجسد في جسد المسيح بن مريم ثم ترك نفسه يصلب على الصليب وبعد موته ودفنه قام من قبره ليصعد للسماء. الذين يشككون في عقلانية هذه الدوغمة و يتساءلون:" كيف مات يسوع، وهو الإله، على يد البشر وهل الإنسان قادر على قتل الإله وتعذيبه، وتعليقه بالمسامير فوق الصليب؟!" يتهمون من قبل الكنائس المسيحية بالهرطقة والكفر.المسيحية لم تغير على مر الأجيال من ثوابتها. الذي تغير هم جمهور كبير من المسيحيين الغربيين ونظرتهم إلى كتابهم المقدس وألوهية هذا الكتاب.

بعد عصر التنوير الأوروبي بدأ التشكيك في الحقيقة الدينية المسيحية وسمح لنقاد التوراة برفض ألوهيتها واعتبارها جزءا من التراث الأدبي الإنساني. ومن النتائج التي خرجت بها مدارس نقد التوراة أن نسبة الكتب الخمسة الأولى لموسى و أنه صاحبها أو كاتبها بوحي من الله، قد أصبحت نسبة باطلة تماما ولا ظل لها من حقيقة. ولقد فرض الواقع الجديد على الكنيسة الكاثوليكية واضطرها لتسجيل اعترافها بذلك في مقدمة الطبعة الكاثوليكية للكتاب المقدس الصادرة في عام 1960 حيث تقول :
"ما من عالم كاثوليكي في عصرنا يعتقد أن موسى ذاته قد كتب كل التوراة منذ قصة الخليقة، أو اشرف على وضع النص ، لأن النص قد كتبه عديدون بعده ، لكن يجب القول أن ازديادا تدريجيا قد حدث ، و سببته مناسبات العصور التالية الاجتماعية و الدينية". ومع ذلك فإن الكنائس المسيحية لا تزال تصر على أن كتبة الكتاب المقدس كتبوه بوحي من الله وأن كل حرف في الكتاب هو كلام الله.

يقول الأب المسيحي جان بوتيرو في كتابه ( بابل والكتاب المقدس) أن الكتاب المقدس باقتباسه أي شيء كان من أدب سبقه ، لم يعد ذلك الكتاب الفريد و الفوق طبيعي، لم يعد إذن أقدم الكتب جميعا، الذي كتب من عند الله شخصيا ، أو بإملاء أو إلهام منه كما كنا نراه دوما، تبين أنه في الواقع كتاب مغمور ضمن تيار هائل من الفكر و الأدب الانسانيين . لم يعد يمكن إذا قراءته كما في السابق على أنه منزل مباشرة من عند الله شخصيا، لقد تحول قبل كل شيء إلى كتاب كتبه بشر.

الإسلام يقوم أساسا على ألوهية النص القرآني الذي نزل كوحي على النبي محمد بواسطة الملاك جبريل. النص القرآني هو نص إلهي غير قابل لأي مناقشة، وكل ما ورد في نصوصه هي حقائق إلهية ومن غير المسموح لأي أحد كان التشكيك في حقيقتها، فهي كلام الله. والقرآن كتاب جامع لكل علوم الأرض و لم يترك شاردة أو واردة إلا ذكرها. القرآن، هو أصل المعرفة وان المعرفة القرآنية يجب أن تحل محل المعرفة التجريبية العاجزة ومن خلال المعرفة القرآنية تتم الإجابة عن جميع المعضلات في أي فرع من فروع المعرفة. إن جميع العلوم التي تؤخذ من خارج الوحي، هي علوم إستقرائية وتجريبية لا تصل إلى حد اليقين، لأنها علوم تكشف عن الظواهر الطبيعية وعلاقاتها الظاهرية. أما القرآن فهو علم شامل كلي ويقيني، فهو حاكم على كل العلوم غير محكوم بها. هو شامل للظواهر كلها في آن واحد في كل تركيب وكل آية على إنفراد، وهو شامل للمكان حيث أنه يعبر عن حقيقة أي شيئ في أي موضوع من الكون، وشامل للزمان إذ تكون الحقائق مطابقة للنظام القرآني في جميع أدوارها وأزمانها(راجع، سبط النيلي، المنهج اللفظي، مكتبة بلوتو، بغداد وغيره كثير من المصادر التي تتحدث عن الإعجاز القرآني)
إذا وبناءأ على هذا الفكر فإنه علينا أن نقوم بتأويل الحدث التجريبي والعلمي والواقعي والتاريخي تأويلا يتناسب مع حقيقة النص القرآني وليس العكس.فإذا تعارضت الحقيقة العلمية مع النص القرآني فمعنى ذلك أن الحقيقة العلمية هي حقيقة مزيفة وخاطئة ويبقى النص القرآني هو مالك الحقيقة المطلقة. فإذا تقبلنا هذا المنطق فلا بد لنا أن نتسائل، لماذا يقف المسلمون اليوم في قاع السلم الحضاري والعلمي مادمنا نملك أصل المعرفة؟ لماذا نحن مقلدون في كل مجال المعرفة العلمية ولم نقم بإختراع جديد أو بإضافة أي مكتشف علمي إلى منتج الحضارة الإنسانية؟ هل نحن نجهل قراءة النص القرآني ويستعصي علينا إكتشاف الحقائق العلمية فيه، أم أننا ننتظر أن يخترع ويكتشف الغير حتى نسرع في إعلان أنه موجود في القرآن وأن القرآن تحدث عنه وذكره وفسره؟
لقد نشر لي على هذا الموقع، قبل وقت قريب، مقال بعنوان " موسى والعقيدة الموسوية ، حقيقة أم خرافة؟" ولقد أثار المقال عددا كبيرا من الردود أتخمت بريدي الألكتروني وخرجت عن المألوف في النقاش البناء واحترام رأي الغير. لم أجد في الردود التي وصلت بريدي، عدا عن بعض التعليقات الجادة التي نشرت في الحوار المتمدن، ردا واحدا يستند إلى العقل والمنطق. لقد كان جل التعليقات ركام من الشتم والإتهام بالكفر والإلحاد إلى جانب التهديدات المختلفة. فكاتب المقال في رأي البعض هو" كافر ملحد يسكن في بلاد الكفر سلوفاكيا وينشر سمومه منها."" لقد أجمعت مضامين الرسائل التي وصلت بريدي على أن القرآن ، وهو كلام الله، قد ذكرموسى كأحد الأنبياء وأي تشكيك في وجود موسى وقصة موسى هو تشكيك في الحقيقة القرآنية وهو إنكار لكلام الله وإعتداء على قدسية الأنبياء والمرسلين وهو مس بالمحرمات التي يعاقب عليها القانون الأرضي والسماوي. المقال في رأيهم هو إعتداء صريح على أحد أهم الرموز القرآنية، والرموز القرآنية فوق الشك ويجب عدم الخوض في أي موضوع يشكك بصحة وجودها.ما أدهشني هو أن كثيرأ من المعلقين الذين رفعوا سيف الحد في وجهي هم مثقفون وأدباء معروفون ولم يختبئوا كالعادة خلف أسماء مستعارة من ما يدل على أن الحجر على العقل المفكر قد وصل النخبة المثقفة.

إذن عندما نؤكد على حقيقة معروفة اليوم لذوي الإختصاص بأن التاريخ، كعلم بحفائره و آثاره الشاهدة يعرف تاريخ مصر جيدا، وقد انتهى إلى ترتيب تاريخها الزمني عبر أسرات ودول من( مينا) موحد القطرين مرورا ببناة الأهرام حتى الشناشقة والبطالمة. فأرض مصر تفيض بالحفائر والآثار والوثائق والمعلومات. إن هذا التاريخ مع كل وثائقه التفصيلية إلى حد كبير، لا يذكر في وثائقه على الإطلاق، ولو إشارة، نبي أو أمير أو قائد باسم موسى ،أو لصبي من بني إسرائيل تبنته ابنة فرعون وربي في القصر الفرعوني وصار له شأن . كما لا يوجد أي ذكر لفرعون غرق وجيشه في البحر. على أهمية حدث من هذا النوع. كما لا يوجد اي إشارة أو ذكر لخروج موسى على رأس الآلاف من الإسرائيليين من مصر إلى سيناء. وعندما نتسائل هل من المعقول أن تمر تلك الحوادث وتلك الشخصيات من دون ذكر لها في هذه الوثائق التي شرحت كل شاردة وواردة من جميع جوانب الحياة المصرية، لو أن هذه الحوادث كانت قد حدثت فعلا كما تحدثنا عنها التوراة ولو أن هذه الشخصيات كانت فعلا تاريخية و ليست مختلقة أو أسطورية؟ عندما نقول ذلك فإننا نكفر بالقرآن وننكر أؤلوهيته وهو أشد الكبائر. عندما نذكر كل هذا فنحن، نشكك في حقائق قرآنية والقرآن هو أصل المعرفة وكل العلوم والوقائع على أرض الواقع يجب أن تؤول حسب الحقيقة القرآنية.
لم يرد في مخيلة الناقدين العودة مثلا إلى النص القرآني ومحاولة قراءته من جديد على ضوء الحقائق العلمية لعلهم يكتشفوا معاني أخرى للنص القرآني غير المعانى التي يكررونها منذ عقود. الأسهل بالنسبة لعقولهم هو رفض الحقائق العلمية على ارض الواقع ومنع الخوض في ما يدعونه الحقيقة القرآنية الناتجة عن قراءتهم للنص القرآني، تحت طائل التكفير وإقامة الحد.
عندما نقول بأن التاريخ لا يكتب بدون وثائق وحقائق تاريخية على الأرض، والمؤرخ لا يتدخل في المعتقدات. المؤرخ يزود الجميع بالمجمل المساحي للماضي الحقيقي، وكل إنسان من بعده ، يتملى في هذا الماضي مثلما يريد. عندما نقول ذلك فإننا نعتدي على المقدس وعلينا أن نؤول اللقى الأثرية والوثائق التاريخية تأويلا ينطبق مع الحقيقة القرآنية التي إستنبطها ممثلي الفكر الديني تماما كما فعل سابقا المؤرخون التوراتيون وزورا تاريخ بلادنا تزويرا رهيبا.
المسيحيون الغربيون، كما قلنا، تنورت عقولهم وشككوا في الحقيقة الدينية المسيحية وسمح لنقاد التوراة برفض ألوهيتها واعتبارها جزءا من التراث الأدبي الإنساني وبدأوا في إعادة قراءتها على هذا الأساس. ما حدث لمسيحيي الغرب لم يحدث لمسيحيي العرب و لن يحدث أبدا للمسلمين و سيظل القرآن بالنسبة لهم هو وحي إلهي كل حرف فيه من كلام الله.
الفكر الديني الإسلامي لن يقبل حتى بتاريخية النص القرآني وأنه بغض النظر عن المصدر الأول للنص القرآني فإنه حالما جرى نطقه من قبل النبي محمد وجرى تداوله بين الناس ، أصبح نصا أرضيا بشريا يخاطب البشر المتلقين بلسان أرضي بشري هو اللسان العربي. هذا وإن المخاطبين به بالأساس هم الناس الذين ينتمون إلى النظام اللغوي الذي نطق به النص وينتمون إلى الإطار الثقافي والإجتماعي في فترة تأسيسه. القرآن، كما قال طه حسين في كتابه الشعر الجاهلي أصدق مرآة للحياة الجاهلية" وهذا يؤكد الجدلية بين النص والمجتمع الذي خاطبه وإلا لما فهموه وما تقبلوه ولما تفاعلوا معه. إنها رسالة، موجهة إلى البشر عن طريق الرسول محمد وذلك بغض النظر عن إيماننا بألوهيته أو عدمها، فلم تكن تلك الرسالة مفارقة لقوانين واقعهم بكل ما يحتوي هذا الواقع من أبنية وأهمها البناء الثقافي والإجتماعي .
لقد قال نصر حامد أبو زيد بأن القرآن نزل في التاريخ، وهو يتفاعل معه تفاعلاً حراً وسيستمر عمله في التاريخ، وانه يحمل ملامح القرن السابع الميلادي ويدل على ممارسات العرب في ذلك القرن وعلى موقعهم في العالم القديم ويعكس لنا حالة التاريخ قبل نزوله ولحظة هذا النزول. ؟ ويؤكد أن تاريخية النص القرآني ، تعني ايضاً ان هناك اجزاء منه سقطت بحكم التاريخ واصبحت شاهداً تاريخياً، أي انها تحولت من مجال الدلالة الحية المباشرة إلى مجال الشاهد التاريخي. مثال ذلك تحوّل آيات الرق والاحكام المتعلقة بها الى آيات للعبرة بعد زوال نظام الرق من حياتنا. ويؤكد أبو زيد بأنه من الضرورة التعامل مع النص القرآني من خلال سياقه التاريخي في معناه الأشمل، ومن خلال شخصية النبي محمد وعلاقته بالمجتمع والثقافة، وهذه كلها لا تزال في اطار المحرمات." وكان من جراء هذا القول و غيره أن المؤسسة الدينية كفرت أبو زيد وطالبت بتطليقه من زوجته وعاش الدكتور نصر مشردا في بلاد الغرب ومات كذلك.
لنكن صريحين مع أنفسنا وأن لا نستسلم للأوهام ونعترف بأن الدين الإسلامي لن يتعصرن ولن تصيبه الحداثة ولن يغير من ثوابته حتى لو إجتمع كل المحدثين وناقشوا وألفوا الكتب وكتبوا المقالات فلن يستطيعوا تغير قيد أنملة من ثوابته، فجذورها راسخة في فكر المسلمين. ممثلوا المؤسسة الدينية الإسلامية يملكون جيشاً من الفقهاء والدعاة وما يدعون أنفسهم علماء دين، وهذا الجيش يمتلك شتى الوسائل التعبوية بدءا من آلاف الجوامع وأشرطة الكاسيت، ومروراً بمئات الإذاعات، وعشرات الفضائيات، ومئات المواقع على شبكة النت، وهو يحسن استعمالها. لقد استطاع هذا الجيش زرع الحقيقة الدينية الإسلامية المطلقة في عقل المسلم منذ طفولته، كما استطاع صرف الجماهير وحتى المثقفين منهم عن الاهتمام بما يجري في حياتهم الأرضية مقابل وعد في السعادة الأبدية في العالم الآخر. كل المحاولات التنويرية أو الحداثية لم تستطع أن تقترب قيد أنملة من الحقيقة القرآنية، ولن تستطيع لأن جل التنوريين جاؤا من نفس المؤسسة و محاولاتهم التنويرية مست الرتوش ولم تستطع ولن تستطع في المستقبل المساس بالجذور.
الحركة التنويرية في أوروبا تركت المؤسسة الدينية لحقيقتها وأبعدت سلطتها عن الحكم وإدارة البلاد وأسست حكم المؤسسات المدنية بعيدا عن السلطة الدينية الغير قابلة للتغيير. لقد إختارت العلمانية التي حررت الإنسان من السلطة الدينية وفتحت أمام المجتمعات الغربية أبواب الحضارة على مصراعيها. لم تأت نتائجها بيوم وليلة بل بالعكس أخذت أعواما طويلة وجهدا جبارا حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. لقد بدأ بها الفلاسفه والمنظرون ثم إنخرطت فيها جميع الأطياف الفكرية.
هذا ما نحن بحاجة إليه في وطننا العربي وبقية البلدان الإسلامية وهذا ما يجب أن توجه جميع القوى التنويرية والحداثية جهدها إليه. العلمانية لم تأت لتصارع السماء ونظرة البشر إليها وعلاقته معها، ولم تأت لتصارع الظاهرة الدينية بمختلف أشكالها ولا تتدخل في علاقة الإنسان مع المطلق ومظاهر هذه العلاقة. العَلمانية تؤكد استقلالية العالم ومكوِّناته وأبعاده وقيمه بالنسبة إلى الدين ومكوِّناته وأبعاده وقيمه. وهي علاقة حياد إيجابي تجاه جميع الأديان والإيديولوجيات، ولا تعني على الاطلاق إلحادًا ولا شكًّا ولا ابتعادًا تجاه الأديان والإيدولوجيات، بل اعتبار أن لكلِّ جهة كيانَها وقيمتَها من دون رفض الآخر أو استيعابه. وهي تؤكد على قيمة كلِّ إنسان وعلى حق المواطنة الكامل له من دون الرجوع إلى معتقده الديني أو انتمائه الطائفي. كما تؤكد على استقلالية الممارسة السياسية عن الانتماء الديني. واستقلالية المجتمع المدني، بأفراده وتجمعاته، عن الطوائف والأديان، واستقلالية المؤسَّسات التعليمية و التربوية والإعلامية والاجتماعية عن الأديان و الطوائف وسلطاتها. ولعل أهم الأسس التي تقوم عليها العلمانية هي استقلالية قوانين البلاد عن الشرائع الدينية. العَلمانية تعني استقلالية القيم الإنسانية، كالعدالة والمساواة والديموقراطية والحرية الدينية والفكرية عن جميع المصادر الدينية.
العلمانية الحقيقة لا يمكن أن تكون ديكتاتورية، لأن الأساس الذي تقوم عليه العلمانيه هو الإعتراف بالغير وقبوله مهما كان دينه ورأيه بعكس الدكتاتورية فهي ترفض الغير وتلغيه. والحقيقة أن مأساة بعض الدول العربية التي ادعت العلمانية هي أنها أبعد ما تكون عنها. وكل الفشل في التجارب الذي حصدتْه، لا علاقة له بالعَلمانية بل نتيجة طبيعية للدكتاتورية. فالاستبداد والقهر، عندما يسد منافذ الفكر الحر، لا يترك غير منفذ واحد مفتوح هو الهرب إلى المسجد حيث يسيطر الخطاب الديني الأصولي . والنتيجة أن الاستبداد والقهر وحجز الحريات الفكرية والسياسية هو أكبر خادم للنزعات الدينية الأصولية في المجتمعات العربية.

د. نضال الصالح / فلسطين



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسى والعقيدة الموسوية، حقيقة أم خرافة
- قسوة البرد ونار القهر
- تشرذم اليسار نصر لليمين، سلوفاكيا مثلا
- لقطات من زيارة خاطفة
- قتلوه ولم يمشوا في جنازته
- حب من الماضي
- عالم المجانين
- مستشفى الأمراض العقلية وعالم المجانين
- العم حسنين: الحكمة والقمامة
- عبدالرحيم عمر: الشاعر، الصديق والإنسان
- البحث عن الذات
- قصتي مع جابر بن حيان
- كيف تتكون الهالة حول الجسم وما علاقتها بصحته
- اليهود الخزر
- وحدة المخابرات العربية
- المرأة والجنس في الديانة اليهودية
- المتقاعد
- الإسلام والمسيحية، صراع عقائد أم مصالح؟
- رقة الغزل وعفة السلوك
- ذئاب بلحية ومسبحة


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال الصالح - هل من الممكن عصرنة الدين ؟