|
المُتأخِّر وطنٌ... المُتَقَدِّم شَتات
كريم الثوري
الحوار المتمدن-العدد: 3022 - 2010 / 6 / 2 - 09:13
المحور:
الادب والفن
المُتأخِّر وطنٌ... المُتَقَدِّم شَتات قراءة في مجموعة ( لماذا تأخرتِ دهراً..؟) ليحيى السماوي 2 ـ 2
أبي عـاش سـبـعـيـنَ عـامـا ً ونـيـفـا ً عـلى الـخـبـز والـتـمـر ِ ما قـالَ أفّ ٍ … ولا صـاحَ بـالـخـوف ِ تـبّـا ً .. ولم يـتَّـخـذْ غـيـرَ نـخـل ِ السـمـاوة ِ خِـلّا ً وفِـيّـا!!
لـمـاذا هـرقـتُ شـبابـي شـريـدا ً .. غـريـبـا ً .. ذلـيـلا ً .. شـقـيّـا؟
لمـاذا تـأخَّـرْت ِ دهـرا ً عَـلـيّـا؟ ( لا تولد الكتابة إلآ من الجُرح / الألم . لا تولد إلآ من جحيم منفى الكائن الأبدي ، وبذا فإن كل ما يفعله الكائن هو إبداع منفاه . لذا فمن المنفى إلى المنفى نمضي ، من الهامشية إلى المنفى وكلاهما نارٌ بنار) .. جمال الساعاتي الخائف حذرٌ وفعّال يعيش المنفي مرَ الدهور عقدة اللامُسْتقَر ، فعصره هو عصر النفي الفلسفي بامتياز ، لا يجد امام لجاجة الاسئلة المُستعرة في حجرات تدفعه باتجاهاتٍ قصية ٍ سوى البحث عن محطة أخرى يتحسس من خلالها قدرته على استعادة نشاطه ليواصل كسر الحواجز المُبتكرة الرادعة له ، كشكل من اشكال المقاومة السلبية ، ليكتشف فيما بعد وبعد مضي الوقت ، بأنه يراوح محله ، ( جئت لترحل) ، فنفيه في أهم المفاصل ِ لم يكن إلآ ظنيّاً ، ليستمرحدسه متوهجا ، وكلما توغل في بَعيدِه ُالنائي تنمو هذه الجرثومة معه وتتناسل لتنتج جيشا ، ليتحول إلى وعاء لجنس غير متشابه إتخذهُ مطية لتقاتل الأضداد ، ليستحيل الوطن بدلالته إلى غربة حينما يجد نفسه منبوذا اينما ذهب . الغرابة في الأمر يصل الأمر بهِ أبعد من ذلك حينما تتحول حتى الأُلفة مع المكان سجنا قسريا ، وبهذا تنتفي حاجته الوجودية كعنصر حيوي فعال مقاربة حتى مع أقرب المقربين لديه – ابيه – وقد عرفنا السماوي وهو يقارن بينه وبين أبيه كيف أن الأخير لا يتحسس ما يتحسسه هو ، بدليل القناعة المطمئنة من شعوره بالإستقرار النفسي والثبات العقيدي ، المتوسد تحت عِقال الرضا ، والفهم الواضح في تبسيط معنى الوطن والتشبّث بتراب الممكن ، ليكتشف اخيرا ً خطأه الفادح يوم أقدم على الهجرة. وعودة إلى الأبيات السابقة في مستهل رؤيتنا للقسم الاول من بحثنا المتواضع ، نراه يُبيّن ما كان يجب أن يفعله مقارنة بأبيه مأخوذاً في تفاصيل كانت غائبة عن مخيلته ، إن لم يكن قد تغاضى عنها مشحونا بدفعة أقوى نحو الآبعد ، تجانسا مع دفق معناه وهو في ريعان شبابه : أمـا كان لـيْ أنْ أُخـبِّـئـنـي لـيـلـة ً في (الـصـريـفـة ِ) .. أو لـيـلـتـيـن ِ بـسـرداب ِ قـبـر ٍ وعـامـا ً بـبَـرِيَّـة ٍ نصـفَ عِـقـد ٍ بـ (هـور الـجـبـايـش ِ) عِـقـدا ً مـع الـلـوز ِ والـجـوز ِ في غـابـة ٍ في الشـمـال ِ وعـامـا ً بـكـهـف ٍ أُلـمْـلِـمُ بـعـضـي إلـيّـا ؟ هذه الجزئيات التي يراها الان بعد مضي أعوامه الستين، ما كان بمقدوره التعرف عليها من قبل، هي الفاصلة الكبرى في وعي الأبعاد الأخرى في مسلمة الوطن ، وهي إشكالية كبرى مازالت تشغل الوسطين الثقافي والمعرفي بخصوص معنى الوطن ، لكن شاعرنا السماوي وبعد تقلبه في أمصار الدنيا يكتشف مناطق كانت ملتحقة بالعتمة والإهمال ، يستنجد بها الان ، بل ويعطيها قدرا متفوقا ، كان يمكن ، أن تغير مجرى حياته ، بدليل تساؤله عِبرَ – أما كان لي ْ - ضوئية الشامات : وسَـرَقـْتِـنـي مـنـي أعـيـديـنـي إلـيَّ .. فـلـيـسَ مـا بـيـنـي وبـيـنـي ألـفـَـة ٌ.. أو بـيـنَ أغـصـانـي وجـذري آصِـرة ْ لـيـس ادِّعـاءً لـم أكـنْ أدري بـأنـَّك ِ سـاحـرة ْ مقطع من قصيدة ضوئية الشامات ، يجري مجرى عنوان المجموعة – لماذا تأخرتِ...- وهي تُبين حقيقة صراع – المتأخِّر المُتقدِم – فالسماوي هنا نراه يتشبّث بالماهية ويترك الأصل الماديّ ، أي أنه ترك الشامة وتابع يستنطق ضوءها ، مشغوفا ببعدها النائي ، وعودة على حكايات جدتي ، من جهة إستدراج المخبوء المُحَفِزْ ، بِأن الشامة مقرونة بالضوء ، والمحظوظ مَن يُجني أكبر قدر ٍ منها لتتحول الشامات إلى شموع مضيئة في عالم القبر . و للشامة رمزية جمالية في الذهنية الشرقية ، وعودة على عنوان المجموعة – لماذا تأخرتِ...- فإن الأبيات الثلاث الاولى تُعاني صراعا لم يُحسّم ، فمن هو الذي سرق الآخر ، فيُعيده إليه : العين الناظرة أم الوجه الذي خُلق من أجلِ النظر؟ الباحث في الأوطان عن وطن بديل ، أم الوطن الذي يُقدم أبناءه قرابين لمعناه المُفعم بالضبابية ؟ الانسان ذو البعد الواحد أم الابعاد التي خُلقت لاختبار مدى بُعده الحقيقي ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها مشروع بحث وجودي لم ينته ِ إلى نتيجة . يزيدنا الشاعر السماوي وهو يُحاول إستعادة - الضوء – بريق الشامات كما رسمها مُتسائلا بينه وبين نفسه ، فليس هناك من محاور غيره ، ويزيد على ذلك فيما يُشبه التاكيد ( ليس ادعاء ) . يقول : وسَـرَقـْتِـنـي مـنـي أعـيـديـنـي إلـيَّ .. فـلـيـسَ مـا بـيـنـي وبـيـنـي ألـفـَـة ٌ.. فالبيت الثالث قد حل إبهامية البيتين السابقين ، بوخزة انتباه ٍ قطعت الإسترسال واتجهت الاسئلة منكفئة تتحرى العطب داخليا ، لينتهي الحوار بتهمة المعتاد ، فالعلة في المعلول دفينة تعاني من تحديد الهوية المفقودة بفقدان – الإلفَة : لـم أكـنْ أدري بـأنـَّك ِ سـاحـرة ْ ! لتقف علامة التعجب حائلا يُزيد من إبهام اللعبة الجميلة بلذاتها . وفي مقطع آخر من قصيدة عمودية أُخرى بهذا الغرض نراه منفيا ببعد - الزمن الضوئي - وهذا ما يمكن النظر اليه على أنه الواقع الحقيقي لا الإفتراضي الذي يمُرُّ على الناس العاديين وهُم مأخوذون بتراتبية الليل والنهار وتعاقب الفصول الأربعة ، فحساباته لا تشبه حسابات بقية خلق الله :
سـتـون .. في ركض ٍ ولـمْ أصِـلِ نـهـرَ الأمــانِ وواحـةَ الأمَـــلِ
سـتونَ .. أحسَـبُ يـومَـهـا سـنـةً ضـوئـيَّـةً مــوؤودةَ الـشُّـــعَـلِ ونرى ذلك ايضا في مقطع من قصيدة – لماذا تاخرتِ – وهو يرثي حاله مستذكرا ايام طفولته يغازل النجوم لنتعرف سر تعلقه كل هذا القدر بـ " الضوء " : وأنتَ عـلـى السّـطـحِ : طـفـل ٌ يُـغـازِلُ عـنـدَ المـسـاءِ الـنجـومَ.. ويـغـفـو يُـغـطِّـيـهِ ضوءُ الـثُـرَيّـا ؟ إسألي الصبر .. أمثلي عاشق ؟ : أنا ـ يـا هـنـدُ ـ وربِّ الـفَـلـق ِ ناسـكُ الإثـم ِ عـفـيفُ الـنـزَق ِ
جزتُ خمسيناً وتـسعا ً وأنـا لم أزلْ طفلا ً بـريءَ الحَمَـق ِ
شــاخَ لـكـنَّ الـهـوى أرْجَـعَـهُ كابن ِ عشرين َ صَبوحَ الأفُـق ِ القصيدة الأخيرة التي اختتم بها السماوي مجموعته الشعرية ، إبتدأها بِقسم ٍ غليظ – رب ِّ الفلق - موجها خطابه لرمز الأنثى الأخيرة في خياله الشعري ( هند التي قرأنا اسمها في أكثر من مجموعة سابقة تصريحا ً أو ترميزا ) ليدلنا على ثابته المثالي من خلال سير التفاصيل ، لكنه في البيت الأخير يعود بنا وإياه متساءلين ، عن أصل القصة - : أبـدا الـقِـصّـة َ من آخـرهـا : ذهبَ الـعـشّاقُ والعِشقُ بقي عَودٌ على بدء ، في لعبة الكر والفَر ، وما القصة التي أوهمنا بالدخول إليها ، سوى هوس ٍ .. ما أن يصل منه مقام الذروة ، حتى ينقلب إلى غيرها في مواصفات أخرى وإن كانت تدور في ذات الافلاك : السكين ،العصفور، وخيط الدم ، كدالة على – ذَهب العشاق والعِشقُ بقي – وللأُم نصيب في ترنيمة الوجع فمقامها بمثابة الوسطي المُرطب أو الإسفنج الماص لقوة الضربة ، فهي الحؤوّل دون أن يقع (الشاعر - الوطن )، رغيم الشَح المُخيِّم ، لكنها بقدرها المتوازن ، لا ينضب ...، تعرف كيف تحلب المُستحيل ، وتروينا من يباس الجدب ، الشيء الكثير ، ببركة الدُعاء : وأمـي ـ إذا جـعْـتُ ـ تـشـوي لـيَ الـمـاءَ أو تـنـسـجُ الـصـوفَ ثـوبـاً فيغدو حـريـرا ً بَهـيّـا ! لماذا إذاً أصبـحَ الـماءُ في عـصـرِنـا ظـامِـئـا ً والـرَّغـيـفُ كـمـا الـتِّـبْـنِ والـعِـشـقُ في يـومِـنـا تُـهْـمـة ً والـمـواويـلُ غَـيّـا ؟
أتـدعـيـنـني بـعـدمـا شـاصَ تـمْـري ؟ لـمـاذا تـأخَّـرْت ِ دهـرا ً عَـلـيّـا ؟ كريم الثوري
#كريم_الثوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة نقدية
-
صياما في حضرة السرو
-
سردشت يعشق اميرة البياض
-
المهاجر والكلب
-
عيعووووووووو
-
حوار مع صدفة
-
محجر الاعدام
-
حوارية الذئب الأجرد
-
أس الشخص الثالث
-
مئة إمرأة قُبلة رجل
-
تقديم لديوان: السواد... يا لونيَ المفضّل.. ! للشاعر كريم الث
...
-
مصلى في مقر الحزب الشيوعي العراقي
-
وهم معرفة
-
حكايتي مع كمبيوتري القديم
-
اصبعي منقع بالورثة 2
-
حوار مع كلب عراقي 2
-
اصبعي منقع بالوراثة
-
مهر حواء
-
الجمال ومدلول القبح في الجميل
-
الديمقراطي الأخير
المزيد.....
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|